Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

المقاتل عبدالرحمن احمد عبداللاه القاضى

 

ادار الحوار - الدكتور احمد مختار ابو الدهب

 

 

صــــورة شهيرة من صور حرب اكتوبر المجيدة , لفتت نظرنا و ارشدتنا الى مقاتل من مقاتلى تلك الحرب العظيمة , اخوته و ابناء اخوته يحتفظون بها جميعا جيلا بعد جيل مؤكدين انها صورته , الا انه هو حين رأها "و هو بالطبع يعرفها جيدا من قبل " ابتسم فى بساطة و قال .... للامانة و الدقة لا اجزم , فما يهمنى هو الحرب و النصر , و ليست الصورة , فسواءا كانت صورتى او لا , فهى صورة لمقاتل عبر فى ايام النصر !!!

إنه المقاتل  عبدالرحمن احمد عبداللاه القاضى , ابن مدينة المراغة , محافظة سوهاج , معلم اجيال , موجه بالتعليم الابتدائى بالمعاش , تخرجت من بين يديه اجيال , افتخر اننى كنت واحد منهم , عرفته كأستاذى منذ نعومة اظافرى , الا اننى فوجئت به كمقاتل من وراء تلك الصــورة – التى فاجئنى بها ابن اخيه , موجها انتباه المجموعة 73 مؤرخين الى هذا المقاتل الذى لم يسمع عنه احد !!!

عن تلك الصورة , يبدأ بطلنا حواره قائلا :

حين عدت من الحرب ..... كان جميع اخوتى و اقاربى يحتفظون بهذه الصورة و يقولون انها صورتى .... عندما عبرنا فعلا كان المراسلون الحربيون و المصورون موجودون قبلنا و قاموا بتصويرنا .... فعلا نفس السلاح , و نفس ساعتى التى كنت اردتديها. و لكنك تتحدث عن حرب , لذا للامانة اولا , و لانها لا تفرق ثانيا اكون انا او اى مقاتل اخر , فالاهم هو الحرب , و النصر ....اما الصورة , فانا لا اجزم انها صورتى , لانى اخر من رآها منذ لحظة التقاطها !!!!

البـــــدايــــة :

التحقت بالتجنيد بعد تخرجى بتاريخ 4 اكتوبر 1967 , حيث بدأنا حياتنا العسكرية فى مركز التدريب بالهايكستيب , حيث التحقت بسلاح المدرعات , ثم التحقت بتخصص اتصالات سلكية ولاسلكية بسلاح المدرعات , ثم تم توزيعى على كتيبتى الكتيبة 212 الفرقة 19 مشاة , و التى كان مقرها بالكيلو 16 طريق القاهرة السويس , عايشنا حرب الاستنزاف و مبادرة روجرز و وقف اطلاق النار , و قبيل المعركة حصلنا على تدريب بمدرسة المعركة بالسويس

اذكر قائدى محمد سعيد البرعى , و كان قائد كتيبتى و هو قائد عظيم , حيث رفع معنوياتنا قبل الحرب حين قال لنا ليس امامنا الا النصر رغم الامكانيات , الا انه انتقل من الكتيبة و جاء بعده قائدا اخر اذكر ان اسمه "سمير" لكنى لا اذكر اسمه بالكامل.

حرب الاستزاف :

كانت فترة قاسية جدا , كنا تقريبا بشكل يومى نتعرض لقصف بالطائرات او المدفعية او كلاهما لمدة 16 ساعة , و كان العدو يزيد تحيته لنا يوم الجمعة بأن يجعل القصف يستمر لفترة اطول قد تصل الى 20 ساعة لانهم يعرفون يوم الجمعة و شعائر الصلاة فيه , و رغم ذلك كنا نمارس حياتنا بشكل شبه عادى , اعتدناه مع مرور الايام , و يحضرنى فى ذلك مقولة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر رحمه الله حين قال "جنودنا يتطعمون بجو المعارك كلما اشتد عليهم قصف العدو !!!"

االمطلوب وصف الحياه في الجبهه .

اذكر فى احد المرات اثناء تنقلات لنا فى موقع اخر و عندما كنت فوق تبة متوسطة اقوم بتوصيل خطوط الاتصالات , اتصل بى قائد عمليات الفرقة و قال لى : ادينى رئيس عملياتك بسرعة .

فنزلت من على التبة جريا تجاه "رئيس العمليات" و قولت له , قائد الكتيبة طالب سيادتك يا فندم .

ففوجئت به يجيب قائلا : مش هاكلمه ...يا بارد !!!

- يا فندم ده عالخط !!!!

- قلت مش هاكلمه يا بارد !!!!

لم افهم معنى موقفه , لكنه كلم القائد طبعا , و قصده من ذلك ان يعلمنى هدوء الاعصاب تحت اى ظرف .....قال لى بعد ان انهى مكالمته مع قائد العمليات : لما زمايلك يشوفوا عسكرى الاتصالات بيجرى كده يقولو ايه ....الحرب قامت ..... سيطر على اعصابك دايما يا عبدالرحمن .....ثم ابتسم قائلا : مش عاوز اشوفك بتجرى بعد كده حتى لو الحرب قامت


فتعلمت منه يومها معنى ضبط النفس و هدوء الاعصاب حتى فى قلب الخطر .

و نظرا لاننا كقوات مدرعات كنا تقريبا ثابتون فى اماكننا , لم نعبر الا بقيام الحرب , لكننا كنا نتابع بشغف عمليات حرب الاستنزاف التى كان يقوم بها زملاءنا من الاسلحة المختلفة , سواءا المشاة او القوات الخاصة .

وصف تأثير عمليات قوات الصاعقه علي معنويات الجنود

كان تعرضنا للخطر شبه يومى ان لم يكن كل يوم بقصف العدو على مدى ساعات طوال اليوم , كان القصف ينال من مواقع لنا , منها على ما اذكر قطار حربى كان يمر من السويس الى عجرود الى القاهرة , حيث تم قصفه و حدثت اصابات و وفيات بين زملائنا منهم احد الجنود من زملائنا بترت ذراعه , و قد عاد لنا مرة اخرى بعد اصابته ليسلم علينا و يرفع معنوياتنا و قد تأثرنا بما حدث له . و بعدها تم تغيير مسار القطار ليكون بين عجرود و القاهرة فقط , دون الذهاب الى السويس.

كان دورى كجندى الاتصالات هو مسؤلية اتصالات الكتيبة , و المسؤل عن مد خطوط الاتصالات السلكية فى حال انتقالنا الى مكان اخر , و هو ما حدث حين عبرنا بقيام حرب اكتوبر

كانت حرب عظيمة جدا اكتسب فيها جيشنا الكثير من الخبرات , وحقق الكثير من البطولات , كانت صعبة نظرا لتحصينات العدو الرهيبة , التى كان يحكى لنا عليها زملاءنا ممن يقومون بعمليات الاستنزاف , ثم رأيناها باعيننا حين عبرنا فى حرب اكتوبر المجيدة.

كانت مهامنا اثناء حرب الاستنزاف تدريبية استعداد ليوم العبور , حيث كنا نقوم بمشاريع تدريبية فى ترعة الخطاطبة , تدريبا على العبور و العمليات , لكن ما فوجئنا به فعلا يوم العبور و لم نكن نعلمه هو فتح الثغرات فى الساتر الترابى باستخدام خراطيم المياه ذات الدفع العالى , و هى فكرة اللواء باقى زكى يوسف .

كانت تحصيناتنا بسيطة لا تقارن بقوة و رفاهية تحصيناتهم , و رغم ذلك و رغم قصفهم المستمر لنا , كنا نمارس حياتنا بشكل عادى اعتدناه مع مرور الايام , كنا نغسل ملابسنا و ننشرها على الرمال , نصلى فرادى او جماعة , نتوضأ او نتيمم تبعا لما تقتضيه الظروف.

كنت قد عقدت قرانى , مع تأجيل موعد الزفاف لحين انتهاء الحرب , لكن عاما بعد عام بدءنا نشعر اننا لن نعود لحياتنا المدنية , حتى لو قامت الحرب فغالبا سنكون من شهداءها و -هو ما لم يحدث للاسف - لذا تزوجت اثناء فترة حرب الاستنزاف , و هيأت حياتى على كونى مقاتلا على خط النار دون الاهتمام كثيرا بفكرة انى سأعود مدنيا كما كنت ..... و لكننى عدت!!؟

يـــــوم العبــــــــــور :

يوم العبور , فى تلك الفترة كان هناك مشروع "تحرير 46 " و هو مشروع تدريبى بين القادة , يتم فيه التواصل بينهم من خلال اللاسلكى , كنت متعجبا فصفتى جندى اتصالات حيث كانت الاتصالات بين القادة ليست واضحة بالنسبة لى فقط , بل بالتأكيد بالنسبة للعدو و تحت سمع اجهزته  ..... تعجبت وقتها , و خصوصا ان اخر اشارة وصلت لى : "يخشى ان يستغل العدو انهماكنا فى مشروع "تحرير 46 " و يستغل الموقف بضربة جوية مفاجأة , لذا يتم رفع درجة الاستعداد ,...... تعجبت لانى اعلم ان تنصت العدو سيستلم الرسالة , فكيف نستخدم اللاسكى بهذه الطريقة

لكن مع قيام الحرب , سرعان ما علمت ان ذلك جزء من خطة التمويه و الخداع الرائعة التى اتقنتها القوات المسلحة المصرية بجميع افرعها و وحداتها.

توجهت بتلك الاشارة الى رئيس العمليات , الذى فوجئت به يبلغنى ان الساعة 2 ظهرا ستكون هناك ضربة جوية شاملة , و سنعبر اليوم بإذن الله .

لم اصدق ذلك , الا انه أكد لى قائلا : اطمئن ....سنتوكل على الله اليوم , و سنعبر بإذن الله .... اللواء عبدالغنى الجمسى مجهز الخطة و ربنا هينصرنا ان شاء الله !!

كان اسم "عبدالغنى الجمسى " بالنسبة لنا يساوى عمليات قوية ضد العدو ...يساوى حــــرب !!!

و قبيل الثانية ظهرا خرجت من الملجأ و نظرت الى السماء فوجدت السماء فوقى مليئة بالعديد من طائراتنا "الميج 21" تحلق فوقنا نحو الشرق , بينما تعلو صيحات الله اكبر تلقائيا من كل من رأى هذا المشهد .....لقد كبروا تلقائيا اذ شعروا باقتراب اللحظة الحاسمة , و قد كانت كذلك !!!

بعد فترة قليلة فوجئت بطائرات ميراج فوقنا , فقولت للقائد : يا فندم الميراج فوقنا و اكيد هيضربونا !!! فرد القائد فى ثقة : ما تخافش ...الميراج ده تبعنا !!!

(( ملاحظه من المجموعه 73 مؤرخين – طائرات الميراج المصريه لم تقم بأي طلعات طيران يوم 6 أكتوبر ))

كان استعدادنا المباشر قيبل العبور متمثلافى تجهيز المعدات , و تجهيز افارولاتنا بتغطيسها فى مادة كيميائية , يجف بعدها الافارول سريعا , كانت تلك المادة مضادة للنابالم , و كانت غير مقبولة الرائحة و تجعل الافارول خشن الملمس و غير مرغوب فى الملبس و لكنها الحرب و استعدادتها.

اذكر حينما كنا فى السويس استعدادا لعبورنا , رأيت احدى الدبابات رافعة درعها لعمل صيانة , كانت حركة الدرع تحتاج لونش , بينما فوجئت امام عينى ببعض الجنود صارخين الله اكبر , و يقومون باغلاق الدرع .....بدلا من الاوناش !!!

بالطبع لم نعبر فى النسق الاول ,اذ عبرنا بعد ان تم انشاء رؤس الكبارى و فتح ثغرات فى الساتر الترابى , الا ان المشهد الذى كان يجعل الدموع تنهمر من عيوننا و يجعلنا نتشوق للعبور في هذه اللحظة قبل التالية , هو مشهد عـــــلـــم مصـــــر المرفوع و المرفرف على الجبهة الشرقية امامنا . لقد اعتدنا رؤية العلم الملعون , علم اسرائيل امامنا طوال السنوات الماضية .....فلك ان تتخيل شعورنا حينما اصبح علم مصر...علم بلدك هو المرفوع امامنا ......ياااااه .....شعور لا يوصف !!!!

عبرنا فى اليوم التالى لبداية الحرب "صباح 7 اكتوبر " حين اكتملت اقامة رؤس الكبارى بمجهود رجال سلاح المهندسين الابطال , كان الطيران المعادى يحاول عمل هجوم مضاد و تدمير الكبارى , الا ان دفاعنا الجوى الباسل قام بدور عظيم , لقد فوجئنا بطائرة معادية تسقط بين تشكيلنا "الذى كان يمثل مربع ناقص ضلع و القائد فى المنتصف " فعلا تكبيرنا و نحن نرى بيننا و على ارضنا طائرة معادية تسقط مشتعلة بفعل صاروخ مصرى من صواريخ دفاعنا الجوى .

حين عبرنا كان موجود على الضفة الشرقية مراسلين حربيين يرتدون زيا مدنى و معهم كاميرات , لقد تعجبنا من وجودهم قبلنا و كيف عبروا فى اتون الحرب المشتعل , و لقد التقطوا العديد من الصور لنا فور عبورنا و رصدوا مشاهد فرحتنا بالعبور و تحمسنا لما هو ات من قتال.

تحركنا الى داخل ارض سيناء الحبيبة , و توجهنا بدباباتنا الى منطقة تسمى "الجباسات" و لم نمكث هناك ساعات , الا و جاءت لنا الاوامر بالتحرك الى نقطة عيون موسى الحصينة , تلك النقطة الرهيبة ,شديدة التحصين , التى يصل سمك سقفها الى 9 امتار , و تعمل ابوابها الحصينة بتحكم كهربائى , و بها من التحصينات و الترفيه ما لا يصدقه مقاتل .... انها تحتوى حتى على سينما للترفيه عن جنود العدو !!!

و قد اكون مبالغا اذ اقول انه على صعيد كتيبتى اننا لم نحارب تلك الحرب المهلكة الطاحنة التى كنا نتوقعها و نتوقع انها ستقضى علينا .....لكننا قلنا الله اكبر , و لقد استسلم جنود العدو امامنا عندما رفعت دباباتنا مدافعها متوجهه تجاههم "واشارت اليهم " , فاذا بهم يستسلمون و يأخذهم رجال المشاة اسرى

عندما وصلنا "عيون موسى" و تمركزنا فيها, كنا محافظين على صيامنا رغبة فى الموت صائمين , حيث كان كل منا يعتبر نفسه ميتا ما لم يثبت العكس و لكن كان كل ما يهمنا هو الثأر الذى جاءت فرصته و حان وقته , كان الخوف قد تلاشى فى داخلنا فى هذا التوقيت خصيصا , والله لو كان بنا ذرة من خوف لمتنا من الخــــوف لما كنا نلاقيه من اهوال و جحيم طوال فترة حرب الاستنزاف , و لكن الله ثبتنا و نزع من صدورنا الخـــوف تماما. فعلا كما قال الزعيم عبدالناصر , لقد تطعمنا للحـــــرب

كان دورى بصفتى الجندى مسؤل الاتصالات هى اقامة خطوط الاتصال السلكية كما ذكرت من قبل , فكنت اضع اسطوانة عليها ما يصل الى الاف الامتار من السلك على كتفى و اقوم بتثبيت السلك فى نقاط ما بين كل منها مسافة كبيرة قد تصل الى كيلو متر تقريبا, حيث اقوم بتوصيل خطوط الاتصالات بين السرايا المختلفة و اقوم بعمل سنترال تصب فيه كل تلك الخطوط اكون انا المسؤل عن تشغيله ,

هذا من ناحية الاتصالات السلكية اما عن الاتصالات اللاسلكية فكنت مسؤل عن صيانة اجهزة اللاسلكى الخاص بالدبابات , و كان مكانى اثناء التحركات بالمدرعة الخاصة برئيس عمليات الكتيبة.

كانت تحصينات العدو و اهتمامه براحة و تأمين جنوده لا توصف , بالمقارنة فى ما كنا نحن فيه من خنادق بسيطة محدودة التأمين , اذكر اننى شاهدت ايضا نقطة لسان بور توفيق , و التى بها من الترفيه ما يوجد بمدينة حديثة لا مجرد نقطة او ثكنة عسكرية , لقد شاهدت بها دبابات تقريبا "على الزيرو " قادمة من الجسر الجوى الامريكى , و هذه الدبابات التى امر قائد فرقتنا "اللواء / يوسف عفيفى " - بتدميرها على التوالى حيث تم تدميرهم كلهم خوفا من حصول العدو عليهم مرة اخرى , و لم نستطيع استخدامهم فى القتال لعدم وجود اطقم مدربة على استخدام هذه الانواع , حيث كنا مدربين على استخدام الدبابات تى 54 , و تى 55 , بينما كانت تلك الدبابات صناعة امريكية تفوق امكانيات سلاحنا و لكن لا نجيد استخدامها .

لقد كان اللواء/ يوسف عفيفى مثال للقائد المنضبط رابط الجأش , فى مرة ما , توجهت مع ضابط شاب الى قيادة الفرقة لتبادل الأوامر مع القيادة فوجدته رغم ظروف الحرب مهندما هادئا بشكل يلفت النظر , فأدى الضابط الشاب التحية بسرعة يريد التحدث فى الامور التى جاء من اجلها , فإذا بالقائد يقول له بقوة : عظــم كويس يا ظابط زى ما علموك فى الكلية الحربية !!! و كان ذلك من قبيل الانضباط بالسلوك العسكرى , و تعليمنا الا تؤثر الحرب على انضباطنا او هدوء اعصابنا . و كان لذلك اثر عظيم فى رفع الروح المعنوية ,

لقد نصرنا الله فعلا بقذف الرعب فى قلوب العدو و بتوفيقه و تثبيته لنا , اذكر اننا عثرنا على كابل اتصالات فى سيناء كان العدو قد استولى عليه مع استيلاءه على سيناء بعد النكسة , فاستخدمناه مرة اخرى فى اتصالاتنا و عمل خطوط جديدة للاتصال .

الثغـــــــرة :

كانت ايام ذات وقع غريب , رغم صعوبتها الا ان روحنا المعنوية كانت مرتفعة فيها بفضل التلاحم بين الجميع قادة و جنودا , كان الاسرائيليون بحكم كونهم محاصِرين لنا ونحن , و محاصَرين لهم , عندما يمنعون عنا الطعام كنا نقصف قوافل طعامهم بالمدفعية فيعلمون انهم ان جعنا , جاعوا !!!!

لقد تعايشنا مع فترة الثغرة بشكل ممتاز , كنا نعمل حفلات سمر لرفع الروح المعنوية و حتى يسمع العدو بحالتنا فتزيد من ارتباكه , اذكر اننى كنت مع زميل لى قد صممنا فرن من نصف برميل و كنا نستخدم صوانى الصواريخ – و هى قاعدة الصاروخ بعد ضربه فكانت قاعدة الومنيوم لامعه – كنا نستخدمها كصوانى للطهو و الخبيز , و كنا نشرب من عيون موسى "الاثنى عشر عينا "

كانت المعلومات التى عرفناها وقتها ان شارون قطع اتصالاته مع قيادته كنوع من العناد ليكمل خطة الثغرة بينما كان بعض قادة العدو ينادى بتوقف العملية و عدم جدواها من الجهة العسكرية , و فعلا فلقد تصدى رجال القائد "عبدالمنعم واصل " لكل من دخل السويس و اذاقوهم الامرين ببطولة و بسالة منقطعة النظير. و لقد رأيت بعينى تلك الدبابات الاسرائيلية المدمرة بالكامل فى السويس و منها ما حطامه يقطع الطريق , حيث كنت اتنقل ما بين كتيبتى و السويس لاحضار المراسلات القادمة لنا من البريـــد . كنا نعبر احيانا بمعديات صغيرة و نعود مرة اخرى .

كانت روحنا المعنوية مرتفعة طوال فترة الثغرة , لم نعانى من نقص الامدادات , و كمقاتل عاش تلك الايام ارى ان تلك الثغرة كانت تابعة للرؤيا السياسية و ليس للقدرة العسكرية , فعسكريا ارى ان موقف الاسرائيليين كان ليس متميزا ان لم يكن سيئا , لقد كنا نعمل تحت قيادة قادة عظماء و محترفين سواءا اللواء يوسف عفيفى قائد الفرقة 19 , او اللواء احمد بدوى – ان ذاك قائد الفرقة السابعة .

بالطبع كان هناك اخطاء و لكن الاهم الا نترك البطولات الكثيرة و الاعمال العظيمة و نتغنى بالقليل من الاخطاء و ذلك مثل معركة اللواء الثالث المدرع, فيجب الا نكون كما يفعل العدو او المترصدين بمصر . و اخيرا اجزم لك ان تلك الثغرة كانت فرقعة اولا و اخيرا من وجهة نظرى و ليست نصرا عسكريا للعدو باى مقياس , على الاقل من خلال ما عشته و رأيته بعينى فى الفرقة 19 , يكفى ان اقول لك , لقد عبرنا 33 دبابة , و رجعنا 33 دبابة , لقد استشهد من كتيبتى فقد اثنان من الضباط و اثنان من الجنود و جندى واحد مفقود .

اما عن تكتيكات العدو فى القصف,فكان يتعامل بطريقة الارض المحروقة بقصف منسق لمربعات محددة , فكنا ما ان ينتهى العدو من قصف منطقة ما الا و نتمركز فيها بشكل مؤقت اثناء التحركات لاننا نعلم انه اعتبرها المربع المحروق لهذا القصف.

مواقف لا تنسى :

بالطبع كان من المواقف البطولية , ما لا يحصى عددا , يحضرنى منها اثناء العبور قيام احد الجنود الابطال بسد فتحة مدفع نابالم بجسده ليحمى باقى زملاءه !!!

كنا نصلى كثيرا لابسين الاحذية , "البيادة " و متيممين , اذكر اثناء تيممى فى مرة من المرات و ما ان رفعت يدى عن الارض الا و وجدت شظية من جراء قصف قد بدأ و رسمت عدة خطوط على موضع يدى فى الرمال فلو ابطأت يداى فى الحركة للحظات لكانت قد بترتها الشظايا .....فوددت ان اعود سريعا للملجأ , لكنى بالعناد اكملت تيممى بوضع يدى فى نفس موقع مسار الشظية , ثم عدت الى خندقى لنصلى .

فى نقطة عيون موسى , كان جوارنا مرتفعات عالية , و هى "جبال المر " , كان القائد الشهير "الفاتح " الذى استولى عليها و فتح نقاطها الحصينة ببطولة فذه هو و رجاله, اذكر طريقته عندما يتصل بكتيبتنا , حيث كان له اسلوب طريف فى الحوار , كان يقول لى : يا دفعة , ادينى الكومندان بتاعك !!

لقد ابلغ قائد كتيبتى يومها بنجاح عمليتهم حين قال له ....شايف جبل المر , و العلم اللى فوقه , انا تحت علم مصر على طول !!!

هذا الرجل و القائد العظيم الذى استولى على نقاط جبال المر و نصره الله بان قذف فى قلوب اعداءه الرعب , حيث امر رجاله جميعا ان يصرخوا "الله اكبر " طوال هجومهه على تلك المواقع , مما ارعب الاسرائيلين و جعلهم ينسحبون امامهم , و اصدر الرئيس السادات بعدها قرار بتغيير اسم جبال المــــر الى جبال "الفاتح " , تكريما لهذا البطل .

لقد كان الجبل له طريق ممهد فى المنتصف لم يكن يعلمه ذاك القائد , و هجم عليه من طريقين غير ممهدين من اطراف الجبل و هو طريق صعب جدا , مما زاد من رعب الاسرائيلين من طريقتهم مع صيحاتهم الله اكبر , اذكر اننى سمعت تعقيبه مازحا بعدها عن معركة استيلاءه على تلك الجبال مستهزئا بالجنود الاسرائيليين الجبناء قائلا :

عارفين اللى كانوا فى المواقع دى , دول شوية تلامذه من المدارس تقول لهم بخ يطيروا , لكننا كمان قلنا لهم ...."الله اكبر" !!!

الرد على ابـــواق العدو :

لا تصدقوا ادعاءات العدو الكاذبة و ابواق الهزيمة , و تزييفات العدو التى تقلل من قيمة النصر , لقد كنا فى موقف قوة من اول لحظة و الى اخر لحظة , لو كنا فى موقف ضعف لما رحمنا احد و لما تركنا احد نعود احياءا , اتعجب لمن يصدق هذه الادعاءات , اوهل لطول المدة التى مرت على النصر اصبحت تلك الخزعبلات الانهزامية تروج الان !!؟

نهاية مسيرة القتال ....و العودة للحياة المدنية :

خرجت من الخدمة و انتهت فترة تجنيدى فى نهاية مايو 1974 , لا اخفيك سرا اننى حينما دخلت سيناء دعوت من الله الا اصاب او اكون اسيرا و رجوت الله النصر و الشهادة , فأكرمنا الله بالنصر , و ها انا قد عدت , و لكنى لا ادرى اكانت عودتى من حسن حظى ام لا !!!

و بعد اكثر من اربعين عاما على النصر , يسعدنى ان ارى شباب من هذا الجيل مهتم بتاريخ البطولات , و الدليل انك تسجل معى و تسعى لتوثيق الذكريات رغم تخصصك الطبى , و هذا يدل على ان البطولات ستستمر بإذن الله تعالى .

سألته مرة اخرى عن الصورة :

 

 

فكرر اجابته ببساطة , دعك من كون الصورة لمن , الاهم انها لمقاتل مصرى , عبر و انتصر و سواءا كنت انا او غيرى , فلا يهمنى ان اجزم و اقول انه انا رغم وجود ما يشيرلذلك....... الاهم بالنسبة لى انها كانت صورة من ايام النصـــــر!!

                                                                عدسة و تسجيل

م. محمد هشام ابودهب

حوار

د. احمد مختار أبودهب

 
Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech