Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر
  • تعريف بالمجموعة و أعضاءها

     مؤسسة مؤرخي مصر للثقافه ( المجموعة 73 مؤرخين ) المشهرة برقم 10257 لسنه 2016  المجموعه 73 مؤرخين ، مؤسسه ثقافيه للتأريخ والابحاث التاريخيه نشأت عام 2008 - وهي عباره...

    إقرأ المزيد...

بطل الشهر

بطل الشهر /  العميد يسري عمارة 

 

 

الــصـفـحـة الـرئيسيــة

من وثائق الـ المخابرات الامريكيه

الجزء الثالث

من وثائق الـ

CIA

 

 

 

منظمة العمل لتحرير فلسطين 

جماعات الفدائيين المستقلة الصغيرة

في أوائل عام 1969 انشقت جماعة يقودها عصام السرطاوي عن فتح. (هامش: تعرف هذه الجماعة أيضاً باسم الهيئة العاملة لتحرير فلسطين). وجاء هذا الانشقاق، حسبما راجت الأقاويل، ردة فعل غاضبة تجاه ممارسات عزيت إلى عرفات. (هامش: في صيف عام 1969 أدلت فتح بالعديد من التصريحات التي هاجمت فيها إنشاء منظمات جديدة، وشجبت منظمة العمل لتحرير فلسطين هذه التهجمات، قائلة إن فتح كانت تحاول تصفية جماعتها). وبين السرطاوي أن سبب غضبه هو ما اعتبره رفض عرفات تعيين كل من لم يكن عضواً في جماعة الاخوان المسلمين في منصب قيادي في فتح. وربما انطوى هذا الاتهام على قدر لا بأس به من الحقيقة، فنشأة عرفات ومشاربه ومذاهبه الأولى اخوانية، وفتح ترجع في أصولها إلى جماعة الاخوان المسلمين، وحافظ الكثير من قادة فتح على صلاتهم بالاخوان. وأشار مصدر آخر إلى أن السرطاوي كان عروبي النظرة، وكان يعتقد أنه ينبغي تجنيد العرب الثوريين من كافة البلدان وعدم الاقتصار على الفلسطينيين، إذ أن قضية فلسطين تهم العرب جميعاً.

ومن بين الأسباب الأخرى لإنشقاق السرطاوي رغبته في توحيد أولئك الفلسطينيين الذين يناصرون إما البعث السوري أو العراقي ويؤيدونه. وأورد أحد المصادر في تقرير له أن “منظمة العمل لتحرير فلسطين” أقامت علاقات حميمة إلى حد ما مع العراق، وأنها أصبحت تابعة للقوات العراقية في الأردن، في حين ذهب مصدر آخر إلى أنه منذ ديسمبر/ كانون الأول 1969 ظلت “منظمة العمل لتحرير فلسطين” مستقلة عن سوريا والعراق كليهما وربما كانت هذه التقارير جميعها، على تناقضها الظاهري، صحيحة. ففي منتصف مايو/ أيار من عام 1970 قال السرطاوي إنه قد حصل سوء تفاهم مع العراق الذي كان وعد بتقديم دعم مالي لمنظمة العمل لتحرير فلسطين، ونظراً إلى أن هذه المنظمة رفضت الرضوخ للهيمنة العراقية، وأنه يخشى أن يرجع العراق في كلامه ويحنث بالوعد الذي قطعه على نفسه. وعلاوة على ذلك كان العراقيون قد أنشأوا في تلك الفترة فصيلهم الفدائي المسمى “جبهة التحرير العربية” الذي أصبح تابعاً لهم ويشكل قوة تنتهج أسلوب حرب العصابات، فلم يعودوا بحاجة إلى منظمة العمل لتحرير فلسطين، وفي صيف عام 1970 بدت منظمة العمل لتحرير فلسطين وكأنها أخذت تتخذ مواقف موالية إلى حد ما للجمهورية العربية المتحدة، إذ راحت تدافع عن القبول المصري بمبادرة روجرز لوقف اطلاق النار.

ودعت منظمة العمل لتحرير فلسطين في كتيب نشرته في ربيع عام 1969، إلى شن حرب تحرير شعبية يشارك فيها العرب قاطبة شريطة أن تلعب القضية الفلسطينية الدور المحوري الرائد في هذا المعترك. كما دعت إلى توحيد العمل الفدائي والتصدي لكل محاولات تصفية الفدائيين ومقاومتها.

وفي أواسط مايو/ أيار من عام 1969 زعم السرطاوي أن عديد هذه الجماعة يصل إلى 400 رجل، إلا أن هذا يحتمل أن يكون مبالغة من قبله، ومن المشكوك فيه أن يكون عدد أفراد هذا الفصيل يزيد على مائة عنصر. وصرح السرطاوي أن “منظمة العمل لتحرير فلسطين” قد قامت ب 13 عملية فدائية في الأراضي المحتلة. وأعلنت منظمة العمل لتحرير فلسطين أيضاً مسؤوليتها عن هجوم على شركة الطيران “الاسرائيلية” “إلعال” في ميونيخ في فبراير/ شباط من عام 1970، وفي مقابلة له مع مجلة “شتيرن” في مارس/ آذار صرح السرطاوي بأن منظمة العمل لتحرير فلسطين قد أخذت على نفسها عهداً بملاحقة العدو “الاسرائيلي” حيثما استطاعت مطاردته وحيثما وجدت إلى ضربه سبيلاً.

 

2.     جبهة النضال الشعبي

(يشار إليها في بعض الأحيان جبهة النضال الشعبي الفلسطيني)

تأسست جبهة النضال الشعبي الفلسطيني بعد حرب 1967، كمجموعة صغيرة مستقلة من القوميين العرب، وكانت تدار في المرحلة الأولى من الضفة الغربية المحتلة. وفي ظل الضغوط المتزايدة من قبل “الاسرائيليين”، أجبر معظم أعضائها على الهروب باتجاه الضفة الشرقية في منتصف عام 1968، حيث اندمجوا لفترة مؤقتة مع منظمة فتح. وبعد بعضة أشهر، انفصلت المجموعة عن فتح وبدأت في تنسيق نشاطاتها مع قوات التحرير الفلسطينية (جناح الفدائيين في منظمة التحرير الفلسطينية)، وباتت تعتمد على المنظمة في الحصول على السلاح والمؤن. (هامش: في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 1968 أصدرت المجموعة أول بيان لها أعلنت فيه مسؤوليتها عن الحريق في مطار اللد، وأصدرت بيانين مشتركين مع منظمة التحرير الفلسطينية حتى تاريخ 8 فبراير/ شباط).

يقع المكتب الرئيسي لجبهة النضال الشعبي في عمّان، وكان يرأسه خالد مرعي في أوائل 1969. ووفقا لأحد التقارير، بلغ إجمالي عدد رجال الجبهة في كافة قواعدها حوالي 200 في فبراير/ شباط 1970، فيما أفاد تقرير آخر بنفس العدد في أبريل/ نيسان 1970.

في فبراير/ شباط 1969، أصبح بهجت أبو غربية قائد جبهة النضال الشعبي. (هامش: قيل إن الدكتور سامي غوشه، وخليل سفيان وخليل مرعي كانوا من بين القادة السابقين للمجموعة). وأفاد تقرير بأن بهجت أبو غربية، العضو السابق في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قد استقال في فبراير احتجاجا على تولي فتح زمام قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وقال أحد المصادر، إن بهجت أبو غربية ماركسي ولا تتوفر معلومات كثيرة عنه.

في سبتمبر/ أيلول 1969، انضمت جبهة الكفاح الشعبي إلى قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، ولكنها في مارس/ آذار 1970 أصدرت مذكرة تدعو فيها إلى تعزيز القيادة الموحدة للفدائيين، وإلغاء قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني. وعلى غرار المجموعات الفدائية الصغيرة الأخرى، كانت جبهة النضال الشعبي تخشى من خطط منظمة فتح الرامية إلى تصفيتها، وعليه كانت ترغب في تقويض قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني الخاضعة لمنظمة فتح.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 1969، أعلنت جبهة النضال الشعبي مسؤوليتها عن تفجير مكتب شركة طيران العال في أثينا، وفي أبريل/ نيسان 1970، صرح أبو غربية بأن الجبهة مسؤولة عن تفجير مكتب العال في اسطنبول، ومكتب شركة بان أميريكان في إزمير. وفي تلك المرحلة لخص أبو غربية استراتيجية جبهة النضال الشعبي على الشكل التالي:

“في هذه المرحلة…. نحن مجبرون على توجيه عملياتنا إلى أقصى حد ممكن، وفقاً للخطة المدروسة، بشكل خاص ضد أمريكا، زعيمة الإمبريالية”. وقال “إن ضرب العدو في المناطق البعيدة سيساعد في تصعيد العمل العسكري داخل المناطق المحتلة”.

في يوليو/ تموز 1970، قام ستة أعضاء من جبهة النضال الشعبي بخطف إحدى طائرات شركة الخطوط الأولمبية المتجهة من بيروت إلى أثينا واحتجزوا أفراد الطاقم والركاب رهائن وطالبوا بالإفراج عن سبعة فدائيين مسجونين في اليونان. وتم التفاوض على عملية التبادل عبر وسطاء من الصليب الأحمر، وبذلك أصبحت جهة النضال الشعبي أول مجموعة مسلحة عربية تنجح في تحرير معتقلين مدانين ومحتجزين.

 

3.     منظمة فلسطين العربية

(تسمى أيضا منظمة تحرير فلسطين العربية)

في أغسطس/ آب 1969، أعلن ناطق رسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية أن قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني قد قبلت في صفوفها مجموعة تطلق على نفسها اسم “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة  جناح المستقلين”. ونشأت هذه المجموعة التي كان يقودها أحمد زعرور، كفصيل معارض في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، وموال لعبد الناصر. ولم تنجح محاولة زعرور في الاحتفاظ باسم القيادة العامة عندما هدد القائد العام أحمد جبريل بمحق مجموعة زعرور إن لم يتم تغيير الاسم، وعليه تم اعتماد اسم “منظمة فلسطين العربية”. وبعد ذلك بفترة قصيرة، أشار جبريل إلى أن زعرور وجماعته قد انسلخوا قبل بضعة أشهر، موضحا أن “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة” أصبحت أكثر تماسكا على الصعيد السياسي (بمعنى اقترابها أكثر من السعودية) بغياب فصيل زعرور اليساري. وفي صيف عام 1970، دعمت منظمة فلسطين العربية باقتضاب، قبول عبد الناصر للاقتراح الأمريكي بوقف إطلاق النار.

من الواضح أن منظمة فلسطين العربية صغيرة الحجم جدا (أقل من 50 عضوا)، ولم تقم بأعمال تذكر. وفي أغسطس/ آب 1969 تبنت المنظمة تفجير الجناح “الاسرائيلي” في المعرض الدولي بمدينة إزمير التركية.

 

4.     المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين

(تسمى أيضا منظمة الشعب العربي لتحرير فلسطين)

لا تتوفر معلومات كثيرة عن هذا المجموعة باستثناء أنها كما يقال، متعصبة للشيوعية وتدعم الخط الصيني. وأشار تقرير في عام 1970، إلى أنه قد تم تأسيس هذه المجموعة تحت رعاية سورية في عام 1967، وأنها انضمت إلى الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين في يونيو/ حزيران 1969. وفي فبراير/ شباط 1970، أكد تقرير خاص بدمشق ومنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا أن المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين كانت منضوية تحت لواء الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، ولكنه كشف أيضا أنها فسخت هذا التحالف. وقيل إن قائدي المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين (محمد فياض وابراهيم خريشه) هما شيوعيان سابقان، وفي ربيع عام 1970 أفيد بأنها تستقطب شيوعيين انفصاليين موالين للسوفييت، وغيرهم من، الفلسطينيين المصدومين إلى جانب شيوعيين موالين للصين.

وقيل إن المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين تتخذ من عمّان مقرا لها، وفي فبراير/ شباط 1970، انضمت المجموعة إلى قيادة الفدائيين الموحدة. ولم تقم المجموعة بأي نشاطات “إرهابية”.

 

5.     هكذا ولدت “الصاعقة” و”جبهة التحرير العربية” و”الأنصار”

طلائع حرب التحرير الشعبية “الصاعقة”

باعتباره أحد مساندي النشاطات ضد “اسرائيل” قدم نظام البعث السوري الدعم المتواصل للعمل الفدائي، وعلى أية حال حرص السوريون على وضع حد لانطلاق العمليات الفدائية من الأراضي السورية، وشجعوا على القيام بعمليات فدائية انطلاقاً من الأردن ولبنان.

وفي أعقاب حرب يونيو/حزيران عام 1967 بدأ السوريون يدربون مجموعة من جندهم على أساليب ومناهج حرب العصابات. وفي خريف عام 1967، ذكرت التقارير أنهم رتبوا لعدد من الضباط الصينيين كي يقدموا إلى سوريا للإشراف على مثل هذه الدورات التدريبية، وابتعث السوريون علاوة على ذلك مجموعة من السوريين توجهت إلى الصين للانخراط في دورة تدريبية تستغرق 30 يوماً. (هامش: في يوليو من عام 1970 زار وفد من الصاعقة بكين إضافة إلى فيتنام الشمالية ورأس الوفد محمود المعايطة قائد تنظيم الصاعقة والقيادة القومية لحزب البعث).

في هذه الفترة المبكرة اثر حرب يونيو 1967 كان السوريون لايزالون يقدمون كذلك دعماً ضخماً لفتح إلا أنه وابتداء من عام 1968 ثمة جفوة بدأت تتعمق بين فتح والنظام السوري، وفيما أخذت فتح تنأى بنفسها عن سوريا لنفورها من فكرة تسليم زمام أمورها، ومفاتيح قراراتها لهيمنة دمشق، وانتهج السوريون سبيلاً آخر في التعامل مع فتح بعد أن أدركوا ضرورة التفتيش عن بدائل فبدأوا يكثفون تركيزهم واهتمامهم فبسطوا رعايتهم وأغدقوا دعمهم على مجموعة جديدة من الفدائيين تكونت من فلسطينيين مقيمين في سوريا وتهيمن عليها سوريا هيمنة كاملة. وهكذا ولد تنظيم الصاعقة. وأجازت سوريا جمع التمويل والتبرعات للصاعقة (كانت الغالبية العظمى منها تأتي من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا). وفي أواسط عام 1968 ذكرت التقارير أنه كان للصاعقة ثلاثة معسكرات تدريب في دمشق ولم يلبث حضور الصاعقة ان امتد إلى الأردن، وبحلول ربيع عام 1968 سرت أقاويل بأن ثمة 150 عنصراً مسلحاً مقاتلاً من الصاعقة كانوا في وادي الأردن الشمالي ومنطقة اربد وفي حين أوعز السوريون لهؤلاء الرجال بأن يتعاونوا ابتداء من الحكومة الأردنية ومع الجماعات الفدائية الأخرى، لا سيما فتح، روت التقارير أيضاً أنهم كانوا على يقين من أن هدفهم النهائي إنما هو اختراق هذه الفصائل وأمثالها والهيمنة عليها.

وفي خريف عام 1968 حدث انشقاق في منظمة الصاعقة وشكل قائدها الأصلي طاهر دبلان، وهو بعثي متقد الحماس وعقيد سابق في الجيش السوري، جماعة جديدة اطلق عليها اسم “فرق النصر” وسبب هذا التصدع لم يتضح حتى الآن، إذ ذهب أحد التقارير إلى أن دبلان شعر بأن السوريين خذلوه لذا يمم وجهه شطر الجمهورية العربية المتحدة ملتمساً الدعم. وأنحى مصدر آخر باللائمة في هذا الانشقاق على صراع على السلطة نشب بين دبلان ونمير حافظ. فعندما شرعت جماعة دبلان بالقيام بعملياتها في منطقة محصورة محددة جنوبي البحر الميت سرعان ما هب الجيش الأردني لوقف عمليات دبلان، ثم وقع من بعدها صدام مفتوح ومواجهة بين دبلان والسلطات الأردنية في نوفمبر من عام 1968. واصطفت منظمة التحرير الفلسطينية وفتح مع الأردن فدمرت جماعة دبلان.

ولحق بمنظمة الصاعقة أذى بالغ جراء هذا الانشقاق، بيد أن النظام السوري سرعان ما بادر إلى تعزيز معسكرات “الصاعقة” التي كانت منتشرة إلى الشمال من اربد في الأردن وواصل دعمها بشكل مضطرد، وبحلول بداية عام 1969 تحدث المراقبون الذين يعدون التقارير عن أن “الصاعقة” دربت نحو ألف ضابط وجندي، غير أن هذه التقارير أكدت كذلك أنه على الرغم من العديد من البيانات التي صدرت عن دمشق فإن الصاعقة لم تنشط قط للقيام بعمليات ضد “اسرائيل” وأعرب العديد من ضباط قوات التحرير الفلسطينية عن خوفهم من أن الصاعقة لم تزرع في الأردن إلا لتدمير الملك حسين في المقام الأول، ودعم هذا الاستنتاج تقرير ل “ثمة حذف هنا” في أواخر عام 1969 يفيد بأن سوريا دأبت على تكديس الأسلحة (التي كان السوفييت مصدر معظمها) في قواعد “الصاعقة” وتوزيعها من ثم على عناصر حزب البعث في المدن الأردنية، وفوق ذلك قيل إن الصاعقة كانت تدرب أعضاء محليين في حزب البعث على استخدام هذه الأسلحة.

وأشار تقرير آخر أعده (ثمة حذف هنا) في أواخر عام 1969 إلى أن قائد قوات الصاعقة العسكري في الأردن كان دافع جمعاني (المشهور بكنية أبوموسى)، وأن التنظيم العسكري ينقسم إلى قطاع شمالي (تحت قيادة حاجم هنداوي، المكنى بأبي مروان) وقطاع أوسط (يرأسه محمود المعايطة، المكنى بأبي الوليد) وقطاع جنوبي (بقيادة علي الطراونة).

وكان لكل قطاع قاعدة (أو عدّة قواعد) جرى بعدها بزمن تجزئتها إلى زمر صغيرة وأرهاط يتكون الرهط منها من خمسة عناصر.

وقال الناطق باسم “الصاعقة” في خريف عام 1969 إن لمنظمته قيادة متحركة كانت ترابط أغلب الأحيان في الأردن وفي أوقات أخرى في سوريا، وإن لها أيضاً قيادات محلية وأجنحة سياسية في البلدان العربية. (هامش: كانت مجلة الصاعقة التي تحمل اسم “الطلائع” تنشر في دمشق) وأضاف ان غاية الصاعقة تحرير فلسطين، ومن ثم انتهاج السبيل الاشتراكي، واتباع تعاليم الاشتراكية”. وفي حين لم تشارك الصاعقة ذاتها في أي عملية فدائية ضد “اسرائيل” انبرى الناطق باسمها لامتداح بعض العمليات مثل اختطاف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طائرة تابعة لخطوط TWA قائلاً إن مثل هذا العمل كان جيداً لأنه يضرب المصالح الأمريكية، ويتيح للعرب فرصة تبادل الأسرى مع “اسرائيل”.

وفي حين تجمع التقارير على الجزم بالرأي الذي يذهب إلى أن تنظيم الصاعقة من إنتاج البعث السوري يقيناً، يثور سؤال بخصوص أي من أجنحة البعث المتناحرة في سوريا كان يهيمن على منظمة الصاعقة وكان اثنان من أكبر قادة “الصاعقة” في عام 1969، وهما رئيف علواني، وإبراهيم العلي، حسبما شاع القول، من أخلص الضباط الداعمين لصلاح جديد، رأس القيادة القومية لحزب البعث التي كانت تناوئ الجناح الذي يقوده وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد (هامش: ذكرت التقارير أن حافظ الأسد طرد كلاً من علواني والعلي من الجيش السوري).

والذي تسنى له ترجيح كفة هيمنته قليلاً في سوريا في أوائل عام 1969 إلى أن استطاع حسم الأمر واستتب له الوضع وسيطر على الحكم في أكتوبر من عام 1970. كما انغمس رئيس الوزراء السابق يوسف زعيّن وهو عضو في الجناح الذي كان يقوده صلاح جديد في شؤون الصاعقة بصورة متعمقة.

ويوحي تقرير أعد في ربيع عام 1969 بأنه كانت هناك خلافات حادة وخطيرة داخل سوريا بشأن النهج الذي ينبغي للصاعقة أن تسير عليه، وبين هذا المصدر (ثمة حذف هنا) أن الاضطرابات والقلاقل التي أقضت مضجع لبنان في ربيع عام 1969إنما رسم خططها وصممها جناح صلاح جديد لإثارة المتاعب وتعقيد المشاكل وتأزيم الأمور بين الحكومتين السورية واللبنانية، وحسب تقرير ل”ثمة حذف هنا” فقد تحدث رئيس الأركان العامة السوري، الظاظا، وهو أحد مؤيدي الأسد، إلى علواني، والذي كان وقتها مسؤولاً عن الصاعقة في لبنان وقال له: “لم نتفق على ما تقومون به في لبنان وينبغي أن تدركوا هذا”. وحظيت هذه التقارير والأنباء عن هذه الثنائية وهذا الانقسام بمزيد من التأكيد والتوثيق لاحقاً في مارس من عام 1970 على لسان ياسر عمرو، وهو أحد أعضاء اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، الذي قال إن الصاعقة لا يتم إمدادها ودعمها من قبل الجيش السوري بإمرة وزير الدفاع، الذي أجهض في كثير من الأحيان نشاطات الصاعقة لأن الوزير حافظ الأسد معادٍ للصاعقة، وبين عمرو أن الصاعقة تعتمد في دعمها وإمدادها على صلاح جديد ويوسف زعين.

وفي بداية يونيو من عام 1970 جرى تعيين الرائد عزيز خضورة نائباً لقائد قوات الصاعقة في لبنان، ربما عكست هذه الخطوة تحركاً لحافظ الأسد لبسط هيمنة كاملة على الصاعقة، إذ قيل إن خضورة كان من مؤيديه في حين كان النائب الآخر مصطفى دن حسبما ذكرت تقارير يدعم صلاح جديد. وكذلك اشتمل القرار الذي أعلن عن هذا التغيير على تنمية المسؤول علواني، الذي كان يناوئ الأسد على ما يظهر، عن قيادة قوات الصاعقة في لبنان، وتم في نهاية المطاف استبداله بزهير محسن الذي لم يعرف حتى الآن ولاؤه ولا مع من يتعاطف، وتؤكد تقارير أخرى في عام 1970 ان عملية الغربلة والتطهير كانت تجري على قدم وساق في صفوف كوادر الصاعقة القيادية في لبنان، وأوحت هذه التقارير بأن تلك الخضة التي نالت من قيادة الصاعقة إنما كانت تعكس الصراعات المحتدمة ضمن نظام البعث السوري.

وبغض حافظ الأسد المتأصل للصاعقة، الذي غالباً ما تحدثت عنه التقارير (والذي ربما كان ينبع جزئياً من التهديد المحتمل الذي يمكن أن تمثله هذه القوات سواء للجيش النظامي أو لشخص حافظ ووضعه ومنصبه) ظهر جلياً في أواخر أكتوبر من عام 1970 فأثناء انعقاد المؤتمر القومي لحزب البعث السوري الذي أوردت التقارير أنه تزامن مع قرار اتخذ حينها بطرد الأسد، وقال ان الأسد سارع يومها بالرد باستبدال حرس المؤتمر من عناصر الصاعقة برجاله المختارين من الجيش النظامي، ومن ثم استولى على السلطة وبسط هيمنته الكاملة. وذكرت التقارير أنه أبقى كلاً من رئيس الدولة آنذاك نور الدين الأتاسي ورئيس الوزراء السابق يوسف زعين تحت الإقامة الجبرية. وكان زعين ضليعاً في أمور الصاعقة متعمقاً في شؤونها ويحيط علماً بنشاطاتها وعملياتها وأما مستقبل هذه المنظمة فيكتنف آفاقه ضباب كثيف في الآونة الراهنة بعد تتابع هذه الأحداث.

 

6.     جبهة التحرير العربية

أسس حزب البعث العراقي منظمة “جبهة التحرير العربية” في منتصف عام 1969 لتنافس نظيرتها منظمة الصاعقة السورية، التي كان نظام البعث السوري هو الوصي عليها والحامي والداعم لها، وكانت المنظمتان على طرفي نقيض وتجمع بينهما عداوة رغم اعتناقهما الأهداف البعثية العامة ذاتها في الأساس والجوهر. وفي أواخر عام 1969 اتهمت جبهة التحرير العربية سوريا بالسعي لاختراقها وشق صفوفها، وسرعان ما أقامت جبهة التحرير العربية عدداً من مناطق التدريب خارج بغداد لفدائيي جبهة التحرير العربية، الذين تلقوا المزيد من التدريب في الأردن. وجرى حينها نشرهم، إما في الأردن أو في لبنان حيث رابطوا بشكل دائم، ووفقاً لأحد التقارير تم ابتعاث كثير من الناس إلى الصين أيضاً، أو إلى فيتنام الشمالية للتدريب.

وبحلول أواسط عام 1970 كانت جبهة التحرير العربية قد أصبحت نشطة تماماً في لبنان، وفي أواخر يونيو/حزيران من ذلك العام اعترضت السلطات اللبنانية شحنة أسلحة مكونة من 600 بندقية كلاشينكوف، وقنابل يدوية كانت مرسلة إلى جبهة التحرير العربية، (هامش: ربما كان يراد بجزء من هذه الشحنة أن يذهب إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين). في لبنان من قبل قوات القادسية (الفرقة من جيش التحرير الفلسطيني الملحقة بالقوات العراقية) في الأردن، إلا أنه سمح لها بنهاية المطاف بمتابعة سيرها إلى مقصدها (ثمة حذف هنا) كشف عن زيادة كبيرة في نشاطات جبهة التحرير العربية في تلك الآونة وأوردت تقارير عن افتتاح العديد من المكاتب وعن تزايد عدد المقاتلين وازدياد ما يردهم من كميات الأسلحة، وحتى ذلك الحين كانت “جبهة التحرير العربية” منظمة خاملة نسبياً وليس لها نشاطات تذكر سواء ضد “اسرائيل” أو في لبنان والأردن.

 

7.     قوات الأنصار

تغيّر موقف الأحزاب الشيوعية العربية من النشاط الفدائي في عام 1969، إذ تحول من المعارضة إلى الدعم أولاً، ومن ثم ارتدت الأحزاب الشيوعية العربية بزة العمل الفدائي وانتقلت إلى التأسيس الفعلي لمنظمة فدائية شيوعية وعكس هذا التحول صعود نجم الفدائيين وتعاظم شعبيتهم وتنامي مخاوف الحركات الشيوعية من العزل والتهميش من قبل القوى الراديكالية الأخرى في العالم العربي، وهذا إضافة إلى التطور الذي طرأ بشكل متزامن على السياسة السوفييتية. وكانت الأحزاب العربية وفيةً بدرجات متفاوتة للنهج السوفييتي والخط الذي سارت عليه السياسة السوفييتية في الشرق الأوسط، والتي لم تكن مقبولة بالنسبة للفلسطينيين، ألا وهي مساندة الحل السلمي الذي لم يكن يعني لهم سوى الاستسلام والقبول بحق “اسرائيل” في الوجود، أي مجرد دعم مطلب استرداد العرب للأراضي التي احتلتها “اسرائيل” في عام 1967 وليس تحرير العرب لفلسطين كاملة واستعادتها برمتها وفيما اقترب الشيوعيون العرب من تبني موقف مناصر للحركة الفدائية الفلسطينية مراعاة للمناخ المحلي وللمشاعر العربية، حاولوا جاهدين من دون أن يفلحوا، اقحام لون من التوفيق القسري وإيجاد قدر من الانسجام بين موقفين متناقضين في الصميم، موقفهم هم، وموقف الفدائيين. (هامش: سوف نناقش في هذا الجزء من الوثائق أحزاب الأردن ولبنان وسوريا والعراق إلى حد ما، فمع أنه لم يكن يشكل حزباً في حالة تصادمية، إلا أن الحزب العراقي شارك في إنشاء تنظيم الأنصار، وأما حزب الجمهورية العربية المتحدة فلم يكن له وجود فعلي).

وفي اجتماع عقد في منتصف عام 1968 مع الشيوعيين العرب في موسكو، وفي مؤتمر آخر عقدته لاحقاً الأحزاب العربية أفلح ضغط السوفييت في حمل هذه الأحزاب على النأي بنفسها والتبرؤ من سياسة الغارات الفدائية المعادية ل”اسرائيل” وعلى امتداد سنة 1968 عارضت معظم الكتابات الشيوعية التي تناولت هذا الموضوع مثل هذه النشاطات التي جرى تصويرها على أنها تلحق بالقضية العربية بأسرها ضرراً بالغاً وكان الحزب الشيوعي اللبناني أول من حاد عن هذا النهج، وتنصل من هذا الخط وأسس لعلاقات ذات مغزى مع الجماعات الفدائية. (سبق أن وردت تقارير شتى عن نوايا مزعومة تضمرها هذه الأحزاب لدعم الفدائيين، إلا أن هذه النوايا لم يتم الإفصاح عنها أبداً، ولم تتبلور قط وفي ابريل من عام 1968 ذكرت التقارير أن الحزب الشيوعي الأردني أصدر تعليمات لجماعته بأن تكثف الجهود جميعها وأن تذهب جميع التبرعات التي تجمع في السعودية لدعم القضية الفلسطينية الآن، وفي أوائل عام 1969). وبعد أن بدأت كفة هيمنة وزير الدفاع السوري حافظ الأسد على النظام السوري ترجح، وبدأ يستولي على مقاليد الحكم في سوريا أخذ ضرب من التوتر الشديد يستفحل بين الحزب الشيوعي السوري والنظام وظهر في هذه الآونة ذاتها تقرير يفيد بأن الحزب كان يحاول إنشاء جماعة فدائية لن تكون مرتبطة بالحزب بصورة مكشوفة، على أن تكون غاية هذه الجماعة الحقيقية دعم الحزب في سوريا إذا أصبح هذا ضرورياً ووفقاً لهذا التقرير، كانت السفارة السوفييتية في دمشق تدعم تشكيل الجماعة هذه، كما أن اتحاد الشيوعيين اللبنانيين المنشق كان قد قضى فترة من الزمن تعامل خلالها مع فتح والصاعقة والجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، وكان يفكر بإقامة منظمة فدائية خاصة به، وثمة كذلك حزب ثالث شيوعي لبناني، وهو حزب موال للحزب الماركسي اللينيني- الصيني وكان يفكر بالتعاون مع الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين في أوائل عام 1969 وصرح زعيمه كمال شاتيلا في فبراير/ شباط من عام 1969 بأن هذا التوجه سيعتمد على ما إذا كان الجناح الماركسي من حركة القوميين العرب (أي بمعنى آخر، الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين) قد رفض الخط السوفييتي الذي يحبذ حلاً سلمياً. وفي فبراير/ شباط من عام 1969 التقى ممثلون عن فتح بالحزب الشيوعي اللبناني ممثلاً أبرز قادته الذين التمسوا المشاركة في نشاطات فتح السياسية وفي جمع التمويل في لبنان. وقال رئيس وفد فتح صلاح خلف إن اللجنة اللبنانية لدعم النشاط الفلسطيني والفدائي كانت أداة فتح وسبيلها للظفر بالدعم السياسي في لبنان، وأنه ينبغي أن ينضم الحزب الشيوعي اللبناني إلى تلك الجماعة واشتكى، خلف من أن دعم الحزب الشيوعي اللبناني للفلسطينيين كان محدوداً جداً ومقصوراً على تبني سياسة “إزالة آثار عدوان حزيران 67″ (وهي العبارة التي طالما ظل السوفييت يستخدمونها لتعني استعادة الأراضي التي احتلت في عام 1967). وردّ الناطق باسم الحزب الشيوعي اللبناني كريم مروة (وهو الذي كان ينشر أيضاً جريدة النداء الشيوعية) قائلاً إن هذا لم يعد صحيحاً الآن، وأن النهج قد تغير، وأن الحزب الشيوعي اللبناني ينادي حالياً بتصفية دولة “اسرائيل” وإقامة دولة فلسطينية ثنائية القومية وأرادت فتح أن يبرز لها الحزب برهاناً على حدوث هذا التغيير، وقال مروّة إن الحزب الشيوعي اللبناني سوف يصدر بياناً عمّا قريب يوضح فيه أبعاد هذا التغيير. إلا أن هذا لم يحدث على أية حال.

وعوضاً عن ذلك اجتمع الحزب الشيوعي اللبناني في أوائل ابريل من عام 1969، وأكد بعبارات يكتنفها الغموض وتشوبها العموميات دعم الحزب للمقاومة الفلسطينية وللعمل الفدائي شريطة ألا يقود هذا إلى تفجير أزمات لبنانية داخلية، وفي مايو/أيار قال ناطق باسم الحزب الشيوعي اللبناني، ان الخط الذي كان ينتهجه حزبه يختلف عن خط الحزب الشيوعي الأردني. (هامش: فيما يتعلق بهذه القضية، في حين كان الحزب الشيوعي الأردني يؤيد قرار مجلس الأمن الدولي، فإنه كان يدعم في الوقت ذاته الكفاح المسلح الفلسطيني لاسترداد الحقوق المشروعة، غير أنه لم يشرح ولم يعرف هذه الحقوق، وأظهرت النتائج التي تمخض عنها العديد من الاجتماعات الأخرى بين الحزب الشيوعي اللبناني وممثلي فتح في النصف الأول من عام 1969 ان الحزب الشيوعي اللبناني لم يجلّ موقفه بوضوح، لكن فتح ظلت حريصة على محاولة حملة على الإقدام على هذه الخطوة. ولطالما ظل هناك تقارب على وجه العموم بين الحزبين الشيوعيين اللبناني والأردني في المواقف، إذا كان كلاهما يلتزم بخط الاتحاد السوفييتي المؤيد لناصر.

وذكرت التقارير أن فتح التمست خلال اجتماع عقد في مارس/آذار المساعدة في جمع الأموال، وتأمين المأوى لمقاتلي فتح ولدعم المجهود الإعلامي والدعائي كما التمست أن يمارس الحزب الشيوعي اللبناني ضغطاً على الحزب الشيوعي الأردن لتغيير بعض مواقفه المتشددة في ولائه للخط السوفييتي، وعرضت فتح مقابل هذا قبول متدربين من الحزب الشيوعي اللبناني في صفوفها، ولم يتضح مدى ما بلغه الاتفاق الفعلي وما هي آفاقه، إلا أن العديد من أعضاء الحزب الشيوعي اللبناني بينوا أنه بحلول الأيام الأولى من شهر ابريل/نيسان كان الحزب يجمع بعض التمويل لفتح. وفي اجتماع عقد في يوليو/تموز أوردت التقارير أن الحزب الشيوعي عرض تعاوناً أكبر مع فتح شريطة أن تقطع علاقاتها مع اتحاد الشيوعيين اللبنانيين المنشق غير أن فتح رفضت هذه الرشوة.

ويوحي أحدث هذه التقارير أن العلاقات بين الجماعتين كانت لاتزال سلسلة وتدعم تقارير أخرى هذا الاستنتاج.

ووفقاً لإحدى الروايات فإن مروّة التقى أيضاً بزعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش في ربيع عام 1969 ووافق على البدء بالتعاون مع جماعته طامعاً من خلال هذا بتحييد مكائد عرفات وإجهاض ما يتفتق عنه دهاؤه في يوليو أوردت التقارير أن قراراً للحزب الشيوعي اللبناني دعا للتعاون مع الصاعقة وجبهة التحرير العربية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية الديمقراطية غير أنه ناشد الجميع توخي أقصى درجات الحذر في التعامل مع فتح.

 

8.     الاتحاد السوفييتي يغير موقفه تجاه الفدائيين ويقرر دعمهم

في خريف عام 1969 طرأ تحول على الموقف السوفييتي من الفدائيين، فلم يلبث ان انعكس هذا التغيير في الحال على النهج الذي كانت الأحزاب الشيوعية العربية قد اتخذته سبيلاً وارتضته سياسة. ويبدو أن السوفييت قد تبنوا أخيراً الخط السياسي الذي كان ينتهجه الحزب الشيوعي اللبناني على مدى أشهر عدة، ألا وهو التأييد الصريح لحق الفلسطينيين في المقاومة وممارسة الكفاح المسلح. (هامش: قال مسؤولو الحزب الشيوعي اللبناني إنهم في الحقيقة أقنعوا السوفييت بأن الحزب أخذ يتحول إلى جماعة منعزلة وأنه ينبغي ان يدعم الفدائيين، وأنهم هم الذين طرحوا مبادرة الحوار بين السوفييت والفدائيين التي أسفرت عن زيارة وفد منظمة التحرير الفلسطينية إلى موسكو في عام 1970. وفي أوائل سبتمبر/أيلول ذكرت التقارير أن المسؤولين في السفارة السوفييتية في بيروت ابلغوا المسؤولين في الحزب الشيوعي اللبناني ان السوفييت قرروا دعم الفدائيين الذين يقاتلون من أجل التحرير الوطني، وأن الدعم السوفييتي لقرار الأمم المتحدة لن يعيق تأمين الدعم لمثل هذه القضايا.

وفيما تحول السوفييت واقتربوا كثيراً من موقف الحزب الشيوعي اللبناني، قرر هذا الحزب تطوير خطه وتعديل مساره وعدم الاقتصار على دعم الكفاح المسلح بالكلمة والتحرك باتجاه المشاركة الفعلية في ذلك الكفاح. وفي سبتمبر/أيلول أرسل الحزب الشيوعي اللبناني بوفود إلى كل من الاردن وسوريا يقترح على الحزبين الشيوعيين الاردني والسوري تأسيس لجنة تنسيق لدراسة وتدبّر أمر المشاركة الشيوعية في حركة المقاومة. وتظاهر السكرتير الأول في الحزب الشيوعي الأردني فؤاد نصار بالترحيب بهذا الاقتراح وصرّح بذلك علناً، إلا أنه استدرك فقال: إن حزبه ينبغي ان يدرس هذه القضية. وساند السوريون اللبنانيين ووافقوهم على كل النقاط محل النقاش، وقال مسؤولو الحزب الشيوعي اللبناني لاحقاً إنهم شعروا بأن الحزب الشيوعي السوري، الذي عهد عنه واشتهر بالتزامه المتزمت بالخط السوفييتي بحذافيره دون ان يبدي أي مرونة، قد تلقى للتو موافقة السوفييت على الاقتراح، وأثناء زيارة وفد الحزب الشيوعي اللبناني لسوريا استقبل السفير السوفييتي في دمشق موخيتدنوف مسؤولي الوفد وأكد حصول هذا التغير في اتجاه السياسة السوفييتية.

وبحلول خريف عام 1969 شرع أعضاء الحزب الشيوعي اللبناني بتلقي تدريب على العمل الفدائي في سوريا. وأتم العديد من الجماعات التي تتكون الواحدة منها من رجال يتراوح عددهم بين 80 إلى 100 شخص دورات تدريبية في سوريا تستغرق الواحدة منها ثلاثة أسابيع في فترة نهاية العام، وأوردت التقارير ان أعضاء من الحزب الشيوعي اللبناني جرى إرسالهم في جماعات صغيرة الى الاردن للتدرب على أيدي “مجموعة فدائية من الجناح اليساري”. وكانت هذه المجموعة المشار إليها (حذف هنا) هي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقيل أيضاً إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت تتعاون كذلك مع الحزب الشيوعي اللبناني اعتباراً من ديسمبر/كانون الأول 1969 لتأسيس قواعد في جنوب لبنان.

وثمة تقارير أيضاً تفيد بأن مسؤولي الحزب الشيوعي اللبناني قد التقوا حبش في مطلع الخريف ووافقوا على التعاون، حيث ارتضى الحزب الشيوعي اللبناني القيام بدور الوسيط لحساب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع السوفييت لتدبير زيارة لحبش إلى موسكو.

هامش: في خريف عام 1969 كان هناك تقرير واحد يفيد بأن السوفييت كانوا قد شرعوا بالفعل بإجراء محادثات مع حبش عبر وسيط في دمشق، وكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تأمل في ذلك الوقت بأن يتمكن حبش من زيارة موسكو، إلا أن هذا لم يتطور ولم يبلغ درجة النضج.

وفي خريف عام 1969، وردت تقارير عن أن الحزب الشيوعي كان يسعى أيضا للحصول على كمية من الأسلحة الخفيفة، بعضها من سوريا، وقيل، حسبما ذكرت التقارير، إن بعضها الآخر من فتح. (هامش: بحلول شهر سبتمبر تحسنت على ما يبدو العلاقات بين فتح والحزب الشيوعي اللبناني مرة أخرى، وكان الحزب الشيوعي اللبناني قد جمع في الحقيقة بعض الأموال ليقدمها لفتح مقايضة ليحظى بدورات تدريبية عسكرية لكوادره في معسكرات تدريب فتح في الأردن. وذكرت التقارير أيضاً ان فتح وافقت من جهتها على تقديم أسلحة لبعض شيوعيي لبنان، وجاءت هذه الموافقة ثمرة لإبداء الشيوعيين مقاومة عسكرية لهجوم “اسرائيلي” على قرية عيترون اللبنانية. إلا انه أواخر اكتوبر، ذكرت التقارير أن مسؤولي الحزب الشيوعي اللبناني لم يحرزوا سوى تقدم طفيف في مفاوضاتهم للحصول على الأسلحة سواء من سوريا أو من فتح، مع انهم حصلوا بالفعل على بعض الأسلحة من فتح لقاء تزويدها ببعض المؤن وبعض المرشدين اللبنانيين الخبراء بتضاريس جنوب لبنان ومداخله ومخارجه. ثم ظهرت تقارير أخرى تؤكد ان فتح عادت فقدمت المزيد من الأسلحة للحزب الشيوعي اللبناني.

في اواخر نوفمبر/تشرين الثاني قال مسؤول في الحزب الشيوعي اللبناني إن حزبه منهمك في تنظيم وإعداد وتدريب ميليشيا مسلحة مؤلفة من أناس سيتم إمدادهم بالأسلحة (وسيدفع كل عضو منهم ثمن ما يحصل عليه من سلاح) وتدريبهم على استخدامها.

وفي غضون ذلك، ذكرت التقارير أن الحزب الشيوعي السوري عقد سلسلة اجتماعات في اكتوبر/تشرين الأول لمناقشة الخط السوفييتي “الجديد” والموقف الذي اتخذه الاتحاد السوفييتي تجاه الفدائيين. (هامش: قال رشيدات في اكتوبر/تشرين الأول إن الاتحاد السوفييتي قد غيّر موقفه أخيراً تجاه الفدائيين وأنه أصبح على استعداد لدعمهم.

وفي جولة محادثات (حذف هنا) عقدت في منتصف اكتوبر/تشرين الأول قال الأمين العام للحزب الشيوعي السوري خالد بكداش إن حزبه شرع بتوفير دورات تدريبية عسكرية لبعض أعضائه ليتمرسوا في العمليات القتالية الفدائية، آخذاً بعين الاعتبار تأسيس وحداته الخاصة به، إلا أنه أحجم الإعلان عن ذلك لأنه لم يشأ استثارة شكوك النظام السوري الذي تربطه به علاقة ودية حميمة.

وفي بداية نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1969 ذكرت التقارير أن الحزب الشيوعي الأردني قرر هو الآخر أيضاً تأسيس المنظمة الفدائية الخاصة به، وأنه تلقى تطمينات بأن السوفييت سوف يمدونه بالسلاح والمال. وكان لهذه النقلة أهمية كبيرة لا سميا وأن الحزب الشيوعي الأردني ظل من الناحية التقليدية أشد معارضة للنشاطات الفدائية من أي حزب شيوعي عربي آخر، الأمر الذي كان يثير آنذاك الكثير من التساؤلات والشكوك حول حقيقة توجهاته ومنطلقاته، وبخاصة أن الساحة كانت تضج بقعقعة سلاح الفدائيين ودعواتهم للقتال من أجل التحرير. وكان الحزب الشيوعي الأردني قد عانى على ما يبدو من انقسام بل وانشقاق حول هذا الموضوع لأشهر عدة بسبب موقفه الأساسي المتصلب. (هامش: (ثمة حذف كبير هنا) وكان الحزب الشيوعي الأردني قد شهد انشقاقاً في أوائل عام 1969، حيث نادى جناح من الحزب يقوده كل من السلفيتي ونصار بحل سلمي للقضية الفلسطينية، في حين دعا فصيل آخر يقوده الزيادين والمدانات الى استخدام أساليب أقرب إلى انتهاج الكفاح المسلح والقتال. في أوائل يوليو/تموز شكّلت مجموعة من الحزب موالية للصين منظمة فدائية، وفي أول بيان لهم هاجموا نصار والسلفيتي لالتقائهما مع السوفييت في مسألة الاعتراف ب “اسرائيل” والموافقة على قرار الأمم المتحدة. ولم يكن لهذه المجموعة أي أثر على الإطلاق. وفي أواخر اكتوبر/تشرين الأول أصبحت مكانة زيادين وموقفه مهيمناً، حسبما ذكرت التقارير، فرضخ الحزب وأسس ذراعاً عسكرية له)، وفي نهاية المطاف استقر رأي الحزب على ان سياسته المعهودة بالنأي بنفسه عن الانخراط في العمل العسكري والاحجام عن قتال “اسرائيل” قد ألحقت به ضرراً بالغاً على صعيد انتشاره الشعبي وقبول الناس له وأنه يجب ان يشارك في الكفاح لينقذ وضعه المتردي وإلا اندثر.

غير أن هدفه سيكون من الآن فصاعداً “إزالة العدوان “الاسرائيلي” وليس تدمير دولة “اسرائيل”. وقالت تقارير وقتها إن تدريب عناصر الحزب الشيوعي الأردني على فنون القتال الفدائي وعملياته قد شرع بالتبلور وينحو نحو اتخاذ خطوات عملية في نوفمبر/تشرين الثاني.

 

9.     قرار تشكيل قوات الأنصار

ذكرت تقارير ان ممثلي الاحزاب الشيوعية في العراق وسوريا والاردن ولبنان اجتمعوا في نوفمبر/تشرين الثاني 1969 واتفقوا على تأسيس منظمة قوات انصار مشتركة، على ألا يتم هذا العمل رسمياً أو علنياً حتى ربيع 1970. واتفق الممثلون على انهم سيقومون في هذه الاثناء بتعزيز العلاقات مع المنظمات الفدائية القائمة، وتجنيد عناصر من المقاتلين الشيوعيين في تلك المجموعات، وعندما يتم الاعلان عن “منظمة الانصار” الشيوعية، سوف يتخذ قرار بسحب هؤلاء المقاتلين أو ابقائهم في المنظمات التي انضموا اليها.

وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول اجتمع ممثلو الاحزاب الاربعة في موسكو مع سوسلوف وبونوماريف، وقيل انهم تلقوا وعداً بالدعم. وفي منتصف فبراير/شباط 1970، قيل ان ترتيبات كانت جارية ليرسل كل حزب عناصر منه إلى موسكو ليتلقوا برنامج تدريب على حرب العصابات.

وفي حين بقي تشكيل القوة المشتركة معلقاً، واصلت الاحزاب المختلفة عملياتها الخاصة بها. وقيل ان الحزب الشيوعي اللبناني أخذ في بداية يناير/كانون الثاني يحرك مصادره في جنوب لبنان لتشكيل جماعة مسلحة. وفي منتصف يناير وزع الحزب منشوراً يدعو الشيوعيين في الجنوب اللبناني للمسارعة الى الدفاع عن القرى والى تنظيم لجان مقاومة شعبية. وفي ابريل/نيسان 1970 أصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني تحليلاً للاحداث الاخيرة قال فيه ان أحد أهم هذه الاحداث تمثل في تشكيل الحرس الشعبي. وذكر انه من اجل تمويل هذه القوات فإن ضريبة إلزامية سيتم فرضها بنسبة خمسة في المائة على دخل كل عضو في الحزب.

هامش: في بداية ابريل/نيسان طلب من اعضاء خلايا الحزب الشيوعي اللبناني التبرع لدعم عائلات الذين التحقوا بالفدائيين في جنوب لبنان، وقيل ان اعضاء خلايا الحزب الشيوعي اللبناني أخبروا في يوليو/تموز أنه يتوجب عليهم جميعاً الخضوع لتدريب كوماندوز في جنوب لبنان. وقيل ان برنامج التدريب هذا سيبدأ في الأول من يوليو/تموز ويتوقع ان يستمر ستة أشهر، حيث يتلقى كل واحد من الاعضاء تدريباً لمدة خمسة عشر يوما. وكان الحزب الشيوعي اللبناني يعاني، حسبما قيل، من مصاعب مالية في يوليو/تموز 1970 نتيجة لعبء دعم كل من الميليشيات الشعبية في جنوب لبنان، وقوات الانصار في الاردن.

في أواسط مارس/ آذار ميّز أحد المصادر من الناحية من النظرية بين قوات الأنصار، التي كان هدفها المعلن هجومي (أن تهاجم العدو وتقاتله) وبين وحدات الحرس الشعبي التابعة للحزب الشيوعي اللبناني، التي كانت مهامها ووظائفها دفاعية (لحماية لبنان من هجوم “اسرائيلي”).

وكان الحزب الشيوعي اللبناني يواصل في تلك الآونة الحفاظ على علاقات مع شتى جماعات الفدائيين. وفي تحليله الذي نشره في ابريل قال المكتب السياسي إن العلاقات تحسنت مع منظمة الصاعقة وفتح وجبهة التحرير العربية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويقال إن جبهة التحرير العربية وافقت على تدريب أعضاء الحزب الشيوعي اللبناني، ووافقت فتح على انضمام عناصر غير فلسطينية إلى صفوفها، بل وعلى قبول شخصيات غير فلسطينية في قيادتها العليا، وأن تقبل بشيوعيين باعتبارهم من أعضائها، وقال المكتب السياسي إن هؤلاء الشيوعيين وقد حصلوا على موافقة الحزب الشيوعي اللبناني على الانضمام إلى جماعة فدائية حزبية شيوعية منفصلة  لتلقي التدريب سوف تستمر طاعتهم لقيادة حزبهم “ولن يشكلوا تنظيمات فدائية حزبية شيوعية منفصلة عن الحزب”.

 

 

10.   الحزب الشيوعي الأردني يشكل “الأنصار”

في السابع من مارس/ آذار من عام 1970 باغت الحزب الشيوعي الأردني الجميع بإعلانه عن تشكيل قوات الأنصار، وبيّن الحزب أن هذه القوات ستنضم إلى الكفاح المسلح، وقال إنها تستجيب بذلك لطموحات ونداءات أتباعه الداعية للتعاون مع الفدائيين ودعم تنظيماتهم، كما بيّن الحزب الأردني أن قوات الأنصار سوف تدافع عن حق الشعب بتحقيق ما أطلق عليه الغاية الوطنية العظمى لحركة المقاومة، والمتمثلة بتحرير فلسطين، وكان هذا تصرفاً أحادياً أقدم عليه الحزب الشيوعي الأردني، وذكرت التقارير أن هذه الخطوة أذهلت حتى الحزب الشيوعي اللبناني، ويقال إن الحزب الشيوعي الأردني شعر بأنه وبنتيجة أزمة فبراير/ شباط في الأردن، ينبغي عليه إما أن يتخذ موقفاً قوياً، في دعم المقاومة، أو أن يخسر مكانته وينحسر، وهكذا بدا هذا التنظيم الوليد (قوات الأنصار) لبرهة من الزمن وكأنه نتاج استأثر الحزب الشيوعي الأردني بصناعته ولم يكن مشروعاً مشتركاً ساهمت الأحزاب الأربعة الأخرى بإنتاجه. (هامش: ظل الحزب الشيوعي الأردني يعاني من الانقسامات بشأن هذا التنظيم الذي أقامه وأعلن عن إنشائه، إذ  ذهبت مجموعة إلى القول إنه ينبغي أن يكون مفتوحاً ينضم إليه أي شخص يؤمن بالماركسية اللينينية، فيما ارتأت أخرى أنه ينبغي أن يقتصر على أعضاء الحزب الشيوعي الأردني وأن تنحصر مهامه في حماية الوضع الداخلي للحزب الشيوعي الأردني في الأردن.

 

11.   رفض طلب “الأنصار”

في نهاية مارس/ آذار 1970 تم رفض طلب قوات الأنصار للانضمام لعضوية القيادة الموحدة للفدائيين بسبب الفيتو الذي صدر عن فتح، وكان السبب الذي اعلنته فتح أن قوات الانصار غير مقبولة لأنها تحبذ الحل السلمي.

وفي بداية مايو/ أيار قال عرفات ان فتح لن تعترف بالانصار إلى أن تعلن الجماعة عن سياساتها، وأضاف أنه إذا كان هدف الجماعة الرئيسي هو فقط “ازالة آثار عدوان الخامس من يونيو/ حزيران 1967، فمن الافضل لها ان تبقى حيث هي، لأننا لسنا على استعداد لقبول حل غير متكامل”.

واكد اعضاء فتح في مجالسهم السرية أن “الانصار” ربما يحاولون استخدام الحركة لدعم سياسات السوفييت في الشرق الأوسط، وركزوا على حقيقة خضوع الانصار لموسكو. (هامش: شجع الصينيون على وجهة النظر هذه التي تعتبر الانصار دمى لموسكو أنشئت لدوافع خفية، وطبقاً لأحد التقارير فإن الصينين ارسلوا حمولة من الاسلحة لفتح في ربيع 1970 امتناناً للفيتو الذي اصدرته فتح لمنح عضوية الأنصار في القيادة الموحدة للفدائيين). وفي 17 مارس/ آذار قدمت وكالة الأنباء اليوغسلافية “تانيوغ” دعماً للانتقادات الصادرة عن فتح، بالاشارة إلى أن قوات الأنصار لا تدعم شعارات المنظمات الفدائية الاخرى الداعية لتدمير “دولة اسرائيل” واقامة الدولة الفلسطينية.. فالأحزاب الشيوعية العربية دائما لديها موقف متطابق مع السياسة السوفييتية في الشرق الأدنى، وهي تدعم خطة تقسيم فلسطين في عام 1948.

باستثناء فتح، فإن جبهة النضال الشعبي، والهيئة العاملة لتحرير فلسطين، وجميع الأعضاء الآخرين في القيادة الموحدة للفدائيين دعموا قبول الانصار في تلك القيادة، وذكر تقرير داخلي للانصار في بداية ابريل/ نيسان  إلى أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت الأكثر دعماً للجماعة، حيث قدمت المساعدات والتدريب، وان الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين قدمت أيضاً دعماً لا يستهان به. (هامش: يذكر ان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين دعمت الانصار لانها اعتقدت انهم لا يختلفون كثيراً عنها من الناحية الايديولوجية، والاهم تشكيل كتلة لمواجهة فتح. وفي نهاية مارس/ آذار قال بلال الحسن أحد زعماء الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ان الجبهة تريد تشكيل جبهة يسار فلسطينية مع الانصار، وستقدم هذا الاقتراح للحزب الشيوعي الاردني، واضاف ان الجبهة الديمقراطية قبلت مجموعة ثانية من الحزب الشيوعي السوري للتدريب في قواعدها). وتدل الوقائع على أن الجبهتين الشعبية والديمقراطية كان يحدوهما الأمل بتشكيل تحالف مع الانصار ضد فتح، وربما كان يراودهما أمل في ان ذلك سوف يكسبهما دعم السوفييت وقدمت الصاعقة الدعم أيضاً، وكذلك أبدت جبهة التحرير العربية استعداداً لفعل ذلك، وفي منتصف يونيو/ حزيران علق زعيم في الحزب الشيوعي اللبناني (نديم عبدالصمد) قائلا: طالما أن فتح ضد الشيوعية أساساً، فليس بالإمكان ان يعمل الحزب الكثير مع فتح على قاعدة ثابتة، واعرب عن أسفه لذلك معترفاً بأن فتح اهم المنظمات الفدائية، وقال عبدالصمد ان علاقة الحزب الشيوعي اللبناني مع الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أقوى من علاقته مع أي من المنظمات الفدائية الاخرى.

 

12.   الأحزاب الشيوعية تختار الأردن مركزاً سياسياً ولبنان قاعدة إعلامية 

في أوائل ابريل/نيسان من عام 1970 التقى ممثلو الأحزاب الشيوعية الأربعة المشاركة مرة أخرى في العراق لمناقشة الخطوات التي ينبغي اتخاذها لاحقاً في خضم عملية تشكيل قوات الأنصار  والتي تشمل تقوية القواعد والتخطيط للعمليات وجمع التمويل. (هامش: في ذلك الوقت لم يكن لقوات الأنصار سوى قاعدتين صغيرتين في الأردن. وفي اوائل ابريل/نيسان شوهدت مجموعة جديدة من الفدائيين تنتمي إلى قوات الأنصار في مخيمات اللاجئين في صيدا، وأشارت التقارير إلى أن بروزهم هذا وصمودهم ربما كانا بسبب أسلحتهم الحديثة وانضباطهم) وكان هناك جدل عريض ثار بشأن الخط السياسي الذي ينبغي انتهاجه، إلا أنه جرى الاتفاق على ان البيان الذي أصدره الحزب الشيوعي الاردني في مارس/آذار ينبغي ان يكون الأساس في تحديد معالم السياسة وتعريفها، وأنه يجب ان يلتقوا مرة أخرى في مايو/أيار للتحضير لبيان سياسي. واتفق على أن عمان ينبغي ان تكون مركزاً سياسياً لقوات الأنصار، في حين تخدم بيروت الأنصار بصفتها قاعدة إعلامية، كما اتفق على اقامة مكتب في كل واحدة من العواصم العربية الأربع. وقررت الجماعة ألّا ترفع طلبات قبولها في قيادة الفدائيين الموحدة في ذلك الوقت حتى لا تظهر بذلك بمظهر الطرف الضعيف.

واتخذت بعض الخطوات على ما يبدو في شهر ابريل/نيسان لتعزيز قوى الانصار. وطلب الى أعضاء الأحزاب الأربعة والمناصرين لهم والمتعاطفين معهم بأن يدخروا جزءاً من مرتباتهم الشهرية (5% وفقاً لأحد التقارير) وان يبعثوا بهذه الإسهامات الى لجنة الادارة في عمان. وقيل إن تنظيم الحزب الشيوعي الاردني برمته انهمك في التفتيش عن قواعد ومكاتب لقوات الأنصار وكانت أربعة مكاتب اقليمية قد افتتحت في الاردن (هامش: تمركزت المكاتب في مخيم الوحدات في عمان، ومأدبا ومخيم البقعة وفي إربد)، وانشئت القواعد لقوات الأنصار بالتدريج، حيث أقيمت على أساس انتاجي وعلى مبدأ ان تدعم نفسها بنفسها.

عندما اتجتمع ممثلو الاحزاب الشيوعية الأربعة مرة أخرى في عمان في أواخر مايو/أيار لوضع برنامج سياسي وصياغة خطاب عام يفصح عن ماهية هذا البرنامج ويحدد معالمه لم يكن أحد منهم قدأعد مسودة باستثناء الوفد السوري، الذي كان قد اعد بياناً يدعو الى “تحرير فلسطين”. فإما ان الممثلين لم تكن لديهم توجيهات واضحة صريحة من قياداتهم الحزبية. أو أنهم شطحوا فتجاوزوا تلك الإرشادات، وذلك لأن القرار الذي جرى تبنيه من قبلهم بأن يعبروا بصياغة ولغة لا لبس فيها عن موقف قوات الأنصار السياسي. ولم يكن أي من الأحزاب ذاتها قد ذهب إلى هذا المدى في خروجه عن الخط الشيوعي السوفييتي، ولم يكن اي منها مستعداً للقيام بهذه الخطوة في هذه الآونة.

ولا شك أن السوفييت كانوا منزعجين من هذا الحدث فعقب هذا الاجتماع بوقت قصير ذكرت التقارير ان السفارة السوفييتية أخّرت إرسال رسالة كان الحزب الشيوعي اللبناني قد أعدها بشأن الأنصار. وكان من المقرر توزيع هذا الخطاب على الأحزاب الشيوعية في جميع أنحاء العالم.

وتقول الرسالة إن الانصار يقاتلون مع المنظمات الفدائية الأخرى لتمكين الفلسطينيين من ممارسة حقهم المشروع في حكم أنفسهم بأنفسهم وتقرير مصيرهم”. وفي حين لم تناقض هذه الصياغة بحد ذاتها موقف الاتحاد السوفييتي من الحقوق الفلسطينية، فإن السوفييت قرروا على الأرجح أنه ينبغي عليهم إعادة النظر في ارتباطهم المباشر بجماعة شيوعية سجلت رقماً قياسياً في دعمها ل “تحرير فلسطين”.

وجاء المزيد من التأكيد على جنوح السوفييت إلى التهدئة فيما يتصل بقوات الأنصار من خلال ردة الفعل التي أبدوها تجاه الوفد الحزبي الرباعي الذي سافر إلى أوروبا الشرقية التماساً للعون في أواخر يوليو/تموز، وقبل ان تغادر هذه المجموعة، تلقى الحزب الشيوعي اللبناني رسالة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي تقول فيها إنها لا تستطيع استقبال وفد في عز الصيف، إذ ان سوسلوف وستة قادة آخرين كانوا غائبين، وانه ينبغي على الوفد أن يزور جميع البلدان الأوروبية الشرقية الأخرى قبل زيارة الاتحاد السوفييتي، وأنه لم يكن هناك دليل حتى الآن على ان الأنصار كانوا يقومون بنشاطات مهما كان نوعها. ويبدو من الواضح أن الأسباب المعطاة كانت خداعة ومقبولة ظاهراً وأن السوفييت كانوا وببساطة مترددين يجرجرون أقدامهم ويتحاملون على أنفسهم بخصوص مساعدة الأنصار. 

 

13.   التنظيم والعمليات 

قدرت الحكومة الأردنية أعضاء قوات الأنصار في الأردن بنحو 120 حتى أواخر مايو/أيار، في حين قدرتها “النيويورك تايمز” ب 300 مقاتل مسلح في سبتمبر/إيلول. (هامش: تبعا لما قاله ممثل العراق في مقر قوات الأنصار في عمان، خلال حديث له في أواخر يونيو، فإن قوات الأنصار في تلك المرحلة لم تزل غير فعالة لأن الحزب الشيوعي الأردني لم يكن مقتنعا تماما بجاهزية القوات كحركة جماهيرية، والسوريون لم يرسلوا حتى الآن أي مقاتلين، والحزب الشيوعي اللبناني كان يرسل أعضاء للتدريب فقط، ومن ثم يقوم بسحبهم إلى جنوب البنان مرة أخرى لتشكيل قاعدة للأنصار هناك). وكان لقوات الأنصار عدد من المكاتب في منطقة عمّان للتجنيد ونشر الدعاية وغير ذلك. وتبعا لصحيفة “التايمز”، فإن قائد قوات الأنصار هو أبو موسى، فلسطيني عاش في العراق لسنوات عديدة قبل أن يأتي إلى الأردن ليتولى مسؤولية المجموعة الجديدة. وفي غضون ذلك، كان جيش التحرير الفلسطيني يجري تدريبات وفقا للاتفاقية التي وقعت بين المنظمة وقادة جيش التحرير الفلسطيني الموالين للشيوعيين، بمن فيهم عبدالرزاق اليحيى ووديع حداد. (هامش: في منتصف يوليو (يوجد حذف) قال إن هناك قاعدة تدريب في وادي الأردن قامت بتخريج أول دفعة مكونة من 100 عنصر. وقال إن قوات الأنصار تعكف على تشكيل ميليشيا شعبية في بلدات أردنية ومخيمات اللاجئين لحماية الصفوف الخلفية للثورة الفلسطينية) وبالتنسيق مع جيش التحرير الفلسطيني، قيل إن قوات الأنصار كانت خلال الربيع تحاول الحصول على شحنة من الأسلحة الخفيفة من مصدر في أوروبا الشرقية، عبر سوريا، ولكن فتح سعت بوضوح إلى منع ومصادرة هذه الشحنة، ونجحت في ذلك بعض الشيء.(هامش: في أواخر أبريل/نيسان، قيل إن فتح علمت أن 43 طنا من الأسلحة الخفيفة قد وصلت إلى اللاذقية وكانت مخصصة لقوات الأنصار في عمان. وذكرت التقارير أن عرفات طلب من الحكومة السورية مصادرة الشحنة، وفي منتصف مايو/أيار علمت سلطات الأمن الأردنية أن السوريين قاموا بمصادرة شحنة كبيرة من الأسلحة كانت تنقل عبر سوريا وزعموا أنه كان سيتم تهريبها إلى الأردن.(يوجد حذف) سوريا بمساعدة جيش التحرير الفلسطيني اعترضت طريق تلك الأسلحة (حذف) اعتقادا بأن وديع حداد كان يحاول إخفاء حقيقة أنه كان متورطا في خطة تهريب تلك الأسلحة، وهي عملية كانوا يعرفون أن عرفات لن يوافق عليها. وسابقا، قامت فتح بعملية مداهمة لمنزل يحتوي على كمية من الأسلحة التابعة لقوات الأنصار وصادرتها بالكامل، وقد حدث ذلك خلال أزمة فبراير/شباط 1970 في الأردن، وظلت قوات الأنصار لأشهر تحاول معرفة المسؤول عن ذلك).

وعلى كل حال، في الصيف اتضحت الصورة حول مؤونة قوات الأنصار. في منتصف يونيو/حزيران 1970، قال عضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني لصديق إن بلغاريا كانت تزود قوات الأنصار بالسلاح والعربات وغيرها من المعدات، وإن الأسلحة وصلت من بلغاريا والاتحاد السوفييتي وتم توزيعها على قوات الأنصار بواسطة جيش التحرير الفلسطيني في الأردن ولبنان. وقال أيضا إن قوات الأنصار خضعت لدورات تدريب في بلغاريا لمدة تراوحت بين 3 و6 أشهر، وإن أول دفعة من المتدربين عادت سلفا إلى لبنان والتحقت بميليشيا الحزب الشيوعي اللبناني في جنوب لبنان. وذكرت التقارير أن وفد قوات الأنصار الذي قام بجولة في أوروبا الشرقية في أوائل أغسطس/آب، قد عاد بوعود غامضة بالمساعدة من قبل جميع البلدان التي زارها باستثناء ألمانيا الشرقية التي وعدت بألف بندقية كلاشينكوف (يتم إرسالها عبر سوريا)، ومواد طبية وخيام، وأغذية سيتم إرسالها عبر لبنان، وسوف تكون جاهزة للنقل بحلول الأول من سبتمبر/أيلول. وفي أوائل سبتمبر/أيلول قيل إن قوات الأنصار تلقت في بيروت شحنة من الأسلحة قادمة من بولندا.

وحتى يوليو/تموز 1970، لم تكن هناك أي معلومات عن انخراط قوات الأنصار في أي عمليات مضادة ل “اسرائيل”. (هامش: (حذف) أفاد أنه في يونيو شارك خمسة شيوعيين في هجوم في وسط الطريق بين “اسرائيل” وجنوب لبنان، في حين أفادت تقارير صحفية أن قوات الصاعقة والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين هما فقط اللتان شاركتا في الهجوم). (يوجد حذف) لم تكن سياسة قوات الأنصار تهدف إلى القيام بعمليات في المناطق المحتلة، وقال إن السفارة السوفييتية في عمّان كانت تعارض قيام قوات الأنصار بعمليات في الضفة الغربية، ربما لأن المجموعة لم تكن قوية كفاية. وقوات الأنصار حتى هذه المرحلة التزمت بمبدأ عدم المشاركة في نشاطات مسلحة. واشترطت اتفاقية وقعت في أواخر مايو/أيار، بين الحزب الشيوعي اللبناني وقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، أنهما لن يقوما بأعمال تخريبية ضد المصالح الأمريكية في لبنان، على اعتبار أن ذلك قد يتسبب في طلب المساعدة الأمريكية، ولن يلجأ الطرفان إلى العنف إلا في حال تعرض لبنان للاحتلال أو الغزو من قبل “اسرائيل”.

على كل حال، كان هذا المبدأ محل تساؤل بين صفوف جيش التحرير الفلسطيني في صيف عام 1970 وفي يونيو/حزيران قال أحد قادة الحزب الشيوعي اللبناني، وهو نديم عبدالصمد، إن النفط كان أحد الأسباب الرئيسية المحتملة للوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، وإن الحزب الشيوعي اللبناني يعتقد جدياً (في ضوء تحليل حبش) أنه إذا ما باعت الولايات المتحدة المزيد من طائرات الفانتوم ل “اسرائيل”، فيجب تجريد الولايات المتحدة من سيطرتها على النفط، مشيرا إلى تفكير في استهداف شحنات النفط. وعلق مسؤول آخر في الحزب الشيوعي اللبناني في أوائل يوليو/حزيران أنه في الوقت الذي لا يوافق فيه الحزب الشيوعي اللبناني على ضرب المصالح الأمريكية لأن ذلك سيؤدي إلى تدخل الولايات المتحدة، فقد يتعرض الحزب للعزل إن لم يوافق. وقال إن الحزب الشيوعي اللبناني قد يتعرض لتهم من قبل الفدائيين بأنه يتعاون مع الأمريكان على صعيد التوصل لحل سلمي، وعليه فإن التحليل الأخير الذي توصل إليه الحزب يقضي بضرورة الموافقة على فكرة استهداف المصالح الأمريكية من أجل ضمان استمرارية الحزب.

وكانت الأحزاب العربية تواجه معضلة أخرى في أغسطس/آب مع قبول الجمهورية العربية المتحدة والأردن (وأيضا لبنان) بالعرض الأمريكي لوقف إطلاق النار. وباتباع الخط السوفييتي في الموافقة على العرض، غامرت الأحزاب بعلاقاتها من الفدائيين وخصوصا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. (يوجد حذف) في هذه المرحلة شعر الحزب الشيوعي اللبناني أنه سيواصل محاولة التعاون مع الفدائيين، في الوقت الذي سيحاول فيه أن يشرح لهم عروض السلام. وقال إن الحزب الشيوعي اللبناني سيبذل جهدا أكبر لتطوير علاقات جيدة مع الفدائيين، ولكن إذا أمرت موسكو في قطع هذه العلاقات، فإنه سوف يستجيب. وفي سبتمبر/أيلول 1970، قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني عدم مواصلة التعاون مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لأن المنظمة تبنت موقفا عدائيا جديدا من الشيوعيين العرب الذين دعموا موسكو. وخلصت قيادة الحزب الشيوعي اللبناني إلى أنه لا بد من اتخاذ إجراءات ضد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بما في ذلك وقف المساعدات المادية، وإطلاق حملة إعلامية مناهضة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وتبعا ل (يوجد حذف)، خرجت قوات الأنصار من الحرب الأهلية الأردنية في سبتمبر/أيلول 1970، أشد قوة بعد أن أثبت أفرادها جدارتهم في قتال عمّان. وعلى كل حال، فقد أشار أحد التقارير إلى أن قوات الأنصار لم تشارك في القتال إلا بعد انطلاقه بثلاثة أيام لأنها لم تتلق التعليمات بالمشاركة من جميع القيادات الشيوعية، ولم يأت الأمر النهائي بالمشاركة من السوفييت إلا في وقت متأخر بعض الشيء. وحسب التقارير، خسرت قوات الأنصار في القتال نحو 28 مقاتلا، كما جرح نحو 100 آخرين من أفرادها. وعليه، فإنها أصبحت ضعيفة من حيث عدد القوات، برغم أن مكانتها قد ارتفعت بسبب هذه المشاركة.

 

14.   المجلس الوطني الفلسطيني.. خلافات ومساومات

قبل أن تسيطر فتح على منظمة التحرير الفلسطينية في فبراير/ شباط 1969، كانت هناك محاولات فاشلة من قبل منظمات مختلفة لتحقيق شيء من الوحدة داخل الحركة الفلسطينية. وكان البيان المشترك لمنظمة التحرير الفلسطينية وفتح من جهة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من جهة أخرى في 8 مارس/ آذار 1968، قد أظهر بعض التقدم من خلال التركيز على توحيد النضال، و الدعوة إلى اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني لمناقشة القضية. وفي مايو/ أيار 1968، اختارت المنظمات الثلاث ممثلين لحضور اجتماع المجلس الذي تقرر في يوليو/ تموز.

وعلى كل حال، سرعان ما عادت حالة العداء بين تلك المجموعات وخصوصا بين فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وأشارت السفارة العراقية إلى تأجيل الإعلان عن أسماء أعضاء المجلس إلى مطلع يوليو/ تموز، لأن فتح رفضت اختيار حبش ليكون ممثلا عن الجبهة، نظرا لصدور حكم بالسجن بحقه في ليبيا، وكونه كان مسجونا في سوريا. وفي المقابل، اتهمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فتح بفرض ممثلين محددين وأعلنت أنها لن تشارك في اجتماع المجلس. وعندما اجتمع المجلس فعليا في يوليو/ تموز فإنه لم يتمكن من الاتفاق سوى على طلب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يرأسها حمودة (رئيس سابق لمنظمة التحرير الفلسطينية) مواصلة مهامها لمدة 6 أشهر أخرى. وأوكلت للجبهة مهمة تشكيل مجلس جديد. وبين أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني ومطلع ديسمبر/ كانون الأول 1968، عقدت اللجنة اجتماعا في عمّان لهذا الغرض.

(هامش: بالتزامن مع المشاورات، كانت هناك محاولات للتنسيق. ففي اكتوبر/ تشرين الأول، اجتمع ممثلون من قوات التحرير الفلسطينية، وفتح، والصاعقة في عمّان لمناقشة تأسيس مجلس عسكري لتنسيق العمليات. وبينما شعرت منظمة التحرير الفلسطينية في البداية، بأن تلك الجهود لا تكفي، قامت كل من فتح وقوات التحرير الفلسطينية بإرسال ممثلين رفيعي المستوى. وتبعا لأحد المصادر، تم تأسيس مكتب تنسيق في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني في عمّان للعمل على جمع الأموال لمصلحة المنظمات الثلاث. وفي ديسمبر/ كانون الأول أسست هذه المجموعات مجلس الطوارئ للرد على أي تهديد محتمل من الأردن، وقيل إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سعت إلى الحصول على تمثيل فيه).

وخلال جلسة المساومات هذه، قيل إن ياسر عرفات طالب بأن تعطى فتح 50 مقعدا في المجلس الجديد الذي يبلغ إجمالي عدد مقاعده 105 وقد تم رفض هذا الطلب كما رفضت مطالبة عرفات لاحقا ب 40 مقعدا. وعلى كل حال، فإنه في ظل غياب ممثلين عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي قاطعت الاجتماع، استطاعت فتح أن تحصل على 33 مقعدا (حصل كل من الصاعقة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على 12 مقعدا، والموافقة على قائمة أخرى مستقلة تضم ممثلين عديدين من فتح وموالين لحزب البعث السوري). وكان ذلك بمثابة حجر الأساس في سيطرة فتح على المجلس. وأبدى بهجت أبو غربية، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، معارضته لهيمنة فتح ومن ثم استقال ليصبح قائد جبهة النضال الشعبي، وهي عبارة عن مجموعة صغيرة من الفدائيين.

وعندما انعقد المجلس الوطني الفلسطيني في فبراير/ شباط 1969، كانت فتح تهيمن عليه بنسبة تتجاوز حصتها المقترحة من المقاعد، نظرا لأن جيش التحرير الفلسطيني وجناح الفدائيين التابع له (قوات التحرير الفلسطينية) قاطعت الاجتماع. (هامش: أشار البديري، قائد جيش التحرير الفلسطيني، بعد الاجتماع بقليل إلى أن جيش التحرير الفلسطيني سوف يلتزم بتوجيهات اللجنة التنفيذية شرط أن تكون منسجمة مع قرارات المجلس). ونجحت فتح في الحصول على 4 أعضاء في اللجنة التنفيذية التي تتكون من 11 عضوا، فيما حصلت الصاعقة على عضوين، ومنظمة التحرير الفلسطينية على عضوين، في حين كان هناك ثلاثة أعضاء مستقلين.

 

15.   قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني

أنشأت اللجنة التنفيذية الجديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية هيئة للتنسيق العسكري أطلقت عليها اسم قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني وتضم فتح وقوات التحرير الفلسطينية والصاعقة. وفي سبتمبر/ ايلول 1969، قال رئيس قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، عبد الرزاق يحيى (أيضا قائد جيش التحرير الفلسطيني) إن قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني تتكون من هيئتين هما المجلس الأعلى برئاسة عرفات، واللجنة العسكرية برئاسة يحيى نفسه. ومن المفترض أن تتولى الهيئة الأولى القضايا ذات الطبيعة السياسية بشكل أساسي، ولكنها حتى سبتمبر/ ايلول لم تكن قد عقدت أي اجتماع. أما الهيئة الثانية فقد كانت تضم قادة من مختلف المنظمات الفدائية وحاولت تنسيق العمليات، وحل الخلافات وغير ذلك. وقال يحيى إن عرفات كان بالاسم القائد الأعلى لقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، وكان هو(يحيى) قائد الأركان الرسمي، ولكنه كان في الحقيقة يزعم أنه رئيس المنظمة. وكانت المهمة الأولى لقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني هي توحيد الدوريات الأمنية في شوارع عمّان. وكانت المجموعة مسؤولة أيضا عن إصدار البيانات. (هامش: في يونيو/ تموز 1969 وصف “يوجد حذف” آليات إصدار البيانات العسكرية لقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني. وقال إن كل عضو يقدم بيانا في مغلف مختوم حول العمليات المخططة، وعندما يتم تنفيذ العملية، يجري فتح المغلف، ويتم الإعلان بعد موافقة قيادة الكفاح الفلسطيني المسلح. وقد أصدرت قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني عدة بيانات تنفي تورط المنظمات الأعضاء في أعمال معينة).

وتمثلت إحدى المهام الرئيسية للقيادة في توسيع عضويتها، وقد حققت نجاحا معتبرا في إقناع عدد من المجموعات الصغيرة بالانضمام، والسبب في ذلك يعود بشكل رئيسي إلى خشية تلك المجموعات من أن تقضي عليها السلطات الأردنية إن لم تتوفر لها الحماية. وفي ربيع 1969، انضمت الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطيني إلى قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، ومن ثم انضمت جبهة التحرير العربية، وجبهة النضال الشعبي، والمنظمة العربية الفلسطينية، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة. (لم تنضم الهيئة العاملة لتحرير فلسطين لأن زعيمها، عصام سرطاوي كان يخشى من هيمنة فتح أكثر مما كان يخشى القمع الأردني. وقد تردد أحمد جبريل زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، في الانضمام لأنه كان يخشى من هيمنة عرفات، وطالب في البداية أن تتم إعادة تنظيم قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، بما يتيح التمثيل المناسب لكل منظمة، غير أن خشيته من أن تشن القوات الأردنية هجموما ضد مجموعته في حال لم يكن محميا من القيادة، قد تغلبت على عدم حماسته للانضمام إلى قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، فخضع للأمر الواقع في النهاية).

وبينما كانت هذه المنظمات الفدائية الصغيرة تنضم إلى قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، ظلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مترددة. ففي بيانها في عدد يوليو من مجلتها “الهدف”، طرحت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين شروطها للانضمام إلى القيادة، ومشاركتها في المجلس الوطني الفلسطيني. ودعت إلى تشكيل جبهة وطنية جديدة تضم المنظمات الفلسطينية من مختلف الأطياف، وطالبت بتعزيز الطبيعة الثورية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

 

16.   المجلس الوطني الفلسطيني  أيلول 1969

كان المجلس الذي اجتمع أعضاؤه مرة أخرى في سبتمبر/ أيلول عام 1969 مشابهاً من حيث تكوينه لذلك الذي اجتمع في فبراير/ شباط، ما عدا تخصيص 24 مقعداً جديداً تسعة منها للجبهة الشعبية الديمقراطية وثلاثة للجبهة لتحرير فلسطين القيادة العامة ومقعدين لمنظمة فلسطين العربية، والبقية لمجموعات فلسطينية غير فدائية شتى، وتميزت الجلسات بالشقاق الحزبي والانقسامات في وجهات النظر والمزيد من الخلافات، وزعم قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة لاحقاً أنه كان أحرز نجاحاً باهراً في تقديمه للقضايا وطرحه للمسائل وعرضه للمطالب أمام اللجنة العسكرية للمجلس الوطني الفلسطيني، وطالب جبريل بتعاون ميداني كامل في ساحة المعارك بين شتى فصائل الفدائيين، كما طالب بأن تمد منظمة التحرير يد المساعدة المالية لجميع “المقاتلين”، وقال جبريل إن المطالب حظيت بقبول حسن، مع أنه كان شبه متأكد من أن عرفات سيرى في هذه المطالب تحدياً لسيطرته وسوف يحاول الحيلولة دون تبني المجلس لها.

وتفجر العديد من الخلافات الأخرى أثناء انعقاد جلسات المجلس الوطني، وانتهت إحدى هذه الخلافات باستقالة ابراهيم بكر بصفته نائباً لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وروت التقارير أن بكر ألقى خطبة حماسية رنانة هاجم فيها كل الدول العربية وأنظمتها، وحض فيها على الثورة التي رأى أنها يجب أن تمتد إلى جميع البلدان العربية كي تكتسب دعماً عاملاً لفلسطين، واستثار خطاب بكر جدلاً حمي وطيسه واحتدم، وتحداه في لجته رجال من فتح في حين دعمته وأيدت موقفه الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين. وخلال نقاش ساخن آخر اكثر أهمية أثار قائد جبهة الكفاح الشعبي أبوغربية تساؤلات متشككة بشأن حقيقة دعم فتح لقيام فلسطين علمانية تمنح العرب واليهود حقوقاً متساوية، على أساس أنه سيكون هناك عدد هائل من اليهود في فلسطين المستقبل، الأمر الذي يتعذر معه إنفاذ هذا بشكل علمي. وكان الاجماع الذي تم التوصل إليه في ختام المؤتمر أن العدد الاساسي لسكان فلسطين من اليهود يجب أن ينحصر إما بهؤلاء اليهود الذين كانوا في فلسطين اعتباراً من عام ،1948 أو اليهود الفلسطينيين الذين كانوا في “اسرائيل” حتى عام ،1948 وهذا الموقف الذي اتخذه المجلس والذي تم التوصل إليه في المجالس الخاصة لم يكن ليتماشى أو ينسجم مع موقف فتح العام المعلن من هذه القضية، والذي يؤيد حقوقاً متساوية لجميع اليهود في “اسرائيل” الآن، باستثناء أولئك “الصهاينة” الذين لا يرغبون في البقاء في فلسطين.

 

17.   قيادة الفدائيين الموحدة  فبراير 1970

في ديسمبر/ كانون الأول عام 1969 وجهت سهام الانتقاد إلى قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني وتهجمت عليها كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، وذكرت التقارير أن جورج حبش التقى ممثل فتح صلاح خلف تحت إصرار ليبي ووافق على الانضمام إلى القيادة، إلا أن الاتفاق مالبث أن انهار، وانتقدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني لأنها لم تكن موحدة حقيقية، ودعت مرة أخرى إلى إقامة جبهة وطنية واسعة. وكذلك أعلنت الجبهة الشعبية الديمقراطية في ديسمبر/ كانون الأول أنها شرعت “بتجميد” علاقاتها مع قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني إلى أن يتم تحديد التنظيمات الداخلية لتلك المنظمة، لكنها مازالت تعتبر نفسها عضواً في كافة هيئات العمل المشترك، بما فيها قيادة الكفاح المسلح، وحسبما ذكر زهير محسن (نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، وقائد تنظيم الصاعقة) فإن الجبهة الشعبية الديمقراطية لم تقرر تجميد علاقاتها وتجميد موقفها إلا أنها كانت آنذاك عاجزة عن لعب دور قيادي داخل تلك المنظمة، لكن الجبهة الشعبية الديمقراطية كانت ما تزال ترغب في الحفاظ على الحماية التي توفرها لها مظلة قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني من غوائل النظام الأردني.

في العاشر من فبراير/ شباط من عام 1970 أصدرت الحكومة الأردنية  تعليمات الالتزام بالقانون وحفظ النظام التي أريد منها حقيقة إحكام السيطرة على الفدائيين وتضييق الخناق عليهم، وأقلقت هذه الاشارة الاستفزازية، الفصائل الفدائية، فسارعت عشرة تنظيمات منها إلى مضافرة جهودها، وكثفت تعاونها، ولم تلبث، في ردها على هذه الخطوة ولربما في محاولة منها أيضاً لتشكيل جماعة “جبهة وطنية” التي كانت دعت لانشائها الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، أن أصدرت بيانا باسم هيئة جديدة مشتركة تدعى قيادة الفدائيين الموحدة. (هامش: في أواخر يناير/ كانون الأول من عام 1969 التقت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في جلسة استثنائية في عمّان ووافقت على اقامة قيادة موحدة في الأردن لتوجيه الكفاح المسلح في المناطق المحتلة ولحماية العمل الفدائي، ولم تكن هذه المجموعة بوجه خاص نشطه إلى أن جرى بعثها من رقادها وخمولها في فبراير/ شباط من عام 1970، في مواجهة تهديد أردني آخر ومن الملك حسين بالذات) وذلك للتأكيد على وحدة الصف في مواجهة السلطات الأردنية، وأنضمت لاحقاً في شهر فبراير/ شباط ذاته جماعة أخرى إلى العشرة (هامش: وقعت على البيان الصاعقة وفتح والجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقوات تحرير فلسطين، ومنظمة فلسطين العربية، وجبهة الكفاح الشعبي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، ومنظمة العمل لتحرير فلسطين، ثم ما انضمت إلى هذه المنظمات المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين بتاريخ 22 فبراير/ شباط.

وفي نشرة إذاعية بثها صوت فلسطين في 11 فبراير/ شباط قال المتحدث إن هذه “القيادة الموحدة” التي تتخذ من المقر الرئيسي لقيادة لكفاح المسلح الفلسطيني مركزاً ترابط فيه سوف تتولى الإشراف على، وإدارة العمليات إذا ما تحرّكت قوات عدوة ضد الفدائيين، وسوف تصدر أوامر لجميع وحدات الفدائيين العسكرية “ليضعوا أنفسهم تحت تصرف قيادة الفدائيين الموحدة لقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني” وبعدها بيومين أعلن صوت فتح أن للقيادة الموحدة الحق في إصدار تعليمات لجميع المنظمات الأعضاء، وأن تتخذ كافة الاجراءات الضرورية للحفاظ على الأمن وللحيلولة دون وقوع الاحتكاكات التي تفضي إلى النزاع. (هامش: في 17 فبراير/شباط أعلنت القيادة الموحدة أن جميع فصائل المقاومة ينبغي ان تراعي إلى الحد الأقصى التعليمات السياسية والعسكرية وقواعد الضبط والربط، وأنه ينبغي ان تحاط علماً بجميع الخروقات والانتهاكات بحيث تتمكن من فضّ النزاعات وإنهاء الخلافات. وفي 18 فبراير/ شباط أصدرت القيادة الموحدة المنظومة الخاصة بها من تعليمات “القانون والنظام”، التي كانت مشابهة لتلك التي كان الحسين قد أصدرها في 10 فبراير/ شباط، وكان الاختلاف الرئيسي ها هنا هو أن الفدائيين وليس الأردنيين هم من سيفرض القانون والنظام. وأوكلت القيادة الموحدة إلى قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني مهمة تنفيذ هذه التعليمات.

وبدأت على الفور الهرولة والمناورات والتحايل لاقتناص منصب ما ضمن هذه الجماعة الجديدة، وفي 18 فبراير/شباط أوردت وكالة رويترز تقريراً فحواه أن حبش قد جرى تعيينه رئيساً للجنة السياسية للقيادة الموحدة. إلا أنه صدر نفي لهذه المعلومة عن المتحدث باسم القيادة الموحدة، وفي 20 فبراير/شباط تم تعيين الناطق باسم منظمة التحرير الفلسطينية كمال ناصر متحدثاً باسم المنظمة الجديدة كذلك.

وشكّل تأسيس القيادة الموحدة تحدياً لقيادة فتح، لأن وضع فتح ومكانتها في هذه المنظمة كانت أقل هيمنة بكثير من سيطرتها وسطوتها على قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني. وكان إنشاء القيادة الموحدة أثناء زيارة عرفات لموسكو، ولم يعد وقتها إلى عمان حتى 21 فبراير/شباط، ويبدو من الواضح أن عرفات قد غلب على أمره في جولة المناورات هذه. (هامش: جرى حذف كل ما ورد في هذا الهامش من كلام (المترجم). لكن عرفات تقبل وجود هذه النظمة الجديدة، وصرح في 23 فبراير/شباط بأنها ينبغي ان تستمر بالقيام بمهامها وأداء دورها. وحين سئل عرفات في اليوم التالي عن العلاقة بين القيادة الموحدة وقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني قال: إنهما يكملان بعضهما بعضاً ولا تناقض بينهما. (هامش: كان من بين أولى الخطوات التي اتخذتها القيادة الموحدة إنكارها أن أياً من أعضائها قد شارك في تفجيرات 22 فبراير/شباط لمكاتب الخطوط الجوية السويسرية والنمساوية، مع ان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين  القيادة العامة كانت قد نسبت هذه العملية لنفسها. وبعدها بأيام عدة (ثمة حذف هنا) بينت ان عرفات كان يرغب في توحيد العمليات الفدائية وان تتم مراجعة ودرس كل العمليات التي خطط للقيام بها خارج فلسطين).

 

18.   اتفاق الوحدة الوطنية – مايو 1970

رغبة منها في استدامة وجودها وترسيخ أقدامها اتخذت القيادة الموحدة بعض الخطوات. ففي العاشر من مارس/ آذار أعلنت تشكيل لجنة وحدة وطنية وبدأت تدير نقاشات حول سبل تنظيم جماعة فدائية فلسطينية موحدة. وفي 15 مارس/ آذار أعلن صوت فتح ان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كانت تعقد اجتماعات في عمّان للإشراف على عمل هذه اللجنة. وعكس هذا التصريح ما كان يساور فتح من قلق حيال مسألة الحفاظ على القيادة الموحدة وأي منظمة فدائيين مشتركة أخرى تحت حماية وعباءة منظمة التحرير الفلسطينية بحيث تستطيع فتح الإبقاء على هيمنتها.

وتواصلت على ما يبدو المحادثات بين شتى الجماعات الفدائية على امتداد شهر ابريل/ نيسان. وقيل ان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت تحرض على تصفية منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها وتهيج الأجواء وتؤلب الفصائل، في حين أصرت فتح والصاعقة على الإبقاء على منظمة التحرير الفلسطينية. وإذ توقفت النقاشات، طلب الى عبدالرزاق اليحيى أن يوضح موقف جيش التحرير الفلسطيني. وفي 4 مايو/ أيار قدّم اليحيى مذكرة مطولة استفاض فيها وحدد الخطوط العريضة لهذا الموقف وهدد “بتصفية” المنظمات الفدائية الأصغر حجماً والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ما لم يتم التوصل الى اتفاق بالفعل، وتماشياً مع الخطوط العامة العريضة التي رسمها جيش التحرير الفلسطيني.

وبسط جيش التحرير الفلسطيني حججه معرباً عن وجهة نظره التي ترى في منظمة التحرير الفلسطينية السبب الجوهري والمبرر الأكبر الذي ولدت الثورة من رحمه، لذا كان من الواجب استبقاؤها. (هامش: بما أن وجود جيش التحرير الفلسطيني الرسمي مرتبط بوجود منظمة التحرير الفلسطينية كان رفض جيش التحرير الفلسطيني لأي خطة لإلغاء منظمة التحرير الفلسطينية حتمياً ولا جدال فيه). وكان من الحجج التي أوردها جيش التحرير الفلسطيني كذلك أن المجلس الوطني كان هو الهيئة التشريعية الرسمية للثورة، واللجنة التنفيذية هي لجنتها التنفيذية العليا. ولم يعترض جيش التحرير الفلسطيني، على أي حال، على تحويل قيادة الفدائيين الموحدة الى لجنة مركزية إذا استوفى شرط أن يتم إلغاء وجودها في غضون ستة أشهر لمصلحة قيام “مجلس وطني” يجسد “الوحدة الوطنية الحقيقية”. وستكون مهمة اللجنة التخطيط لتوحيد الصفوف، وصهر القوى في بوتقة واحدة وتوحيد الشؤون المالية والإعلامية والبرامج السياسية. وطالب جيش التحرير الفلسطيني بأنه في حال إنشاء اللجنة المركزية، فلا بد أن تتألف من أعضاء في اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، وممثل رفيع المستوى عن كل فصيل عضو في هذه المنظمة، ومن رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، ومن قائد جيش التحرير الفلسطيني، ومن مسؤولين آخرين من جهات عدة.

وفي مايو من عام 1970 أصدرت قيادة الفدائيين الموحدة “اتفاقية وحدة وطنية” تتضمن الخطوط العريضة التي ترشد الى تشكيل لجنة مركزية تحل محل القيادة الموحدة وتكون مسؤولة أمام المجلس الوطني الفلسطيني. وسوف تتألف اللجنة المقترحة بالشكل والطريقة التي طالب بها جيش التحرير الفلسطيني، وستضم 27 رجلاً، كا دعا البيان الى إقامة لجنة عسكرية موحدة. وأكد الاتفاق أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار العريض للوحدة الوطنية. واشترط كذلك أن تكون القضايا التي يتم الاتفاق بشأنها جماعية ملزمة، إلا أنه في حال تعذر الوصول الى اتفاق “تحتكم كل جماعة الى منطقها واجتهادها في تلك المسألة”. كي تكون هذه ضمانات لهذه المنظمات (يفترض أن تكون هذه المشار اليها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) التي خشيت محاولة فتح فرض إرادتها.

وكانت هذه هي العناصر الوحيدة من الاتفاقية التي تم نشرها، إلا أنه كان هناك بعض المؤشرات إلى أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد وعدت بتعليق “عملياتها الإرهابية الدولية”. (هامش: اتهمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لاحقاً عندما علقت اللجنة المركزية عضوية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يوم 12 سبتمبر، بأنها اتخذت خطوة بصورة أحادية (عمليات الاختطاف في سبتمبر) رغم حقيقة أنه في 6 مايو من عام 1970 تبنت اللجنة المركزية قراراً يمنع مثل هذه الأعمال. وفي 15 سبتمبر أعيد قبول الجبهة الشعبية). وعلى الرغم من حقيقة أن قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واصلوا في بياناتهم التأكيد على حقهم بالعمل بصورة مستقلة في ما يتعلق بالقضايا التي لم يتم التوصل الى اتفاق بشأنها. ومن المحتمل أن تكون كل جماعة قد اختارت أن تفسر الاتفاقية حسبما يوائمها ويصب في مصلحتها.

 

19.   المجلس الوطني الفلسطيني – يونيو 1970

عقد المجلس الوطني الفلسطيني اجتماعاته مرة أخرى من 30 مايو/ أيار ولغاية 4 يونيو/ حزيران. (هامش: قالت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في هذا الاجتماع ان اجمالي ما التزمت به الدول العربية تجاه منظمة التحرير الفلسطينية بلغ نحو 13 مليون جنيه استرلينيني، حيث خصص حوالي أربعة ملايين منها لميزانية منظمة التحرير، وأما الملايين التسعة الباقية فقد رصدت للحفاظ على جيش التحرير الفلسطيني). وأرسلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هذه المرة “ممثلاً رمزياً” (أحمد يماني، المشهور بأبي ماهر) رافضة المقاعد الثمانية المخصصة لها باعتبارها، من وجهة نظرها، غير كافية. ومنح جيش التحرير الفلسطيني ستة مقاعد، لكن عبدالرزاق اليحيى برز بصفته الممثل الوحيد للجماعة. وحضرت المؤتمر لأول مرة كل من جبهة التحرير العربية ومنظمة العمل لتحرير فلسطين، والمنظمة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث أرسلت كل منها مندوباً واحداً. وشكل المجلس لجنتين، تشتغل الأولى منهما على مسألة اللجنة المركزية المقترحة، في حين تناقش الأخرى، وهي لجنة عسكرية، قضية توحيد القوى العسكرية.

وقبل المجلس الوطني الفلسطيني التوصية التي تحث على أن تعتبر اللجنة المركزية هي القيادة العليا للكفاح الفلسطيني، وأن تكون قراراتها ملزمة للمنظمات الفدائية، وستكون مهامها: متابعة قرارات المجلس، وتبني إجراءات ترمي الى تعزيز العمل الفدائي، وتبت في كل القضايا التي يحيلها إليها المجلس الوطني الفلسطيني أو اللجنة التنفيذية. وهكذا، وكما جرى تعريفه وتبيانه هنا، فإن اللجنة المركزية كانت عليا، إلا أنها مع ذلك، والى حد ما تأخذ بتوجيهات المجلس واللجنة المركزية وتستجيب لنهجهما، وهو موقف ملتبس يكتنفه الغموض ترك مسألة التسلسل القيادي الحقيقي تتسربل بضبابية كثيفة لا تتيح على الإطلاق حسم الأمور.

وأوصت اللجنة العسكرية برئاسة عبدالرزاق اليحيى بتشكيل قيادة عسكرية عليا لتحل محل قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، وأن تخوّل صلاحية تدريب وتوجيه وإدارة وتحريك قوات الفدائيين والتنسيق مع نشاطاتهم، وقبل المجلس هذه التوصية. وسوف تتألف هذه القيادة من مجلس عسكري مكون من أكبر قادة الفدائيين، ورئاسة أركان عامة يعينها المجلس. والوحدات المشتركة ستكون رسمية في القطاعات الجغرافية، على أن تتولى الأركان العامة اختيار قادة القطاع. (هامش: ثمة تشابه كبير بين توصيات اللجنة والتوصيات التي كانت فتح قد اقترحتها، اللهم باستثناء تلك الرغبة التي أبدتها فتح بأن توكل قيادة القطاع الى المنظمة الفدائية التي تتمتع بأكبر قوة في القطاع. في الحقيقة، وحين تطبيق هذا المبدأ سوف يتمخض الأمر عن تولي فتح القيادة في القطاعات كافة، لأنها كانت هي الأكبر على الدوام). كما سوف تصدر الأركان العامة مذكرات. وأما توصية اللجنة بأن تأتمر القيادة بأوامر اللجنة التنفيذية، كما تصنع مع القيادة العليا فلم يتم تبنيها. (هامش: ذكرت التقارير أن المجلس أنشأ أيضاً لجنة فدائية أردنية لتتعامل بشكل أساسي مع تجمع سليمان النابلسي الوطني، ولجنة فدائية لبنانية، لتتعامل مع الأحزاب اللبنانية اليسارية). رغم أن عرفات جرت تسميته ليترأس كلاً من اللجنة المركزية والقيادة العسكرية العليا، فإن إقامة هذه التنظيمات الجديدة أضعفت هيمنة فتح على جهاز العمل الفدائي وسلبتها الكثير من عوامل القوة، ويكمن السبب وببساطة في أن العضوية في الهيئتين كانت أوسع بكثير من العضوية في اللجنة التنفيذية، لذا كان هذا الاتجاه لا ينسجم ورغبات فتح وتطلعاتها المباشرة، وأوردت التقاير أن فتح وافقت على هذه الخطوة على مضض تحت وطأة الضغوط الهائلة التي مارستها عليها الدول العربية. (هامش: ثمة حذف هنا) كانت كل من الجمهورية العربية المتحدة وليبيا والجزائر والعراق والسودان والأردن وسوريا، قد مارست ضغطاً على عرفات وفتح، وكانوا جميعاً يريدون أن تمنح منظمة التحرير الفلسطينية، بهيئاتها الرسمية الحرية في إدارة شؤون الفلسطينيين المدنية والعسكرية، كما كانوا يريدون الحفاظ على عرفات بصفته قائداً، ذكرت التقارير أن السوفييت أيضاً كانوا يدعمون هذه الأهداف. وكان هناك تقرير عن أن السعودية وليبيا قد هددتا أيضاً بقطع الدعم المالي لفتح إن لم يكن خطوة رسمية لتوحيد الحركة، وحتى بعد أن اتخذ هذا القرار، بين الليبيون بوضوح أنهم لن يستأنفوا مدّ يدّ العون للفدائيين، ما لم يتم اتخاذ المزيد من الخطوات باتجاه توحيد الحركة).

إلا أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لم تغتبط كثيراً بهذه التطورات، ولم تسر بهذا الوضع، وحاول الممثل “الرمزي” للجبهة الشعبية أحمد يماني، الذي انتدب لحضور جلسات المجلس الوطني الفلسطيني الاحتفاظ بحق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالقيام بعمليات مستقلة، إلا أن هذا جوبه بمعارضة من قبل الأغلبية وفي أعقاب الاجتماعات قال ناطق باسم اللجنة المركزية إن القيادة العسكرية الجديدة سوف تخول سلطة فرض انضباط الأعضاء الذين يقومون بأعمال غير مرخص بها، وتعتبر ضارة بالقضية، وعلى النقيض من ذلك، عرف أحمد اليماني، في مؤتمر صحافي، المهمة التي تضطلع بها القيادة العسكرية بأنها ذات طبيعة “تقنية” مقللاً بذلك من أهميتها إلى حد كبير، وهكذا تمخض الأمر عن أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت على حق، فالجبهة التي طردت من اللجنة المركزية في سبتمبر من عام 1970 لأنها تجاهلت أمراً أصدرته اللجنة المركزية بالامتناع عن تدمير الطائرات التي اختطفتها، أعيد النظر بشأنها وقبلت من جديد بعد عدة أيام، وإضافة إلى ذلك وصفت اللجنة المركزية عملية الاختطاف ذاتها بأنها “رائعة ومدهشة وناجحة” على الرغم من معارضة منظمة التحرير الفلسطينية التقليدية لمثل هذه العمليات.

 

20.   اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية

في أعقاب إنشاء المجلس الوطني الفلسطيني لها مباشرة أصبحت اللجنة المركزية ضالعة بشكل شبه كامل في المواجهة الفدائية مع النظام الأردني، فسرعان ما أشعل صدام وقع بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجيش الأردني يوم 6 يونيو التوتر حتى وصل ذروته وأدى إلى الانفجار والمواجهة الخطرة بين الطرفين، إذ ان كلاً من متطرفي الفدائيين (وهم في الأساس تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) والمتشددين في الجيش الأردني قاوموا المحاولات التي قامت بها الحكومة والمنظمات الفدائية المعتدلة لتهدئة الوضع وإخماد الفتنة. والتقى الملك حسين وعرفات في عدة مناسبات يومي 10 و11 واتفقا على سلسلة من عمليات وقف إطلاق النار، إلا أن اتفاقيات وقف إطلاق النار كانت سرعان ما تنهار حيث واصل الجيش الأردني قصفه العنيف لعمان بكل أنواع المدفعية، وأخذت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين 32 رهينة أجنبية، ورفعت سلسلة مطالب مقابل إطلاق سراحهم وعشية الحادي عشر من يونيو رضخ الملك حسين للعديد من المطالب الرئيسية وقامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في اليوم التالي بإطلاق سراح الرهائن (هامش: “ثمة حذف هنا” عدلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من مطالبها إلى حد ما بعد تهديد عرفات وقادة آخرين باستخدام القوة ضد عناصرها).

وأصبحت اللجنة المركزية الجهة التي لها الصوت النافذ المسموع الذي يتحدث باسم الفدائيين خلال هذه الأزمة. وفي 18 يونيو أعلنت أنها تضطلع بصلاحيات قيادات الفدائيين المشتركة كافة على اختلافها (أي القيادة الموحدة وقيادة القوات المسلحة الفلسطينية) وأنها تضع قوات هذه الجماعات تحت امرتها وإشرافها المباشر. (ثمة حذف هنا).

(حذف آخر هنا) إلا أنه في أوائل سبتمبر قال صلاح خلف إن “مكتباً تنفيذياً” مكوناً من سبعة أشخاص كان يدير دفة الثورة الفلسطينية الآن، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي. وفي يونيو أناطت اللجنة المركزية بنفسها عدداً من المهام، بما فيها الحفاظ على الأمن الداخلي للمنظمات الفدائية وتنظيم علاقاتها مع السلطات، ومحاربة التهريب والحفاظ على انضباط الفدائيين بشكل كامل. (هامش: تم الإعلان يوم 2 يوليو عن خطوة إضافية ترمي إلى توحيد عمليات الفدائيين، إذ ستوقف كافة الجماعات اعتباراً من أول يوليو جمع التمويل بشكل منفرد وتشكل لجاناً مالية مشتركة في الأردن لجمع التمويل).

وأدارت اللجنة المركزية عملية المفاوضات مع السلطات الأردنية ومع لجنة الوساطة الرباعية التي كلفها بهذه المهمة مؤتمر قمة الرؤساء العرب في أواخر يونيو والمكونة من مسؤولي أربع دول عربية ورشحت اللجنة المركزية فريقاً من ستة رجال ليمثلها، بمن فيهم عرفات وحبش وحواتمة والسرطاوي والجمعاني من الصاعقة وكمال ناصر وأخيراً تم التوصل إلى اتفاق وقع في 10 يوليو (هامش: اشترط الاتفاق عدم ظهور الفدائيين وهم مسلحون في الأماكن العامة، وألا يقوموا بمظاهرات في المدن، ولا يطلقوا النار في المناطق المأهولة بالسكان، وألا يستفزوا الجيش أو قوات الأمن، وألا يجروا مناورات بالذخيرة الحية في المناطق المأهولة بالسكان، وألا يحتفظوا بقواعد لهم في المدن والبلدات ولا يكدسوا الذخيرة والأسلحة الثقيلة في المدن والبلدات الكبرى).

واعترف باللجنة المركزية باعتبارها ممثلاً مسؤولاً عن الفدائيين لذا فسلامة الفدائيين كانت مضمونة. وكان على الحكومة أن تستأصل “المواقف السلبية” تجاه المقاومة الفلسطينية وأن تحل أي منظمة “تتناقض أساليبها” مع المقاومة (هامش: في تصريح له أدلى به يوم 13 يوليو، بيّن حبش أنه في حين أنه لم يكن يوافق موافقة تامة على ما توصلت إليه لجنة الدول الأربع من نتائج فإن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سوف تلتزم بمقررات اللجنة المركزية “بغض النظر عن وجهات نظرها الخاصة وتحفظاتها إزاء عدد من القضايا”. وأعرب حبش عن رغبته وعن تفاؤله بشأن توطيد العلاقات بين فصائل المقاومة وعن أمله ببناء علاقات حسنة سليمة بين فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) ولم تلبث الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفي غضون ساعات، حسبما أوردت التقارير أن استخفت بالحظر الذي فرض على مناورات الفدائيين داخل المدن وضربت به عرض الحائط. وفي اليوم التالي أصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بياناً طرحت فيه عدة تساؤلات بشأن شتى جوانب الاتفاق. وفي 15 يوليو اختارت اللجنة المركزية فريقاً ليشارك في تنفيذ بنود الاتفاقية وتكون هذا الفريق من الرجال الستة، ماعدا اليحيى الذي جرى استبداله بالسرطاوي.

والأزمة التالية التي واجهت اللجنة المركزية الجديدة جاءت مع أواخر يوليو عندما وافقت الجمهورية العربية المتحدة على مبادرة روجرز الأمريكية لوقف إطلاق النار مع “اسرائيل”. وشاعت أقوال بشأن الحيرة التي انتابت الفدائيين الذين باغتتهم موافقة عبد الناصر هذه فلم يعرفوا كيف يتصرفون حيالها وما السياسة التي ينبغي عليهم انتهاجها في هذا الوضع المربك لأن الانقسامات والانشقاقات في صفوف الحركة من جهة والخشية من المواجهة الضارية مع القوى الموالية لناصر من جهة أخرى جعلت الوضع ملتبساً بعد أن تلبدت آفاق المشهد بسحب كثيفة.

وفي 28 أغسطس أصدر المجلس الوطني الفلسطيني قراراً بشجب مبادرة روجرز ويبين أن حركة المقاومة الفلسطينية، الممثلة من قبل المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة المركزية هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وأن أي شخص أو طرف يحاول التحدث باسم الفلسطينيين خارج هذا الإطار سوف يعتبر خائناً. وشجب القرار الدعوات الزائفة التي انطلقت مؤخراً والمنادية للحكم الذاتي، ورفض الخطط الرامية إلى بث الفرقة وشق الصفوف وتقويض وحدة الشعب الفلسطيني وتجزئة البلاد إلى دويلات فلسطينية وأردنية ضئيلة مهينة. وقرر المجلس الوطني الفلسطيني كذلك أنه يجب تدعيم اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية وتقويتها، وأنه ينبغي أن تتخذ هذه اللجنة كل الإجراءات الضرورية للحيلولة دون استمرار المفاوضات الجارية حالياً. (هامش: وناشد القرار أيضاً اللجنة المركزية بأن تتبنى كل خطوة في الأردن تبتغي “ضمان حماية المقاومة ضد العدوان “الاسرائيلي” وضد الخطط التي تحاك حالياً، والتي ترمي إلى تصفية المقاومة”).
وطلب المجلس الوطني الفلسطيني إلى الدول العربية والتمس من حكوماتها أن تحرّر جيش التحرير الفلسطيني وأن تضعه تحت تصرف منظمة التحرير الفلسطينية.

 

21.   أزمة الأردن- سبتمبر 1970

تصاعد التوتر في الأردن بين فصائل المقاومة الفلسطينية والحكومة الأردنية حتى قبل بداية عام 1970 إلا أن الأحداث التي قادت في نهاية المطاف إلى تفجر الأزمة تسارعت بشكل مذهل، مما يوحي بأن ثمة خطة ما، وفي 31 أغسطس من ذلك العام، وفي مواجهة الصدامات المتجددة مع السلطات الأردنية منحت اللجنة المركزية عرفات صلاحية كاملة وسلطات واسعة النطاق للإشراف على جميع العناصر الفدائية وإدارة دفة المقاومة واتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لحماية الفدائيين. وخلال فترة القتال الذي اندلع في الأردن في سبتمبر من عام 1970 انتخبت اللجنة المركزية (لمنظمة التحرير الفلسطينية) عرفات ليكون القائد الأعلى لجميع القوات الفدائية.

وسيكون للجيشين الأشبه بالزلزال الذي أحدثته الحرب الأهلية في الأردن في سبتمبر من عام 1970 آثار بالغة الأهمية وانعكاسات خطيرة على بنية وهيكل الحركة الفدائية برمتها. ويبدو أن النتيجة المباشرة كانت تقوية موقف عرفات وفتح. وأما الجماعات الأشد تطرفاً (لا سيما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين) فقد تكبدت أفدح الخسائر سواء في الرجال أو العتاد، كما وصمت السلطات الأردنية زعماء هذه المنظمات بأنهم خارجون على القانون، بل زادت على ذلك بأن صرح الملك حسين بأنه لن يتعامل مع أحد منهم بل سيتعامل مع عرفات فحسب.

وحاولت فتح بعد أزمة سبتمبر الاستفادة من قوتها المتزايدة قياساً على قوى الجماعات الراديكالية وذلك بالدفع باتجاه تشكيل جبهة موحدة (وستحاول فتح بالطبع جهدها للهيمنة عليها) تمارس سيطرة أوسع وأعمق على كل منظمة منفردة على حدة. وتعرض نهج عرفات هذا الذي يسعى للتسلط والسيطرة لانتقاد شديد من قبل عصام السرطاوي قائد منظمة العمل لتحرير فلسطين في أواخر أكتوبر، وكان السرطاوي على خصام دائم مع فتح وهيمنتها على باقي التنظيمات. واشتكى السرطاوي من أن عرفات كان يستأثر باتخاذ كل القرارات باسم الحركة الفدائية الفلسطينية من دون استشارة أحد، ومن أن اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية لم تجتمع حتى ولو مرة واحدة على امتداد أسابيع. والنجاح الظاهر (رغم كونه مؤقتاً) لمساعي عرفات ومناوراته اتضح في منتصف نوفمبر من خلال إعلان اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية بأن الفدائيين خططوا لاندماج رسمي بين كافة تنظيماتهم العسكرية والسياسية في “جبهة تحرير فلسطينية” واحدة. ومما يوحي كذلك بتنامي قوة فتح ما ورد من تقارير حول أن جماعة السرطاوي (منظمة العمل لتحرير فلسطين) قد احتوتها فتح واستوعبتها في صفوفها، وربما كان هذا بالقوة أو بالتهديد باستخدام القوة، حسبما افترض المراقبون. ومثل هذه التصرفات، إضافة الى أي اتفاقية تبرمها الجماعات الأصغر حجماً من أجل اندماج رسمي لن تتصف بالديمومة والاستمرارية إلا لفترة وجيزة، وذلك بالنظر الى تقلب أهواء هذه الجماعات وتعرّض قادتها لشتى أنواع الضغوط من كافة الجهات ونزوعها الى اتخاذ نهج مستقل ينأى بها عن هيمنة فتح.

* * *

 

Share

مـعـرض الـوثـائـق

مـعـرض الـفـيـديـو

Youtube

Cannot Connect to Youtube Server


Cannot Connect to Youtube Server
Cannot Connect to Youtube Server
Cannot Connect to Youtube Server
Cannot Connect to Youtube Server
Cannot Connect to Youtube Server
Cannot Connect to Youtube Server

   

 

  

زوار اليوم
زوار امس
زوار الاسبوع
زوار الشهر
اجمالى الزوار
796
4884
17606
72954
34985442

معرض الصور

المتواجدون حاليا

19 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

اتصل بنا

الراسل 
الموضوع 
الرسالة 
    
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech