Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

عقيد - مجدي شحاته - بطل الصاعقه- الجزء الثاني - فبراير 74

 

أحداث شهر فبراير 1974م:

رحل أشقاؤنا البدو وأحسسنا بفراغ أكبر بفراقهم وكنا نتذكرهم بالخير دائما ونتمنى لهم التوفيق جزاءً لما قدموا لنا من معروف وتحملت نساؤهم مسئولية إحضار الدقيق والطعام بانتظام بمعدل مرة كل أسبوع أو عشرة أيام وكانوا يبلغوننا بأخبار رجالهم التي تصلهم من البدو زملائهم في العمل ويحضرن جميعا ويقضون بعض اليوم معنا ويرجعن. وفى مرة أحضرن لنا بيضاً من فراخهم وقمنا بقلي البيض في المسلى وأكلت يومها بيضة كاملة تقريباً ولم أشعر في حياتي بمثل هذا الطعم اللذيذ والرائع للبيض حتى أني كنت أشعر بأن الأكل وطعم البيض لا يمر على معدتي بل يصل إلى رأسي مباشرة وقد تخيلت أن نوع المسلى أو نوع البيض هو السبب ولكن كان الجوع وعدم وجود أي نوع من الغذاء هو السبب في إحساسي بهذا المذاق العجيب.

كانت البدويات يتمسكن بملابسهن البدوية صغاراً وكباراً وأسلوبهن البدوي في إخفاء وجوههن فيما عدا العينين وكنا نعرفهن من أعينهن وأطوالهن وكانت أم حميدة تدخن السجائر التي كان معظمها من الأعشاب البرية وكانت تدخن من خلف الحجاب أيضا وكانت مرحة ومتفائلة دائما ولم تعد ابنتها حميدة تخاف منا رغم مظهرنا الذي أصبح أسوأ كثيراً حيث طالت ذقوننا وأصبح شعرنا طويلاً وبليت الأفرولات واسودت وأيضا وجوهنا من أثر المنجنيز ومن لفحة الشمس نهاراً وضعفت أجسادنا ضعفا بالغاً.

كنا نتابع الموقف السياسي عن طريق الراديو وأحسسنا بأن طريق المفاوضات طويل وأن العدو يناور ولن يترك الأرض بسهولة ولولا شبح حرب أكتوبر وخوفه من تكراره لأصر على التمسك بالأرض، كما كنا نتابع الأغاني الوطنية الجديدة وكانت مشكلة حجارة الراديو مشكلة كبيرة حيث كان معظم الحجارة فارغة وكنا نبدلها بعد وضعها في الشمس ونقتصر على سماع نشرات الأخبار المصرية والعالمية وبعض الأغاني القليلة لرفع المعنويات، كذلك كان الكبريت الخاص بالإشعال مشكلة لعدم توفيره لأن الحطب يحتاج لأكثر من عود حتى يشتعل وقد حاولنا استخدام الطرق المبتكرة من استخدام عدسات النظارة المكبرة لتركيز ضوء الشمس على بعض الأعشاب ولكن لم تنجح هذه الطريقة لصعوبة استمرار بؤرة العدسة في مكان واحد بأيدينا المرتعشة ضعفاً.

كنا حتى ذلك الوقت نأتي بالمياه من الوادي بالجراكن وأصبح الطريق معروفاً لنا ولكنه ما زال شاقا ونتحرك فيه بحرية وثقة أكثر حتى كاد أن يرانا بدوياً يركب جملاً في أحد المرات لولا أن توارينا في اللحظة الأخيرة ليتوقف مصيرنا على مدى وطنية هذا الرجل إذا كان قد رآنا، وكنا نستغل نزولنا كل عدة مرات ونقوم بالاستحمام ليلاً في أحد أركان الوادي ونستخدم بقايا صابون غسيل تركه بعض البدو وهو قليل الرغوة لرداءة نوعه وملوحة المياه ولكنه يؤدى الغرض ونلبس نفس ملابسنا لعدم وجود غيرها وكانت مهلهلة ونعود أدراجنا في طريق شاق وعر يعرضنا للموت في أي وقت ولولا ستر الله وجلدنا فقد تعددت مرات سقوطنا ونحزن على فقد المياه التي تسقط منا ولا نهتم بكسر عظامنا التي أصبحت في قوة الصخر.

وفي مساء أحد الأيام بدأت الأمطار تهطل بغزارة بعد طول انتظار وفرحنا بذلك المطر ودعونا الله أن يستمر أطول فترة ممكنه ونخرج من الكهف أحيانا لنرى مدى أثره، وكان صوت خرير الماء واضحاً وأزداد الصوت لنسمع صوت السيول وصوت تحرك الصخور بفعل قوة السيل ولم نستطع الانتظار فخرجنا ومعنا الجراكن للخارج فور انتهاء المطر ووجدنا تجمعات المياه في كل مكان أسفل وأعلى الجبل وذهبنا لأقرب الأماكن وملأنا الجراكن وعدنا وفرغناها في البرميل حتى ملأنا البرميل وكل الجراكن وأي شيء يحتفظ بالمياه واغتسلنا وصلينا ونمنا نوماً عميقا، وكان مذاق المياه مذاقاً عذباً وأخذنا في التخيل بسرعة نمو نبات اليهج الذي سنأكله قريباً بعد أن بدأت بشائره تنبت في أماكن متفرقة من الجبل.

حتى ذلك الوقت حافظنا على الصلاة والصيام وقراءة القرآن ونفطر أحيانا في المناسبات وأكلنا لا يتعدى الوجبتين وجبه صباحاً ووجبه مساءاً وبينهما شاي وذلك في أيام الإفطار أو وجبة الإفطار مساءاً وبعدها شاي ثم السحور الذي يكون غالبًا شرب مياه، والنوم في أيام الصيام وكانت إجمالي كمية الخبز الذي نأكله جميعًا لا يتعدى كمية أكل فرد واحد في الظروف العادية بل أقل بالتأكيد ولم أشعر مرة واحدة بالشبع العادي أثناء هذه الفترة وبعد الأكل نتحسس أي فتات نأكله وكنا إذا زارنا البدو ومعهم أبناؤهم الصغار ننتظر بفارغ الصبر ترك أحد الصغار لقمة (لبة) بعد أن يشبع ونتقاسمها وكانت اللبة خبز يتم خبزه تحت الرمل الساخن بعد إشعال نار وإزاحة الرمل ووضع العجين داخل الرمل الساخن وهو خبز بدوى جميل الطعم ولكنه يتطلب كمية كبيرة من الدقيق وهو إسراف لم نكن نستطيع تحمله، وكان مظهر الماعز في تلك الفترة هزيلاً لقلة المرعى وعدم سقوط الأمطار وكثيراُ ما تمنينا بعض اللبن القليل.

وقبل نهاية شهر فبراير أمطرت السماء عدة مرات أخرى بعضها شديد وبعضها بسيط وبذلك أصبحنا لا ننزل إلى الوادي بعد أن توافرت المياه حولنا وأخذنا نتابع نمو اليهج ونبحث عن أطول أعشابه في المنطقة ونقطفها للأكل وكانت صغيرة جداً ولكنا جياعاً وفى نهاية الشهر توفر اليهج بكميات كبيرة فنافسنا الماعز في أكله وكان له طعم الجرجير لاذع المذاق ونأكل منه بقدر ما نستطيع ونحمد الله دائما على ما نحن فيه وندعو الله أن يمنح أهلنا الصبر وخاصة بعد أن تم فك اشتباك قوات الجيش الثالث مع عناصر العدو وبدأ تنظيم نزول الأجازات للضباط والجنود وسيكون ذلك آخر أمل للأهل في بقائنا أحياء.

وأخذنا نتذكر أهلنا وما فعلوه من أجلنا وكان عبد الحميد يحكى لي عن أبيه العمدة الصعيدي وإخوته والعادات والتقاليد الصعيدية وكان آخر موقف أنه أحضر تليفزيون هدية لأبيه من ليبيا أثناء تواجدنا هناك قبل الحرب وكذلك بعض الهدايا وبعض أطقم الملابس الصوف الداخلية لوالده وكيف سعد عندما سمع والدته تنقل له إعجاب والده به لإحضاره تلك الأشياء ورضاه عنه وتذكرت ما أحضرته من الكماليات للمنزل عندنا وهدايا لجميع إخوتي وكنت أعاون والدي اعترافا بجميله علي هو ووالدتي ولم أفكر في نفسي كما كان ينصحني الكثير بتوفير شيء لي لأنني شببت ووجدت أبى يكافح بشرف وكد حتى يوفر لنا معيشة كريمة شريفه والأعباء تزداد عليه مع نمونا ودخولنا المدارس في مراحل التعليم المختلفة فكان يتفانى في عمله أملاً في أن يحقق الله له البركة وكان الله يوفقه دائما لأنه يعمل بنشاط وحيوية ووطنية بارزة فرشحه رؤساؤه للأعمال الصعبة والمهام الخاصة ورشح للسفر للخارج بتشيكوسلوفاكيا للدراسة لمدة سبعة أشهر وزار كل من الجزائر وروسيا في مهام خاصة سريعة لمدد بسيطة وكنا نشفق عليه والجميع ينصحه بأن يعمل كما يعمل الجميع بالطرق الروتينية ولكنه كان يحب أن يتميز عن الجميع وكنت أحكى لعبد الحميد بأنني قبل الحرب قضيت أسعد أيام حياتي حيث أكلت جميع أنواع الفاكهة وأنواع الأطعمة احتفالا بي بعد عودتي من ليبيا ونجحت أختين لي في الثانوية العامة ودخلتا الجامعة وجميع إخوتي نجحوا والحمد لله، وكأن الله أراد أن يهبني كل ما تمنيت قبل أن أموت (كما كان شعورنا معظم الوقت) وكنا نضحك أحياناً رغم كل الظروف الصعبة وعدم وجود أي أمل لنا في انسحاب للقوات والعودة كما كنا أحياناً نتكلم عن الزواج وأخذ عبد الحميد يتحدث عن بعض من كان يفكر بالزواج منهن وأسباب عدم تقدمه للزواج منهن بأسباب تتعلق بالعادات والتقاليد الخاصة بأهلهن والتي لا تتناسب مع طباعه وأهله، وهذا شيء غير مرغوب في قرى صعيد مصر وكنا نعرف بعض جيداً ولكن لم يكن أحد باح للآخر بأسراره الخاصة جداً إلا في هذه المنطقة ورويت له أيضا عن عدم تفكيري في الزواج بسبب قراري للوقوف بجانب والدي متحملاً بعض أعباء المعيشة حتى تتزوج بعض أخواتي البنات وبذلك يمكن التفكير في الزواج، ولكن حفاظاً على أنفسنا إذا أراد الله لنا العودة سوف أفكر في الزواج إن شاء الله، وذلك بعد إتمام زواج الأختين المخطوبتين حيث كان في ذلك الوقت قد خطبت إحدى أخواتي والأخرى تمت قراءة الفاتحة لها.

انتهى شهر فبراير وتابعنا خلاله حفل توزيع الأنواط والنياشين وسماع أسماء المكرمين الأبطال لعلنا نسمع أسماء نعرفها وبالفعل سمعنا أسماء بعض من نعرفهم وكنا نتخيل أن يكون الحل وانسحاب العدو بعد الاحتفال وتعود الأوضاع كما كانت وحتى ذلك الحين لم يفكر أحد منا إلا في العودة سالماً إلى أهله وهو أعظم تكريم من الله سبحانه وتعالى.

أصبح منظر الجبل في نهاية شهر فبراير مائلاً للخضرة وانتشرت المياه في كل مكان وكانت حفر المياه في الأماكن المرتفعة تتبخر أولاً ثم تجمعات المياه في أماكن أكبر وهكذا حتى تنتهي في تجمعات مياه كبيره قرب الوادي وكانت كلما نفذت المياه تأتى الأمطار من جديد وتمتلئ ويرتوي الزرع، وظهرت خلال هذه الفترة أعشاب طويلة بالوادي كانت جافة جداً وأصبحت خضراء ولها رائحة الشيح وبناء على نصيحة أحد البدو قمنا بجمعها وصعدنا بها الجبل واستخدمناها كمراتب للنوم عليها وكانت عالية في بداية الأمر ثم تهبط شيئًا فشيئًا وكنا نجمع المزيد لوضعه عليها لنشعر بالراحة أثناء النوم وكانت فكرة جميلة سعدنا لاكتشافها رغم وجودها من فترة طويلة وشعرنا بنوم هادئ جميل على هذه المراتب رغم وجود بعض الأشواك الصغيرة بها ولكنها كانت أكثر راحة من أرض المغارة ذات الصخور البارزة.

وفي أحد المرات التي كنا نجمع فيها العشب وأثناء جمعنا له تقابلنا مع سيدة ترعى الغنم وتعرفنا عليها وهي زوجة محمد أخو علي والتي زارتنا مرة واحدة فقط قبل ذلك وبعد لحظات حضرت ستيت الشقيقة الكبرى لحميدة وقد انتهزنا هذه الفرصة لشكرهم على كل ما يفعلونه من أجلنا.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech