Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

عقيد - مجدي شحاته - بطل الصاعقه- الجزء الثاني - مارس 74

 

أحداث شهر مارس 1974م:

مرت الأحداث على ما يرام وبشكل روتيني وبدأ شعورنا بالضيق ورغبتنا في العودة للأهل وخاصة بعد أن أتم الله شفاء عبد الرءوف وأصبح يتحرك ويحضر الماء معنا مثلنا تماماً وكان تحركنا في المنطقة أعطى لنا الثقة في التحرك، وبدأنا نسأل السيدات متى يعود علي وأصحابه؟

أصبح اخضرار الأعشاب التي كنا نستخدمها للوقود مشكلة تواجهنا وتأخذ وقتاً ومجهوداً كبيرا للبحث عن أعشاب جافة واضطررنا للدخول لمنجم المنجنيز المجاور لإحضار بعض عروق الخشب لاستخدامه في إشعال النار مع تقديرنا لخطورة سقوط المنجم علينا وخطورة أن نضل الطريق داخل المغارات المنشقة والمتشابهة في الظلام الحالك في سبيل الحصول على العروق الخشبية (وفي أول زيارة لي لهذا المكان بعد تسلم مصر أراضي سيناء وجدت المكان كما هو إلا المغارة المجاورة من التي كنا نعيش فيها قد هدمت وأغلق مدخلها فحمدت الله أن ذلك حدث بعد أن تركنا المكان).

وكانت دائما تراودنا أفكار عديدة للعودة كيف نعود وبأي طريق؟ هل نعود عن طريق دولة السعودية والأردن بعد عبور سيناء للشرق أم نتجه شمالاً حتى نصل إلى عيون موسى، وكان طريق الشمال محفوفاً بالمخاطر فالعدو في كل مكان في طريق التقدم ثم العدو وقواتنا في منطقة عيون موسى وكذلك البوليس الدولي في المنطقة الفاصلة، وكذلك طريق الشرق كان مجهولاً لنا وصعبا لكن البدو يمكنهم مساعدتنا إذا تحركنا في هذا الاتجاه ولكن ماذا سنفعل في الخليج؟ وهل نعبر عن طريق إيلات متسللين؟ ومدى خطورة ذلك؟ وماذا لو تمكن العدو منا بعد كل هذه المدة، كان الجواب واضحاً أنه لن يتمكن العدو منا إلا شهداء.

وكان شهر مارس حاراً وبدأت المياه تجف في المناطق العليا من الجبل فتنزل كل فترة لتعويض المياه ورأينا أحيانا ديدان في بقايا الماء المتجمع واستخدمناها في الشرب بعد إزاحة تلك الديدان وتعودنا على ذلك لأننا مضطرين ولم يشكل لنا أي مشكلة أمام توفير الجهد واستغلال أي تجمع مياه في المنطقة كما بدأ نبات اليهج يتحول إلى نبات به أشواك وطعم غير مستساغ ومع ذلك أكلنا وأصبح الدقيق هو غذاؤنا الرئيسي سواء بالملح في كثير من الأحيان وعلى شكل فتة أو بالسكر أحياناً قليلة في المناسبات.

وتمكن الهزال والضعف منا وأصبحنا نشبه الهياكل العظمية ووضح ذلك من ملابسنا المهلهلة ووجوهنا الشاحبة وكنا نرى وجوهنا على صفحات المياه أثناء ملء الجراكن أو في البرميل داخل المغارة، وأصبح شعر رؤوسنا طويلاُ جدًا وطالت لحانا جداً فطلبنا من البدو مقصاً وقمنا بتهذيب شعورنا وذقوننا بطريقة عشوائية لعدم معرفتنا أصول الحلاقة ولكن شيء خير من لا شيء.

وكان السيد علي مقتضبًا أحيانًا ساهمًا معظم الوقت يفكر في عروسه وقريبته وكذلك كان الجندي محمد عبد الرحمن والذي كان مكتئبًا أحيانًا ومرتفع المعنويات أحيانًا أخرى، أما عبد الرؤوف جمعة فكان دائمًا مبتسمًا ابتسامة الرضا بقضاء الله وقدره خجولاً عند المزاح جادًا عند الشدة، وكان دورنا أنا وعبد الحميد المحافظة على الروح المعنوية لهم ولنا، بحكايات الذكريات العائلية وذكريات الكتيبة وذكر الأصدقاء وكنا نضحك كثيرًا من قلوبنا راضين، ولو أنا هناك من يشاهد بؤسنا وجوعنا وبردنا ومعاناتنا مع الطبيعة لظن أن الجنون قد مسنا.

حافظنا على نظافتنا الشخصية قدر الإمكان كما حافظنا على نظافة سلاحنا لشعورنا بأهمية استخدام ذلك السلاح في الوقت المناسب، وكنا قد جمعنا بعض القنابل اليدوية والطلقات ونقوم بتنظيفها كل فترة كما كنا نحافظ على الصلاة والصوم ولم تنقطع دعواتنا إلى الله بأن يحقق أمنيتنا في الوصول لأهلنا سالمين، وكان ذلك أقصى أمنية لنا أن نصل سالمين ونأكل ما نحبه وما حرمنا منه وننام في أمان ولم يتجاوز تفكيرنا أبعد من ذلك وكان شاغلنا الحقيقي هو موقف أهلنا الآن بعد هذا الوقت وكان الأمل في العودة يراودنا دائما مع تأكدنا من قدراتنا على مواجهة الصعاب بعون الله ثم بإرادتنا الحديدية.

علمنا من البدو في بداية الأمر بوجود مركب تتحرك بين ضفتي قناة السويس منذ حرب
يونيو 67 إلى الآن لنقل بدو سيناء إلى ذويهم في مصر والعكس وذلك بتصاريح من مخابرات الجانبين وكان العدو يستغل هؤلاء البدو في الحصول على المعلومات منهم بالصفة الودية أو الغير ودية حتى امتنع الكثير منهم من السفر إلى مصر لما يلاقونه من عذاب بسبب هذه الزيارة ومنهم علي بركات بالرغم من وجود عمته وأم زوجته فاطمة وكذلك أخت فاطمة وعمه بالسويس والذي هاجر إلى القاهرة بعد ضرب السويس وغيرهم من الأقارب، وكنا على أمل أن تستمر تلك الرحلات حتى يمكننا إرسال ما يطمئن أهلنا وطبعاً ليس خطاباً أو ما شابه ذلك لأن العدو يقوم بتفتيش المسافرين تفتيشاً دقيقاً.

وفي نهاية هذا الشهر وصل الإخوة البدو من إيلات وقاموا جميعا بزيارتنا وأحسسنا بفرق كبير حيث ازدادوا وزناً وارتدوا الملابس الجديدة وظهر عليهم البهجة والسرور، وسعدنا بلقائهم وسعدوا هم كذلك، وقصوا علينا ما حدث وما رأوا خلال زياراتهم والأعمال التي مارسوها وهى أعمال يدوية بسيطة ولكن كان العدو يجزل لهم العطاء بالنسبة لحالتهم وهو يستفيد منهم تماماً لأن مرتباتهم قليلة جداً بالقياس لمرتبات الإسرائيليين في نفس العمل، وأحضروا معهم بطاريات جديدة للراديو وبعض أنواع الحلوى والفاكهة بالإضافة إلى الدقيق وعلبة سمن، وبالطبع قضينا وقتاً سعيداً وكانوا سعداء بأننا ما زلنا بخير وأن الأمور تسير على ما يرام وطبعا كان ملحوظا لهم ضعف أجسامنا ونحافتنا وسوء حال ملابسنا وعاتبونا بأننا لا نأكل جيداً وأننا نقسوا على أنفسنا وعلينا أن نأكل الموجود والله عليه الرزق وشكرنا لهم مودتهم وأبلغناهم أننا والحمد لله بخير ونأكل ولا ينقصنا شيء غير الرحيل، وحاولوا إقناعنا أن نؤجل هذه الفكرة حتى يتم الحل السلمي الذي يقال أنه قريب على حد قول العدو في كل مكان بإسرائيل وهو أفضل لنا ولكم ولكن عندما وجدوا إصرارنا قالوا إن ذلك الأمر يحتاج إلى دراسة وتجهيز وسيتم المناقشة فيه خلال الزيارة القادمة ويكونوا قد قاموا بمعرفة موقف العدو حولهم في المنطقة لأنهم بعيدون عن المنطقة منذ فترة.

وخلال زيارتهم الثانية أبلغونا بأنهم لن يستطيعوا التحرك معنا خلال رحلة العودة التي تصل مسافتها حوالي مائتي كيلو متر وهي رحلة طويلة ومحتمل أن نقع في كمين للعدو أو تعثر علينا دورية أو يرانا أحد العملاء فيبلغ عنا، وأفهمناهم أننا لا نريدهم معنا ولكننا نريد أول الطريق الصحيح وسنحاول نحن العودة وربنا يوفقنا وأنه إذا حدث لنا أي مكروه فلن نمكن العدو من أسرنا فسوف نقاومه حتى الموت الذي لم نعد نخشاه وكذلك لن نبيح بسرهم مطلقا حتى بعد وصولنا إلى مصر خوفاً من تسرب أي معلومات للعدو عنهم ولن نبلغ بأسمائهم أو مكانهم لأي جهة مصرية حتى يتم الجلاء الكامل، وشعرنا بالقلق من عيونهم وقدرنا كيف يحس هؤلاء المساكين بالرعب من العدو في الظروف العادية فما بالك لو علم العدو أنهم يعاونون عناصر صاعقة بالمنطقة وهناك شيء هام بالنسبة لنا وبالنسبة لي شخصياً في هذه الزيارة حيث أبلغني أحد البدو نقلاً عن مجموعة بدو أخرى كان يستخدمها قوات الصليب الأحمر الدولية والبوليس الدولي والقوات المسلحة المصرية والقوات الإسرائيلية في البحث عن الجثث في مناطق القتال وقد تشكلت اللجان من العناصر المقاتلة لكلا الطرفين وتم البحث عن الجثث وأن العدو نقل كل جثث ضحاياه في جنوب سيناء بعد القتال مباشرة وسمع أحد البدو حديثا بين جنديين إسرائيليين في منطقة جبل وتر التي تمت فيها معركتي مع العدو، بوجود قتلى إسرائيليين قتلهم المصريون بعد معركة قاتل فيها المصريين بشراسة غير متوقعة، وسعدت سعادة بالغة لسماعي هذه الشهادة من العدو وسعد كل رفاقي وشعرنا بالفخر أمام البدو الذين كانوا يشعرون بالسعادة بترديد هذا الكلام بينهم وشعرنا بمدى سعادتهم عند إصابة العدو بأية خسائر.

وأمام إلحاحنا على الرحيل طلب البدو إعطائهم الفرصة للإعداد لذلك واختيار الوقت المناسب وإصلاح عربتهم الجيب الروسي القديمة لتوصيلنا بها ليلاً لأطول مسافة ممكنه حيث التحرك بها ليلاً أقل خطورة ويكونون أيضاً تحركوا في المنطقة عدة مرات لاختيار طريق أمثل سواء بالعربة أو على الأقدام طبقا لمناطق نقط تفتيش العدو على الطريق، وكنا نسألهم عن الطريق وطبيعته ومناطق تواجد العدو فكانت إجاباتهم غير واضحة وغير مؤكدة لعدم تحركهم في ذلك الطريق منذ زمن بعيد كذلك لتحركهم بالعربات من تلك المناطق وعدم اهتمامهم بأماكن العدو بالإضافة إلى أن هناك تغييراً كبيراً بعد الحرب وأصبح للعدو مناطق تواجد غير مرئية للمتحركين على الطرق بالعربات.

وظللنا نتابع الموقف السياسي وبدأنا في إعداد أنفسنا معنوياً لرحلة العودة وحاول البدو إقصاءنا عن فكرة العودة في هذا الوقت فرددنا عليهم بأننا الآن لا نجد سببًا لعدم الرحيل وسنعود بإذن الله إلى أهلنا قبل أن يحدث لهم أي مكروه بسببنا، وقمنا بقص شعرنا وازداد معدل الأكل قليلاً وكنا نحلم بعودتنا جميعًا سالمين وكنا نفكر إذا قامت مجموعة من العدو باعتراضنا وكيف سيتم مباغتتهم وضربهم بإصرار حيث لا مفر لنا إلا القتال حتى الموت وهو أصعب أنواع القتال الذي يصعب أن يواجهه أي عدو وكنا على ثقة بالله سبحانه وتعالى ثم أنفسنا ولكن كنا نفكر أحيانًا في الموت الذي هو قريب منا واستمرت صلاتنا ودعواتنا للعودة سالمين، وأصبحنا في انتظار إشارة البدو ببدء رحلة العودة.

وقام البدو بزياراتنا مرة أو اثنتين وكانوا يقولون أن الوقت ليس مناسبًا وقريبًا سيتم التنفيذ بإذن الله، وأثناء وجود عبد الحميد فوق الجبل لإحضار بعض الأعشاب سمعنا صوت طائرة هليكوبتر تحلق على ارتفاع منخفض جدًا وحلقت فوق المغارة وخشينا أن يكونوا قد رأوا عبد الحميد وخاصة أن الجبل مكشوف من قمته التي تشبه المطار المستوي وعاد عبد الحميد يلهث ويقول أن الطائرة كانت قريبة منه جدًا ولكن الحمد لله فقد استغل العشب الكثير الذي كان يحمله معه واختفى أسفله ومرت الطائرة دون أن تراه، وقلقنا بعدها ليوم أو يومين وأعددنا أنفسنا للقتال لو هاجمنا العدو في هذه المنطقة، وانتهى شهر مارس وكنا مستعدين ومنتظرين إشارة البدو.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech