Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

عقيد - مجدي شحاته - بطل الصاعقه- الجزء الثاني - يناير 74

 

أحداث شهر يناير 1974م:

توطدت العلاقة بيننا وبين البدو كثيرًا وأصبح شعورنا نحوهم شعورًا أخويًا مصريًا حميمًا ويزداد إعجابنا بهم يومًا بعد يوم لبساطتهم في كل شيء وازدادت صراحتهم معنا وكانوا يأتون إلينا كلما سنحت لهم الفرصة وتمنوا لو تم اشتراكهم في معاونة قواتنا في بداية العمليات لأصبح تأثير قواتنا أكثر وأشد لما لهم من خبرة بالمنطقة ومعلومات عن العدو كان يمكن أن نحقق مبدأ أصب واهرب، ولكنهم كانوا غرباء في أرضهم لا يعلمون أي جانب سيضربهم بل كانوا يأمنون العدو أكثر لأنهم يعرفونه على الأقل.

كان علي يداعبني أنا وعبد الحميد أحيانًا ويقول هل تعلم أن العدو أكثر نفعًا لهم من المصريين وكنت أسأله حتى يسترسل لماذا؟ فيقول أن العدو قام بالتعمير ورصف الطرق وصيانتها، كما يقوم بتوزيع الغذاء والمياه عليهم كما أنه يجزل لهم العطاء عندما يعملون معه، بينما لم يفعل المصريين ذلك بل إنهم كانوا يعاملون كل من يعبر سيناء من البدو وكأنه مهرب مخدرات وكانت معاملتهم لنا كأننا غير مصريون معاملة مهينة غير إنسانية فأداعبه وأقول له إذن سوف تعود لكم المعاملة السيئة والمهينة فهنيئًا لكم، فيقول إنني مشتاق لها حيث أشعر بأنها من أخوة مسلمين مهما كانت ولكنها تكون قاسية جدًا على النفس أن أقبل أقل مهانة من العدو الذي كنا نشعر بها بمجرد وجوده على أرضنا.

كان أكثر البدو أسئلة وكلامًا وحماسًا الغلام عليان وكان خفيف الظل متحمسًا وأذكر أنه سألني يومًا عن نوع العربة التي أملكها فأجبته أنني لا أملك عربة وقال لي كيف ذلك والجندي اليهودي الذي يهاجر من روسيا يحصل على سيارة فولفو أو أي ماركة أخرى وكيف تكون نقيبًا وليس عندك سيارة فأبلغته أنه ليس لي حاجة لسيارة حيث المواصلات متوفرة كذلك هناك سيارة مخصصة لي في العمل (وطبعًا كان ذلك غير الواقع) وكنا نسأله عن العدو وقوته وتدريبه وكانت إجابته أنهم خائبون وأن البدو يفوزون عليهم في الكرة دائمًا وهذا يثير غيظهم وكانوا ثقلاء لا يجيدون الجري ومنهم أصحاب الأوزان الضخمة جدًا وكنا لا نعرف كيف قبلهم الجيش وكيف يحاربون وكنا نسخر منهم دائمًا، وكان عليان يحب سماع قصص البطولة وكيف حاربنا العدو وكان سعيدًا لذلك جدًا ومعجبًا بنا.

وأكلنا اللحم للمرة الثانية يوم العيد ولا أذكر أي يوم كان ولكن كان تأثيره هذه المرة أقل ثم أكلنا اللحم للمرة الثالثة عند وفاة العجوز وهي عادة عندهم عندما يموت أحد البدو، وأصبح خبز السيد محمد علي أفضل بكثير كذلك كنا نحاول التنويع في الأكل نغلي بعض الملوخية الناشفة وإضافة بعض الملح وفص ثوم وملعقة مسلى وكان ذلك غذاءً جيدًا لنا مع استخدام الفراشيح (الخبز) والشاي هو الحلو وطعمه جميل لدرجة كبيرة ونحرص على كل فتات خبز لقلة الطعام ولا نستطيع أن نفعل شيئًا غير الشكر لله ثم لهؤلاء البدو الذين شعروا باقتصادنا الشديد في الطعام وكثيرًا ما شجعونا على الأكل ولكننا خزنا كمية من الطعام لمواجهة ظروف طارئة وأحضروا لنا علب خضار مسلوق لنأكلها بمعدل علبة كل عشرة أو خمسة عشر يومًا ومع سوء طعمه كان غذاء نقتات به من حين إلى حين وكان أكثر الأكل فتة بالملح وإذا كانت هناك مناسبة سعيدة جدًا كنا نأكل الفتة وعليها بعض السكر.

لم يسقط المطر حتى الآن وشعرنا أنه لن يسقط هذا العام وكنا مؤمنين بقضاء الله وقدره ننتظر دائمًا على أمل وصول المطر، وخلال هذا الشهر أمطرت السماء قليلاً من المياه لم نستطع الاستفادة منها بجمعها ولكنها كانت مفيدة للزرع البري.

كنا نبحث عن جذور الأشجار الجافة لاستخدامها كوقود لإشعال النيران وكانت بدأت في الانتهاء من المنطقة حولنا فاضطررنا للتحرك إلى مسافات بعيدة لجمعها وأصبح كل منا يأخذ اتجاهًا بعد أن كنا نبحث عنها معًا وكنت قبل الغروب أصعد فوق الجبل وأتحرك لمسافة حوالي مائتي متر أو أكثر حتى أصل إلى خور أجلس على حافته أنظر إلى الخليج والشعلة المضاءة على الجانب الآخر من الخليج وأفكر وأتمنى أن نصل إلى الشاطئ الآخر، وكنا دائمًا نفكر كيف نصل إلى قواتنا هل نسبح أربعين كيلومترًا إلى الشاطئ الآخر من الخليج وكيف يكون ذلك وأنا أسبح أربعمائة متر بصعوبة هل نعود إلى داخل سيناء حتى نصل إلى شرم الشيخ ونعبر المسافة القليلة وهي خمسة كيلومترات تقريبًا ولكن كيف نصل إلى شرم الشيخ، هل نصل إلى إيلات ونتسلل برًا إلى الأردن أفكار كثيرة والإمكانيات غير متوفرة لتحقيقها.

علمنا من البدو أن هناك طائرة مصرية بالقرب من مدخل وادي فيران قد سقطت نتيجة اصطدامها بسلك الضغط الكهربائي العالي وأن أحد أفرادها استشهد وهو ممسكًا بالسلك وكذلك علمنا منهم بالطائرة التي غرست بالقرب من أبورديس وكيف قام العدو بتحريكها وأخذها من مكانها بعد عدة أيام، وعلمنا أيضًا بأن هناك مجموعات وأفراد تم أسرهم من وادي النقب وفي مغارات الفيروز.

كان على وزوجته فاطمة أكثر البدو قربًا لنا وكذلك أكثرهم تأثيرًا ولم يكن عندهم أولاد رغم زواجهم الذي مر عليه حوالي ثماني سنوات وهي ابنة عمته وحملت منه من قبل ويسقط الجنين قبل أن يكتمل أو يموت صغيرًا، وأخذنا ندع الله لهما دائمًا أن يرزقهما بطفل، وكان علي دائمًا يمازح فاطمة بأنه يبحث عن امرأة أخرى تلد له فتضحك بثقة وتقول له أسرع في البحث عن هذه الزوجة ونضحك كثيراً ونقول له إنك لن تجد مثل فاطمة أبداً وكان يعلم ذلك جيداً.

كانت فاطمة ضعيفة الجسم لا تأكل كثيراً تصحو مبكرة وكلها نشاط وتخرج لترعى الغنم طوال النهار وتجمع جذور الأشجار الجافة وتجمع الملح وتأتى بالماء وتعد الطعام لزوجها ووالده وأخيه وتربى بعض الدجاج وتقوم بأى أعمال يدوية مثل صناعة الخيام أو الملابس ثم النوم حتى الصباح الباكر- أما بالنسبة للرجال البدو فهم كسالى جداً يأكلون ويشربون وينتظرون زوجاتهم طوال اليوم- ويعملون فى المواسم وعندما يحتاجون للمال.

وفى نهاية هذا الشهر أبلغنا البدو استعدادهم للرحيل إلى إيلات للعمل هناك لكسب المال لمواجهة المعيشة الصعبة التي أصبحت بعد الحرب أسوأ ما يكون وقمت أنا وعبد الحميد بإبلاغ البدو بأننا سنقوم بالرحيل قبل رحيلهم ونطلب منهم إرشادنا لأول الطريق الصحيح وسنقوم نحن بمواصلة المشوار بإذن الله وظهر عليهم الانزعاج ورفضوا مغادرتنا المنطقة قبل عودتهم التي ستكون لمدة شهر بإذن الله أو أكثر قليلاً وأبلغونا أنه ما زالت الكمائن على الطرق وأنه لا داعي للمخاطرة وأن الطريق طويل وصعب ويجب معاونتهم لنا ويمكن أن يتم ذلك بعد تحركهم في الطريق وجمع الأخبار عنه مسبقا ولا يمكن أن يتم الآن لضيق الوقت وترددنا كثيراً وحاولنا أن نطمئنهم بأننا إذا لم يقدر الله لنا بالوصول للوطن سيكون موتنا مؤكداً لأننا لن نقبل الاستسلام بأي حال بعد كل ما حدث لنا وأنهم في جميع الأحوال في أمان ولكنهم أصروا على تأجيل رحيلنا حتى عودتهم وحتى تتضح الأمور ويتم شفاء عبد الرءوف الكامل وأبلغونا بأن الدقيق سيصلنا عن طريق الحريم والمياه سرعان ما تملأ المنطقة من المطر وستمر الأيام ويعودون ومعهم بعض المال يمكن به إصلاح العربة التي يملكونها (عربة جيب روسي قديمة) وقاموا بتوديعنا وداعاً حاراً وتمنينا لهم العودة سالمين وأوصونا أن نتوخى الحذر أثناء إحضار المياه من البئر والحركة بعيداً عن المنطقة ورحلوا وهم يبكون متأثرين.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech