Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

العميد محمد عبد المنعم يوسف

 

      

 

ملازم / محمد عبد المنعم يوسف

قائد الفصيلة الثالثة

السرية الأولى / الكتيبة 335 مشاة

اللواء 112 مشاة ـ لواء النصر

الفرقة 16 مشاة

10 رمضان _ 6أكتوبر 1973

 

بسم الله الرحمن الرحيم

  "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" .

"ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عن ربهم يرزقون".

صدق الله العظيم.

 

 

إلى مصر وشباب مصر أقدم هذه المذكرات لتكون سجلا لبطولات المقاتل المصري الذي حقق المعجزات في السادس من أكتوبر بعبوره لقناه السويس وتحطيمه خط بارليف والقضاء على اسطوره العدو الذي لا يقهر .

 

مقدمه

 

كان كل شئ عادى في الموقع الذي كنا نقوم بحمايته ،والدفاع عنه ،وهو عبارة عن جبل عالي ،يسمى جبل مريم ،يتوسطه النصب التذكاري ،للجندي المجهول بجوار بحيره التمساح ،جنوب مدينة الأسماعيلية ،وكان هذا الموقع بمثابة نقطة ملاحظة على الضفة الغربية لقناه السويس ،وكان يكشف الجزء الأكبر من أرض سيناء الحبيبة ،التي كنا نتطلع إليها باستمرار، وكانت صدورنا تنشرح لرؤياها، وفى نفس الوقت كنا دائما في لهفة إلى العبور إليها وارتواء ظمئنا المتعطش إليها باستمرار مهما كان يكلفنا ،ومهما قدمنا من تضحيات ،لأننا على علم ويقين بأننا أول من سيضع أقدامه على هذه الأرض الجريحة ،وذلك بحكم جوارنا القريب جدا منها ،وكأنها في كل يوم من مشرق الشمس إلى غروبها تنادينا ليلا ونهاراً، بأن نقوم ونزيح عنها ستار الاحتلال، الذي ربض على أرضها طوال عده سنوات ،تئن تحت وطأه الاحتلال يصنع ،فيها من القلاع والحصون التي تصور أنها ستكون حاجزا عن العبور إليها . وفى كل يوم كان يأتى تغيير على بطاحها العزيزة ،وكأن الأرض تصرخ ويدوي صراخها بصيحات الإنقاذ مثل الغريق الذي يتلهف على الإنقاذ والنجاة.

وكان كل جندي يتمنى أن يصدر إليه أمرا ولو منفردا، ليقوم بعمل عظيم تجاه هذه البقعة العزيزة التي سالت عليها دماء إخواننا الشهداء في معارك 1967 واختلطت برمال سيناء الحبيبة وأبت ألا يطهرها إلا إخوانهم في الجهاد وهم زهره شباب الوطن وخيرة رجاله الذين أسندت إليهم أمانة تحرير هذه القطعة السليبة مهما طال الزمن ومهما كلفهم من تضحيات في سبيل تحريرها حتى أننا في كل يوم يمر كنا نكتسب فيه ثقة بأنفسنا وسلاحنا وقادتنا وكان البذل والعطاء والتضحية والفداء هو شعارنا في تحصيلنا للتدريب على مهام العبور العظيم. وكان كل جندي يعرف أنه مهما طوى الزمن من صفحات ومهما طال الأمد فكان يعمل بعقيدة راسخة نابعة من إيمانه المطلق بأن يوم التحرير ويوم العبور ويوم الخلاص ويوم الثأر آت لا ريب فيه. كان هذا شعار كل جندي وكل ضابط جاء إلى خط المواجهة مع هذا العدو الغادر. ولقد كان يغلى الدم في عروقه وينتفض من هول ماكان يراه على الضفة الغربية لقناه السويس ويرى العدو الغادر الخسيس يعربد عليها ويلهو باستهتار ولا يعرف أن لهذه الأرض أصحاب يتحرقون شوقا إليها. وبإيمانه بأن يوم العبور لابد منه وكان يقبل على التدريب بحماس ويستوعب الأسلحة الجديدة ويؤمن بأن كل ذلك هو الطريق الشاق الطويل الذي رسمه قادتنا وخططوا له لتحقيق يوم العبور العظيم .

محمد عبد المنعم يوسف

 

ــــــــــــــــــــ

ــــــــــــــ

ــــــــ

 
 

  


 

الفصل الأول

 

مرحلة الاستعداد…

في أوائل شهر أكتوبر العظيم كان كل شئ يسير عادى إلا من بعض استعدادات سبق لنا أن مارسناها وهى استعدادات عاديه لمواجهه أي احتمال قد يصدر من عدونا الغادر، إلى أن فوجئنا باستدعاء أفراد الاحتياط الذين انهوا خدمتهم العسكرية وتوالى وصولهم إلينا في أيام معدودة وقد جاء هؤلاء الرجال وهم يعلمون أنها تجربه عاديه على غرار ما كان يحدث قبل ذلك. والحقيقة أن كل فرد جاء هذه المرة بالذات كان مصمما في داخل نفسه وفى عمق إحساسه أن لا يرجع هذه المرة قبل أن يفعل شيئا لأنه يعلم أن الأمد قد طال ولابد من التعجل ليوم الثأر لينهى هذه الخرافة التي كان يسمع عنها ويتمنى أن يضحي بنفسه في سبيل تحرير الأرض الغالية.بل كان كل فرد منهم يدعو ربه بأن تكون هذه المرة هي الأخيرة لتتاح له فرصه اللقاء بعدو الله وعدوه ليلقنه درسا لن ينساه ويفجر البركان الثائر في داخله ويحوله إلى نار وحمم تبيد كل من يقترب من أفراد العدو. ثم ظهرت بعض التحركات لقادتنا وظهرت بوادر نشاط غير عادى في المواقع المحيطة بنا وكانت الأمور تسير بجديه بالغة الأهمية وعلى درجه عالية من السرية والأمن جعلت كل فرد منا يدرك أنه لابد أن في الأمر شئ غير عادى سوف يحدث وأخذ كل واحد يعد نفسه تاركا كل شئ وراءه من مشاكله الخاصة في الحياة واضعا نصب عينيه مصر بما تحويه كل معاني هذه الكلمة من مسئوليات ومن عرفان بجميل هذه البلد، التي أعطت لنا الكثير والكثير وأنه إذا قدم الإنسان روحه فداء لهذا البلد فلن تكون إلا بقليل من كثير أعطته له. تلك هي الظاهرة التي كانت بادية في الموقع الكل يعمل في صمت وكل فرد يؤدى واجبه المكلف به ولا يحاول أن يسأل عما يحدث، لأنه يريد أن يحقق الحلم الذي ظل يداعبه طوال مده خدمته بالقوات المسلحة.

غير أن ذلك لم يغير من الأحوال العادية في الموقع حيث إنه بعد أن ينتهي من تنفيذ الأوامر العسكر يه يلتقي الجنود والضباط في المساء ويشاهدون برامج التليفزيون الذي أحضره قائد الموقع بالجهود الذاتية للأفراد وكانوا يستمتعون ببرامج شهر رمضان الكريم الكل يتسامر ويمرح ويقضون السهرة دون أن يعلموا ماكان يحمل لهم اليوم التالي بعد انقضاء ذلك اليوم. واستمر الموقع على هذه الحالة مده تتراوح بين يومين أو ثلاثة حتى صدرت إلينا الأوامر بالتجهيز والاستعداد الفعلي ليوم العبور ولكن لم يحدد الميعاد لأننا كنا دائما متيقظين ومستعدين  لتنفيذ الأوامر بالعبور إلى سيناء بمجرد صدور الأوامر إلينا حتى أنه لم يكن وقع الأوامر علينا مفاجئه لأن ذلك  واجبنا ووجودنا على خط المواجهة مع العدو أن نكون دائما على أهبه الاستعداد دائما لتنفيذ أي مهام نكلف بها للقضاء على هذا العدو الغادر الخسيس.

ومرت الأيام والليالي وكل فرد في الموقع يفكر بينه وبين نفسه ويتمنى من الله أن يكون له شرف الجهاد والاشتراك في هذا اليوم العظيم هذا اليوم الذي سوف يغير وجه التاريخ ليس في مصر وحدها ولكن في العالم أجمع وسوف يظهر فيه حقيقة المقاتل المصري الذي راح ضحية أكاذيب وإشاعات الصهيونية وكان في نفس الوقت يدرج لنفسه جدول أعمال يضعه على أحسن تخطيط وعلى أسمى ما يكون أن يؤدى بالفرد إلى النجاح ويفكر أيضا أنه إذا عمل عملا بطوليا فانه بذلك يضع لبنه في صرح النصر الذي سوف يتحقق على أيدي الرجال الأشداء الذين يسهرون على راحه هذا الوطن العظيم.

كان ذلك هو شعور الجندي والضابط وكل يفكر في دائرة اختصاصه وما تمليه عليه المسئولية ومهمة أداء تنفيذ الواجب الذي سوف يكلف به وأنه يعلم علم اليقين أن أي تقصير ولو ضئيل جدا سوف يكون له عواقبه الوخيمة ولا يشعر الفرد منا بأي شئ سوى أنه يريد أن تقترب ساعة الصفر وكان كل شئ في كل يوم يمر وكل ساعة تمضى يشير إلى أن حدث هام سوف يحدث ولكن متى لا نعلم لدرجه أننا كنا نتعجل هذه الساعة أن وجدت ليلا أو نهارا حتى نثأر من هذا العدو الغادر وكان يستبعد هذا التقصير أثناء تنفيذ عمله ولو أدى ذلك إلى التضحية بروحه في سبيل ألا يحدث أي شئ يؤخر من عجله النصر ويكون دائما مستعدا بكل ما يملك وبكل ما أوتى من قوه وعزم وإصرار على دفع عجله النصر إلى الأمام. وأخذ كل فرد يعيد التأكد على سلاحه ومهماته ومعداته وأدواته التي سوف تلازمه أثناء المعارك المحتملة أن يخوضها مع هذا العدو الغادر مؤمنا بالله وبوطنه وواثقا أشد الثقة في نفسه وفى قادته وواضعا نفسه تحت أي أمر أو عمل يكلف به في الحال، يعلم أنه إذا جاء هذا اليوم فلابد أن يصل نهاره بليله وأن يكون مستعدا دائما لأي مواقف يتعرض لها، لأنه يعلم غدر ومكر وخبث هذا العدو اللعين.

كان هذا في شهر رمضان المعظم وكنا بالضبط في الأيام الأولى من الشهر المبارك وكان أهم شئ هو تأدية فريضة الصوم وإقامة الصلاة في هذه الأيام المباركة علما بأن الأوامر صدرت إلينا بالإفطار ولكن قوة وعزيمة وإيمان المقاتل المصري بأن الله يقف دائما إلى جواره ينصره ويشد من أزره ويخرجه من نصر إلى نصر فهل يبخل على الله بأداء فريضة الصوم وإقامة الصلاة وكان ذلك لا يؤثر على ما يبذله طوال اليوم وفى غضون الليل من عمل ومجهود سواء كان هذا العمل شاق أو سهل.

 اقتراب ساعة الصفر…

كان الوقت يمر ولا يشعر الفرد منا بأي شئ سوى أنه يريد أن تقترب ساعة الصفر وكان كل شئ في كل يوم يمر وكل ساعة تمضى يشير إلى أن حدث هام سوف يحدث ولكن متى لا نعلم لدرجه أننا نتعجل هذه الساعة إن وجدت ليلا أو نهارا حتى نثأر من هذا العدو الغادر.

التلاحم بين الجنود والأهالى…

وبنظره عامه حولنا كنا نجد كل شئ عادى ولا يخرج من كونه الطبيعي الذي كنا نراه عليه كل يوم.الفلاحون في حقولهم يحصدون ويجمعون محصول الفول السوداني الذي يعتبر من أشهر محاصيل المنطقة التي كنا نتمركز فيها وكانوا يحتفلون معنا بأيام وليالي شهر رمضان المبارك والكل يتسابق إلى عمل الخير بشتى الطرق لأنه في هذا الشهر بالذات يلتحم الجنود مع أهالي المنطقة ليشاركوهم فرحه هذا الشهر الكريم وكأنهم يقضونه بين أهليهم وإخوانهم وعشيرتهم والكل حريص على  ألا يضر هذا التلاحم بالنواحي الأمنية حتى لا يستغله العدو .فهذا  محمود ذلك الفلاح البسيط الذي كان بمثابة الأخ لكل فرد من أفراد الفصيلة التي كنت قائدا لها أنه غاية في الطيبة والبساطة وبرغم انه كان لا يقرأ  إلا بصعوبة إلا انه كان يجيد قرض الشعر وهو مختلى بنفسه في أرضه الزراعية المحيطة بالموقع ، وهذا الصبي الصغير سيد الأخرس الذي كان لنا بمثابة الفاكهة التي كنا نتسامر معه يوميا ونعتبره واحد منا لقد كان صيادا ماهرا للطيور بواسطة فخ بسيط كان يصنعه من السلك وغيره وغيره كثيرون لن أنساهم أبدا .لن أنسى الطفلة أمال ذات السبعة أعوام التي كانت تحضر لي اللبن الحليب يوميا مقابل قرشين صاغ فقط وهى بالمناسبة شقيقه الشاب محمود الشاعر البسيط واخوته البنات السبعة ووالدهم عم سيد .إنها أيام لن تنسى ولى فيها ذكريات وذكريات وكان الأهالي في تلك المنطقة وجميع المناطق على طول القناة يتوقون شوقا أكثر منا إلى سيناء لأنهم هجروها أثناء عدوان 1967 وفى كل يوم يمر يجددون الأمل في العودة إليها على أيدي أبنائهم وإخوانهم البواسل الرابضين معهم على خط النار.

طبعا لن أنسى حقول البطيخ الأسماعيلاوى الذي لم ولن أتذوق مثله أبدا وبما إننا كنا نعيش ونعسكر حول هذه الحقول فكان لابد من أن نأكل منها وكان الأفراد وهم عائدين من الكمائن التي كنا ننصبها ليلا على شط القناة يعودوا محملين بالبطيخ كل يملأ البطانية بما يقدر على حمله ويعودون وكأنهم على بابا والأربعين حرامي ويتكرر هذا المنظر يوميا ويأكل أفراد الفصيلة البطيخ يوميا وخاصة الجندي بدوى حكمدار السلاح الذي كان نحيفا جدا ولكنه في ساعة الطعام كأنه دوده القطن لا يعرف للشبع طريق فعندما كنت اطلب منه أن يأتينا ببعض من قرون الفول الأخضر حيث كان يزرع بجوارنا في الحقول وذلك لنأكله مع الجبن كان يذهب إلى الحقل ويأتي لنا بما مقداره أربعه أو خمسه كيلو فول لنأكل نحب الأفراد اللذين لا يزيد عددهم عن ثلاثة أفراد ويقوم الجندي بدوى بالمهمة وينقض على الباقي ويدمره كدوده القطن. وهناك ذكريات كثيرة لى على شط القناة لا يتسع المجال هنا لذكرها ولن أنساها طوال حياتي .

 

ويمضى الوقت سريعا…

وكان الوقت يمر بسرعة والأحداث تتلاحق وعقارب الساعة تشير إلى أشياء تشعرنا أن شيئا جديدا على وشك أن يحدث وكل ذلك ولم يدرى ولم يعرف أحد من أفراد الموقع هل صحيح أنه سوف يصدر أمر عسكري صادر إلينا بالعبور ونعرف ساعة الصفر وفى أي يوم سواء في أول ضوء أو في أخر ضوء حسب دراستنا العسكرية أن الهجوم إما أن يكون في أول ضوء أوفى آخر ضوء من النهار ولم نتوقع أبدا أن يكون الهجوم في وسط النهار على مرأى من عيون العدو التي أعماها الله في تلك اللحظات حتى يكلل الله مجهوداتنا بالنصر المبين رغم كل ما يجرى حولنا من زيارات ومقابلات كثيرة تمت في وقت قصير جدا لقادتنا معنا.

وحان الوقت الذى أنتظرناه طويلا…

ثم جاء يوم السبت السادس من أكتوبر العظيم عام 1973 ،كان صباحنا مشرق عادى كأي يوم من تلك الأيام القليلة الماضية. صحونا من نومنا مبكرين وبدأنا يومنا بتقاليدنا العسكرية المعتادة التي نمارسها يوميا، كان هذا اليوم موافقا عيد عند اليهود يسمى عيد الغفران ،كانت المراقبة والملاحظة لأفرادنا على قوات العدو عادية علما بأن مكان نقطة ملاحظة العدو في هذا اليوم أمام موقعنا أنتقل إلى مكان أخر يبعد عنا مسافة ليست قليلة وكانت حركة أفرادنا في الموقع عاديه في تنقلاتهم داخل الموقع ولم يظهر فيها أي بادرة توحي للعدو أن هناك شئ غير عادى وأن هذا اليوم سيكون  اليوم الذي سوف يغير وجه التاريخ وسيكون نقطة التحول من الانكسار والذله إلى العزة والكرامة والنصر .

 

خداع العدو…

ولخداع العدو والتمويه عليه بأن الأحوال عاديه وأنه لا يوجد لدينا نية لمهاجمته فقد كانت هناك خطه تمويه فاتت على العدو ولم يتنبه لها وهذا كله بتوفيق من الله سبحانه وتعالى ؛لأنه لو أن العدو قد فطن إلى أن هناك تجهيز لعمليات حربيه وعبور القناة إلى الضفة الشرقية ما تركنا لحظة لإكمال باقي العملية. ومن أهم خطط خداع العدو أن الأمور عادية أن بعض الأفراد أخذوا الأوامر بلعب الكرة والبعض الأخر نزل إلى القناة للاستحمام في استرخاء تام ليوحي للعدو بأنه لا نية للهجوم . ولم ندرى بعد ذلك أن كل الذي حدث بالأحوال العادية كان جزءا هاما من خطة العبور وذلك لدواعي الأمن والسرية المطلقة التي صاحبت كل عمل أو خطة عسكرية نفذت في ذلك الوقت.

وعرفنا الموعد …

واقتربت الساعة من الثانية عشرة ظهرا وحضر إلينا قائد الكتيبة التي كانت فصيلتي تحت قيادته وأبلغ قائد السرية بأن ساعة الصفر قد حددت وهى الثانية والثلث بعد الظهر وبسرعة البرق انتقل قائد السرية يبلغ ضباطه بأمر العبور والتأكيد على تنفيذ كل وحدة فرعيه للمهام التي ستطلب منها وأن كل أمر سيصل إليهم في الوقت المطلوب فيه تنفيذ المهمة وأكد معهم ثانيا المهمة المكلفة بها وحدتنا ثم بعد ذلك انتقل كل ضابط منا إلى وحدته الفرعية حيث قام بإبلاغ الأفراد بميعاد ساعة الصفر. إلى هذا الحد كان كل شئ يسير على ما يرام وكان يوجد وقتها بعض الأفراد يستحمون في القناة ومرت من أمامنا عربة المراقبين الدوليين . والأمور عاديه جدا.وعندما علم الجنود من قادتهم ساعة الصفر لم يصدقوا في بادئ الأمر ووصلت بهم إلى حده النقاش السريع المفتعل بفعل اللهفة على اقتراب هذه الساعة رغم انه لم يبقى على ميعادها ساعة أو تزيد بدقائق وكنا كما درسنا وتعلمنا أن ساعة الصفر لا تأتى أبدا في وضح النهار وكما تعلمنا أنها تكون إما في أول ضوء في الصباح أو في أخر ضوء في المساء أما وقد تحددت ساعة الصفر في منتصف النهار من يوم السادس من أكتوبر فذلك يحمل أكثر من معنى وهدف، وإننا فهمنا على الفور أننا لا نريد أن يظن العدو أننا سنهجم عليه بالنهار وهذا شئ طبيعي لو قارناه بالحروب السابقة ذلك أن العدو كان يرى كل شئ أمامه وأنه عندما كان يشعر بأي شئ غير طبيعي يحدث أمامه في مواقعنا يأخذ الحذر والحيطة ويضع أسلحته ومعداته في حاله استعداد قصوى للرد على أية بادرة عدوان من ناحيتنا. وذلك دفع قادتنا إلى أن يكون كل شئ عادى في مكانه وهذا  من أهم أسباب نجاحنا في يوم العبور العظيم.

بدء الأستعداد للعبور…

ومع اقتراب الساعة الواحدة والنصف ظهرا صدرت الأوامر إلى بعض وحداتنا الفرعية الصغرى بالتوجه إلى مكان ما للاستعداد للانطلاق منه إلى القناة والعبور إلى الضفة الشرقية واخذ كل فرد في الموقع مكانه المكلف بالعمل فيه . كانت مهمة فصيلتي هي حماية الموقع الذي كنا موجودين فيه وهو جبل مريم الواقع على بحيرة التمساح وانضمت إلينا بعض الدبابات لتساعدنا على تنفيذ المهمة المكلفين بها ضد أي إسقاط جوى لقـوات العدو في تلك المنطقة وحماية ظهور قواتنا أثناء العبور وكذلك الاشتباك مع العدو في حالــه التصدي لقواتنا أثناء قيامها باقتحام قناة الســويس. وبســرعة مررت علي الأفراد للتأكــد من أن كل فرد في مكانه المحدد له وأنه يعــرف مهمته ومستعد لتنفيذها. ثم بعد ذلك أخذت مكاني في نقطة الملاحظة في أعلي نقطة في الموقع لأتمكن من إدارة النيران والتبليغ عن أي ظهور لأفراد العدو وإعطاء الأوامر للأفراد للاشتباك معهم والقضاء عليهم وكان معي في هذه النقطة رقيب الفصيلة والفرد القناص.ثم اقتربت ساعة الصفر ونحــن رابضون في موقع الملاحظة نتعجل هذه الساعة وهل صحيح أننا في هذه المرة سنشفى صدورنا من الغــل الذي طلســم عليها لأننا إلى هذه اللحظة كنا نعتبر الأمر مجرد اختبـار للكــشف عن نوايــا العدو كالذي كنا نجريه من وقـت لأخر.كان هذا شعور كل فرد، وانه لا يصدق  بعد دقائق سيعبر القناة وليس ذلك الشعور ناتج عن خوف أو رهبه أو استكانة ولكن كان يود أن تكون هذه المرة فعلا أمرا حقيقيا حتى يقضى على الأفكار التي تساوره بالتردد ويقطع الشك باليقين ويخلص على من صوروه بأنه لا يقهر وهو يعلم انه قاهره ومنتصر عليه.وفى أثناء وجودي في نقطه الملاحظة كنت أرى أمامي سيناء الحبيبة برمالها الصفراء وكان الدم يغلى في عروقي شوقا للعبور وينتابني حنين جارف لا أستطيع أن أصفه أو أعبر عنه وكان هذا شعور كل فرد على جبهة القتال. وكان أمامنا نقطه قويه من القلاع الحصينة من قلاع خط بارليف الذي صنعه العدو وقال عنه انه أقوى حاجز دفاعي أنشئ منذ قيام الحروب وانه مقبرة موت لكل من يحاول أن يقترب منه.

وصف سريع للنقطة القوية…

 

 

 

ووصف سريع لهذه النقطة الحصينة على غرار ما شهدناه بعد عبورنا للقناه للضفة الشرقية . أن هذه النقطة الحصينة بها من جميع أسلحه التدمير والفتك سواء كانت لأفراد أو معدات مثل الدبابات وقواعد الصواريخ والمدفعيات الثقيلة والخفيفة والهاونات من مختلف أنواعها ومستودعات النابالم علاوة على كميه الذخيرة الموجودة بداخلها والتي تكفيها للقتال لمدة خمسة عشر يوما متواصلة ليلا ونهارا هذا بخلاف طرق الاتصال وأجهزة اللاسلكي والمعدات الالكترونية التي تعمل كلها بداخل النقطة إلى جانب ذلك توجد وسائل الترفيه المختلفة وتشمل صالة سينما وتليفزيون وبعض الملاعب لبعض الألعاب الرياضية وعنابر النوم الخاصة بقوه النقطة القوية من الأفراد ،علاوة على هذا كميه التعيين (الطعام) والمياه الموجودة بداخلها وهى تجعلها في حاله اكتفاء ذاتي لمدة طويلة .

هذا منظر عام من الداخل أما من الخارج فأنه عبارة عن قلعه حصينة بما يحويه معنى كلمه القلعة فقد يصل ارتفاع السد الترابي الذي وضع عليها إلى عشرات الأمتار فوق الخرسانات المسلحة والقضبان الحديدية ثم ملتفة التفاف كلى بعد احزمه من الألغام على مختلف أنواعها وبعمق رهيب إلى مسافة عدة أمتار علاوة على ذلك كله محاطة بمجموعه أسوار من الأسلاك الشائكة  المتشابكة المتراصة حولها في نظام محكم.

كان يفصل بيننا وبين هذه النقطة القوية لسان بحيرة التمساح وكان اسمها النقطة القوية نمرة 6 وكانت تعتبر من أقوى النقط القوية على خط المواجهة مع العدو لموقعها الإستراتيجي الحاكم على عدة مناطق وكانت مطلة مباشرة على مدينه الإسماعيلية حتى إنها كانت في أي اشتباك في معارك المدفعية كانت معظم نيرانها تقع على مساكن المدنيين بمدينه الأسماعيليه. في ذلك الوقت كان الكل على أهبه الاستعداد لأن الوقت يمر بسرعة وساعة الصفر على وشك الاقتراب والكل يتعجل هذه الساعة التي أصبحت وشيكه بعد دقائق.

 


 

الفصل الثانى

 

الضربة الجوية..وبدأت الحرب…

في تمام الساعة الثانية وخمس دقائق بعد الظهر بالضبط وأثناء وجودي بنقطة الملاحظة شاهدت تشكيلا جويا من طائراتنا المقاتلة يقدر بثماني طائرات من طراز الميج 21 على ارتفاع منخفض جدا ولقد شاهدته متجها إلى الضفة الشرقية للقناه من فوق منطقه الشيخ حنيدق التي تبعد عنا مسافة ليست بعيده. في ذلك الوقت لم أكن وحدي الذي شاهد هذه الطائرات المقاتلة ولكن جميع أفراد الموقع شاهدوها وكانت لحظه فرح وسرور لايمكن لعقل بشرى أن يصور عمق هذه المشاعر وهذه الفرحة العظيمة التي عمت في نفوس الأفراد وفى هذه اللحظة التي استمرت دقيقه أو اقل أيقن الأفراد أن ساعة الصفر بدأت بالفعل وصاح الجميع مهللين بصيحة التكبير العظيم الله أكبر الله أكبر التي دوت في كل مكان وزلزلت الأرض معلنة يوم الخلاص ويوم النصر العظيم حتى  تصورنا إننا سمعنا زملائنا في النضال على يسارنا في بور سعيد وعلى يميننا في السويس يرددون نفس النداء الله اكبر ، كان المشهد فيه من الجلال والإكبار ما يعجز الإنسان عن وصفه وكأن الله أراد أن تكون هذه الساعة شراره الانطلاق إلى تحقيق النصر العظيم. وبعد دقائق قليلة من دخول المقاتلات المصرية التي شاهدناها وهى تعبر قناة السويس متجهة إلى أعماق العدو رأينا ألسنه اللهب والحرائق مشتعلة عالية في قلب سيناء في مواقع العدو وتحصيناته التي ظن يوما ما أنها سوف تظل للأبد تحمى جنوده .

 لم تمضى دقائق قليلة حتى عادت الطائرات متجهة إلى قواعدها التي جاءت منها لتدك مواقع العدو ومرت الطائرات وكأن كل طائره كانت تشير لنا ببشائر النصر العظيم. وبعد رجوع الطائرات وفى حوالي الساعة الثانية وعشر دقائق بدأت مدفعيتنا الميدانية تصب حمما من النيران على مواقع العدو في العمق بدون توقف ولم تعرف هوادة أو كسل في إطلاق قذائفها حتى إنها من كثرتها كانت تتسابق وتتلاحق إلى مواقع العدو وكانت السماء في هذا اليوم صحوة وكأنه عرس في ريفنا الحبيب.السماء مليئة بطلقات المدافع على مخلتف أنواعها منطلقه من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية فوق رؤوس عدونا لدرجه أنها جعلته لا يفكر أن يقترب من أسلحته ليقوم بالرد على قواتنا ، كان القصف المدفعي عنيفا جدا وشرسا مليئا بالحقد والكراهية لينصب على أعداء الله. وكان مع كل قذيفة تنطلق من مدفع تنطلق صيحة الأبطال الله اكبر التي لم تنقطع أبدا . وفى أثناء قصف المدفعية على مواقع العدو كنا نلاحظ ونراقب المواقع التي يتم تدميرها وأفراد العدو يفرون هاربين من الجحيم الذي نزل على رؤوسهم وكأنه يوم القيامة وبعد دقائق من قصف المدفعية شاهدنا النيران مشتعلة في جميع مواقع العدو بالأضافه إلى الحرائق التي اشتعلت بفعل القصف الجوى لطائراتنا المقاتلة.

 

وفى اثناء ضرب نيران مدفعيتنا بدأت أول وحدة فرعية من قواتنا البرية الباسلة في عبور قناة السويس من أمام الموقع الذي كنا نقوم بالدفاع عنه وهو جبل مريم معلنة انتهاء أسطورة خط بارليف الذي لا يقهر وكانت هذه الوحدة هي أول من وطئت أقدامها على أرض سيناء وكان موقعنا نقطة انطلاق لعبور عربات المشاة الميكانيكية والتي بدأت العبور مع أول قذيفة مدفعيه من قواتنا على مواقع العدو الخلفية ثم توالى بعد ذلك عبور باقي القوات بشكل منظم وبديع الكل يعرف مكانه وواجبه والكل يعمل بمنتهى الشجاعة والإقدام.

وفى أثناء ذلك تركت موقعي على الجبل وذهبت إلى قائد السرية النقيب نبوي وطلبت منه أن أكون مع الموجه الأولى التي تعبر القناة ليكون لى شرف اقتحام خط بارليف في الموجات الأولى للعبور وفعلا ركبت القارب المطاطي مع جماعه مشاه من السرية وبدأنا العبور حتى وصلنا إلى الشاطئ الشرقي للقناه وبدأنا تسلق الساتر الترابي إلى أن وصلت إلى قمته وسجدت لله شاكرا ثم ركبت القارب مره أخرى وعدت إلى الضفة الغربية حيث كانت القوارب تنقل أفراد إلى الضفة الشرقية ثم تعود مره أخرى لتنقل باقي الأفراد وأكملت باقي مهمتي في أعلى نقطه المراقبة على جبل مريم انتظارا لصدور الأوامر إلى بالعبور مع الدبابات.

بدأت المعركة وبدأ سير العمليات الحربية وفقا للأوامر العسكرية ووفقا للخطة الموضوعة من أعلى مستوى إلى الجندي المكلف بأداء المهمة ولم يعد أحد قادر على وقف هذا الطوفان الهادر المنطلق إلى سيناء لينهى أسطورة العدو الذي لا يقهر. كانت مهمة المدرعات الموجودة معنا فوق الجبل هي الضرب والاشتباك مع أي قوات للعدو تحاول الفرار من خلف النقطة نمرة 6 وفعلا بدأت قوات العدو من عنف وشده ضربات مدفعيتنا أخذت بعض دبابات العدو المخندقه تخرج محاولة أن تتصدى لقواتنا التي تنفذ مهام العبور ولكن كانت بمجرد أن تخرج من مواقعها تصب عليها المدرعات الموجودة معي في الموقع وابلا من النيران وتدمرها تدميرا كاملا. كان هذا هو مصير أي دبابة من دبابات العدو تظهر لقواتنا وتحاول التصدي لها وعرقله تقدمها.أخذت المدفعية تزداد ضراوة وعنف وكأنها تقتلع كل ما هو مثبت بالأرض من قوه وجبروت القصف.


 

 ثم بدأت بعد ذلك ستارة من الدخان الكثيف حول ضفتنا الغربية بحذاء بحيرة التمساح وكان هذا دلاله على أن عبور المدرعات البرمائية سوف يبدأ بكثرة من هذا المكان.كانت الساعة تقترب من الثالثة بعد الظهر وقواتنا تعبر بأفواج كثيرة إلى الضفة الشرقية وحتى ذلك الوقت لم يطلق العدو قذيفة أو طلقه واحدة على قواتنا سواء كانت في الضفة الشرقية أو في الضفة الغربية وكان ذلك عاملا مهما أننا أخذنا زمام المبادأة على العدو والضرب بشدة وتركيز لم يسبق له مثيل في تاريخ الحروب السابقة جعلت رؤوس العدو منخفضة ومنكسرة دائما، وفى أثناء اشتعال وهول المعارك كنا نريد أن تكون كل الجبهة مشتركة في هذا العمل العظيم وكان معي في نقطه الملاحظة جهاز راديو ترانزيستور وسمعنا أول بيان عسكري بأن العدو قام بضرب قواتنا في منطقه العين السخنه والزعفرانه وعلى الفور أدركنا انه ربما يكون هذا العمل الذي نقوم به الآن بمثابة ردع له حي يفكر مرات ومرات قبل أن يحاول الاعتداء على أي جزء من بلدنا الحبيب ولم يمضى وقت طويل وفاجأتنا الأذاعه بأحلى خبر وأروع بيان عسكري أذيع منذ معارك الأيام الستة وهو اقتحام قواتنا لقناة السويس واقتحام موانع العدو المسماة بخط بارليف المنيع وتدميره بما عليه ومن فيه ورفع علم مصر عاليا على الضفة الشرقية للقناه. وفى هذه اللحظة عرفنا أن المعركة شاملة في كل أرجاء جيشنا العظيم وأنه ليس نحن وحدنا اللذين نعبر القناة الآن ولكن كل القوات المسلحة تقوم بهذا العمل العظيم وفى أثناء متابعتنا لسير العمليات كان كل شئ يسير على ما يرام ولم تحدث خسائر في الموقع من أفراد أو أسلحة أو معدات وكان كل فرد في الموقع عبارة عن شحنه متفجرة بالعمل الخلاق المبدع المكمل للنصر الذي بدت لنا ظواهره وكنا نتابع البيانات العسكرية التي تذاع لنعرف ما يحققه إخواننا في باقي التشكيلات والوحدات من انتصارات على عدونا الجبان. وفى غمرة البيانات العسكرية فاجأنا البيان الذي كنا فرحين لسماعه مثل الفرحة التي ظهرت علينا عند سماع بيان العبور وكان هذا البيان هو قيام اخوتنا في الجبهة السورية باقتحام مواقع العدو عند مرصد جبل الشيخ باتجاه مرتفعات الجولان .في هذا الوقت عرفنا أن المعركة أصبحت شاملة على جميع الجبهات العربية فزادنا ذلك البيان عزم وإصرار على تحقيق النصر وبأقصى سرعة ممكنة.الوقت يمر بسرعة وقواتنا تواصل العبور والتوغل داخل سيناء الحبيبة بأعداد كبيره .

 

وفى حوالي الساعة الخامسة والربع مساء شاهدت تشكيلا من طائرات العدو حاول الاقتراب من مواقعنا على الضفة الغربية ليمنع تدفقها الرهيب المستمر إلى الضفة الشرقية ولم تمضى ثوان حتى شاهدنا الصواريخ تنطلق إليهم بسرعة وثبات وتنقض على اثنين من الطائرات وهوت الطائرتان محترقتين وقد فر باقي التشكيل هاربا من حيث أتى لأنه لو حاول المجاذفه فستنطلق إليه الصواريخ المصرية لتجعله يرى نفس مصير زملائه وكانت هذه أول طائرتين نشاهدهما محترقتين منذ أن بدأت المعركة .

 

وأخذ الليل يدخل علينا وفى تمام الساعة السادسة مساء أصدرت الأوامر إلى الفصيلة بركوب الدبابات والتوجه إلى منطقه العبور المخصصة لنا ثم بعد ذلك وزعت جميع الأفراد كل مجموعه ركبت دبابة حتى نصل إلى نقطه العبور لننطلق إلى الضفة الشرقية .وتحركت بنا الدبابات عن طريق الترعة الحلوة المتفرعة من ترعه الأسماعيليه وفى أثناء تحركنا كانت تلاحقنا عبارات التهنئة والزغاريد من أهالي المنطقة وظهرت عليهم علامات الفرحة وأخذوا يقدمون لنا الماء والطعام وكأنهم يريدون أن يقولوا لنا خذونا معكم إلى سيناء وفى أثناء تحركنا إلى نقطه العبور سمعنا أذان العشاء ينطلق من المساجد وكان لوقع الأذان في هذه الساعات بأن كلمه الله هي العليا وكلمه الباطل هي السفلي. ووصلنا إلى نقطه العبور التي سننطلق منها وبمجرد وصولنا إليها وجدنا المعبر أو الكوبري الذي سنعبر من فوقه لم يكتمل تركيبه بعد وكان سبب ذلك أن العدو قام بتركيز نيرانه على منطقه الشيخ حنيدق التي يقع فيها المعبر المخصص لعبورنا ومكثنا في هذا المكان عده ساعات منتشرين وفى حاله استعداد تام إلى أن صدرت إلينا الأوامر بالتوجه إلى معبر منطقه طوسون وبسرعة تحركت الدبابات التي تقلنا إلى المعبر الجديد . وفى تمام الساعة الثانية ليلا وصلنا إلى المعبر المخصص لعبور فرقتنا المشاة التابعين لها وكان هذا المعبر عبارة عن كوبري ممتد عبر الضفتين أقامه أبطالنا من سلاح المهندسين.وأخذنا دورنا في ترتيب قوافل العبور طبقا للتعليمات المحددة إلى أن حانت ساعة تحرك دباباتنا وكانت الساعة وقتئذ تشير إلى الثالثة والنصف وبمجرد أن تحركت أول دبابة في طابور الدبابات ولامس جنزيرها سطح الكوبري الذي أنشئ ببراعة فائقة ودهشة بعيده عن كل ما يتصوره عقل بشرى وأن أي إنسان يرى هذا الكوبري ويحسب كيف مضى من الوقت في طريقه إنشائه لأيقن على الفور انه يلزمه أيام عديدة قد يتصور أسبوعا أو اكثر ولو رجعنا إلى الحقيقة الفعلية والواقعية التي ظهرت في إنشاء هذه الكباري لم تستغرق سوى ثلاث ساعات ونصف وهو زمن اقل مما كان متوقعا أو مقدر لها بكثير واعتبر هذا العمل عملا خارقا للعادة وكان ذلك ببذل وفداء وشجاعة أفراد سلاح المهندسين . وتحركنا على هذا الكوبري عابرين إلى الضفة الشرقية تحت حماية نيران مدفعيتنا إلى أن وصلنا إلى الضفة الشرقية للقناه وبدأت الدبابات تؤخذ طريقها عبر الثغرة التي فتحها أفراد المهندسين في السد الترابي الضخم الذي بناه العدو على الضفة الشرقية للقناه حيث زلزلته وفتحت فيه الممرات للدخول منها إلى عمق سيناء .كان الوقت يقترب من الفجر والساعة الرابعة والربع تحركت الدبابة حسب الأوامر التي وصلت إليها بالتوجه إلى وحدتنا الكبرى المكلفة بالعمل معها وسارت بنا الدبابات مسافة عدة كيلو مترات وجاءت إلينا الأوامر بالنزول فورا من فوق الدبابات والتحرك إلى مكان الكتيبة التابعين لها والتي كانت تبعد عنا مسافة عده كيلو مترات وكان سبب ذلك صدور أمر إلى الدبابات التي معنا بالتوجه ناحية تقدم منها العدو للاشتباك معه في معركة تصادميه شرسة وكانت هذه المعركة على مسافة كيلو متر واحد بالضبط من النقطة التي حددت لنا للنـزول من فوق الدبابات

وأخذ كل فرد لمست قدماه رمال سيناء الحبيبة يقبلها بحب ولهفة وهو لا يصدق انه واقف على أرض سيناء العزيزة .وبسرعة أخذ كل فرد يعد حفرته إلى سوف يقوم بالاشتباك منها مع العدو الذي كان على مقربه من موقعنا حيث انه كانت تجرى على مرأى من أعيننا معركة بالدبابات بيننا وبين العدو وكانت دبابات العدو قريبه منا وكنا مستعدين إذا حاولت الاقتراب إلينا أن ندمرها مهما كلفنا ذلك من عرق ودماء حتى أننا رأينا عدد 2 دبابة محترقة بفعل ضربات قواتنا المدرعة.كانت القناة خلفنا بحوالي ثلاث كيلو مترات .

 

ومع أول شروق لشمس يوم السابع من أكتوبر بدأ العدو باستخدام طيرانه في طلعات متتالية بغرض قصف وتدمير قواتنا التي تمركزت على الضفة الشرقية للقناه ولكن العدو كان لا يعرف أن قواتنا المسلحة قد أعدت له مصيدة لكل أنواع طائراته وذلك انه بمجرد أن يظهر أي تشكيل من طائرات العدو كانت تتساقط كأوراق الخريف وذلك بفعل ودقه تصويب جميع أسلحه الدفاع الجوى.وكان الطيارون الإسرائيليون يتساقطون أمام أفراد قواتنا وكأنهم كالطائر الجريح الذي يكسر جناحه فلا يقدر على أي حركه ولقد كان أفراد قواتنا يقضون عليهم أولا بأول إلا قليل منهم كنا نقدمهم أسرى ليكون دليلا على سقوط خرافه طيران العدو وذراعه الطويلة ولو أن ذلك كان يغضبنا لأننا كنا نريد أن نقضى عليهم جميعا. وبعد أن انتهت المعركة التصادمية التي دارت أمام موقعنا وتم القضاء فيها على جميع دبابات العدو واستسلام أطقمها أسرى حرب إلى قواتنا. كانت الساعة تقترب من التاسعة صباحا وذهبت ومعي أحد الجنود إلى قائد اللواء الذي كنت تحت قيادته وهو العقيد عادل يسرى الذي كان من أبرز القادة في الحرب وذلك لآخذ منه التعليمات وفى أثناء ذهابي إليه شاهدت بعض جنودنا يقودون الأسرى الذين تم أسرهم وذلك لنقلهم إلى الخلف .كانت هذه أول مرة أرى فيها الجندي الإسرائيلي وجها لوجه والذي قالوا عنه الكثير وصوروه بأكثر مما يستحق وهاهو ذلك الجندي الذي قالوا عنه أنه لا يقهر وأنه شجاع وقد استسلم من أول تلاحم وجها لوجه مع الجندي المصري الذي كان يحمل معه دائما سلاح الإيمان بالله وبنفسه وتغلب به على أقوى أسلحه العدو التي كان يستعملها. ووصلت إلى قائد اللواء وحدد لي خط سير تقدمي إلى الكتيبة التابع لها ثم رجعت بعد ذلك وبدأنا نتحرك سيرا على الأقدام متجهين إلى موقع الكتيبة وفى أثناء تقدمنا كان الطيران الإسرائيلي قد بدأ يركز ضرباته على قطاع اللواء في المنطقة التي احتل فيها مما اضطرنا إلى التوقف قليلا أنا وأفراد فصيلتي مع انتشار الأفراد داخل مجموعه من النخيل وذلك حسب التعليمات وحتى لا نعطى للعدو فرصه التعرض للغارات ونفوت عليه فرصه الضرب المباشر أثناء تحركنا.

وأكلنا البلح وواصلنا التقدم…

 وبمجرد دخولنا إلى مجموعه النخيل التي ظننا في أول الأمر أنها خاوية من كل شئ لكننا فوجئنا أن كل نخله فيها تحمل كميات كبيره من البلح الرطب وكأنه لم تقترب منه يد إنسان منذ بدء ساعة الصفر يوم السادس من أكتوبر حتى الساعة الحادية عشرة صباح السابع من أكتوبر ولم يفكر أي فرد في تناول أي وجبه من الطعام أو حتى يشرب جرعه ماء وعلى الفور بدأنا نأكل من هذا البلح وكان لذيذا في طعمه وأنه كان بمثابة وجبه كاملة دسمه للأفراد ، وبعد ذلك بدأنا التحرك بعد أن قلت غارات العدو وتابعنا سيرنا وكان جميع الأفراد في حاله جيده وروحهم المعنوية مرتفعه ولم تحدث خسائر مما كان يدفعنا دائما إلى الانطلاق بسرعة وحماس .

ووصلنا الى موقع الكتيبة…

وبعد ذلك وصلنا إلى موقع الكتيبة ومنه إلى موقع سريتنا ووصلنا في تمام الساعة الواحدة والنصف ظهرا وقابلت قائد السرية وأعطى لي الأوامر بالاحتلال ضمن تشكيل السرية وأخذ كل فرد يقوم بالتجهيز الهندسي في الموقع الجديد وذلك بعمل حفرة برميليه لحمايته من أسلحه العدو وكذلك الاشتباك منها مع عناصر وأفراد العدو وبعد ذلك أخذ كل فرد في الاستعداد لملاقاة أي تقدم للعدو لأننا كنا نتوقع وصوله في أي لحظه وكنا مشتاقين للتعامل معه والقضاء عليه ولولا أننا نتبع الأوامر العسكرية التي تصدر إلينا لواصلنا التقدم إلى الأمام دون توقف. واقترب الليل وكنا في هذا الوقت نحتل موقع يسمى تبه الطالية ومع دخول الليل بدأ كل فرد في حفرته أكثر تيقظا من النهار لأننا نعلم غدر العدو وأنه يستغل أقل خطأ قد يحدث ويستفيد منه في تنفيذ مؤامراته المعروفة وكان لافرق عندنا بين الليل والنهار ،فمنذ أن بدأت ساعة الصفر اعتبرنا أنها لحظه البداية ولن تجئ لحظه النهاية إلا عندما نحقق هدفنا المنشود وتستريح مدافعنا من عملها.كان هذا هو تصورنا للموقف عامه.وفى تبه الطالية قصه لن ينساها أي فرد من أفراد الكتيبة ذلك أنه في مساء السابع من أكتوبر وفى حوالي الساعة التاسعة تقدمت قوه للعدو تقدر بفصيلة دبابات متجهة بأقصى سرعة نحو إحدى سرايا الكتيبة بغرض الاختراق منها والقضاء على أفرادها وصدرت الأوامر إلينا بعدم الاشتباك مع هذه الدبابات حتى لانكشف الموقع وأن قواتنا تريد أن توقعها في كمين والقضاء عليها بواسطة نيران المدفعية .وتحركت الدبابات متجهة من اليسار إلى اليمين وما أن وقعت في مرمى المدفعية حتى بدأت الاشتباك معها على الفور ودمرت اثنين منها وفر الباقي هاربا ولم يحاول العدو في تلك الليلة التقدم من مواقعنا في هذا المكان بعد أن صبت عليه المدفعية حمما من النيران .وظل جميع الأفراد ساهرين مستعدين لأي عمل مفاجئ قد يقوم به العدو.

 


 

الفصل الثالث

 

تطوير الهجوم شرقا والأستيلاء على أرض جديدة…

ومع مشرق يوم الاثنين الثامن من أكتوبر بدأ طيران العدو بطلعاته المعتادة المتكررة والتي تعودنا عليها وتطعمنا ضدها وأخذت طائرات العدو تتساقط الواحدة تلو الأخرى ولم تصب قصفات الطيران أي وحده فرعيه من الكتيبة بل كانت تلك القصفات تسقط بعيده عن أي هدف تنوى تدميره وذلك بفعل شده نيران وصواريخ سلاح الدفاع الجوى الذي جعل الطيارين الإسرائيليين في حاله ذعر مستمر.وبدأ الأفراد في تناول أول وجبه طعام مما  كان معهم من التعيين الجاف وكانت هذه أول وجبة يتناولونها منذ بدء سير العمليات الحربية وكل فرد رابض في موقعه يده على سلاحه واليد الأخرى تتناول الطعام وكانت الاشتباكات مستمرة من على أجناب الكتيبة وفى حوالي الساعة الواحدة ظهرا كانت بعض عربات الصواريخ المحملة على عربات تقذف من خلفنا مباشرة على مواقع العدو.وظل الحال على هذا المنوال مواقع العدو مشتعلة فيها النيران وقواتنا متدفقة بغزارة من أفراد ومعدات ومركبات إلى الضفة الشرقية ومازالت مدفعيتنا تدك في الموقع الحصين الموجود على شاطئ القناة عند المعدية نمرة 6 والقصف عليه مستمر،ثم جاءت بعض مدرعاتنا التي كانت معاونه لنا وقامت بالاشتباك مع مدرعات العدو التي كانت تظهر أمامنا.ثم بعد ذلك أخذ قائد السرية تمام سريع عن الأفراد والسلاح والمعدات وحتى هذه الساعة كانت لا توجد أي خسائر من سريتنا سوى شهيد واحد استشهد في أول يوم للمعارك وعدد أثنين من الجرحى تم إخلاؤهم إلى الخلف وكان من بينهم أحد الضباط.

وبدأ تطوير الهجوم…

 

وفى تمام الساعة الواحدة ظهرا صدرت إلينا الأوامر بتطوير الهجوم والتقدم للأمام داخل عمق دفاعات العدو المتقدمة والاستيلاء على ارض جديده والقضاء على أي مقاومة للعدو، وبدأنا في أخذ تشكيل الهجوم حسب الأوامر وبدء كل فرد يستعد للمشاركة في المعارك الجديدة التي سوف يخوضها وتحركنا بتشكيل الهجوم تعاوننا الدبابات والمدفعية الثقيلة وأخذنا نتقدم ونكتسب ارض جديده ومواقع جديده ومع شده ضرباتنا للعدو كان يخلى مواقعه الأمامية ويفر هاربا للخلف داخل عمق سيناء دون أن يقدم على مواجهتنا أو حتى التصدي لنا بأي مقاومة .

وبدأ الأفراد يتقدمون بحماس وبروح معنوية عالية لا تظهر عليهم أي علامات إرهاق أو تعب أو خوف ونشوة النصر تزيدهم قوه وإصرار على النصر ، وفى أثناء تقدمنا كنا نرى بعض المواقع الهيكلية التي صنعها العدو بغرض خداعنا وكنا متقدمين للأمام متعقبين ارتداد العدو وتقهقره للخلف من شده الفزع والخوف من قواتنا الباسلة. وفى أثناء تقدمنا كان العدو يحاول أن يعوق تقدمنا بقصفات من مدفعيته الخلفية وعن طريق قصفات طيرانه على بعض مدرعاتنا ولكن كل ذلك لم يؤخر ولم يستطيع أن يعوق تقدم أي فرد أثناء الهجوم وكان جميع الأفراد يطلقون صيحة النصر الله اكبر ومهللة في السماء نابعة من صدورهم وكانت في كل صيحة أشارة نصر من الله إلى الجنود لذلك لم تختفي قوة هذه الصيحة وكان الجميع يرددونها باستمرار.

تقدمنا بضعه كيلومترات داخل سيناء وكان اتجاه تقدمنا في اتجاه طريق القطاع الأوسط وفى حوالي الساعة السادسة مساء أثناء تقدمنا ظهرت دبابتان في يسار الكتيبة وأصدرت الأوامر إلى طاقم المدفع المضاد للدبابات بالتصدي لهم وقد نجح أفراد هذا الطاقم بقياده العريف بيومي في تدمير إحدى الدبابتين وفرت الأخرى هاربة قبل أن ينجح طاقم المدفع في تدميرها.وفى أثناء التقدم لم تتوقف مدفعيه العدو لحظه واحدة وقد كان هدفهم هو منع تقدمنا الهائل إليهم، وبرغم شده القصف فقد كان لا يؤثر علينا ولم يسقط أي شهيد أثناء التقدم ثم وصلنا إلى أول طريق أسفلت متفرع من الطريق الأوسط لسيناء ويسمى طريق الطالية وبعد أن تخطينا هذا الطريق وفوق إحدى التلال العالية صدرت الأوامر بتغيير اتجاه الهجوم لكل سريه على حدي حسب الموقف الموجود أمامنا وبنفس العزيمة واصلنا التقدم.

معركة الدبابات الكبرى…

ومع غروب الشمس فوجئنا باختراق سريع لتشكيل من دبابات العدو ويقدر بحوالي أثنى عشر دبابة قاموا بالاختراق  من منتصف مواجهه الكتيبة ومن يسارها وكان الغرض الذي ظهر لنا وقتها أنها عمليه تطويق سريعة للكتيبة والقضاء علينا، وبسرعة أصدر قائد الكتيبة المقدم حسن بشر أوامره بالتصدي لهذا التشكيل المعادى والقضاء عليه فورا حتى لا ينفذ خطته وبسرعة البرق بدأت جميع الأسلحة على مختلف أنواعها في الاشتباك المنظم مع الدبابات التي أصبحت على مقربه مئات الأمتار من الأفراد وفى دقائق معدودة تم تدمير خمس دبابات من القوة المهاجمة في اتجاه سريتنا ونجحت الدبابة الباقية في الاختراق بين الأفراد وحاولت الالتفاف وتطويقنا من الخلف وكانت تسير بسرعة عالية وركبت هذه الدبابة فوق تبه عالية وأخذت تقصف نيرانها على أفراد قواتنا وقد نجحت هذه الدبابة المعادية في أصابه إحدى مدرعاتنا ،ولم يجد الأفراد مفرا من التعامل معها بأي طريقه حتى لا تصيب أفراد آخرين من قواتنا فأصدرت أوامري لأثنين من الأطقم المسلحين بالقواذف الصاروخية الخفيفة بالتعامل مع هذه الدبابة وفى جرأه متناهية يعجز الإنسان عن وصفها نجح طاقم الصواريخ الخفيفة في أصابه الدبابة وتدميرها وقفز أفراد طاقمها من فوقها وقابلتهم على الفور نيران أفراد المشاة حتى قضت عليهم جميعا ،وبتدمير هذه الدبابة نكون قد دمرنا التشكيل المدرع الذي كان في مواجهه سريتنا أما باقي الدبابات فقد تم تدمير بعضها وفر الباقي إلى الخلف وذلك بواسطة باقي سرايا الكتيبة في أعنف وأشرس قتال شهدته كتيبتنا منذ بدء العبور.

وكانت ضراوة المعارك ممتدة على مختلف الوحدات الفرعية للكتيبة ولقد سقط في ساحة هذه المعارك عدد من شهدائنا الأبطال في أروع مثل للتضحية والفداء وفى أقوى المعارك الأنتحاريه التي سيسجلها لهم التاريخ وضربوا أروع مثل في الجسارة والأقدام على الالتحام بدبابات العدو والقضاء عليها دون خوف أو مبالاة من قوه ومتانة هذه الدبابات ،وقد سقط في هذه المعارك أول شهيد من الفصيلة التي كنت قائدا لها .

 

الأحتلال والتشبث بالأرض المكتسبه…

وبعد انتهاء معاركنا في هذه الليلة مع هذا التشكيل المعادى صدرت إلينا الأوامر بالتعزيز واحتلال الأرض التي تم الاستيلاء عليها وكانت هذه المنطقة عبارة عن تبه عالية تسمى "تبه أبو وقفه" وبشده ونشاط أخذ كل فرد يعد ويجهز موقعه وفى نفس الوقت العيون ساهرة متيقظة ومستعدة للاشتباك مع أي عناصر من أفراد العدو قد يقوم بدفعهم إلينا وكانت هذه هي خطه العدو دائما في تجزئ هجماته المضادة ولقد فهم قادتنا هذه الخطط وأخذوا يدبرون لها الخطط حتى نفوت على العدو أي فرصه يحقق منها أي مكسب ولو ضئيل،ورغم عناء ذلك اليوم بما فيه من معارك وتحرك وتقدم للأمام لم يظهر على أي فرد أي بادرة تعب أو إرهاق وكانت الروح المعنوية للأفراد عالية برغم سقوط أول شهيد من الفصيلة وكانوا مستعدين لو صدرت إليهم الأوامر بتكملة الهجوم للأمام لم يتردد أي فرد بل كان يتمنى ذلك كل فرد ،كان هذا الشعور صادر من فرحه النصر الذي تحقق في هذا اليوم وتدمير عدد كبير من مدرعات العدو.

إلا أنه كانت هناك دبابة واحدة لم يتم تدميرها بالكامل بل انه قد تم قطع جنزير الدبابة فقط من أحد الصواريخ الخفيفة ولكنها ظلت سليمة ويوجد بها أحد أفراد طاقمها الذي اخذ يضرب بالرشاش الخفيف الموجود أعلي الدبابة ضربا عشوائيا في كل مكان نظرا لصعوبة الرؤيا ليلا وحاول اكثر من مدفع مضاد للدبابات أصابه هذه الدبابة وتدميرها إلا أنها كلها باءت بالفشل وظل هذا الجندي الإسرائيلي يضرب عشوائيا حتى أصاب عدد كبير من الجنود وبعد عده محاولات وبطلقة مدفع يسمى بازوكا قمت أنا وأحد الأفراد بمحاولة لتدمير الدبابة وبالفعل قمت بتوجيه المدفع ناحية الدبابة واستعنت بالله وأطلقت إحدى الدانات التي أصابت الدبابة وقفز منها هذا الجندي الذي أخذ يصيح باللغة العربية عاير أعيش عايز أعيش ولكن الجنود لم يمهلوه وقام أحد الجنود بتصويب بندقيته الأليه إليه وقام بتفريغ مابها من طلقات في صدره انتقاما منه لأصابه زملائه واستشهاد آخرين وقام جندي أخر بضربه على رأسه بكوريك الحفر فقسمها نصفين وهذا هو اقل جزاء له ولأمثاله .وبعد ذلك عم الهدوء وكانت الساعة تشير إلى حوالي الواحدة بعد منتصف الليل انتهى كل فرد من تجهيز موقعه ومررت عليهم بسرعة ووجدتهم جميعا في حاله تيقظ تام ولم يخلد أي جندي إلى الراحة أو النوم بل ظلت عيونهم ساهرة ترفض النوم وأبت أجسامهم أن تنعم ولو بقسط قليل من الراحة.

 

محاولة العدو الانتقام…

ومع صباح يوم الثلاثاء التاسع من أكتوبر وفى حوالي الساعة السادسة سمعنا أصوات دبابات العدو وكانت تدل على أن عددها كثير جدا وكانت أصواتها تأتينا مزمجرة وكأنه استعراض لقوتهم وكأنهم جاءوا ليرهبونا ويبثوا في قلوبنا الرعب والخوف ، وبسرعة أصدرت الأوامر إلى كل جندي أن يثبت في موقعه ويدمر أي دبابة تحاول الاقتراب ، وللعلم كانت جميع هجماتهم علينا بالدبابات أو بالعربات المدرعة نصف جنزير ولم نرى أي جندي إسرائيلي مترجل بعكس ماكان يلاقيهم الجندي المصري بجسده مترجلا غير محمى في أي درع أو حتى في داخل عربات مدرعة.ومع ظهور أول دبابة لهم أخذ كل جندي وضع الاستعداد وعلم أن هذا اليوم قد يكون هو اليوم الفاصل بيننا وبينهم وأنهم في هجومهم هذا سوف يردون إلى الخلف وأدرك أن معارك الأمس كانت عمليه استطلاع لمدى قوتنا ومعرفة مدى صمودنا وقدرتنا على التصدي لهم لذلك جاءوا هذا اليوم بأعداد ضخمه من الدبابات وقدرنا أول قوه ستبدأ الهجوم بحوالي من عشرين إلى ثلاثين دبابة يتبعهم بعد ذلك في تطوير هجومهم ضعف هذا العدد وهذه كما قلت من قبل أنهم يقومون بتقسيم الهجوم على عده مراحل بغرض شل القوات التي أمامهم وفى نفس الوقت تضييع واستهلاك لكميات الذخيرة ولكننا كنا على علم ودراية بذلك.

وبدأ الهجوم المضاد للعدو…

وبدأت أول موجه للهجوم وعلى الفور صدرت إلينا الأوامر بالتعامل والاشتباك مع الدبابات فأخذت تخترق الواحدة تلو الأخرى وكانت صيحة الله اكبر تنطلق مع كل طلقه تخرج من أسلحه جنودنا وتدمر الدبابات الواحدة تلو الأخرى وأثناء ذلك أصبت بشظية من دانه دبابة من دبابات العدو في قدمي اليمنى ولكني تحاملت على نفسي وتمكنت بمساعده الفرد الطبي الموجود معنا بإخراج الشظية من قدمي وعلاجها علاج سريع وربطها بالرباط الضاغط وأكملت مع باقي الأفراد التصدي لدبابات العدو ونسيت تماما أنني مصاب حتى أن الجرح شفى تماما وأنا لا أفكر أنني مصاب  وبمجرد أن انكسرت أول موجه للهجوم وتم تدمير عدد كبير من الدبابات وقتل أفردها بالكامل بدأ العدو يدفع الموجه الثانية بأعداد أكبر يصل عددها من الدبابات والمجنزرات ضعف الموجه الأولى وبدأنا في الاشتباك معهم واشتدت ضراوة المعارك على أعنف ما يكون وأخذ كل فرد يصب نيرانه على أفراد العدو اللذين كانوا يتركون دباباتهم بمجرد أصابتها وفى عنف القتال سقط الشهيد الثاني من فصيلتي وهو جندي حامل رشاش أستشهد بعد أن اقتربت منه إحدى الدبابات وداسته بالجنزير في حين أنه كان يتعامل مع دبابة أخرى قام بتدميرها وقتل طاقمها . وتوالت علينا هجمات العدو بأعداد هائلة من الدبابات وبشراسة لم يسبق لها مثيل علما بأننا كنا نقاتل دبابات العدو بدون أن تعاوننا مدرعات من قواتنا لأن أخر دبابتين كانتا معنا دمرهم العدو في أول هجوم حيث أنه ظن في أول الأمر أنه بتدميره لمدرعاتنا سوف يقضى على أفراد المشاة بسهوله وقد خاب ظنه وقابله أفراد المشاة بصدورهم وأسلحتهم الخفيفة وقاموا بتدمير دباباته وأفراده ، وأزداد القتال شراسة ومدرعات العدو تحترق الواحدة تلو الأخرى ويتم تدمير بعضها وتنجح الأخرى في الإفلات والاختراق وسقط عدد كبير من شهدائنا ولم يفكر أي فرد في الرجوع للخلف بل تركنا أمر هذه الدبابات المخترقة للقوات الخلفية وقد نجحت بعض دبابات العدو في الوصول إلى شط القناة ولكن تم تدميرها بواسطة القوات الخلفية لنا. واستمرت هذه المعارك من السادسة صباحا حتى حوالي الساعة العاشرة ورغم ضراوة هذه المعارك استنفذت معظم الذخيرة التي كانت معنا ولكن لم يتسرب اليأس إلى نفوسنا لأننا كنا لا نريد أن تكون هذه أخر معركة لنا مع العدو ونحن كنا نحاربه على أن الحروب ضربات وضربات وكسب وخسارة وليس معنى ذلك أنهم أصبحوا خلفنا بمدرعاتهم أننا سندير لهم رؤوسنا  وصدورنا ونفعل كما يفعلون ونسلم لهم أنفسنا.

ولقد أبى كل جندي أن تضعف قوته وعزيمته وآثر على نفسه أن يموت في مكانه ولاينال منه العدو أي غرض.

 

إخلاء الموقع لتدميره بالمدفعية…

وفى غمرة القتال وضراوته ونجاح العدو في الاختراق المؤقت صدرت إلينا الأوامر بالارتداد للخلف إلى نقطه معينه وذلك للخروج عن مرمى مدفعيتنا التي صدرت إليها الأوامر بقصف الموقع الذي نجح العدو في اختراقه والقضاء عليه وضرب المنطقة التي كنا نشتبك فيها مع مدرعات العدو ، وبمجرد ارتدادنا وإخلاء الموقع بدأت قصفات المدفعية تلاحق دبابات العدو وتصب حمما من النيران عليها وأستمر قصف المدفعية بكل شراسة وضراوة حتى جعلت الموقع كالجحيم على دبابات العدو وبدأ العدو يتكبد الخسائر من الدبابات وعربات مدرعة وأفراد ما جعله يتردد في إرسال باقي موجات الهجوم ثم بعد ذلك أستنجد بقواته الجوية لتعاونه في نجاح هجومه وتحاول أن تخفف من ضرب المدفعية التي لم تهدأ في عمليات القصف عليه،وبمجرد ظهور طائراته في السماء حتى بدأت تصل إليها صواريخنا وأسلحه الدفاع الجوى المختلفة وتم نجاح هذه الأسلحة في إسقاط أكبر عدد من هذه الطائرات التي كانت تسقط كالفراش وفرت باقي الطائرات هاربة وكانت هذه أول معركة اشتركت فيها الأسلحة المختلفة مثل المدفعية الثقيلة والمدرعات والمدفعيات المضادة للطائرات والصواريخ وجنود المشاة الأبطال ، واستمرت هذه المعارك حتى مساء ذلك اليوم والعدو مصمم على دفع موجات الهجوم المضاد بغرض أن يزحزح قواتنا إلى الخلف ولكن كان في كل مره يتكبد خسائر فادحه لاحصر لها من معدات وأفراد وجن جنونه في هذا اليوم بالذات حتى علمنا بعد ذلك أنه في إحدى هجماته المضادة وصلت إلى قوه لواء مدرع ( 100 دبابه ) ولكن خاب ظنه في تحقيق أهدافه.واستمرت المعارك حتى الساعة الثانية من صباح يوم العاشر من أكتوبر ولم ينجح العدو حتى هذا الوقت في إحراز أي نصر أو استفادة من معارك هذا اليوم وبدأ في جمع ما أستطاع جمعه من قتلاه وجرحاه تحت ستر بعض طائراته والتقهقر للخلف وكانت نتيجة هذه المعارك بالنسبة لقواتنا أنها أسرت عددا كبيرا من دبابات العدو وكانت بعضها بأفرادها كاملة غير عشرات الدبابات والعربات المدرعة المحترقة على مسرح العمليات الحربية.ولقد كانت دبابات العدو المحترقة تظل مشتعلة لزمن قد يصل لأكثر من ساعة أو تزيد وذلك لما فيها من كميات مهولة من أنواع الذخيرة المختلفة ولقد كنا نشاهدها وهى تنفجر بما تحمله من مفرقعات وكانت تتطاير أشلائها في السماء وبفعل شده الانفجارات كانت تتحول الدبابة تلك الكتلة الضخمة المكونة من عده دروع إلى جزيئات صغيره متناثرة في ذلك المكان.

 

وتقدمنا مرة أخرى لأحتلال الموقع…

وفى صباح اليوم العاشر من أكتوبر صدرت إلينا الأوامر بالتقدم للأمام واحتلال المواقع التي كنا قد تركناها يوم أمس وبسرعة أخذنا تشكيل سيرنا في وضع الهجوم وبمنتهى الحذر واليقظة تقدمنا وسط دبابات العدو المدمرة وبين أشلاء جثث أفراده القتلى اللذين تركهم في أرض المعارك غير مبالين بأي شئ حتى أن العدو عاود إلى نغمه مدفعيته التي تعودنا لا نسير إلا على صوتها وكان يحاول تركيز ضرباته على تقدمنا بغرض إعاقة التقدم ولكننا مضينا في التقدم وكلما اقتربنا من العدو أزداد ضرب مدفعيته حتى يوقف تقدمنا وبعد نشاط مدفعيه العدو صدرت الأوامر بتقسيم تقدم الكتيبة إلى سرايا حتى نفوت على العدو فرصة أحداث خسائر بأفراد الكتيبة وبسرعة قامت سريتنا بمواصلة التقدم في اتجاه العدو تحت ستر نيران مدفعيتنا حتى أصبحنا على مسافة قليلة من موقعنا القديم وفى ذلك الوقت بدأ الظلام يحل علينا وقمنا باحتلال هذه المنطقة وتأمينها من أي اختراق قد يقوم به العدو

 

وبدء وصول الأمدادات…

وفى مساء ذلك اليوم جاءت إلينا أول إمدادات بالمياه منذ بدء المعارك وقد أخذ كل فرد يملئ زمزميتة بالمياه والاستعداد للرد على أي هجوم للعدو ، ولم يحاول العدو في هذه الليلة القيام بأي هجوم ضدنا وبقى جميع الأفراد ساهرين متيقظين إلى أن طلعت عليهم شمس يوم الخميس الحادي عشر من أكتوبر وفى حوالي الساعة التاسعة صباحا قمت بتمام سريع على الأفراد والأسلحة والمعدات وقمت بتوزيع كميات من الذخيرة التي وصلت كإمداد لنا بعد تلك المعارك وكذلك وصلت إلينا أول إمدادات بالتعيين وقد وزعتها على الأفراد وبدأ كل فرد يتناول وجبة إفطار بأقصى سرعة .

دفن الشهداء وجمع الغنائم…

وخلال ذلك اليوم صدرت  إلى أوامر من قائد السرية بأخذ جماعة من الأفراد والتوجه بهم إلى الموقع القديم في "تبه أبو وقفه"للقيام بدفن جثث شهدائنا الذين سقطوا في معارك الأمس وإحضار الأسلحة والمعدات التي كانت معهم وتوجهت ومعي الأفراد إلى مسرح المعركة حيث قمنا بدفن شهدائنا وإحضار أسلحتهم ،وفى أثناء قيامنا بذلك شاهدت بعض دبابات العدو التي تركها سليمة دون أن يحدث فيها أي إصابة ومن حولها جثث أفراده وأن دل ذلك على شئ فهو لا يدل إلا على جبن العدو والجندي الإسرائيلي الذي كان يترك الدبابة ويفر هاربا منها دون أن تصاب بأي شئ ولكن أفرادنا كانوا يقتلونهم على الفور.ولقد قام بعض الأفراد الذين كانوا معي بإحضار بعض الغنائم من دبابات العدو ومن أفراده القتلى مثل الساعات والنقود والملابس وبعض أجهزة الراديو وأشياء أخرى مختلفة وبعد ذلك أتممنا عملية الدفن وأحضرنا أسلحتهم ومعداتهم علاوة على ذلك أحضرت بعض الرشاشات والبنادق والمعدات الخفيفة من دبابات العدو وبعد ذلك رجعنا إلى سريتنا حيث قمت بتسليم هذه الأشياء إلى قائد الكتيبة . وفى ظهر ذلك اليوم لم يهدأ نشاط طيران العدو في الضرب خلفنا وكانت اغلب قصفاته تضيع هباء ولم تحدث أي خسائر لنا وفى حوالي الساعة الرابعة من مساء ذلك اليوم صدرت إلينا الأوامر بالتحرك لاحتلال "تبه أبو وقفه" التي دارت عليها معارك الأمس مرة ثانية وبدأنا التحرك إليها حتى وصلنا إليها في المساء وبسرعة أخذ كل فرد في تجهيز موقعه والاستعداد لأي احتمال من جانب العدو بالهجوم وفى الليل كان كل فرد قد أتم تجهيز موقعه وجاهز للاشتباك مع أي عناصر للعدو وكان ذلك الموقع به بعض من دبابات العدو المدمرة والمحترقة عن أخرها لدرجة الانصهار .

وسمعنا خطبة الجمعة على أصوات المدافع…

وظل الأفراد في حالة تأهب حتى أشرقت شمس يوم الجمعة الثاني عشر من أكتوبر وفى صباح ذلك اليوم لم يحاول العدو القيام بأي هجوم وذلك بعد أن كانت معارك اليومين الماضيين ضربة قاضية للعدو حيث أنه لم يفلح في هذه المعارك بلوائه المدرع من تحقيق المهمة التي كان ينوى تحقيقها وعرفنا بعد ذلك أن معظم مدرعات هذا اللواء قد دمرت في قطاع اللواء المشاة التي كانت كتيبتنا من ضمن وحداته ومعه بعض وحدات الجار اليسار من الفرقة الثانية المشاة وهذا اللواء المدرع الإسرائيلي قد تم أسر قائده على أيدي قواتنا في قطاع الفرقة الثانية المشاة المجاورة لنا في اليسار وكان قائد هذا اللواء الإسرائيلي يدعى العقيد"عساف ياجورى" قائد اللواء 190 مدرع ولقد سررنا كثيرا لأن نهاية هذا اللواء كانت على أيدي قواتنا وأبطالنا البواسل.كان هذا اليوم هادئا إذا قارناه بالأيام السابقة إلا من بعض الطلعات الجوية لطيران العدو وكانت دون فائدة وكانت تساعدها بعض قصفات مدفعيته الطائشة .ثم اقتربت صلاة الجمعة وكان يوم عظيم لما حمله إلينا بذكرى من ذكريات الإسلام الخالدة وعند بدء صلاة الجمعة تجمعنا حول الراديو الموجود معي لكي نتابع شعائر صلاة الجمعة ونملأ قلوبنا بقوة الأيمان ونريح قلوبنا بسماع القرآن الكريم ولو أن طائرات العدو لم تهدأ ولكننا كنا في حالة خشوع ديني ولانبالى بما يحدث من حولنا وانتهت تلاوة القرآن الكريم ثم أخذنا نتابع خطبة الجمعة في أعظم متابعة وقلوبنا معلقة بالسماء لما كان في خطبة هذا اليوم بالذات من عظات دينية ومواقف بطولية سردها الخطيب لأبطال الإسلام الأولين .

وبعد انتهاء الخطبة فوجئنا بكلمة للسيد حسين الشافعي نائب الرئيس وكنا لا نعرف عن أي شئ سوف يتكلم ثم بدأت الكلمة وأخذنا نتابعها من أول كلمة قالها إلى أخر كلمة أنهى بها كلمته وكان وقع هذه الكلمة له تأثير في نفوس الأفراد مما جعل معظم الأفراد تزرف الدموع من أعينهم لم ورد فيها من حساب دقيق على الإنسان.

وبعد انتهاء شعائر الصلاة بدأ الأفراد في تناول وجبة غذائهم كل في حفرته التي أعدها للدفاع والقتال منها.ومر اليوم عاديا خاليا من أي معركة سوى بعض طلعات طائرات العدو التي كان قصفها يقع في الخلاء دون أن تحدث أي خسائر وكان ذلك للعناية الإلهية التي كانت تصاحب قواتنا وجعلت الطيارين الإسرائيليين في حالة عدم أتزان أو انضباط.ومع حلول المساء توقعنا أن يقوم العدو بأي محاولة للهجوم ولكنه لم يفكر في ذلك بعد أن أخذ أكثر من درس على أيدي أفراد كتيبتنا ،وبقى الأفراد على عاداتهم في حالة يقظة ولم يفكر أي فرد في النوم لأننا كنا في هذا الوقت لا نذوق طعم النوم وكأننا في حالة عمل مستمرة ليلا ونهارا ورغم مما ظهر على  الأفراد من بعض الإرهاق وقد تغيرت ملامحهم حيث أنه لم يفكر أحد في الاعتناء بأي مظهر في نفسه وكانت قد بدأت ذقونهم تكبر وكذلك شعورهم إلى درجة تبعث على الضحك عندما يدقق كل فرد في زميله وكان ذلك حال الجميع من ضباط وجنود ولم يكن لذلك أي تأثير علينا بل كان ذلك يزيد من عزمنا وأن المظاهر في الحروب تعتبر كماليات ولا تنقص من عزيمة أي فرد.

الأندفاع لأحتلال موقع متقدم…

ومع شروق صباح يوم الثالث عشر من أكتوبر العظيم صدرت الأوامر إلى فصيلتنا بالاندفاع إلى مكان أخر أكثر تقدما وبالتالي قمت باستطلاع سريع للمكان الجديد وفى حوالي الساعة العاشرة صباحا بدأنا التحرك للموقع الجديد وكان هذا الموقع عبارة عن تبه عالية مطلة على وادي فسيح وبمجرد وصولنا أخذ كل فرد يقوم بتجهيز موقعه وقد كان هذا الموقع حاكما على هذا الوادي الذي كانت تأتى منه معظم بل أغلب طائرات العدو وكنا بحكم هذا الموقع وارتفاعه نرى الطائرات عن قرب لدرجة أننا كنا نرى الطيارين داخل الطائرات وهم يمرون من أمامنا.ومنذ احتلالنا لهذا الموقع بدأت أسراب الطائرات تتوالى في ذهاب وإياب على ارتفاع منخفض جدا ، وكنا أيضا في نفس الوقت نشاهد تلك الطائرات تسقط محترقة في الخلف بواسطة الصواريخ وأسلحة الدفاع الجوى ولما كان مرور الطائرات من أمام مواقعنا ومن فوق رؤوسنا كان لزاما علينا أن نكون في حالة إخفاء مستمر حتى لا نكون هدفا لهذه الطائرات.وفى حوالي الساعة الواحدة ظهرا وعلى أثر انفجار إحدى الطلقات أصيب جندي من الفصيلة وتم نقله إلى الخلف وفى المساء وصلت إلينا إمدادات التعيين حيث كان لايتم الإمداد إلا ليلا وكنا نقوم بتوزيعه على الأفراد بمجرد وصوله حتى يأخذ كل فرد تعيينه ليلا حتى إذا طلع النهار لا يحدث أي تحرك أو ظهور لأي فرد من الفصيلة وذلك لأن هذا الموقع كان نقطة مرور رئيسية يمر عليها طيران العدو ومعنى أن يظهر أي فرد بالموقع فإن الموقع سوف يتعرض مباشرة للقصف الجوى الذي كنا نخشاه.وحتى مساء ذلك اليوم لم يحدث أي رصد لهذا الموقع أو تحدث به خسائر ومر يوم الثالث عشر من أكتوبر نهاره وليله دون أن نلاحظ أي تقدم لقوات العدو التي كانت على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات من مواقعنا وكنا نرى نقطة الملاحظة التي كان يصحح بها العدو ضربات مدفعيته التي لم تسكت وكانت تضرب في كل اتجاه بدون وعى وكان ضربها عشوائي لا يحقق أي هدف سوى المظاهرة الفارغة دون أن تحدث أي خسائر في قواتنا.

 


 

الفصل الرابع

 

الهدوء الذى يسبق العاصفة…

ومع مشرق يوم الرابع عشر من أكتوبر كان الجو في هذا اليوم ساطعا والشمس فيه مشرقة والسماء صافية لا يعكر صفوها إلا طائرات العدو التي كانت تنطلق مع أول ضوء ولا تهدأ إلا في أخر ضوء وكانت السماء ممتلئة بطلقات المدفعية المضادة للطائرات التي كانت تجعل السماء وكأنها تمطر نارا على طائراتهم مما كان يجعل الطيارين الإسرائيليين في حالة ذعر دائم من هول الصواريخ .

وفى صباح ذلك اليوم جاءت إمدادات التعيين لنا وفى أثناء قيامي بتوزيعها ومعي رقيب الفصيلة وأثنين من الجنود كنا لا نرى في السماء أي طائرة للعدو وقد فكرنا أن طائرات العدو في حالة استراحة قصيرة ولكن ما لبث أن سمعنا صوت طائرة وقبل أن ننظر إلى السماء لنعرف مكانها فوجئنا بطائرة أخرى من طراز سكاى هوك تمر من فوقنا ثم فوجئنا بانفجار مروع لم يكن بيننا وبينه سوى أمتار قليلة وصحب هذا الانفجار لهب ودخان متصاعدا إلى أعلى وبمجرد سماعنا لصوت الانفجار انبطحنا أرضا بعضنا فوق بعض والكل يتوقع أن يمتلئ جسده بشظايا كثيرة قد تصيبه عقب هذا الانفجار ولم نفق من رقدتنا هذه إلا على أصوات استغاثة من بعض الجنود الذين أصابتهم بعض شظايا هذا الانفجار وكانوا من طاقم المدفع المضاد للدبابات الموجود معي في الفصيلة وعلى الفور قمت مسرعا نحوهم لأرى ماذا حدث ففوجئت بأن ثلاثة من الجنود قد أصيبوا نتيجة الانفجار وبسرعة أمرت بإخلائهم إلى النقطة الطبية وقد ظهر  بعد ذلك أن هذا الانفجار كان نتيجة صاروخ جو أرض قذفته الطائرة أثناء جلوسنا وقت توزيع التعيين.وبعد أن أفقنا من ذلك الانفجار أخذ كل فرد يخفى ويموه في موقعه خوفا من أن يعاود الطيار القصف على هذا الموقع بعد أن عرف أن به قوات مصرية وأخذ كل فرد حذره من الظهور على سطح الأرض.وظللنا داخل مواقعنا إلى أن حل الظلام وكانت ما تزال مدفعية العدو مستمرة في الضرب المتقطع الطائش،ولقد كانت بعض هذه القصفات تمر من فوقنا وفى بعض الأحيان كانت تسقط خلف موقع الفصيلة أو في داخل الموقع دون أن تصيب أي فرد وكان هذا من حفظ الله ورعايته لنا.ومع حلول الظلام بدأت أشدد على الخدمة الليلية واليقظة التامة لأن موقع الفصيلة كان أول موقع مباشر أمام العدو وأن أي ضربه للعدو سوف توجه إلى موقع فصيلتنا وفى أثناء الليل كان جميع الأفراد في استطلاع دائم تجاه العدو وفى نفس الوقت كانوا يتابعون قصفات مدفعيته التي لم تهدأ في الليل كما أشرت من قبل ذلك أن قصف مدفعيته في حاله مستمرة ليلا ونهارا ولكن كانت تختلف تلك القصفات في الشدة من وقت لآخر دون أحداث أي خسائر في الأفراد.

وفى صباح يوم الخامس عشر بدأ العدو بطلعاته الجوية المعتادة كما تعودنا عليها ولكن من كثرة سقوط طائرات العدو أخذ يقلل من تلك القصفات والطلعات الجوية وأصبح يفصل بين كل طلعة وأخرى زمن قليل وفى متابعتنا عن طريق الراديو للبيانات العسكرية كنا نعلم بكل الانتصارات التي كانت تحققها قواتنا المسلحة على مختلف الجبهات ومدى الخسائر التي كان يتكبدها العدو في أسلحته ومعداته وأفراده وكان لتلك البيانات عظيم الأثر في نفوسنا وكانت بمثابة شحنات لرفع الروح المعنوية للأفراد وازدياد الثقة في قوة عزمنا وتصميمنا على تكملة مشوار التحرير الذي بدأناه في السادس من أكتوبر .كانت حالة الأفراد من الناحية المظهرية تزداد سوء وذلك لعدم توفر الوقت أو حتى مجرد التفكير في تغيير ما طرأ على كل فرد من طول الشعر سواء الرأس أو الذقن وأيضا لعدم توفر المياه حيث أن الجو كان أشبه بأيام الصيف التي يحتاج فيها الإنسان إلى مياه كثيرة وحيث أن كميه المياه التي كانت تصل لكل فرد  لا تكاد تكفى حتى لمجرد الشرب وكانت إمدادات المياه بالذات لاتصل بصورة منتظمة مما يجعل زمزميه المياه الواحدة المقرر لها يوم واحد كانت تستمر لمدة يومين أو أكثر ورغم كل ذلك لم يحاول أي فرد أن يضيع وقته ولو حتى دقائق في تحسين مظهره وكنا جميعا مشتركين في هذه العملية المظهرية.

 

وظننت أنها دبابة تحاول الأختراق…

مر الجزء الأول من اليوم ولم يحدث أي شئ من جانب العدو ولم يحاول القيام بأي هجوم ، وفى حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر وأثناء جلوسنا بعد أن تناولنا وجبة غذائنا فوجئت ببعض جنود الفصيلة ينادون على بصوت مرتفع عن رؤيتهم بوجود دبابة للعدو متحركة في اتجاهنا وعلى الفور بدأ كل فرد يستعد لاستقبال هذه الدبابة للعمل على تدميرها قبل أن تخرج أي طلقة وبسرعة أمسكت بجهاز البيروسكوب المكبر الموجود معي وأخذت أتحقق من هذه الدبابة وأحدد مسافتها ففوجئت بالأتي أن هذه الدبابة عليها أثنين من جنودنا الأبطال بملابسهم الكاكى وقد رفع كل منهم علم أبيض دليل على أنها في حالة استسلام وبسرعة قمت بإبلاغ الأفراد بعدم إطلاق أي نيران على هذه الدبابة لأنها دبابة من دبابات العدوتم أسرها وقد استسلمت لقواتنا وأن الجنديين الذين كانوا عليها قاموا برفع هذه الأعلام كإشارة لقواتنا بأنها مستسلمة وحتى لا يطلق عليها أحد النيران وقد سارت الدبابة مسافة حوالي 300 متر ثم وقفت ونزل منها ثلاثة أفراد أثنين مصريين مصوبين بنادقهم نحو الفرد الثالث ولقد كان هذا الفرد جندي إسرائيلي سائق الدبابة وتركوا الدبابة وساروا على أقدامهم ولكي أتأكد أن هذه الدبابة ليست فيها أي خطورة فقد قمت بدفع مجموعة من الجنود بقيادة رقيب الفصيلة بأسلحتهم والتوجه نحو الدبابة وقد خرجوا في اتجاه الدبابة وهم يتقدمون بحذر حتى وصلوا إليها وقاموا بتفتيشها والتأكد منها وأثناء ذلك كانت الفصيلة في استعداد تام ثم بعد لحظات عاد الأفراد بعد أن تأكدوا أن الدبابة خاوية تماما من أي نوع من الذخيرة وأنها في حالة عطل ثم جاءت دبابة مصرية وقامت بجرها وإخلائها إلى الخلف.ومع حلول الظلام أمرت أفراد الفصيلة بأن يكونوا على يقظة تامة وربما أن تكون هذه الحركة خدعة ينوى العدو بعدها القيام بعمل انتقامي ولكن لم يحدث أي شئ في تلك الليلة.

ومع صباح يوم السادس عشر من أكتوبر لاحظنا أن طيران العدو في حالة نشاط غير عادية لم يسبق لها مثيل وأدركنا أن العدو ينوى القيام أي شئ وأنه دائما إذا حدث أي هجوم بالدبابات كان يسبقه تمهيد بالقصف الجوى لطيرانه وقد ركز العدو هجماته لليوم الثاني ضد الفرقة 16 مشاه مع شغل باقي قواتنا شرق القناة وقد وصل حجم المجهود الجوى في هذا اليوم إلى حوالي 130 طلعه طائرة .وفى حوالي الساعة العاشرة صباحا وأثناء عودة إحدى طائراته بعد أن قصفت حمولتها وعلى ارتفاع بسيط تمكنت إحدى صواريخنا من إصابة الطائرة فأخذت تتلوى في الجو كالطائر الجريح ثم هوت محترقة على الأرض وبمجرد اصطدامها أحدثت دويا عنيفا وتبعثرت أشلائها في كل مكان وقد قمت بدفع فردين للبحث عن الطيار أن وجد والقيام بأسره وبمجرد أن وصل الفردين إلى حطام الطائرة وجدوا أن جسد الطيار متناثرا ومبعثرا ومحترقا مثل أجزاء الطائرة التي نجحت الصواريخ في اصطيادها وتدميرها. وعند سقوط هذه الطائرة التي كانت المسافة بيننا وبينها لاتزيد عن 500 متر علت صيحة من أعماق الأعماق من الجنود مرددة في صوت واحد الله أكبر الله أكبر وكانت هذه الصيحة بمثابة الصاعقة الإلهية التيكانت تنقض انقضاضا عنيفا على طائرات العدو التي كانت تحلق في سماءنا ومع كثرة سقوط الطائرات للعدو في هذا اليوم بالذات حيث شاهدنا في زمن أقل من نصف ساعة سقوط أربع طائرات في أربع اتجاهات مختلفة وأسر بعض الطيارين الذين كانوا يقفزون بالمظلات وكانوا قبل أن تلامس أقدامهم أرض سيناء كان جنودنا ينقضون عليهم ولولا أن كانت هناك أوامر بعدم قتلهم وتسليمهم أحياء لقام هؤلاء الجنود بتمزيق أجسادهم إربا مثلما حدث لجندي الدبابة مما كان يملأ صدورهم من حقد وكراهية لهؤلاء القتلة المأجورين الذين لا تعرف قلوبهم الرحمة وكانوا عندما يقعون في الأسر يطلبون بإلحاح من جنودنا أن يتركوهم يعيشون ويطلبون الاستغاثة ويظهرون على حقيقتهم التي كان أساسها الجبن المختفي في نفوسهم وراء الدعايات المغرضة التي كانوا يعلنونها على العالم ،ولقد تعلموا أن طائراتهم لن تحميهم على عكس ما كانوا يتصورون ، وكان العدو قد قام ببعض هجماته على بعض من وحدات الفرقة 16 المشاة على الجانب الأيمن من الفرقة وقد وصل حجم الدبابات القائمة بالهجوم في هذا اليوم بحوالي مائة دبابة مدعمة بالمشاة الميكانيكية وتسترها الصواريخ والمدفعية والطيران.

خطاب الرئيس وأثره فى نفوسنا…

ومع اقتراب الساعة الثانية عشرة ظهرا بدأت أستمع إلى خطاب الرئيس أنور السادات وكانت هذه أول مرة يتكلم فيها في الإذاعة منذ بدء المعارك وعلمنا أن هذا الخطاب سيحوى مفاجآت بالنسبة لانتصاراتنا التي تحققت منذ السادس من أكتوبر وبدأ خطاب الرئيس وأتذكر ساعتها بالضبط أن اشتدت نيران مدفعية العدو وأزدادت غاراته الجوية وكان هدفهم من ذلك هو خفض الروح المعنوية لنا والتي أصبحت في ارتفاع السماء نظرا لانتصاراتنا المتوالية على قوات العدو ولكننا كنا على حذر واستعداد أكثر جدية لردع العدو إذا ما فكر أن يعكر صفو هذا اليوم الذي نعتبره من أيامنا العظيمة حيث أنه تكلم فيه السيد الرئيس عن بطولات جيشنا العظيم وأوضح ما قامت به قواتنا المسلحة من أعمال وبطولات عظيمة وتضحيات لم يسبق لها مثيل سوف يسجلها التاريخ على مر العصور لهؤلاء الرجال البواسل.

وعلى حسب ما توقعنا من نوايا العدو الغادرة فلم تمضى ساعتين على انتهاء خطاب الرئيس .

ودفنت علبة التعيين فى الرمال…

وأثناء ما كنت أفتح علبة التعيين لأتناول الغداء فوجئت بصيحات مرتفعة من كل أفراد الفصيلة تشير إلى بدء هجوم عنيف بالدبابات والعربات المدرعة من جانب العدو وهى قادمة في اتجاهنا وعلى الفور دفنت علب التعيين في الرمال بعد أن فتحتها ولم أتناول أي كمية من الطعام في ذلك اليوم وأخذت بسرعة أبلغ الموقف لقائد السرية وفى نفس الوقت أعطيت الأوامر لجميع الأفراد بالاستعداد والثبات لملاقاة العدو وقتاله حتى أخر لحظه ولو كلف ذلك كل فرد حياته، ولم تمضى دقائق على ذلك حتى بدأت نيران العدو من الرشاشات الموجودة فوق الدبابات تصل إلينا بكميات لم أر مثلها من قبل وكل هذا بغرض خفض رؤوس أفراد المشاة الذين كانوا يعملون لهم ألف حساب حيث أنه بالقضاء على أفراد المشاة يكون الطريق ممهدا لهم لتحقيق أهدافهم ، وبدأت الدبابات تقترب من الموقع وأصبح الموقف في غاية الخطورة وكان في هذا الموقع بعض دباباتهم المدمرة في المعارك السابقة أخذوها كنقط إرشادية يوجهون عليها نيرانهم الكثيفة. ومع اقترابهم إلينا أحسسنا أن الموقف ليس في صالحنا لأنه ظهر من كثافة نيرانهم أن عدد الدبابات المهاجمة ليس اقل من أربعين دبابة أو أكثر وللآن لم تقم مدفعيتنا بقصف أو ضرب أي طلقة عليهم ولكن هذا لم يجعلنا نفقد الأمل في أن الله معنا وسوف ينصرنا عليهم، وماهى إلا لحظات قصيرة جدا حتى بدأت نيران المدفعية تنهال عليهم بشدة وكثافة عنيفة جعلتهم في منتهى الخوف والرعب وأخذوا يتخبطون ولم يحاولوا أن يطلقوا قذيفة واحدة وبدأت الدبابات تحترق الواحدة تلو الأخرى والتي كانت تحاول أن تلوذ بالفرار تلحقها طلقات المدفعية وتقطع عليها طريق العودة حتى أنه لم ينجوا من هذه الدبابات سوى عدد قليل جدا تفرق في داخل المواقع المجاورة وقمت أنا ومعي بعض أفراد الصواريخ الخفيفة المضادة للدبابات بتدمير أربعه دبابات وأسر خمسه أفراد من أطقمها وتم ترحيلهم إلى الخلف وتم أسر باقي أطقم الدبابات في اليوم الثاني وهم مختبئين خلف إحدى التلال العالية.واستمرت هذه المعركة حتى غروب الشمس ولم ندرى بعد ذلك أن هذه المعركة كانت عبارة عن كمين نصب لهذه الدبابات المهاجمة وأن سبب تأخر المدفعية في الضرب هو الانتظار حتى تقع معظم هذه الدبابات في الفخ وحتى لا تعطيها أي فرصة أو أمل في الهروب ولذلك تركتها تتوغل في اتجاه مواقعنا حتى توهمها بأنه لا يوجد أي مقاومات تتصدى لها وكان لهذا الكمين أثره العظيم في إسقاط وتدمير معظم هذه الدبابات .وبانتهاء هذه المعركة التي دمرت فيها مدفعيتنا قوة هائلة من الدبابات أخذ كل الأفراد يصيحون الله أكبر الله أكبر وقد ارتسمت البهجة والسرور والفرح العميق على وجوههم جميعا وصدق قول الله العلي العظيم في قرآنه الكريم" إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" صدق الله العظيم.

وأخذ كل الجنود يتبادلون  تهاني هذا الانتصار العظيم الذي تحقق على أعداء الله وأعداء الدين ، ولم تأخذنا نشوة هذا الانتصار في نسيان ما يتطلبه منا الأمر بالاستعداد واليقظة الدائمة بل كان على العكس يدفعنا إلى مضاعفة الحذر والملاحظة ومراقبة العدو المستمرة في كل تصرفاته لأننا نعلم طبيعة غدر وخيانة عدوناالذي يتمنى أن يمسك علينا أي فرصة أو خطأ قد يحدث منا حتى ولوكان بدون قصد.

وأثناء ليل ذلك اليوم حاول العدو الانتقام لخسائره الرهيبة التي تكبدها وذلك بأن ضاعف من عدد ضربات مدفعيته بدون توقف لمحاولة إحداث أي خسائر ولكنه لم ينل ماكان يهدف إليه وذلك بحفظ الله ورعايته لنا حتى أن قصف هذه الليلة بالذات لم يحدث أي أصابه لأي فرد في الموقع.

تبادل المواقع للتمويه…

وفى صباح يوم السابع عشر من أكتوبر توالت الأحداث الساخنة ويستمر هجوم العدو بكل إمكانياته لإنجاح خطته وتدور معارك رهيبة رهيبة لم تشهد لها سيناء مثيلا من قبل ويستمر العدو في تركيز هجماته على الفرقة 16 المشاة هجمات ليلية ونهارية ، بدأ الطيران الإسرائيلي بطلعاته المعتادة التي تعودنا عليها ولم نعط لها أي اهتمام وفى حوالي الساعة العاشرة صباحا صدرت إلينا الأوامر بالتحرك إلى موقع أخر وغيار فصيلتي بإحدى فصائل الكتيبة المتمركزة بجوار طريق الطالية المتفرع من الطريق الأوسط وكان الهدف من هذا الغيار هو عمليه خداع وتمويه للعدو وحتى لا نجعل الموقف أمامه ثابتا كما يراه لأنه مع التغيير سيفكر كثيرا في أي عمل قد يقوم به وكانت الأوامر تشير إلى تنفيذ ذلك التحرك نهارا ولكن من ظهيرة هذا اليوم أخذت مدفعية العدو في عملية قصف شديد محاولة به أن تشل حركة الكتيبة ولقد كانت النيران على محيط موقعنا بالكامل لدرجة أن أي فرد كان لا يمكنه التحرك خطوات قليلة من موقعه خوفا من أن تصيبه بعض شظايا القنابل التي كان يقصفها العدو بشدة وعنف.

وقد كان القصف مركزا على موقعنا في هذا اليوم بالذات لدرجة أننا فكرنا أن يكون العدو قد أكتشف نوايانا في التحرك وكأن هذا القصف هو عملية إعاقة لتقدمنا إلى الموقع الجديد وفعلا لم أستطع في هذا اليوم أن أقوم بالتحرك لأنه إذا كنت نفذت ذلك التحرك فمعنى ذلك أنني أغامر بحياة هؤلاء الأفراد وهذا ما كنت لا أريده ولذلك قررت عدم التحرك في ذلك اليوم ، وقد قمت بإبلاغ قراري هذا لقائد السرية الذي وافقني عليه وأبلغه بدوره إلى قائد الكتيبة فوافق لأنه كان يرى كثافة قصف المدفعية متجها نحو موقعنا.وتوالت في ذلك اليوم قصفات المدفعية التي لم تهدأ ولو للحظات إلى أن حل الظلام ومع حلول الظلام أصدرت أوامري للأفراد بالاستعداد غدا للتحرك إذا ما هدأت المدفعية ومع التنبيه عليهم باليقظة التامة والحذر أثناء الخدمة الليلية وأخذت أؤكد عليهم بذلك خوفا من أن يقوم العدو بأي هجوم بعد هذا القصف الشديد للمدفعية ، واستمرت قصفات مدفعية العدو طوال الليل في ضربه الطائش.

الأستعداد للتحرك…

وفى صباح يوم الثامن عشر من أكتوبر كان جميع الأفراد في حالة استعداد كامل للتحرك إلى الموقع الجديد ثم صدرت إلي الأوامر بأخذ قادة الجماعات والوصول بهم إلى الموقع الجديد والقيام باستطلاع مواقع الأفراد وتحديد موقع كل جماعة على الأرض وأيضا معرفة أي موقف عن العدو من الأفراد الذين يحتلون الموقع قبل أن تتم عملية الغيار وكذلك معرفة القوات المجاورة لهم من قواتنا.وبالفعل تحركت بهذه المجموعة بعد أن أطلعت قائد السرية بالميعاد الذي سوف أتحرك فيه وتحركت بالفعل في حوالي الساعة الثانية بعد الظهر وكان هذا الموقع الجديد يبعد عن موقع فصيلتي بمسافة حوالي كيلو ونصف من حد يمين الفصيلة وهو أيضا موقع متقدم لفصيلة من ضمن فصائل الكتيبة وهذا الموقع مشرف على طريق الطالية وهو عبارة عن تبه عالية مشرفة على وادي منخفض في اتجاه العدو وكان به أربع دبابات مدمرة للعدو أثر المعارك السابقة وكانت مواجهة هذا الموقع أكبر قليلا من الموقع القديم.وبعد أن عرفت كل شئ عن الموقع وفهمت الموقف جيدا من قائد الفصيلة الموجود في ذلك الموقع وبعد الانتهاء من عملية الاستطلاع رجعنا إلى موقعنا القديم بعد أن استغرقنا ثلاث ساعات في هذه المهمة وكل ذلك كان يتم ومدفعية العدو لم تسكت  ،وفى حوالي الساعة الثامنة مساء بدأت أحرك الفصيلة جماعة بعد أخرى حتى لا نترك الموقع بدون حماية وعندما تصل الجماعة إلى الموقع الجديد تصل بدلا منها جماعة من الفصيلة التي نقوم بتغييرها وهكذا حتى أتممت عملية الغيار وبمجرد وصول الأفراد إلى الموقع الجديد أعدنا تحسين المواقع التي كانت موجودة وقمت بتحديد هدف كل فرد وكل جماعة وأيضا مهمة المدافع التي كانت موجودة معنا.

ومع شروق شمس يوم التاسع عشر من أكتوبر العظيم بدأت مدفعية العدو كالعادة في عملية القصف التي أصبحت لنا شئ عادي وأنها طبيعية لجميع الأفراد وأصبحوا لا يفاجئون بها.

 

وبدأ الطيران الأمريكى فى التدخل فى المعارك…

ثم شاهدنا في هذا اليوم أعدادا هائلة من الطائرات التي كانت تأتي على ارتفاع شاهق جدا وتقوم بعمليات القصف دون أن يراها أحد وكانت تتوالى في طلعات كثيرة ومع كثرة خبرتنا عن طيران العدو أدركنا على الفور أن هذه الطائرات ليست هي الطائرات التي كانت تهاجمنا في كل يوم وكذلك الطيارين الذين كنا نراهم أثناء الغارات الجوية السابقة وقد علمنا بعد ذلك أنها طائرات أمريكية بطيارين أمريكان وكانت هذه الطائرات من طراز ف111 الحديثة الصنع الأمريكية التي استنجدت بها إسرائيل بعد عمل الثغرة بين الجيشين الثاني والثالث وهذه الثغرة لن أستطيع أن أتكلم عنها حيث أن معلوماتي عنها غير كافية نظرا لأنني أتكلم وأحكي هذه اليوميات على مستوي الوحدة الصغرى التي كنت أقودها أثناء المعارك الحربية.واستمرت هذه الغارات طوال هذا اليوم في عملية القصف المتواصل على موقع كتيبتنا وقد نجحت في هذا اليوم في ضرب منطقة الشئون الإدارية للكتيبة وسقط عدد من الشهداء واستمرت في قصفها إلى ما بعد غروب الشمس بكثير وكانت غاراتها مكثفة وكان هذا اليوم عنيفا لم يسبق له مثيل في تأثير قصف الطيران الذي كان لا ينقطع من سماء المعركة، وفى هذا اليوم سقطت إحدى هذه القصفات خلف موقع الفصيلة مباشرة بمسافة حوالي 500 متر ولولا أن الله كان يحفظنا ويرعانا وأنه لو قدر أن كل طلعة من طلعات هذه الطائرات تصيب فردا واحدا لكان أصيب آلاف الأفراد نظرا لكثافة وكثرة الغارات في ذلك اليوم وبأعداد كبيرة من الطائرات.

 

وأستمر ضغط العدو…

وأستمر ضغط العدو علي الفرقة 16 مشاة بحوالي مائة وخمسين دبابة من اللواء 600 واللواء 14 مدرع ليؤمن المعابر التي أنشأها في منطقة الدفرسوار ويركز العدو هجماته الجوية لمعاونة أعمال قتال قواته البرية التي عبرت القناة في الغرب ،وقد استمرت الهجمات المضادة المصرية عليها تلاحقها وتندفع مجموعات الصاعقة والمظلات المصرية داخل مناطق انتشار قوات العدو وتتصيدها وتكبدها خسائر رهيبة .

وحل المساء ودخل الظلام وفى هذا الوقت بدأت أرسل رقيب الفصيلة لإحضار التعيين من منطقة الشئون الإدارية البديلة للنقطة التي دمرت والتى كانت تبعد عنا بمسافة كيلو متر من الخلف ثم مررت على جميع الأفراد لأتأكد أنه لم تحدث أي إصابات في الأفراد ولم تصب أي معدة أو سلاح مما كان موجود مع الأفراد ،  وأثناء مروري كانت لا تزال مدفعية العدو مستمرة في القصف ولقد كانت تزداد عندما يحل الظلام لأنهم كانوا يتوقعون تقدم قواتنا مع حلول الظلام وكانت شدة القصف هذه تعبير عن خوفهم من قواتنا في حين أنهم كانوا يتحركون بهذه المدافع من مكان لأخر حتى لا ترصدهم مدفعيتنا وتقوم بإسكاتهم وقد نجحوا في هذه الخطة وأن معظم الخسائر التي حدثت في كتيبتنا خصوصا في الأفراد كانت من هذه المدفعية.

مدفعية طراز " ابو قفه "…

ومع تكرار هذه المدفعية ظن الأفراد أن عدد هذه المدافع كثير بالنسبة لسرعة حركته من مكان لآخر ويصحب ذلك تغيير مكان الضرب من موقع بعيد إلى موقع قريب وكانت هذه مناورة سريعة ولكن بعد ذلك عرفنا عن طريق استطلاع قواتنا أن هذه المدفعية لاتزيد عن عدد أثنين مدفع ميداني من طراز 155 مم محمل علي شاسيه دبابة ولقد أطلق عليه الأفراد أسم "أبو قفة" وسبب هذه التسمية هو أن دانة أو طلقة هذا المدفع عندما تصطدم بسطح الأرض تصنع حفره أشبه تماما بالقفة الفلاحي لذلك سمي هذا المدفع بهذا الاسم وأصبح الجنود يتحدثون عنه بعضهم لبعض ومن أمثال هذه الحكايات كانوا يقولون مثلا "أبو قفة النهاردة أشتغل كثير ولكنه لم يحدث إصابات" وأتممت مروري على قطاع الفصيلة بالكامل والحمد لله أنه في هذا اليوم بالذات لم تقع أي خسائر سواء كانت في الأفراد أو في المعدات والأسلحة وفي حوالي الساعة الثامنة حضر التعيين وقمت بتوزيعه على الأفراد مؤكدا عليهم أن يبقوا في حاله تيقظ تامة وشرحت لهم سبب أن عدم حدوث خسائر في هذا اليوم في فصيلتنا يرجع إلى عدم ظهور الأفراد خارج حفرهم وعدم السير في الموقع إلى درجة أن موقعنا لم يكتشف من طيران العدو وأخبرتهم أن العدو قد نجح في ضرب بعض المواقع في الكتيبة وخاصة منطقه الشئون الإدارية وأوصيتهم باتباع نفس الأسلوب وزيادة الإخفاء والتمويه لأن العدو قد يعاود باكر الضرب وبتركيز على نفس المواقع التي قام بقصفها اليوم وأنه إذا نفذتم هذه التعليمات سنفوت على العدو الفرصة خصوصا ونحن في أول خط أمام مواقعه. ولقد علمت في نفس الليلة أن بعض الأفراد سقطوا شهداء في هذا اليوم في بعض مواقع الكتيبة نتيجة لضرب طيران العدو.وقضينا ليلة عشرين أكتوبر في يقظة تامة وسهر دائب عيوننا متفتحة كأنها لا تعرف شيئا أسمه النوم ،لكن طبعا كانت هناك بعض الراحات للأفراد وتبادل الخدمات الليلية وحتى لا يفقد الأفراد أعصابهم نتيجة عدم النوم،ليس هذا شعورا مصطنعا ولكن كانت إرادة كل فرد في أن يكون مستعدا في أي وقت لملاقاة العدو وأن كان التعب والإرهاق وحالات الأرق المستمرة قد ظهرت بوادرها علي بعض الأفراد الذين لم يشهدوا معارك من قبل ولكن لم تبدي منهم أي ظاهرة أو إشارة أو علامة تدل علي ذلك بل كان العكس أن كل فرد منهم حاول بكل جهده وإخلاصه لوطنه وبلده أن يثبت لزميله القديم الذي سبق له أن أشترك في معارك المدفعية المشهورة التي كانت عبر القناة سنه 1969 وأنه لا يخاف وأنه قادر على الصمود أمام هذا العدو الجبان وكان هؤلاء الجنود القدامى في حالة تعبئه أكثر من أي وقت مضي وأنهم كانوا يشجعون بعض الجنود المستجدين الذين انضموا إلينا قبل العبور بأيام قليلة ولم تتح لهم فرصة الاحتكاك بزملائهم القدامى ،ولقد أبدي بعض الجنود المستجدين شجاعات نادرة وبطولات فريدة وكانوا في اندفاع مستمر لتنفيذ الأوامر بكل دقة وحرص متمثلين بروح الفداء والتضحية . وفي صباح يوم عشرين من أكتوبر كان كل فرد رابضا في موقعه مثل الأسد يستقبل الفجر الجديد ويودع الليل ويستقبل شمس اليوم وهي مشرقة بنورها على الكون لتبعث الدفء ويظل معها إلى أن يودعها في الغروب وهكذا.

وكنا أول شئ نسمعه في كل صباح هو صوت "أبو قفة " وكان هذا بمثابة الصباح الذي تعودنا عليه من عدونا وكأنه يريد أن يقول لنا صباح الخير ولكنه يقولها بلغة صباح الموت ولقد كنا نرد عليه هذا الصباح بصباح الهلاك علي أفراده الذين لا يعرفون غير هذه اللغة ولقد كنا نرد له الصاع صاعين ولا تأخذنا أي هوادة أو رحمة أو إشفاق عليه.

 

محاولة العدو أرجاعنا للخلف…

وفي حوالي الساعة السادسة صباحا بدأ طيران العدو في طلعاته المعتادة التي سبق لي أن تكلمت عنها من قبل ولكن في هذا اليوم زادت ضرباته وبتركيز أكثر كان يهدف من ورائه أن ترجع قواتنا إلى الخلف ولكن كان ذلك يزيدنا عزم وتصميم في البقاء والتشبث بالأرض وليحدث ما يحدث فكل ذلك إن دل على شئ يدل علي جبن وخوف هذا العدو الذي يقصف بجنون علي جنود المشاة العزل من أسلحة الدفاع الجوي ولو أنه دفع قواته المشاة حتى ولو كانت بأضعاف قواتنا لقمنا بإبادتها عن أخرها .وكان هدفه من هذا القصف إن لم تنجح في تدمير القوات فهي تعمل علي تفككها وخفض روحهم المعنوية وهو بذلك يظن أن الطريق أصبح سهلا وممهدا أمام قواته التي تعودنا أن يدفعها بعد كل قصف عنيف يقوم به وكان دائما يخيب ظنه ولا تحقق له أي هدف من أهدافه، فما من مرة قام بهذه العملية الخسيسة إلا ووجد قواتنا كالنسور تنقض علي أفراده وتبيدهم عن أخرهم وتوقع بهم الخسائر مما يجعلهم يفرون تاركين جرحاهم وقتلاهم متناثرة ليقوم أبطالنا بالقضاء عليهم والتمثيل بأجسادهم القذرة، وكان الجندي المصري يقتلهم بحقد وكراهية نابعة من غدرهم وخيانتهم فكانوا يلقون من العذاب ما هو أحق لهم وثمنا لعدم احترامهم للمقاتل المصري بأنه يعامل عدوه مثل ما يعامله.

تدمير قواعد الصواريخ وحرية الطيران الأسرائيلى…

لاحظنا في هذا اليوم وبالضبط في حوالي الساعة الثانية عشر ظهرا أن طائرات العدو قامت بعدة قصفات جوية علي موقع سريتنا الذي كان يسار موقع فصيلتي بمسافة 600 متر وثبت لنا من مشاهدة بعض الحرائق أن القصف داخل موقع السرية وظل الطيران يقصف على باقي مواقع الكتيبة وقصف الطيران خلف الفصيلة بمسافة 300 متر قصفتين جعلتا الأرض تشتعل لهبا وكان من شدة هذه القصفات أن تساقطت معظم حفر الأفراد .ولقد أحسست بالمرارة والأسى في هذا اليوم ليس علي شئ أصاب أي فرد في الفصيلة ولكن للحرية التي تمتع بها هذا الطيران في ذلك اليوم لدرجة أنه كان يقسم الضرب علينا بغرض خفض الروح المعنوية لقواتنا .ولقد كانت حرية الطيران هذه التي يتمتع بها سببها أن معظم قواعد الصواريخ قام العدو بتدميرها في الخلف بالدبابات والمدفعية بعد أن تمكن بعملية مسرحيه بناها علي المكر والخداع واللامبلاه من عمل الثغرة وتمكن من تدمير قواعد الصواريخ التي كانت تجعل طائراته تسقط كالفراش من سماء المعركة ولولا أن العدو تمكن من عمل هذه الثغرة وتدمير هذه القواعد لما تمكنت طائراته من قصف مواقعنا بهذه الحرية ولما استطاعت طائرة واحدة من طائراته أن تظل في سماء المعركة أكثر من طلعتين وتكون الصواريخ لها بالمرصاد تسقطها وتدمرها عن أخرها. وكنت ادعوا الله أن تختفي شمس هذا اليوم وينقضي النهار سريعا حتى لايتسني للعدو استمرار عملية القصف المجنونة، وكأن القدر استجاب لدعائي ومر هذا اليوم الذي اعتبرته أسوأ يوم في غارات العدو مما أحدثه بعد ذلك من خسائر في موقع الكتيبة وبالذات سريتنا ، وبعد حصر الخسائر أخر النهار وكما توقعنا أن سقط عدد من الشهداء وكان من بينهم أثنين من ضباط الكتيبة .وبمرور نهار هذا اليوم ومع حلول الظلام بدأت مدفعية العدو تقصف علي مصادر الدخان المتصاعد نتيجة الحرائق التي سببها قصف الطيران علما بأن هذه المناطق قد أخليت من الأفراد لأنه سبق أن اكتشفنا أن العدو يستغل هذه المناطق المشتعلة لتصحيح الضرب عليها.استمرت مدفعية العدو في القصف طوال الليل دون توقف أو انقطاع وكان القصف في جميع الاتجاهات.

 

كل دانة مكتوب عليها أسم صاحبها…

 وكان من استمرار قصف المدفعية على موقع الفصيلة سقطت إحدى دانات المدفعية علي حفرة من حفر الأفراد مباشرة وكان بها فردين فسقطوا شهداء في الحال وكان سبب وجود هذين الفردين في هذه الحفرة هو أن الحفرة كانت أصلا مخصصة لفرد واحد ولكن كان قصف المدفعية قبل دقائق مؤثرا علي حفرة الفرد الأخر وكان موقعه في اليسار فانتقل إلى اليمين وذلك تلافيا لضرب المدفعية ولقد جلس في الحفرة مع زميله الأخر وذلك لعدم وجود حفرة أخري خالية ولكن القدر شاء أن يستشهد في ذلك المكان الذي ظن أنه سوف يكون بعيدا عن قصف المدفعية ولقد صدق قول الحق سبحانه وتعالي"أينما تكونوا يدرككُم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة" صدق الله العظيم.

وقام الأفراد بدفن هذين الشهيدين في نفس موقعهم، ومر ظلام ذلك اليوم وجميع الأفراد رابضين في مواقعهم في حالة تيقظ وسهر وظهرت عليهم علامات الإرهاق من ذلك اليوم العصيب الذي مر خصوصا بعد معرفتهم باستشهاد بعض زملائهم من السرية وقد كان من بين هؤلاء الشهداء الذين استشهدوا في هذا اليوم جندي أسمه "علاء عبد العال"وهو من بولاق أبو العلا وهو الذي أنتقل من مكانه وجلس مع زميله وأستشهد معه في الحفرة كما رويت لكم من قبل ولقد كان هذا الجندي مثالا للرجولة والشجاعة والأخلاق وكان دائما مرحا وقد كان محبوبا من جميع زملائه وكذلك من ضباط السرية وعندما سمع الأفراد نبأ استشهاده حزن الجميع عليه وبكي جميع الأفراد بكاء شديدا كما حزنوا علي باقي الشهداء الأبرار أمثال الرائد حمدي عرفه، النقيب ماجد زيدان ،الملازم أول إبراهيم عواد،الملازم أول عبد العال،والملازم سعيد طعيمه وجميع الصف ضباط والجنود والذين لا تسعفني الذاكرة لذكر أسمائهم. ولقد كان وقع هذا الخبر علي أي فرد يسمع نبأ استشهاد "علاء" كان يصعق من هول الصدمة ولكنها إرادة الله ،ولقد كانت أخر كلمات قالها"علاء" بنفس اللفظ"أنني لن أنتقل خطوة إلى الخلف ولكنني مستعد للتقدم للأمام مهما كلفني ذلك حياتي" وقد حقق الله أمنيه هذا البطل وأستشهد في المكان الذي أراد الله له أن يستشهد فيه وقد أدي هذا الجندي واجبه بكل شجاعة وتضحية وفداء وضرب  أروع الأمثلة للجندي المصري وبعد أن قام بالتعاون مع أفراد الفصيلة بالقضاء علي معظم هجمات العدو طوال الأيام الماضية .

 


 

الفصل الخامس

 

اليوم الفاصل…

بدأ نهار يوم الحادي والعشرين من أكتوبر وسوف أقف طويلا مع هذا اليوم لما كان له من تحول في أيام المعركة التي بلغت سبعة عشر يوما وكان حقا هذا اليوم هو اليوم الفاصل بين مرارة الهزيمة وفرحة النصر العظيم الذي ظهر فعلا في ذلك اليوم علي مستوي الجندي وإن أتاحت لي ذاكرتي حتى أذكر كل ثانية وليست دقيقة مرت هذا اليوم إلا وكان لها قصة مطولة من قصص البطولة الحقيقية التي تحدث علي الطبيعة بدون تزييف ، ولقد أدركت ساعتها لو أتاحت الفرصة لبعض الكتاب والقصصيين لرؤية بعض المشاهد والصور التي حدثت في هذا اليوم لنسجوا منها ملاحم وقصص بطولية طويلة مدعمة بأروع ما يمكن أن تحدث من شهامة المقاتلين علي أرض المعارك الحقيقية والتي شاءت الظروف أن تصنعها في أروع ما تجلت في هذا اليوم بالذات وأصبح يوم الحادي والعشرين يوما مشهودا بالنسبة لنا وقد أسميناه بيوم "معركة الدبابات" وليس عمق هذه الكلمة في معناها ولكن هو كيف نجح الفرد المشاة العادي في التصدي لدبابات العدو بكل جرأة وجسارة لم ولن يسبق لها مثيل في تاريخ الحروب ولم تكن حقائق هذا اليوم مفتعلة أو مصطنعة ولكن صنعتها الأحداث والظروف بتوقيتات محددة جاءت في ترتيب محكم وكأن هذا اليوم أن جاز لنا أن نسميه بيوم المفاجآت لما كان يحتويه من مفاجآت رهيبة لم يتوقعها أي فرد في الموقع الذي كنا نحتله.ومن مفارقات هذا اليوم بالذات أننا كنا حريصين علي مامعنا من كميات الذخيرة والتمسك بها لأننا علمنا أن منطقة الشئون الإدارية قد دمرت وكان بها كميات من الذخيرة وأدركنا أن الإمداد بالذخيرة قد يتأخر بعض الوقت ولا نعرف له ميعاد ،لذلك حرص كل جندي علي ألا تخرج من سلاحه طلقه واحدة إلا وتقتل فردا من أفراد العدو وأن أي إهمال في الذخيرة واستهلاكها بدون فائدة تعتبر عملية انتحار للفرد لأن أي سلاح مهما كان نوعه بدون ذخيرة فإنه لا يساوي شئ ويصبح كالعصا .كان ذلك السبب الذي جعل من هذا اليوم رغم طول المعارك التي حدثت طوال الأيام الماضية سببا في تميز ذلك اليوم عن باقي الأيام السابقة.

وبدأت الأحداث تتلاحق…

 أبدأ في سرد أحداث ذلك اليوم بصباح كان طيران العدو فيه نشط جدا وبدأ طلعاته في وقت مبكر جدا وبكثافة شديدة لم نر مثلها من قبل وكانت هذه الطائرات من طراز ف111 الأمريكية الصنع وبطيارين أمريكان أيضا كما قلت لكم من قبل وكما أذاعت وكالات الأنباء العالمية.استمرت الغارات بشراسة وجنون يدل علي أن العدو يقوم بعمليه انتقام رهيبة نظرا لارتفاع خسائره وبعد تدمير معظم القوات المدرعة التي قام بدفعها إلى الضفة الغربية بغرض فتح ثغرة وتطويق قواتنا الموجودة داخل سيناء وبعد تدمير اللواء المدرع190 الذي كان يقوده العقيد " عساف يا جوري " وقد دمر عن أخره وتم أسر قائده وكان ذلك في قطاعنا الأوسط . وقد أقتنع العدو بأن أي معركة تشترك فيها مدرعاته مع القوات المصرية لا تحقق أي انتصار بل علي العكس يتكبد فيها خسائر فادحه خصوصا وأن قواتنا كانت تقضي علي جميع أفراد العدو دون الإبقاء إلا على بعض القلائل منهم ، لذلك لم يجد العدو غير طيرانه باعتباره الورقة الرابحة الوحيدة التي يقدر أن يلعب بها في هذه المعارك . أستمر قصفه من ارتفاعات عالية جدا بالطيران والمدفعية من البر في كثافة لم نشهدها من قبل وعلي الفور أدركنا أن العدو ينوي القيام بعمليه هجوم مضاد واسع النطاق وعلي مواجهه كبيرة وأنه يمهد لهذه العملية من الأمس وظهر ذلك لجميع الأفراد كما سبق أن تعودوا قبل أي هجوم للعدو. لقد كنا في ذلك اليوم لا نخاف من أي هجوم قد يحدث من جانب العدو، ولكننا كنا في قلق ليس علي شئ قد يحدث ولكن أدركنا أن هذا التمهيد للهجوم الذي بدأه العدو من الأمس بهذه الشراسة لن يعقبه إلا هجوم بنفس القوة بل قد يكون علي مستوي أكبر مما قمنا بتدميره قبل ذلك وكان هذا القلق سببه قلة كمية الذخيرة التي معنا.

كان هذا العنصر بالذات هو سبب قلقنا ولا شئ أكثر من ذلك وكان هذا الشعور يدركه جميع أفراد الفصيلة واتخذت قراري وأبلغت الأفراد بأن هذا اليوم قد يكون بمثابة تحديد مصيرنا بالحياة أو الاستشهاد وليس أمامنا سبيل غير ذلك فعلينا أن نصمد وليكن الله معنا ناصرنا ومخيب أمل العدو الذي ينوي الغدر.نسيت هنا  أن أوضح أن كثرة الغارات الجوية كانت توقف تماما عمليات الإمداد وهذا أمر طبيعي ولقد علمنا في ذلك اليوم بأن العدو نجح في ضرب بعض المعابر الموجودة خلف قطاعنا علي القناة وكان سبب تأخير عملية الإمداد هو ضرب المعابر وكان ذلك علي المستوي الأكبر ، لم يحدث ذلك أي تأثير علي معنويات الأفراد خصوصا أن قواتنا قامت بإنشاء معابر أخري حتى تفوت علي العدو الهدف الذي يريد تحقيقه وهو قطع الإمدادات عن قواتنا داخل سيناء . في ظهر ذلك اليوم المشهود بلغت ذروة القصف لدرجة أن المنطقة أصبحت كالجحيم تشتعل فيها حرائق كثيرة وكان عدد القصفات في سرعات مختلفة جعلت حفر الأفراد تهتز وكأن الأرض تتحرك بهم وتأبي هذه القصفات التي تشوه سطحها بالحرائق . وفي حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر سمعنا أصوات دبابات من علي بعد كبير وكان صوتها شديدا ومزمجرا مما كان يدل علي كثرة عددها ، وفي الحال أصدرت الأوامر للأفراد بالاستعداد لصد هذا الهجوم المعادي من جانب العدو وعدم السماح لأي دبابة من دبابات العدو بالاختراق من أي موقع في الفصيلة والعمل علي تدمير أي قوات تقترب من موقعنا، وفي أثناء هذه اللحظات بدأت نيران رشاشات الدبابات وهي من عيار نصف بوصة تصل إلينا بكميات كبيرة وهائلة وكأنها في غزارتها مثل الأمطار وكانت تأتي أفقية وفي مواجهة الموقع وتمر من فوق رؤوسنا علما بأننا في هذه للحظات لم نطلق أي طلقة من أى سلاح وذلك لعدم كشف الموقع من بعيد لهم. وبدأ كل فرد يحتمي داخل حفرته حتى لا يتعرض للأصابه وكان يعلم أن دبابات العدو مازالت بعيدة وأن العدو يطلق هذه النيران كنوع من عمليات بث الخوف والرعب في نفوس أفرادنا ولكن لم يتحقق له ذلك. واستمرت الدبابات في التقدم وعندما اقتربت منا وأصبحت علي مسافة حوالي كيلومتر تقريبا بدأت أحدد قوة دبابات العدو المهاجمة في قطاع الفصيلة وكانت عبارة عن سرية مشاة ميكانيكية مدعمة بفصيلة دبابات أي حوالي عشرين قطعة مدرعة مابين عربات نصف جنزير ودبابات وكانت متقدمة في مواجهه موقع الفصيلة ومستمرة في الضرب في جميع الاتجاهات و حتى هذه اللحظة  لم تقم مدفعيتنا بالاشتباك مع هذه الدبابات المتقدمة علينا وأصبحت تقترب منا بغرض الابتعاد عن نيران مدفعيتنا وقد نجحوا في ذلك ،ولم تتوقف الدبابات لحظة واحدة عن إطلاق النيران من أسلحتها الصغيرة لأنهم كانوا يعلمون أن أمامهم مواقع أفراد المشاة. وفي لحظه الغروب بالضبط اقتربت منا الدبابات حتى أصبحت علي مسافة حوالي 600 متر وكان جزء من هذه الدبابات قد بدأ يتعرض لنيران جانبية من أحد مواقع قواتنا فبدأ علي الفور بفتح تشكيل هجومه وماهي إلا لحظة حتى نجح أحد الأفراد حاملي الصواريخ المضادة للدبابات في تدمير أول دبابة ظهرت ثم تلتها عربة مدرعة وعند إصابة هاتين القطعتين بدأ أفراد العدو يقفزون منهم وما أن لمح أفرد الفصيلة والموقع الجانبي هذا المنظر أمامهم حتى بدأ كل فرد علي الفور ومن تلقاء نفسه في إطلاق النيران بقوة وعزم علي هؤلاء الأفراد حتى سقط معظمهم قتلي وفر الباقي إلى الخلف ومنذ  هذه اللحظة بدأت المعركة الهجومية للعدو تأخذ حد الشراسة وأخذ العدو يطلق قذائف دباباته ونيران رشاشاته في جميع الاتجاهات بغطرسة وطيش وكأنه جن جنونه عند تدمير هاتين القطعتين وكانت النتيجة بالعكس علي أفراد قواتنا فقد ارتفعت روحهم المعنوية وأخذوا يستعدون للقضاء علي أي أفراد تقفز بعد ذلك من المدرعات التي سوف تدمرهما الصواريخ وكانوا يرددون بأصوات عالية تشق عنان السماء صيحة النصر الله أكبر الله أكبر . كانت هاتين المدرعتين اللتين تم تدميرهم في مواجهه موقعنا بالضبط ولم تمضي لحظات حتى شاهدنا أمام الموقع المجاور لنا دبابتين للعدو قد دمرتا بواسطة الصواريخ ونيران دباباتنا المخندقة التي انضمت إلينا مؤخرا والتي كان لها تأثير في رفع الروح المعنوية للأفراد ، وتكررت نفس الصورة عند تدمير أول دبابتين بل أنه قام بعض أفراد الفصيلة بمعاونة زملائهم في الموقع المجاور بالضرب علي أفراد العدو حتى نزيد من خسائر العدو في الأفراد . وقد كنا نسمع أثناء تلك المعارك صيحات الجنود الإسرائيليين الجرحى بالصراخ وهم ينادون علي زملائهم لإسعافهم ، ولقد كان أي جندي إسرائيلي يصاب لا يقترب منه أي فرد من زملائه حتى لا يسقط هو الأخر قتيلا أو جريحا بجواره من شدة النيران التي تنهال عليهم من أفرادنا علما بأن رشاشات دباباتهم لم توقف الضرب ولكن ضربهم كان بدون توجيه وطائشا نتيجة الخوف والفزع والهلع الذي أصابهم نتيجة لتدمير دباباتهم في أول المعركة ، وبدأت دبابات العدو الباقية تحاول تأخير الوقت قليلا أثناء الهجوم حتى يحل الظلام الذي أصبح علي وشك الدخول ولكن هذا لم ينفعهم ولكن زاد من خسائرهم في الدبابات والأفراد . ومع حلول الظلام بدأت الهاونات تضرب دانات مضيئة لإنارة أرض المعركة حتى يتسنى لنا القضاء علي باقي قوات العدو ، وبعد لحظات اقتربت منا وبالضبط جهة اليسار من موقع الفصيلة عربة مدرعة وأصبحت علي مسافة 150 متر وعندما وصلت إلى هذه المسافة ظن أفرادها أنهم أصبحوا في منطقة أمان وما إن تقدمت بضع خطوات  حتى أنفجر تحتها لغم قام بوضعه أفراد الفصيلة وفي نفس الوقت أصابها صاروخ مضاد للدبابات أطاح برأس سائق العربة المدرعة وفي تلك اللحظة قفز باقي أفراد طاقم العربة وما أن لمست أقدامهم الأرض حتى انهالت عليهم نيران البنادق الآلية والرشاشات وسقط ثلاثة أفراد قتلي وفر أثنين هاربين وظلت هذه العربة تحترق وتتوالى فيها الانفجارات بتأثير الذخيرة التي كانت بها ما يقرب من ساعتين بهذه الحالة وأصبح بتدمير هذه العربة التي دمرت عن أخرها أن فقد العدو خمس مدرعات . ولم يجد العدو بعد ذلك أي نتيجة في مواصلة الهجوم الذي قام به منذ ساعتين وبدأت بعض عرباته تجري هاربة للخلف وأصبحت دبابات العدو الباقية في حالة هستيريا مما يحدث لهم وقد لاحظ العدو أن الصواريخ تنهال عليهم من كل جهة ثم بدأ بعض الأفراد الجرحى يتسلقون علي هذه الدبابات بغرض الخروج من أرض المعركة ، وفي أثناء إنارة إحدى الطلقات المضيئة شاهدت دبابة عليها أكثر من عشرة أفراد متعلقين بها فأخذت قاذف صاروخي مضاد للدبابات وقمت بالضرب علي هذه الدبابة وكان هدفي هو نزول هؤلاء الأفراد من فوق الدبابة حتى يتمكن الأفراد من أحداث أكبر خسائر بهم وما إن أطلقت الطلقة الأولي علي الدبابة حتى أصابها وهرع جميع الجنود الموجودين عليها وقفزوا علي الأرض وفي أثناء ذلك بدأ الأفراد يطلقون نيران بنادقهم الآلية عليهم حتى أصابوا معظمهم وقتل البعض الأخر وتمكن عدد قليل من الهرب والإفلات من موت محقق. ولولا أن كانت كمية النيران المضيئة قليلة وكانت تتأخر بعض الوقت لأمكننا القضاء علي جميع الدبابات والعربات المدرعة القائمة بالهجوم ، ولقد أستغل العدو هذه الفرصة وبدأت بعض هذه الدبابات تفر هاربة من أرض المعركة تاركه ورائها بعض الأفراد الذي جرحوا ، ولم يبقي في أرض المعركة سوي دبابتين أخذوا يتحركون في وادي بين تبتين وبإشارات منهم لإفرادهم الجرحى حتى يأتوا علي هذه الإشارات ورغم ذلك لم يوقف أفراد قواتنا إطلاق النيران عليهم من بنادقهم وذلك للقضاء التام علي جميع الأفراد الجرحى الموجودين في أرض المعركة وعدم إعطائهم الفرصة للهروب والإخلاء للخلف.

كانت إشارات الدبابتين عبارة عن كشافات مثل البطارية العادية تنبعث منها أضواء مختلفة علاوة علي ذلك أخذوا ينادون علي بعضهم بصوت عالي كنا نسمعه بوضوح تام.كان جميع الأفراد الجرحى الموجودين علي أرض المعركة في حالة خوف ورعب يصيحون صيحات الإنقاذ لإخراجهم من هذا لجحيم الذي يلاقونه من نيران أفرادنا. واقتربت الساعة الثامنة مساء وأخذت الدبابات الباقية تفر هاربة للخلف منسحبة من أرض المعركة بعد أن التقطت بعض الأفراد الجرحى يجرون ورائهم الهزيمة التي لحقت بهم في هذا الهجوم الفاشل ، وظللنا نتابعهم بالنيران حتى اختفوا ولم يبق أمامنا سوي دباباتهم وعرباتهم المحترقة والتي ظلت تنبعث منها النيران والانفجارات بتأثير كميات الذخيرة التي كانت موجودة بها. وظللنا في حالة استعداد احتمالا لعودتهم لهجوم جديد إلى أن انتصف الليل ولكنهم لم يحاولوا القيام بأي عمل في هذه الليلة ويرجع سبب ذلك إلى الخسائر التي لحقت بهم في الأفراد والمعدات وللعلم لم يصب أي فرد من أفراد فصيلتي بأي إصابة في هذه المعركة وأن كنا قد علمنا أن أثنين من الأفراد قد أصيبوا في الموقع الذي كان يسار فصيلتي ولكنها كانت إصابات خفيفة.

داورية الفجر…

وقد كانت مقاومتنا للعدو الإسرائيلي عنيفة وقد أصيبت قواته بالذعر فكانت تهجر دباباتها ليلا ولا تعود لها إلا نهارا وقد ترك العدو بعض الدبابات المعطلة أمام قواتنا وقد تعود رجالنا الخروج في دوريات إلى دبابات العدو ينظفونها من أسلحتها ومعداتها وكل مافيها ثم يعودون إلى مواقعهم.وقد حدثت قصة طريفة من المواقف المضحكة التي مرت علينا وهي أنه قبل أخر ضوء يوم الحادي والعشرين من أكتوبر شاهد فردين من قواتنا دبابة سليمة للعدو علي خط السماء في منطقة أبو وقفة ويقرران الخروج لها في أول ضوء لأخذ مابها من أسلحة ومعدات وأتي عليهم الفجر وكان الضباب كثيف وضلوا الطريق ثم شاهدوا شبح لثلاث دبابات وعربة مجنزرة واعتقدوا أنها جميعا معطلة فدخل كل واحد منهم دبابة وأخذ يجمع مابها داخل بطانية من أسلحة ومعلبات حتى جراكن المياه والسجائر والوثائق الموجودة بها ثم أتلفوا كل ما بداخلها ، كل هذا حدث وأصواتهم عالية يهرجون ويضحكون وفي أثناء خروجهما من الدبابات شعر بهم أفراد أطقم الدبابات الإسرائيلية .. فجرى أفراد الأطقم واحتموا خلف العربة المدرعة أما أفراد قواتنا فقد صمما علي عدم ترك أي شئ وخرجا في الضباب وأخذا وضع ضرب النار وأطلقا نيرانهم بأكبر معدل وظن الإسرائيليون أنهم أمام داوريه كبيرة ففروا وعاد البطلان إلى موقع الفصيلة ومعهم ما لذ وطاب وأعدوا فطورا شهيا للفصيلة .وبقي الأفراد علي حالة التأهب والاستعداد حتى شروق شمس يوم الثاني والعشرين من أكتوبر .

وقف أطلاق النار…

وفي صباح ذلك اليوم علمنا أنه قد صدر فجر هذا اليوم قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار .ولكننا لم نعطي لهذا القرار أي اهتمام ليس لعدم احترامه ولكن لغدر العدو وعدم احترامه لهذه القرارات لأننا نعرف أن عدونا لا تنفع معه أي معاهدة أو قرار وأنه لا يحترم أي قرارات دولية ولكنه يستخدم أسلوب البلطجة وهذا ماتعودناه منه ، وكنا حريصين أشد الحرص من قبل أي وقت مضي حتى لا يأخذنا علي غره بحجة وقف إطلاق النار .بدأ شروق الشمس بدانات مدفعيته علي مواقعنا وبقصفات طيرانه المعتادة في كثرة وتركيز ، وصدرت إلينا الأوامر بعدم وقف إطلاق النيران إلا إذا التزم العدو بهذا القرار وعمل علي احترامه وتنفيذه وأن أي طلقة تصدر من جانب العدو سوف ترد عليه عشرات الطلقات وهاهو العدو يعلم أن اليوم محدد لوقف إطلاق النار ويبدأ اليوم كما بدأ الأيام السابقة بل أنه زاد في ذلك اليوم بالذات من طلعاته الجوية وشدة قصف مدفعيته حتى أنه بدا لنا أنه ينوي تعويض ما تعرض له من خسائر في يوم أمس .ولكننا كنا نفطن لمكره وخداعه وبدأ كل فرد يحتاط لنفسه من هذه الغارات الوحشية علي أن يكون مستعدا لردع أي هجوم مدرع من جانب العدو . وكان ذلك اليوم أشبه في شدة قصفه وضراوة الغارات فيه بيوم عشرين أكتوبر. واستمرت طائرات العدو في عمليات قصفها علي موقع الكتيبة ولقد سقط في هذا اليوم بعض زملائنا شهداء بسبب هذه الغارات . وفي وسط النهار علمنا أنه قد حددت ساعة بدء سريان قرار وقف إطلاق النار الساعة السابعة إلا سبع دقائق مساء .كل ذلك لم يغير من موقفنا شئ لأننا كنا حقا لا نريد وقف إطلاق النار حتى نلقن العدو دروسا في القتال مع الجندي المصري وأن وقف إطلاق النار هذا سوف يفرح له العدو لأنه سوف يلتقط أنفاسه بعد أن ذاق مرارة الأيام السابقة بما حملته له من خسائر في جميع أسلحته وأفراده ومعداته ورغم ذلك لم تهدأ مدفعيته ولم يهدأ طيرانه حتى مغرب هذا اليوم.

بين الحياة والموت وأخر شهيد فى الفصيلة…

 وفي حوالي الساعة السادسة إلا الربع بدأت مدفعية العدو تركز ضربها علي موقع فصيلتي وأخذت تقذف داناتها بشراسة وانتقام لم أري مثلها من قبل ، وأصف لكم لقطة حدثت في ثوان والمنظر كالأتي كنت أنا وثلاثة أفراد نقوم بحديث عادي عن معركة أمس وكنا واقفين بحوار حفرة وفي هذه الأثناء سقطت إحدى دانات المدفعية بجوارنا وعلي مسافة أمتار قليلة ولم نشعر إلا ونحن الأربعة أفراد راقدين فوق بعضنا داخل الحفرة التي كنا نقف بجوارها ولم نصدق أننا مازلنا أحياء ولم يصب منا أحد وأعقبت تلك الدانة أربع دانات أخري في أربع زوايا حول الحفرة التي كان بها رقيب الفصيلة وعلي مسافة أمتار من كل زاوية جعلت جزء من الحفرة يتهدم علي من فيها . انتهت هذه اللحظة وكل منا يتشهد علي روحه وكانت أسوأ لحظات ذلك اليوم ومع أخر دانه من دانات مدفعية العدو وبالضبط في الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم وفي المنطقة التي حدث فيها ضرب تلك الدانات الخمس التي قصفها من قبل أستشهد الجندي "حجاج" وكان بذلك هو أخر جندي يسقط شهيدا من فصيلتي وأيضا أخر جندي شهيد في الكتيبة مع أخر دانه من دانات العدو. وقد سقطت الدانة أمام حفرة هذا الجندي ونتيجة لتطاير الشظايا منها أصيب بشظية في صدره أستشهد علي أثرها وكانت أخر كلمات قالها الله أكبر خمس مرات مشجعا زملائه قائلا لهم أنا بخير ولم تمضي ثوان حتى فارق الحياة في أروع تضحية وفداء . وبعد أن أتممنا دفن هذا الشهيد وفي حوالي الساعة السابعة مساء بدأ جميع أفراد قواتنا في جميع المواقع داخل سيناء يطلقون نيران أسلحتهم الصغيرة متجهة إلى السماء لبدء إعلان قرار وقف إطلاق النار بين القوات وكذا كان يفعل العدو وهذه أول مرة يطلق فيها العدو نيرانه ليس علي قواتنا ولكن في السماء. وقضينا ليلة الثالث والعشرين من أكتوبر علي غرار ليالينا السابقة بكل اليقظة والحرص والاستعداد  .

وبدأ النهار بدون طيران ومدفعية…

 وفي صباح يوم الثالث والعشرين من أكتوبر بدأ النهار بدون طلعات الطيران وأيضا بدون قصف من مدفعية العدو وبدأ النهار هادئا علي غير ما تعودنا وكأنه كان يوجد سوقا مزدحما بالضوضاء ثم أنفض في الحال وساد الهدوء مرة واحدة وبدأ الأفراد يخرجون من حفرهم والكل في حالة هدوء نفسي ساد علي روح كل فرد وبدأ الأفراد يتناولون وجبة الإفطار بدون إزعاج ثم قامت مجموعات من الأفراد بالذهاب إلى دبابات العدو المدمرة وإحضار كل الغنائم التي كانت موجودة داخل دباباته التي تركها وفر هاربا والقيام بدفن أفراده القتلى حتى لا يسببوا لنا أمراض بسبب رائحتهم الكريهة وعادت هذه المجموعة ومعها تعيينات علي مختلف أنواعها ومشروبات وبعض الأوراق النقدية وبعض الملابس وقطع الأسلحة والمعدات الفنية وبعض أشياء أخري.

 

وغسلنا وجوهنا وحلقنا ذقوننا..

 وفي الصباح قمنا ولأول مرة منذ اندلاع المعارك بغسل وجوهنا بالماء وكان هذا المنظر مبعثا للضحك بالنسبة لتغير ملامح وجوه جميع الأفراد نظرا لطول شعر رؤوسنا وكان لنا عذرنا وكذلك ذقوننا التي طالت بشكل كبير لدرجة أن بعض الأفراد أصبحوا كالسنيين وأيضا طالت شوارب الأفراد بدرجة كبيرة حتى أن بعض الأفراد وأنا منهم طبعا كانوا لا يربون شواربهم ولما ربوها لعدم إمكانية حلقها تغيرت ملامحهم بالكامل وأصبح كل جندي ينظر لزميله الأخر وهو في غاية الضحك علي مايراه. وبعد ذلك وفي وسط النهار جمعت أفراد الفصيلة وترحمنا علي شهدائنا الأبطال الذين سبقونا إلى الجنة وأبلغتهم أن المعركة لم تنتهي ولكنها توقفت وعندما تبدأ مرة أخري سوف نكون أشجع وأقوي مما كنا وأصدق في قتالنا مع عدونا حتى نلقنه الدرس الذي لن ينساه وقرأنا الفاتحة علي أرواحهم الطاهرة.

"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" صدق الله العظيم.

 


 

خاتمـــه

هكذا بدأت قصص الكفاح والبطولة لتظل قنديلا يضئ الطريق لتبدأ قصص أخري قد تكون مماثلة ولكنها في نفس الوقت هادفة لهدف واحد وهو لتبقي مصر طول العصر وليبقي جندها أبد الدهر أبطالا بدمائهم مثل النهر يروي أرضها لتطرح الشجر.. شجر الحرية والكرامة ليس له فحسب بل لأجياله التي سوف تأتي من بعده.


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech