Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

اللواء عاطف منصف قائد ك 85 مظلات

 

 

مقدمه من اللواء عاطف منصف :

اود ان أرحب بمجهود المجموعه 73 مؤرخين علي الانترنت او في قنوات التلفزيون المتنوعه وهو مجهود مشكور ورساله ساميه .

وقبل البدايه في تأريخ عمل الكتيبه 85 مظلات التي شرفت بقيادتها في حرب اكتوبر المجيده اود ان أشير الي ان الشباب في مصر والعالم العربي يجب ان يعرف ان هناك ما يسمي بالقضيه الوطنيه .

القضيه الوطنيه هي التي جعلتنا نحارب في 73 وننتصر وهي التي هزمتنا أيضا في 67 وهو تناقض يجب ان يعرفه الجميع .

في عام 67 كانت قضيتنا الوطنيه هي العروبه والمشروع الوحدوي العربي والاتحاد العربي ، والتحم جميع فئات الشعب خلفها  وعشنا انتصارات تلك القضيه سواء في سوريا او اليمن او الخليج او الثورة الجزائريه ، وهزمنا في 67 لان العالم كان ضد تلك القضيه وكان يجب ان تُهزم مصر لكي تنتهي تلك القضيه الوطنيه – صحيح ان هناك قصور داخلي داخل مصر سواء في الفكر العام او في المؤسسه العسكريه وتلك عوامل ساعدت في جعل الهزيمه لا مفر منها .

حتي بعد النكسه كانت القضيه الوطنيه مازالت حيه داخلنا ، وان اختلفت اهدافها ، فقضيتنا ومشروعنا القومي كان تحرير الارض وهو ما جعلنا نتحد ونتكاتف ونبدع لتحقيق هذا المشروع وحل تلك القضيه التي مثلت لنا تحديا .

كانت كرامتنا مجروحه وارضنا مسلوبه ، ووضعنا تحرير الارض في عقلنا كهدف لا مناص عن تحقيقه ، فكنا نضاعف العمل والانتاج لتحقيق هدفنا ، فلو طلب منا مهمه تستغرق 5 ساعات كنا نحققها في ساعتين ، ولو طلب منا تنفيذ مشروع عسكري بعد شهر ، كنا نتدرب قبله لكي نحقق المشروع بامتياز ونحقق اعلي معدلات من الكفاءه ، ولو حدث اختراق للعدو في منطقه ما – كنا نستعد للرد حتي لو كان هذا الاختراق بعيدا عنا .

أقول لكم تلك الكلمات والدم فائر في داخلي حتي الان بعد عشرات السنوات من تلك الاحداث التي عشتها وسأرويها لكم بالتفصيل ، فالقضيه الوطنيه ومشروعنا الوطني مازال حي داخلي حتي الان .

فقد هزمنا في 67 وقبل مرور شهر علي الهزيمه كنا نرد علي العدو سواء في رأس العش او ضربات 14 و 15 يوليو الجويه وبعدها اغراق ايلات وبعدها حرب الاستنزاف بمراحلها ،وبعدها بناء حائط الصواريخ .

كل هذا العمل كان بقايا حلمنا الوطني وقضيتنا وهو ما جعلنا نفتخر بما قمنا به حتي الان

مناسبه تلك الكلمات ان الشباب المصري وفئات الشعب المصري كلها تعاني الان من غياب القضيه الوطنيه ، فلو كان هناك قضيه وطنيه لوجدت الشباب المصري مختلف تماما عما نراه الان من ادمان وضياع وعدم انتماء ، ولست اقول كل الشباب ، انما اتحدث عن فئه كبيرة من الشباب نراها جميعا في كل مكان .

ادعوكم لاعاده احياء المشروع القومي المصري ، فالشعوب لا تعيش علي الاكل والشرب فقط ، لكن هناك عوامل اخري تحيي الشعوب ، مثل الحس الوطني والاحساس بالانتماء للوطن والاحساس بعظمه مصر .

فقد كنا نسافر (كضباط مظلات ) الي الدول العربيه ونحس بمدي الفخر وعظمه مصر من معامله الشعوب العربيه لنا ، كنا نسير مرفوعي الرأس لاننا مصريين ونظرات الاعجاب والتقدير من كل عربي يرانا في الشارع .

لم يكن فخرنا بمصر نابع من كم الاموال التي داخل جيوبنا في تلك اللحظه ، لكن نابع من عراقه وتاريخ دوله تملئ كيانك يحسدك عليها الاخرين ويرون ان لديك من المقومات ما ليس لديهم .

لذلك ادعو كل من يقرأ تلك السطور ، بأن يتبني مشروعا قوميا لمصر ، يكون فيه الوطن هو الدافع لتحقيقه وليس الفرد ، ويكون هذا المشروع بدايه احياء الانتماء لمصر اقوي مما كان وينقلنا هذا المشروع الي مرحله امجد من حرب اكتوبر .


 

بدايه الكفاح

كانت بدايتي مع العمل الوطني سنه 51 ، فقد عاصرت الغاء معاهده 1936 في تلك السنه وكنت اعيش في مدينه السويس الباسله وكان عمري وقتها خمس عشر عاما ، وكنت شغوف جدا للانضمام الي عناصر المقاومه لمقاومه الاحتلال البريطاني في القناه ، فأنضممت الي جمعيه الشباب المسلمين والتي كانت تدرب كوادر المقاومه بالتعاون مع الجيش تحت ستار التربيه البدنيه ، واذكر ان من دعاني لتلك التدريبات كان اسمه الصفتي بيه ، وبدأت في الانخراط وسط مجموعه للتدريب العسكري ضمن مجموعه ، وكان الاشتراك بمبلغ رمزي عباره عن قرشين صاغ ، واخبرني بأن مكان اللقاء للتوجه الي التدريب سيكون بجوار سينما سانت كلير بالسويس ، وبعدها نتوجه الي سفح جبل عتاقه للتدريب العسكري هناك .

فتقابلت هناك مع زملاء لي في الحي ، ولم اكن اعرف انهم منخرطين في التدريبات العسكريه ايضا ، وكنا كلنا طلبه مدراس .

في المعسكر وجدنا رجالا ترتدي ملابس عسكريه تقوم بتدريبنا ولم نكن نعرف هويتهم ، فبدأنا التدريب علي الاسلحه الخفيفه مثل المسدسات والرشاشات الخفيفه ، وبعدها بدأنا تعلم كيفيه عمل عبوات ناسفه صغيرة ومتوسطه ، وكيفيه نسف خطوط سكه حديد لتعطيل عمل قوات الاحتلال البريطاني في القناه ، من خلال فترة التدريب ايقنا ان من يقوم بتدريبنا هم رجال قوات مسلحه بصورة غير رسميه .

خلال فترة التدريب لم اتمكن من الاشتراك في اي عمليه من عمليات المقاومه المستمرة في تلك الفترة ، سواء عمليات كمائن او تخريب او اختطاف لجنود بريطانيين .

بعد قيام الثورة تطورت التدريبات الي مستوي اعلي تحت مظله منظمه الشباب التي انشئتها الثورة ، وكنت وقتها في الثانويه العامه ، وتحت قياده ضباط الاحتياط بدأنا في الارتقاء بمستوانا التدريبي ، حتي تقابلت صدفه مع صديق اخبرني بأنه منضم للحرس الوطني وطلبني للانضمام معه ، فتساءلت عن ماهيه الحرس الوطني ، فاخبرني بانه تنظيم رسمي يقوم علي التدريب فيه ضباط وضباط صف من القوات المسلحه ويقومون بعمليات فدائيه بأستمرار .

قابلت الملازم علي سلامه وكان موفدا من الضباط الاحرار وكان مسئولا عن قياده المعسكر ، وتم تقسيمنا الي مجموعات بأسماء الخلفاء الراشدين وكل مجموعه تتدرب علي حدا .

حتي استشهد احد طلبه جامعه القاهرة وكان اسمه المسيري ، (له قاعه في جامعه القاهرة بأسمه حاليا ) فتم تنظيم عمليه ليليه للرد علي استشهاد المسيري ، وتم اختياري من عناصر التنفيذ كفرد مساعد لفردين يحملان رشاشين براوننج ودوري هو تغذيه الرشاشات بالذخيرة.

يوجد علي ترعه السويس بالقرب من كفر احمد عبده خزان مياه كبير ،فخططنا ان تقوم مجموعه بالسباحه في ترعه السويس وتتقدم لنسف الخزان بينما فردي الرشاشات وانا معهم نقوم بحمايه وستر تلك المجموعه لو تم اكتشافها .

قاد عمليه نسف الفنطاس شاب اسمه محمد الفلسطيني وهو فلسطيني الجنسيه وكان محبوبا من الجميع ، ومعه فرد اخر لا اتذكر اسمه حاليا .

وقت التنفيذ تم اكتشاف تقدم مجموعه النسف وتم اضاءه المنطقه بالكامل وتحولت العمليه الي عمليه صاخبه واطلاق نار متبادل ، استشهد محمد الفلسطيني بالقرب مني وكنا وقتها قرب الفجر .

وجدت عربه فلاحين تتحرك تجاه الحقول ، فصرخت طالبا النجده ، لانقاذ محمد الفلسطيني ، وقمنا بوضعه علي العربه وهرعنا الي المستشفي الاميري بالسويس ، ولم اكن اتحمل ان اتوجه معه الي المستشفي من صدمه ما رأيت .

دخلت المنزل وملابسي مغطاه بالدم ، فوجدت والدتي امامي تتساءل عما حدث لي ، فاخبرتها بأننا قد تشاجرنا مع بعض الصبيه في الشارع ، ولم يكن ردي او منظري مقنعا لها ، لكنها تسترت علي واخبرتني بسرعه تغيير ملابسي قبل ان يلاحظ والدي ، وان اتوجه الي المدرسه فورا .

تلك الواقعه اثرت علي حياتي تاثير كبير ، حيث انها قد زادتني اصرارا علي الدفاع عن وطني وان اخذ بثأر كل من سقط شهيدا من اصدقائي

في حرب 56 كنت وقتها علي وشك  الانتهاء من دراستي الثانويه ، كان لدور منظمات الشباب دور كبير جدا لتأمين الاهداف الحيويه في السويس ، وكنا كلنا تحت سيطرة صلاح سالم خلال فترة القتال ، وقد لاحظت ان صلاح سالم يتحرك بيينا لبث العزيمه ورفح الروح المعنويه وهو يحمل معه دائما كتاب معركه ستالنجراد ، وكلما سمحت  له الفرصه ، كان يجلس ويقرأ فيه ، مما لفت انتباهي الاهتمام بالقراءه في ظل تلك الظروف .

وبدأنا في توزيع السلاح علي الشعب وعلي المقاومه ، وكان الصحفي محمود السعدني مرافق لنا في السويس ونشر صور توزيع السلاح علي الشعب وكانت روح لا مثيل لها في حب الوطن والرغبه في الدفاع عنه امام قوي الاستعمار واسرائيل

وبعد فترة هدأت الامور وتم السيطرة علي الموقف في بورسعيد ، مما جعلنا نتذوق طعم الراحه قليلا وبعد الحرب كان لابد من اعاده جمع السلاح من الشعب مرة اخري لكي لا تسود الفوضي ، فتقدم صلاح سالم بفكرة جميله وهي عمل مسابقات بين الاهالي في دقه التصويب ، والفائز في تلك المسابقات يحصل علي رخصه سلاح فورا ، وكانت فكرة ذكيه لمعرفه من يحمل السلاح وخصوصا انه يكون قادرا علي استخدامه جيدا ، وفي نفس الوقت جمع السلاح من غير الفائزين .

شاهدنا خلال الحرب تحركات القوات المسلحه المرتده من سيناء ، وشاهدت مدي التفاف اهل السويس حول الضباط والجنود وتقديم كل المعونه للجنود ، وهي مشاهد تعبر عن ترابط الجيش والشعب خلف الرئيس عبد الناصر في تحرير مصر من الاستعمار

الكليه الحربيه وسوريا

بعد الانتصار السياسي المصري في حرب 56 ، حصلت علي الثانويه العامه والتحقت بكليه الزراعه ، وكان طموحي في الكليه الحربيه ، فقدمت سرا بدون علم والدي ، وانتظمت في كليه الزراعه وفي نفس الوقت كنت اجتاز اختبارات الكليه الحربيه وكانت صعبه ، مما اصابني باليأس من نجاحي ، فقررت عدم دخول امتحان كشف الهيئه ، يوم الاختبار كنت في كليه الزراعه بالمعمل ، فمر علي صديقي سيد كامل  والذي اصبح رئيس اركان القوات الجويه فيما بعد حرب اكتوبر  ، فوجدني في المعمل اقوم بتشريح ضفدعه ، فاندهش من انني لا اريد التوجه للاختبار لكنه اصر علي واقنعني بالذهاب للاختبار لانني لن اخسر شيئا ، وفعلا توجهت الي الاختبار ، ودخلت الامتحان وقد نسيت علبه السجائر في جيبي ، فسألني اللواء محمد فوزي مدير الكليه الحربيه عما اذا كنت سأشرب سجائر لو دخلت الكليه الحربيه فأجابته بالنفي ، وسألني هل تعدني بذلك فأجبته بالايجاب ، فسألني مره اخري – ما هي واسطتك فأجبته بعدم وجود واسطه ، فأمرني بالانصراف ولم يكن لدي شك من رسوبي في القبول نظرا لعلبه السجائر وعدم وجود واسطه .

وفوجئت بقبولي بالكليه الحربيه ، وكان خبرا سعيدا علي جدا ، فغادرت الي السويس واخبرت والدي والذي قابل الخبر بهدوء وحاول اقناعي بالبقاء في الزراعه ، وعندما وجد اصراري علي الكليه الحربيه ، اخبرني بأن انتظر قدوم اخوتي الاكبر مني لاخذ رأيهم لانه كان رجلا ديمقراطيا بمعني الكلمه ، ووافق اخوتي ووعدني والدني بتدبير مصروفات الكليه الباهظه والتي كانت تصل الي 300 جنيه وهو مبلغ كبير جدا في تلك الايام ، لكنه اوفي بوعده وتكفل بالمصروفات

انضممت الي الكليه الحربيه في نوفمبر 57 وعاصرنا الوحده المصريه السوريه عام 58، وجاء الينا طلبه سوريين شاركونا الدراسه وتخرجوا معنا عام 60 .

وكان درجاتي المؤهله تؤهلني الي سلاح المشاه او المدرعات فأخترت سلاح المشاه – ساده المعارك - وعند ملئ رغبات مكان الخدمه ، طلبت ان اخدم في سوريا ، وهو ما حدث فعلا ، فسافرت الي سوريا بعد تخرجي مباشرة لكي احصل علي دورة اساسيه متخصصه في المشاه وكنا مصريين وسوريين مختلطين ، لا يفرق بيننا اي شئ ، فقد اصبحنا شعب وجيش واحد في تلك الفترة .

ولمده سته اشهر حصلت علي الدورة المتخصصه في سلاح المشاه وزارنا الرئيس عبد الناصر في سوريا وكان معه المشير عبد الحكيم عامر واهم ما قاله لنا الرئيس عبد الناصر

(( مصر امانه في رقبتكم – كلكم مصر هنا – لو عملتوا عمل كبير هيقولوا مصر كبيرة ، عملتوا عمل صغير هيقولوا مصر صغيرة – كل واحد فيكم جمال عبد الناصر وكل واحد فيكم سفير لمصر ))

وبعد الدورة التحقت علي اللواء الرابع مشاه كقائد فصيله ، وبعد فترة تم حشد قوات اردنيه في منطقه درعه قرب الحدود نظرا لعدم تجاوب الاردن مع فكرة الوحده ومعارضتها للوحده ، فتحرك اللواء لتأمين الحدود السوريه الاردنيه ، وكانت فصليتي تحتل موقعا علي الطريق الرئيسي المار علي الحدود ، مما جعل قائد الكتيبه دائم الزياره والمرور علي قواتي للتاكد من تفهمي المهمه وقدرتي علي التصرف .

بعد انتهاء فترة الطوارئ هذه ، رشحني قائد الكتيبه للانتقال الي سريه استطلاع اللواء ، فأنتقلت الي الاستطلاع ، وعملنا جهد جيد في تلك الفترة ، وشهدنا بعض الصراعات القبليه المحدوده والتي زادتنا خبره في التحرك الجبلي .

وبعد الانفصال عام 61 ، عدت الي مصر حزينا علي فراق سوريا والشعب السوري المحب لمصر وللشعب المصري حتي النخاع ، ويجب الاشاره ان جموع الشعب السوري كان رافضا الانفصال بشده وان من قام بالانقلاب هم ضباط اقل ما يوصفوا بالخونه للعروبه ولسوريا ، لان انفصال سوريا عن مصر اضعف البلدين وافاد اسرائيل .

عند عودتي الي مصر في نوفمبر 1961 الحقت علي الكتيبه 77 مظلات وكانت نواه قوات المظلات في مصر والتي مازالت تحت التشكيل ، وكنت مازلت برتبه ملازم .

وكان قائد الكتيبه اسمه ماهر بدر ويعتبر من اعظم قاده المظلات في مصر ورئيس عمليات الكتيبه عبد الرحمن بهجت وتم تعييني كقائد استطلاع وامن الكتيبه ، وتوطدت علاقتي مع عبد الرحمن بهجت والذي تعلمت منه الكثير عن الرجوله والتضحيه والفداء والانضباط .

وكان دورنا في تلك الفترة هو التدريب فقط ، وكان تشكيل الكتيبه كله من المتطوعين المتميزين في المظلات ، فساهم ذلك في سرعه وصول الكتيبه الي مستوي عال من التدريب والانضباط والكفاءه .

وكانت الكتيبه 75 مظلات هي الكتيبه المنافسه لنا وكانت كتيبه لها سمعتها في حرب 56 وقامت بمشروعات كبيرة امام الرئيس والمشير ، وبدأنا في التنافس مع الكتيبه 75 وبدأت كتيبتنا في الظهور كمنافس حقيقي ، وهي روح ساعدت في رفع مستوي الكتيبتين التي تشكلان كل قوات المظلات في هذا الوقت .

وكانت كتيبتنا تتمركز فيما اصبح يسمي الان مدينه نصر مكان دار المدرعات المجاور لاستاد القاهرة وبانوراما حرب اكتوبر

 

 


 

حرب اليمن

وفي اول اكتوبر 1962 استدعاني قائد الكتيبه  والذي جاء الينا جديدا – المقدم محمود طاهر خشبه ، وكنت وقتها في دورة تدريبيه علي قراءه الخرائط ، وعندما قابلت قائد الكتيبه اخبرني بأن الكتيبه متوجه الي اليمن علي الفور .

فبدأت في العمل علي الفور بمساعده حسن الزيات ذلك الرجل الرائع ، واخبرني بأنني مسئول التحميل الي السويس علي السكه الحديديه ومنها علي الباخرة مكه الي اليمن

فبدأت في التحرك سريعا للتحرك الي السويس في خلال يومين فقط ، وكانت مهمه صعبه غير عاديه ، لان الوقت كان ضيقا والاستعدادات ضخمه لتحرك الكتيبه الي اليمن بما معها في عربات وامدادات وذخائر ومعدات .

وصلنا ميناء الحديديه بعد اقل من عشر ايام من قيام الثورة في اليمن وتحديدا يوم 7 اكتوبر 61 وكان عبد الخالق محجوب قد سبقنا في السفر الي اليمن مع 10 ضباط من قياده قوات المظلات كمفرزة متقدمه لنا .

وكان قرار عبد الخالق محجوب هو سفر الكتائب 75 و 77 وبالفعل وصلنا الي صنعاء وبعدها الي منطقه تسمي عمران ، وهي منطقه غير مستقره حتي الان وتبعد 40 كيلو من صنعاء .

وكان تسليح قواتنا يسمح لنا بالقيام بمهام قوات مشاه مدعمه بعناصر مدفعيه ودفاع جوي بسيط لكنها اعلي مستوي من تسليح كتائب المشاه

تتكون اليمن من قبيلتين رئيسيتين – حاشد وبكير –وكان الانطباع الاول لنا ان الطرق لم تكن اسفلتيه نهائيا انما ترابيه معبده ، وان التخلف الحضاري لاهل اليمن هائل جدا ، فهناك من لم ير عربات مدرعه في حياته ، ومنهم من كنا نحس انه مازال يعيش وقت امبراطوريه سبأ ، فأندهشنا من كم التخلف الحضاري في اليمن

وتمركزنا في قلعه عمران والتي بدأت منها الثورة ، وتقابلنا مع افراد من مجلس قياده الثورة اليمنيه وبدأنا في عمل تنظيم التعاون .

وفي اول يوم جمعه لنا ، امرنا قائد الكتيبه بالتوجه الي الجامع للصلاه وسط الاهالي لمحاوله الاندماج معهم وتعريفهم بنا وبدورنا ، وادت تلك اللفته من المقدم خشبه الي بناء جسر تواصل مع اهالي منطقه عمران لدرجه انه كانوا يتوافدون الينا في القلعه ومعهم طعام ونبادلهم ذلك بالحلويات من مخزون الكتيبه

في تلك الفترة وصل العقيد عبد المنعم خليل الي اليمن كمدير لمسرح عمليات حرب اليمن ، وبدأنا في التحرك الي عده مناطق لتنفيذ عمليات متنوعه ضد قبائل مضاده للثورة ، ولتأمين طرق .

وكانت اول تحرك لنا هو التحرك الي جبل ارحب وجبل سفيان للسيطرة علي منطقه معينه نظرا لوجود معلومات بتحرك لواء ميكانيكي بريطاني من عدن تجاه تلك المنطقه ، وكنا نشك في نوايا البريطانيين تجاه التواجد المصري في اليمن

وكانت الجبال المطلوب التحكم بهم علي ارتفاع كبير جدا ، كان تسلق الجبل الواحد يحتاج الي ست ساعات وكانت الصخور الحاده تهلك احذيه الجنود تماما ، مما استدعي تغيير احذيه الجنود كلها بعد تسلق هذا الجبل .

ووضعنا خطط الدفاع عن الوادي لمواجهه اللواء البريطاني ، وتنسيق التعاون مع قوات الكتيبه 75 التي احتلت جبل سفيان ، ووضعنا قوات في اسفل الوادي لعمل خط دفاع رئيسي

وقمت بالتحرك بقوة فصيله الاستطلاع الي حصن عزام اعلي قمم الجبل لاستطلاع الموقف دائما ومعي عناصر من سلاح الاشاره لفتح اتصال دائم مع القياده .

وبعد حوالي فترة طويله من المعاناه فوق الجبل لعدم وجود امدادات منتظمه من اسفل الجبل استقر بنا الحال ، وعلمنا ان اللواء البريطاني قد وقع في كمين من قوات ليست مصريه ولم تكن علي اتصال بنا ، لكن المعلومات الوارده ان اللواء تعرض لخسائر وعاد الي نقطه تمركزة مرة اخري في مأرب

وتحرك حسن الزيات للتأكد من تلك المعلومات ، وفعلا وجد ارض معركه طازجه حيث الدخان يتعالي من العربات المدرعه الانجليزيه وهناك قتلي كثيرون في ارض المعركه

وحتي الان لا اعرف من الذي نصب هذا الكمين فربما قوات صاعقه مصريه او ربما قبائل يمنيه اخري لانه لم يتم ابلاغنا بأي تحرك لقوات مصريه او تنظيم معركه .

واستمررنا في القيام بعمليات متنوعه طبقا للمهام ، لفتح طرق جبليه او لمعاقبه قبائل تتبع الحكم الملكي ، وكانت ايام صعبه علينا بسبب الطبيعه الجبليه القاسيه لتلك المناطق ، وفي تلك الاثناء عينت قائد لسريه استطلاع الكتيبه خلفا لزميلي احمد سامي الذي اصيب في انفجار قنبله مما ادي الي اصابته ب 52 شظيه ، لكنه عولج وشفي بعدها .

بعد حوالي العام تحديدا في فبراير 1963 وصلت الكتيبه 79 مظلات والتي شكلت حديثا واخذت مهام قتاليه فور وصولها لتامين ممرات جبليه استراتيجيه ، وتحركت الكتيبه بدون اي معلومات استطلاع او تنسيق ، واثر ذلك وقعت الكتيبه في كمين واستشهد ماهر بدوي في هذا الكمين ومعه احد عشر ضابط ، وكان هذا اسوأ خبر سمعته في حياتي حتي هذه اللحظه من عمري وبكينا علي استشهاد ماهر بدوي الرجل الخلوق الممتاز ، وتشتت الكتيبه فكان لازما اعاده تجميعها في صنعاء مره اخري لاستعاده الكفاءه .

وبعد فترة قصيرة بدأنا في غيار القوات في اكتوبر 63 حيث تولت الكتيبه 79 السيطرة علي مواقعنا ونعود نحن الي صنعاء ، وفي توقيت مقارب وصل المشير عامر الي صنعاء واجتمع مع المقدم خشبه قائد الكتيبه ومع قاده السرايا ، واخبرنا بأننا قد تم تكليفنا بعمليه وبعدها نعود الي مصر ووعدنا بأستقبال الرئيس عبد الناصر والمشير لنا في ميناء الادبيه .

كانت العمليه مهمه في تعز وكان بها قوة امريكيه تقوم بتدريب جواسيس للعمل خلف خطوطنا ، والمهمه اننا سنقفز مظليا فوق تلك المنطقه ، وقامت القوات الجويه بأستطلاع جوي ، ثم سافر عدد من الضباط بطائرة اليوشن 14 الي تعز لاستطلاع المنطقه من الارض ، وكنت منهم ، فوصلنا الي هناك بملابس مدنيه وبدأنا في تصوير المكان والتجهيز للعمليه التي لم تكن تحتاج الي اكثر من سريه واحده تتقدم برا وخلفها سريه اخري احتياطي

لكن بعد يومين حضر الينا الفريق انور القاضي قائد القوات المصريه في اليمن وابلغنا بالغاء العمليه ، واخبرنا بأن الرئيس عبد الناصر قادم وسنكون في استقباله باليمن وسيتم عمل عرض عسكري في صنعاء ثم بعده تعودوا الي الادبيه

وكنتيجه لمجهودات ضباط الكتيبه في اليمن تم ترقيه جميع ضباط الكتيبه استثناءيا الي الرتبه الاعلي بقرار من الرئيس عبد الناصر ، وبناء علي اعتراض بعض الضباط الاخرين في بعض الكتائب ، تم ترقيه ضباط كتيبه 75 ايضا

وفي 15 اكتوبر كنا بالادبيه ، واستقبلنا الرئيس عبد الناصر والمشير كما وعدنا وكان استقبال حافل وظهرت صورتي بجوار الرئيس علي الباخرة وسط الجنود والضباط في الصفحات الاولي لكل الصحف (الصورة منشورة هنا في الموقع – مع الحوار )

ما بعد حرب اليمن

بعد عودتنا من اليمن بدأت عمليه اعاده هيكله قوات المظلات المشكله من 3 كتائب فقط وبدون قياده موحده ، فلا يمكن اعتبارها لواء او قوات منفصله ، في ذلك الوقت كانت الكتائب 81 و 85 تحت التشكيل .

فسافرت الكتيبه 85 الي اليمن فور استكمال تشكيلها  لمده عام حتي عادوا وحلت الكتيبه 77 مره اخري الي اليمن وكنا في تلك الكتيبه القوه الوحيده من المظلات المتواجده في اليمن وظللنا هناك فترة اخري وكان اخر فصيله تغادر اليمن بعد 67 هي فصيله مظلات بقياده الملازم اول يسري الشماع

تزامن عودتنا من اليمن سنه 63 مع وصول العميد عبد المنعم خليل كقائد لقوات المظلات ، فأنشأ قياده قوات المظلات ، والمكلفه بقياده وسيطرة كتائب المظلات وهو اجراء تنظيم هام جدا في تاريخ المظلات لتنظيم عمل تلك الكتائب وتدريبها .

وكان عبد المنعم خليل ذو مدرسه متميزه في القياده وذلك اثر كثيرا علي مستوي قوات المظلات ، فتم ارسال الضباط المتميزين عسكريا في دورات الي روسيا

وفي 24 ابريل 1967 صدرت لي الاوامر بعمل دوريه استطلاع روتينيه في سيناء لتدريب الضباط علي محاور سيناء المختلفه ، وطرق التقدم وتعريفهم بالجبال والوديان

وكانت تلك دورة استطلاعيه عاديه ومكرره وتدريبيه في كل انحاء مصر

وصلنا في دوريه الاستطلاع الي مطار المليز وكان به لواء مدرع متمركز هناك ، وحاولنا دخول المطار لتحيه زملاءنا .

وقف جندي الامن امام البوابه مستفسر عن هويتنا ويطلب كلمه سر الليل – طبعا لم نكن نعرف كلمه سر الليل لاننا في دوريه استطلاعيه بعيدا عن دخول المطار وليس لنا ان نعرف كلمه سر الليل الخاصه بالمطار .

فأسقط في يدنا ، فماذا نفعل ، فتفتق ذهن احد زملائي في الدوريه وبدأ يتكلم بصوت حاد وطلب ان يتم استدعاء الشاويش المسئول عن امن البوابه والذي كان نائما في كشك الامن

فحضر الشاويش مهرولا ، فصاح فيه زميلي – انت مش عارف احنا مين ؟؟؟ فلم يرد الشاويش ، فقال له انا الرائد ناجي من لواء الجولاني ، استكملت انا – انا النقيب  عاطف من اللواء شيفع

فبهت الشاويش وامر الجندي بفتح ابواب البوابه لدخولنا فورا علما بأن الاسماء التي رددناها كانت لالويه مدرعه اسرائيليه ذائعه الصيت داخل القوات المسلحه المصريه ، وهذا الموقف وضح لنا تماما نوعيه القوات التي كانت في سيناء ومستوي القوات المسلحه المصريه عامه في سيناء والتي سمحت لنا بدخول اقوي واكبر قاعده جويه في سيناء لمجرد ارهاب شاويش امن البوابه بمصطلحات لم يفهمها .

ظللنا في سيناء لمده اسبوع وعدنا في الاول من مايو ففوجئنا بوجود لجنه تفتيش من القياده العامه للتفتيش علي كفاءه كتائب المظلات ، فقامت تلك اللجنه بمراجعه دفاتر الحضور والانصراف للجنود – وحضر الفريق اول هلال مساعد المشير ، واقيم له احتفال لائق ، وغادر الرجل تاركا بقيه افراد اللجنه لمراجعه كفاءه القوات ، فتم احضار لوحه مساحه متر في متر ، وتم رص افراد السريه ( 200: 300 فرد ) وتم اعطاء كل جندي طلقه واحده وطلب من السريه التصويب علي تلك اللوحه من مسافه قريبه ، ويتم الضرب في وقت واحد ثم يتم احتساب عدد الطلقات التي اصابت اللوحه من اجمالي من قاموا بالضرب ، فلو تعدي الرقم 50% تكون السريه ناجحه اما بقيه عمليات التفتيش والمراجعه فتمت بشكل صوري تماما جعلتني اري الهزيمه قادمه امامي من مستوي الاختبارات التي تم القيام بها ، فضلا علي انه لم يكن هناك اي نوع من التفتيش علي مستوي الضباط .

فمستوي كفاءه قوات المظلات تم احتسابه عن طريق طابور عرض عسكري ودفاتر الحضور والانصراف للطوابير ، وعن طريق ضرب نار بقوه سريه كامله علي لوحه كبيرة ومن مسافه قريبه .

واود ان اشير الي انه بعد هزيمه 67 فقد اختلف مستوي التفتيش وقياس مستوي الكفاءه القتاليه بشكل جزري واصبحت المعايير مختلفه وصحيحه واصبح هناك تفتيش علي الضباط وعلي كفاءتهم ايضا .

 


 

النكسه في شرم الشيخ

 

في 14 مايو 1967 صدرت الاوامر برفع حاله الاستعداد للحاله القصوي علي مستوي القوات المسلحه كلها ، وكان لدينا كتيبه فقط في اليمن ، فقواتنا كانت شبه مكتمله وعباره عن اربع كتائب مظلات .

ثم صدرت لنا اوامر بالاستعداد للتحرك الي مكان ما داخل جمهوريه مصر العربيه ، فبدأنا في التحرك بطائرات الهليكوبتر مي 6 وطائرات اليوشن 14 الي الغردقه ومنها  الي شرم الشيخ ، وبدأنا في الانتشار بجوار مواقع البوليس الدولي في شرم الشيخ .

القوة التي سافرت الي شرم الشيخ كانت عباره عن الكتائب 77 - 75  ومعنا العميد عبد المنعم خليل قائد وحدات المظلات ومعه العقيد محمود عبد الله مدير عمليات المظلات

وتم تشكيل قوة شرم الشيخ تحت قياده العميد عبد المنعم خليل وقوامها كتيبتي المظلات وتم تدعمينا بمدفعيه ساحليه وقوات خفر سواحل ، وقوات مدرعه خفيفه ، وقوات مدفعيه 155 ملم ، وبعد ذلك ظلت الكتيبتن الاخرتين في قياده وحدات المظلات بأنشاص .

وبدأنا في تنسيق العمل في قياده قوة شرم الشيخ وكنت مسئولا عن قياده استطلاع القوه وبدأنا في الاستطلاع من منطقه تسمي الان تبه كارتر بشرم الشيخ وكنا نطلق عليها النقطه 105 واستمررنا في وضع نقاط ملاحظه واستطلاع من النقطه 105 وحتي طابا بمحازاه الخليج ، مرورا بدهب ونويبع ، بحيث تكون نقط انذار واستطلاع لتحركات العدو المتوقعه تجاه شرم الشيخ .

وتحركت في دوريات استطلاع كثيرة خلال فترة صغيرة ، وتوقعنا تحرك العدو عبر تلك المناطق وخصوصا منطقه تسمي وادي كيد .

كان معنا زميل لنا اسمه طلعت حرب وقد شارك واسر في حرب 1956 في منطقه رأس نصراني وهي تسمي الان مدينه شرم الشيخ ، وقد قاتل طلعت حرب قتال مشهود له في الكتب والمراجع الاسرائيليه في الدفاع عن شرم الشيخ حتي أسر

وكان لوجوده معنا وهو له خبرة سابقه في المنطقه اثر حيوي جدا علي طرح افكار محتمله لتقدم القوات الاسرائيليه تجاه شرم الشيخ .

وكان قد وضع عام 56 كمين في وادي كيد ، واستطاع هذا الكمين وقف تقدم لواء ميكانيكي لمده طويله طبقا للمذكرات الاسرائيليه ، وعرض علينا قطع من جرائد اسرائيليه كانت معه تتكلم عن هذه المعركه البطوليه ، حتي تم اجبار القوات الاسرائيليه علي استخدام الابرار الجوي بعد ان فشلت في التقدم برا

تحركنا الي وادي كيد انطلاقا من دهب ، ووصلنا الي الوادي وبدأ طلعت حرب يشرح لنا معركته في 56 واماكن قيادته وكانت بقايا المعركه لازالت موجوده ، واشار لنا بأهميه هذا الوادي في تحرك قوات العدو في احتلال شرم الشيخ .

فقمنا بأستطلاع المنطقه جيدا بعد معرفه اهميتها ، وبدأنا في وضع خطط للدفاع عن شرم عبر هذا الوادي ، وفكرنا في التحرك مباشرة من الوادي الي شرم الشيخ لمعرفه مدي وعوره الطريق وكنا نستقل عربه مدرعه ، وفعلا وصلنا الي نقطه تشرف علي شرم الشيخ ، وكان طريقا جيدا ، وفعلا كانت معلومات مهمه ، فلولا وجود طلعت حرب معنا وهو له خبرة سابقه ، ما كنا قد عرفنا هذا الطريق السري للوصول الي شرم الشيخ ، ولم تكن الخرائط التي معنا تشير الي وجود طريق بهذه المنطقه .

استطلاع اخر قمت به ، قمنا به بالامر المباشر وكان معنا عناصر ضفادع بشريه ، حيث اصدر المشير عامر اوامر  ووصلها لنا احد افراد مكتبه – المقدم ابراهيم العرابي ( قائد الفرقه 21 المدرعه في حرب اكتوبر لاحقا – ورئيس اركان حرب القوات المسلحه فيما بعد)

كان الغرض من الاستطلاع هو أستطلاع جزيرة تيران لبحث مدي امكانيه تمركز قوات مصريه علي الجزيرة .

وعرفنا الغرض من احتلال الجزيره عبر رساله خطيه من الرئيس عبد الناصر الي العميد عبد المنعم خليل (( عزيزي منعم – قررت اغلاق مضيق تيران يوم 23 مايو )) فكان امامنا اقل من اسبوع لدراسه الموقف واصدار تعليمات جديده للقوات .

وكان مفترض عوده المقدم عرابي بقرار مرسوم علي الخرائط بكيفيه الدفاع عن المضيق واغلاقه .

فغادرنا شرم الي الجزيرة بطائره مي 6 وانزلنا منها عربه جيب للتحرك علي علي الجزيرة التي ظهرت ابعادها وهي عباره عن جزيرة صخريه مستويه طولها 7 كيلو وعرضها 14 كيلو .

وبعد الاستطلاع قدرنا الموقف ووجدنا ان فصيله مظلات وفصيله صاعقه بحريه كافيه تماما لاحتلال الجزيرة والدفاع عنها بكفاءه ، مع طلب وجود امدادات منتظمه للجزيره ووضع تعيينات لمده اسبوعين علي الجزيرة سواء مياه او طعام مع ربطه تليفونيا مع قوات شرم الشيخ .

وعاد المقدم عرابي للقاهره ومعه خرائط توزيع القوات بعد موافقه العميد عبد المنعم خليل عليها .

بدأنا في تحريك القوات ، وبعد يومين كانت الجزيرة قد تم احتلالها وتوزيع القوات بها ، وتم وضع تلك القوة في حساب الامدادات القادمه من الطور يوميا اذا امكن .

وقمنا بعمل تجارب علي غلق المضيق بمدافع ب 11 المضاده للدبابات ، وبدأنا التجارب في منطقه ضيقه جدا من المضيق ( خليج نعمه حاليا ) بهدف التدريب علي اغراق اي سفن تحاول العبور بعد اعلان غلق المضيق .

وكانت النتائج جيده ، فتم احتلال تلك النقطه والتدريب علي الاوامر الصادره بضرب طلقه امام اي سفينه للتحذير وطلقه خلفها بعد ذلك ، ثم يتلي ذلك ضرب علي السفينه نفسها في حاله عدم التزامها بالاوامر .

تزامن مع ذلك اصدار قرار بطرد قوات البوليس الدولي ، واستلمنا موقعه واستلمنا وحده تحليه مياه بحر ، وكانت امورنا مستقرة .

وطوال تلك المده كنت لا افكر بوجود حرب اطلاقا ، فلنا قوات كبيرة في اليمن وجيشنا ليس مستعد اطلاقا لحرب نظاميه .

فكنت متأكد ان ما يحدث هو مجرد تهويش او مظاهرة عسكريه من نوع مظاهرات الحرب النفسيه التي كنا نطلقها علي القبائل اليمنيه لردعهم .

حرب يونيو 1967

تحركت صباح الخامس من يونيو مصطحبا مجموعه من رجال المظلات بهدف امداد الفصيله التي قمنا بنشرها في جزيرة تيران ، وكان معي المرحوم هلال سلامه والمرحوم هلوده من الصاعقه البحريه ، وغادرنا شرم تجاه جزيرة تيران علي متن سفينه امداد حربيه غير مسلحه تقريبا أسمها ( العجمي ) .

وكان قائد الفصيله في تيران يسمي يسري العبد – ووجدناه يمر علي قواته فتركنا له عده امدادات وتركت له ورقه بها اوامر ورساله ليرد عليها .

ووسط طريق عودتنا وداخل مياه الخليج ، سمعنا اصوات الضرب وازيز طائرات ، فأستتنتجنا ان هناك شئ طبيعي ، فقام قبطان السفينه بفتح اللاسلكي باحثا عن ترددات الاذاعه المصريه ، وعن طريقها علمنا ببدء الحرب من الاذاعه ، فأسرعنا في العوده ، وتحركت فور رسو السفينه الي مقر قياده القوه باحثا عن اللواء عبد المنعم خليل قائد قوة شرم الشيخ لاعرف ما يحدث منه .

فوجدت ان اللواء عبد المنعم قد عقد اجتماع لقاده الوحدات لتقدير الموقف ، وكان الاجتماع قد انفض ، فعرفت من زملائي بعد الاجتماع بوجود ضربه جويه علي العدو وان الاوامر والتعليمات هي زياده اليقظه والاستعداد للقتال في اي وقت ، وكنا نتوقع هجوم للعدو مكررا سيناريو حرب 56 عبر وادي كيد عبر الطريق من طابا فقمنا بزياده الحرص والاستعداد لتقدم العدو ، او صدور اي اوامر مختلفه من القاهره بعمليات محدده .

وكان معنا لواء من البحريه قائدا للقوه البحريه في شرم الشيخ وكانت تشمل مدمره وزورقي طوربيد – وكانت اوامر القاهره للقوات البحريه هي الانتشار والتحرك دائما تمهيدا لعمليات هجوميه ضد ميناء ايلات

وطوال يوم 5 يونيو ، كانت الطائرات الاسرائيليه تخترق حاجز الصوت فوقنا بدون اي هجمات ، وتخلل تلك الطلعات طلعتي استطلاع ليله 5 يونيو وليله 6 يونيو ، لكن بصفه عامه كان الوضع هادئا للغايه في منطقه شرم الشيخ .

ليله 6 – 7 يونيو جمعنا اللواء عبد المنعم خليل واخبرنا في اجتماع موسع بأن أوامر القاهره هي انسحاب قوة شرم الشيخ الي السويس ، وكانت قوتنا تشمل حوالي خمس عشر الف ضابط وجندي ، وكانت التعليمات مقتضبه وسريعه بالانسحاب،

وللتاريخ فأن قرار اللواء عبد المنعم خليل في خطه التحرك الي السويس اعاد 98 % من قوة شرم الشيخ سالمه بأسلحتها الخفيفه والثقيله وجاهزة لتنفيذ مهام اخري ، وبعد تلك السنوات الطويله مازلت اشيد بقرارات اللواء عبد المنعم خليل التي تمت وفق العلم العسكري

((يرجي قراءه حوار اللواء عبد المنعم خليل للمجموعه 73 مؤرخين وبها تفاصيل التحرك من شرم الشيخ بلسان سياده اللواء ))

وايضا للتاريخ فأن ضباط القياده مثل الشهاوي ، وحسن سالم واحمد ناجي حسين ، والمهندس أحمد عطيه الذي دمر تشوينات الذخائر ، هؤلاء الضباط الاكفاء من قوات المظلات قادوا التحرك الي السويس بكفاءه شديده وانضباط شديد وكانوا اخر من غادروا شرم الشيخ بصحبه اللواء عبد المنعم خليل بنفسه

وعكس باقي وحدات القوات المسلحه التي صدر لها الامر بالانسحاب ، فأن قوات المظلات لم تعاني من اي درجه درجات عدم الانضباط خلال التحرك تجاه السويس ، لان مهام قوات المظلات الاصليه تكون في عمق مناطق عمل العدو لذلك فتدريبات قوات المظلات الاساسيه تشمل التقدم والانسحاب ايضا ، لذلك كان الانسحاب منظم ودقيق لانه تم التدريب عليه من قبل

واضطررنا لترك القوه التي انتشرت في جزيرة تيران ، بعد ان تم عمل اتصالات مع المملكه العربيه السعوديه بواسطه المشير عامر لاستضافه تلك القوه في المملكه نظرا لتعذر سحب تلك القوه بعد تحرك القوه البحريه المصريه الي عرض البحر في حاله الحاجه لسحبها .

عند وصولنا فجر السابع من يونيو الي الطور ، وصلت الكتيبه 81 مظلات قبلنا ووصلت سريه الاستطلاع التي اقودها ومعنا عده عناصر من المدرعات المدفعيه ، كل تلك القوه وصلت سليمه وكان معي محطه لاسلكي تسمي المحطه 104 وهي للاتصال بين اللواء عبد المنعم خليل والقاهرة .

وصلت الي الطور قرب اول ضوء الي الطور فوجدت الشهاوي يستقبلني علي الطريق ويوجهني الي المبني الذي يقيم به اللواء عبد المنعم خليل نظرا لحاجته الي المحطه للاتصال بالقاهرة .

توجهت الي سريتي وانتشرنا في الجبل شرق الخليج للحمايه والانتشار ، وانتشرنا فوق قمم الجبل كما تدربنا جيدا ، وتحتنا انتشرت وحده دفاع جوي مدفعي ، وبجوارها الكتيبه 81 مظلات انتشرت في ارض مزوعه ، وكنا في حاله استعداد كامل

في حدود الساعه 12 ظهر ظهرت اول غاره اسرائيليه علينا ، كانت 4 طائرات سوبر ميتسير وضربت منطقه المزروعات عشوائيا نظرا لعدم تمكنهم من رصد قواتنا علي الجبل او في الارض المزروعه لكنهم شاهدوا عربات منتشره فتوقعوا وجود قوات لنا في تلك المنطقه ، ومن فوق الجبل شاهدت الطائرات تضرب بالصواريخ ثم تعود لتضرب بالرشاشات ، وطلبت من رجالي عدم الضرب علي الطائرات بالاسلحه الصغيرة نظرا لعدم تأثيرها علي الطائرات وايضا لعدم كشف مواقعنا علي الجبل .

وانتهت الغاره بعد ان اصابت لنا من 3 الي 4 افراد فقط اصابات طفيفه احدهم كان الضابط ناجي حسين

وبعد الغاره وصل الي مندوب واخبرني ببدء المرحله الثانيه من التحرك من الطور الي السويس ، واخبرني بأن اتحرك كأخر قوه خلف الكتيبه 81 وقوه الدفاع الجوي والدبابات ، علما بأنه بعد تحركي المدروس ، ستأتي قوه اخره قادمه من شرم الشيخ للراحه والانتشار في الطور انتظارا لتحركها الي السويس بعدنا .

كانت اوامري هي التحرك الساعه الرابعه عصرا ، بعد ساعتين من تحرك الكتيبه 81 ، وقمت بحسابات دقيقه ، فغارات العدو الجويه بدأت علينا ولم تتوقف طوال الوقت ، فقمت بحساب زمن الغاره وزمن الراحه بين الغاره والاخري وكانت الفترة الزمنيه بين الغارات حوالي 15 دقيقه وكانت فترة كافيه لتحرك الرجال من فوق الجبل الي السيارات تحت الجبل ، وفعلا تحركنا علي الطريق خلف الكتيبه 81 ، وفتحنا الفواصل بين السيارات في الطريق لوجود غارات جويه مستمرة فوقنا .

وصلنا الي ابو زنيمه فوجدت أربع سيارات مدمره من سيارات الكتيبه 81 وحمدت الله انني وجدتها خاليه من الجثث ، مما يعني ان تلك السيارات قد تعطلت فهجرها افرادها الي عربات اخري سليمه ، وعندما وصلت طائرات العدو ضربتها خارج الطريق ، مما جعل تحركنا سهلا لان تلك العربات كانت خارج الطريق .

وبعد فترة صادقت سياره قادمه من السويس تحمل المقدم صلاح عبد الحليم سكرتير المشير عامر ، وتوقفت وسألني عن وحدتي واتجاهي وسألني عن اللواء عبد المنعم خليل واخبرته انه مازال في الطور يطمئن علي تحرك القوة .

فاخبرني بأن الاوامر الجديده تقضي بعوده القوات مره اخري الي شرم الشيخ ، وكانت اوامر مستحيله التنفيذ بكل معاني الكلمه ، فرفضت التنفيذ لان اوامري هي التحرك الي منطقه الشط غرب قناه السويس وانا انفذ اوامر قائدي ، فتركني المقدم صلاح واتجه الي الطور واستكملت طريقي (( علمت بعد ذلك ان تلك الاوامر كان مشكوك في صحتها ))

وبين ابو رديس ورأس سدر ، شاهدت معركه جويه بين طائرتين ميج 19 مصريه وبين طائريتن سوبر ميستير اسرائيليتين ، وشاهدت طائرتي العدو تحترقان في مياه الخليج وسقطت طائره مصريه وقفز الطيار منها ، فأرسلت احد ضباطي لانقاذ الطيار المصري واحضاره لي ، وفعلا حضر الطيار الذي يسمي سعيد شلس وعرفت لاحقا  انه استشهد خلال التدريب عام 68 .

وكان الطيار مصابا بكسور في ارجله فأصطحبته في سيارتي ومعي الفرد الطبي من السريه واعطينا الطيار عده حقن مسكنه حتي وصلنا الي السويس ، وقمت بتسليمه الي محافظ السويس لاحقا .

خلال طريقي احسست بالهزيمه فور وصولنا قرب ممر متلا عندما شاهدنا النيران تلف المضيق وطوابير الجنود المنسحبين سيرا علي الاقدام الذين بدأوا ينضمون لنا في سياراتنا طوال الطريق من رأس سدر وحتي القناه ، وشاهدت الجنود الذين يرتدون الجلاليب والملابس المدنيه وكانت حالتهم صعبه جدا ، فمعظمهم منهك وجائع

فور وصولنا الي القناه وجدنا جسر من جسور القوات المسلحه وعبرنا فوقه الي غرب القناه ، وهناك وجدنا الامور مرتبكه تماما ، وحاله من عدم الانضباط وسط المكان

وعرفنا ان الكتيبه 81 صدرت لها الاوامر فور عبورها بالتحرك تجاه القنطره ، وكانت الاوامر عشوائيه في توزيع القوات ، وغير معروفه المصدر الذي يصدر الاوامر .

تحركت الي السويس لايصال الطيار الذي معي ، وأصدرت الاوامر لضباطي بالانتشار بعيدا عن الكوبري في المكان الذي حدده لنا اللواء عبد المنعم خليل سابقا .

 لكن وبعد نصف ساعه كنت قد عدت الي مكان تواجد قواتي ، فوجدت ضابطا برتبه الفريق أول أسمه  محمد مصطفي ، ويرتدي ملابس عسكريه انيقه جدا ومهندمه تدل علي انها تلبس لاول مرة  ، وكان يستخدم التليفون الميداني في طلب سجائر ووسائل ترفيه للجنود العائدين وحوله العشرات من الجنود الغير منظمين يطلبون طعاما وماءا ، وكان منظرا غير مقبولا فنهرت الفريق عما يقوم به فهو يطلب سجائر وترفيه للجنود ويتركهم بدون سيطره وبدون طعام ، وكانني سقطت عليه من السماء كنجده له ، فأمرني الفريق بسرعه السيطرة علي الرجال وتنظيمهم بمساعده ضباطي وضباط الشرطه العسكريه .

 

 

فبدأت في العمل سريعا لتنظيم تلك الشراذم من الرجال لكن عملنا كان صعبا ، فالقوات المتحركه من سيناء اكبر من قدرتنا علي التنظيم فمهما نظمنا في الجنود الا ان الجنود الوافدين من شرق القناه يحتاجون الي تنظيم وطعام ، وكان مجهودا جبارا لي ولضباطي في محاوله تنظيم تلك القوات ،

كان اللواء عبد المنعم خليل قد وصل في الفترة التي كنت اتحدث فيها مع الفريق محمد مصطفي ، وقام اللواء عبد المنعم فور عبورة بأعطاء تعليماته بالتجمع للقوات وتحديد نقاط تجمع وتنظيم القوات طبقا للاصول العسكريه

وقد علمت بعد فترة ان سيادته قد تحدث مع المشير عامر ، واصدر له المشير تعليمات بتجميع كل ما تيسر من دبابات اللواء الاول المدرع المنسحب من سيناء سواء شرق او غرب القناه ، للقيام بهجوم مضاد ضد قوات العدو التي تم ابرارها جوا علي ممر متلا ، وكان يقود اللواء – عقيد محمود زكي عبد اللطيف فبدأ العمل لتنفيذ الاوامر

فتركت مهمه تنظيم القوات وبدأت في تجهيز سريه الاستطلاع التي اقودها للتحرك شرق القناه لاستطلاع ارض المعركه التي كلف بها اللواء الاول المدرع

لكن كل هذا المجهود ضاع هباءا عندما وجدت قوه من المهندسين العسكريين تفجر منتصف الكوبري تماما بدون سابق انذار تنفيذا لتعليمات المشير ، وقتها تحول الموقف الي هرج ومرج ، فألقي الجنود شرق القناه بدباباتهم في مياه القناه لكي يدمروها ويعبروا سباحه والقي الاخرين بأنفسهم في المياه ، فقد ظن الجميع ان الموقف قد انتهي وان القوات الاسرائيليه خلفهم ، وفي رأيي ان نسف الكوبري كان خطأ جسيما في التوقيت ، لانه زاد من خسائرنا بدون داع ، فما زال لنا الاف من القوات تتحرك من سيناء تجاه الكوبري الذي تم تدميرة .

وكان موقفا غريبا فمن اين يصدر لنا المشير عامر بالتحرك الي متلا مع اللواء الاول المدرع وفي نفس الوقت يصدر المشير امرا بنسف الكوبري !!!! وحتي الان انا علي يقين تام ان المشير عامر لم يكن في وعيه عند اصدار تلك الاوامر المتضاده ، وايضا كان هناك عدد من القيادات أصدرت اوامر شخصيه بأسم المشير عامر فكانت الاوامر تصدر منها علي انها اوامر المشير عامر – وحتي الان لا احد يعرف علي وجه الدقه ما الذي حدث .

بعد ساعتين بدأنا في استطلاع المنطقه حولنا ، فبعدنا عن القناه الي غرب القناه في منطقه تسمي الشلوفه ، وبها منطقه مقابر ، امرنا اللواء عبد المنعم خليل بالتجمع هناك بعيدا عن الهرج والمرج قرب القناه لاعاده تنظيم قوات المظلات انتظارا لاوامر جديده .

كانت عقارب الساعه تشير الي الثامنه الا خمس دقائق يوم الثامن يونيو وكنا بداخل مقابر الشلوفه فتجمع عدد من ضباط المظلات بجواري مصادفه ، وبدأنا في استعاده الاحداث التي مرت بنا ، وبجوارنا جندي معه راديو ترانزستور وسمعنا من صوت مذيع في الاذاعه يقول قبل اذاعه القران الكريم علي محطه مصر (( هذه سيناء يا ابن ديان – صول وجول فيها يا ابن ديان – وعلي الباغي تدور الدوائر- مع القران الكريم ))

سمعنا تلك الكلمات التي اتذكرها منذ ما يقرب اربعين عاما ، وبكينا جميعا بحرقه فقد كانت المره الاولي التي نستمع فيها الي الاذاعه ووقتها علمنا ان مصيبه كبيره قد حلت بمصر.

كان معنا الضابط طلعت حرب ، وكان عقله عمليا وغير عاطفيا ، فصاح فينا متسائلا عن سبب بقائنا في تلك المقابر ، فالسويس علي وشك التهديد والسقوط ويجب ان نتحرك لحمايه السويس .

سمع اللواء عبد المنعم خليل كلمات طلعت الغاضبه والتي كان بها الكثير من العبارات المنتقده ، وسألنا عما نقوم به مع بعضنا البعض ، فكل منا لديه مهمه ومكان بعيد عن الاخر ، وامرنا بالتحرك الي اماكننا

ورد طلعت ردا قاسيا (( طول عمركم مش عايزين تسمعونا – مش عايزنا نتكلم – لما البلد خربت – اسمعونا مرة )) وكرر اقتراحه بالتحرك وتأمين السويس

ومرة اخري وللحق والتاريخ ، لولا سعه صدر اللواء عبد المنعم خليل لكان رده علي كلمات طلعت حاده جدا ، ورد عليه بهدوء ان التحرك تجاه السويس قرار فوق قدراته ، وان الاوامر قد صدرت له منذ فترة بالقيام بهجوم مضاد ، وانت تطلب التحرك تجاه السويس ، وان كل ضابط يجب ان يقوم بما يؤمر به .

بعد فترة ، وبعد ان مررت علي قواتي ، وجدت الجنود يخبروني بأن اللواء عبد المنعم خليل يطلبني حالا في مبني محافظ السويس ومعه طلعت حرب زميلي في الكتيبه .

فتحركت علي الفور الي مبني المحافظه ، وفي مكتب المحافظ وجدت اللواء عبدالمنعم خليل ومعه المحافظ امام خريطه للسويس واخبرني بأنه قد اخذ القرار بالدفاع عن السويس ولانها بلدي ومسقط رأسي واعرفها تماما فقد قمت بالمشاركه بالمعلومات في وضع خطه الدفاع عن السويس ، والتي لم يكن بها اي قوه دفاع شعبي او خطه للدفاع عنها ، فقد كان العدو الاسرائيلي قد بدأ في اطلاق نيران اسلحته الصغيرة تجاه السويس لاخبارنا بأنهم قد وصلوا لشرق السويس .

فتم وضع خطه لتأمين مداخل ومخارج السويس وفي وسط المدينه احتياطي عام يقوده طلعت حرب وانا مساعده ومعنا مدافع ب 10 وب 11 المضاده للدبابات ومعنا سريه الاستطلاع وسريه مظلات ومعنا اسلحه هاون الكتيبه .

وكان تمركزنا الاساسي في معسكر الحرس الوطني في وسط السويس بجوار ملعب لكره القدم حيث قمنا بتخزين الذخائر والعربات لاحتياطي الدفاع عن السويس .

في نفس الوقت تحركت كتائب المظلات الاخري الي انشاص والقنطرة ولدينا كتيبه في اليمن وهناك كتيبه تحت الانشاء ، لكننا قمنا بالواجبات المكلفه وفق الاماكنيات

وقمنا بعمل معسكر للشاردين في بورتوفيق وجمعنا قوارب للعبور لتجميع الجنود الغير قادرين علي العبور سباحه وارسلنا جنودا لجمع الجنود من قرب القناه ، ثم تجميعهم في المعسكر وارسالهم للوحدات المتواجده علي الخط الامامي للقناه .

وبدأنا في نفس الوقت في اغلاق محاور السويس بواسطه ما تيسر من العربات المدرعه المتاحه ودبابتين كانوا معنا في المدينه ووضع المدافع المضاده للدبابات في كل الاماكن المتوقع اقتراب العدو منها .

كانت خطه الدفاع عن السويس تحسن يوما بعد يوم ، حتي وصل احد رجال مجلس قياده الثورة لقياده الدفاع الشعبي عن السويس وبدأت العجله تدب في السويس لاحكام الدفاع عنها

حدث في احد الايام ان استقبل زميلي حسين كامل احد الشاردين وكان ضابط مصاب بضربه شمس ومجهد جدا وتم نقله الي المستشفي بدون معرفه شخصيته ، ومال الضابط علي زميلي وسأله عن سلاحه فرد زميلي بأنه من المظلات فقال له الضابط (( قول لعبد المنعم خليل ان العميد كمال حسن علي موجود في المستشفي )) ووصلت الرساله الي اللواء عبد المنعم خليل وكانت الاوضاع هادئه نوعا ما ،وكان في اجتماع مع محافظ السويس ، فأمر بأرسال باقه زهور علي الفور الي العميد كمال حسن علي ، علي ان يقوم بزيارته فور انتهاء الاجتماع ، وكانت لفته طيبه جدا من زملاء دفعه واحده وتدل علي دماثه الخلق التي كانت سائده بين هؤلاء الرجال العظام حتي وفي وقت الحرب .

وذهبت مع اللواء عبد المنعم خليل لزياره العميد كمال حسن علي ، وعند لقاءهم كان مؤثرا جدا ، وطلب العميد كمال حسن علي التوجه للقاهرة فورا ، ووعده اللواء عبد المنعم خليل بذلك فور سماح الاطباء له بذلك ، وفي اليوم التالي وافق الاطباء علي نقل العميد كمال حسن علي الي مستشفي المعادي وكان اللواء عبد المنعم خليل وانا متواجدين في وداعه .

وبعد فترة قصيرة وفي أول يوليو 67 تم تسليم مدينه السويس الي الدفاع الشعبي للدفاع عنها ، وتحركت بقوتي الي معسكرات المظلات بإنشاص ،ووصلت الكتيبه 79 مظلات لتحل محلنا .

ومما يجب ان يعرفه الجميع اننا طوال فترة تواجدنا في السويس كنا نناوش العدو عبر القناه وكنا لا نترك عربه تتحرك امامنا علي الضفه الشرقيه للقناه الا واطلقنا عليها النار ، فحتي ذلك الوقت لم يكن هناك ساتر ترابي ، وكنا نري ما يحدث علي الضفه الشرقيه بوضوح تام .

ما بعد النكسه

بعد عودتنا الي إنشاص ظللنا فترة بالمعسكر ، وفي العاشر من  يوليو 1967 صدرت الاوامر بتشكيل قوه ، عمادها الرئيسي من المظليين من الكتائب 75- 77  وعناصر استطلاع ومدفعيه وكتيبه دبابات والفوج الاول سيارات حدود ، واتم اطلاق اسم (( القوه المنفصله )) لكي تتحرك وتحتل منطقه بير عديب وهي منطقه جنوب السويس وشمال العين السخنه ، وعينت رئيس استطلاع تلك القوه وكان قائد القوه العقيد الحسيني الديب .

وكانت تلك المنطقه تمتد لمسافه 33 كيلو متر وهي عباره عن وادي بين جبل الجلاله وجبل عتاقه والشاطئ المقابل لها في خليج السويس صالح تماما للانزال البحري ، وكان يوجد بها فندق السخنه القديم .

وأما عن  مهمتنا فقد كانت هي وقف اي محاوله للعدو للانزال علي تلك المنطقه وتطويق السويس او التقدم عبر طريق بير عديب الترابي الي جنوب القاهرة مباشره ، وتم تدعيمنا بعناصر من الضفادع البشريه لوضع الغام بحريه وشراك خداعيه تمنع العدو من الوصول للشاطئ ، وتدعمينا بفوج دفاع جوي خفيف لوقف اختراقات العدو الجويه والتي كانت مستمرة من هذا الوادي الواسع تجاه القاهرة ، ففي ذلك الوقت كانت سماء القاهرة مباحه تماما لطيران العدو .

ونظرا للضعف الشديد في الدفاع الجوي فقد استخدمنا اسلحه غربيه كانت موجوده في المخازن من فترة ما قبل الثورة ، واستخدمنا المدافع الاورليكان السويديه في الدفاع الجوي ، لانه لم يكن هناك بدائل متاحه في الدفاع الجوي ، ورفعنا كفاءه تلك المدافع وتدريب الرجال ، واستخدمنا مدفعيه كتائب المظلات المضاده للطائرات فوق شاليهات احد الشواطئ السياحيه المهجورة بحيث يتغير مكانها كل فترة لمفاجأه العدو .

فالحرب لم تكن عشوائية التخطيط او التدريب ، بل كان هناك مجهودا كبيرا تم بذله كي يتم الاعداد السليم للقوات ،

الاحتياطي رقم 6 والاحتياطي رقم 6أ وكانوا متمركزين في الاقصر علي سبيل المثال ، ومدعم بطائرات هيلوكبتر كي يغطي منقطة الاقصر لصد اي ابرار جوي متوقع للعدو في تلك المنطقة ، وكان التخطيط والادارة لتلك القوات ممتازا وكان يقود تلك القوات في تلك الفترة الفريق سعد الدين الشاذلي حيث كان له شخصية قوية وخبرات جيدة ، وبسبب عمله الجيد فكر فيه الرئيس جمال عبد الناصر كي يجعله في قيادة منطقة البحر الاحمر حيث كان العدو يقوم بابرار جوي لبعض قواته فكانت تنزل وتقوم باعمال تخريبية في تلك المنطقة ، وفور ان جاء الفريق الشاذلي الي تلك المنطقة اعاد ضبط وتنظيم قوات المظلات والصاعقة ، وتصادف في تلك الفترة وجود معركة شدوان في منطقة البحر الاحمر وقد ادارها الشاذلي بجدارة واستحقاق وحافظ علي امن وسلامة قواته ، ومنع العدو من القيام بعملياته التخريبيه ولم يكررها بعد ذلك في منطقة البحر الاحمر .

قيادة الصاعقة والمظلات

كان الفريق الشاذلي قد جمع قيادة قوات الصاعقة والمظلات معا لظروف تنظيم المعركة ، ولأمانة السرد لم يكن الفريق الشاذلي يحابي للمظلات علي حساب الصاعقة او العكس ، وكانت تلك الفترة غنية جدا ومفيدة لكلا القوتين ، فاستفادت كل قوة من الاخري وحدث تبادل للخبرات كبير بسبب اختلاف التجارب بين الصاعقة والمظلات ، وكانت ضرورات الموقف وقتها تتطلب دمج القوتين ولكن تم فصلهما عن بعضهما البعض بعد الحرب وحتي الان وذلك افضل حيث ان كل قوة تعتبر مدرسة مختلفة عن الاخري .

دور الصاعقة والمظلات

يتمثل دور الصاعقة الرئيس هو عمل ( دورية – اغارة – كمين ) ، وتخصصت الصاعقة في تلك الاعمال وهي وتندرج تحت بند الاعمال الخاصة وتقوم بها داخل عمق العدو ، وتنقل قواتها اما بريا او بابرار جوي بطائرات الهيلوكبتر ، ولكنها لا تستطيع القيام باعمال قتالية ممتالية مثل المشاة  ، كالاحتفاظ والدفاع بالارض ، او عمل تطوير للهجوم او القيام بهجوم مضاد فهي مجموعات قتالية ليست ذات عدد كبير وتبرع في الاختفاء والاغارة والارتداد .

وعلي عكس ذلك تأتي قوات المظلات ، حيث انها في الاصل قوات مشاة مدربة علي مستوي عال ولكنها قوات تتميز في نفس الوقت بان يمكن نقلها واسقاطها مظليا او ابرارها جويا كذلك خلف خطوط العدو ، وتقوم باعمال قتالية مثل المشاة وتستطيع ان تقوم باعمال قتالية متعددة مثل التمركز والدفاع والهجوم والهجوم المضاد وما الي ذلك ، حيث ان المظلات تمتلك مدفعية هاون ودفاع جوي ضد الطائرات قصير المدي ، وكلا القوتين عنصر كفئ لقواتنا المسلحة ، وكلاهما لهما روح معنوية وكفائة قتالية عالية ويكملا بعضهما بعضا .

وفي الفترة بعد وقف اطلاق النار وحتي حرب اكتوبر 73 لم تقم قوات المظلات باي اعمال قتالية مع العدو ، وتم التركيز تلك الفترة علي تنظيم قوات المظلات وزيادة معدلات التدريب في الاسقاط والاسقاط الثقيل كي يتم رفع مستوي القوات ، وتم عمل لوائين اقتحام جوي تم استخدام واحد منهما في القتال في حرب 73 وهما اللوائين 28 واللواء 150 اقتحام قوي ، والتي كان من ضمنه الكتيبة 85 مظلات والتي كان دورها الاسقاط والاقتحام الجوي.

وفي اخر عام 69 انضممت علي الكتيبة 85 مظلات بقيادة اللواء حسن الزيات  ، وكنت رئيس العمليات في الكتيبة 85 ، وبدأنا في رفع كفائة الكتيبة حيث قمنا وقتها بعمل مشروع قتالي بالقوات في طريق القاهرة-الاسماعيلية وتدربنا علي الاسقاط والاسقاط الثقيل لأول مرة ، وبعد ذلك انضممت لفترة مؤقته علي قيادة القوات الخاصة ، في فرع العمليات ، ظللت في قيادة الصاعقة حتي عدت الي الكتيبة 85 مظلات وكان ذلك في اوائل عام 1971 .

وعندما عدت لقيادة الكتيبة 85 كرئيس العمليات ، وجدت انها ستقوم بعمل معسكر تدريبي لمدة 30 يوما في كوم اوشيم ، حيث كانت تنفذ مشروعا تدريبيا بالذخيرة الحية هناك علي هدف تدريبي ، وذهبت للواء نبيل شكري واعطيته التمام بالاستعداد للتحرك ، ولكن وجدنا ان هناك بعض سيارات النقل في الحملة التي ستنقل الكتيبة  في حالة غير جيدة وبها بعض الاعطال ، ولكننا كنا مرتبطين بموعد الانطلاق ، فأمرت قائد الحملة بان ينطلق في الموعد المحدد حتي مع وجود تلك السيارات المعيبة ، واخبرت نبيل شكري بذلك الامر ، فضحك وقال لي ان اللواء يطلبك ، فدخلت للواء وقال لي انه اتخذ قرار بتعييني قائدا للكتيبة 85 مظلات ، وقال لي اني ان شاء الله سأكون من انجح قادة الكتائب !!

فنظرت خلفي لنبيل شكري ووجدته يضحك ، وقال لي الحق كتيبتك حصلها في كوم اوشيم ، وبعدما رأست الكتيبة تم تعيين احمد بدوي السيد احمد كرئيسا لعمليات الكتيبة .

وفي صباح ذات يوم بعد ترأسي الكتيبة وبعد ان انهيت طابور التمام للقوات ، وجدت ضابطا مرسل من القيادة يدخل مكتبي ومعه مظروفا وعندما فتحته وجد انها مهمة قتال من القيادة ، واعطي لي فتر ة 45 دقيقة كي اتخذ قرارا بشأن العملية وكيفية الاعداد والتنفيذ ،

ووجدت معه مجموعة من هيئة التدريب كي يتابعوا سير المعركة ، قرأت المهمة بسرعة ووجدت انها مشروع تدريبي سأتحرك فيه برا من انشاص حتي مطار الماظة ، واعطوا لنا مجهود جوي مقداره  38 طائرة هيلوكبتر ، ستنقل الكتيبة المدعمة وسنهبط في مطار اسيوط للتزود بالوقود ثم بعدها سنهبط في مطار الاقصر ، ثم نتحرك مع اخر ضوء من الاقصر ونقوم بابرار علي مضيق جبلي مشابه لمضيق متلا ، والمهمة هي احتلال المضيق وتأمينه واعمال القتال ستكون كلها بالذخيرة الحية .

طبعا فوجئت بالمهمة التدريبية ، واعطيت الاوامر فورا للكتيبة كي تستعد للتحرك واعد الرجال شدة الحرب ، وكانت المجموعة التي جاءت مع الضابط تقوم بتقييم كيفية حدوث التنقل والكفاءه التي تتحرك بها القوات وتقييم الكتيبة اثناء التنفيذ ، بدأنا في مراجعة مستلزمات الكتيبة وقمنا بتنظيم القوات وتحركنا بشكل دقيق حسب الخطة حتي وصلنا الي مطار الماظة ، ووجدنا الطائرات الهيلوكبتر ونقلتنا الي مطار اسيوط للتزود بالوقود ، وعند وصولنا لاسيوط وجدت الكاتب عبده مباشر الذي يكتب حاليا في الاهرام ، وكان وقتها مراسلا حربيا وكان مرافقا لي في طائرتي ، وقال لي اثناء التدريب : هل تعتقد اننا سنعيش حتي نري قواتنا وهي تنتصر وتحرر ارضا ؟ قلت له نعم انا واثق من ذلك ، اتذكر كلمته لي ونحن في الطائرة جيدا فكانت القيادة قد اتت باشخاص من الاعلام كي يتابعوا تنفيذ المشروع التدريبي .

كان المشروع التدريبي يهدف الي محاكاة وضع الحرب بكافة مشكلاتها مثل فقدان الاتصال او حدوث شوشرة من العدو ، فكان مقررا في التدريب ان يتم تعطيل طائرتي في وسط التدريب ، وقد كان ، وكان معي رئيس عمليات الكتيبة في نفس الطائرة ، وعندما بدأنا نهبط في منطقة الهدف ، قال لي الطيار ان طائرته لن تستطيع الهبوط وسوف تعود مرة اخري لمطار الاقصر ، وعاد بنا وكان ذلك موقف ادارة معركة وتدريب علي ماذا سيحدث في حالة فقدان قائد الكتيبة من الاتصال بها ..

وكنا قد تدربنا جيدا علي ذلك الامر ، فقد قام اقدم قائد سرية ” حسام كمال خير الله ” بالاتصال بي وعند عدم حدوث اتصال مباشر فكان عليه الاتصال مع بقية زملائه قادة السرايا ” مصطفي كامل – يسري الشماع ” والتأكد من فقدان القائد ، ولو تم تأكيد فقدان الاتصال فسوف يكون اقدم كائد سرية وهو حسام هو القائد حتي وصول قائد الكتبية للمعركة ، وقد قمت بعد عودتي لمطار الاقصر باخذ سيارة جيب وقطعنا مسافة تقرب من 130 كيلو في ساعة ونصف حتي وصلت لموقع الكتيبة واتصلت بهم وعرفت موقعهم وانضممت لهم بعد ذلك وقدت الكتيبة فورا حتي صباح اليوم التالي مدافعين عن القوات الهيكلية التي تهاجمنا .

وفي اليوم التالي عندما وصلت لموقع انتهاء المهمة ، وجدت هيئة قيادة القوات المسلحة ممثلة في هيئة العمليات فرع التدريب التعبوي وهيئة تدريب القوات المسلحة ، فالتقيت معهم وهنأوني بانتهاء التدريب بنجاح كبير ، وانهينا المهمة تماما في اخر اليوم وانتظرنا الطائرات الهيلوكبتر حتي تأتي وتقلنا ، واتوا حوالي الساعة 3 عصرا ، واعادتنا الطائرات الهيلوكبتر حتي انشاص وهناك تم توزيع جوائز التفوق .

 ، واذكر واقعة اني عندما كنت في رئاسة الكتيبة ، كان قد تم ترشيحي لدخول فرقة اركان حرب ، وكنت وقتها في الجبل مع القوات ، ففوجئت ان الامتحان بعد ايام قليلة ولم استعد جيدا للامتحان ولم انجح للاسف في تلك الفرقة بسبب انشغالي مع القوات في العمليات ، وتم ترقيتي لرتبه مقدم وقتي بناء علي توصيه من اللواء الشاذلي كي اتساوي مع زملائي بقية قادة الكتائب ، وظللنا في الكتيبة حتي حرب اكتوبر 73 في اعداد الرجال للقتال .

قبل ان ادخل في الحرب يجب ان ارسل تحية خاصة لارواح شهدائنا في القوات المسلحة المصرية وخاصة شهداء المظلات ، لان شهدائنا جزء من تاريخ مصر ، وعندما نتذكر شهدائنا فاننا نتذكر تاريخ مصر كذلك ، وكذلك اريد ارسال تحية اجلال وتقدير للاعمال القتالية الذي تم تنفيذها علي جبهة القناة منذ النكسة حتي طلائع حرب 1973 ، فكانت تلك الاعمال البطولية لها اثرا كبيرا في ارتفاع الروح المعنوية لبقية الجنود وبقية الشعب المصري داخل ارضها ، واتمني ان تكون الدروس المستفادة والخبرات القتالية المكتسبة التي حصلنا عليها خلال حرب الاستنزاف ، ان تكون تلك التجربة هادية ومرشدة وقائدة لكل قيادات مصر سواء كانت قيادة مدنية او عسكرية ، لان روح اكتوبر هي روح قمة التعاون والتفاني في اداء العمل لكل عامل علي ارض الوطن .

كانت مهام قوات المظلات التقليدية هي الاسقاط المظلي داخل خطوط العدو ، لاحتلال مناطق حيوية امامية مواجهة للعدو  ، مثل مراكز القيادة او المطارات ، او مناطق مرور حيوية مثل الممرات والمضايق الجبلية كي نسهل مرور قواتنا وكي نحرم قوات العدو من تلك المناطق الحيوية ، وبذلك الشكل نستطيع تشتيت احتياطيات العدو وفي نفس الوقت ننتظر وصول قواتنا حتي تلحق بنا ، فكانت تلك المهام التي نتدرب عليها باستمرار هي مهمتنا بطبيعة الحال في حرب اكتوبر ، فكنا نتدرب علي الاسقاط المظلي علي ممر متلا ، فكنا نتدرب علي مناطق شبيه بتلك المناطق ، واحتلاله والدفاع عنه حتي تأتي بقية القوات .

وبحلول مارس 1972 ونحن نقترب من حرب اكتوبر ، كان لي احد زملائي وكان في هيئة عمليات القوات المسلحة ، وجدته يقول لي باهتمام شديد “ اعطي وابذل كل مجهودك في التدريب ، فالمعركة قاب قوسين او ادني “ ، وبالفعل كان السادات يفكر في تلك الفترة في الحرب بشكل جدي ولكن تم تأجيل القرار حتي عام 73 ، وكانت فترة الاستعداد قبل حرب اكتوبر هي من اغني فترات الحرب ، واذكر ان هناك 14 ضابطا من خريجي الكلية الحربية جائوا وانضموا للكتيبة وقد شاركوا ببسالة في الحرب .

كانت هناك كذلك عددا من المشاكل الموجودة في الكتيبة والتي تم معالجتها في فترة الاستعداد للحرب ، مثل كيفية التجمع والتحرك ومتابعة التحركات لكافة السرايا المختلفة ، فادخلنا نظام تمييز لخوذات السرايا ، وادخلنا نظم ضوئية كي يتم تمييز مناطق الهبوط وكيفية تتبع السرايا ، وكذلك طورنا مدي القاء القنابل اليدوية للجنود حيث بدلا من كانت 20 مترا فادخلنا نظام قذف القنابل اليدوية من فوهات البنادق فزدنا مدي رمي القنابل اليدوية بشكل كبير وفعال ، وحدثنا من طريقة حمل المدافع الرشاشة والمدافع المضادة للطائرات ، وكانت هناك حيوية كبيرة في التشكيلات وارادة وتصميم لفعل كل ما هو مطلوب كي نكون مستعدين للحرب بشكل جدي .

وبحلول شهر سبتمبر  بدأنا برفع درجات الاستعداد للكتيبة ، فمنعت الاجازات وبدأنا نستكمل الاسلحة  التي تحتاجها الكتيبة ، وبدأنا نقوم بعمل تفتيشات الحرب ، وتم اعداد الكتيبة بشكل اكثر لعمليات الاسقاط حيث كانت هناك عملية تدريب استراتيجية علي مستوي القوات المسلحة كلها حدثت قبل يوم 15 سبتمبر ، كانت من اكبر واهم الامور بالنسبة لكتيبة المظلات اثناء التدريب علي الاسقاط المظلي هو تنظيم وتجهيز وتشوين التعيينات من الطعام  والذخيرة واحتياجات القتال، حيث كانت قوات المظلات بطبيعة عملها تسقط داخل عمق العدو وستعتمد اعتمادا كليا علي مخزونها فقط ويجب ان يتم اعداد ذلك المخزون بشكل كافي للقوات .

وكانت مهمه الكتيبه 85 في الحرب القادمه هي مهمه اسقاط جوي فوق مضيق متلا في اول ايام الحرب ، وتم تجهيز تعيينات ووقود وطعام لقوه الكتيبه تكفي ليوم واحد قتال يتم ابرارها مع القوات في اول ايام القتال ، علي ان يتم امداد الكتيبه بالامدادات جوا بعد ذلك .

وبدأت قوة الكتيبه في الانتشار حول منطقه بلبيس وانشاص طبقا للخطه علي ان تكون كل قوه الكتيبه جاهزة للتحرك الي المطار في اي لحظه لبدء التحميل والاقلاع لتنفيذ المهام .

وسمعنا في الاذاعه بخبر الحرب يوم السادس من اكتوبر ، وكنا علي يقين بالنصر مع اول بيانات القتال ، وكنا في شوق ولهفه  للقتال ، ورغم ان مهمتنا من المفترض ان تبدأ مع اول ساعات القتال كما تدربنا من قبل الا ان ايام الحرب مرت علينا ونحن في اماكن انتشارنا حول انشاص وبلبيس بدون اي اوامر قتال .

وفي يوم 15 أكتوبر صدرت الاوامر للكتيبه بالتحرك الارضي بدلا من الابرار الجوي ، وكانت مهمه مفاجئه وصعبه فجميع معدات واسلحه الكتيبه الثقيله مشونه في صناديق ومجهزة للابرار الجوي ، وكانت كل افراد الكتيبه منتشره ، فتم استدعاء السريه الاولي مظلات للقيام بواجب فك تلك الصناديق وتشوينها في سيارات للتحرك الارضي ، وتم ذلك بسرعه غير طبيعيه ، لرغبه الرجال في التوجه للقتال بسرعه ، وفعلا وبعد وقت قياسي اصبحت الكتيبه جاهزة للتحرك .

وفي يوم 16  تم استدعاء المقدم عاطف منصف لقياده وحدات المظلات ـ وتم تكليفه من قبل العميد محمود عبد الله قائد قوات المظلات والعقيد اسماعيل عزمي قائد اللواء التابع له الكتيبه بمهمه محدده .

فقد تم تكليف الكتيبه بمهمه للتحرك الي الدفرسوار لمهاجمه عدد من دبابات العدو التي تسللت في المنطقه .

وكان استخدام كتيبه المظلات برا بدون ابرار جوي يعني انها وحده مشاه خاصه مدعمه ، وكانت الكتيبه قد تدربت سابقا علي التحرك برا للعبور علي الجسور وللانطلاق تجاه مضيق الجدي كأحد المشروعات التدريبيه قبل الحرب

لذلك لم تكن تلك المهمه غريبه علي قياده الكتيبه ، وكانت التعليمات الصادره من قياده المظلات محدده وواضحه وهي التحرك برا علي طريق الاسماعيليه القاهره الصحراوي وعند علامه الكيلو 35 من الاسماعيليه يتم التوجه للعميد المرحوم احمد عبود الزمر قائد الفرقه 23 مشاه ميكانيكي والتي تحركت من القاهره لاحتواء الثغرة .

وبعد ساعتين من الاوامر ، تحركت الكتيبه في الثانيه ظهرا يوم 16 اكتوبر بعد عمليه تنظيم تعاون مع قاده سرايا الكتيبه ودعمنا بعدد من افراد قياده اللواء.

وتحركنا من انشاص الي طريق الاسماعيليه ، ورصدنا بعد وصولنا تحرك دبابات وغبار كبير ، فقمنا بعمل استطلاع لاحتمال الاشتباك مع اي دبابات معاديه نظرا لوجود معلومات بوجود دبابات معاديه وغير معروف امكانها .

افاد قائد استطلاع الكتيبه بأن تلك الدبابات تحمل علم الفرقه 23 ميكانيكي وانها دبابات روسيه الصنع وعلمنا بعد ذلك انها دبابات اللواء 23 مدرع من الفرقه 23 ميكانيكي ، فأستمررنا في التحرك بعد ان كنا قد اتخذنا تشكيل قتال.

وفي الساعه الخامسه ظهرا وقت المغرب ، وصلت الكتيبه الي منطقه تقاطع عثمان احمد عثمان ( يوجد بها الان محطه رسوم طريق الاسماعيليه ) وهو تقاطع طرق هام يؤدي الاي الاسماعيليه شمالا والي الدفرسوار شرقا .

وتقابل المقدم عاطف منصف قائد الكتيبه 85 مظلات  مع العميد احمد عبد الزمر قائد الفرقه والذي كان يتناول افطاره في تلك الفترة (( استشهد العميد احمد عبود الزمر بعد هذا اللقاء بساعات في معركه بطوليه ضد الدبابات الاسرائيليه ومات تحت جنزير احد الدبابات بعد ان رفض ترك المعركه ))  

ويصف اللوء عاطف منصف ( المقدم وقتها ) ما حدث بالتفصيل

وقام العميد الزمر بأعطائي  صورة عن الموقف واوضاع القوات ونتائج الاستطلاع لكي يتم تنظيم التعاون بين قوة المظلات وقوته في احسن ما يكون .

وشرح لي ان اللواء 116 ميكانيكي بقياده الشهيد حسين رضوان يقاتل في منطقه عند تقاطع منطقه سرابيوم ، وان اللواء قد وقع في كمين لقوات اللواء 116 وان اللواء خسر خسائر عاليه في تلك المعركه ، مما ادي الي استشهاد العقيد حسين رضوان قائد اللواء ، وكان العميد الزمر محبطا مما حدث للواء 116 ، واستكمل العميد الزمر ان دبابات العدو التي تم رصدها هي خمس دبابات تم تدمير واحده منها وان العدو يتبقي له اربع دبابات!!!  

وخصص العميد الزمر للكتيبه 85 مظلات مهمه تمشيط الطريق حتي الوصول الي المركز المتقدم لللواء 116 ، وكان الليل قد اسدل ستائره ، وقمنا بتخصيص المهمه للقوات ، في تلك الاثناء استكمل وصول اللواء 23 مدرع من القاهرة .

ورغم ان المهمه التي كلفت بها الكتيبه لم تكن تتناسب مع طبيعه عمل الكتيبه او مع الجو العام للقتال حيث ان عمليه تمشيط بقوات مترجله ليلا لمسافه تصل الي 25 كيلو متر ، كانت ستكون بطيئه جدا ومهلكه للرجال ، الا ان تحفز الرجال للقتال جعلهم يتغلبون علي تلك المشاكل طمعا في مواجهه العدو في اسرع وقت .

وبينما رجال الكتيبه تستعد للتحرك ، تلقي قائد الكتيبه اتصالا من الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس اركان حرب القوات المسلحه وأستفسر الفريق الشاذلي عن وضع الكتيبه ، ثم اعطي اوامره بعدم تنفيذ اي مهام الا قبل الرجوع له مره اخري .

وقمت بوضع القوات في تنظيم التحرك وفتح تشكيل قتال يمين ويسار الطريق ، واستعددنا للتحرك وقبل البدء التحرك صدرت للكتيبه اوامر من العميد الزمر بالغاء مهمه التمشيط والتحرك الي طوسون بالسيارات ودفعنا سيارات استطلاع قبلنا .

ولم يتصل الفريق سعد الشاذلي بي مره اخري ، لكن اتصل اللواء عبد المنعم خليل الذي تولي في تلك الساعات قياده الجيش الثاني الميداني بعد اصابه اللواء سعد مأمون بأزمه قلبيه يوم 14 اكتوبر ، وتفهم اللواء خليل الموقف ، واصدر الي الاوامر بعدم التحرك ليلا وانتظار التحرك الي اول ضوء ، وتفهمت منه انه يتولي قياده الجيش الثاني .

وقبل الموعد المحدد تحركت لتنفيذ المهمه ليلا لكي ابتعد عن تجمع اللواء 23 مدرع الذي تمركز بجوارنا ليلا ، والذي كان يعتبر هدفا مثاليا لطيران العدو ، ففضلت ان يكون تحركي قبل اول ضوء لكي ابتعد عن دبابات اللواء بقدر كاف مع ظهور النهار .

واقتربت من موقع اللواء 116 ميكانيكي وكان الدخان يلف ارجاء المكان ورائحه الوقود المحترق تزكم الانوف ، وكان منظرا بشعا لموقع اللواء والذي دمر تدميرا كاملا يدل علي ان قوة العدو التي تقابلنا مستحيل ان تكون مجرد أربع دبابات .

وفور وصولنا لتقاطع طريق المعاهده مع وصله ابو سلطان ، كان هناك قصف متقطع علينا من مدفعيه هاون معاديه ، فقمت بنشر قواتي بشكل سليم ووضع كمائن علي تقاطع الطريق بأسلحه مضاده للدبابات لتأمين الموقع ، وتحركت الي مكان قياده اللواء 116 وتقابلت مع سياره جيب قادمه تجاهي ، وبحثت عن قائد اللواء بالانابه وهو العقيد اسامه طه حتي ، وكان حالته النفسيه سيئه جدا ، وسط القصف المتقطع علي الموقع ، وحاولت رفع معنوياته بأخباره بأنني دعم له ومعي رجال تكسر الحديد ومدعم بأسلحه كثيرة مضاده للدبابات ، وان المعركه لم تنتهي بعد ، واحسست بتحسن في معنوياته قليلا ونظمت الاتصال معه وعدت سريعا الي قواتي والتي كنت اخاف علي معنوياتها من منظر ارض المعركه .

وبعد ساعتين استدعاني العقيد اسامه طه مره اخري الي مركز قيادته ، واصطحبت معي مدفع ب 11 مضاد للدبابات لاستعراض القوه امام العقيد اسامه لرفع معنوياته .

وجدت لدي دخولي مركز القياده بوجود اشاره من قياده الجيش الثاني ، بتكليف الكتيبه عدا سريه ومعي سريتين دبابات من اللواء 23 مدرع بمهمه تدمير دبابات العدو بمنطقه الدفرسوار والاستيلاء علي المنطقه وتأمين مطار الدفرسوار .

اما قوه السريه الباقيه من قوه الكتيبه ومعها سريه دبابات فتتحرك لمهاجمه العدو في منطقه مرسي أبو سلطان وتأمين المنطقه .

وكانت المسافه الفاصله بين موقعي وبين مكان المعركه حوالي 11 كيلو متر ولابد من تنظيم التعاون مع قائد اللواء 23 مدرع العقيد حسن عبد الحميد  والتحرك بسرعه لان موعد تنفيذ المهمه بعد ساعه فقط من وصول الاشاره .

وعلي الفور صدرت الاوامر للرائد اول يسري الشماع قائد امداد الكتيبه بعمل تجهيزات لامداد القوات بما يلزمها من قتال لمده 48 حيث توقع المقدم عاطف ان يكون القتال طويل واستعد لمواجهه قتال طويل مع العدو .

وتم التنسيق بين الرائد يسري الشماع مع المقدم حسين فتيحه قائد الشرطه العسكريه للفرقه 23 ، فتوجه الملازم يسري الي كتيبه الشئون الاداريه الخاصه بالفرقه 23 ميكانيكيه ، وكان رجلا متعاونا جدا ، وفتح مخازن الفرقه للكتيبه 85 مظلات وبالفعل بدأنا في تشوين مخزونات من وقود وذخيرة ومياه وطعام تكفي يومين كاملين ، واضاف الرجل انه فور وصولي الي منطقه الكتيبه 85 مظلات اقوم بتفريغ الحموله واعيد السيارات فورا لقياده الفرقه .

وفور وصول الامدادات الي منطقه الكتيبه في منطقه التقاطع ، كان المقدم عاطف منصف قدأ تحرك فعلا لتنفيذ مهمته ، ولم يكن هناك افراد يقومون بتفريغ السيارات الا جنود احد السرايا علي الخط الاول للقتال ، وكان مستحيلا ان استغل هؤلاء الرجال في الخط الاول .

فعاد الرائد يسري الشماع بسياراته الي منطقه خلفيه امنه بعيدا عن الخط الاول للقتال ، فوجد موقع كامل للدفاع الجوي وكان مهجورا لتحرك ما به من قوات دفاع جوي للامام قبل الحرب ،  فتم اصدار الاوامر للسيارات بالانتشار داخل هذا الموقع المؤمن ، وعاد الملازم الشماع الي الخط الامامي لمتابعه المعركه .

 تعتذر المجموعه 73 عن عدم استكمال الحوار لظروف مرض سياده اللواء وعدم استكماله الحوار معنا

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech