- حرب اليمن أو حرب التحالف على فريق من اليمنيين، بغض النظر عن الدوافع والعوامل والأهداف والسياقات؛ تعيد الى الأذهان مباشرة حرب اليمن الأولى في ستينيات القرن الماضي، حرب قادت فيها السعودية تحالفاً من الأردن والباكستان، ودعم بريطاني وفرنسي، ومشاركة إسرائيلية عملياتية سرية، ضد قوى الثورة الجمهورية المدعومة من مصر بقيادة جمال عبد الناصر.

مصر أرسلت قرابة ثمانين ألف جندي لدعم ثورة الجمهوريين أو انقلابهم بقيادة المشير عبد الله السلال على نظام الملكية المتوكلية الذي تزعمه الإمام محمد البدر حميد الدين الذي فر مع مجموعة من أنصاره إلى السعودية، وقد تكللت تلك الحرب بانتصار الجمهوريين سنة 1968 بعد ستة سنوات على اندلاعها.

ولأن التاريخ أحياناً يكرر نفسه على شكل مهزلة أو مأساة أو الاثنين معاً، ولأن اليوم يحمل بعض الشبه من الأمس؛ فدول تحالف الأمس هي ذاتها دول تحالف اليوم، مع اختلاف انه يجمع اليوم بين طرفي متراس الأمس، والشعارات هي نفسها عودة الشرعية أو انتصار الثورة، والضحية هي نفسها اليمن وشعبه، والمستفيد في الحربين إسرائيل، لكل ذلك أردنا ان نذكر بالدور الإسرائيلي في الحرب الأولى، وهذا الدور الذي لسبب ما يتجاهله التاريخ العربي.

يقول الدكتور كليب جونس (مؤرخ وأستاذ للدراسات السياسية والدولية في جامعة ليدز) ان "المشاركة الإسرائيلية في حرب اليمن اشتملت على ثلاثة عشر رحلة جوية عسكرية، انطلقت من مطار تل نوف الإسرائيلي العسكري باتجاه الأراضي اليمينة لنقل المساعدات وإنزالها جواً للمقاتلين الملكيين في الجبال، وقد اشتملت تلك المساعدات على أسلحة وذخائر وأجهزة اتصال قديمة كانت مخزنة في مخازن الجيش الإسرائيلي".

د. جونز كتب عن تفاصيل المشاركة الاسرائيلية في حرب اليمن في أحد كتبه التي أرخت للتاريخ البريطاني في الشرق الأوسط، وقد أعاد التأكيد على الدور الإسرائيلي في محاضرة ألقاها في معهد ترومان التابع للجامعة العبرية، وحسبما يقول د. جونس فإن "بريطانيا عبر جهاز استخباراتها MI6 طلبت من إسرائيل إرسال السلاح والذخائر للمتمردين الذين يقاتلون الجيش المصري، فاستجابت إسرائيل على الفور مستغلة الفرصة لاستنزاف الجيش المصري ولإغراقه في اليمن لأطول فترة ممكنة"، ويضيف ان "إسرائيل استغلت الفرصة لتشغيل وتجنيد عملائها لمراقبة ومتابعة الجيش المصري وتقييم قدراته العسكرية".

أما البروفيسور الإسرائيلي، امنون كوهين الذي شغل سابقاً رئيس معهد ترومان للدراسات، فيعتقد ان "المساعدات الإسرائيلية فشلت في إعادة الملكيين للحكم، لكنها نجحت في الايقاع بالجيش المصري في اليمن، وهكذا أضعفت الجبهة المصري ضد إسرائيل".

وحسب د. جونز فإنه "في ربيع وصيف عام 1964 كان المقاتلون الملكيون في الجبال يعانون أوضاعاً وظروفاً صعبة وقاسية جداً، وكانت السعودية تعمل على تزويدهم بالمساعدات عبر تسيير قوافل من الجمال، لكن الجيش المصري كان كثيراً ما ينجح في قطع الطريق عليها، وقد حاول سلاح الجو الملكي البريطاني تقديم المساعدة مرتين لكن ذلك لم يكن كافياً، وفي لندن جرى نقاش هام حول مساعدة الملكيين، وقد رأى بعض هؤلاء في المساعدة فرصة للانتقام من عبد الناصر لما ألحقه ببريطانيا من إذلال في أعقاب حرب 56، لكن بريطانيا رفضت ان تدخل في مواجهة جديدة مع الجيش المصري، وفي هذه الأثناء قرر سلاح الاستخبارات البريطاني الذي كان على صلة وثيقة بالملكيين أن ينفذ اتفاقاً كان قد اتفق عليه في السابق مع الملكيين يتعلق بتقديم المساعدة لهم عبر إسرائيل، وقد قام ضابط سلاح الاستخبارات ديفيد سمايلي بالاتصال مع الملحق العسكري الاسرائيلي في لندن الجنرال دان حيرام، وبعدها سافر سمايلي الى تل أبيب أربعة مرات بأسماء مستعارة، والتقي مع مدير عام وزارة الدفاع آنذاك شمعون بيرس، ومع قائد سلاح الجو عيزر فايتسمان".

إسرائيل تحمست كثيراً واعتبرتها فرصة مؤاتية لضرب الجيش المصري وللتجسس عليه، ويقول يوسي ملميليان من صحيفة "هآرتس" ان "مصدراً أمنياً ذكر له ان الموساد شغل في اليمن شبكة من العملاء، وأن الموساد ساعد كل جهة عربية طلبت مساعدته"، ويذكر ملميليان ان "أحد هؤلاء العملاء يدعى باروخ مزراحي تم إلقاء القبض عليه في اليمن سنة 1967 وسجن في مصر، وأطلق سراحه بعد حرب أكتوبر 1973 في إطار صفقة لتبادل الأسرى"، وعن دور إسرائيل في حرب اليمن يقول شبطاى شابيط رئيس الموساد الأسبق "قمنا بذلك لكي نستطيع أن ننجح في قتال أخطر أعدائنا".

أما المصادر الاسرائيلية فتطلق على المشاركة الإسرائيلية في حرب اليمن اسم عمليات "روطيب ودوربان"، وتذكر ان الطلعة الجوية الأولى انطلقت ليل 31 مارس 1964، والطلعة الأخيرة كانت ليل الخامس من مايو 1966، وأن الطلعات الجوية كانت تتم ليلاً انطلاقاً من تل نوف وعبر السواحل السعودية وصولاً الى اليمن، وبعد إلقاء حمولتها كانت تتوجه الى جيبوتي التي كانت تخضع للحكم الفرنسي، وفي جيبوتي كانت تهبط لتزود بالوقود ثم تقلع عائدة الى إسرائيل.

في حرب التحالف الذي تقوده السعودية ضد ما تصفه بالنفوذ والتمدد الإيراني في اليمن عبر مليشيات الحوثي ومعسكر الرئيس المخلوع السابق علي عبدالله صالح، وضد مخاطر السيطرة الإيرانية على المنافذ الجنوبية للبحر الأحمر، فربما تكون السعودية والدول العربية المشاركة على حق في تحسسها من التمدد وفرض الهيمنة الإيرانية على المنطقة العربية؛ لكن الصحيح أيضاً ان من يتحسس لأمنه القومي كان علية أولاً ألا يترك العراق فريسة للتدخل الأمريكي والإيراني، وكان عليه إنقاذ الشعب السوري وليس الاكتفاء فقط بتدمير الدولة السورية، وكان عليه ألا يسمح للناتو بتفكيك الدولة الليبية وبث الفوضى بها مقدمة لتقسيمها، وكان عليه قبل كل شيء ان ينظر لإسرائيل كعدو رئيسي، وأن يعمل على احتواء إيران باعتبارها جزءاً من العالم الاسلامي وتقاسم العرب ذات العداء على الأقل حاليا لإسرائيل، لكن العرب أغمضوا عيونهم عن التدخل الإسرائيلي في اريتريا وإقامتها أبراج للرقابة على الشواطئ الجنوبية للبحر الأحمر، وأغمضوا عيونهم كذلك عن التدخل الإسرائيلي في دولة جنوب السودان، ولا نكشف سراً إن قلنا ان العرب يفتحون عواصمهم سراً أمام إسرائيل؛ بل بات العرب وللأسف يشعرون انهم في ذات المتراس مع إسرائيل ضد "العدو" الإيراني