Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

العميد محمد عبد المنعم يوسف - الفصل الخامس

 

الفصل الخامس

 

اليوم الفاصل…

بدأ نهار يوم الحادي والعشرين من أكتوبر وسوف أقف طويلا مع هذا اليوم لما كان له من تحول في أيام المعركة التي بلغت سبعة عشر يوما وكان حقا هذا اليوم هو اليوم الفاصل بين مرارة الهزيمة وفرحة النصر العظيم الذي ظهر فعلا في ذلك اليوم علي مستوي الجندي وإن أتاحت لي ذاكرتي حتى أذكر كل ثانية وليست دقيقة مرت هذا اليوم إلا وكان لها قصة مطولة من قصص البطولة الحقيقية التي تحدث علي الطبيعة بدون تزييف ، ولقد أدركت ساعتها لو أتاحت الفرصة لبعض الكتاب والقصصيين لرؤية بعض المشاهد والصور التي حدثت في هذا اليوم لنسجوا منها ملاحم وقصص بطولية طويلة مدعمة بأروع ما يمكن أن تحدث من شهامة المقاتلين علي أرض المعارك الحقيقية والتي شاءت الظروف أن تصنعها في أروع ما تجلت في هذا اليوم بالذات وأصبح يوم الحادي والعشرين يوما مشهودا بالنسبة لنا وقد أسميناه بيوم "معركة الدبابات" وليس عمق هذه الكلمة في معناها ولكن هو كيف نجح الفرد المشاة العادي في التصدي لدبابات العدو بكل جرأة وجسارة لم ولن يسبق لها مثيل في تاريخ الحروب ولم تكن حقائق هذا اليوم مفتعلة أو مصطنعة ولكن صنعتها الأحداث والظروف بتوقيتات محددة جاءت في ترتيب محكم وكأن هذا اليوم أن جاز لنا أن نسميه بيوم المفاجآت لما كان يحتويه من مفاجآت رهيبة لم يتوقعها أي فرد في الموقع الذي كنا نحتله.ومن مفارقات هذا اليوم بالذات أننا كنا حريصين علي مامعنا من كميات الذخيرة والتمسك بها لأننا علمنا أن منطقة الشئون الإدارية قد دمرت وكان بها كميات من الذخيرة وأدركنا أن الإمداد بالذخيرة قد يتأخر بعض الوقت ولا نعرف له ميعاد ،لذلك حرص كل جندي علي ألا تخرج من سلاحه طلقه واحدة إلا وتقتل فردا من أفراد العدو وأن أي إهمال في الذخيرة واستهلاكها بدون فائدة تعتبر عملية انتحار للفرد لأن أي سلاح مهما كان نوعه بدون ذخيرة فإنه لا يساوي شئ ويصبح كالعصا .كان ذلك السبب الذي جعل من هذا اليوم رغم طول المعارك التي حدثت طوال الأيام الماضية سببا في تميز ذلك اليوم عن باقي الأيام السابقة.

وبدأت الأحداث تتلاحق…

 أبدأ في سرد أحداث ذلك اليوم بصباح كان طيران العدو فيه نشط جدا وبدأ طلعاته في وقت مبكر جدا وبكثافة شديدة لم نر مثلها من قبل وكانت هذه الطائرات من طراز ف111 الأمريكية الصنع وبطيارين أمريكان أيضا كما قلت لكم من قبل وكما أذاعت وكالات الأنباء العالمية.استمرت الغارات بشراسة وجنون يدل علي أن العدو يقوم بعمليه انتقام رهيبة نظرا لارتفاع خسائره وبعد تدمير معظم القوات المدرعة التي قام بدفعها إلى الضفة الغربية بغرض فتح ثغرة وتطويق قواتنا الموجودة داخل سيناء وبعد تدمير اللواء المدرع190 الذي كان يقوده العقيد " عساف يا جوري " وقد دمر عن أخره وتم أسر قائده وكان ذلك في قطاعنا الأوسط . وقد أقتنع العدو بأن أي معركة تشترك فيها مدرعاته مع القوات المصرية لا تحقق أي انتصار بل علي العكس يتكبد فيها خسائر فادحه خصوصا وأن قواتنا كانت تقضي علي جميع أفراد العدو دون الإبقاء إلا على بعض القلائل منهم ، لذلك لم يجد العدو غير طيرانه باعتباره الورقة الرابحة الوحيدة التي يقدر أن يلعب بها في هذه المعارك . أستمر قصفه من ارتفاعات عالية جدا بالطيران والمدفعية من البر في كثافة لم نشهدها من قبل وعلي الفور أدركنا أن العدو ينوي القيام بعمليه هجوم مضاد واسع النطاق وعلي مواجهه كبيرة وأنه يمهد لهذه العملية من الأمس وظهر ذلك لجميع الأفراد كما سبق أن تعودوا قبل أي هجوم للعدو. لقد كنا في ذلك اليوم لا نخاف من أي هجوم قد يحدث من جانب العدو، ولكننا كنا في قلق ليس علي شئ قد يحدث ولكن أدركنا أن هذا التمهيد للهجوم الذي بدأه العدو من الأمس بهذه الشراسة لن يعقبه إلا هجوم بنفس القوة بل قد يكون علي مستوي أكبر مما قمنا بتدميره قبل ذلك وكان هذا القلق سببه قلة كمية الذخيرة التي معنا.

كان هذا العنصر بالذات هو سبب قلقنا ولا شئ أكثر من ذلك وكان هذا الشعور يدركه جميع أفراد الفصيلة واتخذت قراري وأبلغت الأفراد بأن هذا اليوم قد يكون بمثابة تحديد مصيرنا بالحياة أو الاستشهاد وليس أمامنا سبيل غير ذلك فعلينا أن نصمد وليكن الله معنا ناصرنا ومخيب أمل العدو الذي ينوي الغدر.نسيت هنا  أن أوضح أن كثرة الغارات الجوية كانت توقف تماما عمليات الإمداد وهذا أمر طبيعي ولقد علمنا في ذلك اليوم بأن العدو نجح في ضرب بعض المعابر الموجودة خلف قطاعنا علي القناة وكان سبب تأخير عملية الإمداد هو ضرب المعابر وكان ذلك علي المستوي الأكبر ، لم يحدث ذلك أي تأثير علي معنويات الأفراد خصوصا أن قواتنا قامت بإنشاء معابر أخري حتى تفوت علي العدو الهدف الذي يريد تحقيقه وهو قطع الإمدادات عن قواتنا داخل سيناء . في ظهر ذلك اليوم المشهود بلغت ذروة القصف لدرجة أن المنطقة أصبحت كالجحيم تشتعل فيها حرائق كثيرة وكان عدد القصفات في سرعات مختلفة جعلت حفر الأفراد تهتز وكأن الأرض تتحرك بهم وتأبي هذه القصفات التي تشوه سطحها بالحرائق . وفي حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر سمعنا أصوات دبابات من علي بعد كبير وكان صوتها شديدا ومزمجرا مما كان يدل علي كثرة عددها ، وفي الحال أصدرت الأوامر للأفراد بالاستعداد لصد هذا الهجوم المعادي من جانب العدو وعدم السماح لأي دبابة من دبابات العدو بالاختراق من أي موقع في الفصيلة والعمل علي تدمير أي قوات تقترب من موقعنا، وفي أثناء هذه اللحظات بدأت نيران رشاشات الدبابات وهي من عيار نصف بوصة تصل إلينا بكميات كبيرة وهائلة وكأنها في غزارتها مثل الأمطار وكانت تأتي أفقية وفي مواجهة الموقع وتمر من فوق رؤوسنا علما بأننا في هذه للحظات لم نطلق أي طلقة من أى سلاح وذلك لعدم كشف الموقع من بعيد لهم. وبدأ كل فرد يحتمي داخل حفرته حتى لا يتعرض للأصابه وكان يعلم أن دبابات العدو مازالت بعيدة وأن العدو يطلق هذه النيران كنوع من عمليات بث الخوف والرعب في نفوس أفرادنا ولكن لم يتحقق له ذلك. واستمرت الدبابات في التقدم وعندما اقتربت منا وأصبحت علي مسافة حوالي كيلومتر تقريبا بدأت أحدد قوة دبابات العدو المهاجمة في قطاع الفصيلة وكانت عبارة عن سرية مشاة ميكانيكية مدعمة بفصيلة دبابات أي حوالي عشرين قطعة مدرعة مابين عربات نصف جنزير ودبابات وكانت متقدمة في مواجهه موقع الفصيلة ومستمرة في الضرب في جميع الاتجاهات و حتى هذه اللحظة  لم تقم مدفعيتنا بالاشتباك مع هذه الدبابات المتقدمة علينا وأصبحت تقترب منا بغرض الابتعاد عن نيران مدفعيتنا وقد نجحوا في ذلك ،ولم تتوقف الدبابات لحظة واحدة عن إطلاق النيران من أسلحتها الصغيرة لأنهم كانوا يعلمون أن أمامهم مواقع أفراد المشاة. وفي لحظه الغروب بالضبط اقتربت منا الدبابات حتى أصبحت علي مسافة حوالي 600 متر وكان جزء من هذه الدبابات قد بدأ يتعرض لنيران جانبية من أحد مواقع قواتنا فبدأ علي الفور بفتح تشكيل هجومه وماهي إلا لحظة حتى نجح أحد الأفراد حاملي الصواريخ المضادة للدبابات في تدمير أول دبابة ظهرت ثم تلتها عربة مدرعة وعند إصابة هاتين القطعتين بدأ أفراد العدو يقفزون منهم وما أن لمح أفرد الفصيلة والموقع الجانبي هذا المنظر أمامهم حتى بدأ كل فرد علي الفور ومن تلقاء نفسه في إطلاق النيران بقوة وعزم علي هؤلاء الأفراد حتى سقط معظمهم قتلي وفر الباقي إلى الخلف ومنذ  هذه اللحظة بدأت المعركة الهجومية للعدو تأخذ حد الشراسة وأخذ العدو يطلق قذائف دباباته ونيران رشاشاته في جميع الاتجاهات بغطرسة وطيش وكأنه جن جنونه عند تدمير هاتين القطعتين وكانت النتيجة بالعكس علي أفراد قواتنا فقد ارتفعت روحهم المعنوية وأخذوا يستعدون للقضاء علي أي أفراد تقفز بعد ذلك من المدرعات التي سوف تدمرهما الصواريخ وكانوا يرددون بأصوات عالية تشق عنان السماء صيحة النصر الله أكبر الله أكبر . كانت هاتين المدرعتين اللتين تم تدميرهم في مواجهه موقعنا بالضبط ولم تمضي لحظات حتى شاهدنا أمام الموقع المجاور لنا دبابتين للعدو قد دمرتا بواسطة الصواريخ ونيران دباباتنا المخندقة التي انضمت إلينا مؤخرا والتي كان لها تأثير في رفع الروح المعنوية للأفراد ، وتكررت نفس الصورة عند تدمير أول دبابتين بل أنه قام بعض أفراد الفصيلة بمعاونة زملائهم في الموقع المجاور بالضرب علي أفراد العدو حتى نزيد من خسائر العدو في الأفراد . وقد كنا نسمع أثناء تلك المعارك صيحات الجنود الإسرائيليين الجرحى بالصراخ وهم ينادون علي زملائهم لإسعافهم ، ولقد كان أي جندي إسرائيلي يصاب لا يقترب منه أي فرد من زملائه حتى لا يسقط هو الأخر قتيلا أو جريحا بجواره من شدة النيران التي تنهال عليهم من أفرادنا علما بأن رشاشات دباباتهم لم توقف الضرب ولكن ضربهم كان بدون توجيه وطائشا نتيجة الخوف والفزع والهلع الذي أصابهم نتيجة لتدمير دباباتهم في أول المعركة ، وبدأت دبابات العدو الباقية تحاول تأخير الوقت قليلا أثناء الهجوم حتى يحل الظلام الذي أصبح علي وشك الدخول ولكن هذا لم ينفعهم ولكن زاد من خسائرهم في الدبابات والأفراد . ومع حلول الظلام بدأت الهاونات تضرب دانات مضيئة لإنارة أرض المعركة حتى يتسنى لنا القضاء علي باقي قوات العدو ، وبعد لحظات اقتربت منا وبالضبط جهة اليسار من موقع الفصيلة عربة مدرعة وأصبحت علي مسافة 150 متر وعندما وصلت إلى هذه المسافة ظن أفرادها أنهم أصبحوا في منطقة أمان وما إن تقدمت بضع خطوات  حتى أنفجر تحتها لغم قام بوضعه أفراد الفصيلة وفي نفس الوقت أصابها صاروخ مضاد للدبابات أطاح برأس سائق العربة المدرعة وفي تلك اللحظة قفز باقي أفراد طاقم العربة وما أن لمست أقدامهم الأرض حتى انهالت عليهم نيران البنادق الآلية والرشاشات وسقط ثلاثة أفراد قتلي وفر أثنين هاربين وظلت هذه العربة تحترق وتتوالى فيها الانفجارات بتأثير الذخيرة التي كانت بها ما يقرب من ساعتين بهذه الحالة وأصبح بتدمير هذه العربة التي دمرت عن أخرها أن فقد العدو خمس مدرعات . ولم يجد العدو بعد ذلك أي نتيجة في مواصلة الهجوم الذي قام به منذ ساعتين وبدأت بعض عرباته تجري هاربة للخلف وأصبحت دبابات العدو الباقية في حالة هستيريا مما يحدث لهم وقد لاحظ العدو أن الصواريخ تنهال عليهم من كل جهة ثم بدأ بعض الأفراد الجرحى يتسلقون علي هذه الدبابات بغرض الخروج من أرض المعركة ، وفي أثناء إنارة إحدى الطلقات المضيئة شاهدت دبابة عليها أكثر من عشرة أفراد متعلقين بها فأخذت قاذف صاروخي مضاد للدبابات وقمت بالضرب علي هذه الدبابة وكان هدفي هو نزول هؤلاء الأفراد من فوق الدبابة حتى يتمكن الأفراد من أحداث أكبر خسائر بهم وما إن أطلقت الطلقة الأولي علي الدبابة حتى أصابها وهرع جميع الجنود الموجودين عليها وقفزوا علي الأرض وفي أثناء ذلك بدأ الأفراد يطلقون نيران بنادقهم الآلية عليهم حتى أصابوا معظمهم وقتل البعض الأخر وتمكن عدد قليل من الهرب والإفلات من موت محقق. ولولا أن كانت كمية النيران المضيئة قليلة وكانت تتأخر بعض الوقت لأمكننا القضاء علي جميع الدبابات والعربات المدرعة القائمة بالهجوم ، ولقد أستغل العدو هذه الفرصة وبدأت بعض هذه الدبابات تفر هاربة من أرض المعركة تاركه ورائها بعض الأفراد الذي جرحوا ، ولم يبقي في أرض المعركة سوي دبابتين أخذوا يتحركون في وادي بين تبتين وبإشارات منهم لإفرادهم الجرحى حتى يأتوا علي هذه الإشارات ورغم ذلك لم يوقف أفراد قواتنا إطلاق النيران عليهم من بنادقهم وذلك للقضاء التام علي جميع الأفراد الجرحى الموجودين في أرض المعركة وعدم إعطائهم الفرصة للهروب والإخلاء للخلف.

كانت إشارات الدبابتين عبارة عن كشافات مثل البطارية العادية تنبعث منها أضواء مختلفة علاوة علي ذلك أخذوا ينادون علي بعضهم بصوت عالي كنا نسمعه بوضوح تام.كان جميع الأفراد الجرحى الموجودين علي أرض المعركة في حالة خوف ورعب يصيحون صيحات الإنقاذ لإخراجهم من هذا لجحيم الذي يلاقونه من نيران أفرادنا. واقتربت الساعة الثامنة مساء وأخذت الدبابات الباقية تفر هاربة للخلف منسحبة من أرض المعركة بعد أن التقطت بعض الأفراد الجرحى يجرون ورائهم الهزيمة التي لحقت بهم في هذا الهجوم الفاشل ، وظللنا نتابعهم بالنيران حتى اختفوا ولم يبق أمامنا سوي دباباتهم وعرباتهم المحترقة والتي ظلت تنبعث منها النيران والانفجارات بتأثير كميات الذخيرة التي كانت موجودة بها. وظللنا في حالة استعداد احتمالا لعودتهم لهجوم جديد إلى أن انتصف الليل ولكنهم لم يحاولوا القيام بأي عمل في هذه الليلة ويرجع سبب ذلك إلى الخسائر التي لحقت بهم في الأفراد والمعدات وللعلم لم يصب أي فرد من أفراد فصيلتي بأي إصابة في هذه المعركة وأن كنا قد علمنا أن أثنين من الأفراد قد أصيبوا في الموقع الذي كان يسار فصيلتي ولكنها كانت إصابات خفيفة.

داورية الفجر…

وقد كانت مقاومتنا للعدو الإسرائيلي عنيفة وقد أصيبت قواته بالذعر فكانت تهجر دباباتها ليلا ولا تعود لها إلا نهارا وقد ترك العدو بعض الدبابات المعطلة أمام قواتنا وقد تعود رجالنا الخروج في دوريات إلى دبابات العدو ينظفونها من أسلحتها ومعداتها وكل مافيها ثم يعودون إلى مواقعهم.وقد حدثت قصة طريفة من المواقف المضحكة التي مرت علينا وهي أنه قبل أخر ضوء يوم الحادي والعشرين من أكتوبر شاهد فردين من قواتنا دبابة سليمة للعدو علي خط السماء في منطقة أبو وقفة ويقرران الخروج لها في أول ضوء لأخذ مابها من أسلحة ومعدات وأتي عليهم الفجر وكان الضباب كثيف وضلوا الطريق ثم شاهدوا شبح لثلاث دبابات وعربة مجنزرة واعتقدوا أنها جميعا معطلة فدخل كل واحد منهم دبابة وأخذ يجمع مابها داخل بطانية من أسلحة ومعلبات حتى جراكن المياه والسجائر والوثائق الموجودة بها ثم أتلفوا كل ما بداخلها ، كل هذا حدث وأصواتهم عالية يهرجون ويضحكون وفي أثناء خروجهما من الدبابات شعر بهم أفراد أطقم الدبابات الإسرائيلية .. فجرى أفراد الأطقم واحتموا خلف العربة المدرعة أما أفراد قواتنا فقد صمما علي عدم ترك أي شئ وخرجا في الضباب وأخذا وضع ضرب النار وأطلقا نيرانهم بأكبر معدل وظن الإسرائيليون أنهم أمام داوريه كبيرة ففروا وعاد البطلان إلى موقع الفصيلة ومعهم ما لذ وطاب وأعدوا فطورا شهيا للفصيلة .وبقي الأفراد علي حالة التأهب والاستعداد حتى شروق شمس يوم الثاني والعشرين من أكتوبر .

وقف أطلاق النار…

وفي صباح ذلك اليوم علمنا أنه قد صدر فجر هذا اليوم قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار .ولكننا لم نعطي لهذا القرار أي اهتمام ليس لعدم احترامه ولكن لغدر العدو وعدم احترامه لهذه القرارات لأننا نعرف أن عدونا لا تنفع معه أي معاهدة أو قرار وأنه لا يحترم أي قرارات دولية ولكنه يستخدم أسلوب البلطجة وهذا ماتعودناه منه ، وكنا حريصين أشد الحرص من قبل أي وقت مضي حتى لا يأخذنا علي غره بحجة وقف إطلاق النار .بدأ شروق الشمس بدانات مدفعيته علي مواقعنا وبقصفات طيرانه المعتادة في كثرة وتركيز ، وصدرت إلينا الأوامر بعدم وقف إطلاق النيران إلا إذا التزم العدو بهذا القرار وعمل علي احترامه وتنفيذه وأن أي طلقة تصدر من جانب العدو سوف ترد عليه عشرات الطلقات وهاهو العدو يعلم أن اليوم محدد لوقف إطلاق النار ويبدأ اليوم كما بدأ الأيام السابقة بل أنه زاد في ذلك اليوم بالذات من طلعاته الجوية وشدة قصف مدفعيته حتى أنه بدا لنا أنه ينوي تعويض ما تعرض له من خسائر في يوم أمس .ولكننا كنا نفطن لمكره وخداعه وبدأ كل فرد يحتاط لنفسه من هذه الغارات الوحشية علي أن يكون مستعدا لردع أي هجوم مدرع من جانب العدو . وكان ذلك اليوم أشبه في شدة قصفه وضراوة الغارات فيه بيوم عشرين أكتوبر. واستمرت طائرات العدو في عمليات قصفها علي موقع الكتيبة ولقد سقط في هذا اليوم بعض زملائنا شهداء بسبب هذه الغارات . وفي وسط النهار علمنا أنه قد حددت ساعة بدء سريان قرار وقف إطلاق النار الساعة السابعة إلا سبع دقائق مساء .كل ذلك لم يغير من موقفنا شئ لأننا كنا حقا لا نريد وقف إطلاق النار حتى نلقن العدو دروسا في القتال مع الجندي المصري وأن وقف إطلاق النار هذا سوف يفرح له العدو لأنه سوف يلتقط أنفاسه بعد أن ذاق مرارة الأيام السابقة بما حملته له من خسائر في جميع أسلحته وأفراده ومعداته ورغم ذلك لم تهدأ مدفعيته ولم يهدأ طيرانه حتى مغرب هذا اليوم.

بين الحياة والموت وأخر شهيد فى الفصيلة…

 وفي حوالي الساعة السادسة إلا الربع بدأت مدفعية العدو تركز ضربها علي موقع فصيلتي وأخذت تقذف داناتها بشراسة وانتقام لم أري مثلها من قبل ، وأصف لكم لقطة حدثت في ثوان والمنظر كالأتي كنت أنا وثلاثة أفراد نقوم بحديث عادي عن معركة أمس وكنا واقفين بحوار حفرة وفي هذه الأثناء سقطت إحدى دانات المدفعية بجوارنا وعلي مسافة أمتار قليلة ولم نشعر إلا ونحن الأربعة أفراد راقدين فوق بعضنا داخل الحفرة التي كنا نقف بجوارها ولم نصدق أننا مازلنا أحياء ولم يصب منا أحد وأعقبت تلك الدانة أربع دانات أخري في أربع زوايا حول الحفرة التي كان بها رقيب الفصيلة وعلي مسافة أمتار من كل زاوية جعلت جزء من الحفرة يتهدم علي من فيها . انتهت هذه اللحظة وكل منا يتشهد علي روحه وكانت أسوأ لحظات ذلك اليوم ومع أخر دانه من دانات مدفعية العدو وبالضبط في الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم وفي المنطقة التي حدث فيها ضرب تلك الدانات الخمس التي قصفها من قبل أستشهد الجندي "حجاج" وكان بذلك هو أخر جندي يسقط شهيدا من فصيلتي وأيضا أخر جندي شهيد في الكتيبة مع أخر دانه من دانات العدو. وقد سقطت الدانة أمام حفرة هذا الجندي ونتيجة لتطاير الشظايا منها أصيب بشظية في صدره أستشهد علي أثرها وكانت أخر كلمات قالها الله أكبر خمس مرات مشجعا زملائه قائلا لهم أنا بخير ولم تمضي ثوان حتى فارق الحياة في أروع تضحية وفداء . وبعد أن أتممنا دفن هذا الشهيد وفي حوالي الساعة السابعة مساء بدأ جميع أفراد قواتنا في جميع المواقع داخل سيناء يطلقون نيران أسلحتهم الصغيرة متجهة إلى السماء لبدء إعلان قرار وقف إطلاق النار بين القوات وكذا كان يفعل العدو وهذه أول مرة يطلق فيها العدو نيرانه ليس علي قواتنا ولكن في السماء. وقضينا ليلة الثالث والعشرين من أكتوبر علي غرار ليالينا السابقة بكل اليقظة والحرص والاستعداد  .

وبدأ النهار بدون طيران ومدفعية…

 وفي صباح يوم الثالث والعشرين من أكتوبر بدأ النهار بدون طلعات الطيران وأيضا بدون قصف من مدفعية العدو وبدأ النهار هادئا علي غير ما تعودنا وكأنه كان يوجد سوقا مزدحما بالضوضاء ثم أنفض في الحال وساد الهدوء مرة واحدة وبدأ الأفراد يخرجون من حفرهم والكل في حالة هدوء نفسي ساد علي روح كل فرد وبدأ الأفراد يتناولون وجبة الإفطار بدون إزعاج ثم قامت مجموعات من الأفراد بالذهاب إلى دبابات العدو المدمرة وإحضار كل الغنائم التي كانت موجودة داخل دباباته التي تركها وفر هاربا والقيام بدفن أفراده القتلى حتى لا يسببوا لنا أمراض بسبب رائحتهم الكريهة وعادت هذه المجموعة ومعها تعيينات علي مختلف أنواعها ومشروبات وبعض الأوراق النقدية وبعض الملابس وقطع الأسلحة والمعدات الفنية وبعض أشياء أخري.

 

وغسلنا وجوهنا وحلقنا ذقوننا..

 وفي الصباح قمنا ولأول مرة منذ اندلاع المعارك بغسل وجوهنا بالماء وكان هذا المنظر مبعثا للضحك بالنسبة لتغير ملامح وجوه جميع الأفراد نظرا لطول شعر رؤوسنا وكان لنا عذرنا وكذلك ذقوننا التي طالت بشكل كبير لدرجة أن بعض الأفراد أصبحوا كالسنيين وأيضا طالت شوارب الأفراد بدرجة كبيرة حتى أن بعض الأفراد وأنا منهم طبعا كانوا لا يربون شواربهم ولما ربوها لعدم إمكانية حلقها تغيرت ملامحهم بالكامل وأصبح كل جندي ينظر لزميله الأخر وهو في غاية الضحك علي مايراه. وبعد ذلك وفي وسط النهار جمعت أفراد الفصيلة وترحمنا علي شهدائنا الأبطال الذين سبقونا إلى الجنة وأبلغتهم أن المعركة لم تنتهي ولكنها توقفت وعندما تبدأ مرة أخري سوف نكون أشجع وأقوي مما كنا وأصدق في قتالنا مع عدونا حتى نلقنه الدرس الذي لن ينساه وقرأنا الفاتحة علي أرواحهم الطاهرة.

"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" صدق الله العظيم.

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech