Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

المقاتل محمد خليفة فرج الله - ك 26 مشاة

 

 

فى اطار ذكرى الانتصار الحادى و الاربعين لحرب اكتوبر المجيدة , كان لنا هذا الحوار حصريا للمجموعة 73 مؤرخين , مع احد مقاتلى نصر اكتوبر العظيم , و احد اســـود النسق الاول للعبور ...... هو مقاتل , بين الاف المقاتلين الابطال , الذين عبروا القناة ما ان لاحت اللحظة الحاسمة , و مع ذكرى الانتصار , كانت ذكريات و حديث البطولات مع بطلنا .

 

-         محمد خليفة فرج الله , دبلوم المعلمين 1967 , ليسانس اداب و تربية 1993, مدير عام سابق بالادارة التعليمية لمدينة المراغة – محافظة سوهاج , و الان بالمعاش تقاعدت فى عام 2007.

-         و مع عودة عجلة الزمن , و دورة شريط الذكريات , يطل علينا من نافذة البطولات ...ذاك المقاتل , رقيب مجند / محمد خليفة فرج الله – ك 26 مشاة , السرية الاولى - اللواء الثامن , الفرقة السابعة
التحقت بالقوات المسلحة مجندا بين صفوف قوات المشاة فى 3 يونيو 1968 , و استمرت خدمتى الى تاريخ 1 مايو 1974 , ست سنوات تقريبا .

بدأ مشوارى القتالى  بفترة تدريب قاسية بمركز التدريب بالهايكستيب , بعد عام او اقل بقليل من نكسة يونيو الحزينة, حصلت على فرقة قادة مجموعات , ثم تم توزيعى على كتيبتى بعد انتهاء فترة التدريب .

الجندى ....و الكتيبة

منذ التحاقنا بالقوات المسلحة كان هدفنا الاوحد تحرير الارض . كان التدريب شاق جدا سواءا فى بداية حياتنا العسكرية ,او فيما بعد طوال فترة حرب الاستنزاف , حيث كانت هناك تباب و مواقع للتدريب مشابهه للدشم و المواقع الاسرائيلية التى من المنتظر ان نقوم بالهجوم عليها .
كان تدريبنا على العبور فى" ترعة الخطاطبة " و استمر التدريب بالتواكب مع حرب الاستنزاف استعدادا لهذا اليوم العظيم . عند وصولنا لمقر الكتيبة , قام رئيس عمليات الكتيبة "الرائد / محمد حسين طنطاوى – ان ذاك " بتوزيعنا على السرايا تبعا لميولنا و ممارساتنا الرياضية , اذكر عند سؤالى عن الرياضة التى كنت امارسها فاجبت : كرة القدم , و البـــُنج بـــنـــُج "بضم الباء فى الكلمتين " .... فضحك الموجودون , و اعقبت مازحا اننا الصعايدة ننطقها كذلك . و تبعا للياقة البدنية تم توزيعنا على السرايا , و كان موقعى فى السرية الاولى . و فى سريتى تم توزيعى كجندى على "مدفع مكنة " كما كنا نسميه , و رغم انى لم احصل على تدريب عليه فى مركز التدريب , الا انى تدربت عليه جيدا فى الكتيبة و احترفت استخدامه. كان من ضمن زملاءنا فى الكتيبة الفنان / لطفى لبيب , و كان خفيف الظل و كثيرا ما يقلد لنا بعد الشخصيات فى الكتيبة , مثل قائد الكتيبة المقدم / عبدالوهاب الحريرى , و غيره من الضباط و الافراد . و كان لطفى وقتها احد الافراد المدربين خصيصا على استخدام اسلحة م.د. "مضاد للدبابات"

ثم جاءت النقلة التالية فى حياتى العسكرية حين تقدمت بطلب اثبات تجنيد كمحاولة لاعفاء اخى الاصغر"احمد" المجند حديثا عام 1970 , و بعد ان كانت المحاولات بدايتها بتوجيه من الاسرة لرغبتهم فى خروجى انا و الاكتفاء بما قضيت من فترة خدمة , الى محاولة اعفاء اخى الذى كان تجنيده بعيدا عن الجبهة فى بنى سويف , و اذكر وقتها تعليق احد اخــوالى قائلا "محمد ناشف و اتعود على الميرى , نشوف الاجراءات لاعفاء احمد " , لذا كان ذاك الطلب الذى كتبته بخطى لقائد الكتيبة , و قدريا اعجبه خطى فأمر بتواجدى فى مكانى الجديد كبلوك امين سريتى .

حرب الاستنزاف :

-         كان لى شرف الاشتراك فى احدى معارك الاستنزاف , حيث عبرنا فى 26 ابريل عام 1970 , و قمنا بمهاجمة هدف معادى و تدميره , و كانت عملية ناجحة , و كانت خسائرنا فى العملية فردين , ملازم اول اسمه "على " من الشرقية استشهد , و فقدنا احد الافراد اسمه "جمال" من سوهاج. و لقد اصبت بحروق طفيفة فى يدى , و بعدها نزلت اجازة و انا اربط يدى بضمادات , ففوجئت بخالى و ابى – رحمه الله فريحين بى و يتغامزون معى بفخر عن سبب اصابتى , فراوغت و لم اخبرهم , ففوجئت انهم يخبروننى انهم على علم باشتراكى فى تلك المعركة , فتعجبت , و لكنى علمت ان الاخبار نقلها لهم زميل لى بالكتيبة من نفس مدينتى نزل اجازة قبلى و اخبرهم بالامر افتخارا بما فعلناه . فاردفوا قائلين : ما تقولش لأمك انك بتشترك فى معارك عشان ما تخافش عليك اكتر.
فرددت قائلا : طالما انتو ما قولتوش , انا كده كده مش قايل !  

لقد كانت حربا عظيمة و مهمة للغاية فى تحرير الارض , لقد استمرت حرب الاستنزاف بالتواكب و التبادل مع التدريب, حيث كنا نمكث على الجبهة فترة ثم نتبادل مواقعنا مع مجموعة اخرى فى مواقع التدريب , و لقد تعرض موقعنا ذات مرة لقصف مكثف فور استبدالنا للموقع و وصول زملائنا بدل منا , فاستشهد منهم الكثير , و تاثرنا بما حدث معهم , لاننا مكثنا فى الموقع طويلا و لم يحدث ذلك الا فور تبادل المواقع . و شعرنا كم ان خطواتنا و اقدارنا مكتوبة , و لا داعى للخوف من الموت اكثر مما ينبغى , لان العمر واحد و الرب واحد. و لقد كان لحرب الاستنزاف فضل عظيم فى كشف حقيقة العدو لنا و كشف زيفه و دعاياه الكاذبة من حيث كونه الجيش الذى لا يقهر , بينما كانوا لا يحاربوننا الا من وراء جدر كما اخبرنا القرآن الكريم . و استمر هذا الوضع الى ان جاءت اللحظة العظيمة , لحظة العبور فى العاشر من رمضان 1393 , السادس من اكتوبر 1973.

-         يـــــوم العبــــــور

كنت فى إجازة مع بداية اكتوبر 1973 , و تحديدا يوم الثانى من اكتوبر كان موعد عودتى , كان اخر من قابلت فى طريقى الى محطة القطار هو خالى , و كان رجلا مهيبا و ضخما ...سلم على , و ضغط على يدى فى قوة و قال بصوت جهور : مســـــافر يا محمد ؟؟

فاجبت : أيوه يا خــــال

فقال لى و قد اصبحت نبرته اقوى و كانه امر عسكرى : تبقى راجل و ايـــــاك تفكر تهرب من المعركة !!

فرددت بسرعة : حاضر ...ان شاء الله يا خـــال

و تعجبت من فراسته فيما بعد لانه لم يقل لى ذلك ابدا من قبل الا فى ذاك اليوم , شعرت و كأن قلبه كان يشعر بقرب المعركة !!!!

وصلت الى حيث موقع كتيبتى , فوجدت انهم انتقلوا الى موقعا متقدما قرب القناة مباشرة ......فشعرت ان هذه ثانى ابيات قصيدة المعركة !!!

الى ان جاء يوم السادس من اكتوبر و بحكم دورى حيث كنت بلوك امين السرية الاولى - ك 26 مشاة , و هذا الموقع عليه من المهام الكثير منها مسؤلية توزيع الذخيرة على الافراد و مستلزمات القتال مثل نظارات الميدان و خلافه .

و بالاضافة ايضا الى كونى قائد جماعة " تيم " , و التيم هو مجموعة مكونه من 10 افراد و يكون تسليحه   ار بى جى و رشاش خفيف , و باقى المجموعة مسلحة كالمعتاد بالبنادق الالية بالاضافة الى كافة القنابل المطلوبة .
بعد اجتماع للسادة الضباط فى صباح هذا اليوم , و بعدما تم استدعاء بعض الاحتياط

سعت 1100 استدعانى قائد سريتى "النقيب / سيد عبدالرحيم البرعى – ان ذاك " الذى ربطتنى به ايام القتال بصلة وثيقة , - و الذى اصبح فيما بعد محافظا لاسيوط -   كنت اوزع المهمات على الافراد فسألنى : انت بتمضيهم فى الكشف يا محمد ؟

فرددت بالايجاب , فامرنى ان اوزع الذخيرة و السلاح و المهمات دون توقيع , فعلمت ان الحرب على وشك البدأ , ثم طلب منى ان اتجهز تجهيزا كاملا و ان اكون مستعد لاننى كنت معه فى مجموعة قائد السرية فى العبور .

كانت الاتصالات اللاسلكيه تتعرض لتنصت او تشويش العدو , لذا كانت الاوامر هذه المرة مكتوبة فى مظاريف مغلقة و مسلمة للسادة الضباط , و مرفق بها خرائط زمنية للمهمات و التحركات . و كان ذلك من احد جوانب التخطيط العظيم و الدقيق .

بدأت الضربة الجوية و شاهدنا نسور مصر يحلقون على ارتفاعات منخفضة بدءا من سعت 1320 تقريبا حيث بدأت الضربة الجوية , ثم بدأ تنفيذنا للاوامر الواردة فى الخريطة الزمنية ....سعت 1330 نفخ القوارب .....سعت 1345 انزال القوارب الى المياه ....ثم بدأ العبور العظيم سعت 1400 "الثانية ظهرا " .

لم تكن قوارب العبور مزودة بمحركات , و لكن سلاح المهندسين و الضفادع البشرية – الذين قاموا ببطولات خارقة فى وضح النهار - كانوا قد جهزوا لنا اسلاك و حبال مثبته بين ضفتى القناة نقوم بسحبها و نحن داخل القارب حتى يكون العبور سريعا و يكون فى اتجاه ثابت , تجاه الموقع المكلفين باقتحامه و التعامل معه .

كان الساتر الترابى مانعا صعبا , لا احد يتخيل صعوبة اقتحامه , و كان منيعا لا يتفتت حتى لو تم قصفه بالقنابل زنة الف رطل , و لكن بتوفيق الله تمكنا من اجتيازه و الوصول الى الهدف , و اقتحام الموقع , و تمكنا بداية من اسر 4 جنود اسرائيليين , كان من بينهم اثنين من اليهود العرب , احدهم يهودى عراقى اسمه "يوسف يعقوب " و الاخر يهودى يمنى. و لقد سألنا "يوسف " هذا لماذا تنضمون لجيش الدفاع و تحاربوننا و من المفترض انكم عرب مثلنا , فأجاب بان امه تزوجت غير ابيه و لم يجد من ينفق عليه او يجد عملا يقتات منه ,  فتطوع فى جيش "الاحتلال" الاسرائيلى من اجل المال . و قد امرنا قائد الكتيبة المقدم / عبدالوهاب بحسن معاملتهم و تقديم الطعام و الشراب لهم , لسببين اولهما : ان هذه تعاليم الاسلام و قواعده , و ثانيا – و التى ثبت بها بعد نظره – قال ان هؤلاء سيعاونوكم فى فتح و اقتحام ما يلى !!! و قد كان فعلا !!!

بعدما سيطرنا على هذا الموقع , بدأ العدو فى عمل هجوم مضاد لمحاولة استعادة موقعه , فقامت كتيبتنا برد هذا الهجوم و التصدى له , و بفضل الله تمكنا من تدمير دبابة , ثم كلفت كل مجموعة بمهام , حيث كلفت انا و زميل اسمه "هيكل" بتفتيش الخندق و عمل رسم كروكى له و سلمناه لقائد السرية بحيث يكون على دراية كاملة بالموقع و ما فيه .

رغم القتال فى شهر رمضان المعظم , الا ان الاغلبية كانوا صائمين فى العبور , بل و استمر بنا الجوع و العطش الى الليل بعدما اكتملت سيطرتنا على ذاك الموقع المعادى , فقد كان من المفترض ان تعبر الدبابات و تصل الينا فى سعت 2200 "العاشرة مساءا"   يوم السادس من اكتوبر و معها عربات المؤن ,و لكن ظروف القتال تختلف , فاكملنا يومنا دون اكل او شرب او حتى نــــوم تمسكا بالارض , كنا مستعدون للتضحية بانفسنا فى سبيل هذا النصر من اجل الوطن, الى ان وصلت الدبابات صباح اليوم التالى سعت 1000 " العاشرة صباحا" , ثم بدأ تطوير الهجوم .

بطولات لها وقــــع خاص:

الكثير و الكثير من البطولات بالطبع , كان فيها توفيق الله و نصره جليا , اذكر اننى قد كلفت انا و زميلى الجندى "نشأت بولـــس" من ســوهاج بمهمة تدمير دبابة معاديــــة , و ما ان اقتربنا منها و استعدينا لضربها الا و وجدنا الدبابة قد اصيبت و اشتعلت , و نحن لم نطلق عليها شىء. كبر زملاءنا و فرحوا بنا فوضحنا لهم اننا لم نضربها , و لكنهم اصروا على تهنئتنا قائلين يكفيكم المحاولة و المخاطرة الى اخر لحظة , و اتضح لنا ان احد الزملاء من مقاتلى صواريخ الموليتيكا "صاروخ موجه باستخدام الاسلاك " قد ظفر بالدبابة فى اللحظة الاخيرة قبل ان نطلق عليها قذيفتنا , فشعرنا فى تلك اللحظة بان الله يؤيدنا و تذكرنا موقف المؤمنين فى غزوة بدر و دعم الله لهم .

كما انه يحضرنى من المواقف الشديدة ان العدو كان يهاجمنا حتى الخطوط الامامية لقواتنا بالدبابات , فتم اتخاذ قرار بضرورة نصب كمين لتلك القوات و منعها من مهاجمتنا , فتحركت ضمن مجموعة يقودها قائد سريتى سيادة النقيب "سيد عبدالرحيم البرعى" , توجهنا الى موقع الكمين و تمركز كل منا داخل حفرته من سعت 2400 "الثانية عشرة منتصف الليل " و لمدة 24 ساعة متواصلة ثم نتبادل مع مجموعة اخرى , كان وقتا عصيبا حيث يتمركز كلا منا فى حفرته مستعدا بسلاحه للقتال و لا وقت لاكل او نوم , لقد كنا فى مواجهة قوات العدو بشكل مباشر و واضح و لكن كانت تنقصهم الجرءة للتقدم بعد علمهم بنصب هذا الكمين , قتوقف هجومهم .

كان من ضمن تكليفات القتال لنا مهاجمة موقع يسمى "التبة المسحورة " و كانت القوة المكلفة بالمهمة فصيلة "30 جندى " و معهم دبابة واحدة , و كان معنا فى المجموعة الملازم اول "سعيد هنو " – من الاسكندرية , و كان ضابط استطلاع و بحكم سلاحه فهو يجيد العبرية , لذا بدأ يوجه حديثه الى الجنود فى ذاك الموقع بالعبرية و يعدهم فى حال تسليم انفسهم بالمعاملة الحسنة , و هنا كانت فراسة قائدنا , اذا اصطحبنا معنا ذاك لجندى الاسرائيلى الاسير "يوسف يعقوب" , و الذى كان اكثر الجنود الاسرى حديثا معنا و اكثرهم الفة فى التعامل , و بفضل اقناعه لهم بحقيقة حسن معاملتنا له استسلم الباقون و هم 12 فرد بينهم ضابط طبيب بعد ان قتلنا منهم اثناء الاشتباك للسيطرة على الموقف 6 افراد . و عندما تمكنا من الموقع امرنا قائد الكتيبة المقدم / عبدالوهاب الحريرى , بدفن اولائك الجنود الاسرائيليين فى حفر و كتابة اسمائهم على قبورهم لان الاسرائيليين بعد الحرب سيطالبون بجثثهم و هذه عادتهم فى القتال و بعض معتقداتهم الدينية "و قصد بذلك امكانية ان يكون لنا اوراق تفاوض اكثر بالاسرى الاحياء و الاموات ".

كانت المعارك كثيرة , و ايضا اذكر انه تم تكليفنا يتدمير موقع للعدو غرب الطــــاســة , و فى نقاشى مع قائد السرية , لصعوبة الموقع , توقع هو ان تكون خسائرنا خمسين بالمائة  فى هذا الهجوم , فقلت له : يا فندم بل ربما ثمانون او مئة بالمئة , اى انه نتوقع الا يعود احد منا من هذه المهمة و رغم ذلك كنا متحمسين و مقبلين على المهمة و لكن فى اللحظة الاخيرة تم تعديل التكليف, حيث تم تكليف القوات الجوية بتدمير الموقع بالطائرات القاذفة.

الـــثـــغـــــرة :

كانت معركة المتناقضات , و بها من العجب الكثير ربما و الطريف و المخيف ايضا !!! مما اذكره من مواقف القتال العصيبة , فى الثغرة , عندما كانت دبابات العدو قد عبرت غرب القنال , قتم تكليف مجموعة منا بالعودة و التعامل , و كانت معركة ناجحة تم تدمير دبابات تلك القوى المهاجمة , و فر الناجون فى عربة مدرعة , و استشهد من صفوفنا فى هذه المعركة الملازم اول "احمد نبيل " من الشرقية- رحمه الله   .

بالطبع هناك من المعارك و البطولات ما يصعب حصره و لكن هذا ما تحضرنى به الذاكرة فى الوقت الحالى بعد اكثر من اربعين عام على تلك المعارك المشرفة. اما عن الحياة اثناء الثغرة , فكجندى لا استطيع ان اقول الا ان الثغرة كانت نتيجة خلافات القادة فى وجهات النظر و التطبيق على ارض القتال و لا اعقب باكثر من ذلك , لكن كجندى على ارض القتال قد اصف لكم ما ستتعجبون منه , لطول فترة الحصار و حيث كان الاسرائيليون محاصرين و محاصرين فى نفس الوقت لذا خبت فى انفسهم جذوة اى قتال , بل كانت كما اظن رغبة فى النجاة و العودة ليس اكثر ..... ربما لن تصدقون اننا قد تعايشنا مع بعضنا البعض – بعد تبادل المواقع ان صح التعبير – فهم اصبحوا على الضفة الغربية , و نحن متمسكين و مستميتين على ما حررنا من ارض سيناء و الضفة الشرقية للقنال ...... كنا احيانا نود صيد الاسماك من القناة بالديناميت , فينادى احدنا : يا مــــــوسى !!! و كان هذا النداء العام الى جبهتهم , فيرد احدهم : نعم يــــــا علــــــى !!!!
وكان اسم على هو الاسم المتعارف عليه حين ينادى اى منهم جهتنا , فنخبرهم اننا سنصيد بالديناميت حتى تعرفوا و ليس هجوما عليكم , فيردون بالعلم , فنصطاد من اسماك القنال الكثير !!!
فى احد المرات تم تبديل القوة المواجهة لنا و ما ان بدأنا فى الصيد الا و وجدناهم قد فتحوا علينا النار "او ربما هى حركة غدر ليس اكثر !!"

و من المواقف الطريفة و الانسانية ايضا اثناء الثغرة , ان ابن خالتى و هو مجند مقاتل / خلف الله جلال , كان سائقا لسيارات النقل العسكرية "الزل" الروسية الضخمة , و كانت كتيبته مسؤله عن نقل المؤن باشراف الصليب الاحمر الدولى لنــــا , فحضر ذات مرة الى موقع كتيبتى و سأل احد الجنود عنى , فأجابه قائلا: لقد استشهد و دفناه هناك !! و اشار اليه الى اتجاه ما , و لا ادرى هل كان ذلك من قبيل المزاح ام التباس الامر , فاغرورقت عينيه بالدموع , و رفض ان يصدق – لحسن الحظ - و سأل مرة اخرى , فقابل زميل يعرفنى فعلا , فاخذه الى حيث ملجأى و اشار اليه, و لم اكن موجود فى خندقى , فاذا بدموعه تنهمر اكثر , اذ توقع انى قد استشهدت فعلا و لكن زميلى اراد ان يخفف عنه الصدمة , و فجأة دخلت الى حيث هو , فتثاقل لسانه حين رأنى و اوشك ان يسقط مغشيا عليه و هو يردد اسمى فى دهشة بصوت متهدج و دموعه تنهمر !!!

هدأ بكاءه بعد حين و هو يعانقنى و لا يصدق انى حى , ثم طلب منى بعض السجائر فابتسمت لطلبه و تعجبت , منذ قليل كنت تنعى و تبكى ابن خالتك الشهيد و الان تماسكت و تطلب السجائر !!!
قدمنا له بعض منها , و ختم زيارته بان اعطانا فائضا من التموين كان بسيارته بكمية كبيرة جدا اطعمت اغلب الافراد , فضحكت بينى و بين نفسى قائلا : مش خسارة فيك السجاير !!

اما عن العطش , فاننا لم نعطش قط طوال فترة الحصار , حيث اخترع احد الزملاء فكرة رائعة لتقطير المياه باستخدام تانك سيارة نقل ضخة بالمواسير المتصلة به , و بتطبيق فكرته عمليا , كنا فعلا نحضر اى كميات مياه من القناة و يقوم "صبحى"   بتقطيرها بجهازه المبتكر بفكرة تسخين و اعادة تكثيف الماء !!

عــــائد الى ارض الوطن ...من ارض القتال

مع طول فترة الحصار فى الثغرة انقطعت اخبارى , كان والدى رحمه الله يذهب يوميا الى المحطة و يجلس منتظرا حضور اغلب القطارات و كانت قليلة بالمقارنة بايامنا هذه , كان ينتظر عودتى ...او نعشـــى !!

و فى اليوم الذى تكاسل عن الحضور و بدأ يفقد الامل فى عودتى , عدت بالفعل , رأنى احد اصدقاء ابى , احتضننى و اخذ يبكى , و اوقف لى عربة حنطور و ركبت , و ما ان مررت على الطريق السريع فى مدينتا الا و رأنى احد نسايبنا , فاذا به يخرج سلاحه و يطلق الاعيرة بكثافة و فرحة عارمة , رغم قرب مسافة منزلنا من المحطة , الا انى لا اعرف كيف تجمع اهل البلدة "قرية نجع خليفة" , و امام المدرسة الثانوية قرب منزلنا كانت الافواج فى انتظارى , كان دهشتى تغلب فرحتى من اعدادهم و من فرحتهم و بكاءهم , اذكر ان احدى عماتى رحمها الله , قد تعلقت برقبتى فى فرحة و بكاء هستيرى بشكل قد بدأ يخنق انفاسى فعلا , فضحكت و حاولت فك ذراعيها برفق قائلا لها : يا عـــمــــه ما موتش من الحرب , و هتموتينى انتى !!!!

التكـــــريم , و نهاية المطــــاف

انتهت حياتى العسكرية الرسمية كرقيب مجند بين صفوف القوات المسلحة بتاريخ 1 مايو 1974 , هذا من الجهة الرسمية , لكنها لم و لن تنتهى كمقاتل مصرى الى اخر حياتى بإذن الله . و لقد حصلت بفضل الله على نوط الجمهورية العسكرى - من الطبقة الثانية طبقا للقرار الجمهورى رقم 22 لسنة 1974 , و احتفظ بالطبع ببراءة النوط و بميدالية النــوط . و تم تنفيذ القرار فعليا بعد وفاة الرئيس السادات , سنة 1990 فى عهد الرئيس السابق محمد حسنى مبارك .

و لكن كان الشرف الاعظم لنا جميعا هو باشتراكنا فى تلك الملحمة العظيمة و المعركة الخالدة .

مقــــاتلين .....و مزيــــفيــــــن

اعلم ان اسرائيل حتى ايامنا هذا لا تتوقف عن الكذب , و خاصة على الاجيال الجديدة التى لم تحضر تلك الايام العظيمة . لقد كنا فى ايام المعارك نستخدم ذاك الراديو الصغير و نتابع الاخبار , كنا نسمع من صوت اسرائيل ان القوات المصرية انسحبت بالكامل الى غرب القناة , كنا نتعجب و نسخر من كذبهم , لقد كنا جميعا متمركزين فى مواقعهم التى حررناها و دحرناهم فيها و نسمع منهم تلك التصريحات الكاذبة , و التى هى عادتتهم .

اقول لهم لماذا صرخت جولدا مائير – رئيسة وزرائكم وقتها – تستنحد بهنرى كيسينجر وزير خارجية امريكا بعد ست ساعات من القتال قائلة انجدونا اسرائيل سوف تباد ؟ , و لقد كان لدينا وقتها الرغبة و الاشتياق الى ابادتهم لولا ظروف محدودية مظلتنا الجوية و مظلة الدفاع الجوى , و لولا تدخل امريكا المباشر بعملها جسر جوى تنزل الاسلحة مباشرة الى ارض القتال , حيث كانت الدبابة يتم تدميرها فنفاجأ من ان عدادتها لم تعد سوى بضع كيلومترات و معنى ذلك انها ارسلت من مصانعها رأسا الى ارض القتال و باطقمها المقاتلة كاملة , و قد قال ذلك الرئيس محمد انور السادات فى احد خطابته قائلا اننا نحارب امريكا فى تلك المرحلة .

اقول لهم , ارجعوا الى صور اسراكم فى التلفزيونات و فى وسائل الاعلام العالمية المختلفة , و عد الى كل ما كانت تذيعة تلك الجهات الاعلامية عن المعارك و عن موقفكم فيها , اذكر جيدا ان جنرال امريكى فى حواراعلامى معه بعد اربع ساعات من بداية الحرب على الجبهة المصرية قائلا : معنى ان المصريين قد اقاموا رؤس الكبارى فى الساتر الترابى باستخدام المياه , انهم انتــــــصـــــــروا !!!!

و طبعا هذا الكذب و التزييف ليس غريب او جديدا عليهم و هذه عادتهم عبر السنين و لا يجب ان يصدقهم او يلتفت الى اكاذيبهم احد.

و يجب ان يعلم ابناءنا ان ما فعله اباءهم و اجدادهم كان عظيما بفضل الله و توفيقه , و يستحق و من حقكم ان تعرفوه و تتعلموا منه و تقتدوا ببطولاتهم على مدى التاريخ.

فى النهاية تتقدم المجموعة 73 مؤرخين لبطلنا بعظيم الشكر . و نتمنى له دوام الصحة و العافية .

حوار...من ارض القتال
مع المقاتل محمد خليفة فرج الله – ك 26 مشاة
اجرى الحوار / د. احمد مختار ابودهب
اكتوبر 2014


Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech