Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

النسور لا تعرف الخوف

الكاتب - اللواء طيار أ-ح متقاعد محمد زكي عكاشه

 

اندفع طيارو السرب إلى استراحة الطوارئ متزاحمين على بابها الضيق بعد أن شاهدوا قائدهم قادما في عربته وبصحبته المقدم سمير فريد قائد اللواء الذين هم أحد أسرابه.. في لحظات انتظموا في جلستهم داخل الاستراحة يترقبون ما سيقوله قائد اللواء.. قطع الرائد محمد قائد السرب الصمت الذي خيم عليهم.

-         سيادتك تشرب شاي؟

-         لا قول للعسكري يجيب لي قهوة سادة في كباية.

والتفت إلى طياري السرب.

-         اللي عايز يشرب حاجة يطلب، واللي عايز يدخن يتفضل.

على الفور علق أحد الطيارين

-         أنا عايز أدخن يا فندم بس مفيش سجاير معايا.

ضحك الجميع وخفف ذلك من الرهبة التي كانت تسود المكان.. انطلقت أعواد الثقاب تطرقع في الهواء فقد كان معظم الطيارين من المدخنين.

-    حاتكلم على الطلعة اللي حا نعملها بعد العصر.. الأوامر4 طيارات تهاجم منطقة العدو اللي في رمانة و4 طيارات حا تهاجم موقع الهوك اللي في بالوظة.. الرائد محمد هو اللي حا يتولى مهاجمة صواريخ الهوك وأنا قائد التشكيل اللي حا يهاجم رمانة……

استمر المقدم سمير ساعة يشرح تفاصيل الطلعة ويدقق المهام علـى كل طيار مـن المشاركين ويكرر الأوامر أكثر من مرة. كان سر هذا التكرار أنها المرة الأولى التي يشارك فيها الطيارين الذين تحت قيادته في مهاجمة مواقع للعدو. هذا اليوم تملكه شعور بأنه لابد وأن يكون معهم فوق المواقع الإسرائيلية. وتخيل سمير أن الطيارين يسودهم التوتر رغم أن جميعهم قد هاجم المواقع الإسرائيلية عدة مرات فأنهى أوامره وهو يشعل سيجارة من العلبة الثانية.

-         ربنا معانا وحا يوفقنا إنشاء الله.. أي أسئلة؟

كان طبيعيا بعد هذا الشرح المطول والتلقين التفصيلي ألا تكون هناك أي أسئلة. أنصرف الجميع خارج الاستراحة.. واصطحب المقدم سمير معه محمد وجلسا منفردين في منطقة مزروعة بالخضراوات خلف دشمة إحدى الطائرات.

-    محمد أنت حا تعدي القناة قبلي بدقيقة علشان أدخل أنا والتشكيل بتاعي بعد أنت ما تكون دمرت الهوك.. عايزين نعمل نتيجة كويسة ومن غير خسائر إن شاء الله.

كان محمد يشعر بما يدور في نفس قائده من قلق وانفعال فأشفق عليه من عناء هذا الإحساس.

-    يا فندم ما فيش داعي للقلق أطمئن. والطلعة حا تتنفذ زي ما سيادتك قلت بالضبط، الطيارين عندي في السرب ملتزمين قوي.

شعر سمير بأن محمد يعرف ما يدور بداخله، أراد أن يتخفف من بعض ما يعاني خاصة ومحمد تربطه به مودة خاصة بعد أن خدم تحت قيادته، وبينهما صداقة شخصية رغم اختلاف الرتب.

-         نفسي يا محمد الطلعة بتاعة النهاردة تجيب نتيجة كويسة.. أنا أصلي في حرب 67

    انضربت ومش قادر أنساها لغاية النهاردة.

قطع حديثهما أحد الضباط همس في أذن محمد بشيء جعله يستأذن منفعلا، وما أن ابتعد قليلا حتى سمعه يهدد ويتوعد بصوت عال ثم عاد إلى مجلسه وهو ينتفض من آثار ثورته.

-         إيه يا محمد… فيه إيه؟

-         يا فندم .. سواق غبي حرق موتور العربية علشان سايق من غير ميّه.

-         طيب هدي نفسك .. يدخل مكتب بكره ويتخصم منه ثمن الموتور.

انطلقت الطائرات في موعدها، وما هي إلا عشر دقائق إلا وكانت الطائرات تعبر قناة السويس، اطمأن كقائد لما رأى طائرات التشكيل زاحفة حوله في أماكنها تماما. في الوقت المحدد ارتفعت طائرات التشكيل فوق الموقع الإسرائيلي، في ثوان معدودة  انقلبت المنطقة إلى كتلة من الجحيم،  اندفع طيارو التشكيل يقذفـون الموقع بقنابلهم وصـواريخهم مغلفة بحقد غريزي لكل ما هـو إسرائيلي في الوقت الذي كان الموقع يبادلهم النيران من مواسير المدافع المضادة للطائرات كأنها خراطيم لهب مستمرة. وفي خضم نشوة الجميع بقرب نجاح مهمتهم بعد أن شاهدوا النيران وقد بدأت تستشري في الموقع. جاء صوت المقدم سمير في اللاسلكي

-         محمد .. أنا انضربت فوق الموقع وراجع.

أصيبت طائرة سمير بطلقات المدفعية المضادة للطائرات مما جعلها ترتج بعنف شديد لكنه استطاع بخبرته السيطرة عليها قبل ارتطامها بالأرض بأمتار قليلة. وعقدت المفاجأة ألسنة الجميع، ران عليهم الصمت حتى جاء صوت محمد في اللاسلكي مندفعا كالطلقات

-         خير يا فندم .. الطيارة سليمة ؟ .. سيادتك فين بالضبط ؟

-         أنا بعدت عن الموقع حوالي خمسة كيلو متر وارتفاعي 100 متر.

-         إن شاء الله سليمة يا قومندان.. صلاح يقود التشكيل وأنا حا طير حماية جنب سيادتك.

-         كل الطيارات ترجع .. مش عايز حد جنبي .. محمد أرجع مباشرة على المطار.

كان يخشي الطائرات الإسرائيلية التي على وشك الوصول إلى المنطقة لاعتراض طائرات التشكيل، والمهمة نجحت تماما ولا داعي لخسارة طائرة من التشكيل في قتال غير متكافئ. خاصة وأن الوقود في الطائرات يكفي للعودة فقط. انتبه سمير لطائرته فوجد أنها تعمل بقدرة ضعيفة للغاية فأيقن أنه لن يصل القناة إلا بمعجزة.

-    الطيارة فيها دخان في الكابينة، لكن خفيف.. السرعة 300 كيلو بس ومش عايزة تزيد.. المحرك تقريبا بيشتغل 70% منه.. البوصلة عطلانة.

-         يافندم خلي الشمس في وشك.. وسيادتك حاول تعدي غرب القناة ونط بالبراشوات.

وعم الصمت في اللاسلكي مرة أخرى، فلم يكن في مقدور أي من طياري التشكيل الذين في طريق العودة إلى المطار أن يفعل له شيئا.. حتى محمد الذي امتثل لأمر العودة أيضا، لكن كلماته لم يكن لها فائدة تذكر.

وتملك سمير إحساس مرير بالعجز، فمصيره قد أصبح مرهونا بما ستفعله تلك الكتلة الحديدية الطائرة.. شعر وكأنه مكبل بسلاسل غليظة وهو البعيد عن الأرض المحلق في الفضاء الرحب! المسافة إلى قناة السويس أربعون كيلو مترا. سيمر فوق مواقع إسرائيلية وبسرعته هذه وارتفاعه ستجهز عليه تلك المواقع بصواريخها ومدفعياتها.. وآه لو لمحته الطائرات الإسرائيلية القادمة لاعتراضهم، سيكون صيدا سهلا لهم.. والبراشوت لن ينفتح إلا إذا ارتفع إلى ثلاثمائة متر، فهذا هو أقل ارتفاع لفتح المظلة .. السرعة ثلاثمائة كيلو متر في الساعة ولو تناقصت ثلاثين كيلو فقط ستهوى الطائرة إلى الأرض، خاصة وأن ارتفاعه مائة متر فقط .. يحاول أن يكسب بعض الارتفاع لكن الطائرة تتمنع ولا تستجيب وكأنها امرأة لعوب.

-         سيادتك فين دلوقتي؟

-         داخل على القناة كمان ثلاث دقائق.

يدعو ربه أن يعبر القناة.. فهو لا يريد أن يهبط اضطراريا عند اليهود.. سيتم أسره دون شك .. الأسير إنسان منزوع الإرادة رغم إرادته .. رتبته ومنصبه كقائد لواء جوي ستجعله مكسبا كبيرا لهم.. الأسير يرجع بشخصية مختلفة تماما.. زوجته وأبناؤه سيفتقدهم ..

-         أنا فوق القناة بالضبط.. نفس الارتفاع ونفس السرعة ومتجه للغرب.

 تنفس بعمق وهو يرى لون الحقول الخضراء ممتدة أمامه والفلاحين يلوحون له بأيديهم.. وحاول مرة أخرى أن يكتسب بعض الارتفاع، وانتفض قلبه في صدره وهو يرى الطائرة وقد بدأت تستجيب ببطء، لكن فرحة ماتت سريعا حيث توقفت عن الارتفاع بعد ثمانين مترا فقط.

-         تشكيل أسد على ارتفاع 4000م .. السرعة 900 .. الاتجاه 230 درجة.

جاءت تلك الكلمات من أحد قادة التشكيلات العائدة من المعركة. ورغم أنه مكبل في ذلك القفص الطائر، لكن سخريته غلبته فهو على الأقل قد استبعد فكرة أن يكون أسيرا.

-         4000 متر يا ظالم وأنا نفسي 300 متر بس.

مرت الدقائق بطيئة ومتلاصقة.. وبدأت معالم المطار تظهر عن بعد فانتابه إحساس غامر بالطمأنينة، فالطائرة ستصل إلى المطار، وبدأ برج المراقبة ينادي عليه.

على الفور اصدر محمد أوامره لعربة المطافئ والإسعاف ومعها طبيب القاعدة أن يكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة أية عواقب قد تنجم بعد نزول الطائرة..

اقتربت الطائرة في خط مستقيم باتجاه الممر، وأنزلت عجلات الهبوط وتنفس محمد الصعداء فقد كان هناك شك كبير في نزول تلك العجلات، خاصة وأن الطائرة مصابة في أماكن كثيرة.. اقتربت الطائرة ببطء واضح.. لكن محمد كان يشد من أزر سمير بكلمات مطمئنة حيث المرحلة الأخيرة هي أصعب مراحل الهبوط.. قبل بداية الممر بأمتار قليلة وكانت الطائرة على ارتفاع ثلاثين مترا تقريبا، صرخ سمير في اللاسلكي.

-         الطيارة بتحدف شمال ومش قادر أسيطر عليها.. مفيش كونترول على عصا القيادة.

وفزع محمد من هول منظر الطائرة وهي غير مسيطر عليها، لكنه حاول أن يوجه سمير إلى أي شيء قد يكون فيه نجاته وهبوطه سالما.

-         استعمل الدفة اليمين .. الدفة اليمين.

لكن الوقت لم يمهل سمير لعمل أي شيء فقد اندفعت الطائرة إلى الأرض الطينية الموجودة بين ممرات الهبوط.. وما أن لامست الأرض حتى أخذت في الاندفاع تارة لليمين بعنف ثم ترتد إلى اليسار بأعنف، وكأنها ثور أسباني جامح، الأجنحة ترتفع ثم تهوي، كل ذلك وسط أتربة مثارة تحيط بالطائرة من كل جانب .. وأخيرا استـقرت بعد مئات الأمتار على الأرض

استشعر محمد في نفسه أن سمير لابد أنه استشهد فلم يحاول الذهاب إلى مكان الطائرة، وخرج إلى الخلاء ينظر إلى الأرض وهو غير مصدق. ولم يشعر كم مضى عليه من الزمن وهو على هذه الحالة حتى فوجئ بطاقم برج المراقبة وهو يصرخ وينادي عليه.. فالمقدم سمير كتبت له النجاة وهو حاليا في استراحة الطيارين. لم يشعر محمد إلا بأنه في ثوان كان أمام الاستراحة، اندفع كالصاروخ من بابها فوجده مًَمدا على أحد الأسرة المخصصة لمبيت طاقم الطوارئ.. لم يشعر بنفسه إلا وهو يرتمي فوقه يبكي دون وعي فما كان من سمير إلا أن ربت على رأسه وقال بصوت واهن

-         أنا كويس يا محمد…. الحمد لله مفيش حاجة.

نظر محمد إلى قائده نظرة ممتلئة بالود والمحبة.. لكنه توجس في نفسه حين لاحظ أن وجهه ممتقع اللون بصورة شديدة فانتحى بالطبيب جانبا يسأله عن سر هذا الشحوب.

-    هو كويس ومفيش أي حاجة الحمد لله.. ده بس من الصدمة العصبية وأنا أعطيته حقنة علشان آثار الصدمة.. لكن لازم ينزل المستشفى للاطمئنان.

حاول سمير أن يمشي على قدميه حتى عربة الإسعاف لكنه سقط على السرير.. فقام محمد وبعض الطيارين بحمله إليها وتمدد بداخلها.. اطمأن محمد على راحته داخل العربة.. وقبل أن يغادرها أشار له سمير أن يقترب منه، فمال عليه حتى يسمع صوته الواهن

-         أنت مكاني يا محمد.. وتخصم موتور العربية اللي أتحرق على الواد السواق

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech