Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

اللواء احمد رجائي - الجزء الثالث - الناصية السابعه

 

الناصية السابعة

والله خير حافظ ...

وفى هذه الفترة بعد استبعاد الفريق أول (محمد صادق) من وزارة الحربية .. بدأ زبانية المخابرات الحربية .. الذين كانوا ينصحون بالقبض علىّ .. واكتفى (محمد صادق) باستبعادى من التشكيلات فقط حفاظًا على الروح المعنوية .. كما أخبرنى سكرتيره المقدم (عصام الباز) .. باعتبارى رمزًا فى هذه الفترة فى الأعمال القتالية.

ولكنى لمواجهه هذه الفترة استخدمت كل ما أملكه من مكر وفطنه فى إيقاع بعض من هؤلاء الأفراد فى بعضهم البعض .. بحيث أصبح الجميع يخفى ما تم تأشيره على الملف الخاص بى .. وفى الوقت المناسب طلبت نقلى إلى وحدات الصاعقة.

كما أن عبور بحر الرمال الأعظم مخترقا هضبة الجلف الكبير كان عملا رائدًا لم يسبقنى فيه أحد .. ولم يقدم عليه أحد من بعـدى حتى كتابـة هذه السـطور فى أواخر عام 2009 – وقد وصل الإنسان للقمر .. ولكن حتى الآن لم يعبر أحد هذه المنطقة (هضبة الجلف الكبير) .. وذلك لمخاطرتها وصعوبتها.

كما كانت عملية الكفرة اختبار لى وذلك لتمسـكى بمبـادئ معينة .. وللمرة الثانية أرفض الاشتراك فى القتالى ضد الإنسـان العربى.

وقد ذكرنى التكليف بإنشاء الوحدة777 (وحدة مقاومة الإرهاب) .. بنفس التحدى الذى واجهته عند إنشاء مدرسة صاعقة ومركز تدريب ووحدة (كتيبة صاعقة) بالجزائر .. حيث كان لا مرجعية ارجع إليها ألا خبرتى وتخطيطى سواء فى التشكيل أو التدريب .. ومع هذا كانت هذه المنشآت من أفضل التشكيلات وأشاد كل المحيطين بها.

وقد أخذ التحدى عندى للمواقف .. ممارسة المحترفين فى عملهم. وقد حصلت خلال حياتى العسكرية على ارفع الأوسمة والنياشين – حيث تم ترقيتى من رائد إلى مقدم فى معارك الاستنزاف .. وحصلت على النجمة العسكرية .. ونوط الشجاعة العسكرية مرتين .. ونوط الجمهورية العسكرية .. والتدريب .. والقدوة الحسنة .. والخدمة الطويلة .. ونيشان منظمة سيناء العربية.

 

المصرى

   الإنسان المصرى .. ما هو إلا خليط من كافة الأجناس سواء الأسيوى أو العربى أو الشامى حتى بلاد القوقارَ والأتراك وشمال أفريقيا – توالت كل هذه الأجناس عبر مئات السنين .. ولكن أرض مصر هى أعظم بوتقة فى العالم تصهر كافة القادمين إليها ليصبحوا مصريين دمًا ولحمًا .. ونيل مصر وطميها هو من أقوى الأكاسيد المذيبة لكافة الأجناس والعرقيات والمذاهب والأديان ليصبح مصريًا خالصًا. حتى الغـزاة وإن مكثوا بأرض مصر عشرات السنين .. لم يغـيروا فى شعبها .. لا فى العادات ولا التقاليد .. أو حتى اللغة.

بل يتأثر المستعمر به وليس كما تم فى أهل شمال أفريقيا أو بلاد الشام .. وقد يضيف من الثقافات الأخرى إلى ثقافته .. لكنه لا يعتنق ثقافة الغير.

قد يتمكن أى عدو أن يتقدم فى عمق مصر ما دام يسير فى صحراء ولكنه عندما يصطدم بمدن مليئة بالبشر فإنه يأخذ درسًا لا ينسـاه مثلما حدث فى معركة رأس العش وهى مدخل مدينة بور فؤاد أو كما حدث عندما أراد أن يدخل مدينة السويس فى معركة 73 – أو كما حدث للعدو فى بور سعيد فى حرب 56 – ومن قبلها فى معركة رشيد أو معركة المنصورة بقيادة الصالح أيوب وشجرة الدر.

لقد مـر الجيش الألمـانى بعشرات المدن مخترقا فرنسا وكذلك بولندا وغيرها .. ولم نجـد شـعبًا مثل بور سعيد أو السويس أو المنصورة.

حتى فى روسيا .. أن ذكر معركة ستالينجراد أو صمودها لم يكن بفضل شعبها .. بل بفضل الطبيعة التى ساعدت على عدم تقدم الجيش الألمانى .. كذلك وجد المستعمر فى فرنسا حكومة فيشى العميلة فى حين لم يجد فى مصر حكومة ينشئها فى سيناء عندما رفض أهل سيناء أن تكون لهم حكومة مستقلة عن مصر. هذا هو المصرى الذى يمكن أن تختصره بين كلمتين قالهما الأولى بعد معركة 67 عندما خرجت جموع البشر لتهتف يوم تنحى ناصـر وهو كلمة (سنحارب)  والكلمة الثانية (الله اكبر) عندما صدق وعده فى معركة 73. هذا هو المصرى الذى عندما أخذ أمرًا بالصمود .. لم يتزحزح عن رأس العش فى معركة 67 .. ولم يستسلم فى معركة موقع كبريت فى معركة 73 صامدا لمدة 62 يومًا أمام جيش العدو بكامل عتاده حتى تم إيقاف النيران. هذا هو المصرى الذى عاش وتعايش على الكفاف وبطاقات التموين لما يقرب من سبع سنوات ليوفر كل إمكانية لقواته المسلحة لردء العدو عن أرضه – وقد انخفضت معدلات الجرائم طوال هذه الفترة بل وانعدمت لتصبح صفر بدءً من معركة 73 .. ولمدة أشهر.

العودة إلى وحدات الصاعقة

بعد أن قمت بالاشتراك فى تدريب وحدات الصاعقة والقرر اشتراكها فى الخطة جرانبت بمنطقة جنوب سيناء .. رجعت على إدارة المخابرات لألتحق بالعمل فى فرع الملحقين الحربين قسم الملحقين العرب .. ولكنى بعد عدة أشهر أخبرت رئيس الفرع أنى لا أرغب فى هذا العمل وأنى لم أتعود على العمل بالمكاتب وعلى هذه الأرضيات الباركية .. فتم نقلى إلى مدرسة المخابرات الحربية والتى عملت بها كمحاضر ومعلم.

وما هى إلا أشهر حتى تم الانقلاب الصامت الذى قام به السادات فى رمضان (شهر أكتوبر) عام 1972 .. وذلك ليقيل الفريق أول (محمد صادق) من منصبه كوزير للحربية وبأنى بأحمد إسماعيل وزير للحربية .. ويبدل مدير المخابرات الحربية اللواء (مصطفى محرز) باللواء (فؤاد نصار).

وبدأ اللواء (فؤاد نصار) فى استبعاد أكثر من عشرين ضباط من الإدارة إلى وحداتهم .. وبعد فترة .. وبعد أن وجدت نفسى ولم يتم نقلى .. فطلبت مقابلة اللواء (فؤاد) .. وقلت له أن عملى كمدرس بالمخابرات الحربية لا يناسبنى .. وأنا طبيعة عملى القتال .. وأرغب فى أن أنضم إلى وحداتى الأصلية وهى وحدات الصاعقة.

فأندهش اللواء (فؤاد) أن أنا الضابط الوحيد الذى طلب نقله من إدارة المخابرات الحربية .. وأشاد بصراحتى فى الكلام.

فقلت له .. لكن لى مطلب .. الأول أنى أصلا ضابط مدفعية .. وهناك قرار أنه لا يخدم بوحدات الصاعقة ضمن المجموعات إلا ضباط المشاة .. ولكن خدمتى بالمجموعة 39 قتال فى أعمال قتالية أثناء معارك الاستنزاف .. تشفع لى أن أخدم بالصاعقة – ثانيا أن هناك تأشيرة على ملف خدمتى أن لا أخدم بتشكيلات قتالية (وكان قد أوصى بذلك العميد فريد سلامه وهو مسئول عن أمن الضباط).

ولكن اللواء (فؤاد نصار) .. رفع سماعة التليفون على الفور ليتحدث مع اللواء (نبيل شكرى) قائد وحدات الصاعقة .. ويطلب منه أن أنضم على وحدات الصاعقة وبالتشكيلات.

وعندما ذهبت إلى اللواء (نبيل شكرى) أخبرنى أن نشرة القيادة ستكون بعد 6 أشهر .. وعلىّ الانتظار على أن أتولى قسم التوجيه المعنوى بقيادة الصاعقة .. ولكنى طلبت منه أن أتولى قائد مدفعية وحدات الصاعقة .. حتى تتم نشرة الانتقالات.

وقـد طلبت منه أن نجمع كافة وحدات مدفعية الصاعقة فى تنظيم مجموعة قتال .. وفعلا تم ذلك .. وتم نقـل هذه المجموعة من إنشـاص إلى منطقة الماظة عند طريق السويس ومنطقة (شـيراتون فيمـا بعد) وكان اختيـارى لهذا الموقع هو التحكم فى طـريق السـويس وطريق الإسماعيلية فى حالة القيام بأى عمل إيجابى.

هضبة الجلف الكبير

(البحر الرمال الأعظم)

فى أعقاب معركة 73 .. انتهت تقريبا حرب 67 – 73 أو الجولة العربية الإسرائيلية الثالثة وما تلاها من زيارة القدس .. واتفاقية كامب ديفيد .. والتى كنت فى هذه الفترة عدت لأقود مدفعية وحدات الصاعقة مرة أخرى .. ولكن أصابعنا كانت على الزناد حتى رحل آخر جندى إسرائيلى عن تراب مصر.

وفى صيف عام 76 كلفت بأن أعيد استطلاع طريق باجنولد والذى يبدأ من الواحات الداخلة والخارجة إلى كفر البلاص جنوبا إلى واحة باريس إلى العوينات على حدود السودان ملتفًا حول هضبة الحلف الكبير ثم الاتجاه شمالا حتى واحة الكفرة .. وذلك بغرض استطلاع أماكن تشوين لأى أعمال ضد ليبيا .. حيث تحولت دفة وطبول الحرب من الشرق إلى الغرب ضد ليبيا وكان واضحا لنا جميعا أن الرئيس السادات افتعل ذلك إرضاء لأمريكا والتى كانت هناك شبه مواجهة عسكرية ومواجهة دبلوماسية كاملة بين ليبيا وأمريكا.

المهم قمت بالتخطيط لهذه العملية بتجهيز 5 عربات جيب أمريكانى وعربة نقل 3 طن ماركة (زيل) .. وطائرة هليكوبتر للمعاونة والإنقاذ .. تنتظر فى مطار أسيوط والعمل كقاعدة لنا متصلا بجهاز لاسلكى .. تحركت من القاهرة إلى صعيد مصر حتى أسيوط .. ومنها إلى واحات الداخلة والخارجة وبعد المبيت بالواحات .. بدأت رحلتنا عبر الصحراء الغربية السادسة صباحًا .. إلا أن الكثبان الرملية والرمال المتحركة .. والتى ليس لنا خبرة بالسير فيها – وأذكر أننا مكثتا فى أول عشرة كيلو متر من السادسة صباحًا حتى الثانية ظهرًا .. أى حوالى 8 ساعات .. حتى تدربنا تماما على السير فى الكثبان الرملية .. ولم يصبنا أى يأس .. فتحركنا حتى وصلنا كفر البلاص وهى منطقة خالية من أى مظاهر للحياة أو أى مبانى ولا أعلم فى سر تسميتها كفر .. ولكن كلمة بلاص فلأنها المنطقة التى دفنت الرمال المتحركة جيش قمبيز .. ويبدو أن الكم من القدر والبلاليص الفخار التى كان يحملها جيش قمبيز على البغال والجمال تجمعت فى هذه المنطقة والتى كانت واضحة جيدًا على سطح الرمال من كثرة شطف الفخار المبعثرة فى كل مكان.


لقد كانت وقفتى عند كفر البلاص مفترقاً هاماً لهذه العملية .. حيث كان على أن اتجه جنوبا إلى واحة باريس ثم العوينات ثم شمالاً مرة أخرى إلى واحة الكفرة بليبيا .. فى حين أن اتجاهى فى خط مستقيم إلى جهة الغرب .. يختصر المسافة تماما إلى واحة الكفرة ولكن بدراسة الأرض والخريطة التى معى كان هناك عائق وهى هضبة الجلف الكبير – والتى كانت عبارة عن سلسلة جبال تشبه سلسلة جبال سيناء المرتفعة جدًا .. وبين هذه الجبال كثبان رملية ورمال متحركة .. ومن هنا كانت صعوبة اجتياز هذا المانع وهى هضبة الجلف الكبير .. وهنا علمت لماذا التف (باجنولد) وهو ضابط إنجليزى قاد مجموعة خفيفة الحركة تسمى بمجموعة الصحراء بعيدة المدى .. وقام بعدة عمليات ضد القوات الألمانيـة فى شمال أفريقيا أثناء الحرب العالمية الثانية – وقـام باختراع بوصلة سميت باسمه (بوصلة باجنولد) وكان ذلك عام 1933 – وكذلك ألتف (كلايتون) وهو ضابط ألمانى .. قام باستطلاع نفس المنطقة لنفس الغرض التى قام بها (باجنولد) من شمال هضبة الجلف الكبير من عند الواحات البحرية اتجه شمالا ثم غربا متفادياً الهضبة ثم جنوبا إلى واحة الكفرة وكان ذلك عام 1936. وما كان استطلاع (باجنولد) أو (كليتون) للصحراء الفاصلة بين مصر وليبيا فى جنوبها .. إلا لربط الواحات المصرية بواحة الكفرة وواحة جغبوب استعدادا للمواجهة المقبلة بين قوات المحور وقوات الحلفاء .. والتى تمت فى الحرب العالمية الثانية.

ولكنى فى هذا الوقت قررت أن اتجه من كفر البلاص إلى واحة الكفرة مباشرة عبر الهضبة .. والتى أخبرنى الدليل الذى كان يرافقنى .. أن هذه الهضبة لم تخترق من قبل وفيها مخاطرة كبيرة .. واستغربت بينى وبين نفسى أن الإنسان وطأ بقدمه القمر .. ولم تطأ قدم إنسان هـذه الهضبة – ولكنى قررت أن أقدم على هذه المغامرة .. كانت لدى أسبابى وهى:

أن (باجنـولد) أو (كلايتـون) .. ليست هذه بلدهم .. وأنا مصرى .. وهم أجانب.

أننى أصلا خبير بجبال سيناء .. وأن الهضبة التى أمامى كبيرة الشبه بجبال سيناء .. وأعـرف جيدًا كيف يقص الجبل .. كما أن الرمال المتحركة التى بين الجبال أخذت تدريبًا كافيًا عليها فى بداية رحلتى.


– أن العربات التى معنا موديل 76 – أما باجنولد وكلايتون كان مركباتهم صنع الثلاثينات.

وحسب التعليمات كان على أن أبلغ موقفى للقاعدة بأسيوط .. الموقف أولاً بأول – ولتجنب أى أوامر بعدم الموافقة على تغيير خط السير .. قررت غلق الجهاز اللاسلكى لعدم تلقى أى تعليمات تمنعنى من قرارى.

بدأت التنفيذ من كفر البلاص فى صباح اليوم التالى فى اتجاه الغرب مباشرة .. وأتذكر أننى قمت بعمل بوصلة مبتكرة على غطاء العربية الأمامى (الكبود) .. ببعض الرسومات لزوايا السير وسلك طويل نوعا ما لاستغلال ظلالها وأخرى للحفاظ على الاتجاه المباشر لمكان الفتحة التى بين الجبال .. وذلك لعبور هذه السلسلة من الجبال وقد حسبت المسافة التى من المفروض أن نغطيها وكانت حوالى 300 كم .. قطعتها فى يومين أى حوالى 150كم فى اليوم .. وهذه المسافة تقطع على الطرق الممهدة فى ساعة ونصف .. ولك أن تتخيل مدى صعوبة السير فى هذه الأراضى فقد يقرأ عداد السيارة 100 أو 120 كم فى الساعة .. لكن فى الحقيقة تكون30 أو 40 كيلومتر فى الساعة فى بعض الأحيان – حيث تكون سرعة دوران العجل ليست هى الحقيقية على أرض .. رغم أننا قمنا بتفريغ نسبة كبيرة من هواء عجلات السيارات .. حتى يلامس أكبر جزء من الكاوتش للأرض.

مع الحفاظ على الاتجاه وفتحة الجبل التى قررت أن أعبر من خلالها .. وجدنا أنفسنا نسير فوق قمم الجبال فى أراضٍ مسطحة ذات كثبان رملية متماسكة نوعا ما .. مما يسهل السير بالعربات .. وكانت هناك ملحوظة مناخية خاصة حيث كانت أى نيران نشعلها لعمل الشاى او لأى غرض نجد أن لونها ازرق باهت ومن الممكن أن تمر يدك من خلالها دون أن تحس بأذى ممكن وأن الشرب فى كوز الشاى المعدنى من الممكن أن تمسكه بيدك المجردة دون أن تشعر بحرارة شديدة – وأن السيجارة نأخذ زمن ربع ساعة بدلا من 7 أو 8 دقائق .. كما أننا لم نجد أى مظاهر للحياة سواء ذباب أو حشرات أو نبات على الإطلاق.

ومن حكمة الله أن أى نيازك تقع على الأرض تقع فى منطقة الصحراء الغربية لمصر وخاصة منطقة الجلف الكبير بين الجبال .. وفى منطقة صحراء نفادا بأمريكا .. وهذه رحمة من الله لعدم وجود أى كثافة أو حياة للبشر – ومن المعلوم أن حجر النيزك من الأحجار الغالية الثمن .. وليست كحجر كريم .. ولكن لاحتوائها على اليورانيوم بنسبة عالية جدا .. وقد عثرنا على كمية كبيرة من هذه الحجارة والتى أحضرنا بعضها. وكانت هناك مشكلة لم أقدرها جيدا .. وهى مشكلة المياه حيث بدأنا الرحلة بعدد 13 جيركن مياه – وكان مجموع القوة حوالى 32 فردًا (أربعة ضباط والباقى صف ضباط وسائقين) .. ولكن لم أعمل حساب كمية المياه التى كانت تحتاجها العربات نتيجة السخونة والبخر .. فبدأت التحكم فى المياه حيث وضعت احتياج السيارات للمياه أسبقية أولى .. مما عرض الأفراد للعطش .. ففى فجر اليوم الثالث وقبل الوصول للهدف اكتشفت ضابطًا يدعى المـلازم (محمد مكى) ومعه رقيب أول وهم ملحقين من وحدة الإعداد والتجهيز بالصاعقة .. جالسين تحت مقدمة أحد السيارات لتفريغ ريديتير أحد السيارات الجيب من بعض المياه فى الزمزميات .. فأمرت النقيب (جلال الدجوى) والملازم أول (محمد الحداد) بإحضارهم وكان ذلك مع بزوغ الشمس .. ولكنهم أتوا بحالة هياج وخروج عن الانضباط العسكرى لدرجة أن الصف ضباط الرقيب أول .. شد أجزاء البندقية للخلف استعدادا لإطلاق النيران.

ولكنى تقدمت نحوه بهدوء ومسكت منه البندقية وألقيتها على الأرض .. ووجدت الرقيب انهار تماما فى حالة من البكاء والهزيان متأسفًا .. وأمرت بخلع الرتب بالنسبة لهم ووضعتهم فى سيارة الشئون الإدارية ووعدتهم بمحاكمة عسكرية .. وأكملت الرحلة لأصل فى اليوم الثالث إلى منطقة على حدود بلدة الكفرة بمسافة 40 كم وقررنا المبيت .. استعدادًا للعودة فى اليوم الرابع – وقد قطعنا المسافة من هذه النقطة إلى الواحات فى 14 ساعة وهى نفس المسافة التى قطعناها فى ثلاثة أيام للأسباب الآتية:

اولاً: لقد اكتسبنا الخبرة فى السير فى مثل هذه الأراضى.

ثانياً: لم نقف لتحديد الاتجاه .. حيث كنا نتبع العلامات التى تركتها السيارات فى الذهاب.

ثالثا: حيث كنا نهبط فى منحدرات إلى أسفل من أعلى الجبال إلى الأراضى المنبسطة.

وعند وصولنا إلى منطقة بها المياه والحياة .. وبوقوفنا فيها وجدت كل الأفراد تعانق بعضها فرحا بنجاح الرحلة بعد يأس وعطش ومشقة وكان أول من عانقنى الرقيب أول والملازم (مكى) – وطلب منى البعض بالصفح عنهم .. فعفوت عنهم .. حيث وجدت أنهم أخذوا درسا فى حياتهم.

وكنت أثناء الرحلة أحدد جغرافية الأماكن من جبال وتبات ووديان – وقد حددت أماكن التشوينات اللازمة لخدمة أى عمل حربى للاقتراب من مدينة الكفرة بليبيا.

وقد شعرنا كثيرا بالفخر لأننا وطأنا بأقدمنا أرض لم يطأها إنسان من قبل رغم أن الإنسان وصل للقمر .. كما أننا نجحنا فى شىء  فشل فيه من قبل قمبيز بجيوشه .. أو (باجنولد) الإنجليزى .. و(كلايتون) الألمانى .. حتى محاولة (محمد حسنين) باشا فى الأربعينيات لعبور تلك المنطقة باءت بالفشل وعندما التقيب بالقاعدة الموجودة فى الواحات كانت هناك مفارقات بخصوص تغيير خط السير وقفلى للجهاز اللاسلكى.

وقدمت تقريرى إلى قيادة الصاعقة وطلبتنى إدارة المساحة العسكرية لوضع التعديلات بالخرائط .. وصدرت طبعه الخرائط بنفس المسميات التى أسميتها للمناطق وكتب على الخرائط (طريق رجائى) مثل ما هو موجود من قبل طريق (باجنولد) طريق (كلايتون) .. ولكن للأسف بعد فترة وجدت الطبعات التالية مكتوب عليها طريق الصاعقة وفى نفس الوقت احتفظوا بأسماء الأجانب (باجنولد) و(كلايتون).

عملية الكُفـره

لقد اتسمت المواجهة العسكرية على الحدود الليبية بين القوات المصرية والقوات الليبية بضبط النفس .. إلا بعض المناوشات وعمليات استطلاع.

وكانت نتيجة ذلك أن تم أسر دورية من القوات المصرية كان يقوم بها أحد الضابط المصريين ويدعى الرائد أنور – والغريب أن نفس هذا الضابط قد تم أسره فى معركة 73 من القوات الإسرائيلية .. إلا أنه سجل شهيد وحصل على نجمة الشرف العسكرية .. ولكنه عاد ضمن الأسرى وفؤجئنا بعودته .. ولكنه كان سىء الحظ للمرة الثانية وأسر على الحدود فى المواجهة المصرية اللبيبة.

وقد طنطنت ليبيا على هذا الحدث من خلال إعلامها وجرائدها – وقد صادف ذلك أن الرئيس السادات كان سيخطب فى التليفزيون فى اليوم التالى.

ويبدو أن القيادة السياسة المصرية أرادت أن يتم أى عمل عسكرى على ليبيا لتغطية هذا الحدث. 

ففى العاشرة صباحًا وكنت جالسا فى مكتبى حيث كنت قائدًا لمدفعية وحدات الصاعقة .. وصلتنى إشارة تليفونية بأن أتوجه إلى مركز قيادة القوات الجوية بمدينة نصر لمقابلة المشير (الجمسى) وزير الدفاع.

وصلت إلى مركز القيادة قبل العاشرة والنصف بدقائق ووجدت المشير (الجمسى) واللواء (نبيل شكرى) قائد قوات الصاعقة والعميد منير ثابت قائد فرقة الهيلوكبتر والمقدم (الجوهرى) أحد قادة تشكيل الهيلوكبتر.

حدثنى سيادة المشير بتعليمات بأن أقوم بعمل ضد المواقع الليبية اليوم وقبل الساعة السابعة مساءً .. مكملا حديثه بأن الرئيس (السادات) سيلقى خطبه الساعة الثامنة مساء اليوم .. ومن الضرورى القيام بعمل ما ضد القوات الليبية للتغطية السياسية على الحدث الذى تم فيه أسر الضباط فى اليوم السابق .. فخاطبته محدثًا ..

أولاً .. إننا الآن حوالى الساعة العاشرة والنصف .. وإننا على بعد 500 كم من الحدود الليبية.

ثانياً: ليس هناك أى مخطط مسبق لمثـل هذا العمل .. أو وقت للتدريب عليه – وأن العمل فى الساعة السابعة يعنى حيكون الوقت نهارًا .. حيث أن المغرب فى الساعة الثامنة.

ثالثًا: وأشرت اللواء (نبيل شكرى) .. قائلا .. سيادتك تقدر تسأل اللواء (نبيل شكرى) .. وهو أننى طلبت منه منذ قيام الأزمة المصرية الليبية – أن يعفينى من الاشتراك فى أى عمل ضد ليبيا .. لأنى غير مؤمن بأى مواجهة ضد بلد عربى وأننى لم أنسَ كلمة أخى الأكبر عندما ذهبت إلى معارك اليمن .. فى مقولته (متنساش إنك حتقابل واحد بيقول الله أكبر زيك .. وبينطق بالشهادة زيك).

وكان لدى الشجاعة بأن أقول ذلك لرصيدى السابق فى المعارك أيام معارك الاستنزاف .. وأنه لن يصفنى أحد بالجبن .. وسيفهمون موقفى ومبدئى. فابتسم المشير (الجمسى) والذى كانت تربطنى به علاقة حميمة .. وقال .. أنا عارف أنك حتتصرف يا (رجائى) .. وسوف توضع لك كافة الإمكانيات لتنفيذ العمل قبل الساعة السابعة. فقلت له سأستفيد من أنى قد سبق واستطلعت منطقة الكُفرة من قبل وأننى سوف أختار عملى بنفس المنطقة فطلبت من العميد طيار (منير ثابت) وبالمناسبة هو شقيق السيدة (سوزان مبارك) – طلبت منه عدد 2 طائرة (مى 8) .. وكذلك أن يقود تلك الطائرات اثنين من الطيارين أثق بهم لاشتراكنا مسبقا فى عمليات معارك الاستنزاف ضد إسرائيل .. وهم الطيار (أبو الحسن) و(أحمد الدسوقى) – فركبت مع (منير ثابت) فى الطائرة (الجازيل) لنذهب إلى وحدتى بألماظة لأعطى تلقين للنقيب سيد بأن يجهز 4 لونشرات ومع كل لونشر عدد 2 صاروخ (جراد ب)  والتوجه إلى مطار غرب القاهرة .. ثم اتجهنـا إلى مطار الخطاطبـة لتـلقين (أبو الحسن) والدسوقى بالمهمة والتوجه إلى مطار ألماظة لقيادة الطائرات (مى 8) .. حيث كانا قد تركا السرب (مى 8) إلى سرب طائرات الهيلكوبتر الكوماندو على أن يتوجهوا إلى مطار سيوه مباشرة .. ثم تم توصيلى إلى مطار غرب القاهرة لمقابلة القوة بقيادة النقيب سيد وأطقم الصواريخ (جراد ب) وقمنا باستغلال طـائرة نقـل (س130) تاركًا العميـد (منير ثابت) والمقدم (الجوهرى) بمطار غرب القاهرة لنصل إلى مطار سيوه بعد ساعتين تقريباً.

وفى مطار سيوه بدأت التنسيق بين الطيارين والقوة المنفذة وأعطيت تعليماتى بأن يطلق كل قاذف عدد 2 صاروخ فقط وأن يكون بكل طائرة 2 قاذف.

وقد أخذت من الخريطة نقطة عالية (تبة) تبعد حـوالى 5 كم من بلـدة الكُفرة .. وهذه التبة بجانب الطريق الأسـفلت المتجه إلى الكُفرة.

وفى التوقيت المناسب فى حوالى الساعة السابعة مساءً أقلعنا إلى الهدف لنصلها بعد عدة دقائق .. وتم إنزال القوة لتنصب الصواريخ وقد قمت بنفسى بتوجيه الصواريخ إلى الجنوب الغربى مع أن بلدة الكُفرة فى اتجاه الجنوب والتى كنت أشاهدها عن بعد بالعين المجردة.

وحرصت أن تقع الدانات فى الرمال البعيدة عن بلدة الكفرا بمسافة عدة كيلومترات .. وذلك بغرض الإزعاج فقط وأمرت الرجال بركوب الهيلوكبتر بعد إطلاق الصواريخ ولكنى شاهدت المجموعة الساترة والتى كانت بغرب الطريق الإسفلت تحت التبة قد أوقفت عدة سيارات مدنية وأنها أحضرب ركابها كأسرى .. ولكنى هبطت بسرعة من التبه لمقابلتهم وقمت بتهدئة الضابط واعتذرت لركاب السيارات وكانوا مدنيين وهدأت من روعهم وودعتهم .. ثم أقلعنا فى طريق العودة إلى واحة سيوه .. حيث قطع الإرسال التليفزيونى الليبيى برنامجه .. ليظهر الزعيم القذافى بنفسه على شاشة التليفزيون ويعلن أن قوة مصرية هاجمت بالصواريخ بلدة الكفرة ويعلن عن خسائر فى الأرواح والممتلكات .. ويطلب انعقاد مجلس الأمن .. وذلك كله للتشويش السياسى على خطاب (السادات) الذى سيلقيه بعد دقائق .. ولولا أننى شاهدت سقوط الطلقات فى الرمال لصدقت كلام (القـذافى) لبراعته فى الإعلان عن الحدث وذلك بالتلفزيون الليبى.

وحمدت الله على أننى قد تصرفت بالشكل الذى يرضى ضميرى ويرضى الله .. ولم أصب أحدًا من الليبيين.

وبعد عودتى إلى القاهرة ومقابلتى للمشير (الجمسى) وأخبرته بالحقيقة .. وقال أنا قلت إنك حتعرف تتصرف. وأذكر وأنا فى واحة سيوه نقضى ليلنا فى انتظار نهار اليوم التالى للإقلاع بالهيلكوبتر والعودة للقاهرة .. أنه قد أتصل الفريق (أبو سعده) .. قائد الجبهة بمرسى مطروح بقائد القطاع فى سيوه وطلب أن أحدثـه فى التليفون ليهنئنى .. وأن أتوجه فى الصباح الباكر إلى مرسى مطروح لأنه قد أعـد التلفزيون لإجراء حديث معى .. ولكنى رفضـت المطلبين محـادثًا السيد العميد قائد القطاع بأن هذا العمل لا يشـرفنى أن أتحـدث عنه أو أن أتلقى تهنئة عليه .. وأننى لم أضرب أى أهـداف حيه بل أطلقت الصواريخ فى الرمال.

وعلى العموم فقد أتت هذه العملية بالهدف المطلوب .. حيث صال وجال الرئيس السادات فى حديثه التلفزيونى .. ووعد بالمزيد – وسـاعده على ذلك ما قام به (القذافى) بالحديث فى التلفزيون الليبى.

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech