Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

البطل عصمت حماده - احد ابطال اللواء 25 مدرع

 

 

  • هذه قصة حقيقية من واقع حرب أكتوبر اضطررت إلى كتابتها وما أنا بكاتب أو مؤلف ولكنني مقاتل سابق

  • وقد دفعني لكتابة هذه القصة أنني لم أجد مؤلفا أو كاتبا كتب شئ يليق بحرب أكتوبر العظيمة… وأمام سخطي وإحباطي اضطررت لكتابة هذه القصة وقد شجعني على ذلك قربي من شخصية بطل هذه القصة و إمكان تسجيل حوادث القصة بسؤاله هو أو سؤال المقاتلين الذين قد شاركوا معه و نالوا شرف القتال …. وبالطبع فقد استبعدت كثيرا من الحوادث وأسماء الأماكن إلا في حالة الضرورة القصوي ..كما غيرت في بعض الأسماء عن عمد… و اغفلت بعض الاسماء. وأشرت إلى وظائفهم وقد ذكرت أعمال القتال والنجاح والفشل بصراحة تامة مؤكدا أن المعرفة الحقيقية هو الأساس للتعليم والتطوير واكتساب الخبرات التي تفيد المستقبل وقد أشرت في قصتي إلى عدة بطولات قد أنجزت بواسطة مقاتلين من عدة تخصصات من المشاة ورجال الدبابات والصاعقة والقوات الجوية…. الخ… بعضهم أعرفهم بالاسم والبعض الأخر أعرفهم بأفعالهم…. إن حرب أكتوبر لا نستطيع إسناد فضلها فقط لهؤلاء القادة العظام الذين اتخذوا القرار بالحرب وعلي رأسهم الزعيم الراحل أنور السادات بل أن الفضل الأكبر للنصر وما تحقق من انجاز رائع فى هذه المعركه انما يعزى حقا لهؤلاء المقاتلين المغمورين الذي ضحوا بحياتهم وسعادتهم من أجل وطنهم….. الى هِِؤلاء الشباب المصريين من الفلاحيين و العمال و الموظفين و اولاد الذوات مسلمين و مسيحين …….ان نتيجه حرب اكتوبر و ثمرتها ما هى الا نتاج كل جهود هؤلاء و تضحياتهم …… انك ايها القارىْ العزيز إذا قرأت الآن القصص عن بطولة وتضحية هؤلاء البسطاء….. لما استطعت أن تسلم بحجم التضحية… إلا لو شاركت في تجربة الحرب بشكل كامل …… فإنك لن تستطيع إدراك ما معني أن تكون مهدداً بفقد حياتك بضعة أيام متتالية أو بضعة أشهر في كل دقيقة بل في كل ثانية…….. لا نوم…… لا راحة لا وقت للنظافة……. بل أحياناً لا وقت للطعام…. يتنازعك شعور متباين من حبك لذاتك ومصلحتك الخاصة وماذا سوف يحدث لو فقدت حياتك من سيعول أولادك أو أمك وأخواتك وبالرغم من هذا فالكل يقاتل والكل يضحي ….. وأخيرا أهدي هذه القصة لشباب مصر أولاد المحاربين القدامى الشهداء والأحياء لمعرفة بطولة آبائهم وإخوتهم وتضحياتهم وقد رمزت لهم جميعا وتصرفات عصمت لعل الله يوفقني لنقل تلك الرسالة التي أهداف إليها من وراء هذه القصة والتي تتلخص في أن الحرب شيء كريه صعب ولكن هناك أحيانا ضرورة تحتم ذلك وأن قوة وعظمة الوطن ترتبط بالشباب وان علينا نحن إعداد أولادنا منذ الصغر علي تحمل كيف يكونوا رجالا يتحملون الصعاب وقادرين علي التضحية وأن كل إنجاز يجب أن يسبقه تخطيط وتنظيم جيد وتنسيق وإشراف مستمرة، وتقييم حقيقي أمين لنقاط قوتنا وضعفنا لتحسين الأداء في المستقبل وأخيرا فلنحسن اختيار الرجال المناسبين وأن نعمل على وضعهم في الأماكن المناسبة لهم فنجنى من جميل جهودهم أطيب الثمار.

  • حفظ الله لنا مصرنا الحبيبة الغالية،،، وجعلها درة بلاد العالم

  • لواء اركان حرب اورهان حماده

 

الفصل الأول

أف.. زفرة ضيق انطلقت وقد جلس الفتي ذو الأربعة والعشرين ربيعا والذي يدعي عصمت متأهبا في دبابته لمدة خمس ساعات علي أحرمن الجمر منتظرا العبور من ذلك المعبر الجاري في إنشائه في مكان قريب منه. وقد أخفي دبابته عن طائرات العدو تحت شجرة ضخمة وظن أن فروعها قد انحنت كي تخيفيه عن الأنظار. وقد أخذ يضرب ذبابة كانت تداعبه فضربها بالبيرق للمرة الثالثة بقوة مودعا بهذه الضربة كل ما يملك من قوة وكل ما يشعر به من ضيق وإحباط. فجأة انتبه علي صوت القذف المستمر لطائرات العدو بذخائره حديثة لم تعرف من قبل ورغم ذلك فرجال الدفاع الجوي يطلقون ألسنة نيرانهم بصفة مستمرة في صورة خطوط نيرانه مائلة في اتجاه الطائرات المغيرة وذلك لحماية وتغطية أعمال رجال سلاح المهندسين الأبطال في محاولاتهم المستميتة في إنشاء كوبري للعبور . أما رجال المدرعات أصحاب المهمات الصعبة وصاحب القصة وهو واحد منهم فقد جلسوا يتململون وكأنهم جالسون علي جمرة في انتظار اللحاق بإخوانهم من رجال المشاة الذين بدأوا العبور منذ حوالي خمس ساعات مستخدمين القوارب المطاطية والوسائل المبتكرة حاملين أسلحتهم الخفيفة وصواريخهم الصغيرة المضادة للدبابات. مخترقين بشجاعة فائقة تحصينات خط بارليف مندفعين إلى عمق النقط الحصينة لسرعة اكتساب أرض جديدة وتجهيزها لاستقبال الهجمات المضادة للعدو متعطشين إلى انضمام الدبابات لهم لمعاونتهم في معركة الهجمات المضادة تلك المعركة التي ستكون نقطة التوازن في اليوم الأول للقتال بل ستكون بداية المرحلة الحاسمة في أعمال القتال القادمة وكانت صورة أرض المعركة غاية في الروعة والعجب فهناك نيران من الأرض للأرض ….وانفجارات في كل مكان *** تتصاعد أعمدة اللهب من الدخان في كل مكان وصوت الرجال يدوي بزئير الأوامر العسكرية الصادرة بسرعة فتح النيران وإبطالها….. أو بتحريك مدفع لمربض تبادلي … أو بطلب الإسعاف….. أو صفارات تنذر عن هجوم طائرات العدو.. كل هذا لم يكن ليشعر هذا الفتي بالقلق لأنه تأقلم علي هذه الأجواء…. وقد غمره إحساس للحظات أنه يشاهد أحد الأفلام الأمريكية المثيرة….. ولكن جم قلقة أن هناك من تأخر دورة في العبور كثيرا وهو يعلم علم اليقين أن هناك من هو في احتياج شديد إليه وإلى مجهوداته ونيران دباباته الثلاثة. بدلا من إضاعة الوقت والجهد في اصطياد تلك الذبابة اللعينة… *** انتباه … جميع المحطات…. سيتم الآن العبور بالتسلسل المتفق عليه أولا يتم عبور محمود وعصمت. يجب استخدام أقصي قدره لدبابتكم في العبور حيث أن سلاح المهندسين قد قام بإنشاء الممر علي عجل محمود اتجه الآن نحو المعبر.. عصمت أحتل الساتر الترابي لتغطية عبور محمود كان الله معكما ” انتهي ” تلك كانت كلمات الإشارة اللاسلكية التي وصلت إلى عصمت وبدأ عقله يفكر في هذه الإشارة وقد استخلص منها أنه كانت هناك صعوبات كبيرة في إنشاء الكوبري في الوقت المحدد له وكذلك صعوبات فنية هذا إلى جانب وجود قتال أرض جو في منطقة إنشاء المعبر ، أيضا فإن المشاة أصبحوا في حاجة ماسة للدبابات خاصة وأنهم يقاتلون بدون معاونة الدبابات منذ أكثر من ثمان ساعات . وقد تأكد أنهم سيجدون صعوبة كبيرة في الصعود فوق الساتر الترابي لعدم استكمال أعمال المهندسين في فتح ثغرة فيه ولكن كل هذا لا يهم … ابتسم وتنهد ولسان حالة يقول حان وقت العمل… وتنفس الصعداء. .. هكذا تمتم وقد بدأ في توجيه السائق إلى مكان المناسب علي الساتر الترابي من الضفة الغربية الذي يصلح لحماية وتغطية الدبابة الأولى التي ستقوم بالعبور. وتحركت دبابة محمود إلى الكوبري حيث هبطت إلى حافة القناة وأخذت تتقدم ببطء إلى أن وصلت إلى أول برطوم من الكوبري حيث أبطأت الدبابة من سرعتها وفجأة دوي صوت في السماء فنظر عصمت فوجد طائرة ميج 17 مسرعة بعبور القناة بعد أن قامت بضرب الأهداف المخصصة لها شرق القناة وخلفها طائرة فانتوم 4 إسرائيلية تحاول إسقاطها من الخلف لقد كان المنظر يبدو كنسر كبير يحاول الانقضاض علي عصفورة صغيرة … تعجب عصمت لهذا المنظر الغريب وأخذ يفكر في الطيار المصري و موقفه العصيب لقد كان الفاصل الزمني بين صناعة الفانتوم 4 والميج 17 ما يعادل ربع قرن من الزمان وفجأة لاحظ أن الطيار المصري ناور مناورة حادة لأسفل في شكل هبوط مفاجئ علي دبابة مصرية للطائرات ذات أربع مواسير وبالطبع هبطت الطائرة الإسرائيلية خلفه . لقد أدرك عصمت بالمقصود بهذه المناورة الماهرة فالطيار المصري يريد معاونة الدبابة ذات الأربع مواسير في إسقاط الفانتوم فعمل علي إدخالها في المدى المؤثر لمدافعها الأربعة . وفعلا فتحت الدبابة المضادة للطائرات نيرانها بسرعة فائقة بعد ميزات الطائرة المعادية فحاصرت خطوط النيران الطائرة المعادية فحاولت الطائرة الإسرائيلية الارتفاع لأعلي بسرعة بعد وقوعها في هذا الكمين العجيب الذي دفعت إليه . ولكن تم إصابتها بسرعة في مخزن الوقود وانفجرت علي الفور انفجار مروعا مخلفة شظايا هائلة خاصة وأن الطائرة كانت علي ارتفاع منخفض من سطح الأرض. ابتسم عصمت لهذه النتيجة ولذكاء هذا الطيار وسأل نفيه كيف لهذا الطيار أن ينجو بنفسه إن لم يجد هذا العون. وسارت دبابة محمود وأخذت تتحرك ببطء تاركة الكوبري واخذ محمود يتحرك أمام دبابته مؤشرا لها بيده في حركات وإشارات معروفة بينه وبين السائق كل هذا كان تحت مراقبة عصمت من الضفة الغربية للقناة الذي وضع نظارة ميدان علي عينه وأخذ يراقب عملية التقدم وتسلق دبابة محمود الساتر الترابي. لقد لاحظت عصمت بأن الدبابة تتقدم ببطء شديد وأنها تخلف ورائها ستارة هائلة من الدخان الذي يدل علي إجهاد ماكينة الدبابة وأن الممر بالساتر الترابي غير ممهد تماما وأن جهد الدبابة غير كافي مع زاوية ميل الممر. وقد أكد ذلك توقف الدبابة أكثر من مرة… وفجأة وبوصول الدبابة إلى منتصف الممر توقفت ثم انزلقت للخلف بسرعة تاركة الممر ثم سقطت بسرعة عجيبة إلى قناة السويس وهكذا فقدت أول دبابة في محاولة العبور .. تحرك عصمت إلى نقطة التحميل وأخذ يؤشر لدبابته حتى نجح في إركابها البرطوم ثم ركب دبابته وأمر السائق بالتحرك ببطء ولكن فجأة …………… أهتز …….. اهتز البرطوم بشدة مؤرجحا الدبابة التي فوقه مع صوت انفجار مروع قريب بالماء حيث تطاير الماء بشدة في جميع الاتجاهات مبللا وجه عصمت الراكب بأعلى فتحة دبابته كالنمر اليقظ حرك رأسه بسرعة ليعرف سبب هذا الانفجار المروع حيث توقف نظره علي دبابتين إسرائيليتين محتلتين للساتر الترابي الشرقي للقناه وعلي مسافة ثلاثمائة متر . وكان مع وصول الدبابتين لهذا المكان أنها قد نجحت في اختراق خطوط أبطالنا المشاة وأنها تحاول إيقاف عبور معداتنا وأسلحتنا الثقيلة بضرب البراطيم التي يشكل منها الكوبري. لقد كان في موقف لا يحسد عليه لأنه لا يستطيع الاشتباك مع هاتين الدبابتين لأنه لو أطلق قذيفة واحدة من دباباته فإنها سوف تنزلق من علي البرطوم إلى قاع الأم برد فعل الرمي لفد كان حل هذا الموقف ليس بيده وذلك هو الشئ العصيب … وانتظر الطلقة الثانية التي فيها الشهادة له ولطاقمه ولكنها لم تطلق !!!! فتعجب ووضع نظارة ميدان علي عينه ليتبين الموقف لقد وجد أبطالنا المشاة وقد اعتلوا دبابات العدو فاتحين فتحاتها يطعنون أطقم دبابات العدو بالسناكي . وقد سيطروا علي الموقف تماما بل أنهم أخذوا يلوحون له ببنادقهم بعلامة النصر التي تدل علي أنهم نفذوا المهمة تماما وأن عليه أن يستكمل عبوره في سلام آمن. ولكن ما كان يجول بخاطر عصمت هو أنه كيف لم يستطع دبابة العدو أن تصيبه وهو علي مسافة قصيرة جداً ورغم أنها مزودة بمقياس مسافة يعمل بأشعة الليزر. وأخيرا وصل إلى الضفة الشرقية وأخذ أفراد المهندسين العسكريون يلوحون باتجاه الممر حيث قذف عصمت من علي دباباته إلى أرص الشاطئ وأشار إلى السائق بالتحرك ببطء تاركا البرطوم … وتحركت الدبابة بحذر من علي البرطوم إلى الساتر الترابي وهنا أشار عصمت إلى السائق بالتوقف لقد قرر أن يقود الصراع بنفسه بين الدبابة وعوائق الأرض . ركب عصمت الدبابة جالسا علي كرسي السائق وأمر سائقه أن يساعده بأن يقف أمام الدبابة ويؤشر له في الاتجاهات التي تصلح له في التحرك ووضع عصا السرعة علي الترس الأول وبدأ يتحرك ببطء صاعدا للساتر الترابي وأخذ يضغط علي دواسة الوقود لأقصي حد ممكن لكي تزداد قوة الدبابة للصعود لقد كان يشعر أن جنزير الدبابة يدور منزلقا علي الأرض بدون حقيقة للدبابة وكان ذلك ناتجا عن الميل الحاد للأرض وعلي طبيعة التربة المتكونة من الرمال والمياه المغمورة بها الممر. لقد كانت قدماه في ضغطه علي دواسة الوقود حساسة للغاية فبالرغم أنه كان كثيرا ما يضغط لأقصي حد إلا أنه كثيرا ما كان يخفض الضغط فجأة لقد كان الحكم له صوت ماكينة الدبابة. وفجأة توقفت الدبابة تماما وأحس بخبرته أن تحريكا جديداً سوف يجعل الدبابة الغارقة. إنه الأن عليه أن يقرر قرارا جديداً للتغلب علي هذه المشكلة فإن أقصي جهد حصل عليه نم ماكينة الدبابة باختياره للسرعة الأولي وإنه يجب أن يضيف جهداً جديداً تدريجياً للدبابة وأنه سيأخذ هذا الجهد يجذب عصا القيادة للمنتصف إن ذلك الجهد الخارج من أجهزة نقل الحركة قد يساعد الدبابة علي التحرك والصعود ولكنه في نفس الوقت قد يدمر ماكينة الدبابة تماما ولم لا !!! فتدمير الدبابة أفضل من فقد الدبابة بالكامل وعليه أن يجرب وليس أمامه خيار …. أخذ يحرك عصا القيادة للخلف ببطء وببراعة فائقة بضغط علي دواسة الوقود ببطء مع الإصغاء التام لصوت المحرك وبدأت الدبابة في التحرك ببطء صاعدة لأعلي …. إلى أن وصل للقمة ثم أخذ يهبط مرة أخري للجانب الأخر من الساتر الترابي وهو يشعر بشعور غامر بالرضي والتفوق. ثم ضغط علي ريشة جهاز اللاسلكي مبلغا بأنه تم عبوره وبأن علي جميع الدبابات استقبال إرشادات وخبرته للعبور والتي سوف يلقيها ويختتم إرشاداته بكلمة.. الله أكبر.. واندفع بدبابته داخل سيناء كالأسد الجائع الباحث عن فريسته وأخذ يتقدم بسرعة عالية لقد كانت الأوامر الصريحة له ببساطة أن يتقدم ويدعم المشاة علي الخط الأول…. إذن فعليه أن يبحث عن المشاة ويحدد مكانهم بدقة ثم ينضم إليهم بعد اختيار الأماكن المناسبة لدباباته للمراقبة والرمي. وأخذ يجول بنظرة في كل اتجاه باحثا عن أي فرد من المشاة فلم يجد بين الحين والحين يسأل سائق دبابته عن المسافة التي قطعت فيبلغه السائق خمسمائة متر … كيلوا متران ……… كيلوا متران وثمانمائة … وفجأة لاحظ تحرك شيء غامض صغير في الرمال للأمر سائقه بالتوجه إليه وبوصوله وجد عريفاًَ قائد جماعة مشاة ومعه جندي يتلقى التعليمات منه وهما منبطحين فنادي عليهما عصمت مستفسراً عن مكان وجود قيادتهما وعن وجود أي قوات في الأمام فأجابه العريف بأن هذا هو الحد الأمامي للدفاع وأشار إلى مركز قيادة المنطقة. ثم حصر عصمت الدبابات خلفه التي تمكنت من العبور فوجدها فوجدها 12 دبابة حيث أخذ يوجهها لاحتلال مرابض النيران علي الحد الأمامي للدفاع آمرا أباهم يبدأ الحفر وإجراء أعمال الإخفاء والتمويه وكانت لحظة عظيمة عندما بدأت الدبابات في احتلال مرابضها الجديدة وخروج أفراد المشاة من خنادقهم الصغيرة المبتكرة حيث أحاطوا برجال الدبابات وأمطروهم بوابل من العناق والقبلات واختلطت دموع الفرح بدموع الفخر وكان الأمر الغريب حقا أن رجال المشاة الأبطال قد تناسوا حجم المجهود العظيم الذي بذلوه وقاموا بمساعدة رجال الدبابات في حفر الدبابات دون أن تتطلب منهم . ذلك ضاربين بذلك أروع مثل للتضحية والفداء. لقد كان هؤلاء الرجال هم أحفاد بناة الأهرام بحق. *** .. طلقات إشارة حمراء أخذت تنطلق مع صفارة متقطعة .. لقد كانت الإشارات المرسلة من نقطة المراقبة الأمامية التي تنذر عن بدء تحرك العدو واقترابه من الحد الأمامي للدفاع .. أخذ الجميع يهرولون إلى أماكنهم القتالية فالمشاة قفزوا في حفرهم خلف أسلحتهم وتم اختفائهم في الأرض تماما وأخذوا ينظمون وضع أسلحتهم علي المتاريس وتكدبس الذخائر بجانبهم أما رجال الدبابات فقد قفزوا إلي دباباتهم متخذين أوضاعهم القتالية . أما عصمت فقد بدأ يأكل بسكويت علبة تعيين القتال والذي يسمونه في الجيش خشب بسكو لشدة صلابته والذي عادة لا يستخدمه أحد إلا عندما يكون في أشد حالات الجوع وكانت هذه في الحقيقة حالته.. ثم رمي الطاقية من علي رأسه ووضع هلمد الدبابة ( غطاء واقي للرأس موصل به أجهزة الاتصال ) وأوصله بجهاز اللاسلكي وأخذ ينادي علي دبابته للتأكد من استعدادها للقتال . أخذت كل دبابة تعطي تمام الاستعداد الواحدة تلوا الأخرى… أخيرا صاح باللاسلكي مداعباً.. يا قادة الدبابات هناك ضيوف أعزاء قادمون أرجو أن تعاملهم بمال يستحقون وشكراً … لقد كان دائم التهريج حتى في أشد لحظات حياته حرجاً .أخذت أعمدة الغبار وأتربة تتصاعد من اتجاه الشرق وعلي مسافة عدة كيلوا مترات …. وكان ذلك ناتجا طبيعيا من تحرك قوة مدرعة إسرائيلية مشكلة من الدبابات والعربات المدرعة ذات الجنزير لقد كانت الجنازير المتحركة تأكل في التربة ثم تقذف بذرات الرمال إلى أعلي وكلما ذادت سرعة المركبات ذات الجنزير كلما اشتدت الأتربة ارتفاعا ووضوحا لقد كان حجم الغبار كبيرا مما يدل علي أن القوة المهاجمة ستكون كبيرة العدد أنها مدعمة تدعيما جيداً . ثم بعد قليل بدأت تظهر نقطة خضراء متحركة وخلفها الغبار لقد كانت النقط الخضراء تسير في هيئة سلاسل أو كما يسميها المقاتلون أرتال ثم بدأت الدبابات في الفتح وتشكيل الأرتال إلى تشكيل القتال الخطي حيث أخذت تواجه قواتنا من علي مسافة 6 كيلوا مترات ثم بدأ الغبار يخف إلى أن توقف … فقد توقفت الدبابات الإسرائيلية قد دخلت مواقع هجومها استعداد للهجوم وأنهم كالذئاب الجائعة يوزعون الضحية كما يعتقدون علي دبابتهم … أنهم الآن يحددون أهداف هجومهم وقطاع الاختراق الضيق الذي سيركزون هجومهم عليه أليس ذلك هو أسلوب قتال الجيش الألماني النازي الذي اقتبسوا أسلوب قتالهم… أنهم بغبائهم يظنون أن هذا الأسلوب الذي نجحوا في تطبيقه في عام 1967 سينجحون في تطبيقه في عام 1973 متناسين أن المقاتلين المصريين قد تعلموا الكثير… بل تعلموا منهم !!!

ولاحظ عصمت أيضاً تحرك دبابتين تحركاً عرضيا بطول المواجهة علي خط الجبهة ولقد استنتج أن بداخل الدبابتين القائد الإسرائيلي وهيئة قيادته أنهم الآن يستطلعون ويحددون المكان الذي سيتم اختراقه علي الأرض بل أن عصمت استطاع بسهولة أن يميز المكان الذي سيحاولون اختراقه أنه في تلك الأرض السهلة المنبسطة بين التباب والتي ظلت الدبابتان الاسرائليتان فترة كبيرة من الزمن تراقبه وتستطلعه ذلك المكان التي توقعه قائده قبل ساعات من أوامر قتاله ومن أجل ذلك كثف الأسلحة المضادة للدبابات وكذا احتفظ باحتياط قوي لمواجهة هذا الموقف لقد شعر عصمت بالفخر والاعتزاز بقائده لأنه تنبأ بما سيحدث تنبأً دقيقاً. بدأت بطاريات المدفعية الإسرائيلية تقذف قواتنا في شكل تركيز النيران علي قطاعات محددة من الأرض وقد ميز عصمت استخدام المدفعية ذات الأعيرة الكبيرة 175م والتي يسميها المقاتلون ( بأبو جاموس ) وكان السبب في هذه التسمية أن الطلقة من هذا النوع يستغرق سيرها في الفضاء ربع دقيقة أو أكثر نظرأ لأنها تطير عدة كيلوا مترات وعند اختراقها السريع للهواء فإنها تصنع صوتا كالصياح الجاموس . ثم بدأت تظهر علي مسافة 4 كيلوا متر فأقل الدبابات الإسرائيلية والتي أمكن تميزها بأجهزة التكبير .. لقد كانت تلك الدبابات تسير بسرعة عالية وبثقة زائدة في اتجاه قواتنا .. أنها تظن أنها في نزهة قصيرة ، وفجأة انطلق مقذوفتان من اتجاه قواتنا من تلك المقذوفات الموجهة التي أخذت تطير بحذاء سطح الأرض ثم في لحظة اصطدمت بدبابتين إسرائيليتين حيث أصابتهما في الحال لقد كان ذلك إعلانا عن بدء أعمال القتال هلل المشاة المصريين … الله أكبر .. الله أكبر برغم من سقوط عشرات القذائف فوق رؤوسهم عند مشاهدتهم لإصابة الدبابتين علي هذه المسافة الكبيرة أام الدبابات الإسرائيلية فظهر بوضوح أنها قللت من سرعتها بل إنها في حالة رعب شديد ثم أمر عصمت بفتح نيران الدبابات كل طبقا للهدف المخصص له … وهنا زال الخوف والرهبة التي كان يعيش فبها فإن أصعب اللحظات في المعركة ليس في المعركة نفسها بل في وقت الإنتظار قبل المعركة حيث أن المقاتل عادة ينشغل في القتال تلقائيا يحاول تدمير عدوه في أسرع وقت ويتناسي أن حياته مهددة . ***** يمين …. أبطأ…. الهدف دبابة متقدمة…. تميز …. أضرب…. الضرب…. تمام يا أفندم تم إصابة الهدف … لقد كانت تلك الأوامر والتعليمات المتداولة داخل دبابة عصمت عند إطلاق مدفع دبابته وإرتداده للخلف وانبعاث الغارات والأتربة وصوت الانفجار المدوي داخل الدبابة لقد كانت تلك المظاهر في ظروف التدريب العادية قلقة توعدو للحذر … فإن وضع أي فرد خطأ في داخل الدبابة قد يفقد حياته أو طرفه … أما الأن وفي ظروف القتال السريعة والمتغيرة بالتدريب الجيد المسبق أصبحت أطقم الدبابات تعمل بطريقة غريزية عفوية …. كأنهم يتناولون طعامهم لقد أصبح رجال الدبابات المصرية محترفين يجيدون عملهم لا شك في ذلك . وفي خلال أقل من خمس دقائق نجحت فصيلة عصمت في تدمير دبابتين إسرائيليتين بسهولة تلك الدبابتين اللتين حاولتا التقدم في مواجهته لذا فقد قام بإعطاء أوامر جديدة بمساعدة جارة بالنيران …. ولم يمضي إلا قليل وبدأت الدبابات الإسرائيلية في قذف الدخان لإخفاء أنفسهم والارتداد للخلف تاركين خلفهم 11 دبابة و7 عربات مجنزرة مدمرة تدميرا تاما … لقد تركوا ساحة المعركة يجرون أزيال الخيبة بعد أن دخلوها بالثقة الزائدة في معركة لم تدم إلا ساعة ونصف الساعة ( وكما قال الجنرال موشي ديان في مذكراته عن حرب أكتوبر أن أول مفاجأة للحرب كانت دبابات التعاون الوثيق المصرية التي عملت مع المشاة ) .


 

الفصل الثانى

 

أخذت عصمت يحتسي الشاي كعب الزمزمية بشغف لقد كانت رشفة من رشفات الشاي حلوة المذاق ذات تأثير كبير ومنشط وأخذ يسأل نفسه لماذا هذا الشاي غير عادي هل لأنه لم يتناول هذا الشاي منذ فترة أم لأن سائق دبابته قد نظف علبة صاج من المعلبات ثم ربطها بسلك ثم قام بتسخين مياه بالعلبة مستخدما عشب الصحراء كوقود فالأرجح أن الشاي ألتقط رائحة الدخان المنبعثة من العشب فأدخل عنصرا جديداً علي النكهة … ولقد كان في حالة مزاجية رائعة سعيداً ولم لا وقد نجح هو وأقرانه في صد ثلاثة هجمات معادية أحدثت في العدو خسائر فادحة ، ولم تحث له ولا لجنوده أي خسائر تذكر … بل أنه بلا عمل تقريبا منذ أربعة وعشرون ساعة كاملة …فحتي الغارات الجوية قد بعدت عنه فلا تزال الطائرات الاسرائيلية تركز هجمات علي المعابر وتتساقط بكثرة مما يؤكد نجاح الدفاع الجوي المصري في السيطرة علي منطقة المعابر و أن القوات المصرية مستمرة في التدفق للشرق …. *** سأل الجندي مراد ذلك الجندي حديث الخدمة الحاصل علي بكالوريوس التجارة قائده عصمت لماذا لا تحس بالخوف مثلنا ؟ فأجابه عصمت متعجبا ومن الذي لا يخاف !!! فرد الجندي لقد ظننت أنك لاتخاف أبداً .. أنني راقبتك أثناء قتالك أنك تقاتل كأنك تمارس عملا يوميا بأعصاب عادية وبلا انفعال بل إنك أحياناً تضحك وتسخر من أفعال بعض الجنود الذين لا يتقنون عملهم من إنفعالهم ومنهم أنا شخصيا لقد اعتقدت في النهاية أنك لا تخاف أبداً فأنت شجاع للغاية ، فأجابه عصمت يالك من أحمق إنني أخاف مثلك تماما ولكني مدرب علي إخفاء الخوف بخبرتي .. يامراد إن الخوف والشجاعة نسبيتان متلازمتين فلا شجاعة لا يسبقها خوف فالشجاع هو الذي يحس بالخوف وبالرغم من ذلك يتغلب عليه ويسيطر علي نفسه ويتصرف التصرف السليم أما الجبان فهو لا يستطيع السيطرة علي نفسه ويتصرف التصرف الخاطئ أما الإنسان الذي يحس بالخوف فهو الإنسان المجنون الفاقد الأهلية يامرادإذا أردت أن تكون رجلا شجاعا فدرب نفسك علي إخفاء الخوف ودرب نفسك علي التصرف السليم في ظروف الشدة … قطع حديثهما تدخل جندي المراسلة الذي أخبر عصمت بأن قائده الأعلى يريده في مركز قيادته علي وجه السرعة … لقد أحس عصمت أن وقت الراحة قد انتهي وأن عليه أن يتلقي مهمة جديدة بمركز القيادة . هرول عصمت إلى مركز القيادة لمقابلة قائده … لقد جري العرف علي ان يتلقي المهام القتالية من قائده المباشر أما يتلقي المهمة من قائده الأعلي بالمنطقة الدفاعية فيعني ذلك أنه سيتلقي مهمة جديدة متميز تحتاج إلى تقدير جيد للموقف وتحتاج إلى دراسة متفتحة ولهذا استدعي . دخل عصمت إلي مركز القيادة الذي كان عبارة ملجأ سريع الإنشاء تحت الأرض وكان الملجأ مكون من حجرة واحدة واسعة وبها فتحة واحدة لدخول الأفراد وفتحة أخري للتهوية … وكان بالملجأ منضدة مثبت عليها خريطة وفي وضع أفقي بواسطة دبابيس وبجانب الخريطة وضع مصباح لإنارة الخريطة كما يوجد في أخر الملجأ سرير سفري وكرسي واحد يستخدمه القائد وبجانبهم علي الحائط معلق بندقية القائد وخوذته ونضارة ميدانية .. لقد كان القائد برتبة عقيد قائداً لكتيبة مشاة وفي الحقيقة لقد كان ذلك أول لقاء بين عصمت وبين هذا القائد فقد انضم عصمت لمعونته وكان يتم تبادل المعلومات والأوامر إما باستخدام التليفون الميداني أوبالا سلكي أو عن طريق السعاة . إلا أنهما قد فهم كل منهما الآخر فهما جيدا مبني علي الثقة بالرغم من أنهم من رجال سلاحين مختلفين ولم يروا بعضا وعلاوة علي كل منهما كان شجاعا وذكيا يجيد التنبؤ بأحداث المعركة …لقد راقب العقيد القائد عصمت أثناء قتاله لقد وجده رابط الجأش في أشد لحظات المعركة صعوبة يتصرف كمحترف ووجد كل تصرفاته ذكاء وحسن تصرف وكان متشوقا لرؤيته . وها قد حان الوقت لرؤيته … ألتفت القائد عند سماعه لصوت خطوات عصمت وهو يدخل الملجأ . وقد منكبا علي وجه خريطته في ذهنه تعليمات وأوامر المهمة الجديدة ونظر إلى عصمت متفحصا .. ولكن عاجله عصمت بتقديم نفسه النقيب عصمت قائد الفصيلة الثانية دبابات يا أفندم فأجابه قائده ومن الذي لا يعرفك … يا عصمت … فضحك عصمت تلقائياً. أخذ كلا من الرجلين ينظران لبعضهما باحترام وترقب لقد كان شكلهما مختلفا من ناحية المظهر الخارجي فعصمت كان أبيض اللون طويلا رشيق القوام من تأثير إسرافه في لعب التنس ذو عينين عسليتين وشعر أصفر غامق. وعموما من ينظر إليه من أول وهلة يتخيل أنه من أبناء الذوات المرفهين الذين ولدوا بملاعق من ذهب . ولكن عندما يتكلم يظهر صوته الرجولي الحازم ثم سريعا ما يتغير الانطباع الأول إلى انطباع معاكس تماما , أما القائد فقد كان أسمر اللون قصير القامة عريض الكتفين ذو صلعة دائرية وقد ظهر علي جانبيها الشعر الأبيض الكثيف بالرغم من أنه سنه أصغر من أن يكون شعر رأسه أبيض بهذه الكثافة قال القائد فلنستغل هذا الوقت قبل مجئ باقي الضباط لمعرفة المهمة الجديدة خاصة وأنك ستعلب فيها دورا هاما .. وبدأ يلقن عصمت مهمته الجديدة ودوره بها …. انطلق عصمت بدبابته للأمام بمجموعته من دبابتين ومركبتين ذات جنزير تحملان 30 جنديا من المشاة لقد كان مدفوعا للعمل كعنصر استطلاع مقاتل أمام كتيبة مشاة قد كلفت بمهاجمة نقطة حصينة تسيطر علي البحيرات المرة بقناة السويس ونظراً لقوة النقطة الحصينة التي تشمل علي عدة دشم للمدافع و الدبابات والرشاشات ونظراً لأنه يصعب مهاجمته من الأمام فقد كان تفكير القيادة العليا هو أن يتوقف الهجوم علي هذه النقطة الحصينة في اليوم الأول ومن العبور وباستغلال نجاح سقوط النقطة الحصينة علي أجنابها يتم مهاجمتها في اليوم التالي ومن الخلف… ومن هنا كانت مهمة عصمت ومجموعته هي استطلاع وتأمين طريق تحرك المجموعة المقاتلة المكلفة بمهاجمة النقطة القوية ومشاركتها في الهجوم … وبالرغم من صعوبة المهمة الملقاة علي عاتقه لأنه سيتحرك في أرض معادية قد يوجد بها كمائن للعدو أو حقول ألغام مخفاه فأنه اندفع بمجموعته بحماس مقسما مجموعته إلى قسمين قسم يندفع لإجراء الاستطلاع وقسم أخر يقوم بحماية القسم المتحرك .. أخذ عصمت يتقدم بسرعة فائقة قادته ومن تبة لأخرى وعند وصوله لكل تبة فأنه إما يحاول صعود التبة الدبابة أو علي أرجله ليري من الأعلى لأكبر مسافة ممكنة وحتى يمكن اكتشاف كمائن العدو في المكان الوقت المناسب .. وأخيرا قد استلفت نظرة هضبة عظيمة الارتفاع علي طريق تحركه تصلح للمراقبة الجيدة فأمر سائقه بالتوجه إليها.. والتوقف أسفلها . و فقز عصمت من دبابته متسلقا للهضبة التي كان يصعب صعودها بالدبابة.. وعند انتهائه من صعودها أحس بالإرهاق لإرتفاع الهضبة وصعوده السريع بدون راحة ومع هذا فإنه تحرك بسرعة أعلي الهضبة وفي إتجاه تحركه المنتظر وأخذ ينظر تارة باستخدام العين المجردة وتارة أخري باستخدام نظارة الميدان وفجأة سمع صوتا غريبا لإدارة محرك للبنزين !!! إن محركات دباباته وعربات المدرعة ذات الجنزير تعمل بمحركات ديزل ولكن هذا المحرك البنزيني لم يسبق له سماعه من قبل وبالفطنة عرف أنه قريب جداً من العدو أنه علي بعد أمتار منه وبالرغم من أنه مسلح فقط بمسدسه وأن قواته أسفل التبة لا تسطيع حمايته فأنه تقدم بسرعة إلى حافة الهضبة … حيث وجد عربيتين مدرعتين إسرائيليتين من عربات الاستطلاع ذات البرج المسلح بمدافع 95مم وكذا برشاشات تحاولان الفرار السريع .. وفي لحظة أدرك الموقف جيداً لقد كانت العربتان تقومان بالإستطلاع من أعلي هذه الهضبة قبل مجيئه لقد كان في الواقع محتلين الهضبة ورأوه هو يصعد الهضبة وبالرغم من أنهم كانوا يستطيعون قتله بسهولة ومفاجأة قواته إلا أنهم فضلوا الفرار وعدم الكشف عن مكانهم .. أخذ عصمت يقفز سريعا للنزول من الهضبة صائحاَ في جنوده بوجود عدو خلف الهضبة ولكن لكثرة صياحه وحماسته وسرعة ترديده الكلمات كان له أكبر الأثر في عدم إلمام قادته المرؤوسين بمضمون الإشارة … وهذا مكن العدو من كسب مسافة 2 كيلو متر هربا … ولكن سرعان ما بدأت المطاردة وكان هذا أول خطأ وقع فيه عصمت منذ أن بدأت الحرب . اندفع عصمت ومجموعته خلف العربيتين الإسرائيليتين كالذئب الجائع ناسيا أنه لايجب ألا يحيد عن طريق تحركه المكلف بتأمينه … لقد وجه كل اهتمامه نحو اصطياد وتدمير عربات العدو … وسرعان ما غرزت احدي العربات بالرمال الناعمة خاصة وأن سائق العربة الإسرائيلي من شدة خوفه لم يستطع تمييز الأرض التي تحرك في اتجاهها … وهنا أمر عصمت دبابته بالتوقف والتنشين بدقة علي العربة حيث أمكن بسهولة من إصابتها من أول طلقة في نقطة الاتصال بين البرج والجسم مما أدي إلى انفجارها السريع وانفصال البرج عن الجسم وبالطبع لم ينج أحد … أما العربة الأخرى فقد فرت سريعا مستغلة خفة حركة العربة وسرعتها بالمقارنة بالدبابة التي تطاردها … ولكن ما استدعي انتباه عصمت أن القائد الإسرائيلي لم يحاول قتاله مطلقا بالرغم من تسليحه الجيد وأنه كان في مقدوره إدارة برج عربته للخلف وإطلاق النيران ولكنه ركز علي الفرار . ارتفعت علامة القلق يوجه عصمت عندما اكتشف أن جميع الدبابات وليس دبابته فقط لا تحقق الاتصال باللاسلكي بقيادته الأعلى وكان هذا هو اكتشافه الثاني لأن اكتشافه الأول كان أنه هو وقواته فقدوا اتجاههم أثناء مطاردته لدورية العدو وأنه قد انحرف شرقا بمسافة كبيرة لا تقل عن عشرة كيلوا مترات عن طريق التحرك المحدد له … فك أزرار سترته وجذب الخريطة من صدره وحاول قراءتها وتحديد مكانه بدقة ولكنه فشل في ذلك لعدم وجود علامات بارزة بالأرض تساعده في تحديد محله . وأخذ يفكر كيف يحل هذه المشكلة بسرعة لأن مهمته الأصلية تطلب منه الانضمام إلى القوة الرئيسية والمشاركة في الهجوم علي النقطة القوية .. وقد حان توقيت الهجوم … وأخيراً وجد أن أفضل حل هو أن يغير اتجاهه إلى الغرب وأن يحاول الارتكاز علي الهضاب والتباب العالية للتعرف علي مكان قواته الرئيسية أو مكان العدو . فأصدر أوامره بأن سيتحرك من تبة أو هضبة لأخرى وعلي باقي قواته أن تسير خلفه بمسافة كيلوا متر …. وأخذ يتحرك من تبة لأخرى مستطلعا أي قوات للعدو ولكنه لم يرا شيئا … غير تباب الرمال وكدي الحشائش الجافة بالوديان … ولا حتى آثار لحياة سابقة أو حالية … وفجأة سمع ضربا شديداً للمدفعية يتخلله إطلاق نيران مدافع دبابات من اتجاه الشمال الغربي . وعند ذلك وجه نظره لاتجاه الشمال الغربي فميز هضبة كبيرة مرتفعة فأصدر الأمر لسائق دبابته بالاتجاه فورا إليها .. وكذا أعطي أوامره لباقي القوة باللحاق به . اندفع بدبابته لاحتلال أعلي الهضبة وبعد إيقافه لدبابته ميز غباراً لإطلاق نيران من مدافع وسريعا ما وضع نظارة الميدان علي عينيه وأخذ يراقب ويكتشف الأسلحة التي تقوم بالرمي وعلي من تقوم بالرمي وسرعان ما ألم بالموقف …. لقد كان موقفا غريبا حرجاً ومزعجاً .. لقد كانت كتيبة المشاة التي هو مسئول عنها معاونتها تصطف علي الخط الذي ستبدأ منه الهجوم ويظهر في تشكيلها 7 دبابات وهي باقي سريته وذلك علي خط خلف النقطة الحصينة حيث تقوم المدفعية المصرية بضرب النقط القوية ولكن الغرابة في الموضوع أن خلف الكتيبة بمسافة 2.5 كيلوا متر تحتل 6 دبابات إسرائيلية مرابض نيران جيدة التجهيز علاوة علي عربات مدرعة عربات أخذت تقذف بالصواريخ الموجهة علي الكتيبة المشاة المصرية من الخلف وكما يبدو فإن كتيبة المشاة المصرية من الخلف لم تستطيع تحديد اتجاه الرمي لأن معظم القوات كانت تظن أن الرمي من الأمام من إتجاه النقط الحصينة وليس من الخلف … لقد كان تركيز قائد الكتيبة المشاة علي النقط الحصينة وعلي أهمية مهاجمتها بسرعة … لقد كان أمام عصمت خياران لا ثالث لهما وهما أما أن ينضم سريعا إلى قواته التي علي مسافة 5 كيلوا مترات ثم سيحاول إبلاغها بالموقف وهذا سيحتاج إلى حوالي من 30 إلى 40 دقيقة ستتكبد فيها القوات المصرية خسائر عالية خاصة وأن قوات العدو في وضع جيد ومخفي تماما وإما أن يقوم باحتلال خط مناسب للاشتباك مع العدو وجذبه في اتجاهه . حتى ينجح الهجوم الرئيسي في الهجوم علي النقط الحصينة وفي هذا الحل مخاطرة كبيرة له للقوات التي معه حيث أن العدو يتفوق عليه في الدبابات ومسلح جيداً بالصواريخ الموجهة المضادة للدبابات وفي لحظات اتخذ القرار الذي يراه مناسبا وهو الحل الثاني بعد أن وضع خطة جهنمية للتعامل مع العدو . لقد كانت خطته ببساطة تتلخص في الآتي .. جذب أنظار العدو في اتجاهها يقوم بواسطة الدبابتين بالتقدم واحتلال خط مناسب يستطيع منه ضرب العدو من جنبه ولقد كانت المشكلة في هذه الخطة أنه يجب أن يوهم العدو بأن القوة التي تقوم بالتفاف عليه كبيرة وليست عربيتين مدرعتين لذا أمر العربات المدرعة بالتحرك بفاصل 500 متر علي أن تجر كل عربة حلقتين من سلك الكنسرتينا خلف العربات حتى يتم خروج كمية كبيرة من الأتربة من خلف العربتين فتوهم العدو أن هناك تل كبير من الدبابات تقوم بالالتفاف وللنجاح في تنفيذ ذلك أخذ يحدد بدقة طريق تحرك العربتين للوصول إلى جانب العدو وشدد علي أن لا تظهر العربات للعدو إنما يظهر فقط الأتربة الكثيفة المتصاعدة .. ثم أصدر أمرا بتنفيذ الخداع أولا بعد أن لقن الجميع بمهامهم … فتحركت العربات بسرعة عالية جاذبة الأسلاك الشائكة خلفها … وعمل عصمت كالمخرج السينمائي الذي يبذل كل الجهد لظهور الفيلم بصورة مشرفة حيث أمر العربات بزيادة سرعتها … ثم أمرهما بالتحرك بطريقة الزجزاج حتى تفت جنازير العربات الأرض جيداً وتتصاعد سحب الغبار بكثافة عالية خلفهما … وسرعان ما جذب التحرك الخداعي أنظار العدو … حيث قاموا بتحريك مدافع دبابتهم في اتجاه قوة الالتفاف الخداعي … وبالطبع رفعوا نيران دباباتهم علي القوة التي تقوم بالهجوم علي النقط الحصينة … عجب عصمت لنجاحه البالغ في خداع العدو بهذه البساطة وأدرك أن العدو أهمية كبيرة للقوة التي تقوم بالالتفاف خاصة وأنها قريبة منه … هنا أصدر أمره للدبابة الأخرى بالتقدم الفوري واحتلال هضبة مناسبة للرمي علي العدو … لم يمر سوى عشرين دقيقة منذ فتح عصمت نيران دبابته إلا وقد أصاب أحد دبابات العدو في مقتل حيث انفجرت سريعا مخلفة ورائها سحابة كبيرة من الدخان الأسود هذا بالرغم من أنها كانت في داخل حفرة مجهزة جيداً وبالرغم من أن الجزء الظاهر منها لم يتعد سوي البرج . وأخيرا أدرك العدو أنه خدع وأن الالتفاف وهمي وركز كل نيرانه وصواريخه علي الدبابتين … وهنا أصدر عصمت أوامره للدبابات بالرمي من أعلي التبه ثم الاختفاء السريع خلفها ثم إعادة التعمير من أسفل التبة ثم الرمي من أعلي التبة وهكذا لقد كان يهدف أساساً إلى تعرض الدبابات أقل فترة ممكنة … وفي نفس الوقت جذب نيران العدو في اتجاهه لمنعها من التعامل مع القوة الرئيسية … لقد كان يبارز مارداً جباراً … وكان أخطر الأخطار التي تواجه الدبابات تلك الصواريخ الموجهة التي يتم إطلاقها من ثلاث عربات داخل حفر … لقد كان الصاروخ ينطلق ككرة اللهب تير بحذاء الأرض ثم ترتفع وتنخفض طبقا لتوجيه الرامي … كثيرا منها ما كان يصطدم بالأرض لأنه عند وصوله للهدف أن يجد الدبابة قد نزلت خلف التبة … ولكنها أخيرا نجحت في إصابة إحدى دبابات عصمت يحاول أن يعرف من نجا منها حيث وجد بعد انقشاع الدخان أن قائد الدبابة هو الوحيد الذي نجا …. حيث قفز من الدبابة في الوقت المناسب … ولكن كان منظره باعثا علي الضحك بالرغم من هول الموقف فعند قفزه من أعلي الدبابة سقط علي ظهره فأخذ يحرك أرجله وأذرعه بطريقة عشوائية سريعة تدل علي عدم إدراكه كالخنفساء التي انقلبت علي ظهرها وتحاول تعديل وضعها بتحريك أرجلها … لقد كان مخه لا يعمل من شدة الفزع والرعب الذي رأه في صورة زملاءه الذين حرقوا والنيران التي لسعته والدخان الذي خنقه والمصير الذي كان يمكن أن يؤول إليه منذ ثواني مضت ثم صاح عصمت مناديا بعد أن وجده يسير علي غير هدي في اتجاه العدو أشار إليه ليركب دبابته ولكنه رفض الركوب وأخذ يشتم بكلمات غير واضحة المعني ( ومن الغريب أنه نجي واعتذر لعصمت بعد أن قابله بعد ذلك بعدة أيام ) . وأخيراً رأي عصمت كتيبة المشاة والدبابات المعاونة لها قد نجحت في اقتحام النقطة القوية وأصبح القتال متلاحماً… وعرف أنه حان الوقت للتخلص من المعركة … فأصدر أوامره للعربات المدرعة بتفادي المعركة والانضمام السريع إلى كتيبة المشاة وفي نفس الوقت أخذ يخلص دباباته من التبة التي استخدمها للرمي … لكن كانت مشكلته أنه إن تقدم للحاق بالكتيبة فسوف يعرض دبابته لنيران 5 دبابات و3 عربات صواريخ … وفعلاً أخذ ينطلق بدبابته بأعلى سرعة في اتجاه النقطة الحصينة وكان أثناء تحركه يسير بطريقة زجزاجية لتفادي المقذوفات التي تنفجر بصورة تلقائية أمامه وخلفه وعلي أجنابة …وكان في كل وقت ينتظر اصطدامها بدبابته …بالتالي الموت الزؤام … ولكن فجأة أحسن برجة شديدة بدبابته أثناء تقدمها السريع وأخذ ينظر داخل دبابته لعله يجد نيران مشتعلة أو إصابات بالأفراد ولكنه لم يجد شيئا فأمر رامي دبابته بالاستمرار في الرمي ولكنه أجابه أن هناك أصابة تمت ببرج الدبابة وأن البرج لا يستجيب في الإدارة وهنا تأكد عصمت أن هناك إصابة ببرج دبابته ولكنها إصابة غير قاتلة والأرجح أن هذه الأصابة من أحد تلك المقذوفات المحملة بمادة شديدة الانفجار ( تى . إن . تي ) ( TNT) التي لا تخترق برج الدبابة فتجعله لا يتحرك … فأصبح عصمت الآن يهاجم النقطة الحصينة بدبابة بدون أسلحتها . ولهذا فعندما رأي انسحاب الدبابات الخمسة المعادية وعربات الصواريخ إلى داخل سيناء … خرج عصمت من برج دبابته وأخذ يضرب ببندقية الآلية لاصطياد الجنود الإسرائيليين الفارين من الدشم … قد نجح في اصطياد 3 جنود إسرائيليين بسهولة خاصة وأنه كان يجيد القتال بالبنادق كإجادته في القتال بالدبابات … لكن كان أعجبه منظرا رآه أنه شاهد جنديا مصريا يعمل كعامل إشارة يأسر ثلاثة جنود إسرائيليين مسلحين ببنادق آلية بواسطة مسدس 9 مم … عندما أوقف دبابته وتحدث مع الأسري الإسرائيليين مستفسراً عن سبب استسلامهم السريع للجندي المصري بالرغم من تسليحهم أجابوا بأنهم كانوا نقطة ملاحظة للمدفعية وأثناء عملهم فوجئوا بالجندي المصري يأمرهم بعد أن شهر مسدسه بتسليم أنفسهم فرموا أسلحتهم علي الأرض فوراً … لقد كانوا يظنون علي حد قولهم أنهم محاصرون من قبل قوة مصرية كبيرة وليس فرداً واحداً . ***

 

 


 

 

الفصل الثالث

 

أخذ عصمت يتفحص النقطة الحصينة باندهاش وتعجب من حجم الأموال التي صرفت في تلك النقط الحصينة والتي تسمي في إجمالها بخط بارليف لقد كانت بعض تلك النقط الحصينة ذات ثلاث مستويات فهناك علي مستوي الأرض دشم الأسلحة والدبابات ( مرابض النيران ) وأبراج المراقبة المصنوعة من الأسمنت المسلح ويعلوها أحجار بارتفاع من 6 إلى 8 متر لزيادة قدرة الدشم علي امتصاص المفرقعات ويربط ويثبت هذه الأحجار بعضها ببعض شبكة من الحديد الصلب .. ثم المستوي الثاني وهو أسفل مستوي الأرض حيث توجد ملاجئ الأفراد وصالات الترفيه والطعام ثم المستوي الثالث لأسفل في عمق الأرض حيث توجد المخازن لوضع الاحتياجات والذخائر بل وفي بعض الأحيان وضعوا مدافع في أسفل حيث يتم رفعها حيث تتحرك تلك المدافع لأعلي إلي الدشم ويتم فتح نوافذ هذه الدشم الفولاذية لتمكن تلك المدافع من الرمي … لقد كان الانفاق علي هذا الخط ببذخ ولما لا وقد كانوا يظنون أنهم لن يخرجوا من هذا الخط المنيع بتاتاً أو بعد عشرات الأعوام … ثم دخل عصمت غرفة مبيت الأفراد وقد لاحظ وجود صور لنساء عارية علي الحوائط لمجلات أجنبية … كما لاحظ أيضا وجود أجهزة للتكييف والتهوية بكثرة علاوة علي أسرة ومراتب جيدة الصنع لقد أدرك أمام جيش مرفه جيداً . لقد كانت الفترة التي قضاها عصمت في النقطة الحصينة من أفضل الأيام التي قضاها في فترة الحرب فقد نام لأول مرة منذ اندلعت الحرب 6 ساعات متواصلة هذا بينما لم ينم في الأيام الثلاثة السابقة في كل يوم إلى فترة تتراوح بين 20 إلى 30 دقيقة متواصلة ، صحا عصمت علي رنين التليفون الميداني فوجد قائد الكتيبة المشاة يتحدث معه قائلا له أنه عين قائداً لسرية الدبابات بدلا من الرائد أبو العلا ( الذي علم مسبقاً أنه قد أصيب ) حيث تم إخلاؤه للخلف للعلاج .. ولقد كان عصمت ينتظر من قائده أن يكلمه بعنف ويزجره عن فقده لاتجاه التحرك أثناء المعركة وعن خسائره العالية في فصيلته لكنه كما يبدو قد غفز له هذه الأخطاء لأنه اشتبك بشجاعة مع قوة الهجوم المضاد للعدو حيث استطاع إشغالها وإخراجها من المعركة الرئيسية للكتيبة ما هيأ الظروف المناسبة للكتيبة في إختراق النقط الحصينة.. وبعد انتهاء المكالمة شغل عصمت أنه عليه الآن سرعة رفع الكفاءة الفنية والادراية لدبابات سريته حتى تستطيع القتال المناسب في المرة القادمة … فأخذ عصمت يتجول بين النقط الحصينة مسلما علي ضباط وجنود المشاة الأبطال الذين أخترقوا بأجسامهم هذه النقط الحصينة ويرد عليه الجنود بالتعظيم وبشائر السعادة والفخر علي وجوههم … وكأنهم لا يصدقون أنفسهم في الانجازات التي حققت . وأخذ عصمت يسأل نفسه هل تم تعظيم العدو واعطاءة حق أكثر مما يستحق قبل المعركة أم معاونة الله تعالي وإنزاله السكينة في النفوس هي السبب في هذا النجاح …وعلي حين غرة وجد عصمت صديقه النقيب خالد علام امامه ذلك الصديق الي كان يقابله دائما في نادي هليوبليس الرياضي . فاحتضنه وعانقه مشجعا لقد كان ذلك الملازم من قادة المشاة الأصاغر الذين هاجموا دشم العدو بصدورهم . ولكن منظره كان يختلف تماما عن منظره بنادي هليوبليس الرياضي . فخالد لم يكن حليق الذقن تحيط بعينيه كرتين من السواد يدلان علي عدم النوم منذ بداية الحرب … وإرهاق جسماني ونفسي يظهران علي جميع أجزاء جسمه ..ولهذا أخذ عصمت يداعبه ضاحكا علي منظره الرث … وكان خالد يرد عليه بالضحك المماثل وكأنه سعيد بأنه وجد أخيراً من يضحك معه في مثل هذه الظروف الصعبة . سأله عصمت عن أخر مرة رأي فيها المرايا … ؟ قائلا له قد أصبحت أحد الفيلة التي تتحدث قصة كليلة ودمنه . ثم سأله عن أخبار البنت الجميلة يجلس أمامها في النادي بالساعات ولا يتخذ أي إجراء فعال للتعرف عليها … لأنه خجول … ثم استرسل عصمت ضاحكاً يا خالد الهجوم أفضل من الدفاع والهجوم يحقق المكاسب إنني أقترح عليك فور الانتهاء من هذه الحرب الهجوم وذلك بالتكلم مع هذه الفتاه الجميلة … اترك الخجل ورائك أتقاتل وتتعرض للموت … ولا تخاف وتخاف تتكلم مع بنت جميلة … فضحك خالد قائلا والله أول ما تنتهي الحرب سأعمل بنصيحتك أنني معجب بها للغاية وأريدها أن تكون زوجتي فضحك عصمت وصافحه وقال اتفقنا … ثم سار متجاورين في اتجاه بعيد عن الدشم التي تم الاستيلاء عليها … ما هي إلا لحظات وقد سمعوا صوت الرتالة التي يقوم بضربها المراقب الجوي والتي تدل علي وجود غارة جوية . وهنا جذبه خالد من يده قائلا أقترح أن نجري سريعا وندخل بالدشم الاسرائيلية إنها قوية وتتحمل بسهولة الضرب … فأجابه عصمت أتجعلنا نجري كل هذه المسافة .. أعتقد أن الأفضل أن ندخل هذه الحفرة البرميلية القريبة أنها أفضل … وهنا اختلف الأثنان وكا منهما نفذ ما يعتقد أنه علي صواب . لقد كان من هوايات عصمت أن يرفع رأسه وعينيه دائماً ويراقب طائرات العدو أثناء غارتها .. فإنه من الرجال الذين يصعب انحناء رأسهم لأحد حتى مع الموت … ما هي إلا لحظات حتى حلقت طائرتان فانتوم 4 فوق النقطة الحصينة وقذفتا بقنبليتين زنه 2000 رطل فوق الدشم الاسرائيلية مباشرة . وبالذات الدشمة التي دخلها خالد منذ ثوان … أخذ عصمت يراقب الطائرتان وهما تنقضان علي أهدافهما ثم إسقاطهما للقنابل الشيطانية ثم ارتفاعهما المفاجئ لأعلي لتفادي الشظايا المنبعثة من القنابل الضخمة … والتي لا تستطيع الطائرة أن تحمل واحدة منها فقط … وهنا ارتجت الأرض كالزلزال وبالرغم من أن عصمت كان داخل حفرته البرميلية وعلي مسافة لا تقل عن 300 متر من منطقة الإصابة إلا أن الحصى والأتربة اصطدمت بوجهه فاضطر إلى خفض رأسه بالحرفة البرميلية ثم سمع الانفجار الثاني المدوي ولكنه لم يستقبله بنفس القوة فقد وضع كلتا يديه علي أذنيه وما أن مرت عدة ثواني إلا وقد رفع عصمت رأسه مستطلعا تأثير القنبلة علي الدشم … لقد كانت الاصابة محكمة في دشمه خالد خاصة وأنها كانت في أضعف نقطة وهي مدخل الدشمة … أما الدشمة الأخري فلم تصب بتاتا … لقد كانت الدشمة بالنسبة لهم مقبرة حقيقية احتوت أجسام الشهداء حيث تهدمت تماما فرقدوا بها ساكنين هادئين حتي يومنا هذا … وتحطمت بذلك أحلام سبعة من شباب مصر الأبطال كان أحدهما خالد … ولم تمضي بضع دقائق إلا وقد أرسل المراقبون الأرضيون المدفوعون للأمام للأشارات الدالة علي بدء الهجوم الأرضي بالدبابات إذن فالعدو سيحاول استرداد النقطة الحصينة وما الهجوم الجوي إلا تمهيد للهجوم الأرضي وهنا جذب عصمت صفارته من جنب سترته وأخذ يطلق صفيرا حاد متقطعا إنها إشارة إلي قادة الدبابات بركوب الدبابات والاستعداد السريع للقتال … ثم قذف بنفسه داخل دباباته واضعا جهاز اللاسلكي على وضع العمل والهلمت ( غطاء الرأس داخل الدبابة ) علي رأسه قائلا بالاسلكي ” لقد حان العمل يا أولاد بعد راحة الطويلة التي أخذتموها “أخذ عصمت يراقب سحب الأتربة المتجهة في اتجاه النقطة الحصينة من تأثير سير الدبابات الاسرائيلية وتقدمها لقد لاحظ أنها تتزايد بقليل عن الثلاثين دبابة علاوة علي تدعيمها بالعربات المدرعة المحملة بالمشاة الإسرائيلية وفي أثناء ذلك اتصل به قائده باللاسلكي وسأله عن موقفه فأجابه أنه جاهز للاشتباك بجميع الدبابات وأنه في انتظار إشارة فتح النيران ، لقد تقدمت الدبابات الاسرائيلية وأخذت تقلل السرعة لفتح تشكيل الهجوم ولاحظ أنها لم تتوقف ولم تقم باستطلاع مواقع انتظار كعادة القادة الإسرائيلين بل أنها تحاول الهجوم من الحركة مستهينة بالعدو الذي أمامها ولم تستفيد من خبرة قتال الأيام السابقة بل وصل حد الاستهانة أنها بمجرد أن أخذت تشكيل القتال بالمواجهة بدأت بزيادة سرعة الدبابات والمدرعات وبدأت بالهجوم السريع سأل عصمت نفسه يا له من قائد غبي أنه يهاجم ويعتبر نفسه أنه فائز من البداية معتمدا علي أن معه حوالي خمسة وثلاثون دبابة وأن عدوه مدعم فقط بسبع دبابات ولم يعمل أي حساب للمشاة المصريين هؤلاء الأبطال الذين لم يعلم الإسرائيليون قدرتهم وإمكانيتهم الحقيقية بالرغم من مرور بضع أيام من قيام الحرب . سأل الملازم حسن باللاسلكي عصمت هل اضرب الآن يا فندم إنني أميز الدبابات الإسرائيلية جيداً فأجابه عصمت لا تفتح النيران الآن وفتح النيران سيكون بأوامر شخصية مني … وبالرغم من أن قائد المشاة قد أعطي أوامر فتح النيران إلا أن عصمت فضل بذكاء حبس النيران للوقت المناسب … فقد حسبها جيداً فلو أنه أعطي الأوامر بالرمي ودبابات العدو علي مسافة من أثنين إلى ثلاثة كيلومترات لأمكن للعدو أن يركز نيرانه علي الدبابات وأن يخصص لكل ثلاثة دبابات إسرائيلية دبابة واحدة مصرية حيث أن هذه المسافة لا تمكن دباباته من إصابة دبابات العدو من أول طلقة فإنه فضل أن يحبس نيرانه حتى تدخل دبابات العدو للمسافات القريبة في مناطق القتال التي تحددها من قبل إنه يريد أن تكون كل طلقة خارجة من دباباته طلقة قاتلة لقد كانت خطة استخدامه للنيران تعتمد علي مفاجأة العدو من حفرة جيدة التجهيز ومخفية جيداً لا تظهر دباباته منها إلا عند إطلاقها للنيران أخذ العدو يزيد سرعة قواته عند إقترابه من مواقعنا وأخذت دباباته تتكاثف في قطاع ضيق تلك عقيدة العدو السرعة في الاختراق في قطاع ضيق . ثم للوصول في العمق للتأثير علي الروح المعنوية وسرعة انهيار الدفاعات ولكن الآن كل مقاتل يعلم عقيدة العدو جيداً ومدرب علي كيفية احتواء العدو وبشجاعة وتدميره ويعلم دوره وظيفته في المعركة . سواء كان رامي دبابة أو مدفع أو قاذف أو جندي مشاة … سواء بفتح النيران أو بالقتال المتلاحم أو بوضع العوائق ( كالألغام ) وبدأت المعركة بالنسبة لقوات عصمت بإشارة منه باللاسلكي … قائلا رعد الآن ، وذلك عندما كان العدو علي مسافة 1500 متر من مرابض دباباته حيث أمر دباباته بتركيز النيران علي دبابات العدو الدقاقة التي اندفعت للأمام لفتح الثغرات في حقول ألغامنا وبمرور عشرة دقائق نجحت سريته في تدمير ثلاث دبابات دقاقة بنيران أبطال المشاة ولكن العدو أخذ يدفع بدباباته خلف دبابات الدقاقة الناجحة وأخذ يدفع بدباباته للعبور من الثغرات التي نجح في فتحها … واشتدت المعركة وأصبحت النيران و الانفجارات في كل مكان بأرض المعركة فاستطاعت دبابات عصمت أن تدمر دبابتين أخريين ولكن دبابات العدو واصلت الهجوم السريع والضغط حيث أمكن لدبابات النسق الأول من عبور وتجاوز مرابض دباباتنا بحوالي 16 دبابة وهنا بدأ القتال المتلاحم بين أبطال المشاة وتلك الدبابات ، وهنا أصدر عصمت أوامره بترك الدبابات التي نجحت في الاختراق لأبطالنا المشاة وسرعة التعامل مع دبابات النسق الثاني وفصلها عن النسق الأول … لقد كانت المعركة رهيبة هنا وهناك تجري في كل متر من الأرض انفجارات ونيران ودخان وأتربة وضوضاء عالية من تأثير الانفجارات وتشغيل مواتير الدبابات والعربات … وصياح وتكبير الله أكبر … ودماء تسيل بدون حساب … وأجسام بشر تحترق داخل الدبابات والعربات … وروائح عطنة غربية متصاعدة من تاثير حرق أجسام البشر والكاوتش والبلاستيك … لقد كان صراعا عجيباً رهيبا ممزوجاً بين التكنولوجيا والشجاعة والذكاء والإمكانيات والقدرات لكل من الطرفين المتضادين إنها أطول دقائق في عمر البشر المشتركين فيها دقائق مملوءة بالمتناقضات بالخوف والرهبة وحب البقاء بالشجاعة والشرف والكرامة وحب الوطن … ثم لاحظ العقيد عبد التواب وهو قائد المنطقة الدفاعية أن دبابات العدو بدأت تتوقف أمام القتال المتلاحم لجنوده وبدأت مجهوداتها القتالية تتشتت وهنا أصدر أمر بسرعة احتلال القوات الاحتياطية المدعمة بالصواريخ للتباب الحاكمة حول دبابات العدو وبسرعة معاونة القوات المقاتلة والدبابات في تدمير العدو .. لقد دخلت دبابات العدو في المصيدة فالمشاة المصريون الأبطال يقاتلوهم من داخل حفرهم بل بعضهم قد تركوا حفرهم وقفزوا فوق دبابات العدو غير مبالين بالنيران يحاولون قتل أطقم الدبابات بالسنكي أو بنيران البنادق وصواريخنا الموجهة تحصد دبابتهم من الجنب ودبابتنا تفصل دباباتهم عن بعضنا وتمنعهم من الانسحاب … لقد كانت سيمفونية عظيمة للنصر بقيادة المايسترو عبد التواب … حيث بدأت بالتدريج تظهر معالم الهزيمة علي قوات العدو حيث بدأت بعض الدبابات المتفرقة تحاول الارتداد في اتجاهات مختلفة مما يدل علي أن القائد الإسرائيلي قد فقد سيطرته علي دباباته … وأن القادة الأصاغر يحاولون الانسحاب بدون خطة واضحة للانسحاب .. وهنا أصدر العقيد عبد التواب أوامره المشددة بمنع الانسحاب والارتداد للعدو بتكثيف القتال المتلاحم ورمي الألغام سريعا علي الطرق المتوقع الارتداد عليها .. وعبء دبابات عصمت للمناورة السريعة وعمل الكمائن لمنع ارتداد دبابات العدو … وتم تنفيذ أوامر القائد باستجابة سريعة وبدأت أصوات المعركة تقل رويداً رويداً حتى سكنت تماما إلا من أثار الحرائق والدخان وأنات المصابين .. لقد فقد العدو في هذه المعركة من الدبابات والعربات حوالي 80 % من قواته أما الأسري فإن عددهم كان أكثر من المعتاد فدبابات عصمت بمفردها تمكنت من أسر 14 أسيراً وعن تجميعهم أمام عصمت تمهيداً لتسليمهم للقيادة الأعلى فوجئ بأنهم ذو أشكال مختلفة فبعضهم أصفر الشعر ذو عيون زرقاء والأخر ذو شعر أسود وبشرة سمراء اللون … والبعض البعض الأخر زنجي الشكل وكان معظمهم في حالة من الذعر والخوف والرهبة بل أنهم عندما يقترب منهم جندي مصري سرعان ما يغطي وجهه بذراعيه متوقعا أنه سيضرب … هنا خطب فيهم عصمت باللغة الإنجليزية بأنهم قد أصبحوا أسري أي خارج المعركة وأنه لا داعي لذعرهم لأنهم سيعاملون معاملة كريمة تليق بالمقاتلين … طالما أطاعوا الأوامر والتعليمات … وفي الحقيقة فإن هذه المعركة كانت ضربة كبيرة للقادة الإسرائيليين أثبتت أنه من الصعوبة بمكان أن يحاولوا استرداد المناطق الحصينة وهذا ما حدث حيث أن هذه المنطقة الحصينة لم تهاجم مرة أخري حتى نهاية الحر ب .

 

 


 

 

 

 

الفصل الرابع

 

 

 

اجتمع الضباط في الصالة الإسرائيلية الأنيقة بالمنطقة الحصينة لقد كان أغلب الضباط من ضباط المشاة حيث أن الوحدة القائدة من المشاة تحت قيادة العقيد عبد التواب …التي قد دعمت بسرية دبابات وعناصر من الصواريخ الموجهه ،  (( ملاحظه من المجموعه 73 مؤرخين – الكاتب لم يذكر ان البطل كان مع الكتيبه 602 برمائي من اللواء 130 برمائي الذي عبر القناه يوم 6 اكتوبر واحتل نقطه كبريت )) لقد كان الجميع فرحين وفي نشوة النصر خاصة وأن العدو ظل خامل النشاط لمدة ثمانية وأربعين ساعة بعد المعركة التي تكبد فيها خسائر فادحة … ثم بدأ العقيد عبد التواب في الحديث بالثناء علي الجميع الضباط والصف والجنود في قتالهم وخص بالذكر بعضا ممن أبدوا شجاعة فائقة … ثم أمر بدقيقة حداد علي أرواح شهدائنا الأبرار …

 

 

 

 

 

ثم أخبرهم بأن هناك تعليمات عاجلة بإعادة التنظيم وانتقال بعض الضباط إلى وحدات أخري للتكليف بمهام قتالية جديدة وهنا وجه كلامه إلى عصمت قائلا … إنك مطلوب تحركك اليوم مساءً للانضمام إلى اللواء المدرع ( وحدته الأصلية ) (( ملاحظه من المجموعه 73 مؤرخين – الكاتب يقصد هنا اللواء 25 مدرع مستقل بقياده العميد احمد حلمي بدوي وكان يتمركز داخل نطاق الفرقه السابعه مشاه بقياده العميد احمد بدوي وزير الدفاع لاحقا – وذلك داخل نطاق الجيش الثالث الميداني بمنطه الشط شمال شرق السويس )) وعليك تجميع أي أفراد من أطقم الدبابات التي دمرت دباباتهم لأخذهم معك لقد كنا نريد أن تظل معنا لقد حاولت أن تظل تحت قيادتي ولكن قيادتك أصرت علي سرعة انضمامك للواء مساء هذا اليوم بارك الله فيك ثم قام واحتضن عصمت مصافحاً قائلا علي فكرة إنك ستتغذى معي اليوم فذلك الغذاء هو حفلة توديعك … فأجابه عصمت ضاحكاً وهو كذلك . لم يأخذ الاجتماع إلا نصف ساعة حيث تحرك عصمت مع قائده لملجئه لتناول الغذاء …بمجرد جلوسهم علي المقاعد بدأ العقيد عبد التواب يتكلم مع عصمت عن خبرته في أعمال القتال عن الأيام السابقة ثم سأله عصمت قائلا أنني أتعجب يافندم كيف خسرنا حرب 67 والعدو ليس بالقوة التي تمكنه من إحراز نصر بل إنه في الواقع كثيراً ما يتجنب القتال الفعلي لأنه يخشى دائما خسارة أرواح أفراده . فقال العقيد عبد التواب إن الحرب الحديثة تكسب قبل أن تبدأ فبالتخطيط الجيد والإعداد الدقيق والقيادة الواعية وبالحشد المناسب للقوات والأسلحة والمعدات ثم بتحقيق المفاجأة كل ذلك سيؤمن ويؤكد النصر وهذا ما فعله عدونا في الحرب السابقة وهذا ما فعلناه في الحرب الحالية … لقد كان هناك سلبيات كثيرة في الماضي عززت هذه الهزيمة وفي الحقيقة أن عوامل الهزيمة كانت فينا قبل أن تكون في قوة العدو ولكن الحمد لله فقد استطعنا دراسة هذه السلبيات وتلافيها .. وانظر الآن … إلى هذه الأيام المجيدة فها نحن اخترقنا خط بارليف بسهولة عابرين أكبر مانع مائي في التاريخ الحديث ناجحين في تدمير الدشم الحصينة مدمرين جميع هجمات العدو المضادة بأحدث دباباته وأسلحته كل ذلك بفضل الله والقيادة الواعية والإعداد والتجهيز الجيد للأفراد والأسلحة والمعدات هذا بالرغم من أن العدو يملك كما من الأسلحة والمعدات أحدث وأكثر بكثير مما نملك … لقد كان الغذاء ثريا بأنواع المأكولات بعضها من التعيين المصري والأخر من مخازن جيش الدفاع الإسرائيلي وعلي الأخص علب الكمبوت والشكولاتة … حتى أن معدة عصمت قد امتلئت تماما بالطعام … وكأنه يعوض سوء التغذية عن الأيام السابقة وأخيراً قام عصمت واقفا قائلا … معذرة أيها القائد فعلي الآن الرحيل لتجهيز الأفراد خاصة وأنني أحسست أنني علي شك النوم … فقام عبد التواب باحتضانه مرة أخرى ذلك الاحتضان الذي يدل علي الحب والدفء الحقيقي بين رجلين لم يتعرفا علي بعض إلا من بضع أيام لا تربطهما ببعض صلة غير المشاركة في الشجاعة وحب الوطن

 

 

 

… لقد ظللت هذه اللحظات راسخة في عقل عصمت خاصة وأنه كان اللقاء الأول والأخير بينهما فقد استشهد البطل العقيد عبد التواب بعد بضعة أشهر بعد كفاح وقتال مضي كان فيه مثالا للقائد الشجاع القدير وذلك في يوم إيقاف النيران بيننا وبين العدو الإسرائيلي من دانة مدفعية طائشة وقد أكد هذا نظرية راسخة في ذهن عصمت يؤمن بها دائماً وهو أن الله دائما يختار الأخيار من أهل الأرض بجانبه مبكراً عن باقي البشر…. وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديثه الشريف عندما قال “كلكم ميت وإنما يعجل بخياركم ” *** تحرك عصمت بالعربة اللوري حاملا أفراد أطقم الدبابات الزائدة عن الدبابات وأخذ يحيي أفراد المشاة بالمواقع الحصينة لقد كانوا يلوحون له بعلامة النصر أو بالتلويح بالبنادق أما هو فكان يرد عليهم بالإشارة بذراعه من خارج نافذة العربة … ولم يمر سوي وقت قصير إلا وقد خرج من نطاق المنطقة الحصينة لقد كان عليه أن يتحرك مسافة أكثر من ثلاثين كيلوا مترا عرضاً بطول الجبهة ولذا فقد أخرج خريطته وأخذ يدرس ويراجع طريق التحرك بعد أن لم في السابق بأوضاع قواتنا وبأوضاع حقول الألغام والمناطق التي لا زال بها اشتباكات حتى يستطيع تفاديها وعموما فقد كان خطة الجبهة في هدوء نسبي حيث خسر الإسرائيليين حوالي 600 دبابة وعربة مدرعة والتي كانت تمثل قوة الدفاع الإسرائيلية عن سيناء … ولكنه يعلم الآن أن الإسرائيليين يحركون مئات الدبابات من عمق إسرئيل للجبهة المصرية … لتعويض خسائرهم العالية وأخذ عصمت ينظر لحطام الدبابات والعربات والمعدات الإسرائيلية المحطمة والمحروقة وقد تناثرت بجانبها أشلاء بشرية وجثث وبقع حمراء غامقة حمراء أخذت تتحول بالتدريج للون الأسود والأرجح أن قواتنا لم تهتم في المرحلة الأولي برفع الجثث حيث كان كل مجهود قواتنا موجه أساساً للتجهيز الهندسي لإنشاء حفر ملاجئ للأفراد ومرابض للدبابات والمدفعية … لقد كانت الإصابات في تلك الجثث محكمة أحالتها إلى أشلاء ممزقة هؤلاء الذين أصابهم الغرور والخيلاء وظنوا أنهم شعب الله المختار وأنهم أذكي شعوب البشر ونسوا أن البشر جميعا من أب واحد وأم واحد.

 

ثم أثناء مروره علي إحدي وحدات المشاة المصرية لاحظ أنهم دفنوا شهدائهم بأرض المعركة حيث وضعوا جثثهم بأعلى التباب والهضاب حيث أن الأرض كانت صخرية لا يمكن حفرها وقد وضعوا فوق جثث الشهداء أكواماً من الحجارة لقد دفنوهم بملابسهم وأحذيتهم ثم وضعوا أخشاب صغيرة في شكل أوتاد ومثبت عليها خوذ الشهداء وأسماؤهم . لقد أصابته رعشة كهربائية عند مروره بهذا المنظر فقد أحس بأن هؤلاء الشهداء يراقبونه من أعلي بل ويحيونه … لقد شعر بإحساس غامر بأن ذلك هو أفضل موت لمقاتل المؤمن بالله وعدالة قضيته … بل وتمني أن يستشهد ويدفن بهذه الطريقة … في الصحراء الفسيحة … في أعلي التباب … أخذت عربته تسير عبر قواتنا المقاتلة وكثيراً ما كان يتم إيقاف عربته للتأكد من الشخصيات ومعرفة كلمة المرور … ثم سرعان ما يتم سؤاله من أفراد الحراسة عن أخبار وحدته وما حققته ثم سرعان ما ترتفع الروح المعنوية لكل الأطراف … وأخيراً وصل إلى منطقة التجمع المطلوب الوصول إليها تلك المنطقة التي علي مدخلها ضابط من الشرطة العسكرية وجنود للإشارة فسألهم بعد أن أعلن عن نفسه ومهمته عن المكان المطلوب التوجه إليه فأرشدوه إليه .

 

تحرك عصمت إلى داخل منطقة التجمع وقد لاحظ أن هناك أرتال من الدبابات أخذت تنتشر في المنطقة ودبابات أخري قد سكنت في ملاجئها .. لقد أحس أنه يتم الآن تجميع اللواء المدرع الأم بعد أن كان قد ساند هجوم المشاة الأبطال في الأيام الأولي … وأنهم مقبلون علي مهمة جديدة … اتجه عصمت إلي مركز قيادة اللواء بعد أن عرف مكانه وأبلغ عن وصوله وعن القوة التي معه .. حيث أمر بالانتظار في مركز القيادة حتى تصل الأوامر الجديدة له … وهنا استغل الوقت في التوجه إلي صديقه النقيب محسن وهو ضابط يعمل بمركز القيادة ليعرف أخبار كتيبته من ناحية وما أنجزته والخسائر بها وعندما سأل محسن عن ذلك أجاب أن الخسائر حتى الآن مقبولة … ولكن ما يميز الخسائر هو ارتفاعها في ضباط المدرعات بصفة خاصة … لوقوفهم لمدرعات الدبابات بشجاعة فائقة مستهينين بالموت ثم سأل عصمت عن ضباط كتيبته أسماً أسماً وهنا أجابه محسن بأن كمال ومحمود  أصبحوا رماد  ، والآن وهناك أربعة من الضباط جرحي وذكر له أسماؤهم وذكر أنه تم إخلائهم للعلاج ثم أخبره أن أحد الضباط الاحتياط أصيب بالصرع من جراء الحرب فسأله عصمت وكيف تعاملتم معه فأجابه محسن أن الطبيب الضابط أفتي بأن عليه أن يستمر في الميدان لأنه لو سحب من الميدان لأصيب طوال عمره حيث أن علاجه أن يستمر في الميدان . حتى يرجع إلى حالته الطبيعية مع رفع الأعباء والواجبات عنه عليك فضحك عصمت ياله من خيار علاج … حقاً إن أصابع اليد كلها ليست متساوية والقدرة علي التحكم والسيطرة علي النفس تختلف من فرد لأخر ولا يظهر ذلك إلا في المواقف الشديدة … لقد كان عصمت في تلك اللحظة يحس بالشعور المتناقص يحس بالزهو والفخر لما أنجزته قواته ووحداته ويحس بالحزن والألم والقلق للخسائر التي حدثت من استشهاد بعض الضباط والصف والجنود الذين يعرفهم وكان وعلي صلة بهم ولكنه تذكر أن الشعوب عليها ضريبة الجهاد أمام الله . وأخيراً صدرت الأوامر إليه بأن يتوجه إلي كتيبته وقد عين قائداً لسرية دبابات لإحدى الدبابات التي استشهد قائدها فتوجه عصمت سريعا لمقابلة قائده وهو المقدم المهدي الذي انفصل عنه من اليوم الثاني من بدء الحرب نظراً لسحب عصمت ضمن مجموعته لتدعيم أعمال قتال المشاة .

 

وجد عصمت المقدم المهدي جالساً علي الأرض بجانب دباباته وقد شد شبكة الإخفاء والتمويه علي دبابته فصنعت له ظلا وكان أمامه صندوق ذخيره من الخشب يستخدمه كمكتب حيث وضع أمامه خريطة وعلبة ألوان وكان عند وصول عصمت يرسم علي خريطته … فصاح عصمت مساء الخير يا أفندم فأجابه أهلاً وصلت أخيراً .. كيف حالك وما أخبارك . وأخبار أبو العلا هل صحيح جرحه كبير فأجابه عصمت قائلا في الحقيقة الشظية كانت كبيرة ذات حافة حادة ولكنها مرت مر الكرام علي بطنه ففتحت البطن تماما 25 سنتيمتر إنما لم تتوغل فأبو العلا يملك بطن من الفولاذ وقد سمعت أنه يتحسن الآن بالمستشفي الميداني بعد أن أجريت له الجراحة اللازمة … ثم واصل المقدم المهدي قائلا والله منذ زمان لم أرك لقد سمعت أنك كنت سارحا في الجبهة … فضحك عصمت معلقاً بالفكاهة سيادتك الذي تخلصت مني وأرسلتني لمعاونة المشاة فضحك المهدي قائلا ها نحن قد أحضرناك مرة أخرى سوف نري ماذا سوف تفعل … الظاهر يا عصمت أنهم يعيدون تجمعنا لأن هناك تطورا جديداً في الحرب وعلي كل حال اعتقد أنك ستقود السرية الثانية دبابات وهي والحمد لله جميع دباباته سليمة عدا دبابة واحدة أرجو أن ترفع كفاءتها الفنية في أسرع وقت فلا يعلم إلا الله ما هي مهمتنا الجديدة فقال عصمت تمام يا أفندم هل هناك أوامر أخرى رفد شكراً لك، تحرك عصمت في اتجاه سرية دباباته الجديدة سيراً علي الأقدام وأخذ يفكر وكان متفائلا ومتشوقاً لرؤيته أفراد كتيبته السابقة ضابطاً وجنوداً … *

 


 

 

** الفصل الخامس

 

 

 

صحا عصمت من النوم بعد نوم هنيء وكيف لا وقد خلع حذائه لأول مرة منذ اندلاع الحرب بل وخلع القايش من وسطه فقد جري العرف علي أن ينام بالأفرول والقايش مربوط علي وسطه والحذاء في رجله ومسدسه بجانبه ولكن الآن الأمان أكبر … واحتمالات أن يتحول للقتال في وقت قصير أصبح بعيد الاحتمال… ولكن أثناء قيامه بغسل وجهه سمع صوت الرتالة وهي تضرب بشدة معلنة عن رفع درجات الاستعداد القصوى وفتح محطات اللاسلكية داخل الدبابات … استغرب عصمت علي هذا التحول المفاجئ خاصة أنه ليست هناك أي عدائيات ظاهرة فلا طائرات مغيره فوقه ولا مدفعية للعدو تقوم بالرمي … وسرعان ما ارتدي ملابسه وقفز داخل دبابته… وأخذ تمام دباباته باللاسلكي وسرعان ما أعطي تمام استعداده لقائده… ثم تلقي المفاجأة الثانية فقد أمر بالتحرك بسريته في هيئة رتل إلى هضبة علي مسافة بضع كيلوا مترات في الأمام ثم الانتظار حتى يلحق به قائد الكتيبة… فقام عصمت بإعطاء الأوامر بذلك لقادة فصائله التي بدأت في التحرك بدباباتها في الاتجاه المحدد . وتحرك عصمت بدبابته علي رأس السرية وأخذ يراقب ضباط وهو يسيطرون علي دباباتهم ويدخلونهم في تشكيل التحرك وأخذ عصمت يفكر في المهمة الجديدة فالهضبة التي حددت له ما هي إلا خط الابتداء لتنفيذ مهمة جديدة ولكن ما كان تقلقه أن المهمة يتلقاها بطريقة سريعة ومفاجئة وغامضة ومختلفة تماماً لما تعود عليه … ثم إنه من الواضح أن تلك المهمة ستكون خارج المهمة الحررة … *** مر عصمت علي مواقع المشاة المصرية التي خرجت من خنادقها لتحيته بتحريك أيديهم المحملة بالأسلحة لقد كانت تلك التحية من محارب إلي محارب آخر تشجعه وتحفزه علي تنفيذ مهامه القتالية الجديدة … لقد أدرك رجال المشاة من تحريك الدبابات من الخلف واندفاعها للأمام بهذه السرعات العالية أن إخوانهم رجال المدرعات علي وشك الاندفاع للأمام خارج نطاقهم لتطوير الهجوم… أخيراً وصل عصمت إلي الهضبة المحددة له حيث أمر قادة فصائله بالترجل من الدبابات واللحاق به علي الهضبة … ولم يمضي إلا بضع دقائق إلا وقد انضم إليهم قائد الكتيبة المقدم المهدي. فتح المقدم خريطته وأخذ يوجهها ثم سأل عصمت أتعرف محلك الآن علي الأرض فأجابه تمام يا أفندم… فأمره المهدي بأن يشير في الخريطة إلى المكان فأشار عصمت بدقة للمكان… فقال المهدي تمام… تمام سنتحرك الان علي هذا الطريق وأخذ يرسم بخطوط متقطعة طريق التحرك علي الخريطة سنفتح هنا وهذا هو الهدف أتعلم يا عصمت ما هو الهدف فأجابه لا… فقام برسم رمزاً يرمز إلى مركز قيادة العدو في الجبهة… وهنا أدرك عصمت ما هي المهمة… ثم استفاض المهدي في شرح المهمة… والجميع في سكون تام … لقد كان المطلوب من عصمت وسريته التحرك لمسافة تزيد عن الثلاثين كيلوا متراً بقليل في أرض معادية يستطلع كل متر منها ويدمر أي قوات تقابله للعدو وقد تكون موجودة مؤمنا تحرك كتيبته حتى الوصول للهدف ثم يشترك مع باقي الكتيبة في تدمير الهدف .. أخذ عصمت يفكر بجدية ثم صاح فجأة ياله من هدف ثمين شهي وبالرغم من إدراكه للصعوبات تماما فإن طبيعته المتحمسة الجسورة تغلبت علي تلك الصعوبات ثم استأنف كلامه قائلا أمام قائده وضباطه ولينقل حماسته لهم أهذه هي المهمة فقط ؟؟؟؟ فأجابه المهدي يكفيك هذا…. ثم ترك المهدي عصمت وضباطه لإجراء أعمال بالمهمة الجديدة. *** اندفعت الدبابات المكلفة باستطلاع من سرية دبابات عصمت للأمام وأخذت تتقدم بحذر شديد في هدوء وثبات حيث أنهم بمجرد عبورهم لخنادق المشاة المصرية أصبح احتمال وجود عدو كبير جداً. وقد تحرك عصمت بدباباته خلف دبابات الاستطلاع مباشرة وأخذت الدبابات تطلق نيران رشاشاتها علي كل كدية أو حشائش في الأرض يمكن للعدو استخدامها في الإخفاء كنوع من أنواع التفتيش الدقيق … وما هي غير ثلاث كيلوا مترات قد عبروها وفجأة فتحت عليهم نيران مفاجئة علي الجانب الأيمن من الطريق…. وبسرعة أمر عصمت جميع دبابات الاستطلاع بالاستتار في الأرض ومحاولة معرفة قوة العدو ومكانه بدقة … وفي نفس الوقت أمر باقي دبابات سريته في الخلف بالتوقف أيضاً والاستتار. لقد كانت الأرض التي يعمل بها العدو ذات طبيعة جيدة للاختفاء والاستتار لما بها من هضاب وتباب متعددة… لهذا لم يرد عصمت أن يغامر بالتقدم إلا بعد معرفة العدو الذي أمامه بدقة… ثم سرعان ما أمر دبابتين من دبابات الاستطلاع بالاشتباك مع العدو من خلف التباب حتى يستطيع أن يكشف خطة نيران العدو والأسلحة التي معه … وبدأت دبابات عصمت في الاشتباك وهو كالمدرب يراقبها ويراقب العدو باستخدام نظارة الميدان.. لقد اكتشف في النهاية أن قوة العدو أمامه عبارة عن أربع دبابات وعربتين مدرعتين… هنا أمر جميع دباباته بالفتح للقتال وسرعة مهاجمة العدو من الحركة لقد كان يثق في كفاءة أطقم دباباته ومستواهم العالي ويريد أن يزيدهم ثقة بأنفسهم وكفاءتهم ذلك بتدمير العدو أثناء تقدم الدبابات بسرعة عالية وبدون توقف ثم اندفع عصمت بدبابته عالية أمام دباباته. فاتحا النيران بسرعة عالية وكان تصرفاً غريب منه فالقائد يجب أن يكون خلف قواته وليس أمامها حتى يمكنه رؤية قواته والسيطرة عليها وكان التصرف الأغرب أنه هبط لداخل دبابته وأزاح رامي دبابته قائلا لو سمحت أترك الطلقة الأولي لأفتتح المعركة… وكانت الطلقة من دبابته أكثر من رائعة فقد أطاحت ببرج الدبابة المصابة مما يدل علي ثقة الرامي … هنا هللت أطقم الدبابات نيرانها في وقت واحد تقريبا وفي خلال وقت قصير للغاية اشتعلت الدبابات المعادية جميعاً وكذا أحد العربات المدرعة وهربت الأخرى هذا ولم تحدث أي إصابات بدباباتنا ولكن لماذا تصرف عصمت هذه التصرفات الغريبة لقد أراد أن يظهر شجاعته وبراعته أمام السرية الجديدة التي يقودها حتى يكون مثالا يحتذي به أما عن المقدم المهدي فأخذ يتصنت علي اللاسلكي حيث أمكنه سماع أشارات وأوامر المعركة ثم فوجئ بعد وقت قصير أن عصمت يبلغه عن تمام تدمير العدو وأضاف أيضاً بأنه يمكنه تمييز تحرك رتل معادي من الدبابات مخلفاً وراءه خطاً هائلا من الرمال علي مسافة أربعة كيلوا مترات لقد استنتج كل من القائدين أن الدبابات والعربات التي دمرت كانت عناصر حراسة واستطلاع لقوة أكبر وها هي القوة الرئيسية للعدو تدخل المعركة وهنا أصدر المقدم المهدي لعصمت بالتمسك بأرض عالية مناسبة لإيقاف دبابات العدو التي تفوقه عدداً فاندفع عصمت ودباباته كالوحوش الكاسرة لتنفيذ هذا الأمر وأخذ عصمت يشرف علي احتلال دباباته للتباب الهامة ويحسن أوضاعها بسرعة حتى تستطيع مقابلة العدو في أفضل وضع ثم فجأة ظهرت دبابات العدو في الموجهة في حوالي ثلاثين دبابة أو أكثر بقليل ومعها أربع عشر عربة مدرعة وبدأ الاشتباك السريع لقد أحس عصمت بالقلق حيث أن كتيبته الأم كانت خلفه وتحتاج إلي عشر أو خمس عشرة دقيقة للدخول في المعركة أو بمعني أخر عليه أن يقاتل بمفرده ضد عدو متفوق عليه بنسبة ثلاثة إلي واحد وبالرغم من هذا فقد تماسك ولم يطلب من قائده الإسراع خشية أن ينقل قلقه إلي قادته المرؤوسين واعتمد علي حسن إدراك قائده وأنه سوف يدخل المعركة في الوقت المناسب ومن المكان المناسب وأخذ عصمت يوجه للقتال من خلف التباب حتى يقلل تعرضها للنيران . وبدأت المعركة صاخبة مميزة بقتال الدبابات فالدبابات الإسرائيلية أخذت تتقدم ببطء معتمدة علي كثرتها وأخذت تلقي نيرانها بأعلى معدل أما الدبابات المصرية فأخذت تلقي بنيرانها من خلف التباب بمعدل أقل لقد كان هدف عصمت الأساسي هو القتال التعطيلي وإحداث أكبر خسائر للعدو وأقل خسائر في قواته مع جذب العدو بكامل قواته في اتجاهه لإتاحة الفرصة لقائده لتوجيه ضربة قوية علي أحد أجناب العدو بطريقة مفاجئة انشغل عصمت بإدارة نيران دباباته علاوة علي مراقبته لأعمال قتال دبابابته وأخذ يعطي التوجيهات لقد دمر للعدو دبابتين ودمرت له دبابة ثم فجأة ظهرت دبابات كتيبة الأم علي الجانب الأيمن للعدو فأصبح العدو بين المطرقة والسندان… وأخذت دبابات العدو تأخذ اتجاهات متعددة للدفاع عن نفسها وأخذت دبابات قوة الالتفاف تضغط بقوة علي العدو بقيادة القائد المهدي الذي ميز عصمت دبابته المرفوع عليها بيرق لقد كان قائداً شجاعاً إلي حد التهور فقد كان مندفعاً أمام دباباته بأكثر من مائتين متر ثم بدأت المعركة تميل لصالحنا وبدأ عصمت كما يقول رجال المدرعات في مصطلحاتهم ” تقسم علي العدو ” أي يضرب ويقود النيران بهدوء وحكمه أو بمعني آخر مسيطر علي الموقف ولكن علي حيرة غرة وجد عصمت دبابته تهتز بشدة وأخذت إضاءات مبهرة تضئ وتطفئ داخل دبابته حتى افتقد حاسة الرؤيا لبضع ثوان لقد دخل مقذوف قاتل داخل دبابته لذا صاح عصمت في الطاقم بسرعة بإخلاء الدبابة قبل قبل أن تنفجر تماماً… ثم قفز من دباباته هو والمعمر ثم تلاهم الرامي … ولكن السائق لم يخرج … وبحركة لا شعورية قفز عصمت فوق الدبابة مرة أخرى فوق مكان السائق تماماً وأحس بالسعادة عندما وجد فتحة السائق مفتوحة حيث أزاحها بيده فوجد السائق جالساً وهو مذهول… ولا يتحرك… فأمره بسرعة الخروج … ولكنه أجابه مذهولاً بأنه لا يستطيع.. فصاح عصمت في وجهه حاول الخروج وسأعاونك من الخارج ومد عصمت ذراعيه القويتين وأمسك بكتف السائق وجذبه لأعلي وبجهد كبير خرج السائق من فتحته ولكن بدون ساقين… وهنا أدرك عصمت ما حدث لقد أصيبت دبابته بذلك الصاروخ الملعون الأمريكي الصنع المسمي ( التو ) الذي عند اصطدامه بجسم الدبابة يقوم بإنتاج حرارة عالية تصهر الحديد وقام الحديد المصهور بأكل ساقي السائق… فجذب عصمت سلك تليفون قديم من علي الدبابة يستخدم في ربط الأشياء علي ظهر الدبابة وقام بربط ساقي السائق ربطاً محكماً عند منطقتي القطع حتى يمنع النزيف ولكن ما كان يدهشه أن السائق المقاتل بالرغم من الإصابة الجسيمة التي به فإنه لم يبكي أو يخف بل إنه طلب من عصمت برجولة ألا يتركه كما تقضي التعليمات حتى يلحق به العناصر الطبية وتعالجه… بل أصر علي أن يوضع علي أحد محركات الدبابات وأن يترك حتى تنتهي المعركة….. وقد نفذ عصمت طلبه عندما ركب دبابة أخري حيث وضعه علي محرك الدبابة ونسيه تماماً لانشغاله في المعركة… ( عاش السائق بعد ذلك فخوراً بهذا الحديث وقد تم تركيب أطرافه صناعية له فيما بعد …) ودارت المعركة ساخنة بين الدبابات لقد كانت القذائف اللعينة تقذف هنا وهناك متفجرة ومبعثرة وشظاياها في جميع الاتجاهات حاصدة للأرواح فخسائر قتال الدبابات من أعلي الخسائر لأي نوع من القتال وهي تصيب الفائز والخاسر في نفس الوقت … لقد كانت النفوس قلقة والعرق يتصبب وبعض الأيادي ترتعش بل إن بعض المقاتلين من تأثير الخوف الشديد أصبحوا يتحركون ويتعاملون مع الأسلحة وأجهزة الدبابة بدون وعي وأدت هذه التصرفات إلي تكرار الأوامر والتوجيهات وظهور العصبية وانفلات اللسان لقد كان الموت يحوم حول الجميع ويصيب الطرفين … وتصاعدت الأحداث… ثم فجأة بدأ العدو في عمل ستارة الدخان والارتداد.. فقد أصبحت خسائره كبيرة وغير مقبولة… إنه يخاف علي أرواح جنوده دائما بمبالغة وبمجرد إحساسه بأن خسائره أصبحت عالية ينسحب سريعا من المعركة … ولقد أحس المقدم المهدي ببدء بوادر الانسحاب حتى قبل أن يبدأ العدو بتشغيل ستائر الدخان لذا بدأ مبكراً بإعطاء تعليمات لمطاردة العدو وتكبيده أكبر خسائر ممكنة… بدأ العدو في سحب دباباته الأمامية بسرعة وأخذت دبابتنا تتقدم بجرأة للأمام الالتحام بدباباته المنسحبة وارتفعت الروح المعنوية لعنان السماء بعد ضيق والكرب… بدأت المعركة تأخذ شكلاً جديداً… فدبابات العدو أخذت تحاول الفرار في اتجاه الشرق ودباباتنا تحاول تدميرها بالنيران وبالحركة خلفها.. وفجأة صدرت أوامر بإيقاف المطاردة وعودة دباباتنا للمناطق الدفاعية… تعجب عصمت لهذه الأوامر فأنها تعني أن المهمة الأساسية قد ألغيت بالرغم من النجاح الفائق الذي حقق … وأخذ يسأل نفسه ما هو السبب الحقيقي للإلغاء المهمة من أجل أن المهمة قد حققت بواسطة الطيران في تدمير مركز قيادة العدو ولا داعي للوصول بالدبابات إلي أعماق أعماق العدو أوهناك أسبابا أخرى لا يعلمها أن القادة الأصاغر في المعركة لا يعلمون إلا القليل فالمثل العسكري يقول المعرفة علي حد قدر الحاجة !!! **** رجعت الدبابات إلي حفرها السابقة في عمق الدفاعات وأخذ الجنود يفردون شباك التمويه عليها حتى لا تظهر لطائرات العدو وأخذ عصمت يمر علي أفراد سريته بمعرفة الخسائر الحقيقية ورفع الروح المعنوية فكثيراً ما كان ضابط أو جندي يصاب ولا يبلغ عن إصابته ساخراً منها بالرغم من أنها قد تكون إصابة متوسطة لقد توحش الرجال وأصبحوا لا يبالون بأشياء كثيرة وهنا يظهر الإهمال أخذ عصمت يمر بين الدبابات مداعباً جنوده ذاكراً أدائهم بالمعركة ساخراً من البعض ومشجعاً للبعض الأخر لقد كان يقابل وجوها ضاحكة أحياناً ووجوهاً مكتئبة مرعوبة ولقد كانت تلك الوجوه مصدر سخريته دائماً . لقد كان عصمت في ذلك الوقت صغير السن قليل التجربة لم يستطيع أن يميز أن أعصاب الإنسان وقدرته علي تحمل الضغوط النفسية والمادية تختلف من إنسان لأخر بل إن الظروف البيئية والأسرية المحيطة بالشخص نفسه تلعب دوراً كبيراً في مدي تماسك الشخص وقدرته علي ضبط النفس ولكن عصمت كان يضع نفسه كمقياس للتحمل والتماسك وياله من مقياس خاطئ فهو شجاع بالغريزة تربي في أسرة عسكرية منضبطة فوالده وجده وكذا إخوته كلهم من الضباط وينحدرون كمعظم المصريين من أصل عربي صعيدي يؤمنون بالقول المأثور إن حقك دائماً تأخذه بيدك . ولكن في الحقيقة بالرغم من سخرية عصمت بالبعض إلا أنه بفكاهته المرحة كان يهدف إلي تسرية وتخفيف الأمر علي هؤلاء الأشخاص المتشنجين من تأثير القتال..أنه في الواقع كان يخلق هذا الجو المرح المألوف بالحياة العادية والذي يشعر فيه الشخص بالثقة والاطمئنان في كل ما هو حوله . تذكر عصمت بعد بضع ساعات من الراحة بأنه قد نسي نظارته الشمسية علي أحد التباب قبل نشوب المعركة مباشرة فقد خلع نظارته الشمسية ووضعها علي الأرض وأخذ يبحث عن العدو بنظارة الميدان وفي النهاية نسي نظارته الشمسية لقد كانت هذه النظارة عزيزة عليه لأنها هدية من والده عند نجاحه في الإعدادية ولكن المشكلة أن النظارة قد تركت في منطقة خطرة في المنطقة الحرام بيننا وبين العدو لقد كانت خارج أرضنا بمسافة ثلاثة كيلوا مترات … ومع ذلك فقد أصر عصمت علي إحضار نضارته ليس فقط لأنها عزيزة عليه بل إنه يشعر بدافع غريب للتحرك في اتجاهها والحصول عليها . لقد استغرب الزملاء عندما رأوه يجهز نفسه ببندقية آلية وقاذف صاروخي وأتهمه البعض بأنه يستعرض شجاعته… وأخذ عصمت ينادي علي رفيق له في هذه الرحلة الغير مأمونة فاستجاب له رقيب من الصاعقة يدعي محمد يماثله في الجسارة والجرأة. وبدأت رحلة السير في اتجاه تلك التبة ولكن بحذر شديد حتى لا يقعوا في أحد كمائن العدو … وبعد مسيرة حوالي 52 دقيقة بدأت أثار معركة الدبابات تظهر فهناك عربات ودبابات ومعدات مدمرة تماماً بل إن بعضها لا يزال ينبعث منها أدخنة وباقترابهم أكثر بدأوا في تمييز الجثث واستمر عصمت في التحرك في اتجاه تلك التبة المنشودة ولكن بمزيد من الحذر وسرعان ما اعتلي التبة صاعداً مستخدماً أذرعه وأرجله وفور وصوله أعلي التبة وجد النظارة سليمة وعليها أتربة كثيفة فأحس بالسعادة الغامرة لحصوله عليها مرة أخري ولا شعوريا تنازل عن حذره ووقف شامخاً ناظراً في اتجاه العدو وأخذ عصمت ينظر يميناً ويساراً يفحص بدقة ميدان المعركة الذي كان يقاتل فيه منذ بضع ساعات لقد كان هناك حافز غريب يدفعه للاستطلاع والاكتشاف فأخذ يفحص الدبابات والعربات والأسلحة المدمرة ويحاول معرفة أسباب تدميرها نتيجة سوء استخدامها للأرض ثم أخذ يفحص الجثث المصابة … وقد استغرق وقتاً ليس بقليل لفحص ما يريده وانتبه لنفسه أخيراً بعد أن صاح فيه الرقيب محمد قائلا أعتقد يا أفندم أنه حان الوقت للرجوع… خاصة وأن الشمس في طريقها للغروب … فأجابة عصمت… صح فلنرجع… ولكن علينا أن نغير الطريق فأنا أفضل دائما أن أري الجديد وجذب عصمت من جيبه بوصلته ورصد الزاوية التي سيسيرون عليها فقد كانت الشمس في أوان غروبها وهناك احتمال أن المسافة الأخيرة في السير سوف تكون في الظلام وهذا سيتوقف علي مدي لياقتهم البدنية في السير … ثم سأل عصمت الرقيب محمد عن كلمة السر اليوم وكذا كلمة المرور فأجابه محمد بها وليس هذا السؤال لأن عصمت لا يعلمها بل لأنه يريد أن يتأكد منها لأن حياته وحياة زميله تعتمد علي هاتين الكلمتين اللتين بهما سيدخلون المواقع المصرية ليلاً. استمر في السير بحماس علي طريق العودة الجديد… وفجأة أثناء سيرهما بجانب دبابة إسرائيلية مدمرة انبعث صوت صائح النجدة… النجدة…. فأرسل عصمت إشارة صامته بيده فربما كان مصر الصوت عدواً في كمين .. ولكن الصوت تكرر ثانياً … ولكن في خفوت وأنين من الألم .. ولكن لم يستطع تمييز الشخص الموجود أسفل الدبابة فأمر الرقيب محمد بالثبات في مكانه وأخذ ساتر لحمايته عند اقترابه من الدبابة وأخذ عصمت يزحف في اتجاه مصدر الصوت حتى اقترب منه علي بضع أمتار في هذا الوقت أمكن تميزه لرجل ممدود بين عجل بوجي الدبابة فوجه عصمت بندقيته في اتجاه ذلك الرجل وصاح بحذر من أسفل الدبابة أمصري أم إسرائيلي فأجابه … مصري والله والعظيم مصري … فسأله بحذر ليتأكد أنه مصري المباراة التي كانت بين الأهلي والزمالك الشهر الماضي ما هي نتيجتها فأجابه لم يكن في الشهر الماضي أي مباراة بين الأهلي والزمالك.. هنا تأكد عصمت من أن الجندي مصري… ثم طلب منه عصمت أن يخرج من أسفل الدبابة فرد عليه بأنه مصاب منذ ثلاثة أيام يف رجله وأن رجله تعوقه عن الحركة وأنه زحف عندما أصيب إلي أسفل الدبابة حتى يستظل بظلها ثم أصيب بإغماء وعند إفاقته وجد وحدته قد غادرت المنطقة بعد قتالها وترك لمدة ثلاثة أيام بلا مأوي أو تعيين سوي قليل من المياه في زمزميته … فزحف عصمت أسفل الدبابة بعد أن نادى على الرقيب محمد لمعاونته وأخذ يجذب هذا الجندي المصاب من أسفل الدبابة حتى أخرجوه حيث كان في حالة من الإرهاق والتعب لا حد لها وكانت الرغاوي تتساقط من جانبي فمه مغلقاً كلتا عينيه لأنه لم يستطيع تحمل ضوء الشمس عند تعرضه له لقد كان في حالة يرثي لها أو في الواقع علي شفا الموت ( 1 ) وأخذا يحاولان إيقافه ولكن رجله المصابة كانت متسيبة ولا تعمل ( حيث كانت مصابة بثلاث طلقات ) وفي النهاية جعلاه يقف بينهما واضعا ذراعا علي عصمت والأخرى علي الرقيب محمد واخذ يجذباه في هذا الوضع لمسافة أكثر من ثلاث كيلوا مترات في حوالي أربع ساعات إلى المواقع المصرية… وبمرور السنين عندما يتذكر عصمت هذه الواقعة فأنه يعجب لشدة تهوره واندفاعه لإحضار شيء لا يستحق كل هذا العناء وهي تلك النظارة اللعينة والتي فقدها مرة أخرى بعد هذه الحادثة بأشهر ولكنه فهم حكمة الله في ذلك .

 


 

 

.. الفصل السادس

 

 

 

جميع محطات فهد… تقدم الآن..السائق هل سمعتني.. نعم يا أفندم…. تقدم الآن… وبهذا تحركت دبابات عصمت ليجلس بأعلى فتحة القائد متوجها للمهمة الجديدة ثم تحرك عصمت ليجلس بأعلى فتحة القائد بالدبابة ليراقب تحرك الدبابات وقد غمره شعور مزدوج من الفخر والثقة مع الشعور بعدم الاطمئنان واحتمال مقابلة ظروف غير سارة وكان هذا الشعور المتباين له مبعثان فالشعور الأول كان مبعثه أنه أختير لقيادة مجموعة قتالية أكبر من مستواه بل إن هذا الاختيار تعدي ضابطين أكبر منه رتبة أما الشعور الأخر فمبعثه أنه يتحرك الآن ضمن 3 مجموعات قتالية يرأس أحدهما لغلق ثغرة إن العدو قد نجح في إنشائها علي ضفة القناة في جزء من الجانب الشرقي للبحيرات المرة … (( ملاحظه من المجموعه 73 مؤرخين – الكاتب يتكلم عن احداث يوم 17 اكتوبر والذي صدرت فيه الاوامر للواء 25 مدرع بغلق ثغرة الاختراق شرق القناه في مهمه تكاد تكون انتحاريه لسيطرة قوات العدو علي الارض التي يتحرك عليها ، علاوه علي وجود غطاء للدفاع الجوي في تلك المنطقه ))

 

وكان الغريب في الأمر أنه يتحرك لأول مرة لا يعلم أين العدو الذي أمامه وما هو حجمه وقوته والأخطر من ذلك أن الأرض التي سيتم التحرك عليها أرض مفتوحة يسهل عمل طيران العدو بها علاوة علي صعوبة الاستتار بها لقد كان فحصه للخريطة ودراسته للأرض التي سيتحرك عليها مستقبلا محبطا للآمال ومقلقا وكان يدعو الله أن لا يقابل العدو في هذه المنطقة الصعبة التي لا تلائم قتال الدبابات وفي نفس الوقت أخذ عصمت يفكر في كيف قرر قادته اتخاذ هذا القرار الصعب فلا بد أنه هناك حاجة شديدة لاتخاذ هذا القرار … فالقادة يريدون المعرفة والحصول علي المعلومات علي وجه السرعة … يريدون أن يعرفوا حدوده الثغرة …. وقوة وحجم القوات التي نجحت في التسلسل … وما هي أهداف القوات التي تسللت … وللحصول علي هذه المعلومات بسرعة يجب القتال للحصول علي تلك المعلومات وقد اختيرت هذه المجموعات القتالية الثلاث لذلك .

 

*** فتحت أبواب الجحيم هكذا قال عصمت عندما رأي ما رأي فقد حدثت مفاجأة… بأن بدأت انفجارات متتالية فوق رؤوسهم من تأثير ضرب المدفعية الكثيف وفي نفس الوقت انطلقت عشرات القذائف الموجهة ( الصواريخ المضادة للدبابات ) من الجانب الأيمن علي مجموعات القتال الثلاث وبدأت الانفجارات في كل مكان وبدأت الخسائر تحدث … حاول عصمت تمييز واكتشاف العدو بالعين المجردة ولكنه فشل .. ثم وضع نظارة الميدان وحاول إعادة اكتشاف مصادر النيران وخاصة الصواريخ التي تطلق عليه ولكنه فشل أيضاً خاصة في الظروف الصعبة التي بها … لقد كان موقف مجموعته صعبا للغاية فها هو العدو نجح في مفاجأته في أرض صعبة للغاية تصلح لعمل كمائن ومن الواضح أن العدو احتل هذه الأرض منذ فترة وجهزها جيداً حيث أنه فشل في تمييز مكان أسلحته ووسائل نيرانه ومما زاد الأمر خطورة أنه يستخدم تلك الصواريخ الموجهة الأمريكية الصنع التي تقذف من مسافة بعيدة والتي يمكن إخفائها بسهولة … نظر عصمت في الأرض حول دباباته التي توقفت وحاولت الاشتباك مع العدو ولكنه وجد صعوبة كبيرة في تمييزها فوجد بعض التباب الصغيرة التي يمكن أن تغطي حماية نسبية… وهنا أصدر أمره باللاسلكي قائلا : جميع محطات فهد 3 أوقف الضرب واستتر الآن بالتباب المحيطة … لا يتم الضرب إلا بعد تمييز العدو جيداً … انتهي معكم.

 

وهنا بدأت الدبابات في التحرك السريع والاستتار وأخذ يلاحظ المجموعات التي أمامه وعرف أنها في موقف أسوأ منه انتهت دبابات عصمت من الاستتار والاختباء وخمدت الحركة تماماً ولكن قذائف اللهب والنيران أخذت تستمر حول الدبابات وإن كانت الخسائر طفيفة وأدرك عصمت من ملاحظته واستطلاعه أنه قد حوصر تماماً فعلى جانبه الأيسر حقل ألغام وقناة السويس وعلى جانبه الأيمن العدو في أماكن جيدة التجهيز والأخطر من هذا أن في اتجاه الجنوب الذي جاء منه قد قفل أيضاً بمعرفة العدو بدباباته وعرباته المدرعة بأعداد كبيرة أما في اتجاه الشمال فتوجد المجموعتان القتاليتان الأخريان اللتان هما في حالة مشابهة لحالته… أخذ عصمت يفكر ماذا يفعل خاصة وأن حالة الفوضى التي عمت عملت علي قطع الاتصال بينه وبين قائد المجموعات الثلاث..

 

لقد كان قراره الحالي…. هو الانتظار حتى يصبح الموقف أكثر وضوحاً …. أخذ عصمت يحاول اكتشاف أماكن العدو المخيفة ولقد لاحظ أن الصواريخ تطلق من مناطق مليئة بالكدي والحشائش وأنه لا يمكن تحديد مكانها لصغر حجمها ولبعد المسافة … وفجأة وجد يدا تربت علي كتفيه فوجد الملازم أول محسن يقول له لو سمحت يا أفندم لقد أخذت دبابتي هواء بدورة الوقود وتوقفت الماكينة عن العمل ولم يستطع السائق أخذ الهواء بالطريق العادية… فصاح فيه عصمت لماذا لم يأخذ السائق الهواء من الماكينة من الخلف فرد الضابط أن السائق الأصلي قد استشهد وأن السائق الحالي مستجد فقال عصمت تعال خذ مكاني وسأذهب أنا إلي دبابتك لإصلاحها أنها تحتاج فقط لعشرة دقائق للإصلاح… وقفز عصمت تاركاً دبابته إلي دبابة الضابط محسن فقد قرر أن يقضي الوقت المتجمد في إصلاح الدبابة حيث أنه بدون إصلاح هذه الدبابة سيضطر إلي تركها إذا تحرك فجأة .. وكان هناك سبب آخر أنه أثناء محاولته لاكتشاف أماكن العدو والإشراف علي أوضاع استتار دبابته وجد نفسه يعض لسانه ثلاث مرات محدثاً ألماً شديداً وكان هذا الوضع أول مرة يحدث له في حياته حتى أنه قال ساخراً متشائماً أني أحس بأن عزرائيل في الدبابة وفي الواقع كان ملك الموت في الدبابة وينتظر الوقت المعلوم لحصد الرؤوس .

 

*** انتهي عصمت من إصلاح الدبابة ثم قفز من علي ظهر ماكينة الدبابة للأرض سائراً في اتجاه دبابته ولكنه لم يجدها في مكانها ولكنه وجد علي بعد 200 متر دبابة محترقة تماماً وقد قذف ببرجها بجانبها ويتصاعد منها دخان قليل … أمام هذا الموقف اضطر للرجوع للدبابة التي أصلحها ودخل علي الشبكة اللاسلكية وأخذ ينادي باللاسلكي لمعرفة حجم الخسائر بقواته وأخيراً تأكد أن الدبابة المحروقة هي دبابته وقد استشهد الطاقم بالكامل حيث تحركت الدبابة من خلف الساتر بسبب لا يعلمه إلا الله …. أحس عصمت بأن عليه أن يعيد تقييم الموقف بالكامل فمجموعته تكبدت خسائر ليست بالقليلة وكذا المجموعتان الأخريان والاتصال مقطوع بينه وبين قائده … وبين قادة المجموعات … ولو استمر في هذا الموقف مدة طويلة لانتهت مجموعته خاصة أنه عجز عن مواصلة التقدم والخروج من خلف التباب في اتجاه محور تقدمه الأصلي فالعدو قد دفع بحشد هائل من الأسلحة ووسائل النيران حوله من كل جانب والجانب الوحيد الخالي من العدو وهو جانب الأيسر الذي يعتبر عائقا مائيا للدبابات …. وهنا اهتدى للحل الأمثل من وجهة نظره … إن عليه أن يقوم بهجوم انتحاري سريع علي جانبه الأيمن لاختراق العدو بسرعة ومهما تكبد من خسائر فقد أنجز شيئاً ودمر جزءاً من العدو وحتى لو استشهد فقد استشهد بشرف يليق به… ثم فكر عصمت أنه يجب أن يكون اتجاه الهجوم الوصول هو النقطة القوية بكبريت التي علي مسافة بضع كيلوا مترات في عكس اتجاه مهمته الأصلية ويجب أن يخبر جميع قادة دباباته بذلك فقد يصل معظمهم أو بعضهم وقد لا يصل هو…. وقد يصل هو ويحاكم بعقوبة الإعدام رمياً بالرصاص لأنه لم يحقق مهمته الأصلية… ويبدو من الظاهر أنه انسحب… جميع دبابات فهد 3… اهجم الآن… سأعيد أهجم الآن أذكركم بالهجوم بأقصى سرعة فليس المهم تدمير العدو إنما الهم سرعة اختراقه والعبور من المنطقة الخطرة… فصيلة دبابات اليسار أطلق دخان دبابتك لإخفاء أوضاع الدبابات… بارك الله فيكم… لا تنسوا نقطة الوصول كبريت… سأعيد نقطة الوصول كبريت… انتهي… اندفع عصمت داخل دبابته قافلا فتحته بعد أن انتهي من إرسال الإشارة اللاسلكية السابقة … أمر سائقه بزيادة السرعة لأقصي حد ممكن وأخذ طريق التقدم في حركة زجزاجية لتفادي الصواريخ وما هي إلا دقيقة حتى كان مندفعا أمام باقي دباباته بأكثر من 100 متر حيث أنه أراد أن يظهر ثقته بهذا القرار أمام قادته المرؤوسين وبعد تقدمه لمدة خمس دقائق أمكنه تمييز دبابتين للعدو في حفر ضرب نار وكذا ثلاث عربات مجنزرة حيث قام سريعا بتوزيع مهام نيرانه علي دباباته وقد لاحظ أثناء هجومه أنه فقد دبابتين بتلك الصواريخ الأمريكية اللعينة.. وماهي إلا دقيقتان وقد نجح في تدمير الدبابتين وعربة مجنزرة وقد هربت العربتان الأخريان لقد شجعه ذلك علي سرعة اختراق العدو وزيادة سرعة الدبابات لأقصي حد لأنه قد أحسن أنه علي وشك النجاح. ولكن فجأة فوجئ بإضاءة شديدة ورجة شديدة بداخل الدبابة ثم ظلام تام لقد أحس بأن عينيه لا تري بعد الإضاءة الشديدة التي حدثت … ( في الواقع فقد أصيب بعمي مؤقت ) فمد يده بطريقة غريزية إلي يد البرسكوب وجذب نفسه إلي خارج الدبابة صائحا في طاقمية بسرعة الخروج ثم فقز من علي ظهر دبابته فوقع علي الأرض وأخذ يزحف بعيداً عن الدبابة وهو مقفل العينين ثم توقف وأخذ يفكر في الموقف لقد استنتج أن صاروخا موجها قد اخترق دبابته… ثم أخيرا فتح عينيه لاختبارهما فشعر بوضوح المعالم مرة أخرى بحمد الله علي ذلك… كانت تلك هي المرة الثانية التي تدمر دبابته ولكن تلك المرة لم ينجوا أحد سواه .. أخذ عصمت يراقب هجوم دباباته وهو منحني علي الأرض أسفا لعدم مشاركته بهذا الهجوم لقد كان هجوما شجاعا من دبابته يدعو للفخر قد أخذت دبابته تخترق العدو بسرعة عالية قاذفة للنيران بأعلى معدل كالأسود التي تهاجم فريسة بعد جوع طويل الأمد . وبالطبع لم يحس أحد بتدمير دبابة قائدهم فالاشتباك مع العدو وتفادي الصواريخ كان هو محور الاهتمام الأساسي . وأخيرا وجد عصمت أن دباباته نجحت في اختراق العدو تاركة خلفها سحابة عظيمة من الأتربة في الاتجاه كبريت لقد أحس مرة أخري بشعور الفخر وذلك لأن قادته الأصاغر نجحوا في تنفيذ المهمة التي كلفهم بها بالرغم من عدم وجوده وبالرغم من قوة العدو وموقفها الجيد … ( في الواقع فقد تكبدت هذه المجموعة خسائر تصل إلي 50% ولكن انضمامها إلي القوة كبريت كانت من الأسباب الرئيسية لتماسك قوة نقطة كبريت التي حوصرت وصمدت ثلاثة شهور ولم تستسلم ) (( ملاحظه من المجموعه 73 مؤرخين – تقدم اللواء 25 مدرع بقوه 86 دبابه قبل المعركه ودمرت مدفعيه اللواء في البدايه بفعل الطيران الاسرائيلي – ثم عادت عشر دبابات فقط الي نقطه كبريت أي ان اللواء خسر 88% من دباباته في تلك المعركه الخاطئه والتي وقع فيها في كمين محكم من فرقتي دبابات اسرائيليه كانت تكمن له ، ويستحق قائد اللواء ، العقيد احمد حلمي بدوي كل التقدير والتحيه علي بطولته وثباته في المعركه ))

 

أخذ عصمت يصيح في جميع الجنود الذين دمرت دبابتهم وأمرهم بالتحرك خلفه… وأخذ يتحرك سيرا علي الأقدام في اتجاه حقل الألغام وقناة السويس لأنها المنطقة الوحيدة التي ليس بها عدو أثناء تحركه وجد ضابطا من المشاة اسمه طارق خورشيد يتحرك ومعه بعض جنوده من النجاة… فانضما لبعض وتحرك عصمت علي رأس المجموعة الغريبة التكوين… وكان في ذلك الوقت اهتمام العدو منصباً علي القتال مع الأسلحة والمعدات الكبيرة… تحرك عصمت سيرا علي الأقدام ثم أمر الجميع بالجري خلفه ثم أخذ يجري في اتجاه حقل الألغام وكذا فعل الآخرين ثم عند وصوله لمسافة من 200-300 متر من ضفة القناة أمر عصمت الجميع بالتوقف والرقود حتى يتم فتح ثغرة في حقل الألغام… اندفع عصمت زاحفا ماسكا بسنكي بندقيته ليحس ويغرس سنكيه في الأرض باحثا عن الألغام وفجأة وجد عصمت دفعة من نيران رشاشات العدو الثقيلة حوله وحول مجموعته… فجمد في مكانه تماماً وحاول تحديد مصدر النيران … إذا فالعدو قد رصده وأخذ العرق بتصبب من جميع أنحاء جسمه فقد أحس بأنه في موقف جديد عليه يحيط به الخطر من كل جانب وهو لأول مرة يقاتل بدون دبابته فالموت أسفله ممثل في الألغام وحوله ممثل في نيران العدو … ثم عليه أن يسبح عدة كيلوا مترات في البحيرات المرة لينجو بنفسه ومن معه لقد كان موقفا ميئوسا منه ولكن ليس مع عصمت فهو بطبيعته النشطة الدءوبة وأسلوب تربيته لا يعرف اليأس … ولكن فجأة أصيب أحد الجنود بالانهيار العصبي حيث قام واقفا وأخذ يجري في حقل الألغام .. وأخذ عصمت يصيح فيه بالتوقف وينذره بأنه يجري في حقل الألغام…. ولكنه لم يستمع لأحد لأنه فقد القدرة علي السيطرة علي نفسه… أخذ يجري مذعورا.. لقد جري لمسافة لاتقل عن 200 متر أو أكثر ثم فجأة انفجر لغم به وبالتأثير انفجر أكثر من لغم أخر … وطار جسمه كـأشلاء مبعثرة في الجميع الأنحاء بين الأتربة المتصاعدة واللهب والمنبعث من انفجار الألغام… لقد كان موقفا مأسويا … ولكن من الموت تنبعث الحياة والأمل فقد مكن هذا الشهيد من فتح حقل الألغام لباقي المجموعة وبهذا حلت أولي العقبات.. فوقف عصمت شامخا بعد رقوده وزحفه وأخذ يفحص أين يوجد العدو الذي يطلق النيران… حيث أنه برقوده لم تتح له الفرصة لاكتشاف موقع العدو وسرعان ما ميز عصمت عربتان مدرعتان أمريكيتان الصنع م113 مركب عليها رشاشان ثقيلان … فجذب عصمت بندقيته آلية من خلف ظهره وأخذ يطلق النيران في اتجاههما وشجعة علي ذلك أن العربتين علي مسافة من 200-300 متر منه… ثم وجد أن هناك أحد يساعده في الرمي أيضا فنظر فوجد الضابط طارق خورشيد قد انتصب واقفا أيضا وأخذ يشتبك مع العربتان ثم وجد جميع الجنود وعددهم سبعة قد وقفوا جميعا وقد أخذوا يفتحون نيران بنادقهم بثقة علي العربتان وكان أغرب تصرف من العربيتين المدرعتين الإسرائيليتين والذي لم يفهمه عصمت أن رماة الرشاشات الثقيلة قد هبطوا داخل عرباتهم ثم أطلقت العربتان المدرعتان الدخان… انسحبتا سريعا من المعركة فسأل عصمت نفسه كيف هذا لقد كانوا في موقف قوي فهم يقاتلون من داخل الدروع ومعهم الرشاشات الثقيلة أما هو ومجموعته فيقاتلون بدون سواتر وفي وضع ميئوس منه … ثم انتبه لقول طارق خور شيد يالهم من جبناء .. لم أكن أتصور أن يفروا هكذا وكل هذه الأسلحة معهم . فقال عصمت أنهم أحمد ربنا أنهم جبناء وأجمع جنودك الآن وسيطر لكي نستطيع عبور حقل الألغام بسلام …

 

 *** نجح عصمت ومن معه في عبور حقل الألغام بسلام بعد أن فتح بجسم الشهيد وبقيت مساحة صغيرة أمكن عصمت وطارق وخورشيد تفتيشها بدقة ومعرفة أماكن الألغام الباقية وتعليمها لتفاديها بمعرفة باقي المجموعة… وصلت المجموعة إلي ضفة قناة السويس فسأل عصمت الجنود من يعرف السباحة جيداً… من يستطيع أن يعوم أربعة كيلوا مترات متواصلة فلم يجيب أحد غير طارق خورشيد وهنا قال عصمت إذن سنسبح أنا طارق حتى الضفة الأخرى للقناة وبوصولي سأحاول إحضار مركب وإنقاذكم ولكن عليكم الآن أن تجلسوا في مكان مأمون وتقوموا بجمع أكبر عدد من الجنود المفقودين وأن تقوموا بعمل هرم من الحجارة بارتفاع مترين بجانب المياه حتى يمكن تميزكم عند بحثي عنكم خاصة وأن الليل علي وشك الوصول… إني أحذركم لا تضيئوا أي إضاءة ولا تتحدثوا إلا بصوت هامس… أنني أتوقع أن أصل إليكم في نهاية الليل أو بدء النهار هل من أسئلة ؟؟؟ فلم يجيب أحد فقال عصمت حسنا من أقدم رتبة هنا فأجاب أحد الرقباء أنا أفندم… فأجابه عصمت تولي المسئولية بارك الله فيك… قفز عصمت وطارق إلي المياه سابحين بجوار بعضهم البعض أما جنودهم ففي عيونهم الشفقة علي ضابطهم ومصيرهم المجهول المرتبط بمدي قدرتهم علي السباحة النهارية الليلية…. ومدي إمكان إفلاتهم من نظر العدو… أخذ عصمت يسبح ويتكلم مع طارق … ثم بدأ التعب يهاجمه فتوقف عن الكلام… ثم أخذ الظلام يسيطر علي المكان تدريجيا وبدأ عصمت يخاف من عدو جديد لم يكن له حساب أرشده إليه عقله إليه عقله إلا وهي .. أسماك القرش فقد تذكر عصمت أن القناة السويس مغلقة منذ سنوات وأن أسماك القرش تغدو وتروح في القناة والبحيرات بحرية… وزاد الطين بله أنه فقد الصحبة الجميلة مع طارق فبهبوط الظلام وعدم الكلام انفصل كل منهم عن الأخر وأخذ عقله يصور له المخاوف والمهالك من أنه سيؤكل من أحد أسماك القرش… لقد كانت كل لمعة في المياه أو انعكاس لضوء إيحاء بأن هناك قرشا علي وشك افتراسه لقد عرف الآن العلاقة بين تفكير العقل وانحرافه والانهيار العصبي.. وأخذ عصمت يحاول نسيان هذه الأمور مركزا في السباحة وفي إراحة نفسه أثناء السباحة… وأخذ يحس بأن قوته ونشاطه ينسابان من جسمه رويدا رويدا .. الظلام حالك ويصعب معرفة الاتجاه إلا باستخدام النجوم فهو لا يستطيع فقط تحديد اتجاه الغرب عامة… إن التعب والإرهاق قد نال منه تماما… ليس تعب السباحة فقط إنه تعب الأيام الخوالي التي لم ينم فيها جيدا بسب القتال المستمر… أنه يعرف أنه لو نام من التعب ولو دقيقة واحدة لكان في ذلك هلاكه المحتوم وأخذ يسأل نفسه عن المدة التي قضاها في السباحة أهي 5 أو 6 ساعات أو أكثر لا يعلم إلا الله… منذ قفز في القناة وقد توقفت ساعته تماماً لقد أحس أن الموت يقترب منه تدريجيا ويا لسخرية القدر أبعد كل هذا القتال والعبور من المهالك يموت غرقا من التعب… لقد أحس أخيرا أن قوته خارت تماما لقد امتنع عن السباحة وجعل جسمه يطفو بعدم الحركة وظل علي هذا الوضع حوالي عشرين دقيقة ليسترد جزءا من نشاطه ثم عدل وضعه للسباحة حيث أحس أنه يملك بعض القوة وبمجرد إنزاله رجله لأسفل اصطدمت بالقاع فصاح فرحا شكرا ياربى لقد نجوت… وأخذ بسير علي سطح القاع حتى وصل للشاطئ المظلم تماماً ثم ارتمي علي الأرض وما هي إلا ثواني إلا وكان في غيبوبة كاملة لا يعرف كم من الوقت استمرت… ولكنه يعرف أن الشمس الساطعة قد أيقظته حيث تحركا سريعا ليعرف أين هو وحيث قابل بعض الجنود الذين يعملون كجنود مؤخرة لوحداتهم فسألهم عن وجود أي قارب بالمنطقة فدلوه علي قارب بل بعضهم رجعوا معه على ظهر القارب لمساعدته لإحضار الجنود المحتمين بالضفة الأخرى وبذلك كتب لهم النجاة وانتهت بالنسبة لعصمت ملحمة بداية الثغرة التي كان طرفا فيها والتي حدثت نتيجة نقص المعلومات الهائلة عن العدو والإمكانيات التكنولوجية الهائلة التي وضعت في يد العدو من أقمار صناعية وأسلحة ومعدات متطورة . وجسر جوي عظيم لم يسبق لها مثيل من قبل في التاريخ لإمداد إسرائيل بالأسلحة والمعدات استعواضا عن خسائر عالية قد تكبدتها.. بمعرفة دولة عظمى إلا وهى الولايات المتحدة الأمريكية……

 


 

 

الفصل السابع

 

 

 

وقف عصمت على الطريق الأسفلت المؤدى للقاهرة بملابس الميدان حاملا بندقية الآلية التي لا تفارقه قط ومعلق مسدسه علي جانبه الأيسر ومعه هذه المجموعة لإحضار دبابات قد تم إصلاحها وحيث أن كل عربة بوحدته مشتركة في القتال لفعلي ولها دورها ، فعلية أن يتصرف ويركب أي عربة ذاهبة للقاهرة سواء عسكرية أو مدنية… لقد انتظر كثيراً وقد قال لنفسه ضاحكا يالها من مهمة صعبة… ثم فجأة شاهد طائرتين إسرائيليتين تطيران على ارتفاع عالي ثم تلقى بحمولتها من القنابل على مؤخرات الجيش المصري تلك المؤخرات التي لا يوجد بها أي عتاد أو حتى أفراد.. أنهم يريدون الإزعاج أنه من الواضح… أن الرعب قد تملكهم فهم لا يستطيعون الآن الطيران المنخفض… وبالرغم من ذلك فقد أمر عصمت جنوده بالاستعداد لفتح نيران البنادق إذا هبطت الطائرات للارتفاع المنخفض… وفي أثناء ذلك . وجد عصمت عربة لوري تجري بسرعة جنونية تتحرك لليمين واليسار حتى أن الجنود قال لعصمت لابد أن سائق هذه العربة مخمورة ، أخذت العربة تقترب وعرف عصمت أنها عربة محملة بالبطيخ وعند وصولها لعصمت ومجموعته توقف فجأة وهبط منها سائق قد أصابه الرعب وأخذ يصيح الإسرائيليون يريدون قتلي. يريدون قتلي… لقد كان يريد أن يحتمي بهم… ضحك عصمت من الحالة التي كان عليها ذلك السائق خاصة أنه كان يبكي .. قال له بثقة لا يستطيع أحد قتلك أنني معك وهؤلاء الأبطال أيضاً…. وإذا حاولت أي طائرة الاقتراب منك سأسقطها بهذه وربت  على بندقيته … أمام هذه الثقة وأمام ضحك الجنود… تمالك السائق نفسه وأحس بالخجل خاصة وأنه يقف أمام رجال في سنه ولكنهم مقاتلون ثم صاح عصمت فيه إلي أين أنت ذاهب فأجابه إلي القاهرة فرد عليه يمكنك أخذنا معك فأجابه السائق سعيدا بالطبع حتى ولو اضطرت إلي تفريغ حمولتي كاملة من أجلكم… فرد عصمت لا داعي لذلك ويمكن الجنود الجلوس علي أجناب العربة وعلي البطيخ. ركب عصمت بجانب السائق في مقدمه العربة حيث صاح السائق في الجنود من يريد أن يأكل البطيخ فليأكل أنه لكم حتى لو أكلتموه كله فضحك عصمت شاكراً إياه على روحه الطيبة وهجم الجنود على البطيخ يأكلون حتى ظهرت كروشهم… سند عصمت رأسه علي زجاج نافذة العربة وهو يبتسم وأخذ يفكر في هذا السائق الخائف وما هو الفرق بينهما ألم يكن من الممكن أن يكون مثل هذا السائق … إن الفرق أنه تربي منذ الصغر على الشجاعة والجرأة ألم يعلمه والده الضابط كيف يستعمل المسدس وعمره عشرة أعوام … ألم يعلمه السباحة وعمره أربعة أعوام ألم يعلمه ألا يشتكي وأن يأخذ حقه دائماً بيده ألم يعلم أن حقه في العراك والقتال مشروع طالما بني علي العدل وفي النهاية ألم يصقله تعليمه بالكلية الحربية والخدمة بالقوات المسلحة أنه نتاج كل هذا… أما هذا السائق فهو فلاح طيب أصبح سائقا أنه اعتاد على الحياة الهادئة منذ الفجر إلى المساء يذهب إلى حقله أو عمله ويعود سالماً بلا مخاطر وأخذ يتذكر مجئ الجنود المستجدين علي شاكله هذا السائق وكيف يتم تدريبهم وتطويعهم ليتحولوا إلى مقاتلين أبطال بمعرفة القوات المسلحة كالجنود الذين يأكلون البطيخ الآن … ويالهم من جنود في الشجاعة والإقدام وقوة التحمل والجلد …

 

*** سلم عصمت نفسه هو ومن معه إلى قائد أحد المعسكرات العسكرية التي في مكان ما بشمال القاهرة تلك المعسكرات التي أنشئت بعد الحرب بغرض إعادة تنظيم وحدات جديدة بأسلحة ودبابات تم إصلاحها حيث أخطره قائد المعسكر بأن عليه الانتظار لمدة 48 ساعة سيتم بعدها تسليمه الدبابات وذخائر وعليه في هذه المدة إعادة تنظيم الصف الجنود في شكل أطقم قتالية سواء الصف أو الجنود الذين معه أو الجدد الذين سينضمون إليه ثم استأذن عصمت قائد المعسكر وقام بإيقاف أحدى سيارات الأجرة وذهب إلى منزل والده وقبل دخول عمارة والده وجده كالعادة جالساً في بلكونة شقته يراقب الشارع ولكنه لم ير ابنه… فدق عصمت جرس الباب حيث فتحت أمه فوقفت مندهشة ثم عانقته… بحب وعطف ثم دخل البلكونة ونادى على أبيه الذي ألتفت ضاحكاً قائلا إيه يا ولد لماذا تربى شعرك كالخنافس ثم أضاف قائلا لقد سمعت من رئيس أركان لوائك العميد مصطفى أنك قاتلت قتال الأبطال لقد شرفتنا … ابتسم عصمت قائلا ولكن أين قابلت العميد مصطفى فأجابه والده أنني علمت أنه أصيب في الجبهة ونقل إلى المستشفى العسكري بالمعادي فقمت بزيارته… لأشجعه فوجدته يتكلم عنك الكلام الكثير فابتسم عصمت مرة أخرى ونظر إلى أبيه المشيب ذلك اللواء المتقاعد الذي لا يظهر حبه وعطفه على أولاده خشية كما يعتقد أن يضعفهم بحكم مهنته وإن كان في داخل قلبه يحمل إليهم أشد شعور الحب والعطف.. أنه حتى لم يحضن ولده أو يقبله… ولكن عصمت في داخله يعلم معدن أبيه ذلك الشيخ الذي اشترك في حرب ( 1948، 1956 ) ذلك الوالد الذي غرس المثل العليا وحب الوطن والفداء … ,.. لقد كان مثالا كاملا للمواطن المصري الصميم وحبه لأولاده وأسرته ووطنه. سأل عصمت أباه وأمه عن أخبار أخوية فأجابه بأنهما في الجبهة ولكنهما بحالة جيدة…حتى الآن… ثم سأل عصمت أمه عن حالتها فأجابته بأنها تقرأ القرآن معظم الوقت وتدعو لكم ولمصر بالانتصار ثم استأذن عصمت والده واقفا وبدأ في الاستعداد للمغادرة ولكن أباه استوقفه سائلا ما أخبار الثغرة … فرد عصمت قائلا إنني من أول القوات التي حاولت قفل الثغرة ولكن لم نوفق … ولكن الآن تم حصارها وإيقافها لقد استغل العدو وقف إطلاق النار وأخذ يوسع فيها مستغلا القوات المتواجدة بالثغرة فحاول أولا عمل ثغرة في اتجاه الإسماعيلية وبورسعيد حتى يمكن فصل هذا القطاع بسهولة ولكنه فشل أمام القتال المستميت للقوات المتواجدة في هذا القطاع فعدل عن هذه المغامرة وفضل النزول جنوبا لعدم وجود قوات كافية من سرابيوم لفايد إلي السويس بل إنه غامرة وحاول بغروره الدخول إلي مدينة السويس ولكنه دفع الثمن غالياً وهرب مذعورا تاركاً المدينة بعد نجح لفترة قصيرة في الدخول في أحد أحياء المدينة… ولكن اعتقد الآن أننا نحاصره جيداً ويمكننا إهلاكه وتصفية جميع القوات داخل الثغرة بسهولة,.. فرد أبوه إن التاريخ يعيد نفسه أعلم يا بني أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لن يسمحوا بتصفية الثغرة بل أننا لو حاولنا تصفية الثغرة لاشتركت الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل في القتال أنهم لا يريدون نصراً حاسماً للجيش المصري إنهم يريدون أن تكون نتيجة المباراة تعادل أى واحد إلى واحد حتى يمكنهم حل المشكلة المستعصية إنه لا يريدون أن يتفوق الجيش المصري فعندما تفوق الجيش المصري قاموا بعمل الثغرة وذلك بإعطاء إسرائيل المعلومات والإمدادات والأسلحة والمعدات التعويضية بل وضعت الولايات المتحدة جميع إمكانياتها لدي إسرائيل بمعني آخر ظلما لحساب إسرائيل إلا هي الثغرة بغرض تحقيق هدف التعادل ولكن والحمد لله أن رئيسنا ذلك الثعلب أنور السادات يعرف أصول اللعبة… استكمل قائلا وكما قلت لك فالتاريخ يعيد نفسه فقد أنشأ محمد علي باشا جيشا مصريا عظيما في أوائل القرن التاسع عشر أمكن لهذا الجيش فتح الشام والسودان والأراضي الحجازية وتقدم ليهزم الإمبراطورية العثمانية في عقر دارها في معركتين عظيمتين كان التفوق للجيش المصري ساحقا فماذا حدث لقد قان الغرب ( إنجلترا ، وفرنسا و إيطاليا واليونان … الخ ) بتجميع أساطيلهم وضرب الأسطول المصري في ميناء نافارون وذلك لوقف إمداد الأسلحة والذخيرة والتموين للجيش المصري لقد كانت تلك هي الثغرة في ذلك الوقت والنتيجة يجب أن تكون واحد إلي واحد واضطر محمد علي باشا لعقد معاهدة صلح نال فيها بعض المكاسب المحدودة يابنى تذكر أن الغرب لن يترك مصر تحقق نصراً ساحقاً أبداً خاصة وأن إسرائيل يعتبرونها جزء من الحضارة الغربية إن لم تكن جزءاً من الولايات المتحدة … نزل عصمت وهو يفكر في كلام أبيه أيعقل هذا الكلام… !!! استمع عصمت في داخل معسكر التجميع إلي قصص البطولة التي تحققت بمعرفة الضباط والصف والجنود والتي قد تصل إلي حد الأساطير فأصبح ما بين مصدق ومكذب وكانت من أهم القصص التي جذبت انتباهه قصة الملازم مختار الهادي ذلك الضابط الشجاع سليل فلاحي المنوفية والذي قص جنوده الذين قاتلوا معه قصة بطولته بالفخر والاعتزاز حيث تمكن بمفرده بدبابة واحدة من تدمير 6 دبابات إسرائيلية من أحدث طراز وأجبر سرية دبابات إسرائيلية مكونة من 11 دبابة علي الارتداد والفرار من أمامه وكانت هناك فرصة للتأكد من صحة هذه الرواية عندما قابل عصمت قائلا حضرة الملازم مختار لقد سمعت أنك دمرت ستة دبابات بمفردك أهذا صحيح ؟ فأجابه مختارا نعم يا أفندم ولكن بالصدفة… ثم استرد بتواضع قائلا أنني بطل رغم أنفي… فضحك عصمت… كيف ؟ قص علينا قصتك فقد شوقتني لسماعها… قال مختار لقد كنت ضمن سرية دبابات السرية في ذلك الوقت ست دبابات حيث تقدم في اتجاهنا 11 دبابة إسرائيلية معززة بالعربات المدرعة فاشتبكنا معها علي مسافة ثلاث كيلوا مترات ثم فجأة لاحظ قائد السرية 3 طائرات هليكوبتر إسرائيلية محملة بالصواريخ الموجهة التي تستخدم في الرمي على الدبابات وبدأت في الالتفاف من على الجانب الأيسر للسرية . فاتخذ قائد السرية قراراً بالارتداد للخلف لمسافة كيلوا مترين للدخول في منطقة دفاعية لكتيبة مشاة مصرية كانت تدافع في أرض جيدة وحتى يمكن لهذه المتيبة حماية دبابتنا بنيران رشاشاتها وأسلحتها من هليكوبترات العدو وهنا انسحبت جميع دبابتنا إلي المنطقة الدفاعية للكتيبة المشاة عدا دبابتي فلم أسمع الأمر لانشغالي في قتال العدو وعدم اهتمامي لسماع إشارات اللاسلكي .. وفجأة سمعت صوتا رهيبا بجانب دبابتي فأخرجت رأسي من فتحة القائد لمعرفة سبب هذا الانفجار لقد ميزت انفجار صاروخ موجه (11ss ) قد انطلق من إحدى الطائرات الهليكوبتر بل ميزت جميع الطائرات الهليكوبتر الثلاث التي أخذت تقذفني بصواريخها الموجهة ولكن عناية الله فاقت كل عناية فقد كانت هذه الصواريخ اللعينة متصلة بسلك يقوم بتوجيهها في الاتجاه والارتفاع ولكن هذا السلك كان ينقطع بسبب اصطدامه بجريد النخيل من كل جانب وهكذا أطلقوا على دبابتي أكثر من صواريخ ولم يحققوا أى إصابة مباشرة ثم زاد الأمر خطورة أن إحدى عشر دبابة بدأت تشن هجوما خاطفا على من الحركة وأخذوا في الاقتراب بسرعة عالية وحينئذ فكرت في الارتداد إلي مكان سريتي التي عرفت مكانها وأعطيت الأمر للسائق بالرجوع للخلف ثم الارتداد وبدأت في الارتداد ولكني كنت أتحرك مستغلا غبار دبابتي حتى لا يستطيع العدو رؤية انسحابي وساعد على ذلك اتجاه الريح إلى أن السائق لم يستطع تميز حفرة كبيرة عميقة أمامه فسقطت الدبابة بها وتوقف المحرك وعندما أدرت المحرك مرة أخرى لإخراج الدبابة من الحفرة فشلنا لقد كانت دبابتي تحتاج لدبابة أخرى لجذبها من الحفرة … لقد كان الموقف في منتهى الخطورة فدبابتي فقدت حريتها وهناك إحدى عشرة دبابة أخرى تهاجمني وأصبحت على مسافة 1500 متر أو أقل تطلق القذائف نحوي أصدقك القول لقد فكرت بصراحة في أول الأمر أن أهرب أنا وأفراد الطاقم ولكننا عرفنا أننا سنموت لا محالة من القذائف الكثيرة التي كانت حولنا وأخيراً قررنا أن نقاتل حتى الموت فلنكلفهم غالياً قبل موتنا وناديت على المعمر لتعمير المدفع وطلبت من الرامي تمييز أى دبابة للعدو فأجابني بأنه ميز أحدى الدبابات ولكن تلسكوب يميل فأمرته بمراعاة ميل التلسكوب وقلت صائحا ألم أعلمك هذا ( وكان ميل التلسكوب ميلا طبيعياً ناتجاً عن ميل الدبابة الحاد في داخل الحفرة ) وأطلقت أول قذيفة فأصابت الدبابة الإسرائيلية مباشرة فصاح الطاقم بالكامل الله أكبر الله أكبر فزجرتهم بالاستمرار في التعمير والاشتباك ثم أطلقنا الطلقة الثانية بعد حوالي ثلاثين ثانية فدمرت دبابة أخرى فارتفعت معنوياتنا للسماء وزال أي خوف داخلنا لقد كان همنا إصابة أكبر عدد من دبابات العدو.. وبمرور لحظات من ثلاث إلي خمس دقائق نجحنا في تدمير ستة من دبابات العدو من إجمالي 11 دبابة وقد ساعد على ذلك قصر المسافة وغرور العدو الذي أخذ يشتبك معنا من الحركة باستهتار ظناً أنه يمكنه إصابتنا بأحدي دباباته علاوة على عناية الله بنا فالحفرة التي وقعنا بها حمت جسم الدبابة تماماً فلم يظهر للعدو من دبابتي سوى جزء يسير البرج ومدفع الدبابة ولم اكتشف ذلك إلا بعد انتهاء المعركة وفحص أرض المعركة … أما العدو فعندما فقدوا ستة دبابات قام بعمل ستارة دخان كثيفة وانسحبوا من أمامي وسط ذهولي أنا والطاقم… وكانت الطائرات الهليكوبتر قد انسحبت قبل الدبابات عندما وجدت صعوبة في إصابتي علاوة على ارتباطها بمدة طيران … لقد ظللت مذهولاً بعد المعركة مما حدث غير مصدق لنتيجتها حتى أفقت على مجئ دبابتين من فصيلتي قد أرسلها قائد سريتي ليخرجني من تلك الحفرة بعد أن شاهد تلك المعركة العجيبة وكان أعظم مكافأة لي أنني عند رجوعي بالدبابة لمكان سريتي وللكتيبة المشاة أن أخرج جميع المقاتلين ليحيوني بالصياح الله أكبر… الله أكبر بل إن أحد الجنود المقاتلين قام بالزغردة فأمرت الطاقم بالخروج إلي فتحات الدبابة لتحية المقاتلين ونظرت إلى وجوههم بفخر فوجدت الدموع في أعينهم… ابتسم عصمت قائلا أنني أعرف هذه اللحظات من الخوف والشجاعة والفخر… التي مررت بها يا مختار ولكنك في الحقيقة بطل حقيقي ولست بطلا رغم أنفك كما أدعيت إنك تمثل مصر كلها التي قاتلت بإمكانيات محدودة وفي ظل ظروف صعبة ولكنها أنجزت الكثير… سيأتي جيل ما بعدنا وسيقيم ماذا كان في أيدينا وماذا كان في أيدي العدو، أرجو من الله أن أراك مرة أخرى في ميدان الشرف وأرجوا من الله أن تقاتل بجواري .

 


 

 

الفصل الثامن

 

 

 

تصافح الضباط الثلاثة متمنين لبعضهم التوفيق… فقد انتهوا منذ قليل من أخر أعمال تجهيز الدبابات للقتال وطبقا للأوامر عليهم الآن التحرك في ثلاثة أرتال إلي أماكن متفرقة بالجبهة في منطقة الثغرة، فركب عصمت دبابته وأعطى الأوامر بالصفارة وبالبياريق للاستعداد للتحرك ، وتحركت الدبابات خلف عصمت وأخذ عصمت يفكر في أمر النقيب عصام ذلك النقيب الذي أصيب في صدره بشظية ولا زال جراحة تحت الالتئام وبالرغم نم ذلك فقد رفض استمرار علاجه بالمستشفى مدعيا أن جرحه صغير بل إنه في الواقع قد هرب منها ورفض إطاعة أي أوامر سوى التوجه مرة أخرى إلى الجبهة .، ما هو موقفه داخل الدبابة والاهتزازات العنيفة التي سيتعرض لها والتي قد تصيبه في جرحه فيستمر النزف ، إن الروح المعنوية العالية تصنع المعجزات استمر عصمت في التحرك للأمام وأخذ الليل يسدل سدوله على الطريق وهنا أصدر عصمت أوامره بالتوقف وتجهيز الدبابات للتحرك ليلا ، ثم عاد التحرك مرة أخرى واستغرق تحركه حوالي 6 ساعات متواصلة تخلل له من قبل فعرف أنه على مسافة قصيرة من وحدته الجديدة فأمر دبابته بالتوقف وتنظيم الحراسة والدفاع عن الدبابات وأخذ راحة ساعتين من الوقت حتى يظهر أول ضوء وحتى ينضم هو وجنوده إلى وحدته الجديدة في الصباح الباكر وهم بحالة جيدة ، واستغرق عصمت في النوم ولكن من تأثير التعب والإرهاق استلمته الكوابيس ، حتى فوجئ بمن يحاول إيقاظه بشده واستيقظ ما بين النائم والمستيقظ لقد وجد نفسه راقدا وأحد الأشخاص يتكلم بحنق وغيظ يأمره بأن يجمع جنوده و يتحرك فوراً إلى مكان وحدته الجديدة وإن كان عصمت قد شاهد هذا الشخص يضع كتافه الضابط على كتفيه إلا أنه أحس بالغضب الشديد والحنق نتيجة الإرهاق والكوابيس فصاح قائلا اذهب من هنا حالا وإلا سأقوم بتكسير عظامك ، واستمر في النوم وهو لا يدرك ما إذا كان ذلك حقيقة حلما في الصباح جمع عصمت دبابته وشكلهم في رتل وتحرك إلى وحدته الجديدة وعرف مكان كتيبته الجديدة وتحرك إلى مركز قيادتها ثم سأل عن ملجأ القائد ثم هبط داخلا به . فوجد مقدما جالسا على مكتبه الميداني وكان وجهه لأسفل وواضعا يده على جبهته فلم يستطيع عصمت رؤية وجهه وعند انتهاء المكالمة بادر عصمت مقدما نفسه قال النقيب عصمت يا أفندم قادم ومعي دبابات لانضمام إليكم ، فرفع المقدم وجهه نعم أنني أعرفك جيداً ، لقد كان هو نفسه ذلك الشخص الذي هدده بالذهاب أو بتكسير عظامه !!! *** أخذ قائد الكتيبة يفكر ناظرا إلى عصمت أي لعنة نزلت عليه هذا اليوم بمجئ هذا النقيب المنحل عديم الانضباط ، أنه لو خدم معه بالكتيبة لأشاع الفوضى وضعف الانضباط ، الحمد لله أنه يوجد حل فمنذ قليل أتصل به قائد اللواء وأخبره أن هناك كتيبة مظلات تحتاج إلى دعم بفصيلة دبابات أن الحل الأمثل أن يرسل هذا الضابط المشاغب إلى تلك الكتيبة ، لعله يتعلم شيئا ، ثم أخيراً قال القائد لعصمت اذهب إلى رئيس عمليات الكتيبة وسجل بياناتك وبيانات جنودك ودبابتك ثم قابلني بعد ساعتين هنا أعطيك مهمتك الجديدة . *** تحرك عصمت للموقع الذي عين له ولكنه وجد قبل يصل لموقعه الجديد بقليل نيران مدفعية تصب عليه ، إذن فالاسرئيلين في استقباله ، ثم أمر أطقم دبابته بالاستمرار في التقدم مع زيادة السرعة وزيادة الفواصل بين الدبابات وقفل الفتحات وأخذ يواصل التقدم لموقعه ولكنه تعجب أن الجبهة هادئة ويوجد وقف إطلاق للنيران منذ أيام ولكن منطقته هي الوحيدة التي بها اشتباك ولكنه سريعا ما عرف السبب عندما اتصل بقائد كتيبة المظلات الذي سيقاتل معه ، لقد أخبره أن هذا الموقع قد أخذ من الإسرائيليين فقط في الليلة الماضية وبدون قتال فعادة الإسرائيليين أنهم يخافون على أطقم دبابتهم ليلا فيقومون بتجميعها في خلف خط دفاعهم بمسافة من أثنين إلى ثلاث كيلوا مترات ثم في أول ضوء يتم دفع أطقم الدبابات وبعض عناصر من المشاة لاحتلال المظلات حيث قام باستيلاء على الموقع ليلا وبدون أوامر قيادته ، وهذا جعل العدو يزداد غضبا خاصة رؤيته ثلاث دبابات جديدة قد انضمت للموقع ، فقال عصمت مشجعا لنفسه مرحبا أيتها الأرض الساخنة ها أنا قد جئت وارجوا من الله أن أجد كثيرا من النشاط هنا أنني في مكاني الصحيح ، *** أخذت الأيام تمر ثقيلة على عصمت فقد كان يظن أنه سيشتبك مع العدو بصفة مستمرة صحيح أنه كان هناك تراشق بالنيران مع العدو من حين لآخر بالرغم من وقف إطلاق النيران، ولكن في كل مرة كان لا يسمح باستخدام نيران الدبابات لقد أحس عصمت وأطقمه بأنهم في بطالة مقنعة ، وكانت الأيام تمر في الموقع بالكاد خاصة وأنهم يعيشون في حفر بجانب دباباتهم وغير مسموح بأي إضاءة وكانت أي حركة أو صوت مفاجئ كفيل بإزعاج الجميع ووضعهم تحت سلاح ، فالعدو كان على بعد أمتار منهم بالرغم من هذا فإن بعض الحوادث والأيام التي مرت عليهم كانت طريفة ، ففي مساء أحد الأيام قبض جنود الموقع على متسلل قادم من اتجاه العدو لقد كان جنديا مصريا في حالة معنوية عالية لقد جاء حاملا ثلاث أجهزة تسجيل وراديو فاخرة على أجنابه علاوة على سلاحه وبدأ عصمت في استجوابه قائلا ما مهنتك فأجابه جندي شئون إدارية كنت أعمل كجندي حراسة لمؤخرة أحدى الوحدات التي عبرت ثم دخل العدو في منطقة الثغرة فأصبحت أعيش بينهم لمدة ثلاثة شهور بدون أن يعلموا فسأله عصمت وكيف ذلك ؟ لقد كنت أختبئ بالنهار أما الليل فقد كنت أسرق طعام الجنود الإسرائيليين لأعيش. فسأله عصمت مستوضحا: كيف أشرح لي ؟ فرد قائلا: إن الجنود الإسرائيليين شديدو الجبن يا أفندم لقد كانوا يتركون أسلحتهم الثقيلة ودباباتهم في المواقع الأمامية في الليل ويرجعون ليتجمعوا في الخلف في ملاجئ آمنة ويعينون حراسة كثيفة عليها وكنت أستغل هذا في البحث عن مهماتهم من أطعمة ومياه وسريعا ما كنت أجدها ، بل أنني كثيرا ما وجدت بعضا من رشاشاتهم وبنادقهم بدون حراسة فكنت أفكها وأسرق بعض أجزاء منها ثم أدفنها في الأرض حتى لا تستخدم هذه الأسلحة ضدي أو بالليل حتى عرفت مكان وجود القوات المصرية وها أنا جئت لكم ، فسأله عصمت وما هي قصة الأجهزة التي معك ، فأجابه أنها تخص الإسرائيليين لقد سرقتها منهم ، ليلا كما قلت لك .. فسأله عصمت سؤال أخيرا ما هي مهنتك ؟ فأجابه أنا واد مخربش من بولاق الدكروري فضحك عصمت في نفسه وقال حتى اللصوص قد قتلوا من أجل مصر .. واستطرد قائلا سلم أجهزة التسجيل والراديو إلى فصائل رجال المظلات فإنك سوف تساعد على رفع معنوياتهم أما أنت فاتجه إلى مركز تجمع الشاردين وأبلغه عصمت عن مكانه.. فشكره الجندي وواصل التحرك. **** حدث انفجار مروع فجأة في داخل موقع الدبابات ثم تلاه انفجارات أخرى لقد أحس عصمت بالقلق الشديد خاصة من الانفجار الأول لأنه كان على بعد أمتار منه لقد أحس به في داخل ملجئه حيث ارتج به ارتجاجا شديدا كالزلزال وظهر الغبار الناتج عن اهتزاز الملجأ.. لقد أحس بإحساس قابض بأن أي واحد من الجنود سيكون خارج ملجئه في الوقت فأنه سوف يستشهد لا محالة.. لقد كان يريد أن يطمئن سريعا على ما حدث ولكنه يجب ولكنه يجب أن ينتظر نهاية القصف أنه قصف كتيبة مدفعية إسرائيلية ذات عيار كبير مركزا على موقعه.. ثم أخيرا سكن القصف فخرج سريعا من ملجئه مستطلعا الخسائر للهول مما وجد لقد كان هناك دماء مبعثرة وأشلاء آدمية مبعثرة لأربع أشخاص… أنهم الطاقم رقم 2 من دباباته لقد كانوا فيما يبدوا يجلسون حول نار صغيرة قد أوقدوها ليشربوا الشاي وكان الوقت ظهرا. لقد أحس عصمت بالألم والضيق الشديد فقائده هذه الدبابة الرقيب محمد قد عمل معه منذ أربعة أعوام وله ستة من الأولاد وكان من المفروض عند إعادة تنظيمهم بالقاهرة أنه سيعمل بسرية دبابات غير سرية دبابات عصمت ولكنه أصر وطلب نقله ليعمل مع عصمت لقد طلب نقله ليلقى حتفه. أما الجنود الآخرون فهم مستجدون صغار السن لم يروا من الدنيا شيئا. يا للمأساة. ….. أخذ عصمت يعدوا حول جثث الأبطال بضع دقائق ثم أمر جنوده بوضع الجثث وأشلائها في البطاطين ثم ذهب مباشرة إلى التليفون الميداني واتصل بقائده وأبلغه عن استشهاد طاقميه … وطالب الأمر بالرد الفوري ولكن قائده أمره بالالتزام بوقف إطلاق النار فصاح عصمت قائلا إن هذا كلاما غير معقول وإنه يجب تلقين العدو درساً جيداً إفصاح فيه قائده قلت لك دماء لا تفتح النيران وإلا ستحاكم وقفل الخط.. لقد كانت دماء الثأر الصعيدية تغلي في عروقه لهذا الوضع وكان الإحباط قد تمكن منه خاصة عندما تذكر قول أبيه بأن الولايات المتحدة لن تسمح بتصفية الثغرة.. بالقوة… لقد كان التفكير السائد لعصمت في الفترة التالية لهذا الحدث أنه كيف يرفع الروح المعنوية لجنوده حيث أن الطريقة الوحيدة الصحيحة لرفع الروح المعنوية هي أن يقاتلوا ويحدثوا خسائر جسيمة بالعدو.. وهذا لم يستطع تحقيقه حتى الآن. وأخيرا اتخذ قرارا بأن عليه أن يرسل أحد جنوده للمدينة القريبة لإحضار صينية بسبوسة ويعمل حفلة صغيرة لرفع المعنويات.. وماذا يستطيع أن يفعل أكثر من هذا … وأرسل الجندي.. وأحضر صينية البسبوسة ولكنها لم تصل لعصمت وجنوده فقد شاهد الجندي أحد ضباط عمليات اللواء واستولى عليها كغنيمة حرب قاصداً بذلك الفكاهة مع عصمت الذي سبق أن خدم معه ويعرف أنه يعشق المرح.. ولكنه لم يعرف أي حالة معنوية يمر بها الآن .. ورن التليفون الميداني وسأل ذلك الضابط عن عصمت فأجابه عصمت بأنه هو ذاته وسأله عن أسماء الشهداء رباعيا وأرقامهم العسكرية فزمجر عصمت في غضب وقد أحس أن الضابط يلاعبه في وقت غير مناسب قائلا إنه لن يعطيه أسماء أولا جثث حتى تأتي صينيته الضائعة.. ثم قطع الاتصال فجأة .. وقد كان من عجائب الصدف أن استمع لهذه المكالمة العجيبة قائد الفرقة فقد كانت عادته دائما أن بتصنت على تليفونات المواقع الأمامية لمعرفة مشاكلهم أولا بأول وسأل عن حكاية صينية البسبوسة ..والشهداء الأربعة. والنقيب عصمت.. وعرف في النهاية أن هناك نمراً جريحاً ذو قلب حديد مصاباً بالإحباط ويتحين الفرصة للانتقام. *** مرت الأيام ورن التليفون الميداني بملجأ عصمت وعندما رفع عصمت سماعته سمع صوتا يسأله هل أنت ضابط المدرعات بهذا الموقع .. فأجابه عصمت… نعم.. فرد السائل أنا العميد.. قائد الفرقة.. فأجابه عصمت نعم يا أفندم أي أوامر ( في الحقيقة فإن عصمت لم يرى قائد فرقته فقد انضم إليه في وقت الحرب ) فرد قائد الغرفة قائلا باختصار شديد [ عندما تكون جاهز اشتبك أفهمت ..... ] فأجابه عصمت مكررا القول نعم يا أفندم عندما أكون جاهزا اشتبك فرد قائلا مع السلامة وأغلق التليفون ووضع عصمت سماعة التليفون مندهشا وقد امتلئ بالسرور والفخر لقد أخذ لقد أخذ شيكا على بياض للاشتباك وترك له حرية اختيار توقيت الاشتباك والمكان ياله من قائد للفرقة شجاع وجرئ لقد تأكد أن ما سمعه عنه صحيح … لم يتسرع في توجيه ضربته فمرحلة التخطيط يجب أن تتم بدقة ويجب أن يتم حساب كامل لكل عامل هام حتى لا يترك شيئاً للظروف أما مرحلة التنفيذ الفعلي فيجب أن تكون سريعة ودقيقة حتى تقل الخسائر أو تنعدم لقد كان عدوه يعلم بدقة أماكن دبابته ومن أين يمكن إطلاق نيرانه والأسلوب المتوقع لقتاله.. ومن هنا خطط لتحقيق المفاجأة وتغيير أسلوب القتال فالمفاجأة يمكن حيث أنه لم يشترك في قتال فعلي منذ ثلاثة شهور لقد كانت دباباته خاملة لا تشترك في اى قتال وسيحقق المفاجأة أيضا بأنه لن يقاتل من تلك الأرض التي بها مرابض الدبابات بل أنه سيفاجئهم من أرض جديدة لا يتوقعون القتال منها … وسيفاجئهم أيضا بأسلوب قتال جديد سيقذفهم بالنيران ثم يختفي سريعا ليعمر أسلحة دباباته خلف التباب ثم سيتنقل لمكان آخر ليعيد الكرة لقد درس الأرض جيداً وفكر كثيرا في المهارات والخداع الذي سيستخدمها وفقا لخبرته القتالية المتنوعة ووضع إخراجا رائعا للمعركة المقبلة وبدأ العد التنازلي لمعركته … **** تحرك عصمت سيرا على الأقدام وخلفه دبابتين لقد تحرك ببطء شديد إحداث أقل صوت لمحركهما أنه يريد إخفاء أصواتها وكذا حركة الجنازير التي تثير الأتربة لذا تحرك ببطء ورويدا رويدا وتعمد بالاتفاق مع رجال المظلات على التحرك تحت صوت إدارة محركات العربات الخاصة برجال المظلات ليوهم العدو أن إدارة العربات بغرض الصيانة وأخذ يتقدم بتأن وحذر في أرض منخفضة حتى لا يستطيع العدو رؤيته حتى وصل للمكان المنشود حيث أخفي الدبابتين .. ثم زحف لأعلى التبة القريبة التي أمامه ليعرف الوضع النهائي للعدو الذي سيتعامل معه… كل شيء تمام حسب الخطة ثم نزع طبنجة الإشارة من جنبه وركب فيها طلقة الإشارة الحمراء وأطلقها معلنا بدء المعركة .. استقبل الإشارة قائد الدبابة الذي ظل في منطقة مرابض الدبابات إن عليه حسب التوجيهات أن يقوم بالاشتباك أولا ليس بغرض إصابة العدو أساسا بل بغرض جذب نيران العدو واهتمامه لاتجاه آخر إن عليه أيضا أن يغير مكانه من مربضه إلى مرابض الدبابتين الأخريتين ليوهم العدو أن الجميع دبابات الفصيلة الثلاث في هذه المنطقة .. كما أن عليه أيضا أن لا تظهر للعدو أكثر من عسرة ثواني عند اشتباكه في كل مرة حتى لا يعطي العدو الفرصة باصابته بتلك الصواريخ الموجهه خاصة وأنها تعلم مكانه بدقة. اندفع عصمت بالدبابتين الأخريتين للأماكن التي اختارها لفتح النيران لقد كان هناك بلدوزر إسرائيلي يعمل في حماية دبابة فدمرهما بسهولة وأخذ يبحث عن باقي الأهداف الأخرى لقد فر العدو سريعا في إلي ملاجئه تاركا معداته خلفه وأخذ عصمت يتسلى بالرمي على تلك المعدات والمهمات فها هى صناديق الذخيرة المشونة على سطح الأرض ليدمره سوى علم إسرائيل المرفوع يتحدى فقام برميه بدبابته فحطمه تماماً … وأخيرا سكنت المنطقة في هدوء عظيم … وهنا صاح عصمت بأعلى صوته ” أيها الكلاب .. سأذيقكم الموت أينما كنتم وستكون الثغرة مقبرتكم … ” وأمر دباباته بالرجوع لأماكنها… وكان الشيء الغريب الذي اكتشفه عند رجوعه أن قائد سريته الهاون لم يشتبك مع العدو نظرا إصابة ذخيرته التي وضعها على سطح الأرض بجانب حفر المواقع لاستخدامها وأخذت تنفجر بالتتالي فظن عصمت أن الحماية والتغطية قد قدمت وأن عليه ألا يخشى شيئا… وكان الشيء الأغرب الذي أحس به عصمت على المدى الطويل العدو الذي امامه لم يحاول الاشتباك معه مطلقا بعد هذه الموقعه … لقد تجنب عصمت تماماً واحترمه حتى انسحب من الثغرة. ***

 

ومرت الأيام وفتحت النيران من البنادق والرشاشات والمسدسات إلى عنان السماء… لقد فتحت النيران بمعرفة الإسرائيليين ليس للاشتباك هذه المرة بل للتعبيير عن الفرح والغبطة .. لقد تم توقيع اتفاق بانسحاب جيش الدفاع الإسرائيلي من الثغرة من مصيدة الموت وسيتلوا هذا الاتفاق اتفاق آخر… وآخر سيتركون كل شبر من الأرض شبراً شبراً حتى يتجنبوا القتال مرة أخرى مع هذا الجيش العظيم التليد الخالد ذلك الجيش الذي اتصف عبر الأجيال بقدرته الفائقة على التحمل والجلد وقاعدة إيمانه عميقة الجذور .. بنيت على حب العدل.. وليس البغي والعدوان .

 


 

 

الخاتمة

 

 

 

أما أيها القارئ وقد قرأت هذه القصة فلكل قصة نهاية وللأشخاص نهاية.. لنراجع النهاية.. فإما عن نهاية

 

قائد اللواء أو قائد مجموعات القتال التي حاولت قفل الثغرة فقد تقاعد بعد أن خدم برتبة اللواء ولكنه لم ينل لأي تكريم سوى تكريم القلب من ضابطه وجنوده المقاتلين الذين يعلمون انه مقاتل من الطراز الأول ولكنه لم يحقق مهمته الأخيرة .

 

 

 

. أما عن قائد كتيبة عصمت المقدمالمهدي فقد استشهد في ميدان المعركة مهاجما ونال النجمةالعسكرية..

 

 

 

أما الجندي السائق الذي فقد أرجله من تأثير انفجار الدبابة فقد عاش وركب أطرافا صناعية ومارس حياته العادية كموظف وشكر عصمت عن إنقاذه لحياته في خطاب بليغ بعد انتهاء الحرب بتسعة أعوام معتذرا عن تأخره في إرسال الخطاب بسبب عدم معرفته للعنوان

 

 

وأما عن الملازم أول شهيد خالد علام الذي كان أحد أسود الحرب حيث أنه اشترك في هجوم شجاع في منطقة ما في عمق سيناء.. ثم قام بالهجوم مرة أخرى في منطقة النقطة الحصينة بكبريت حيث استشهد كما ذكر فقد حاول عمه الاتصال بعصمت وإقناعه بمساعدته في إحضار جثته من المنطقة الحصينة… ليدفن في مقابر العائلة ولكن عصمت استطاع إقناعه بصعوبة للتكلفة الغالية . علاوة على أن الشهيد يجب أن يدفن في مكانه بطولته

 

أما عن ذلك الجندي البطل الجريح الذي ادعى أنه بطل رغم أنفه فقد نال نوط الشجاعة من الطبقة الأولي .وهو يخدم الآن كموظف كبير بالرقابة الإدارية

 

 

 

أما عن عصمت نفسه فقد نال نوط الشجاعة من الطبقة الأولى وتقاعد برتبة عميد بعد سنتين خدمة بهذه الرتبة عن ستة وأربعين عاما وذلك في عام 1996

 

 

 

ولا زالت حتى الآن تحدث له طرائف بسبب الحرب ومنها أنه دخل مع عدد كبير من أٌقاربه لأحد المطاعم بالإسكندرية وعند دفعه للحساب وكان كبيرا رفض كبير المحل فاندهش عصمت ولكن سرعان مازال اندهاشه عندما فوجئ بأن صاحب المطعم جندي سابق قاتل معه .. حيث اندفع في اتجاه عصمت حاضنا إياه قائلا كيف أخذ حسابا من بطل مثلك .. تعلمت منه الكثير .. ومن حيث لآخر يقابل بطل من الأبطال الذين قاتلوا معه ويتبادلا الحفاوة والترحاب فالحرب أوجدتهم من جديد وخلقت علاقة أخوة جديدة .. لا يفصلها إلا الموت ولكن من الغريب في تصرفه أنه لا يتكلم إلا القليل عن الحرب وفي المناسبات عندما يضطر لذلك .. وإن تكلم عنها فإنه يتكلم عن شيء كريه يكرهه ولكنه يختم كلامه دائما بأن الحرب ضرورة في بعض الأحيان وأنها شر لابد منه.

 

ومن الطرائف أن عصمت اكتشف إن جنوده ويدعى اسحاق له من العمر أربعة عشر عاما حيث أنه تم تجنيده بنوع من الخطأ حيث أن أباه قد أنجب إبناً سماه إسحاق ثم توفى ولم يقم بالإجراءات الرسمية عند وفاته ثم أنجب آخرين وأعاد تسمية أحدهما إسحاق وعن وصول الاستدعاء للابن البكر الذي توفى تصرف الأب بحماقة فأرسل الإبن الصغير الذي يدعى إسحاق إلى التجنيد ثم قامت الحرب ولم تحن الفرصة لإصلاح هذا الخطأ. وأمام الأمر الواقع قام عصمت بالتركيز على تدريبه خاصة وأنه وجده رجلا في تصرفاته وشارك في القتال كمعمر لدبابته بشجاعة كأفضل الرجال. وحيث جرى العرف على أن يكون هناك تمازج كامل والفة بين افراد أطقم الدبابات فقد جمع عصمت طاقما من اقباط صعيد مصر في دبابة واحدة كان يطلق عليها الدبابة القبطية وكان من ضمنها إسحاق وقد استشهد منها فردين نتيجة القصف الجوي ولكن إسحاق خرج سالما من الحرب وكان عصمت يفتخر به دائما ويناديه مرحا .. ابني إسحاق قائلا في النهاية إن الرجولة ليست بالسن ولكن ولكن بالتصرف والحكمة

 

ولازال زملاء عصمت من الضباط المتقاعدين يطلقون عليه حتى الآن النقيب عصمت متجاهلين أنه رقى إلى رتبة العميد وذلك نظرا للياقتة البدنية العالية .. ولحيويته المتدفقة … وتهريجه الدائم … لقد كان لكل من هؤلاء قصة وبطولة وقد تكون اروع وأعظم من قصة النقيب عصمت ولكنها لم تجد من يكتبها…!!!

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech