ما بعد النكسه

بعد انتهاء الحرب و بقدوم طائرات بديله من الاتحاد السوفيتى ( رغم سوء حالتها ) تم اعادة تشكيل القوات الجويه من جديد ، فقد اعيد تشكيل السرب الثانى عشر مره اخرى ، وتمركز بمطار غرب القاهره ، كان ضمن طيارى السرب الرائد فوزى سلامه ، الذى يقال عنه الكثير والكثير لكفائته كطيار مقاتلات محترف ، والذى كان متفاهماً جيدا هو معي ، لذلك اصبح مدحت زكى ضمن تشكيل الرائد فوزى سلامه ، وبدا عمل دشم بسيطه عباره عن بعض شكائر من الرمال في البدايه ..

وقد ظهر للجميع ضعف اجهزة الرادار التى كانت لدينا ، فى عدم قدرتها على كشف طائرات العدو على ارتفاعات منخفضه ، فكان البديل لذلك ، ولكى نمنع العدو من اعادة ضربته لطائراتنا على الارض هو عمل مظلات جويه بأعداد من الطائرات فى مناطق مختلفه تغطى كل منها جزء من قطاع عمل المنطقه ، ولكن للعجز فى عدد الطيارين ، لذلك كانت المظله الواحده تتكون من طائرتين فقط بدلاً من اربع طائرات .

الاشتباك الاول- 15 يوليو 1967

http://www.group73historians.com/

كنت بصفه مستمره مع الرائد طيار فوزى سلامه فى كل الطلعات ، وفى احدى الطلعات كان التشكيل فى حالة الاستعداد الاولى على الارض ، وتم امر التشكيل بالاقلاع الفورى لعمل مظله جويه لمطار غرب القاهره ، لم يعلم احد سبب ذلك ..

ولكن بعد الاقلاع سمع فوزى سلامه ان هناك تشكيل مصرى مشتبك بمنطقة العين السخنه ، والموجه الارضى لا يرى الطائرات على الرادارات ، فأستنفر فوزى سلامه وبدون ان يعطيه الموجه الارضى اوامر ...اتجه الى العين السخنه لتعزيز التشكيل المصرى المشتبك ، فحاول الموجه ارجاع تشكيله ولكنه وبلهجه حاده كان يصر على الدخول للأشتباك ، وقد ابلغ الموجه الارضى انه الان بمنطقة فايد .

كنت  ملازم تحت الاختبار في ذلك الوقت ولم تتجاوز عدد ساعات طيراني ال35ساعه ( وهو عدد قليل لا يعطى للطيار اى خبره ) لكن وصل الي نفس شعور قائدي فوزى سلامه  بوجوب اسناد تشكيلنا المشتبك الذى لا يستطيع الموجه الارضى توجيهه جيداً لردائة الرادارات .

وبعد وصولنا لمكان الاشتباك  نظرت اسفلي فوجدت مشهداً جميلاً ، فقد كانت طائراتنا الميج-21 مشتبكه مع الميراج ( التى كنت اراها لأول مره ) فى شكل حلقه بها طائره ميج-21 وخلفها ميراج وهكذا ...

كان هناك 6 طائرات ميراج ضد تشكيلين مصريين مكونين من الطيار عادل نصر والطيار فريد حرفوش من ابوصوير ، والرائد الكيلانى والنقيب فاروق حماده من انشاص ، وكان تشكيل فوزي سلامه تعزيزاً لهم واصبح الاشتباك ست طائرات ميج-21 مصريه ضد سته ميراج اسرائيليه .

(( كان اول احساس للملازم مدحت زكى عندما رأى الميراج هو انه يجب ان يضربها ، مع العلم ان كان لا يعلم اى شئ عن الميراج )).

بمجرد ان دخل التشكيل الاشتباك انفصلت الميراج من الاشتباك لوجود ذلك التعزيز الجديد ، وقد امسكت بذيل احدى طائرات الميراج واطلقت عليها صاروخاً انفجرت بسببه الطائره ولم يستطع الطيار ان يقفز منها ، وقد اسقط فوزى سلامه ايضاً  ميراج اخرى ، فقد كانت صدمه لتشكيل الميراج المعادى ، وقد اسقطت التشكيلين المصرييين طائرتي ميراج اخرى .

اي انهم خسروا اربع طائرات ميراج من اصل سته دخلت الاشتباك

كانت  ال Mig-21F13  تلك ذو مدى قصير ، وقد استهلك الاشتباك كميه كبيره من الوقود مما الزم الجميع العوده كلاً الى مطاره ، وعادت طائرتين الميراج المتبقيه الى اسرائيل مذعوره نتيجه لتلك الخسائر الغير متوقعه ، انفصلت عن فوزى سلامه ، فكلاً منا يحاول النزول الى اقرب مطار قبل انهاء الوقود .

توضيح من المجموعه 73 مؤرخين

http://www.group73historians.com/

نظرا للنصر المصري الساحق في هذه المعركه وفي ذلك  التوقيت ونظرا لسيطرة الغرب والاسرائيليين علي مقاليد الاعلام العالمي والانترنت حاليا ومنذ عشرات السنوات السابقه وغياب تام للمراجع المصريه ، فأن تلك المعركه لم تروي من قبل في اي كتاب او مرجع عربي او عالمي ولم يتحدث عنها موقع القوات الجويه الاسرائيليه كمرجع رسمي مفترض للتاريخ الاسرائيلي الجوي ، والمجموعه 73 مؤرخين قامت بمجهود كبير مع عدد من الكتاب والمؤرخين العالميين في اوروبا وروسيا لتوثيق تلك المعركه ووضعها في مكانها الطبيعي في تاريخ الطيران العالمي في محاوله منا لموازنه ميزان الاعلام الغربي ، ولاشهار الحقيقه بأن يونيو 67 لم يكن الاساس وان الطيار الاسرائيلي ليس سوبر مان .

كانت الخبره مطلوبه فى ذلك الموقف لي ، فقد كنت لا ازال طيارا تحت الاختبار ، ولا أعلم تضاريس المنطقه جيداً ، فرآىت شريط اخضر من بعيد فظننت انني بذلك متجه الى الدلتا ، فأبلغت فوزى سلامه انني سأنزل بمطار انشاص فوافقني فوزى على ذلك وهو الاخر يحاول النزول الى اقرب مطار  قبل انهاء الوقود .

عندما اقتربت قليلاً وجدت اماميت النيل ، فعرفت انني متجه الى مطار بنى سويف وليس انشاص ، فعدت وابلغت فوزى سلامه بذلك ، فقال لي " انزل في أى حته " وبمجرد اقترابي من النيل محاولاً البحث عن مطار بنى سويف ... توقف المحرك ايذاناً بأنتهاء الوقود .

كانت التعليمات الروسيه هى القفز من الطائره بمجرد توقف محركها ، ولكن لم تهن علي خسارة طائره هباءً ، ونحن نعانى أصلا من قلة الطائرات ، فحاولت البحث عن اى طريق للنزول به ( كل هذا ومحرك الطائره متوقف والطائره تفقد الارتفاع بسرعه  ) الا انني وجدت طريقاً غرب النيل فعزمت علي  النزول به .

وعندما لامست الطائره الطريق شعرت بأرتياح ..ولكنه لم يدم طويلا ، فقد كان الطريق مستقيم ، لكن به مناطق مرتفعه ومنخفضه وهو امر لا يمكن رصده من الجو، والطائره كلما احسست انها تهدأ من سرعتها لتتوقف تجد ارتفاعاً بالطريق فترتفع الطائره وتهبط مره اخرى كمن يركب دراجه يلهو بها .

الى ان توقفت الطائره محدثه لي كسر فى العمود الفقرى  ، فحاولت النزول ولكنني لم أستطع نتيجة الاصابه ، ولكنني رأيت شخص مقدم علي يركب حصان ، وكان ضابط شرطه لتلك المنطقه ، فصرخ بي لكى يحثني  فى سرعة النزول من الطائره ولكنني لم أستطع فأشار الي الضابط من بعيد ، فإذ بحشد كبير من الاهالى متجه الي ، وساعدني الضابط على النزول ، ووضعني على الحصان وانطلق مسرعا  (وعمودي الفقرى مكسور ) الى قسم ميدوم ببنى سويف ، واتصل الضابط برئاسته لكى يسرعوا فى احضار سيارة اسعاف لأخذي قبل ان يعلم الاهالى بوجوده بالقسم ( كان الاهالى يضربون ويقتلون اى طيار يسقط من طائره ظناً منهم انه اسرائيلى ) .

http://www.group73historians.com/

بالفعل جاءت سيارة اسعاف ونقلته الى مطار بنى سويف وقد وصل اليهم خبر الاشتباك ، فأستقبلني من بالمطار بحفاوه بالغه وكذلك قائد القاعده العقيد حسنى مبارك ، وبعدها اخذتني طائره هليكوبتر الى المستشفى بالقاهره .

كان همي الاول بعد الوصول الي المستشفي هو كيف سأبلغ والدي باصابتي دون ان يصيبهم بأزعاج ، فقمت بالاتصال بوالدي وابلغته بأنني متجه الى المستشفى لعمل كشف دورى لكى يقابلني هناك بعد طول غياب ، ولكن الوالد بعدما شاهدني في المستشفي  هكذا داخل قميص من الجبس ، علم بما حدث وكان  كان فخوراً بأنجازي رغم اصابتي  .

بعدها جاء الي قائد القوات الجويه اللواء مدكور ابوالعز مداعبه " حمدالله على السلامه يا سيدى نازلى بماسوره " ( يقصد الميج-21 بشكلها الاسطواني وبدون محرك يعمل  ) ، ولكن مدكور ابوالعز كان فخوراً بأن لديه طيارين مقاتلين اشداء بالقوات الجويه .

ثم تم الكشف على الطائره من خلال لواء طيار مهندس بالقوات الجويه يسمى صبحى بطرس الطويل لكى يختبر الطائره ان كانت تصلح للطيران مره اخرى ام لا ، فتم تزويد الطائره بالوقود واقلع بها بنجاح من ذلك الطريق القصير الى بنى سويف للكشف عليها بشكل دقيق وعادت الطائرة للخدمه مرة اخري .

جدير بالذكر ان صبحي بطرس الطويل كان الوحيد بالقوات الجويه المصريه الذي يحمل شارة الطيار بالتزامن مع عمله كمهندس طيران .

http://www.group73historians.com/

 لكن قانونياً كان يجب تشكيل مجلس تحقيق لتلك الحادثه بقيام طيار بالنزول على الطريق بذلك الشكل المجنون ، فتم تشكيل مجلس مكون من  الرائد فاروق حماده وعضوين ، وكان قرار المجلس " ارى مكافأة الطيار " لما قام به ، على عكس المفترض فتشكيل ذلك المجلس يعنى انه مقدمه لمعاقبه الطيار  وليس مكافأته .

تم اصدار قرار بأعطاء كل من شارك في الاشتباك وسام نجمة الشرف العسكريه ، لكن طبقا للقانون لا يستطيع الملازم تحت الاختبار مدحت زكى الحصول عليها بسبب عدم انضمامه الى القوات الجويه كطيار عامل حيث انه مازال تحت الاختبار ، لكن بأصرار مدكور ابوالعز تم ترقيته استثنائياً وحصل على   الوسام .

بعد شفائي عدت الى مطار انشاص وسط حفاوه بالغه من زملائي بما انجزته ، وتم اعادة تنظيم عمل المظلات الجويه ، من خلال عمل مظلات مستمره بأربع طائرات مع وجود الحالات الثلاث للطوارئ بالمطار كل منها بأربع طائرات ، فكان اجهاد شاق على كل الطيارين .

تم تغيير شكل التدريبات بعد الهدوء النسبى لشهر يوليو 67 ، فسمحت للطيارين بزيادة نوعية التدريبات كالتدريب على الاشتباكات بين افراد السرب وضرب اهداف ارضيه كل عدة اسابيع على خلاف ما سبق  ، كما تم اعادة تشكيل سرب جديد بأنشاص وهو السرب 25 قتال  .