Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

اللواء معتز الشرقاوي - بطل الصاعقه

حرب اكتوبر

 وكماعلمنا ببدء حرب يونيو 67 من الاذاعه علمنا ببدء حرب اكتوبر ايضا من الاذاعه ، فقد كنت في مدرسه الصاعقه كمعلم اقود دورات تدريبيه لفرق الصاعقه للضباط والصف وللجنود عندما سمعنا الخبر وكان احساسنا لا يوصف بالسعاده الغامرة وان ما نقوم به في مدرسه الصاعقه لا يقل بأي حال من الاحوال عما يقوم به الجندي بالجبهه .

مر اول اربعه ايام قتال وانا بمدرسه الصاعقه ، بعدها تم استدعائي الي الكتيبه 43 مرة اخري لتعويض الخسائر في الضباط بها نتيجه المقاومه العنيفه للجنود الاسرائيليين في نقطه لسان بورتوفيق مثل الشهيد النقيب جمال عزام وكان من الضباط المتميزين في الصاعقه ، وتم استدعائي ومعي رفيقي الشهيد رؤوف ابو سعده ، والذي كان معي منذ تخرجي في نفس الكتيبه ونقل معي مدرسه الصاعقه في توقيت متزامن .

ونقلنا نحن الاثنين الي نفس الكتيبه التي بدأنا بها القتال في حرب الاستنزاف تحت قياده الرائد زغلول فتحي ومعه الرائد شفيق او هيبه رئيس لعمليات الكتيبه ، ووصلنا الي مقر قياده الكتيبه يوم 13 اكتوبر في نفس يوم استسلام ضباط وجنود النقطه الحصينه الي الصليب الاحمر ( في قسم الفيديو – فيديو استسلام جنود وضباط النقطه الحصينه وتسليمهم لعلم النقطه،  بإسم – فيلم لا تريد اسرائيل ان تراه ) وكانت اخر نقطه حصينه تقع في يد جنودنا بعد قتال عنيف استمر ثمانيه ايام مستمرة

وعلمت من زملائي ان نقطه بورتوفيق قد قاومت مقاومه شديده وكبدت الكتيبه 43 صاعقه خسائر كبيرة في الضباط والجنود نتيجه حجم التحصينات الموجوده وموقع النقطه الحصين ، وكان يتواجد بالنقطه 150 فرد مظلات اسرائيلي علي اعلي مستوي وست دبابات بالاضافه الي مواد تموينيه تكفي سته اشهر متواصله ومحطات تحليه مياه البحر ، فلم يكن الجنود بالنقطه يحتاجون للخروج من مواقعهم والقتال ، بل كانوا يقاتلون من وراء الجدران ، حتي سقطت يوم 13 اكتوبر بعد ان يأست من المقاومه المستمرة ، وفي يوم التسليم رفض قائد النقطه التسليم لقوات الصاعقه خوفا من هؤلاء الرجال الاشداء الذين قاتلوا ثمانيه ايام متواصله ، وطلبوا التسليم في حمايه الصليب الاحمر .

ثم ُكلفت بقياده السريه الاولي و ُكلف رؤف ابو سعده  بقياده السريه الثانيه من الكتيبه 43 صاعقه

وعبرت القناه لاستلام النقطه حيث كلفت سريتي بالدفاع عن تلك النقطه بعد استسلامها

ولا يمكن بعد كل هذه السنوات التعبير عن شعوري وانا اعبر القناه واضع قدمي علي سيناء مرة اخري ، فهذه المره غير كل المرات السابقه ،هذه المره انا لا اغير علي العدو وعائد للضفه الاخري ، هذه المره انا اعبر لأظل هناك ، هذه المرة انا ادخل سيناء لأظل بها ، واتذكر جيدا انني بكيت فور دخولي لتلك النقطه المحصنه علي اعلي مستوي ، لانني تساءلت لماذا استسلموا ولديهم كل هذه التحصينات ؟

وقدرت الموقف انني لو كنت قائدا لفصيله فقط ولدي امكانيات تلك النقطه الحصينه من اسلحه وذخائر ودروع بمثل هذا الشكل ، فما كانت قوة في الدنيا تجعلني استسلم او افكر في الاستسلام .

وبدأنا سريعا في تطهير النقطه ، وجمع جثث الشهداء من حول النقطه او من الماء ، وعدنا بهم للغرب وقمنا بدفنهم في صحن لكنيسه مهدمه في بورتوفيق ، وكانوا كلهم من رجالي وزملائي ، كل الشهداء لهم معي ذكريات وحوارات ، لكنهم الان شهداء في الجنه .

وطبقا للاوامر باحتلال النقطه الحصينه والدفاع عنها ، فقد بدأت في وضع خطه للدفاع عن موقعي هذا في حال تعرضه لهجوم عسكري معادي وهو اجراء روتيني تحسبا لاي ظروف قد تطرأ ، وكانت الظروف كلها تحت السيطرة في هذا الوقت .

ومرت علينا عده ايام في راحه ، فالقتال بعيدا عنا وقوات الفرقه 19 مشاه تبعد عنا مسافه 7 كيلو مترات ، والقادم لمهاجمتنا يجب ان يمر عبر اللواء السابع مشاه قبل ان يصل لنا ، واحسسنا بالانعزال عن الجيش وعن القتال ، فبدأنا نسبح في القناه للاستحمام ، مع الاستجمام في شمس الشتاء الدافئه وكنا في راحه تامه .!!!

في يوم 22 اكتوبر تقريبا علم افراد الكتيبه 43 المتواجدين غرب القناه بأقتراب الدبابات الاسرائيليه من السويس ، وبدأوا يستعدون للدفاع عن بورتوفيق في قتال المدن ، وايضا لم يبلغنا احد بتلك التطورات وظللنا معزولين في لسان بورتوفيق في نقطه العدو الحصينه .

في بورتوفيق تحرك النقيب طلبه رحمه الله بمجموعة جنود لتأمين مداخل المدينه ،

اما السريه الثانيه التي كان يقودها رؤوف ابو سعده فقد صدرت لها الاوامر بإستطلاع وجود دبابات للعدو فوق جبل جنيفه ، حيث وردت انباء بوجود ثلاث دبابات فوق الجبل .

وعندما وصل رؤوف الي قرب الجبل وجد قائد احد اللواءات المقاتله في تلك المنطقه وعلم منه بوجود دبابات للعدو فوق الجبل ، وامرة الضابط بالطلوع الي الجبل وتدمير تلك الدبابات ، وعندما اندهش رؤوف من هذا الامر لان الشمس مازالت في كبد السماء واي تحرك لهم سيكون مكشوفا لمن هم فوق الجبل ، أصر الضابط علي تنفيذ الامر وبالفعل تحرك رجال الصاعقه تجاه الجبل لتدمير تلك الدبابات الثلاث المزعومه

وبينما الرجال تصعد الجبل ، فوجئوا بلواء كامل من دبابات العدو لا يقل عن ثمانون دبابه تنزل من الجبل تجاه السويس والادبيه ، حيث سمح ارتفاع الجبل المنخفض ووجود طرق صعود ونزول سهله ، في استخدام دبابات العدو لهذا الطريق لتجاوز دفاعات الجيش الثالث في تجاه السويس حيث لم يتوقع احد ان تقوم الدبابات الاسرائيليه بالاندفاع عبر الجبل للاندفاع تجاه السويس.

قامت الدبابات الاسرائيليه بالمرور علي جنود الصاعقه بدون أن تضرب عليهم ، ونظرا لنعومه رمال الجبل فأن الجنود الذين مرت عليهم الدبابات لم يستشهدوا ، انما تم دفنهم فقط في الرمال ، وكانت تلك احد عجائب الحرب التي عاصرتها نقلا عن زميلي رؤوف الذي مرت عليه دبابه وعاد الينا بعد مده وعلامات جنزير الدبابه واضحه علي  ظهر الافرول .

عاد رؤوف ابو سعده الي بورتوفيق بدون ان يشتبك مع العدو، وصدرت له الاوامر بالاحتماء في بدروم احد مباني بورتوفيق للراحه والاستعداد للمعركه المقبله ( عمارة الديدي ) ، في تلك اللحظه كانت الطائرات الاسرائيليه تقوم بتمهيد الطريق لاحتلال بورتوفيق ، فسقطت قنبله ثقيله فوق العمارة التي يحتمي بها رؤوف ابو سعده ورجاله ، وسقطت الادوار الثمانيه فوق رؤوس الرجال ، ودفنوا تحتها .

وعند اقتراب دبابات العدو وعند مدخل المدينه المحاذي للكورنيش قام رجال النقيب طلبه بالقاء الالغام المضاده للدبابات علي الطريق بدون تمويه او حفر ، فلم يكن هناك وقت للحفر ورص الالغام ، واستتروا خلف احد اسوار الكورنيش .

فبدأت الدبابات تضرب الالغام الملقاه بدون تمويه ، وبدأت تفتح لها طريقا وسط حقل الالغام واتخذت باقي الدبابات طابورا خلف الدبابه الاولي ، ومن الاحداث الغريبه ان انفجر احد الالغام بفعل طلقات الدبابه فأطاح بأحد البراميل المجاورة ، ليستقر البرميل بجوار لغم ، وتمر الدبابه عليه بدون ان تراه وتنفجر الدبابه وتتوقف الدبابات الاخري خلفها ، فخرج النقيب طلبه من مكمنه وضرب اول دبابه مره اخري لتأكيد تدميرها ، وجن جنون الدبابات الاسرائيليه وفتحت نيرانها عشوائيا في كل اتجاه وبغزارة شديده ، ليخرج رجاله مرة اخري ويقتنصوا الدبابه الثانيه ، ليغلقوا الطريق تماما ، ازدادت شراسه اطلاق النار الاسرائيلي علي جنود النقيب طلبه ودفعوا بدبابه فنيه لجر الدبابات المحطمه الي خارج بورتوفيق ، ولم يحاولوا دخول المدينه مره اخري .

بعد انفجار الدبابه الاولي تطاير منها اجزاء معدنيه واجزاء من داخل الدبابه ، كان منها خريطه احتلال بورتوفيق والتي وقعت في يد النقيب طلبه بالصدفه البحته ، حيث لم تحترق تلك الخريطه مثل باقي الدبابه انما ظلت سليمه لتقع في يده . كنا نشاهد هذا القتال عبر القناه من الجانب الاخر

بعد هذه المعركه السريعه بيومين فوجئت برؤوف ابو سعده علي الجانب الاخر للقناه ومعه رجاله الاحياء ، بعد ان ظلوا تحت انقاض العمارة لمده يومين ، وبدأ رؤوف ومن معه في عبور القناه سباحه للوصول الينا ، ولسوء حظه فقد هام احد قوارب العبور الخشبيه من مرساه في السويس ودفعه التيار الي مجري القناه ، في تلك الاثناء كان الطيران الاسرائيلي شبه مسيطر علي سماء المعركه ويقوم بمهاجمتنا طوال الوقت ، فظن الطيار ان هذا القارب الخشبي به جنود او معدات ، وكان القارب بالقرب من رؤوف الذي يعبر سباحه ، فهاجمت طائره سكاي هوك هذا القارب بقنبله بلي ، وهي قنبله تنفجر ، ويخرج منها عشرات القنيبلات في حجم كره التنس لتدمر كل ما في اتجاهها ، وشاهدت القارب الخشبي في ثواني يتحول الي اشلاء من جراء الانفجار امام عيني ، واحتسبت رؤوف ابو سعده عند الله شهيدا وعدت حزينا الي الدشمه وسط عبارات تشد من ازري من رجالي وضباطي ، فقد كان الكل يعلم منزله روؤف عندي وانه بمنزله الاخ بما تحمله الكلمه من معاني .

وبعدها بدقائق فوجئت برؤوف ابو سعده يدخل الملجأ وملابسه مبلله ، وسط تكبيرات الرجال وفرحتهم بنجاته ، لينجو من موت مؤكد للمرة الثالثه خلال يومين، واختلطت ضحكاتنا وفرحتنا بنجاته ورجاله مع دموعنا من الفرحه.

واتم للعدو حصار السويس يوم 24 اكتوبر وبدأت معركه اخري مع القوات الاسرائيليه فقد كان بالسويس عشره الاف جندي شارد تجمعوا في السويس وبدأوا يدافعون عنها ببساله ورجوله لابعد الحدود مع رجال المقاومه الشعبيه الباسله ، كنا فقط نسمع القصف المدفعي والجوي بدون ان نعرف اي شئ عما يجري حولنا .

وللحق والتاريخ فقد كانت ملحمه السويس ، ملحمه بكل معاني الكلمه من قتال واستبسال وفداء لكل سكان المدينه كما علمنا ورأينا بعد ذلك بأعيننا .

في هذه الاثناء كانت قياده الكتيبه 43 قد تم ضربها جوا ، وتعطلت الاتصالات مع قياده الكتيبه واصبحنا بلا اي اتصال مع اي وحده عسكريه ، فحاولنا تحقيق اتصال مع الفرقه 19 مشاه ، وذهبت ومعي رؤوف ابو سعده وبعض جنود سيرا علي الاقدام لتحقيق الاتصال مع الفرقه 19 كما تقضي الاصول العسكريه .

وبالفعل حققنا اتصال مع قائد الفرقه العميد يوسف عفيفي ، واعلمناه بوجود سريه صاعقه في النقطه بلسان بورتوفيق واننا نرغب في فتح اتصال والحصول علي بعض الامدادت من الفرقه 19 ، وهو ما تحقق بعد فترة .

عدنا من الفرقه 19 بعد ان حققنا اتصال معهم وعلمنا ببعض من اوضاع القوات واصدرت الامر لرجالي بالاستعداد لتنظيم عمليات اغارة علي قوات العدو الموجوده حول مدينه السويس ، ونتيجه علمنا التام بمدينه السويس فلم نكن نحتاج الي معرفه طبيعه الارض التي سنتحرك عليها ، فقد كنا نقوم بعمليات استطلاع لتحديد الاهداف التي نختارها لنتعامل معها .

وبالفعل بدأنا في تنظيم علميات اغارة محدوده ومتعدده ، ولم يكن هدفنا الضرب لازعاج العدو بل الضرب لتكبيد العدو اعلي خسائر ممكنه ومن بعدها الارتداد الي نقطه بورتوفيق مرة اخري .

في هذا الوقت كان هناك وقفا لاطلاق النار ، لكن علي الارض لم يكن هذا شيئا حقيقيا فالتراشقات بالمدفعيه مستمرة وعمليات الطرفين مستمرة لتحسين الاوضاع ولتكبيد الطرف الاخر خسائر اكبر ، ولم يصدر لي امر من قيادتي بوقف اطلاق النار وتصرفت بناء علي ذلك بمبادره شخصيه بحته .

فقمنا بعدد من العمليات الناجحه وهاجمنا افراد اسرائيلين متحصنين بمباني علي اطراف مدينه السويس ، وحققنا نتائج جيده في تلك العمليات ، وقمت بقياده عمليتين من تلك العمليات ، ومن خسائر العدو المؤكده اننا قتلنا سته جنود اسرائيلين فضلا عن عدد من الاصابات الغير معروفه .

الحياه تحت الحصار

عندما بدأ الحصار يطول بدأنا في التفكير في موارد للطعام والمياه ، ونحن كرجال صاعقه تعودنا علي نقص الطعام والمياه ، لكن مده الحصار لم تكن معلومه وكنا فعلا نقتصد في الطعام ، فطعام الفرد في يوم واحد كان يأكله خمسه جنود ، اما انا فكنت آكل ورق التواليت ، والذي يعطي الفرد الشعور بالامتلاء لكنه شعور مؤقت ، وكنت اضع جنودي في الاولويه .

ومع تحرج الموقف وفي احد الليالي ، ايقظني احد جنود الحراسه وابلغني بوجود ضفادع بشريه في المياه قرب شاطئ النقطه الحصينه .

فبدأت التحرك ، وايقظنا الرجال بهدوء واتخذ الجميع اماكنهم المحدده لهم ، واقتربت من المكان الذي اشار له الجندي وبدأت في سماع اصوات مياه بالفعل في مكان وجود تلك الضفادع ، وتساءلت عن تلك الضفادع البشريه التي تقوم بكل هذه الضوضاء ، فأمسكت بجهاز الرؤيه الليليه المخصص لبندقيه القنص ، وبدأت استطلع تجاه صوت المياه ، فوجدت جاموسه تصارع المياه وتحاول الوصول الي الشاطئ ، لم افكر من اين اتت تلك الجاموسه ، او ما الذي  القاها في مجري القناه ، كل ما فكرت فيه هو الجندي قطب والذي كان يعمل جزارا ، واخذنا قاربا واتجهنا تجاه تلك الجاموسه وكانت تحتضر وعلي شفا الموت ، فأصطحبناها الي الشاطئ وتعامل مع قطب بسرعه قبل ان تنفق .

كان العدو عندما قارب من مشارف السويس قد اقتحم سلخانه السويس المركزيه ، ففرت الماشيه هربا من السور خوفا من اصوات دبابات العدو ، والقت بنفسها في المياه لتأتي الي شاطئنا واحده منهم بفعل تيار القناه السريع ، ولتنقذنا من الجوع .

واقمنا وليمه كبيره علي شرف تلك الهديه السماويه لنا ، وكان عددنا يقرب من الستون فردا في الموقع ، وكل الستون فردا اصابهم اسهال شديد نتيجه خلو بطوننا من الطعام لعده ايام ماضيه ، لكنها كانت مفاجئه جميله ، وظللنا نتابع مجري القناه بحثا عن مفاجأت جديده تأتي مع التيار .

وللوقايه من الامراض الجلديه في اثناء الحصار ، فقد حرصت علي جعل جنودي يستحمون في مياه القناه يوميا وعدم تجفيف اجسادهم انما تركها للشمس لتجف حيث تقوم الشمس مع ملح المياه بقتل اي امراض جلديه ، والحمد لله انه لم يصاب اي جندي في موقعنا بأي مرض جلدي .

واثناء احد فترات الاستحمام وكنت علي اعلي الساتر وقتها ، لمحت جسما يعوم تحت المياه بالقرب من رجالي ، ونظرا لوجود شهداء في المياه ورائحه دم مستمرة منذ اول ايام القتال فكنا نتوقع قدوم اسماء قرش علي رائحه الدم ، فجهزت البندقيه وضربت تجاه هذا الظل الكبير ، واصابته اصابه مباشرة ويطفو بعدها علي السطح جسد فضي لامع اتضح انه سمكه قشر بياض كبيرة الحجم .

فكانت هديه اخري من القناه ، فبدأنا نصطاد السمك بواسطه البنادق والألغام الإسرائيلية بتقنين الضرب لعدم اهدار الطلقات ، وبهذه الطريقه استطعنا تأمين مورد هام ودائم للطعام مع عدم التفريط في الذخيرة.

بعد عده ايام رصدنا اقتراب سيارات من حدود النقطه ، فقمنا بضرب طلقات تحذيريه لان اوامري كانت تقضي بالضرب التحذيري اولا ، فنحن نقطه منعزله عن العالم تماما ولا ندري موقف الفرقه 19 لعدم وجود اتصال دائم بيننا ، ولا يوجد لدينا سيارات او تليفون للاتصال المستمر .

نزل من تلك السيارات بضع رجال يرفعون الاعلام البيضاء وبعدها اتضح ان اللواء يوسف عفيفي قائد الفرقه 19 يحضر لزيارة النقطه مصطحبا عددا من الصحفيين الذين رفضت دخولهم الموقع من البدايه ، وكان العميد يوسف عفيفي قد رقي الي رتبه اللواء اثناء الحصار ومعه اللواء احمد بدوي الذي عين كقائد لقوات بدر  والتي تتكون من وحدات الجيش الثالث شرق القناه .

وسألني اللواء يوسف عن كيفيه الحياه تحت الحصار ومن اين نأتي بطعام ، فاخبرناه بأننا رجال صاعقه مدربين علي التأقلم مع الحياه التي نوضع فيها ، وظهر عليه عدم الاقتناع عندما اخبرته اننا نقوم بصيد السمك بالبندقيه الاليه .

وكان زيارة اللواء يوسف عفيفي هدفها تصوير الصحفيين لموقع النقطه الحصينه وتصوير الدبابات المدمرة لرفع الروح المعنويه للجنود، وقد رفضت دخولهم لموقعي بدون اذن مني ، حيث انني لا اتبع الفرقه 19 مشاه .

وبعد مغادره اللواء عفيفي للموقع بعد ان تجول فيه وشاهد التحصينات المعاديه ، ظل معنا العميد علي سعد قائد ثان الفرقه 19 مشاه ، وامضي اليوم معنا واهديناه في نهايه اليوم وجبه سمك هديه منا الي اللواء يوسف عفيفي تقديرا لزيارته لنا في هذا اليوم ، وفي اليوم التالي رد لنا اللواء يوسف عفيفي الهديه المتواضعه منا بهديه عباره عن شاحنتين حموله الواحده خمسه اطنان من الطعام والحلويات (( المجموعه 73- نعتقد ان كلام اللواء معتز الشرقاوي هنا يقطع بما لا يدع مجالا للشك ان الجيش الثالث كان يعاني من نقص الطعام او كان علي شفا الجوع ، فقائد الفرقه 19 يهدي 10 اطنان من الطعام المعلب والحلويات الي سريه صاعقه قوامها ستون فردا ، هل لو كانت الفرقه 19 مشاه او الفرقه السابعه مشاه تعاني من اي نقص في الطعام كانت ستهدي سريه مشاه 10 اطنان من الطعام ؟؟؟؟))

واخبرنا احد الضباط المرافقين للسيارات ان تلك الهديه من اللواء يوسف عفيفي هي فاتحه لامدادكم المستمر بالطعام حيث تم وضعنا ضمن لائحه تعيينات اللواء السابع مشاه المجاور لنا واصبح لنا رصيد يومي من الطعام ، وفي اليوم التالي اهدانا سيارة جيب لتحركاتنا من والي الفرقه 19 مشاه ومن بعدها تم مد اسلاك تليفونات لنا للاتصال بذوينا بالقاهرة يوميا لمده ساعه مثلنا مثل اي وحده اخري بالجيش ، ولينتهي بذلك عزلتنا عن العالم الخارجي .

وبدأنا في مقايضه الفرقه 19 مشاه بالسمك ، فكنا نرسل هدايا السمك لقاده الوحدات وهم بدورهم يردون الهديه بهديه اخري ضمن تخصصهم ، فتم ارسال ستمائه بطانيه لرجالي ، وحضر اطباء اللواء السابع للكشف علينا ( الدكتور عبد المنعم الوكيل والدكتور محمد طه طلعت ومن الأطباء المدنيين الدكتور علي الرفاعي والدكتور عادل حسني ) ، وهكذا مرت علينا ايام الحصار مختلفه تماما عما صورته اسرائيل للعالم ، فقد ظللنا في مواقعنا ولم نتعرض لاي مشاكل تموينيه تذكر او معنويه تذكر .

وأستطعنا تحقيق اتصال مع سريه صاعقه فوق جبل عتاقه تقوم بأعمال شوشرة علي العدو وكان يقود تلك السريه النقيب مدحت عبد الوهاب ، واخبرناه بأننا نقوم باعمال اغارات مستمرة .

في تلك الاثناء يوم 5 ديسمبر 1973 خرجت مع  رؤوف ابو سعده في دوريه بهدف الاغارة علي قوة للعدو ، وشاءت الظروف ان ينبطح رؤوف علي لغم وينفجر فيه اللغم محولا صديقي وزميلي الي اشلاء علي الفور ، فقمت بتجميعه في بطانيه وقمنا بدفنه في مقابر الشيخ عبده العسكري

فقد شاء الله ان ينجو من تحت جنزير الدبابات ومن تهدم عماره ثمانيه ادوار ومن الغرق بفعل قنابل البلي ، ليستشهد بجواري في السويس .

وعند الإبلاغ عن هذا الحادث ، لم اكن قد عدت بعد ، وتم الابلاغ ان الدوريه التي بها معتز وروؤف قد هوجمت ، فقامت اداره شئون الضباط بابلاغ والدي بإستشهادي واستشهاد رؤوف ايضا .

وعدت الي الموقع حزينا واتصلت بزوجتي ليلا في نفس التوقيت وتحدثنا قليلا عن امور شخصيه وما الي ذلك وكانت مكالمه مطوله .

والذي علمته ان والدي لم يتصل بزوجتي او يبلغها لانه لم يكن يدري كيف يبلغها بالخبر ، وبعد اتصالي بها ، اتصلت هي بوالدي لتبليغه برساله مني لتطمئنه علي ، وكان والدي قد علم منذ ساعات بإستشهادي ، فسألها من اين اتصل معتز ؟؟ فأخبرته انني اتصلت من المكان الذي انا فيه ، فرد عليها والدي بأن المكان الذي انا فيه لا يوجد به تليفونات وسألها عن مضمون الحوار ، وكان حوارا شخصيا جدا وحاول والدي بشتي الطرق التأكد من انها قد تحدثت معي وليست مع شخص اخر ادعي انه انا، وعندما تأكد من انني اتصلت بها ، ودار بيننا حوار لا يعلمه الا انا وهي ، فأخبرها بأنه يحمل معاشي والذي صرفته له اداره شئون الضباط بسبب استشهادي ، لكنها اكدت له انه انا من اتصلت بها ، فأطمئان قلبه ، وفي اليوم التالي توفي والدي ، وعندما اتصلت تليفونيا اخبروني بوفاته ، وحزنت بشده تفوق الوصف ، واتصلت بعدها للاطمئنان علي اسرتي فأخبروني ان عمي قد توفي وفي اليوم التالي اخبروني بوفاه  عمتي وفي المكالمه الرابعه اخبروني بوفاه جدتي ، ففي اسبوع واحد توفي اربعه من عائلتي وهذا يبين كم المعاناه النفسيه التي كنا نعانيها في الحصار من عدم قدرتنا علي التواصل مع عائلتنا .

بعد فترة أعلن عن وقف اطلاق النار فعليا وفصل القوات لنفاجأ بكمية من الطلقات الكاشفة تطلقها القوات الاسرائيليه في الهواء ابتهاجا بخروجها من الثغرة صاحبها كم كبير من الطلقات الناريه فرحا ، واثناء فترة فك الاشتباك كان الجنود الاسرائيلين يتسللون الي مواقع قواتنا حول السويس وتتسول الحلوي ، وقد شاهدت ذلك بنفسي وهذا يؤكد انهم كانوا يعانون نفسيا وماديا من الحصار اكثر منا .

وتم فك الحصار وعدنا الي معسكراتنا مرفوعي الرأس بعد ان سلمنا موقعنا لقوات مشاه مصريه ، ولتنتهي بذلك حرب اكتوبر المجيده بإنسحاب القوات الاسرائيليه الي شرق المضايق بينما لم تنسحب قواتنا مترا واحدا الي الخلف

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech