Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

اللواء احمد رجائي - الجزء الثالث

إهــداء

هذه خطوات ونواصى فى حياتى.

أى عمرى كله.

فلمن أهديها .. بعد أن كانت وجهتى فى كل فعل إلى الله وحده.

أى نذرتها من قبل قرباناً إليه .. عسى أن يتقبلها منى. وهو وحده الشهيد العليم بما فى الصدور .. وليس من دونه ملتحدا.

                                           أحمد رجائى عطية

                                         القاهرة فى:1/7/2009

 

مكتب مخابرات الغردقة

بعد التحركات المكوكية للمبعوث الأمريكى بين مصر وإسرائيل وقبول مصر إيقاف النيران – وأعتقد أن ناصر قبل ذلك لكى تتمكن مصر من بناء حائط الصواريخ على خط المواجهة مع إسرائيل لتتمكن الطـائرات المصرية المقاتلة من التحرك فى أرض المعركة بحرية – وقد تم نشر هذه الصواريخ على طول الجبهة فى أعظم عملية خداع قامت بها المخابرات الحربية المصرية بقيادة اللواء (عبد الرحمن محرز) قائد المخابرات الحربية آن ذاك – لتسكن الصواريخ المضادة للطائرات بطول الجبهة مكونة بما يسمى حائط الصواريخ.

ومع سكون الحالة ووقف العمليات الحربية بدأت حالة الرفض ترجع لى ثانية .. متمثلة فى لقاءات مع بعض الضباط المقربين لى آن ذاك وهـم الرواد فى ذلك الوقت (على هيكل) و(أسامة إبراهيم) و(عليمى الديب) و(محمود محرم) وكلهم من الصاعقة وقادة مجموعات عدا (محمود محرم) الذى كان يقود الكتيبة 93 صاعقة وكانت حساسية موقعة أنه فى جبل الأحمر على بعد عدة كيلو مترات من وزارة الحربية .. والمقدم (طارق منتصر) من المدرعات و(جلال النادى) من القوات الجوية.

وعندما علم الفريق (محمد صادق) بذلك عن طريق العميد (إبراهيم سلامة) قائد المجموعة 13 بالمخابرات الحربية – قرر استبعادى من مصر بإرسالى إلى السعودية كضابط اتصال بدرجة ملحق حربى بعد أن عادت العلاقات مع السعودية .. مثلما ما فعل مع اللواء (عادل سوكه) الذى أرسله ملحق حربى بتركيا – وكانت هذه طريقته فى التوازن الأمنى .. حيث كان يهمه بالدرجة الأولى الروح المعنوية للقوات المسلحة .. فكان يتعامل مع هذه المـواقف بالاسـتبعاد وليس بالقبض على رموز القوات المسلحة .. مثل ما ذكر لى ذلك فيما بعد المقدم (عصام الباز) مدير مكتبه فى ذلك الوقت. ومع رغبتى لعدم ترك مصر فى هذا الوقت العصيب وانتظارنا للمعركة الفاصلة فى أى وقت .. أو على الأقـل أملا فى رجوع  معارك الاستنزاف مرة أخرى.

وفى أيام قليلة وجدت جميع أوراقى جاهزة للسفر وتم استخراج الباسبور الأحمر الخاص بالدبلوماسيين وكان آخر عمل مكلف أن أقوم به أن أقابل السفير السعودى بالقاهرة بمقره بالزمالك .. ولكنى قررت أن افتعل معه مشـادة أو موقفًا معاديًا حتى لا أسافر .. وفعلا تم ذلك.

فاستدعانى الفريق (صادق) معاتبا .. وقال لى عليك أن تختار بين مكتب مخابرات السويس أو الغردقة – فقلت له مكتب الغردقة وطلب منى التنفيذ فورًا.

وقد اخترت مكتب الغردقة لمعرفتى لأهل جنوب سيناء والذى سوف أستغلهم فى أعمال خلف خطوط العدو .. رغم ايقاف النيران بين مصر وإسرائيل. 

ورغم ذهابى للعمل بالغردقة إلا أن مجموعة الضباط التى ذكرتها لم تنقطع بيننا الاتصالات وزادت أكثر كلما امتد إيقاف النيران لثلاثة أشهر أخرى .. إلى أن توفى (جمال عبد الناصر) وتولى السادات الحكم - وطفح بنا الكيل وظهر لنا عدم وضوح الرؤية فى أننا سوف نخوض المعركة الفاصلة مع العدو – وكان هذا واضحا من خطب ووعود السادات ولكننا كنا لا نعى سياسته فى خطة الخداع الذى يتبعها .. أو عزمه على المعركة.

وكنا فى حالة حماس شديد وتسرع لتغيير قيادات الحكم .. لم يقلل منها إلا الرائد (علي هيكل) والرائد (عليمى) .. حيث كانا أكثر حكمـة وتريثاً للأمور – لدرجـة أنى والنقيب طيار (جلال النادى) قررنا توريط المجموعة فى سرعة التنفيذ .. حيث كان (جلال) هو نفسه طيار الرئيس (السادات) وقررنا أن فى أول تحرك مع الرئيس سوف ننفذ العملية وإخطار الزملاء بالتحرك حسب الخطة الموضوعة للاستيلاء على وزارة الحربية والإذاعة والتليفزيون وتغيير قيادات  الجيش .. إلا أننا فشلنا فى التنسيق أكثر من مرة .. وذلك لسرية تحركات الرئيس وتغيير أسلوبها فى كل مرة .. علاوة على صعوبة الاتصال فى هذا الوقت .. والحـرص فى التحـركات لأننى على الأقل كنت معلومًا ومرصـود لدى جهاز المخابرات الحربية (المجموعة 75، 13) .. وكنت على يقين من ذلك ومع هذا لم يكتشف هذا التجمع المكون من 2 مجموعة صاعقة وكتيبة ومجموعة مدفعية الصاعقة ولواء مدرع والطيار الخاص برئيس الجمهورية .. لقد كانت كل تحركاتنا مدعومة بسرية تامة – وكنت أموه عن هذا التجمع بصداقات مع أناس ليس لهم صلة على الإطلاق بهذا التجمع .. وهذا ما جذب انتباه المتتبعين لى ولكن إلى لا شىء وأحب أن أنوه هنا أن رغبتا وإصرارنا على القيام بانقلاب عسكرى .. كان ليس حبا فى سلطة أو أصلاح فساد .. ولكنه كان فقط لكى نقوم بحرب ضد العدو واسترداد الأرض والانتقام لشهدائنا – لقد كانت هذه هى مشاعر كل الجيش المصرى .. بل الشعب أيضاً.

وهكذا لم تحقق هذه المجموعة ما خططت له رغم تماسكنا وإصرارنا على الهدف .. إلى أن قامت معركة 73 .. فكانت شفاءً لصدورنا ودرءًا لأى مبرر لنا. 

 

استلام العمـل

    فى أوائل شهر يونيو عام 1970 توجهت إلى مدينة الغردقـة لاستلام العمل وكان المفروض أن أكون ضمن قوة الخدمة الخاصة والذى كان العقيد فائق هو رئيس الفرع بالقاهرة والذى لم أتوجه للعمل عن طريقه .. بل أخذت أوامرى مباشرة من اللواء (محرز) مدير المخابرات وقت ذلك .. وكان قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية هو اللواء (سعد الشاذلى) والذى كانت تربطنى به علاقة احترام رغم اختلافى معه عندما تولى قياده القوات الخاصة فى عام 67 .. والتى كانت نتيجتها انتقالى إلى العمل بالمخابرات الحربية فى نفس تخصصى وهو العمل الخاص خلـف الخطوط كما ذكرت ذلك من قبل. وكان النقيب (محمود محرم) قائد الكتيبة 93 صاعقة متمركز بالغردقة فى هذا الوقت لفترة .. وهى نفس الكتيبة التى شاركت فصيلة منها فى معركة شدوان البطولية.

وفى أول يوم قابلت (محرم) الذى أخبرنى أنه منذ يومين تم دفع ضابط يدعى الملازم أول (ثروت) لاستطلاع منطقة الطور .. وفى اليوم التالى تم دفع نفس القارب ومعه رقيب لإحضار الضابط ولكنه رجع بدونه مدعيا أن مركب إسرائيلى طاردته.. وأن الرقيب اتصل لاسلكيا بالضابط لالتقاطه وفهم منه أنه وقع فى الأسر فطلبت الجلوس مع الرقيب وقائد مركب الصيد.

ولكنى من استجوابهم وبخبرتى علمت أن قصصهم مفبركة .. وأنهم جبنوا ولم يتموا مأموريتهم لالتقاط الملازم (ثروت) ومن الطريف أن الملازم (ثروت) هذا .. كان له قصة معى قبل ذلك .. حيث كان ترتيبه من الأوائل فى فرقة الصاعقة .. والمفروض أن يتم حجزه للعمل بوحدات الصاعقة ولكن للأسف فى أنه كونه مسيحى رفض قادة الأفرع بمدرسة الصاعقة على الانضمام إلى قوات الصاعقة .. ولكنى تشددت فى هذا الأمر وصممت على أن يحجز بقوات الصاعقة لدرجة أننى هددت بالاستقالة .. ولكن بحكمة المقدم (صلاح عبد الحليم) قائد مدرسة الصاعقة حين ذاك .. صدق على حجزه ضمن قوات الصاعقة واعتبرت ذلك انتصارًا لى لكسر أى تفرقة فى المواطنة للعاملين بالصاعقة.

وها أنا ذا مرة أخرى يضعنى القدر فى طريقة لأتدخل لإنقاذه من خطر يحيق به .. حيث توجهت أنا والنقيب (محرم) إلى اللواء (سعد الشاذلى) لأخبره أن قصة الرقيب غير سليمة وسوف أتدخل كمكتب للمخابرات لإنقـاذ الضابط وإحضاره من مدينة الطور .. ولكنى فؤجئت باللـواء (سعد الشاذلى) برفضه للتدخل من قبل المخابرات على أساس أن المأمورية خرجت من قيادة المنطقة وان الأمر متروك لها .. ولكنى أديت التحية وخرجت من مكتبه بقيادة المنطقة العسكرية بالبحر الأحمر .. حيث كنت قد جهزت مسبقا القارب والدليل الذى سوف أدفعه لإحضار الضابط ومع معرفتى للأرض  بمدينة الطور وفعلا توجه الدليل فى نفس الليلة ورجع فى نفس الليلة إلى الغردقة وقد أحضر الملازم ثروت معه. وعندما دخل (ثروت) ومعه الدليل صباحا إلى مكتبى .. طلبت (محمود محرم) تليفونيا ليحضر ومعه الرقيب .. وعندما دخل مكتبى فوجىء محرم بالملازم (ثروت) يجلس أمامى – وقلت لـ (محرم) تقدر دلوقتى تأخذ (ثروت) والرقيب إلى اللواء (الشاذلى) لكى يتصرف فى الأمر.

وعلمت فيما بعد أن اللواء (الشاذلى) حاكم الرقيب محاكمة عسكرية ووقع عليه جزاء العزل والسجن ثلاث سنوات.

وقد أكسبنى هذا الموقف الثقة والاحترام بين ضباط منطقة البحر الأحمر .. والأهم بين بدو جنوب سيناء الموجودين بالغردقة .. والذين بدأو للتسابق للتعرف علىَّ أكثر وعـرض خدماتهم وخاصة الشباب الذين لديهم الدافع للعمل الفدائى وقد استثمرت هذا الموقف فى تجميع بعض منهم لتدريبهم على أعمال الضرب بالصواريخ وعمل رص الألغام والأشراك الخداعية .. وزاد حماسهم لمعرفتهم بما قمت به سابقا أثناء معارك الاستنزاف السابقة .. وأصبح لديهم الحماس للقيام بنفس الأعمال وخاصة بعد تدريبهم على هذه الأعمال.

 

اللعب على المكشوف

     كما أكسبتنى واقعة الملازم ثروت ثقة بدو سيناء الموجودين بالغردقة – فقد ساقتنى الأحداث لموقف آخر أكسبنى ثقة بدو جنوب سيناء الموجودين فى جنوب سيناء تحت الاحتلال. كما قلت سابقا أن عملية الكمين السابقة التى تمت على الطريق الاسفلتى بالطائرة والقبض على ابن شيخ القبيلة ويدعى (عيد المغبش).

فقـد قررت أن أضع مخططًا للإفـراج عنه .. وفعلا أرسـلت إلى شـيخ القبيلة أبلغـه أن أبنـه سيتم الإفراج عنه فى خلال شهرين على الأكثر .. وكان هذا لا يخطر على باله أبدًا.

فأرسلت فى استدعاء أحد البدو الموجودين بسيناء ويدعى محمد سالم أبو بريك .. لعلمى أن هذا الرجل ذو ثقة عند العدو حيث كان يجيد اللعب على الحبلين بيننا وبينهم .. ولا أقدر أن أقول أنه عميل مزدوج لأن حتى هذه النوعية من البدو كانوا قلبا وقالبا مع وطنهم مصر .. إلا أنهم كانوا يتمتعون بالحنكة والسياسية لتسيير أمور ذويهم.

حضر (محمد سالم) إلى مكتبى بالغردقة وأعددت له غذاء فاخر وأمضى معى اليوم كله فى حفاوة وألتقط لنا مصور  المكتب صورة وأعطيته نسخة من الصور – وعن عمد سربت له عن قصد بعض المعلومات وبشكل عفوى عن قواتنا وهى معلومة لا تضر – ولكن كان الغرض منها أنه عندما يرجع إلى جنوب سيناء سوف يقابل قائد مكتب المخابرات الإسرائيلى ويدعى أبو الديب (وللعلم كان هذا الاسم حركى لكل من تولى مكتب مخابرات جنوب سيناء) .. ليبلغه بهذه المعلومات والصور سوف يتم إرسالها والرفع من شأنه على أساس أنه متدخل فى الشخصيات الهامة المصرية .. ثم ذكرت له العملية التى كانت نتيجتها سجن عيد المغبش 7 سنوات نتيجة تشابه كاوتش سيارته مع كاوتش الطائرة الهليوكبتر والتى بسببها تمت محاكمته .. وقد ذممت فى عيد .. لأنه رفض التعاون معنا فى مرات سابقة .. والله قد أنتقم منه لأنه غير وطنى .. وذكرت بعض الصفات التى تدل على كرهى له .. وفعلا عندما رجع (محمد سالم) ذكر ذلك كله – ولم يمضى شهر ونصف إلا وقد تم الإفراج عن (عيد) .. والذى أسعد ذلك كافة البدو بالجنوب .. وهم لا يعلمون سبب الإفراج عنه – إلا أبوه وقد أرسل لى امتنانه .. وقال أن أى طلب سيكون هو وقبيلته تحت أمرى .. وهى قبيلة المزينة بالطور وجنوب سيناء وفى زمن بسيط مهدت للعمل الفدائى بواسطة البدو سواء بالنسبة للمقيمين بالغردقة أو المقيمين بجنوب سيناء.

وبدأت فعلا فى التخطيط لأكبر عملية مسح لاستطلاع كافة المناطق بجنوب سيناء. وكذلك تنشيط أعمال التلغيم والضرب بالصواريخ رغم إيقاف النيران .. لأن القائمين هم أهل المنطقة المدنيين – أى رجعت مرة  أخرى لأعمال منظمة سيناء.

وقد طلبت من اللواء محرز (مدير المخابرات) خمسة قوارب مطاطية وقمت بتدريب البدو على قيادتها وصيانتها وإصلاحها حيث اعتبرت أن العمل عن طريق مراكب الصيد البطيئة .. هو عمل غير فعال .. وخاصة بعد أن شكل العدو وحدته الجديدة والتى أسماها (الوحدة 242) .. وسأذكر قصة إنشاء هذه الوحدة فيما بعد.

وقد نفذت فى فترة 9 شهور ما يقرب من 26 عملية ما بين استطلاع وأعمال تلغيم إلى أن استدعانى اللواء (محمد صادق) لمهمة فى القاهـرة فى هيئـة عمليات القوات مع العقيد (حسن الزيات) – وكانت هذه المهمة هى المشاركة فى التخطيط للعمل على جنوب سيناء وذلك ضمن مهمة (الخطة جرانيت) والتى نفذت فى معركة 73 .. وقد علمت أن الذى طلبنى للانضمام إلى هذا العمل هو العقيد (حسن الزيات) نفسه لعلمه بمعرفتى بجنوب سيناء .. وكذلك لاشتراكى معه فى عملية الاستطلاع القتالى التى تمت عندما قام العدو بالإغارة على منطقـة الزعفرانة فى عام 1969 .. وما كان بيننا من تناغم وتناسق فى العمل رغم إننا كنا نتقـابل لأول مرة .. وفى عمل حساس.

ورغم أنى كنت أصلا من قوات الصاعقة وهو من قوات المظلات ولكنه كان يخدم فى هيئة العمليات وأنا ضمن المجموعة 39 بالمخابرات الحربية .. وكان معنا فى هذه المهمة الطيار (جلال النادى) – والذى كان كالعادة يتمتع بجرأة وحنكة فى هذه العملية – والذى بفضله تمكنا من عملية الاستطلاع القتالى مع العدو فى منطقة وادى عربة والزعفرانة .. وتوصيل المعلومات أولاً .. بأول .. رغم تفوق العدو الجوى.

نرجع مرة أخرى إلى الخطة جرانيت والتى شاركت فيها بالتخطيط مع حسن الزيات فى الجزء المخصص للعمل بجنوب سيناء .. والتى كان الهدف منها السيطرة على جنوب سيناء وخاصة منطقة شرم الشيخ – ورأس نصرانى بغرض إغلاق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية لاستخدامها كورقة ضغط على إسرائيل للانسحاب من سيناء أو للتفاوض كما يتراءى للقيادة السياسية.

وبعد انتهاء مرحلة التخطيط .. كلفت من قبل الفريق (صادق) للقيام بتدريب قوات الصاعقة المشتركة فى التنفيذ والتى كانت ستتم بواسطة 40 قاربًا مطاطياً وطائرات الهليكوبتر .. وناقلات بحرية للجنود وقد اخترت منطقة الفيوم للتدريب لاستغلال بحيرة قارون للتدريب على العبور بالقوارب ولأعمال القتال فى الجزء الغربى من الجبال المحيطة بالبحيرة.

وكان لا يعلم بتفاصيل الخطة إلا أنا والعقيد (حسن الزيات) كقيادة عامة ومن قوات الصاعقة رئيس العمليات المقـدم (صالح فضل) والمقدم (فاروق الفقى) رئيس الفرع الهندسى لقوات الصاعقة – وقد تحملت مسئولية تدريب أربعين صف ضابط حديثى التخرج للتدريب على قيادة القوارب وصيانتها وكذلك الملاحة البحرية .. وما يصاحب ذلك من عمليات الإنزال البحرى والإبرار الجوى لقوات الصاعقة .. إلا أنه وقبل انتهاء التدريب الذى استمر قرابة الشهر .. رصدت وحدات الاستطلاع .. والاسـتطلاع اللاسـلكى عن وجود تدريب للعـدو بنفس الأسـلوب وفى أماكن ما. مما يدل على أن هذه الخطة قد تسربت للعدو .. وفعلا استدعانى الفريق (محمد صادق) ومع العقيد (حسن الزيات) للوقوف على الأمر .. ونشطت أجهزة المخابرات لتكتشف أن المقدم (فاروق الفقى) ما هو إلا عميل لإسرائيل بقصته المعروفة والتى أنتجت فى فيلم (الصعود للهاوية) – وهو الذى كان ضمن الأربعة الملمين بالخطة وكان مشاركًا معنا فى التدريب بمنطقة الفيوم مما جعله مطلعًا على التفاصيل التى أوصلها إلى إسرائيل.

لقد كانت شخصية (فاروق الفقى) غريبة الأطوار .. لقد كان مخلصا جدًا فى أى عمل يقوم به .. حتى التجسس .. لقد كان جاسوسا مخلصا .. حيث كان يبـلغ عن أشياء ليس مطالب بها .. أمام حبه الشديد لمن قامت بتجنيده وهى مصرية كانت تعيش فى باريس واسـتغلت هـذا الحـب فى تجنيده – العقيد (فاروق الفقى) كان يرافقنى فى تدريب الأفراد على القوارب .. وعندما تنتهى ساعات التدريب .. كان يبقى معهم بعد أن أغادر المنطقة إلى المنزل ليشرح لهم الفنيات ويستزيدهم فى التدريب .. لقد كانت شخصيته .. شخصية غربية الأطوار.

كان كل هذا فى عام 71 .. وعندما جاء توقيت تنفيذ ذلك فى عام 73 (معركة أكتوبر) .. استدعانى (سعد الشاذلى) برفقة اللواء (نبيل شكرى) ليعطينى خطابا صادرًا من القيادة (مركز10) بمسئوليتى على تنفيذ هذا المخطط ضمن قيادة منطقة البحر الأحمر .. ولكنى فوجئت بتغيير شامل للهدف والخطة وأسلوب التنفيذ – فالغرض كان التحكم فى خليج العقبة - ولكن مع عدم وجود قوات للسيطرة على الأرض حيث تم إلغاء اشتراك أى وحدات من المظلات أو كتيبه المشاة التى كانت ستعبر إلى منطقة الطور– ولا تنسيق بين وحدات الصاعقة برًا أو بحرًا أو جوا مع تقدم اللواء الأول والذى مفروض أن يتقدم من خلال عيون موسى إلى الطور.

واختصر العمل على إنزال وحدات الصاعقة لتنفيذ مهمة دفاعية على الأرض التى سيتقدم فيها اللواء الأول مشاه من خلال الجيش الثالث الميدانى مخترقا عيون موسى إلى رأس سدر.

فلأول مرة يعطى واجبًا دفاعياً لوحدات خاصة (الصاعقة المصرية) مما يحكم بالفشل على العملية قبل أن تبدأ – واعترضت على هذا التغيير فى الخطة .. لكن الأوامر هى الأوامر. وهنا شعرت أن الرئيس (السادات) كان لاختياره اللواء (سعد الشاذلى) أبعد ما يكون عن التوفيق أو الحكمة .. على الأقل من وجهة نظرى فى هذا الجزء من العمل. وفعلا أن ما حدث من خسائر غير مبررة فى هذه العملية فى معركة أكتوبر 73 بمنطقة جنوب سيناء مؤسف للغاية .. بل كان استخدام الصاعقة أيضا فى شمال سيناء ابعد ما يكون عن الصواب لاستخدام مثل هذه القوات .. مما عرضها لخسائر كبيرة دون الاشتراك فى المعركة .. وأعتبر أن المسئول الأول عن هذا هو اللواء (سعد الشاذلى) وكذلك كل من صادق على هذا التغيير فى استخدام قوات الصاعقة.

عملية الكيلو 99

      فى الجزء السابق شرحت بموجز ما تم منذ إيقاف النيران عام 70 إلى معركة 73 والتى شاركت فيها ضمن مجموعتى من وحدات الصاعقة .. لقد كان قواد هاتين المجموعتين هما الرائد (كمال عطية) والرائد ( سمير توفيق) والتى أبرت فى منطقة جنوب سيناء والتى قاتلت بما لديها من إمكانيات بشرف ولآخر جندى لدى هذه القوات فى ظروف صعبة للغاية وبتخطيط مخالف تماما لمهام الصاعقة .. بعد أن بدله اللواء (الشاذلى) إلى مهام دفاعية لا تناسب فعل هذه الوحدات ثم انتهت مهمتى لأنضم ثانية إلى قيادة الصاعقة بألماظة حيث كنت قائدًا لمدفعية وحدات الصاعقة والتى توزعت بالفعل على كافة مجموعات الصاعقة سواء المضادة للدبابات وهى كتيبة (الميلودكا) و فوج (المسار) وهى وحدة صواريخ الميدان المسلحة بصواريخ (جراد/ب) وهذا الصاروخ يتميز بأنه من أشد الصواريخ القتالية حيث تشمل الدانه على خمسة آلاف بلية وهو صاروخ متفجر/حارق ومداه يصل 11 كم فوضعت مخططًا للمرور على هذه الوحدات الملحقة على مجموعات الصاعقة وعندما زرت المجموعة (127 صاعقة) والتى كان يقودها الرائد (جمال فهمى) وهى متمركزة بطريق السويس عند الكيلو 99 .. وملحقة للعمل مع اللواء مشاة وكانت هناك كتيبة مشاة ملاصقة لمجموعة الصاعقة تتمركز فى طريق السويس فى خطوط دفاعية وكانت مجموعة الصاعقة تتمركز تحت جبل عتاقه جنوب الكتيبة المشاة .. ولكن استطلاعى للمنطقة وتحليلى لها أثبت الآتى:

وجود مسافة بين كتيبة المشـاة المصرية بقيادة المقدم (صلاح الحلبى) والذى أصبح رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة فيما بعد ثم رئيس الهيئة العربية للتصنيع وبين قوات العدو حوالى 2كم والكتيبة المصرية عند الكيلو 98 والعدو عند الكيلو 100.

وجود تبة قريبة من القوات المصرية أكثر منها لجهة العدو ومع هذا فإن قوات العدو تقترب يوميا من هذه التبة قبل آخر ضوء وتقوم بالتدريب على الرماية بالدبابات على هذه التبة.

وجود مضيق بين المجموعة (127) صاعقة والكتيبة المصرية غير مؤمن ولكنه محدد بنواطير من الزلط وغير واضح المعالم حوالى 200 إلى 300 م متصل بمضيق رئيسى يسير أسفل جبل عتاقة لينتهى عند وادى حجول خلف قيادة الجيش الثالث الميدانى وبينه وبين القاهرة 40 كم.

عندما صعدت فوق سلسلة جبال عتاقة وجدت فوق قمة كل جبل مربع محدد بالزلط .. مما يدل على أن هناك أشخاصًا ما حددت هذه الأماكن كعلامة لهبوط الهليكوبترات.

وجود منطقة إدارية فى العمق للعدو بحوالى 11 كم وموقع مدفعية 155 مم .. كان ظاهرًا جلياً بالنظارة المعظمة.

وعنـدما عـدت من الجـولة الاسـتطلاعية سألت المقدم (جمال فهمى) قائد المجموعة عن هذه الأشياء .. وجدت أن لا علم له بها – وقـال دى حاجات من زمـان .. ولكن كان تحليلى كالآتى:

يقوم العدو بتعويد القوات المصرية على أنه يتدرب فى هذه المنطقة مع أن هذه التبة قريبة جدا من المضيق غير الواضح ومعلم بالنواطير.

أن تحديد أماكن الهبوط فوق الجبال .. هى من أعمال العدو من وحداته التى تعمل خلف الخطوط.

واتضح جلياً أنه فى حالة تطوير هجومه سوف يستغل حركة هذه الدبابات مع آخر ضوء لتندفع كمقدمة لقوات أكبر عبر هذا المضيق والذى لا يبعد عن المضيق الرئيسى أكثر من نصف كيلو متجهًا إلى وادى حجول .. حيث يكون فى خلال ساعة خلف قواتنا وبينه وبين القاهرة 40 كم.

وذلك كله بمسـاعدة قـوات خاصـة تهبط فـوق قمم الجبال من الهليكوبتر .. وذلك لتأمـين تقدم قواته عبر المضيق.  شرحت هذا التحليل للمقـدم (جمال فهمى) .. والذى إجـابنى .. (متخفش أحنـا مصحصحين لهم قوى .. بس خليهم يعملوها .. وإحنا حنوريهم).

ولم يعجبنـى هذا الرد وقمت بعمل قد لا يكون دارجًا فى الأمور العسكرية وخاصة إذا سمعه رجل عسكرى .. فقد يقول: (إن هذا هراء) .. ولكن هذا ما حدث فقد أعطيت أوامرى بدون علم قائد المجموعة (جمال فهمى) إلى قائدى مجموعة (الفهد) الصواريخ المضاد للدبابات ومجموعة (المسمار) الصواريخ جراد (ب) .. بأن يحتل الفهد بأربع أطقم فى مكان مناسب للتبة التى يستخدمها الإسرائيليون للرماية فى آخر ضوء – وكنت قد دربت فى فترات سابقة بعض الأطقـم للرمايـة من أعلى إلى أسـفل بالصـواريخ الفهـد .. وهذا أصعب بكثيـر من الرماية السطحية – وبالصدفـة كان هنا ثلاثة أطقـم من الأربعة من المحترفين.

وكان الأمر للمسـمار بأن يحتـل أعلى قمـة أحد الجبال بعدد 2 لونشر ومع كل لونشر (قاذف) وأربعة صواريخ .. حيث كان الصاروخ الواحد يحمله فردان بعد أن يجزء إلى قسمين .. وقد حدد العدو التوقيت حيث إنه يحضر قبل آخر ضوء بساعة وينسحب مع آخر ضوء.

أعطيت أوامر بالاشتباك قبل انسحاب الدبابات مباشرة وفى نفس الوقت تم إطلاق الصورايخ على مدفعية العدو 155 ومنطقة الشئون الإدارية فى عمق قواته.

وكانت النتيجة تدمير ثمانى دبابات وهربت واحدة .. وإصابة مدفعية العدو ومنطقة الشئون الإدارية بإصابات مباشرة حيث كان الموقع مكشوفًا وبالعين المجردة من أعـلى الجبل – وتم سحب الأطقم بسرعة.

وأثناء ذلك كنت قد جهزت تقريرى مدعمًا بالصور من الكاميرا التى كانت معى إلى قيادة الصاعقة بمنطقة الماظة وتم تحميض الفيلم ثم توجهنا لعرض الموضوع على المشير (أحمد إسماعيل) بمركز قيادته .. حيث قال مداعبا هو أنت اللى اشتبكت بدون أوامر .. وقال مداعباً .. يبقى لازم تتحاكم – وأمر على الفور بأن يتقدم المقدم (صلاح الحلبى) .. فى نفس الليلة إلى الأمام بحيث يكون شرق التبة ويضيق المسافة بينه وبين العدو إلى مسافة كيلو واحد فقط .. وتم دفع عناصر مضادة للدبابات لصد أى هجوم من خلال المضيق المـؤدى إلى وادى حجـول – وأن تحتل مجموعة الصاعقة أعالى الجبال والسيطرة عليها – وقد تم كل هذا قبل أول ضوء من صباح اليوم التالى.

وكانت هذه آخر عملية بعد قبول إيقاف النيران – وأردت أن اذكرها بالتفصيل لتوضح أن القوات المسلحة ليست أوامر جامدة فقط بل كان المبدأ أن القيادات تقف بجانبك مادمت تؤدى واجبك .. حتى بدون أن تنتظر أوامر من الأعلى أو لو كنت حتى مخالفا للأوامر مادامت فى صالح الوطن.

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech