Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

اللواء طيار ممدوح حشمت بطل الاستطلاع

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الطيار : ممدوح حشمت

ذكريات النكسه -الاستنزاف -اكتوبر

نشأه الاستطلاع الجوي في مصر  

 

  • الضربة الجوية الاسرائيليه يوم 5 يونيو 1967

  • ماذا حدث خلالها في مطار فايد

  • التحرك إلي مطار المنصورة و منها إلي مطار انشاص

  • الجزائريون يقبضون علي الطيارين المصريين

  • أسوأ يوم في حياتي

  • درس ما بعد النكسة

  • تشكيل نواه لواء الاستطلاع

  • الأسلوب المصري في الاستطلاع

  • كاميرات الاستطلاع الجوي و التطوير المصري

  • حرب الاستنزاف

  • حرب أكتوبر

 

 

 

البدايه :

 

التحقت بالكلية الجوية في  18 أكتوبر 1960 وتخرجت 1/4/1965  كطيار مقاتلات ، وبعد تخرجي التحقت بوحدة تدريب المقاتلات والتي كانت تتمركز في مطار كبريت شرق البحيرات المرة ، و فور انتهاء فرقه التدريب القتالي  على الميج - 15 وتم توزيعي على مطار غرب القاهرة لكي التحق بفرقه تدريب علي الطائرة المقاتلة الأحدث و هي الميج-21 ، وهي تعتبر من احدث المقاتلات في مصر والشرق الأوسط بأكمله وقتها، وبعد انتهاء فرقه التدريب علي الميج -21 ،  تم توزعي علىسرب مقاتلات ميج-21 وخدمت فيها فترة سنتين حتى 15 مايو 1967 عند إعلان الطوارئوانتقلنا من مطار غرب القاهرة إلى مطار فايد ثم حدثت معارك 5 يونيه1967 وكنت موجود في مطار فايد.

 

 

طائرة ميج 21

 

النكسة :

 

5 يونيو كان بدايته يوم عادى، فقد كنا في حاله طوارئ مستمرة منذ 14 مايو ، و أواد أن أشير إلي انه في ذلك اليوم لم يكن هنالك حفله في المطار مثلما قيل في الصحف بعد ذلك ، نعم كانت هناك حفله في مطار أنشاص ، لكنها  كانت مقصورة على الرتب الكبيرة من الموجودين في المطارفقط.

لكني كنت واحد من الطيارين المتواجدين في مطار فايد و هذه الحفلة لم تمسني من قريبأو بعيد و لم تؤثر على أدائي بأي شيء وهذا تسجيل مني للتاريخ ولكي لا يتم تحميل تلك الحفلة مسئوليه أداء الطيارين في النكسة.

 

ولكي تكون الصورة واضحة ، فقد كنا ثمانية  طيارين في حاله الاستعداد الأولي في المطار ، أربعه من طائرات الميج-21 و أربعه من طائرات السوخوي7. كان معي كن دفعتي حسن عصمت , و أيضا  سمير عزيز لكن لا أتذكر قائد التشكيل أو كما نطلق عليه ((الليدر)).

و لأننا كنا من اصغر الطيارين ، فقد رفضنا النوم في الميس ( مكان نوم الطيارين ) ، فمن المفترض أن نغادر أماكن نومنا قبل أول ضوء لكي نستلم مهمة الطوارئ ، و لأننا كنا متحمسين جدا وروحنا المعنوية عاليه بشكل كبير ، فقد قررنا ألا ننام في الميس ، وان ننام في غرفه الطوارئ نفسها حتى نكون اقرب لطائرتنا ونستطيع أيضا أن نكسب 15 دقيقه.

 

وعلي ذلك فقد أمضينا ليلتنا في غرفه الطوارئ ، وفي الصباح كانت الميج -21 تقوم بعمليه تسخين للمحرك ، لان المحركات يجب أن تدور لكي تسخن كل صباح ، حيث كانت الميج-21 الموجودة في مصر من أول الطرازات من طراز (اف13) نهاري وكانت تحدث لها مشاكل في دوران المحرك ، فتم الاتفاق علي عمل إدارة لمحركات الطائرات كل أول ضوء.

 

وبالفعل ذهبنا وعملنا إدارة للمحركات وعدنا مرة أخري لغرفه الطوارئ ، ونظرا لان حاله الجو كانت ضبابيه بشكل كبير ، فقد انتظرنا حتى تتحسن الرؤية لكي نركب طائرتنا ونربط الاحزمه انتظارا لأي طوارئ. ومع ظهور الشمس ، وجدنا الشبورة (الضباب) مازالت كثيفة ، وابلغنا برج المراقبة بأن الرؤية لا تزيد عن 200 متر و أضاف الضابط لنا (( خليكو مستريحين لحد ما الرؤية تتحسن و هنبأه نبلغكم ))

فسالت ضابط برج المراقبه ((طب يا سيدي عندك يومية طيران إيه ؟؟))

فرد الضابط (( احنا عندنا الميج حجزين (كذا وكذا) وطائرات السوخوى حجزين (كذا وكذا) وفيه عندنا كمان 4 طائراتميج-19 تأتي من مطار المليز لان الورش بتاعتهم عندنا لعمل صيانة ))

 

وعندنا في حاله الطوارئ يكون الطيران شق تدريبي و شقعملياتي، التدريب يكون في يوميه الطائرات للتدريب أما العمليات تكون مخططه و محدده كجدول يومي مثل المظلات و الحالة الأولى الخ يكون لكل شيء جدول وليه اسم الطيار و وقت التنفيذ ، وكان هذا الحال من يوم 15 مايو حتى 5 يونيو.

 

وعاده عندما ينضم طيارون جدد إلي أي مطار ، فإننا نقوم بطلعات متعددة لاستطلاع المنطقة ، و يكون هنالك طلعات تدريب مكثفه لحفظ معالم المنطقة ، ويمكن دمج طلعات التدريب مع طلعات المظلات الجوية و التي يكون هدفها هو حماية المطار من أي هجوم معاد ، وكان لنا منطقه مظلات أمامية داخل سيناء وقرب القناة ، وكنا نطير فوق تلك المناطق ، ونظرا لعدم وجود أي شواهد علي حرب قريبه رغم الحشد العسكري و الإعلامي ، فأننا كنا نقوم بأعمال المظلات كنوع من أنواع التدريب ، فرغم أن الطائرات تكون مسلحه بالصواريخ إلا أن شعورنا كان أننا لن نحارب ، وان ما يحدث ليس أكثر من حملات إعلاميه وحرب نفسيه متبادلة.

 

وكانت تعليمات القتال تقضي بأن كل طائرة تقلع يجب أن تكون مسلحه بصاروخين جو جو من نوع ( K8) ومدفع 30 ملم وكان هذا الصاروخ هو النوع الوحيد المتاح لنا في ذلك الوقت عكس الحال الآن من تنوع أنواع الصواريخ ، وهو صاروخ روسي موجه حراري ذو مدي 8 كيلو متر واقل مدي للضرب 2 كيلو ، بمعني انك لو تطارد طائرة معاديه و المسافة بينكم اقل من 2 كيلو ، فلا يمكنك استخدام الصواريخ ، فقط يمكن أن تستخدم المدفع .

 

نعود الي أحداث 5 يونيو ، فبحلول الثامنة والربع جاء البلاغ بأن الرؤية أصبحت 2 كيلو متر ، مما يعني أمكانيه الطيران ، فدخلنا الغرفة و استكملنا ملابس الطيران وخرجنا للطائرات التي لا تبعد عنا أكثر من مائه متر ، كان معي الطيار سمير عزيز و الطيار فريد حرفوش ، وفوجئنا بطائرتين تطيران تجاهنا من اتجاه أول الممر ويقومون بالتسلق للارتفاع ، وكان أول انطباع أنهم طائرات الميج 19 المقرر حضورها لأعمال الصيانة ،وبعد أجزاء من الثانية شاهدنا الطائرتين تقتربان تجاهنا وسمعنا صوت (( طقطقه )) ناتجة عن اصطدام الطلقات ببدن الطائرات ،  و فجأة انفجرت طائرتي الحالة الأولي، وفي نفس الوقت ظهرت طائرات أخري، طائرتين تقصفان منتصف الممر، وطائرتين تهاجمان الحالة الأولي.

 

في تلك اللحظة و وسط ذهول تام قال ضابط برج المراقبة (( يا فندم السيد نائب رئيسالجمهورية بطائرة نقل اليوشن , عمل تاتش على أول الممر))  فمن حظه انه هبط علي  أول الممر فقد كانت القنابل ضربت باقي الممر, خرجنا بسرعة من حاله الذهول السريع إلي حاله الغضب و الحنق فبدأنا نصيح ونسب اليهود الذين هاجمونا ونحن علي الأرضو فى نهايةالهجمة  كانت 4 طائرات حاله أولى قد حرقت  و 4 طائرات حاله ثانيه دمرت تماما , و منتصف الممر أنضربو الطائرة اليوشن نزلت في 500 متر فقط وكانت أمامها فجوات قنابل و اخبرنا الطيار ألا يحرك طائرته ، و نزل الوفد الرسمي من الطائرةسريعا وسط أصوات الحرائق و الانفجارات حوله في أنحاء الممر و انطلقت مع الله يرحمه فاروق حماده بسيارةوأحضرنا الوفد الذي كان به حسين الشافعي نائب الرئيس و الطاهر يحيي نائب الرئيس العراقي و الحاشية الخاصة بهم ، و لاحقا اصطحبناهم إلي نادي الضباط في فايد وسط حاله من الذهول الكامل.

 

 

ثلاث طائرات ميج 21 محترقه علي ارض مطار فايد

 

و بعد الهجمة الأولي بـ  8 دقائق وجدنا الموجه الثانية فوق رأسنا ، وقامت بنفس عمل الموجه الأولي تماما ، حيث قصفت الممرات وتقاطعاتها ، ثم بدأت تضرب طائراتنا الواقفة علي الأرض الواحدة تلو الأخرى و بعد أربعون دقيقه من الهجمة الأولي ، كانت طائرات الميج 21 كلها قد دمرت تماما ، الطائرات الوحيدة المتبقية في مطار فايد كانت سوخوي و التي كان عليها شباك تمويه فصدرت لنا الأوامر بان نتحرك مع سيارات حسين الشافعي و الوفد المرافق له ، ثم ننطلق تجاه مطار المنصورة ، لوجود طائرات عامله في المنصورة.

 

عندما وصلنا المنصورة لم نجد غير ممر و كشك صغير به جهاز لاسلكي ، و الفلاحين تتحرك في أرجاء المطار بحريه تامة  فلم يكن مطار بمعني الكلمة ، وقابلنا العقيدطيار على زين العابدين و كان قادما من الغردقة وهبط  بطائره ميج-21 .

و هناك قدموا لنا وجبه غذاء من (الجبن و القته) كان ذلك حوالي الساعة 2ظهرا، وبعدها صدرت لنا أوامر أخري مختصرة جدا (( روحو انشاص )) فوصلنا مطار انشاص قبل أخر ضوء بنصف ساعة ، و كان بالمطار ميس السرايا وكان قصرا قديما للملك فاروق خارج المطار و كان مخصصا لمعلمي الطيارين ، فدخلناعلى الميس  وبدأنا نستمع للقصص من باقي الطيارين فسمعنا انه كانت هناك  طلعات من انشاص و أن الطيار نبيل شكري أسقط  طائرة فوق المطار ، وأن طيارين شاهدوا لوري جيش قادم من الاسماعيليه ومعلق على مقدمه اللوري جثه طيار يهودي قتيل . فجلسنا نستمع للحكايات و من طيار طلع و من طيار ضرب و دخل علينا أخر ضوءوالله كنا بنجمع العيش من ارض الميكروباص علشان نأكله من كثرة الجوع و قله الأكل ، وفي النهاية دخلنا للنوم و لم يكن هناك كهرباء أو سراير ، وتصرف كل منا وفق مهاراته الخاصة في التأقلم ، ونمت بدون أن اعرف من ينام في نفس الغرفة أو كم عدد من ينام بجواري .

 

وبعد منتصف الليل بقليل دخل قائد سربي و الذي عرفته من صوته وكان اسمه ( اموزيس عازر) وسأل في الظلام عن أفراد سربي ، فقمت و أنا لا أكاد أري أمامي ، و لا أري سوي ضوء مصباح قائدي و نزلت مع قائد سربي و ركبت الميكروباص مع سمير عزيز و فريد حرفوش و توجهنا لمطارالقاهرة الدولي و وجدنا قائد القاعدة و كان اسمه حسن سليم قائد لواء طائرات الانتينوف و الذي اخبرنا بأن نتوجه للنوم في عنابر الحجر الصحي ، و بالفعل نمنا علي أسرة المرضي ولم تكن طريقه مريحة للنوم لكنها أفضل المتاح .

 

في اليوم التالي و جدنا قائد سربنا اموزيس يصرخ بصوت عالي و يكاد يشد شعر رأسه قائلا ((الحقونى تعالو شوفو الراجلالمجنون بيقول إيه )) و استكمل ((الراجل أداني صورة فيها صحراء و ممر في النص بس ..قال بيقول اطلعوا اضربوا الممر ده في إسرائيل ، و لما قلت له معناش قنابل ، قال لا لا اضربوا الصواريخجو جو عليه بس , قلت له يا فندم الطيرات مش هتوصل رد علي لا-لا هتروح انشاء الله)) هل تتخيلو شكل الحوار ، فضابط عمليات كبير يطلب من قائد سربي ضرب ممر علي الأرض في إسرائيل بصواريخ جو جو ورغم أن الوقود لن يكفي وصولنا ، إلا أن ضابط العمليات كان مصرا.  وهذه القصه عن لسان اموزيس .

 

وعندما نزلنا إلي مكتب قائد القاعدة وجدنا حشد من القادة وكبار طياري الميج 21 ، كل طياري الميج-21 كانوا هناك تقريبا .

وبحلول الساعة 6 صباحا  تلاشت الأفكار بخصوص توجيه هجوم نحو مطار في إسرائيل ، اخبرونا بان عدد من الطيارين  سيتجه إلا الجزائر و عدد أخر سيتجه إلا العراق بطائرات النقل ، و وقع الاختيار علي للتوجه إلا الجزائر ضمن عدد يشمل معي القائد اموزيس و الذي كان قائد السرب و حوالي 12 طيار منهم  اموزيس، زيدان،  سمير فريد ، عز الدين أبو الذهب،  فوزي سلامه،  سميرعزيز ، فريد حرفوش،  سيد صقر، و سمير عبد الله وركبنا الطائرة وحلقنا الي الجزائر.

وهناك وجدنا عدد محدود من طائرات الميج 21 لا تكفي عددنا ، فتم تسليمنا عدد من طائرات الميج 17 لاستكمال العدد والذي يعادل عدد الطيارين ، وكانت مشكلتي أنا و حرفوش أننا لم نطير أبدا علي الميج 17 ، فأخذنا سمير عبد الله وبدا يشرح لنا الأجهزة المختلفة في الطائرة و وظائفها المختلفة في درس سريع جدا، وتحركنا علي الممرات الفرعية لكي نعتاد علي الطائرة .

وهنا يجب ان أشير الي ان الإخوة الجزائريين قابلونا بحماس منقطع النظير لا حدود له و حلوا لنا كافه المشكلات، فالطائرات في أحسن حال لها و عمرها 30 دقيقه (( الفلاينج تيست)) فقط ، أي أنها لازالت بحاله المصنع ولم تطير قبلا ,كان الطقس سيئ جدا هناك في الجزائر و زاد سوءا عندما انتقلنا الي الجنوب في مطار آخر ، و كان ملئ بالعقارب ، فأعطونا أكياس مراتب و اخبرونا أن ننام داخلها خوفا من العقارب وبان ننام علي سرير من الجريد لنفس السبب.

 

و انتقلنا الي المطار الثاني و أسمه بوفريك يوم 8 يونيو وتنحي جمال عبد الناصر في نفس اليوم وسمعنا الخطاب في الإذاعة ، فحضر إلينا الأشقاء الجزائريين و القوا القبض علينا ، و وسط ذهول منا قاموا بترحيلنا الي مدينه أخري و وضعونا في مطار اسمه بليدا تحت حراسه مسلحه في تصرف غريب جدا وغير مبرر  حيث كان السباب و الشتيمة هو الرد الوحيد عن أي استفسار منا.

 

في اليوم التالي تراجع جمال عبد الناصر عن قرار تنحيه فأفرج الإخوة الجزائريين عنا و بدئوا يمدحون فينا و يرفعون روحنا المعنوية ، وعرفنا أن سبب التغير في المعاملة يرجع إلي تنحي الرئيس عبد الناصر ، و أنهم اعتبروا ذلك هزيمة لرجل ساعد في تحرير بلادهم ولم يقبلوا منه الاستسلام للهزيمة ، فكان موقفهم عربيا خالصا لكنه غريب أيضا.

 

وطرنا  يوم 11 في طريق شاق يتخلله عده محطات لتموين الوقود ونزلنا في الجزائر العاصمة ثم تونس فليبيا  ثم دخلنا الحدود المصرية فنزلنا مرسى مطروح ثم مطار القاهرة الدولييوم 12 يونيه مساءو كنا 12 طائرة ، 11 طيار مصري وطيار جزائري أسمهالزيتونى جاب الله ، رجع معانا بالطيارة عمل بها حادثه في القاهرة وحطم الطائرة تماما. كان يوم عودتي هو أسوأ يوم في حياتي ، فقد عرفت مدي حجم الدمار و الخسائر التي حاقت بنا ، و عرفت أن عددا كبيرا من دفعتي قد استشهدوا و شاهدت الوجوم و الكأبة تطل بكل وضوح من العيون ، و كان الفزع و التخبط و الارتباك هي السمة السائدة ، فلو اصطدم طرفي الشباك الخشبي ببعضهما البعض ، تجد الجميع منبطح علي الأرض فزعا و خوفا ، و بعد فترة تجد طائرة ميج 21 تصطدم علي الأرض بطائرة اليوشن للنقل فتزداد معاناتنا النفسية و يتردد في العقول قول واحد (( هو احنا ناقصين بلاوي )) ، و بعد فترة يقلع تشكيل من أربع طائرات و بعد دقائق تعود طائرة واحده فقط فتزداد معنوياتنا تحطيما ، فكان بلا ادني شك أسوأ يوم مر علي في حياتي كلها و زاد من معاناتي الشخصية أنني لم يكن معي طائرة ، فقد عدت من الجزائر بطائرة ميج 17 و لم تكن تخصصي و في نفس الوقت لم يكن هنالك فائض في طائرات الميج 21 فظللت مشاهدا فقط لما يحدث أمامي.

 


 

ما بعد النكسة:

 

طبعا وضح من الحرب أننا لا نعرف أي شيء عن العدو ، فلم يكن هناك ما يسمي استطلاع ، مثال ذلك أن مطار المليز أرسل طائرتين للاستطلاع من ارتفاع عشره كيلو متر، فماذا يمكن أن يروا من هذا الارتفاع خاصة و أن الطائرات لم تكن مجهزة بأي معدات استطلاع ، فقط ورقه و قلم و الطيار يدون ما يراه ، و حدث اعتراض من العدو لهاتين الطائرتين و عادت مرة أخري الي قواعدها و لتوضيح صورة الاستطلاع في يونيو 1967 بالتحديد يجب أن نذكر أن المعلومات كانت تأتي أساسا من القوات البرية إلي فرع الاستطلاع بالقوات الجوية ، لكني لا اذكر أن فرع الاستطلاع أمدنا بأي معلومات أو صور قبل يونيو ، وحدثت معارك 14 و 15 يوليو 1967 القوية و التي أعادت إلينا جزء كبير من الثقة المفقودة ، و كنت وقتها في بني سويف تحت قياده المقدم ممدوح طليبه ندرس لدفعتين طيارين ( الدفعة 18 و الدفعة 20) علي طائرات الميج 17 و كان معي حمدي عقل و عبد الحليم صدقي ، و أثناء طيرانا التدريبي سمعنا حوارات الطيارين في أثناء تنفيذهم الهجمات فوق القوات الاسرائيليه.

 

تشكيل نواة الاستطلاع الجوي المصري:

 

و في شهر أغسطس , اخبرونا بان القيادة قررت تشكيل قوة استطلاع و كنا لازلنا نعيد ترتيب أوراقنا و ننشئ تشكيلات جديدة من الصفر.

و أقلعت أول طلعه استطلاع في شهر أغسطس 1967 و أستشهد فيها طيار ملازم حسنى جاد الله و كان معه شريف الشافعي و تم تشكيل رف استطلاع (مصطلح رف يعني نوع من أنواع التشكيلات أو الوحدات الجوية و يتكون عاده من عدد قليل من الطائرات) في مطار انشاص و كان يتكون من 4 طائرات و 4 طيارين و انضممت إليهم في أول شهر أكتوبر 1967 و كان معي حسين عزب و شريف الشافعي و حسين عزت و التحقنا بدورة تمييز سلاح تحت إدارة المخابرات الحربية فبدأنا نميز صور الدبابات و المدفعية بأنواعها ، و حصلت علي دورة أخري في الاستطلاع البحري ، و زملاء لي حصلوا علي استطلاع خاص لوحدات الدفاع الجوي ،كل حسب اجتهاده الخاص.

 

وكانت تلك الفترة فترة عصبيه مشحونة جدا ، فقد كانت فترة النهار تصل إلي حوالي اثني عشر ساعة تقريبا ، يقوم خلالها الطيار بالتواجد كحاله أولي ( و معنى حالة أولى الطيار مقيد في اربطه كرسي الطائرة ، و الطائرة مسلحه و علي أول الممر لأي طوارئ ) و تصل فترة تواجد الطيار حاله أولي حوالي أربع ساعات يوميا في المتوسط بالاضافه إلي ثلاث ساعات طيران فعلي في أعمال مظلات جوية و طلعات تدريب ، و في بقيه الوقت نكون حاله ثانيه (و معنى حالة ثانية أي الطيار يكون علي مسافة خمسون مترا من الطائرة ) و يظل لنا حوالي ساعة في النهار تقريبا لنأكل أو لنستريح قليلا قبل بدء المحاضرات المتخصصة في الاستطلاع و في نفس الوقت تم اقتطاع طائرات الميج 21 من الأسراب المقاتلة العاملة و تم اقتطاع أيضا جميع الضباط و الفنيين و تم تزويدنا بكاميرات استطلاع ، الطريف أن تلك الكاميرات كانت موجودة قبل النكسة ولم تركب علي أي طائرة نهائيا، لأنه ببساطه لم يكن احد من قادتنا كان يعرف خطورة و أهميه وجود قوة استطلاع جوي.

كانت الكاميرا المخصصة للاستطلاع بعرض 25 سم , و كانت مركبه تحت الجناحو بارزة منه 40 أو 50 سم و كان اسمها ألافا و هي روسية

و كانت مشكله كبيرة جدا لنا ، فهذه الكاميرات تجعل الطائرة ثقيلة و بطيئة و استهلاكها عالي في الوقود، و أيضا كانت لتلك الكاميرات مشكله أخري ، فهي لا تستطيع التصوير من الارتفاع المنخفض ، و كانت يلزمها طريقه معينه في التركيب و الضبط ، مما كان يعني أننا يجب أن نطير علي ارتفاع متوسط أو عال للوصول إلي صور واضحة مما يعرضنا للاكتشاف من رادارات العدو ، فبدأنا نعمل علي الاستطلاع بالنظر و تدريب أعيننا علي الاستطلاع بالعين فقط و بدأنا نخترق سيناء علي ارتفاع منخفض و الاستطلاع بالنظر فقط و كتابه كل شيء يتم ملاحظته بالعين

و كنا نعمل بطرق بدائيه جدا لكنها كانت تعطي النتائج المرجوة ، فلو فرضنا أنني أقوم بالاختراق من فوق منطقة فايد ، فأضبط ساعتي  و بسرعة 1000 كيلو متر في الساعة يعني أننيأقطع 18 كيلو في الدقيقة و لو شاهدت 4 دبابات بعد 40 ثانيه يعنى علي بعد 9 كيلو متر شرق منطقة فايد , كنا إما نحمل كاميرات و تصور علي ارتفاع عالي ، إما استطلاع علي ارتفاع منخفض و محمل صواريخ جو-جو و تستطلع بالنظرو كانت يرافقنا عاده طائرات حماية أشهرهم مرافقه لنا الله يرحمه الطيار عصام صادق.

 

كانت أول طلعه استطلاع لي مع النقيب طيار سامح عطيه كانت يوم 28 من شهر فبراير 1968 و كانتعلى الطريق الشمالي من منطقة القنطرة شرق حتى منطقة بالوظه و رمانه و استدرنا لليسار تجاه البحرودخلنا منطقة بور سعيد و نزلنا في مطاري المنصورة و القاهرة.

(( بعد هبوطنا انا مكنتش قادر اتلم على رجلى ,, كنا طايرين على ارتفاع 4  كيلو و سرعتناالاقصى 1000 او 1050 و الجاز عمال بيتحرق و خلفنا 4 طائرات تشكيل "فينجر فور" , الطيار عصام صادقهو الحماية خلفنا ب 2 كيلو ، و بعد ما نزلنا ،جرى عليا , قعد يفتشنى , بيقولى انت متحجب.؟؟؟

قلت له ليه ؟

قال الصواريخ عماله طالعه يمين وشمال حواليك ومش عارفه تلبس فيك ))

 

وعاده من بعد نزول الطيار من كابينة القيادة داخل الدشمة الحصينة لا يفارق فيلم التصوير ، فهذا الفيلم يحمل ثمرة مجهوده و لابد من التأكد من جوده الصور لكي لا يضطر إلي أعاده طلعه التصوير بكل ما تحمله من مخاطر ، لذلك نظل بجوار فني تحميض الصور حتى يبدأ في إخراج الصور للوجود ، و نبدأ في قص ما حدث خلال الطلعة و سرد ما لا يظهر في الصور بالاضافه إلي أهميه ترتيب الصور طبقا لمسار الطلعة

و يتم بعدها تسليم الصور إلي فرع الاستطلاع لتحليلها بمعرفته ، و بأفراد متخصصين و أجهزة دقيقه لتحليل كل شيء في الصور و كل ظل و كل ما يمكن أن يكون له مدلول عسكري معين ، ثم يرسل فرع لاستطلاع تلك الصور مرفقه بتقرير تحليلي مفصل لكل فرع من أفرع القوات المسلحة.

 

من أمثله طلعات الاستطلاع التي قمت بها ، هي عمليه رصد أول بوادر إنشاء مطار بالوظه الحربي ، فقد كنا نستطلع المحور الشمالي و خاصة الطريق الشمالي ، و رصدنا بلدوزرات تمهد طريق معين ، و بعد فترة عرفنا انه هذا الطريق هو تمهيد لإنشاء مطار ، وبدأنا نتابع مراحل الإنشاء مرحله تلو مرحله و خلال حرب الاستنزاف قام الطيار شريف الشافعي بضرب المطار و دمر طائرة من نوع داكوتا به ، بناء علي صور الاستطلاع المركزة.

 

عاده كنا نمارس عملنا من مطار انشاص في الإقلاع ، لكن يتم النزول في أي مطار أخر طبقا لخط السير ، فكان من الممكن أن نقلع من مطار انشاص و نهبط في مطار المنصورة أو نهبط في مطار القطاميه و ذلك طبقا لخطوط السير و بعد فترة تم نقلنا إلي مطار القاهرة ، فأصبحنا بذلك بعيدين عن الجبهة قليلا ، فكنا نتقدم لمطار متقدم و نقلع منه ثم نعود إلي القاهرة و كان شعور كافه القادة بما نقدمهم لهم من صور ومعلومات هائلا ، فقد كانوا كالطفل المولود أعمي و فجأة يجئ لواء الاستطلاع ليقدم له شمعه تنير له طريقا فينبهر بما يقدم له من معلومات و صور و هو بالفعل في أمس الحاجة لها، فبدأ القادة يرون العدو علي الجانب الأخر من القناة ، و يرون معسكراته و استحكاماته و دفاعاته ، و ساعد ذلك في التخطيط لعمليات خلف الخطوط و التي قامت بها عناصر القوات الخاصة و كان تشكيل لواء الاستطلاع يشمل عده أسراب ، سرب من نوع ميج 21 و سرب من نوع سوخوي 7 و سرب من نوع اليوشن 28 ، و رغم أن الميج 21 هي الأحسن سرعه و مناورة من الطرازين الآخرين إلا أن الحاجة إلي كل الطائرات و الطيارين المقاتلين جعلت الاعتماد علي الميج 21 فقط دربا من دروب المستحيلات ، فقد كان النقص الشديد في الطيارين عاملا حاسما لتخطيط أي عمليات سواء هجوميه أو دفاعيه و للقارئ أن يتخيل أن قطاع قناة السويس فقط يحتاج إلي 6 مظلات باستمرار لتغطيه القطاع بالكامل أي في حدود 12 طيار مقاتل ، و إذا علمت أن زمن طيران الطائرة لا يتعدي العشرون دقيقه ، مما يعني انه كل عشرون دقيقه تحتاج إلي 12 طيار مقاتل أخر في الجو ، و كان الطبيعي أن يقوم الطيار بـ 5 إلي 6 مظلات في اليوم مما شكل حمل و مجهود عال جدا علي الطيارين.

 

في هذا الوقت كان علي طيار الاستطلاع التبليغ الدائم عن مكان تواجده لقائده أول بأول حتى لو كان محظوظا و حصل علي أجازة و أراد الذهاب إلي السينما مثلا ، فلابد أن يعرف قائده أين هو الطيار لكي يستطيع أن يستدعيه ، و كان ذلك عبء نفسي إضافي علي طيار الاستطلاع ، و كان من نتيجة هزيمة يونيو و عدم وجود استطلاع ، أننا بعد النكسة بدأنا في عمل استطلاع هستيري و اذكر أن الطيار شريف الشافعي مر علي منزلي بتاكسي و أخذني علي المطار و اخبرني أننا سنسافر إلي الأقصر في الصباح و وصل المهندسين ليلا و جهزنا الطائرات و نمنا الساعة السادسة صباحا ، و بعدها اقلعنا من المطار و وطرنا إلي الأقصر و ارتفعنا لارتفاع 8 كيلو متر و هبطنا في مطار الأقصر و جهزنا الطائرات ، و اقلع الطيار شريف الشافعي بمفرده وصور مطار رأس نصراني الذي يسمي الآن مطار شرمالشيخ الدولي و عاد إلي مطار الأقصر مرة أخري

و كانت نتائج التصوير عاليه جدا و كانت الكاميرا الافا 39هي الكاميرا التي استخدمناها في ذلك اليوم.

 

مع مرور الوقت أصبح عملنا روتينيا نوعا ما ، فقد أصبح لدينا واجب ثابت ألا و هو تصوير المواقع علي القناة و المحاور الثلاث الرئيسية باستمرار، و لم أتعرض لأي اشتباك مع طائرات العدو، لأنه لم يكن ممكنا لنا الاشتباك ، و في فترة ما استخدمتنا أسراب المقاتلات كطعم لجذب طائرات العدو فكنا ندخل حتى القناة علي ارتفاع 50 متر ونبدأ في التسلق علي القناة حتى نصل إلي ارتفاع 3 أو 4 كيلو متر فوق القناة  ثم نقوم بعمل دوران تجاه اليمين أو اليسار و نصور بسرعة ، فقد علمنا أن صواريخ الهوك الاسرائيليه للدفاع الجوي قد تطورت و أصابتنا بالرعب ، فكنا ننفذ استطلاع سريع جدا ، و وصلنا لمرحله أننا نصور الصاروخ و هو ينطلق من القاذف.

 

و لأن نظام الهوك كان يتم تعديله بسرعة جدا فأن المخابرات كانتباستمرار تعرفنا التعديلات ، و كانت تعديلات كثيرة و كنت أعرف زمن إعادة الملأ أوإعادة البيانات ، و كان لازما أن أطير علي مستوي ثابت لعدد معين من الثوان ثم أغير ارتفاعي أو سرعتي لكي اجبر كمبيوتر الهوك علي أعاده حساباته من البداية و قبلما يتوصل إلي الضرب علي ، أعيد الكرة و أغير إما ارتفاعي أو سرعتي مرة أخري ، و هكذا حتى لا يتمكن الهوك من الضرب علي ، و نجحت تلك الطريقة بشكل رائع و هم قاموا بعمل تعديلات و صلت للهوك لأنه يضرب طائرات على ارتفاع 100 متر و الطيار تحسين أمين  كان من ضمن الطيارين الذين ضربوا منه .

 

و كنا نستمر في عمل  الطلعات  بصفه مستمرة و مثلا علىالأقل طلعتين تصوير علي  القناة أو العمق أو المحور الشمالي و قبل عام 1973 كان خط بارليف بالكامل  قد تم تصويره بطول 180 كيلو متر ، لدرجه أنني كنت اعرف الطبقات كلها التي بني منها خط بارليف نظرا لطيراني فوقهم و هم يمرون بكل مرحله من مراحل البناء ، فكنت اعلم أن المرحلة الأولي ,  شكائر رملوالثانية صاج معرج ، ثم المرحلة الثالثة و هكذا. فقد كنا متابعين باستمرار لخط بارليف. و الجندي إلى عبر القناة كان يعرف كل شيء،حتى مسار الخنادق و المدافع و السلك الشائك .

 

الميج 21 الاستطلاعية

 بعد فترة وصلت الينا طائرات ميج 21 استطلاعيه وكانت تسمي MIG 21 RF وكانت مجهزة بمستودع ثابت للتصوير و قد وصلت في نهاية عام 1968 أو بداية عام 1969 و وصل منها حوالي عشر طائرات ، و كان ذلك دفعه جيده لكفاءة لواء الاستطلاع ، و خاصة أن هذا المستودع كان يصلح للتصوير علي الارتفاع المنخفض بكفاءة .

 

هذه الصورة للطائرة من طراز RFMig 21 رقمها 8506 , وهي طائرة من لواء الاستطلاع و واضح شكل مستودع التصوير تحت باطن الطائرة و هذا المستودع به 7 كاميرات ، اثنان رأسي للتصوير أسفل الطائرة ، و اثنان جانبي للتصوير الأفقي و اثنان كاميرا أمامية للتصوير أمام الطائرة ، بالاضافه إلي كاميرا أخري تسمي بانوراما ، وتعطي صور بانوراميه لكن هذا المستودع لم يكن مرضيا لطموحاتنا أو لاحتياجاتنا لأن حجمه كثير و حجمه ثقيل بالاضافه إلي أن اقل ارتفاع للتصوير كان 500 متر ، و هو ارتفاع عال جدا لنا ، فلم نستخدمه إلا نادرا فمثلا الكاميرات الأمامية في هذا المستودع للتصوير أثناء الغطس لأسفل ، و كان من الصعب جدا استخدامهم لأنك تحتاج إلي ارتفاع عال للقيام بالغطس وبينما كنا ننتهج دائما تكتيك الاستطلاع و التصوير علي ارتفاع منخفض جدا.

 

 


 

التطوير المصري للاستطلاع

 

كانت الكاميرات السوفيتية مخيبه للآمال ، فكنا نعتمد عليها لكن بأساليب غير معهودة فعليا ، فبعد مبادرة روجزر مثلا ، و وقف إطلاق النار عمليا ، كنا نصور من فوق القناة نفسها مستخدمين الكاميرات الجانبية و التي كانت تصور مدي 500 متر من جانب الطائرة ، وهي مدي قصير لكنه كاف جدا لتصوير استحكامات خط بارليف بالتفصيل ، و نظرا لان هذا الأسلوب لم يكن مرضيا لطموحاتنا ، فجربنا كاميرات التصوير المركبة علي طائرات اليوشن 28.

 وكان البعد البؤري لها 120 سم وهو بعد جيد جدا ، و وضعناها داخل خزان وقود احتياطي و غيرنا من تصميم الخزان بالكامل ، وصنعنا فتحتين في الخزان لكي يتم التصوير منها ، وكانت تسمح لنا بالتصوير من ارتفاع عشرة كيلو متر و كانت الصور مقبولة لكن الصعوبة الحقيقة كانت في الطيار نفسه، فعلي ارتفاع عشرة كيلو متر كان علي الطيار إتقان المسار و المسافة الجانبية لكي تحافظ علي اتجاه التصوير و كانت هذه عمليه شاقه احتاجت إلي تدريب رهيب و أيضا قمنا بشراء كاميرات انجليزية ساعدتنا في حل مشكله التصوير المائل و التصوير في العمق ، وكانت معظم هذه الكاميرات تقرأ علي مسافة 30 كيلو متر من خط الطيران لان لها بعد بؤري جيد جدا.

 

التطوير الثاني كان  كاميرات انجليزية اسمها (فنتن) ، كان شرائها في حد ذاته تجربه مخابراتيه مثيرة و كانت ذات بعد بؤري 10سم و هو شيء لا يذكر ، و كنا لا نريد لها أن تكون واضحة تحت بدن الطائرة  ، فبدأ المهندسين في وضعها داخل بدن الطائرة لكي لا تكون ظاهرة ، وكان داخل الطائرة رادار بدائي غير مستخدم و لأننا كنا نعتمد علي النظر في كل عمليات القتال وعلي التوجيه الأرضي فقمنا بالاستغناء عن هذا الرادار و تركيب تلك الكاميرات ، و كان مجهود جبار ما قام به المهندسين ، فقد تم إلغاء أسلاك و لمبات و محولات و وضع أجزاء أخري مكانها لهدف أخر ، و عدادات جديدة داخل الكابينة محل عدادات أخري ، و هو مجهود جبار من رجال المهندسين و الذين برعوا في هذا العمل ، فقد تم لأول مرة إدماج تكنولوجيا غربيه داخل طائرة سوفيتية في وقت الحرب الباردة بعقول مصريه صرفه و الكاميرا من نوع (فنتن) الجديدة كانت عبارة عن تحفه فنيه ، فقد كانت الكاميرات الأربع تغطي 25 مرة مقدار ارتفاعك فلو كنت تطير علي ارتفاع مائه متر فان الكاميرات تغطي مساحه 2500 متر بالكاميرات الأربع و علي هذا أصبحت الميج 21 تطير بصاروخين و 3 خزانات وقود. و الكاميراتموجودة بداخل جسم الطائرة و هو ما لم يكن موجودا من قبل ، ففي البداية لم يكن لدينا الصواريخ للدفاع عن أنفسنا حيث تحتل الكاميرات السوفيتية نقاط تحميل الصواريخ ، فكان لدينا فقط المدفع ، أما بعد الكاميرا الانجليزية الجديدة و التعديلات المصرية ، أصبح لدينا 5 حوامل علي الطائرة لكي نضع عليها ما نشاء من حمولة ، حيث أن الكاميرا لم تعد تشكل مشكله لنقاط التحميل الخارجي.

 

كان رف الميج 21 الاستطلاعي هو الأفضل ضمن تشكيلات الاستطلاع الأخرى ، فالطائرة الميج 21 لا مجال لمقارنتها مع القاذفة البطيئة من نوع اليوشن 28 والتي خصص رف منها  لأعمال الاستطلاع البحري ، أو طائرة السوخوي 7 فسرعه الميج 21 و قدرة مناورتها كانت اعلي من قدرة السوخوي 7 و التي قام طياروها رغم ذلك بمجهود كبير جدا و قدموا صور جيده جدا ، لكن ظل الفارق في إمكانيات الطائرات هي المعيار في كفاءة الاستطلاع و نوع العمليات الموكلة إليها.

 

ومع توالي عمليات الاستطلاع خلال حرب الاستنزاف وصلنا إلي درجه عاليه من الثقة ، فقد أصبحنا نستطيع فعليا أن ندخل سيناء و نخرج مرة أخري بكل كفاءة و ثقه ، فلم يكن المطلوب منا أن نقوم بعمليات انتحارية لكن دورنا أن نعود و نسلم أفلام الاستطلاع للقيادة ، فدرسنا جغرافيا المنطقة و درسنا من أين ندخل و من أين نخرج و ما هو الارتفاع الأفضل لنا في كل حاله ، و ما المطار الأفضل لنا للإقلاع لتنفيذ المهمة بناء علي خطوط السير و استهلاك الوقود، و نتيجة ذلك فلا اعتقد انه كانت لنا مهمات استطلاع فاشلة ، لكننا في بعض الأوقات كنا نقطع خط السير ونعود نتيجة رصد مظلات جوية معاديه و كنا نتابع بصورة شبه يوميه أعمال العدو في بناء ثم في تطوير النقاط الحصينة ، و كنا نصور تحركات العدو البرية بالقرب من القناة ونصور تطور و تحركات وحدات الدفاع الجوي و خاصة بطاريات صواريخ الهوك و لا أظن أنني واجهت موقفا صعبا خلال عمليات الاستطلاع ، فكان من المعتاد أن يضرب علينا صواريخ هوك أو نيران مدفعيه مضادة للطائرات ، و اذكر أن بعض الطلقات أصابت جناحي في مناسبات عديدة ، لكننا تعودنا علي ذلك.

 

ولتبسيط مهمة الاستطلاع علي القارئ ، فلنفرض أننا ننوي استطلاع المحور الأوسط و هو المحور المقابل لمدينه الاسماعيليه ، فكان الأسهل لنا مثلا أن نطير من فوق منطقة كبريت حيث أن اتجاه القناة يميل تجاه سيناء مما يجعلني اكسب مسافة من الأرض و في نفس الوقت أكون داخل الأراضي الصديقة و اقلل من وقت طيراني فوق الأراضي المعادية و أيضا كان يجب دراسة دفاعات العدو فوق الهدف المراد تصويره

و كان المحور الشمالي و الذي يضم منطقة رمانه و بالوظه أمتع المحاور من حيث الجغرافيا ، حيث وجود البحر المتوسط علي يسارنا و نحن نتجه للهدف يكون عامل مساعد لنا في الخروج من فوقه و العودة بعد الانتهاء من المهمة ، و يماثله في ذلك المحور الجنوبي حيث تشكل الجبال و اتجاه القناة عوامل مساعده للطيار في تجنب الرصد الفوري له.

 

و كان لدينا في السرب خبراء سوفيت و كانوا عوامل استنزاف لنا و ليست عوامل مساعده أو دعم للأسف ، فالمفروض أن الخبراء المرابطين معنا يقومون بتعليمنا ، لكنهم كانوا ابعد ما يكون من مستوانا ، للحقيقة فأن أول طيار سوفيتي حضر إلينا و لا أتذكر اسمه ، كان جيدا جدا ، لكن من لحقوا به كانوا غير مفيدين بالمرة ، فمنهم الخائف من أساليبنا الجريئة ، و منهم من يريد الالتزام بما يقوله الكتاب و لا يرغب في التطوير و الابتكار ، و أخر لا يتحرك إلا بتعليمات سياسيه ، فكان وجود هؤلاء الخبراء عبء علي السرب و ليس عامل مساعد ، حتى عمليات تطوير الطائرة كانت سريه عنهم ، و لم يعلموا بها إلا بعد انتهائنا منها ، فقد كنا نخاف أن يقوموا ببث روح الإحباط فينا ، و كانت الحماسة و روح الابتكار و الإبداع تملئ كل واحد فينا للوصول إلي ما نريده من صور واضحة.

 

والظريف أن السوفيت بعدما علموا بأعمال تطويرنا لطائرتهم الميج 21 قاموا بعمل طائرة في مصانعهم و مزوده بكاميرات فنتن الانجليزية و أرسلوها لنا كهدية.

 

لقد عانى لواء الاستطلاع بأرففه الثلاث من طائرات (الميج و السوخوي و اليوشن) من خسائر خلال عمليات استطلاع حرب الاستنزاف و نظرا لأننا كنا نستخدم الطيران المنخفض في الاستطلاع فكنا بذلك عرضه لأنواع متعددة من الأسلحة الصغيرة ، فكان عاديا أن تنطلق الطلقات حولنا في كل اتجاه خاصة في الأهداف ذات الأهمية الكبيرة و كل طيار و قدرته ، فمن المحتمل أن يضرب علي الطائرة ألف طلقه و لا تصيبها أو تصيب أماكن غير مهمة أو حساسة ، و من الممكن أن يضرب عليها عشر طلقات في مقتل فتنفجر الطائرة أو تهوي محترقة بطيارها .

كنا نستخدم تكتيك معين في الاستطلاع يقضي بان أي عمليه استطلاع تقوم بها طائرتين (ليدر و فورميتور) وحدث في حرب أكتوبر أن استشهد احد الطيارين ، وجدنا أن الطيار رقم 2 يكون في خطر دائم ، لأنه يكون بجوارك ليساندك و يحميك ، فلما عرفنا واقعه استشهاد هذا الطيار، وجدنا أن دور الفورميتور المساند يمكن الاستغناء عنه ، و بالفعل بدأنا نطير فرادي ونحقق نفس النتائج بمستوي مخاطرة اقل.

 

وكانت عمليات الاستطلاع العميق هي العمليات التي يكون لها صدي داخل القوات الجوية أو عمليات الاستطلاع التي تحدث فيها اشتباكات جوية ، و كانت عمليات الاستطلاع العميق ذات اثر جيد علي معنويات لواء الاستطلاع بأكمله مثل عمليات استطلاع شرم الشيخ و مطار رأس نصراني و كذلك استطلاع بحيرة البردويل علي عمق ستين كيلو من قناة السويس وفي حرب أكتوبر استطلعت مركز قيادة الطايه , يوم 16 أكتوبر تقريبا.

كان لازم كل أسبوع أو شهر تصوير المحاور كلها و النقط القوية و أي عمليه تبديل للقوات أو موقع صواريخ هوك أو تحركات.

 

وبعد مبادرة روجرز و وقف إطلاق النار ، هدأت الأمور بالنسبة لنا قليلا لكن عمليات الاستطلاع كانت مستمرة من فوق القناة فقط لكننا كنا نخترق فوق سيناء لو دعت الضرورة فقط  مثلا لو تم رصد مطار جديد و يجب أن  نصوره و نحدده, هل هو مطار حقيقي أم هيكلي ،وكنا نعرف من الصور إذا كانت المواقع هيكليه .

 


 

حرب أكتــــوبر

 

استعدادنا لحرب أكتوبر بدأ مع حرب الاستنزاف ، فتعديل الطائرات و فرق التدريب علي تمييز أهداف العدو و زيادة جرعه التدريب علي الطيران بسرعات عاليه على ارتفاع منخفض لان هذه الارتفاعات لا يمكن للطيار أن يكون في قمة تركيزه الفعلي لفترة طويلة و كانت منطقه الدلتا كلها مفتوحة لأغراض تدريبنا و نقلع و نصور رادارات دفاعنا الجوي مثلرادار منطقة بلطيم , أو مواقع صواريخ خاصة بناونعود و نحلل الصور .

 

يوم 6 أكتوبر كنا في رمضان و كنا صائمين في مطار انشاص , و حالات الاستعداد رفعت من مده و استدعاء احتياط وتسريحه ..الخ

والقاده يقولون ان درجات الاستعداد تنخفض غدا أو بعده..  أما زملاءنا القدامى فيقولون أن هذا الذي يحدث ليس لأغراض المشروعات التدريبية ، الأوضاع غريبة مع إلغاء الأجازات و الالتزام الفائق من الجميع و قائد اللواء الجوي في غرفه العمليات طوال الوقت و هي موضوعات عندما يتم جمعها مع بعضها البعض تعني الحرب الفعلية.

 

قبل الحرب بيوم جاءنا قائد لواء الاستطلاع اللواء طيار سيد كامل و كنت وقتها برتبة رائد طيار و قال لنا (افطروا رمضان)

قلت له ( لو فيه عمليات حقيقي سأفطر و لو لم يكن هناك عمليات لن افطر)

 

يوم 6 أكتوبر أقلعت بطلعه الساعة 10 أو 11 صباحا, كانت طلعهروتينيه لكي يظهر أن كل شيء عادى، فقمت بالطيران على ارتفاع عالي بخط سير معتاد و كأنها طلعه معتادين عليها.كان دورنا في الحرب  كالمعتاد متابعة الأهداف و تصويرها و كنا نستطلعنتيجة الضربة مثل ضرب مطار المليز و مراكز القيادةللعدو و كان مخطط أننا نقلع بعد الضربة الجوية الأولى و مع الضربة الثانية و الجميع عاد و قالوا أنهم نفذوا ضرب الممرات و كان استطلاعنا بالنظر و لم يكن هناك تصوير لان نتيجة الضربة الجوية لم تكن مطلوبةفالضربة الجوية لها أهداف محدده و تخطيط محدد.

 

فرحة الدنيا أحسسنا بها يوم 6 أكتوبر و أنا واحد من الطيارين الذين كانوا واقفين على الممر ،كنت أحصي الطائرات وهي تقلع متجهه نحو سيناء لبدء دورها في الحرب و كنت في انتظارها علي الممر و هي عائده من الضربة الأولي و الحمد لله فقد عادوا كلهم و بدون خسائر ، وتقابلنا ليلا في الميس و كانت المعنويات في السماء .

 

ومر يوم 7 ويوم 8 أكتوبر بدون طلعات لي ، لكن عمليات الاستطلاع لم تتوقف لحظه ، و أقلعت يوم 9 أكتوبر و استطلعت منطقه بلاعيم في خليج السويس لأنه المفروض أنها تضرب و تمتصويرها فأقلعت من مطار انشاص و استطلعت مناطق أبار البترول و فور هبوطي تم اخذ الأفلام من داخل الطائرة سريعا ، و كان واضحا أن تلك الطلعة و تلك الصور كانت مهمة جدا .

 

و أقلعت في طلعه استطلاع أخري في يوم أخر ، فاستطلعت من الاسماعيليه و حتى منطقة الطاسه علي المحور الأوسط و بالمصادفة كنت من قام بتصوير الجسر الإسرائيلي و هو يتحرك علي المحور الأوسط لكي يعبر عليه الإسرائيليين عند منطقة الدفرسوار.

وعندما حدثت الثغرة كنا نستطلع قوات العدو بالميل لأنهم كانوا قد اصطحبوا معهم وحدات دفاع جوي كثيرة داخل الثغرة و كانت تسبب لنا مشاكل كثيرة ، وعندما بدأ الاستعداد لتصفيه الثغرة انتقلنا لمطار شبراخيت و مكثنا هنالك شهرين ثم عدنا مرة أخري إلي مطار انشاص و بعد الحرب كنا نقوم بالاستطلاع المائل أو استطلاع الكتروني جديد ، فقد زودنا السوفيت بمستودع جديد للاستطلاع الالكتروني وكان يلتقط ترددات الرادار.

 

بعد الحرب بفترة شغلت منصب قائد لواء الاستطلاع وقتها حدثت الاشتباكات المصرية الليبية و كان لدي سرب متمركز في مطار مرسي مطروح و كنت دائم زيارتهم هناك لاطمئنان علي أحاولهم و تابعت عمليات الطيارين في أثناء الاشتباكات القصيرة مع ليبيا و قام الرجال بعمليات استطلاع دائمة للحدودو بعدها سافرت بعثه لفرنسا في كليه حرب عليا لمده سنه ونصف سنه 82 و 83 وكان لدينا 4 طائرات ميراج-5 استطلاع , وهذا التغيير الجوهري الذي حدث بعد الحرب فقد خرجت طائرات السوخوي من خدمه لواء الاستطلاع و دخلت الميراج و كانت أفضل من الميج 21 بمراحل.

 

وقد طرت علي عده أنواع من الطائرات من وقت تخرجي من الكلية الجوية و حتى تقاعدي سنه 1986

فقد طرت علي طائرة السوخوي -7 و طائرة الميج-17 و طائرة الميج-15 , و المقاتلة الفرنسية الميراج-5 أخر شيءوقت كنت قائد لواء الاستطلاع و كان عندي سربين ميج-21 و سوخوي فكان لابد أن أطير على النوعين و كانت السوخوي 7 اقل من الميج-21 , و بعدها عندما تم إلغاء طائرة السوخوي انضمت الميراج  فقمت بالطيران علي الميراج و بعدها سافرت بعثة فرنسا , و عندما عدت ، فقد عدت إلي وحده تدريب المقاتلات في اللواء 112 و كان لدي 3 أسراب ميج-21 MF و ميج-21 صيني موديل ( j7) و سربطائرات ميج-19 صيني موديل (J5), وكان لابد و أن أطير على الميج 19 فقمت بالطيران بها و بالنسخة الصيني منها.

 

بعد وحدة تدريب المقاتلات سافرت كملحق عسكري وبعدها رئيسا لفرع الاستطلاع و بعدها قائدا للمنطقة الغربية حتى تقاعدت.

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech