Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

روايه اسود في قلب العدو - الجزء السابع والاخير

 

7- قتال حتي الموت

عقارب الساعه تشير الي الثانيه صباحا ، والسكون يلف اجواء المكان بعد ان خمدت الحرائق ببطء ، وظل دخان بسيط يتصاعد من الحطام ، الاعين علي جانبي الطريق تمسح الافق في صمت وتركيز شديد والاصابع علي الزناد في جاهزيه عاليه

بدأ العدو هجومه بقصف مدفعي بقذائف الهاون واعتمد علي القذائف الفسفوريه الحارقه وقنابل مضيئه ، فعاد الموقع ليكون نهارا مرة اخري.

استمر القصف بعض دقائق ولم يسفر عن اي اصابات لانه تركز بعيدا عن الطريق في المناطق التي يحتمل تواجد قوات الصاعقه بها ، كانت كل قذيفه تحفر في الرمال الناعمه حفرة عميقه ، مما جعل احمد يصيح في رجاله بأمكان استخدام تلك الحفر في المناوره بالقوات لاحقا .

رصد اسلام ومصطفي دبابه للعدو في اول رتل الدبابات من الشرق وقد اضاءت انوارها الساطعه لتعميه الجنود المصريين ، فتوكل اسلام علي الله واطلق قذيفته الاولي لتدمر تلك الدبابه القادمه من اتجاه العريش ، أشعل انفجار الدبابه سماء المنطقه خارج الموقع وسهل لاسلام ومصطفي التصويب ، فأطلق مصطفي رشاش برج الدبابه النصف بوصه تجاه عربات العدو المدرعه التي بدأت في الخروج من الطريق الي الصحراء لتجنب الاصابه ، وعم الذعر في صفوف الاسرائيليين الذين بوغتوا بقذائف الدبابه وطلقاتها التي تقتل وتبتر كل ما تجده في طريقها ، صوب اسلام مرة اخري علي دبابه اخري تحاول الخروج من الطريق الي الرمال ، ولكن قذيفته تخطئ الهدف وتنفجر خلف الدبابه بمسافه .

فتحت القوات الاسرائيليه قواتها بعرض الطريق علي مسافه كيلو متر من موقع قوات الصاعقه المصريه ، وبدأت في القصف بقذائف الدبابات فقط مع نزول قوات المشاه من العربات واتخاذهم مواقع في الصحراء .

تابع الرجال علي الارض عمل اسلام ومصطفي ونتائجهم في سعاده حتي فوجئ الجميع بانفجار برج الدبابه وتطايره من جراء قذيفه مباشرة واستشهاد اسلام ومصطفي علي الفور .

صرخ الرجال غير مصدقين ما حدث ، وصاح احمد يسأل في دهشه عن مصدر تلك الطلقه ، ولم يرد احد ، فالتراشق النيراني متركز تجاه الشرق ، لكن تلك القذيفه اتت من اتجاه الغرب ، من اتجاه قناه السويس .

فكر احمد سريعا ، فهل يعقل ان يسحب العدو قوات من الجبهه لكي يفتح الطريق ؟؟ إن المسافه الي الجبهه حوالي مائه كيلو متر تقريبا وهي مسافه بعيده لوصول قوة من العدو بهذه السرعه .

تلك القذيفه التي دمرت الدبابه وبعثت بأرواح مصطفي واسلام الي الجنه ، تلاها قذيفه اخري انفجرت في الدبابه الاخري المصابه فوق الشاحنه ، لكن هذه المره استطاع طاهر ان يرصد مصدرها ، فوجد انها في الجنوب تجاه الجبال علي مسافه اثنان كيلو متر تقريبا وقد اتخذت تبه رمليه ساترا لها ، ثم اطلقت طلقه ثالثه انفجرت في حطام احد السيارات ، فقد كانت فيما يبدو تحاول تدمير اي عائق علي الطريق من المحتمل تواجد القوه المصريه حوله .

صاح احمد متسائلا – عايز وحش يخلصنا من الدبابه دي ، فخرج صوت العباسي مسرعا قائلا – سيبهالي يا قومندان

ولم ينتظر رد من احمد انما ترك حفرته وانطلق جاريا في اتجاه متعرج وهو محني الظهر احيانا وزاحفا احيانا اخري وهو يقوم بعمل التفاف جانبي تجاه الدبابه متفاديا اكتشافه .

اثناء ذلك لم تتوقف طلقات الرشاشات الاسرائيليه في التطاير فوق الرؤس بلا رحمه او توقف فواصل احمد متابعه ما يدور

ركض العباسي حتي وصل الي مسافه 200 متر الي جانب الدبابه ، اثناء ذلك اطلقت الدبابه طلقه اخري ، فأنارت نيران مدفعها المنطقه حولها ، مما مكن العباسي من مشاهده الموقع حولها بوضوح لوهله ، فأنطلق من مكمنه تجاهه جانب الدبابه وهي منطقه ميته في حاله تلك الدبابه المتحصنه وراء التل الرملي ، وبرشاقه الفهد قفز فوق جسم الدبابه ومنها زاحفا الي البرج ، واسقط قنبله يدويه من فتحه التهويه وقفز من فوقها ، لتسقط داخل البرج وتنفجر انفجارا مدويا مطيحه باجزاء من البرج في كل اتجاه ، وتطير الاف الشظايا في الهواء لتسكن احدها وتستقر في ظهر العباسي وهو يركض عائدا لمكمنه .

ارتمي جسده علي الفور وهو يتألم في قوة ، فقد استقرت الشظيه في عظام عموده الفقري وتشل أجزاء جسده عن الحركه تماما

ليفقد القدرة علي الحركه ويفقد الوعي بعدها بثوان قليله .

صاح الرجال فرحين وهم يرون انفجار برج الدبابه وسط ظلمه الليل ، واتاحت لهم النيران ضوءا اضافيا لكشف اي تحركات معاديه من الجنوب مره اخري ، وصاح الدمنهوري بأعلي صوته مثنيا علي العباسي وعلي شجاعته ، ولم يري احدا من موقعهم جسده وهو ملقي بلا حراك .

خفت حده الطلقات مرة اخري بعد تدمير الدبابه الاسرائيليه ، وكان يبدو ان القائد الاسرائيلي يفكر في خطوته القادمه بحرص

شديد ، فالاوامر التي اُعطيت له هي ان يفتح الطريق بأي ثمن وبأقل خسائر ممكنه ، فكان حريصا في خطوته القادمه .

ساد الظلام والصمت ارض المعركه وتوقف التراشق بالنيران ، ونظر احمد لساعته فوجد ان امامه خمس ساعات من القتال ولابد ان يتمسك بالارض في تلك الساعات الحاسمه .

كان الاتصال مفتوحا مع القياده وعادل يبث اخر التطورات اول باول وهو ممسك بسلاحه في حفرته ، والقياده تثني علي عملهم وتشد من ازرهم في كل رساله .

وبعد دقائق من الصمت ظهرت دبابتين وعربتين مدرعتين في الجنوب و خمس دبابات وعشر عربات تأتي من تجاه البحر من الشمال ، وبدأ تطويق الكمين بكل قوة من الشمال والجنوب

واشتبك رجال الصاعقه بكل قوة ، وانطلقت الصواريخ في تجاه الدبابات والعربات يقابلها قذائف الدبابات وطلقات رشاشتها في تجاه قوات الصاعقه ، ودارت رحي معركه شرسه ، في اول ثوان اصيبت دبابه وعربه مدرعه اسرئيليه مما رفع معنويات الرجال لكن القصف الاسرائيلي اصبح هستيري ، ونزل الجنود الاسرائيليين من العربات واتخذوا مواقع هجوميه وبدأت طلقاتهم تتطاير فوق رؤوس جنود الصاعقه .

افاق العباسي من غيبوبته علي صوت الطلقات ، ليجد الجنود الاسرائيلين حوله من كل اتجاه وبجانبه علي مسافه عشر أمتار فقط عربه مدرعه تطلق نيرانها ، فالاسرائيليين عندما شاهدوه وشاهدوا الدماء تغطي الرمال حوله ظنوا انه ميت ، ولم يكترثوا به في معركتهم

وشاهدهم العباسي يطلقون نيرانهم وهم رقود علي الارض لا يفصلهم عنه سوي امتار قليله ، وبنظر مشوش من حده الالم وبيد مرتعشه غارقه في الدماء امسكت اصابعه بقنبله يدويه مثبته في قميصه ، حاول ان يحرك يده الاخري لكنه لم يحس بها ولم يستطع تحريكها نهائيا .

وبينما يرقد علي جانبه وظهرة شلال دماء متدفق يروي رمال الصحراء ، نزع فتيل القنبله ببطء ، وهو يتلو الشهاده في عقله ، وحرك يده ببطء ممسكا بالقنبله وصيحات الجنود الاسرائيليين حوله من كل اتجاه في قتالهم مع القوه المصريه ، وقذف بالقنبله وهو مستجمع اخر ما لديه من قوة ، وطارت القنبله في الهواء واختفت عن نظرة لتسقط داخل العربه مدرعه وتنفجر لتلقي باشلاء من بها من جنود حوله وهي تحترق .

وبسرعه وصلت يده لاخر قنبله معه ومستغلا اندهاش وذعر الجنود الاسرائيليين مما حدث ، والقاها وعينيه تتلاقي عينه مع عين جندي اسرائيلي تنبه له .

تلاقت النظرات وتباينت المعاني والرغبات والمصائر ، القي العباسي القنبله اليدويه في اللحظه التي اطلق فيها الجندي طلقه مدفعه الرشاش ، وصلت القنبله وسط ثلاث جنود وسقطت بينهم في الظلام بينما طلقه الجندي الاسرائيلي تتجه للعباسي

وتنفجر القنبله في نفس لحظه ارتطام الطلقه بجبهه العباسي فوق حاجبه الايمن تماما ، لتسقط رأسه علي الارض داميه مودعه الحياه ، بينما تتطاير اشلاء الجنود الاسرائيليين حولها والدخان يتصاعد من اطرافها الداميه .

توقفت الدبابات والعربات المدرعه المهاجمه من الجنوب عند مسافه معينه وواصلت اطلاق نيرانها، أما الدبابات من الشمال وتصاحبها العربات المدرعه فواصلت اندفاعها تجاه الموقع ، انطلق صاروخ ار بي جي استقر في جنزير احد الدبابات وعطلها ، فقفز الدكتور عبد الله من حفرته وقفز فوق الدبابه والقي بداخلها قنبله يدويه فجرتها ، تلي ذلك انطلاق صاروخ اخر نحو سياره مدرعه فانفجر في زجاج السائق وانحرفت بمن فيها من جنود لتصطدم بسيارة مدرعه اخري مسرعه وتنقلب العربتان بما فيهم من جنود .

ظل عبد الله فوق برج الدبابه مطلقا رشاشه نحو الجنود المتبعثرين حول حطام العربات المدرعه ، فأفرغ خزانتين من رشاشه قبل ان يتلقي رصاصه في كتفه تدفعه من فوق الدبابه علي الرمال مضرجا في دمائه ، لكن لحظه السعيد فقد سقط رشاشه بجوارة ، ورغم الامه فأنه واصل اطلاق نيرانه وهو يرتد مترنحا الي حفرته ، لكنه تعثر في حفرة معتز الذي يبعد عشرون مترا فقط من الدبابه المحترقه وخمسون مترا من العربات المحطمه .

اراد معتز ان يقول اشياء كثيرة ويثني علي بطوله عبد الله لكن الوقت كان وقت الرصاص فقط ، فالمعركه تدور رحاها بقوة

وتعثر الهجوم المدرع الاسرائيلي من قوة المقاومه ومفاجأتهم من صلابه ودقه الصواريخ وكثره الاصابات .

استدار احمد طالبا من جندي الار بي جي استهداف دبابه تحاول التحرك من اليمين خلف الدبابه المحطمه ، فوجد الجندي قد استشهد في حفرته بينما القاذف ملقي علي الرمال ، فزحف تجاه القاذف والطلقات تنطلق فوق رأسه واخري تصطدم بالرمال حوله ، استمر احمد في زحفه حتي دخل حفرة الجندي الشهيد ، وامسك بالقاذف ووجهه طلقته الي الدبابه ، فأنطلق الصاروخ سعيدا تجاه هدفه ليصطدم اسفر البرج تماما ومعطلا الدبابه التي خرج قائدها هاربا منها فور اشتعال النار بها ، فعاجلته طلقات مباشرة من رشاش طاهر ، في نفس الوقت ينفجر لغم في جنزير عربه مدرعه ويدمر جزء من هيكلها .

قلب احمد جثه الجندي الشهيد باحثا عن بقيه صواريخ الار بي جي فوجد ان الحامل علي ظهر الجندي خاليا من الصواريخ ، فقد كان اخر صاروخا معه ، فصاح الي طاهر والي جنوده طالبا صواريخ اضافيه ، وقد امسك برشاشه مطلقا دفعات محدده قصيرة تجاه ما يراه من جنود .

شاهد الدمنهوري ما يحدث خلف ظهره تجاه الشمال من بطوله الرجال وقدرتهم علي وقف وتعطيل الهجوم المدرع الاسرائيلي قبل ان يصل داخل موقع الكمين ، بينما جنوده المواجهيين للجنوب يقاتلون في طلقات محسوبه العدو المتربص علي مسافه قريبه فاتحا نيرانه عليهم لاشغالهم عما يحدث في الشمال .

مضت دقائق من القتال توقف خلالها تقدم العدو من الشمال وارتبك هجومه وانسحبت بقيه الدبابات والعربات لمسافه امنه بينما ظل الجنود علي الارض يحاولون انقاذ المصابين من تحت العربات المتصادمه .

لمح سعدي عددا من الجنود يحاولون اخراج زملائهم من بين حطام العربات ، فخرج من حفرته زاحفا حتي وصل الي جوار الحطام ، والقي بقنبله يدويه انفجرت في الجنود جميعهم فتوقف علي الفور وللابد انين المصابين ، بينما اندفع عادل تاركا اللاسلكي الي خلف كومه من العشب حاميا لجانب سعدي ومطلقا نيرانه في تركيز ضد الجنود المختبئين خلف العشب فسمع علي الفور صوت صراخ عاليا يطلب النجده ، صاح احمد لعادل بان يحافظ علي مكانه الجيد

فقد قرر احمد عمل هجوم مضاد مستغلا الفزع والرعب والارتباك في صفوفهم ، فطلب من عبد الله ومعتز حمايتهم بينما تقدم مع ثلاث جنود وطاهر الي اماكن محميه خلف الحطام .

وبدأت معركه صامته بين الجنود وجها لوجه ، جنود مقاتلين مصممين علي الشهاده او النصر وجنود اخرين يريدون النجاه و الحياه .

انقض طاهر علي جندي متكور الجسد خلف كومه عشب وقتله في لحظات بخنجرة ، وزحف تجاه كومه اخري من العشب متوازيا مع مكان اتخذه احمد .

أمر الدمنهوري احد جنوده بحمل صواريخ ار بي جي والتحرك الي حفرة احمد حيث القاذف ملقي هناك بدون ذخيرة وان يحمي مؤخرة قوه احمد مساعدا لمعتز وعبد الله ، فزحف الجندي في رشاقه وسرعه حتي وصل الي تلك الحفرة واتخذ موقع ضرب ولقم القاذف وبدأ يبحث عن هدف جديد .

في نفس الوقت امر الدمنهوري رجاله بوقف اطلاق النار والحفاظ علي الذخيرة بعدما ادرك ان قوه الاشغال الاسرائيليه من الجنوب لن تتحرك تجاههم في الوقت الحالي ، وبدأ يدرس امرا ما في عقله فهم يريدون استنزاف ذخيره المصريين المحاصرين الان من الشمال والجنوب .

تيقن احمد من استكمال تطهير المنطقه قرب موقعه من قوات العدو ، فما بقي منهم هو دبابتين وثلاث عربات مدمرة تماما

وجثث جنوده ، بينما انسحبت باقي الدبابات تجاه البحر .

فطلب من رجاله الاحتفاظ بالارض في الاوضاع الجديده وأمر سعدي وعادل تعزيز قوة الدمنهوري في اوضاعها

وصل سعدي وعادل زحفا الي حيث يرقد الدمنهوري في حفرته .

- جيتم في وقتكم يا وحوش ، دلوقت كل واحد ياخذ معاه عسكري وتطوقوا القوه اللي هناك ، عايز هجوم صامت .

كانت تلك تعليمات الدمنهوري الذي ايقن ان العدو يريد ان يعمل علي انهاء ما لدي قوتهم من ذخائر لكي يهاجم ، فقرر ان يهاجمهم هو في البدايه ، في نفس الوقت ارسل جنديا الي معتز طالبا منه ابلاغ احمد ببدء نفاذ الذخائر .

تحرك سعدي من جناج وعادل من جناح اخر مطوقين القوة الاسرائيليه ومع كل منهم جندي مدجج بقنابل يدويه مضاده للدبابات ، فهدفهم هذه المرة التخلص من تهديد تلك الدبابات وابعادها عن محيط موقعهم للابد وبأقل ذخائر ممكنه .

تسلق كريم تلا رمليا ، بينما تقدم عادل في ارض مفتوحه مليئه بالعشب والصبار ،وفي صمت تام تقدمت الوحوش الاربعه مترا بعد متر ، ومع اقترابهم من الاهداف ظهرت الدبابات واضحه كاشباح سوداء وسط الظلام ، وسمعوا صوت الجنود يتحدثون مع بعضهم وصوت احد الضباط يتحدث في اللاسلكي من عربته المدرعه ، فقد كان يصيح وسط صوت الطلقات مخبرا قيادته بقوه المقاومه المصريه وانه يظن ان القوه المصريه قد تزيد عن مائه جندي .

انتظر كريم قليلا حتي يبدأ عادل هجومه كما خطط لهم الدمنهوري ، وفعلا فور وصول عادل ومساعده خلف الدبابات والعربات المدرعه في صمت تام زحفا ، استل قنبله يدويه من مساعده واشار له لكي يضرب هو علي دبابه بينما يضرب الاخر علي العربه المجاورة لها .

رمي الاثنان قنابلهم المضاده للدبابات في وقت واحد ، فأنفجرت الاولي في محرك الدبابه والثانيه داخل العربه المدرعه المفتوحه السقف ، في تلك اللحظه بدأ سعدي ومساعده في رمي قنابلهم علي الدبابه والعربه الاخري ، فانفجرت في برج الدبابه وبجوار العربه ، واختلط الحابل بالنابل حيث تنبه الجنود الاسرائيلين لما يحدث فبدأوا في اطلاق نيران عشوائيه في كل اتجاه

وامر الدمنهوري رجاله بفتح نيران بالمواجهه لستر رجاله ، لكن الرجال الاربعه كانوا قد تورطوا في قتال متلاحم وسط العربات والدبابات المحترقه .

تطايرت الطلقات من الايدي الاسرائيليه المرتعشه خوفا من صدمه الهجوم الصامت ، بينما رد الجنود بطلقات صادره من قلوب مؤمنه مجاهده تطلب الجنه.

استمر القتال دقائق حول وبين العربات المدرعه المحترقه وسكتت الدبابات في رد النيران تجاه الدمنهوري ، فأنطلق من حفرته وشاركه رجاله الاربع المتبقيين تجاه الجنوب لدعم رجاله في قتالهم الغير متكافئ .

وصل الدمنهوري ورجاله ليجدوا ان المعركه قد انتهت بالفعل ، وان الجنود الاسرائيلين قد هربوا تجاه الشرق بعد ان قتل منهم عدد و أستشهد الجندي مساعد السعدي وأصيب هو بطلق في فخذه ، ووجد عادل ومساعده سالمين .

عاد الابطال الثمانيه الي مواقعهم بعد ان وضع عادل شراكا خداعيه في حطام احد الدبابات لتنفجر فور فتح باب البرج العلوي

كانت العوده صعبه علي كريم لاحساسه بالالم الكبير من الطلقه التي اخترقت فخذه وخرجت من الناحيه الاخري مفتته عظامه

وفور وصوله اعطاه الدمنهوري مسكن قوي وربط له الجرح برباط طبي ميداني وهو يثني علي رجاله في تنفيذ المهمه .

مرت الان ساعه بعد فشل الهجوم الاسرائيلي ، استطاع احمد ان يغنم عدد من الاسلحه والذخائر التي يحتاج اليها لكنه لم يجد مقذوفات مضاده للدبابات ، فحافظ علي مكانه مع جنوده بينما قام الدمنهوري بتعديل موقف جنوده المتبقيين في حمايه الموقع

وبينما خيوط الفجر تبدأ في نسج سماء الرابع عشر من اكتوبر كانت القوة المصريه قد تقلص عددها الي ثلاث عشر فرد ما بين ضابط وجندي ، ومازال هناك اربع ساعات اخري علي الموعد الذي حددته القياده .

في تلك الاثناء وصلت اشارة شفريه جديده من القياده تلاقاها عادل بأستغراب ومررها الي الدمنهوري واحمد فورا

- استمر في القتال صقر في الطريق اليك .

فمن صقر هذا الذي تتحدث عنه القياده فهي كلمه شفريه غير مفهومه لهم ، توقع احمد ان القياده سترسل لهم مدد من قوات صاعقه اخري وهو امر ليس وارد لكنه محتمل ، بينما توقع الدمنهوري انها ضربه جويه تفك حصارهم فالقوات الجويه هي القوة الوحيده التي تستطيع الوصول لهم علي هذه المسافه .

مع تبعثر خيوط الفجر في السماء ، ظهر الندي علي خوذات الجنود الحديديه ، وبدأت شبورة كثيفه تلف المنطقه جعلت الرؤيه لا تتدعي عشر امتار ، واختفي الرجال داخل الحفر مجهدين ولم يستطيع احدهم رؤيه الاخر وعم الصمت والترقب جنبات المكان، وأن ظهر علي فترات صوت جنازير الدبابات الاسرائيليه من بعيد

طلب الدكتور عبد الله من معتز هامسا تغيير الرباط الطبي علي جرحه لانه غرق في الدماء ، وبيد مرتعشه متردده نزع معتز الرباط الطبي وقام بناء علي تعليمات عبد الله بوضع دواء لوقف النزيف وربط الرباط الطبي الجديد فوق الجرح مرة اخري . بينما احمد يجهز عدد من الرشاشات الاسرائيليه التي غنمها بالطلقات .

قرب السادسه والنصف صباحا بدأ الضباب ينقشع ببطء ، واتسعت عيون الرجال دهشه مما يرونه ، فقرب الجبال تجاه الجنوب وعلي مسافه كيلومترين تقريبا ، اصطفت خمس دبابات وعشر عربات مدرعه في تشكيل قتال ، وبدا ان المعركه قد وصلت الي نهايتها الداميه ، فلديهم صاروخين ار بي جي فقط وثلاث عشر جندي امام سريه معاديه كامله العتاد والعده ، وبدأ صوت طائرات هليكوبتر يظهر في سماء المنطقه .

فالنهار قد انبلج والعدو يستطيع استخدام كل ما يملك من سلاح ضدهم ، فأيقن احمد انها النهايه السعيده التي ينتظرها ، لكن ابنه نور الدين ظهر في مخيلته ، ذلك الولد الذي سيكبر بدون أب مثله مثل الاف من ابناء هذا الجيل الذين قُدر لهم ان يكونوا ابناء شهداء ، وتساءل في عقله عن ما اذا كان ابنه سيعرف بطوله والده وهو يدافع عن دينه ووطنه ؟ هل سيعرف ان والده كان مقاتلا شجاعا لم يهاب الموت ؟ كان بطلا في الميدان بطلا قاتل العدو وجها لوجه واصاب واصيب ، قاتل واستشهد لكي لا يصل العدو الطامع الي بيته في القاهرة ؟

من سيخبرك يا نور بتلك الايام التسع الخالده في حياه والدك ، فقد عاش والدك ست سنوات يرجو يوما واحدا من تلك الايام وقد حقق الله له ما اراد وزياده في ذلك اصبحوا تسعه ايام بدلا من يوم واحد .

الحياه له مجرد رحله بدأت رغما عنه وستنتهي ايضا رغما عنه ، لكنه هو الذي يقرر كيف يكون شكل تلك الحياه ، فقد كانت كليه الحقوق متاحه له عندما اختار الكليه الحربيه ، وعندما تخرج كان سلاح الامداد متاحا له لكنه اختار المشاه ومنها الي الصاعقه ، اختار ان يعيش وسط الصحراء ويأكل العقارب والثعابين بدلا من الارز واللحم في مكتب جيد التهويه في القاهرة .

هو اختار ان يكون هذا مسارة ، لكنه لم يختار طريقه موته ، فهو ميت منذ دخل الصاعقه وتم اختيارة في عمليات الاستطلاع خلف الخطوط وعلميات العبور المقاتله في حرب الاستنزاف ، فهي رغبته في الشهاده التي تحركه لكنها لم تتعد للتهور الغير محسوب ، فاذا كنت سأموت فيجب ان اخذ معي اكثر عدد من اليهود في طريقي الي السماء هكذا علمونا في مدرسه الصاعقه وهكذا علمت رجالي .

احس بان صمته وفوران تفكيرة قد يكون محبطا للرجال حوله ، فعاد الي الواقع وتلك المعركه التي تنتظرة ، وبدأ يبث الهمه والعزيمه في نفوس الرجال بعبارت مشجعه

في نفس الوقت عادل يرسل اشارة للقياده بالموقف بناء علي امر من الدمنهوري الذي احس أيضا بأن المعركه قد قاربت علي النهايه ورغم انهم حققوا هدف القياده تقريبا باغلاق الطريق حتي الثامنه صباحا الا ان الساعتين القادمتين ستكونان حاسمتين

ففي هذه الدقائق تكاد تبدأ المدرعات المصريه تقدمها لتطوير الهجوم والقوات الاسرائيليه لا تستطيع استخدام هذا المحور الحيوي الان لدعم قواتها حتي لو نجحوا في القضاء علي الرجال الوحوش الرابضين لهم فان امامهم وقت حتي يتموا ازله الحطام والتحرك بحريه ، تكون وقتها المفاجأه قد حلت عليهم وبدأت دبابتنا بتحركها .

صوت الطائرات المقاتله يقترب و يفكر معتز هل سقصفوننا بالنابالم كما قاموا في طريق الحسنه ام سيلقون قنابل البلي العنقوديه ؟ الامر بالنسبه له سيان ، فالنوعان محرمان دوليا لكن اختلفت الاسباب والموت واحدا ، وردد في عقله – هي موته ولا اكتر؟

اقترب صوت الطائرات قادما من الغرب ، من المؤكد انها طائرات مطار المليز ، هل هي طائرة ام 4 طائرات ؟ ظهر التساؤل علي لسان عبد الله ، ورد معتز - شكلهم طياريتن بس صوتهم مش فانتوم ، ممكن سكاي هوك او سوبر ميستير

وبدون مقدمات تظهر طائرتين علي ارتفاع منخفض جدا ويصيح معتز فرحا – سوووووووخوووووووووي يا رجاله سوخوي

يتابع الجميع الطائرتين مع كلمات معتز التي تمتزج مع اطلاق الطائرات لصواريخها تجاه مدرعات العدو المتمركزه بالقرب من الكمين ، وسط تهليل وتكبير الرجال بقصف طائراتنا الناجح لمدرعات العدو التي تحركت فورا في اتجاهات متعدده لحمايه نفسها من القصف المفاجئ والغير متوقع ، بينما ظلت ثلاث دبابات واقفه مكانها تحترق في صمت .

انتهت الغارة في ثلاثين ثانيه وتركت ثلاث دبابات وعربتنين مدمرتين للعدو لكنها رفعت معنويات الرجال للسماء وهم يروا نسورنا تمد لهم يد العون والمساعده .

يقوم عادل بابلاغ اشارة للقياده بالغارة ونتيجتها علي دبابات العدو ووسط دهشه ممزوجه بعدم الفهم من عادل ترد القياده

- استمر في القتال ، صقر في الطريق اليك   فيتساءل الدمنهوري متهكما

- مين صقر ده اللي جاي لنا ، هو الصيام اثر علي العمليات ؟

وفي حفرتهم يضحك الدكتور عبد الله رغم المه ويربت علي كتف معتز – شايف النسور يا معتز ؟؟!! ربنا يحميهم

لم تدم مده الفرحه كثيرا ، فقد بدأت الدبابات الاسرائيليه تقدمها بعد ظهور طائرة هليكوبتر بالقرب من المنطقه لتصحيح نيران الدبابات التي تتقدم ببطء مطلقه نيران مدافعها لتمهيد الطريق .

يصرخ احمد في جندي الحيه – فين الصاروخ بتاعك ؟؟!! خلص لنا علي الطيارة دي .

يرتبك الجندي لثوان ، فقد ترك القاذف والصاروخ في حفرته منذ امس فلم يكن له حاجه حتي الان ، فيقف مسرعا تجاه حفرته

ويركض بكل ما اوتي من قوة ، ليسقط علي وجهه فجأه ، فقد طالته احد طلقات رشاشات دبابه من بعيد لتهتك عظام ركبته ، ويقع علي الارض متألما بقوة والدماء تنزف من ركبته المصابه، لكنه يواصل الزحف مترا بعد متر والدبابات تقترب ، ومن فوقها تلك الطائرة تصحح نيران الدبابات .

صيحات انين تصل الي احمد في حفرته من عده اماكن ، فالاصابات قد زادت في صفوف قواته من جراء قصف الدبابات والمدافع الرشاشه فوق العربات المجنزرة بينما اوامرة صارمه بعدم فتح النار الا مع اقتراب دبابات العدو الي مسافه قصيرة .

يزحف الجندي المصاب حتي يصل حفرته ويخرج القاذف من داخل مخلته القماشيه صحراويه اللون ويتاكد من صلاحيته ، ويستعد لاطلاقه وهو لا يستطيع الثبات بسبب ركبته المصابه .

يضع الطائره داخل دائرة التصويب ، ويستعد الصاروخ للانطلاق تجاه تلك الطائرة ويشاهد احمد الجندي يستعد للاطلاق لكن فجأه الصاروخ ينطلق تجاه السماء بعيدا عن الطائرة فقد تلقي الجندي دفعه رشاش في صدرة صرعته فورا وانطلق الصاروخ بلا هدف وسط خيبه امل من الرجال ، فالامور تزداد سوءا في كل ثانيه .

وصلت المسافه الي خمسمائه متر بين الرجال والدبابات واصبحت مسأله ثوان قبل ان يلتحم اللحم بالحديد ،الجنود تنظر لبعضها البعض بنظرات تحمل معاني كثيرة ، اشارات النصر تظهر واضحه من بين الحفر ، احد الجنود يدعو في سرة وتتحرك شفاه بدون صوت ، واخر يقبل سلاحه بينما الدبابات حامله موت مؤكد تقترب في سرعه

وبدون مقدمات تسقط الطائرة الهليكوبتر مشتعله علي الارض وخلفها خيط رمادي اللون قادم من تجاه الجنوب ، تلي سقوطها سقوط قذائف علي الدبابات المعاديه ، انها قذائف هاون 82 ملم التي يعرف اي جندي صوت لكنها لا تقصف قواتنا انها تقصف دبابات العدو .

فعلي بعد مسافه خلف الدبابات تجاه احد التباب بدأت الصواريخ تنطلق تجاه الدبابات الاسرائيليه لتنفجر فيها مع توالي قصف الهاون

أمر احمد جنوده بضرب الصواريخ تجاه الدبابات اولا ، فينطلق اخر صاروخين احدهم يدمر دبابه والثانيه يصيبها في الجنزير فتتوقف بعد امتار من اصابتها .

تتوقف قذائف الهاون عن السقوط بينما ينطلق صاروخين اخرين من الخلف تجاه سيارة مدرعه ، لتنفجر ويخرج منها الجنود الاسرائيليين والنيران تلتهم اجسامهم .

- محدش يضربهم سيبوهم يولعوا ، حافظوا علي الذخيرة

طغي صوت الدمنهوري علي اصوات الانفجارات وتبدأ العربات المدرعه في فتح نيرانها للخلف ، فقد ظنوا ان القوات المصريه اصبحت خلفهم لكن الحقيقه ان المحاصِر اصبح مُحاصرَا .

انطلق احمد من حفرته وهو يصيح بأعلي صوته الله اكبر فيرج الصحراء رجا ، وانطلق خلفه الرجال من حفرهم تجاه عربات العدو ودبابته المشتبكه ، وفي خفه الفهود ورشاقه الغزلان يقفز احمد فوق برج الدبابه المعطله ، ويصعد فوق البرج مطلقا نيران رشاشه علي من داخل البرج فيقتلهم جميعا ، لكنه احس بقوة غريبه تدفعه بعيدا عن الدبابه ورأها تبتعد عنه لامتار عديده حتي سقط علي ظهرة وهو لا يدري ماذا حدث فحاول النهوض لكن جسده لم يستجيب ، حاول ان يتحرك لكن اعضاءه لم تتحرك .

يري السماء وقد تلبدت في الغيوم ما بين سحب الشتاء وسحب نيران اسلحه العدو المدمرة ، لا يستطيع ان يحس بأي عضو في جسده ، فقط عينيه تتحرك يمينا ويسارا في حيز ضيق واحساس عارم بالالم يملئ عقله ولا يستطيع تحديد مكانه .

التهبت مشاعر الرجال وهم يرون احمد يصاب بطلقه مدفع رشاش احد العربات المدرعه فيزيدوا من سرعتهم ومن غضبهم وينقض معتز علي من داخل السيارة المدرعه مفتوحه السقف ، ضاربا من بها بكعب بندقيه ومفرغا طلقاته في اجسادهم

احس بقوه غريبه تملئ كل كيانه ، تلك القوه لم يشعر بها خلال سنوات عمرة الا الان ، فقد هاجم ثلاثه جنود وصرعهم في الحال ، وامسك برشاش العربه المدرعه محاولا الضرب منه ، الا انه لم يعرف كيف يستخدمه فقفز من العربه متجها لعربه اخري .

الدمنهوري يرمي قنبله يدويه داخل سيارة اخري ويهرب الجنود منها قبل انفجارها فيطبق عليهم سعدي رغم رجله المصابه بشده ومعه عادل ويدور قتال متلاحم بين الجنود يحاول فيه عادل وكريم صرع ثلاثه جنود ، يتدخل طاهر منهيا الصراع بخنجرة ذابحا جندي منهم كما تذبح الشاه ، لكن احدهم كان قد عاجل سعدي كريم بطلقه خائنه استقرت في قلبه فالتفت طاهر الي ذلك الجندي الاسرائيلي ورمي خنجرة وهو يلقي بجسده علي الارض متفاديا طلقات هذا الجندي ، فأستقر الخنجر في معده الجندي وسقط سلاحه من يده ، فانتفض طاهر ملقيا بجسده فوقه مكررا طعناته في صدر الجندي وقلبه حتي فارق الحياه ، وجري الجندي الثالث تاركا سلاحه ومن خلفه عادل يركض خلفه ممارسا هوايته في القتل بالخنجر .

التفت طاهر ناظرا لاعين سعدي كريم بجوارة وهو يلفظ انفاسه الاخيرة وتلاقت الاعين وظهرت ابتسامه رضا علي شفتي سعدي قبل ان يقابل ربه ، وبقلب ميت يغلق طاهر عيني السعدي وهو يقراه الشهاده .

ازدادت المعركه قوة وقتال متلاحم وتقلصت الطلقات المنطلقه من كل اتجاه وتحول الجميع الي القتال بالسلاح الابيض

استمر عادل في ركضه خلف الجندي واقترب منه الا ان الجندي توقف فجأه واستدار مشهرا مسدسا كان في حزامه واطلق طلقه استقرت في صدر عادل في لحظه ارتماء عادل علي الجندي ، ورغم الالم وبدء زوال النور من عينيه الا ان عادل استطاع ان يضع خنجرة في قلب ذلك الجندي والذي ظهرت ملامح الفرغ والرعب في عينيه والخنجر ينغرس شيئا في شيئا في قلبه مقطعا الشرايين والاورده في طريقه .

وضمانا لتأكيد الاصابه القاتله ، يلقي عادل بكل ثقل جسده علي يد الخنجر ليمنع مقاومه الجندي الاسرائيلي الذي اغلق عينيه ومات وملامح الفزع تملئ وجهه ، فيطمئن عادل لاداء مهمته ويسقط علي ظهرة بجوار جثه الجندي الاسرائيلي ، وبينما الدنيا تظلم من حوله ، ورغم اصابته القاتله لكنه احس بالراحه والهدوء والسكينه تملئ جسده شيئا فشيئا ، فظهرت تعبيرات الرضا علي وجهه ونظراته تلمح اقتراب جنود من تجاه الجبال ثم أظلمت الدنيا من حوله .

يرتمي المنهوري علي الارض صائحا فيمن تبقي من رجاله بالاحتماء عندما شاهد جنودا اخرين تقدر العشرون جنديا تقترب من الجنوب ركضا ، وفي نفس الوقت كان عبد الله يحاول ان يضمد جرح احمد الذي غرق في الدماء لكنه ظل متيقظا يحاول الكلام وعبد الله يطلب منه توفير طاقته .

طاهر ينظر لدمنهوري قائلا – مفيش معايا الا 12 طلقه بس يا فندم !!!

ولم يرد الدمنهوري لكنه اومأ رأسه بالعلم فقط ، فقد كان سلاحه خاليا من الذخيرة ، ولم يبق من القوه كلها الا 3 ضباط ومثلهم من الجنود ، بينما البقيه ما بين مصاب وشهيد .

ومن مسافه يظهر صوت صائحا – قهوة تركي – قهوة تركي

فيتنبه معتز لتلك الكلمات ، انها علامات التعارف التي حفظها عن ظهر قلب من احمد للمقدم عكاشه ، فيرد معتز تلقائيا

لبن العصفور – لبن العصفور ، وينظر الي الدمنهوري قائلا ، ده المقدم عكاشه يافندم !!

وفي نفس الوقت يقف احد الرجال القادمين من الجنوب ويركض تجاه الدمنهوري رافعا يديه وهو اعزل من السلاح ، فأعتدل بدورة الدمنهوري وليس معه سوي مسدسه الشخصي الذي اخرجه واعده للضرب، ويظهر وجه المقدم عكاشه عندما اقترب ركضا من الدمنهوري

فيتبادر الي ذهن الدمنهوري علي الفور اشارة القياده- استمر في القتال صقر في الطريق اليك .

اذن بالمقدم عكاشه هو صقر الذي تتحدث عنه القياده ، فقد جاء في وقته وانقذ ما تبقي من القوة من السحق تحت جنزير دبابات العدو التي اصبحت الان مثل المعلبات الممزقه من صواريخ رجاله الابطال الذين تركوا الزي البدوي وارتدوا ملابس القتال المصريه ، فمن المعروف عالميا ان الاسير الذي يرتدي ملابس القتال يعتبر اسير حرب ويعامل معامله الاسري ، اما لو كان يرتدي ملابس مدنيه فانه يعامل كجاسوس ويجوز اعدامه .

وبصوت حاد لا يقبل النقاش يأمر عكاشه الدمنهوري – اخلي المنطقه واسحب رجالتك بسرعه ، هنرجع للجبال تاني .

فيبدأ ما تبقي من رجال في التحرك سريعا رغم الاصابات والجروح التي تلم بمعظمهم ، ويقف احمد حائلا امام التحرك السريع

فاصابته خطيرة تستدعي التدخل الجراحي فورا ، هكذا قرر عبد الله .

ويتم تدوال الموقف سريعا بجوار حطام احد الدبابات ، فقوات العدو تتجمع مرة اخري لفتح الطريق ، والمهمه قد تم تنفيذها بنجاح ، والتحرك جنوبا اصبح امرا لا فرار منه .

وبصوت خافت يقترح عكاشه حمل احمد تجاه البحر حيث يقع مكان سري معد علي بحيرة البردويل علي بعد عشرة كيلو مترات وبه رجال تابعين للمخابرات ، ويتجاوب الدمنهوري مصدقا كلام عكاشه فهو يعرف المكان .

وبلا تردد يظهر صوت معتز – خلاص يا فندم انا هشيل القومندا واطلع بيه علي هناك .

لم يكن هناك بديل ولا وقت للتفكير والحسابات فالوقت يداهمهم والموت يحيط بهم فيبدأ الرجال في تنفيذ المهمه ، فاخرج الدمنهوري الملابس البدويه لاحمد ومعتز وجردوهم من ملابسهم العسكريه تماما او ما يدل علي عسكريتهم ، بينما اصطحب عكاشه رجاله تجاه الجبل تاركا الدمنهوري وعبد الله ينهون عملهم مع احمد و معتز .

وبعد ثوان قال عبد الله مخاطبا معتز – انا قدرت اوقف النزيف مؤقتا ، معندكش وقت كبير ، القومندان خسر دم كتير ولازم يوصل اقرب مستشفي .

وواصل الدمنهوري نصائحه – هتجري لحد البحر هتلاقي نخلتين لهم جذر واحد علي شكل رقم سبعه وبعدهم عشه علي البحر وجنبها مصيده سمان ، هتروح العشه واول واحد تقابله تقول له انك من طرف نصار وعايز تروح ميدان التحرير .

وحاول متخليش حد ياخذ باله منك او يرصدك لانهم لو مسكوك مش هتعرف تفلت منهم .

ونظر في عيني معتز مؤكدا – هتقول له انك من طرف نصار ، متنساش الاسم ده خالص ، وتسلم نفسك للراجل اللي هتلاقيه هناك وهو هيتصرف ، ولازم تسمع كلامه في كل اللي هيقوله لك .

وفي ثوان كان معتز قد حمل احمد علي كتفه ، وقد ظهرت اثار الدماء علي الجلباب الابيض سريعا ، وبنظرات تحمل الكثير من المعاني والعبارت تلاقت اعين طاهر ومعتز ولم تخرج الكلمات من الافواه انما قطعها صوت الدمنهوري يتمني السلامه لمعتز ، وانطلق معتز راكضا حافي القدمين مثل اهل البدو في تلك المنطقه .

في نفس الوقت اطلق الدمنهوري وعبد الله العنان لارجلهم في الركض تجاه الجبال في ارض مكشوفه لا ساتر فيها ولا مخبأ من طائرات العدو التي بدأت تنشط بغزاره في سماء المنطقه ، محاولين اللحاق ببقيه الرجال .

قاد عكاشه وطاهر الرجال في تحركهم تجاه الجنوب بعد ان تحرك بناء علي تعليمات الدمنهوري تاركا ارض المعركه ، وكانت تعليمات طاهر للرجال هي التفرق والركض فرادي حتي لا يسهل اصابتهم واعطاهم تعليمات بعدم التوقف الا عند الجبال ، بينما عكاشه يصحح لهم الاتجاه كل فترة محددا لهم نقطه اللقاء ليلا .

وبالفعل انطلق الرجال ركضا تجاه الجبال والشمس علي يسارهم تضئ المكان وتصنع ظلالا طويلا لتحركهم يمكن رصدها بسهوله من السماء .

وكان الصيد سهلا للطائرات الاسرائيليه التي رصدت انسحاب الرجال في العراء ، وتحركت العربات المدرعه الاسرائيليه تطارد الرجال في الصحراء مما جعل معتز يستطيع ان يتحرك شمالا تجاه البحر راكضا وهو يحمل احمد بدون ان ينتبه له احد ، فالاسرائيلين شرعوا سريعا في مطارده قوه الصاعقه التي اغلقت الطريق عليهم وفي نفس الوقت بدأوا في اعاده فتح الطريق بواسطه جرافات ثقيله فالاوضاع علي الجبهه اصبحت مشتعله اكثر وفتح الطريق اصبح حيويا اكثر من اي وقت اخر .

استمر معتز في الركض واحمد يئن من اصابته ، بينما معتز يتحامل علي نفسه ويستجمع كل قوة ممكنه من كل خلايا جسده ، فقدماه قد جرحت جراء الركض حافيا علي الارض الرمليه الغير مستويه ، وزاد من معاناته هو انغراس اقدامه في الرمال اكثر واكثر بفعل ثقل احمد علي كتفه ، لكنه كان مصمما علي ان يصل الي المكان المرجو وان يكمل مهمته .

قاربت الشمس ان تتوسط السماء والرجال تركض وقد ظهرت العربات المدرعه خلفها علي الافق بفضل توجيه الطائرات الهليكوبتر لها لتصحيح اتجاهها .

يأمر عكاشه جندي الحيه الذي يركض بالقرب منه ، بسرعه التعامل مع الهليكوبتر لتدميرها ، ويتوقف الجندي ويستل قاذفه الصاروخي ويتاكد من جاهزيته ويطلق صاروخه لكن الطائرة تتفاداه في مناورة سريعه من الطيار .

لكن الصاروخ ادي مهمته ، فقد انسحبت الطائرة خوفا من صواريخ اخري ، وابتعدت عن تحرك الرجال الذين تبعثروا في الصحراء .

الهدف هو الوصول الي الجبال التي يراها الرجال علي الافق البعيد ، فالجبال من امامنا والعدو من خلفنا ولا مفر الا الوصول لها للقتال ضد العدو ، فهم ليسوا جبناء لكنهم يناورون لمعادوه الهجوم علي العدو، فدور قوات الصاعقه وقوتها في القتال والكمائن في مواقع محصنه وارباك العدو وليس القتال المباشر والتمسك بالارض .

فليست شجاعه هنا في قتال ضد عدو متفوق كما وكيفا بدون فائده من وراء القتال انما يعد ذلك انتحارا ، لكن الشجاعه هي الثبات والاقدام علي القتال بالايمان المطلق بالله وبالحق وتكبيد العدو اكبر خسائر ممكنه في معارك تاليه .

دار عقل طاهر بتلك الحسابات العسكريه والدينيه وهو يركض ناظرا للجبال وقرر ان يقوم بتعطيل العدو لكي يعطي الفرصه لرجاله بالوصول الي الجبال ، فالمسافه تضيق بين رجاله وبين عربات العدو المسرعه خلفهم ، والمعركه واقعه لا محاله ، فقرر ان يقاتل العدو بشكل لا يتوقعه العدو .

فهروب الطائرة الهليكوبتر اعطي الرجال فسحه من الوقت لكي تتأخر عربات العدو التي كانت تستخدم تلك الطائرة في تصحيح المسار لها ، لكن فارق السرعه في صالح عربات العدو لا محاله

فصاح طاهر في احد جنود عكاشه وكان يحمل قاذف ار بي جي ان يتوقف ويعطيه القاذف والصواريخ الثلاث التي علي ظهرة ثم امر الجندي بلهجه لا تحتمل الجدل بمواصله الركض ،و اتخذ ساترا خلف تبه رمليه صغيرة تكاد تخفي نصف جسده .

لمحه الدمنهوري والجنود وعرفوا ما سيقومون به وهم عدد من الجنود بالتمركز خلف احد الغرود الرمليه للقتال مثله ، لكن طاهر وبصوت هز الصحراء هزا ، امرهم بالاستمرار في الركض تجاه الجبال وانه سيلحق بهم فور تعطيله لقوات العدو ، طاهر يكذب والجميع يعرف ذلك فهو لن يلحق بهم لكنه سيلحق برفاقهم الشهداء .

وتناثرت الدموع في الاعين وهي تري ضابطا يضحي بنفسه في سبيل جنوده ، فمهما فعل فلا قبل لطاهر بتلك العربات المسرعه خلفهم ، دعا البعض الله ان ينجي طاهر ودعا الاخر له بالنجاح ، بينما عيني عكاشه تدمع من شجاعه هذا الرجل وتفانيه وتضحيته في سبيل رجاله ، فقد كان ممكنا لطاهر ان يأمر احد الجنود بأن يقوم بتعطيل قوة العدو لكنه اختار نفسه ، فلماذا يامر نفسا بالموت بدلا منه .

وصل معتز الي النخلتين ذات الجذر الواحد وبدأت ملامح النجاح تظهر له في مهمته ، فالعشه الخشبيه علي مسافه قريبه من النخلتين ، فحمد الله علي سرعه الوصول وعلي مقدرته علي التحمل والتي شك فيها طوال الطريق ، فقرر ان يستريح دقائق ويستطلع المنطقه قبل ان يتحرك مرة اخري ، فهكذا تعلم في الايام السابقه من رجال الصاعقه .

وضع احمد علي الارض واسند رأسه علي جذع النخله ، وكان احمد صامتا متعبا لا يكاد يقوي علي فتح عينيه وكتفه ينزف دما غزيرا ، حاول معتز ان يعطيه بعض الماء ، لكن احمد رفض ، فحاول مرة اخري واخري لكن احمد رافض ولا يقوي علي الكلام ، لكن ملامح وجهه تقول الكثير .

فالتقط معتز انفاسه قليلا ثم حمل احمد علي كتقه وسط انات احمد من الالم الذي لم يعرف مصدره ، وانطلق معتز متجهها الي العش الخشبي الصغير وهو يحدث احمد – خلاص يا قومندا ، كلها كيلو او اقل ونوصل ........ شد حيلك .

استقر طاهر خلف التبه الرمليه وفوجيء بالدكتور عبد الله يستقر خلف احد التباب علي مسافه منه حاملا قاذف صواريخ اخر ، فأشار له بالتحرك لكن عبد الله لم يستجب له فحاول طاهر مرة اخري ورفض عبد الله االتحرك من مكانه مرة اخري .

فأسقط في يد طاهر ويأس من تحرك عبد الله وفي نفس الوقت اقترب عربات العدو مخلفه وراها سحابه من الدخان الذي تصاعد الي عنان السماء .

خمس عربات مدرعه تحمل خمسون جنديا علي الاقل ، فلا داعي للحسابات في هذا الوقت ،هكذا قرر عقل طاهر .

استمرت العربات في تقدمها تجاه الجنوب مطارده لجنودنا ، نظر عبد الله خلفه فوجد ان الجنود مازالوا علي مسافه قريبه وعربات العدو تتقدم بسرعه كبيرة ، اشار له طاهر بالضرب علي عربه المنتصف بمجرد أن تدخل مدي الصاروخ واومأ عبد الله ايجابا ، واتخذ الاثنان موضع التصويب وبدأت العربات تتقدم تجاه مدي الصاروخ .

وفي وقت متقارب تقريبا ، انطلق الصاروخان تجاه عربات العدو علي مسافه كيلو متر تقريبا ، انفجر صاروخ طاهر في احد العربات محققا اصابه محققه ، بينما انفجر صاروخ عبد الله امام العربه الاخري لكنها استمرت في التقدم .

واستمرت العربات الاربع المتبقه في التقدم بسرعه كبيرة رغم اصابه احداها ونزول الجنود منها ، وفي سرعه اعاد الاثنان تعمير القواذف ، وانطلقت الصواريخ مرة اخري في توقيت متقارب أيضا وانفجر الاثنان حول العربات المدرعه ولم تصاب احداهم

لكن العربات توقفت فجأه ونزل الجنود جميعهم واتخذوا سواتر حاميه لهم في الصحراء وبدأوا في اطلاق نيران الرشاشات

نفذت ذخيرة عبد الله من الصواريخ وتبقي صاروخ مع طاهر فأعده للضرب فورا ووجهه تجاه احد العربات التي سرعان ما تحولت لكتله من النار بفعل انفجار الصاروخ بها .

نظر طاهر خلفه فوجد الرجال تبتعد وقد قاربت علي الوصول الي الجبل حيث الامان خلف الصخور الناريه .

اشار طاهر لعبد الله بعدم رد النار علي العدو للاقتصاد في الذخيرة ، فقد انجزوا نصف المهمه وتوقفت العربات الاسرائيليه عن مطارده قواتنا ، وبدأ طاهر في التحرك خلف تلك التلال الصغيرة من الرمال زحفا ، ثم يقوم باطلاق دفعه من رشاشه ، لايهام الاسرائيلين بوجود عدد من الجنود المصريين ، امعانا في خداعهم وتعطيلهم اكثر .

في تلك اللحظات التي كان طاهر وعبد الله يقاتلون ثلاثون جنديا اسرائيليا علي الاقل دخل معتز الي العشه الخشبيه المطله علي شاطئ بحيرة البردويل حاملا احمد ، وفوجئ بامرأه ترتدي الزي البدوي ومسدله خمارا علي وجهها تجلس في ركن من اركان العشه .

وبأنفاس تكاد تتقطع اخبرها انه من طرف نصار ويبغي التوجه الي ميدان التحرير ، فردت المرأه في لهجه عربيه واضحه وبصوت أمر لا يقبل المناقشه ، بأن يضع احمد علي الارض يخلع الملابس البدويه الملطخهه بالدماء فورا ، ونفذ طاهر تعليمات الدمنهوري بان ينفذ كل ما يقال له ، ففي الحقيقه لم يكن لديه جهد او استعداد نفسي للتفكير بعد ما مر به في هذا اليوم .

ثم امرته بخلع ملابس احمد ايضا والركض الي الخارج ودفن تلك الملابس الداميه فورا ، فنفذ معتز وهو يتحدث في نفسه معترضا - كله جري جري جري ، كل حاجه جري انا نفسي اتقطع.

ونفذ ما طلب منه وعاد بملابسه الداخليه الي داخل العشه فوجد تلك المرأه تداوي جرح احمد وتغير الرباط الغارق في الدماء ،

ثم نظرت له وامرته بلهجه لا تدع مجالا للاعتراض مرة اخري بأن يخرج ملابس من صندوق خشبي وان يستر نفسه سريعا ، ثم اخبرته وهو يلبس ملابسه بالا يخرج من العشه تحت اي ظرف من الظروف ، فلن يتحركوا الا بعد منتصف الليل .

فتساءل معتز عن حاله احمد ، ورد السيده المجهوله الوجه بأنه سيتعافي لو وصل الي مستشفي سريعا

مرت دقائق من الترقب والهدوء بين القوه الاسرائيليه وطاهر وعبد الله ، وكان واضحا ان قائد القوه الاسرائيليه قد خاف من التقدم اكثر من ذلك تجنبا للخسائر في صفوفه ، فظل واضعا رجاله منبطحين علي الارض طوال الوقت بينما واصل طاهر اطلاق طلقات منفرده كل بضعه ثوان من اماكن متفرقه لازعاج القوه الاسرائيليه وتشتيت انتباها عن مكان تواجده ، وقام عبد الله بتحرك مماثل في حدود مكانه والذي لم يكن سهلا له التحرك خارجه كثيرا .

ظهرت من خلف الجبال فجأه طائرة مقاتله اسرائيليه ميزها عبد الله وطاهر ، فهي طائرة سكاي هوك القاذفه ، في تلك اللحظه ادرك طاهر سبب عدم تقدم القوات الاسرائيليه ، فهي تنتظر قصف تلك الطائره للتقدم تحت ستر قصفها وتقضي علي الموقع .

صعدت الطائرة بزاويه حاده الي السماء وبدأت في الدوران للانقضاض ، واعين طاهر وعبد الله تتابع تلك الطائرة التي تحمل تحت بطنها الموت لهم .

قدر طاهر الموقف في سرعه وهو يتابع الطائره تدور في السماء ، فالتحرك معناه انكشافه امام الرشاشات الاسرائيليه والبقاء معناه تقبل الامر الواقع والاستسلام للموت في تلك الطائرة وكان اي قرارا منهم يحمل الموت .

انفجرت قنبلتين دخان خلف عبد الله بمسافه مائه متر ، وظهر الدخان البرتقالي كثيف حجب الرؤيه تماما ، وادرك طاهر ان تلك القنابل التي اطلقتها القوه الاسرائيليه هي لتحديد موقع الضرب للطائرة الاسرائيليه .

وصل عكاشه والدمنهوري ورجالهم الي حافه الجبل واستطاعوا الاحتماء لالتقاط الانفاس قليلا ، ونظر الدمنهوري الي الافق فوجد دخانا برتقاليا كثيفا متعانقا مع خيط من الدخان الاسود الرفيع ، بينما تابع عكاشه الطائرة الاسرائيليه تنقض وتسقط خزانا كبيرا من باطنها .

تهادي الخزان تجاه الارض وانفجر صانعا كتله كبيرة من اللهب يمتد ارتفاعها يصل الي مائه متر في سماء المكان .

احس عكاشه بالغيط والحنق والغضب من تكرار القوات الاسرائيليه لاستخدام قنابل محرمه دوليا في قصف قواتنا ، وتمني لو معه سلاحا مماثلا يقضي به علي القوة الاسرائيليه ، اما الدمنهوري فقد ضرب بيده علي احد الضخور في غضب مما يراه .

تأكد عكاشه من أستشهاد طاهر وعبد الله من جراء هذه القنبله ، فأمر رجاله بصوت مختنق بمواصله السير تجاه الجنوب والتوغل داخل الجبال طمعا في الحمايه .

لكن حدس عكاشه لم يكن صحيحا ، فالقنبله قد سقطت علي مسافه من طاهر وعبد الله ولم تقتلهم في الحال ، لكنها اصابتهم بحروق كثيرة في الظهر والوجه والاذرع لكنها ابقتهم اقرب للموت منهم للحياه .

بعد القاء القنبله بدأت العربات المدرعه المتبقه ومن عليها من جنود في التقدم تجاه موقع طاهر وعبد الله ، واصبح الوقت المتبقي لهم علي ظهر الدنيا قليلا مع تزايد صوت اقتراب العربات وعدم مقدرتهم علي الحركه من جراء الحروق .

فتحسس طاهر اخر قنبله معه ونزع فتيل الامان بأصابعه المحترقه ، وشاهده عبد الله بعين واحده فقط فقام بنفس الشئ بأسنانه بعد ان عجزت اصابعه عن نزع الفتيل .

اقتربت العربات المدرعه باحثه عن رفات الجنود المصريين الذين عطلوا تقدمهم لفترة واصابت منهم الكثيرين ، وتعدت العربات التل الرملي الذي يختفي وراءه طاهر ، وبعين شبه مبصرة استطاع ان يري مقدمه العربه ويسمع صوت الجنود عليها في الوقت الذي راه الضابط الاسرائيلي بمقدمه العربه وهو يرفع يده مطيحا بشئ في يده .

وفي رد فعلي غريزي افرغ الضابط رشاشه في جسد طاهر لكن طلقاته توقفت مع انفجار القنبله في عربته ليلقي مصرعه هو الاخر في الحال ، وتتناثر بقايا جنوده بجوار جثه طاهر .

اما عبد الله فقد ركز حواسه علي اقرب عربه مدرعه تمر خلفه ، والقي بالقنبله لتنفجر تحتها وتتناثر الشظايا حولها وتصيب العديد من الجنود فيها وتفجر احد اطاراتها ويستطيع سائق العربه ان يستعيد السيطره عليها ويقودها للمرور فوق عبد الله باعثا اياه للقاء ربه علي الفور .

تخلف عكاشه والدمنهوري عن السير مع جنودهم الذين تركهم عكاشه تحت قياده احد جنود الصف واستدار لمتابعه تقدم العدو خلفه بنظارته المعظمه فوجد طائرات هليكوبتر كثيرة تهرع الي مكان القتال ، فأيقن ان طاهر وعبد الله قد اصابوا منهم الكثيرون مما استدعي وجود مروحيات لاخلاء الجرحي والقتلي، واستدار الاثنان تجاه موقعهم القديم لمتابعه عملهم في قلب العدو.

وفي الاول من ابريل عام 74 وصلت فجرا رساله مشفرة الي قياده المخابرات الحربيه في القاهره (( الشيخ خضر راجع ))

وعاد عكاشه والدمنهوري ومعهم حفنه من الجنود الي خطوط قواتنا بعد ما يقرب الثمانيه اشهر داخل قلب العدو يعيثون فيه فسادا ، وكانت مفاجأه لهم ان يكون احمد في استقبالهم مندوبا عن سلاح قوات الصاعقه علي الخط الامامي للقوات المصريه في سيناء ومعه معتز.

النهايــــــــــــــــه :

19/11/2009

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech