Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

حرب أكتوبر1973م - الفصل السابع

 

الحلقة السابعة

عندما فكرت مائير في الانتحار وتدمير 50 دبابة إسرائيلية في يوم واحد وسط قرارات متخبطة

يوضح المؤلف ابراهام رابينوفيتش أن اليعازر أبلغ مجلس الوزراء الاسرائيلي ليلة السبت السادس من اكتوبر بأن الامور سيئة والتقارير الواردة من الجبهتين المصرية والسورية لا تدعو إلى الارتياح

وقال: «نحن نحاول تلمس طريقنا وسط ضباب الحرب».كان يتعين على رئيس هيئة الاركان الاسرائيلية ان يقرر قبل حلول الفجر اي جبهة في حاجة أكثر للسلاح الجوي ولفرقة مدرعة من الاحتياط بقيادة الجنرال موش بيلير.

افادت تطورات الحرب، خلال الجزء الأول من الليل، ان الهجوم السوري خف قليلاً، بينما يتقدم الهجوم المصري بايقاع سريع، فقرر اليعازر اعطاء الاولوية للجبهة مع مصر. كما اصدر اوامره إلى هوفي باخلاء النقاط الحصينة المعرضة للخطر والاستعداد للانسحاب إلى خط بالقرب من حافة هضبة الجولان.
حاول اليعازر تهدئة الوزراء، الذين كان بعضهم على وشك الانهيار العصبي، فقال لهم: «هذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها الجيش الاسرائيلي معارك دفاعية» كما حاول ديان ان يكون متفائلاً، مشيراً إلى أن قوات الاحتياط سوف تبدأ في الوصول إلى ساحات المعارك غداً، لكنه لم يتمكن من تجنب الاشارة إلى الخطر الذي يحوم في الافق. وقال انه اذا حققت مصر وسوريا انتصارات كبيرة، فإنه من المحتمل ان ينضم العراق والاردن ولبنان الى الحرب.

يشير المؤلف الى انه حتى في الوقت الذي بدأت وحدات الاحتياطي تصعد هضبة الجولان، كانت القيادة الشمالية تستعد للانسحاب من الجولان بكاملها وفي الساعة 30,4 من فجر الاحد 7 أكتوبر صدرت الاوامر باخلاء قواعد الجيش من أية وثائق مهمة. وبدأت الشاحنات في انزال الذخيرة من مستودع كبير بالقرب من جسر «بنات يعقوب» في الوقت نفسه واصلت المدرعات السورية تقدمها، فيما كانت القوات الاسرائيلية تتقهقر. وقبل الفجر هدأت حدة القتال على طول خط المواجهة، فيما واصلت القوات السورية تدفقها على القطاعات غير المحصنة.

ديان والمعبد الثالث

عندما وصل ديان على متن طائرة هليكوبتر إلى مقر القيادة الشمالية، ابلغه هوفي، بكل وضوح وصراحة، بأنه يتعين اخلاء الجولان. وقال له انه ليس هناك ما يكفي من القوات القادرة على منع السوريين من الاندفاع جنوباً من رامات ماجشميم إلى وادي الأردن.كان الجنرال دان لانر قائد احدى فرق الاحتياطي، متشائماً مثل هوفي، وقال: «ان القتال انتهى في جنوب الجولان، وقد خسرنا المعركة. وليس بمقدورنا القيام بأي شيء لوقف التقدم السوري».

وواجهت هذه الصورة الكئيبة وزير الدفاع الاسرائيلي خلال الأيام التالية. لم يتمكن ديان من الاتصال باليعازر، فاضطر الى الاتصال بقائد السلاح الجوي بيني بيلير في الساعة الخامسة من صباح الأحد، وسأله عن خططه لهذا اليوم. فقال له انه سيشن هجوما على كتائب الصواريخ المصرية.
فطلب منه ديان الغاء هذا الهجوم قائلا انه لا توجد سوى الرمال في سيناء، كما ان قناة السويس تبعد 150 ميلا عن تل أبيب. وأوضح ديان ان الموقف أخطر على جبهة الجولان، وان السلاح الجوي هو الوحيد القادر على وقف تقدم السوريين الى ان تصل قوات الاحتياطي.

وتابع ديان انه اذا لم تشن الطائرات هجوما بحلول الظهر، فإن السوريين سوف يصلون الى وادي الأردن.وهنا يستخدم ديان عبارة لأول مرة وسوف يكررها على مدى الأيام المقبلة وسط استياء كل من يسمعها، فقد قال لبيليد ان «المعبد الثالث في خطر». ويقصد بالمعبد الثالث اسرائيل، وكان المعبد الأول قد بناه سليمان، وهدمه البابليون في 586 قبل الميلاد، بينما بنى المعبد الثاني هيرود، ودمره الرومان في 70 ميلادية.يقول المؤلف ان هذا الأمر أثار دهشة كبار ضباط السلاح الجوي خلال اجتماع عقد في غرفة العمليات.

فقد رأى كبار الضباط ان هذا الهجوم الجوي لن يقدم أي دعم للمعارك على جبهة الجولان، خاصة وأن بطاريات سام ـ 6 السورية في حالة حركة مستمرة ومن الصعب رصد مواقعها. وبالاضافة الى ذلك فليس هناك أي منطق يقف وراء الغاء هجوم كان مقرراً على الجبهة الجنوبية لاحداث الاضطراب في صفوف القوات المسلحة المصرية.

دخل الكولونيل جيورا فورمان رئيس العمليات في مناقشة ساخنة مع بيلير وصلت الى حد تبادل الكلمات. يقول المؤلف ان المنطق ربما يقف في صف كبار الضباط، لكن بيلير كان الرجل الوحيد في الغرفة الذي سمع صوت ديان فجر يوم الاحد. اغلق بعنف باب المناقشة قائلاً: «انني اتفهم وجهات نظركم، ولكن الطائرات في طريقها الآن الى الجولان».

وقبل الظهر اتجهت 60 طائرة فانتوم نحو هضبة الجولان كانت القوات السورية المتقدمة منتشرة الآن على جانبي الخط البنفسجي ـ وهو الاسم الذي يطلق على خط وقف اطلاق النار بسبب لونه على خريطة اسرائيل. وعندما حلقت الطائرات على ارتفاع منخفض فوق رؤوس القوات السورية، انضم المشاة والدبابات على المدافع المضادة للطائرات في عملية اطلاق النار إلى الطائرات.

فارتفعت الطائرات لتحديد مواقع بطاريات الصواريخ، لكن الطيارين اكتشفوا ان كل بطاريات سام ـ 6 قد ذهبت ولم يجدوا سوى بطارية واحدة قاموا بتدميرها، ولكن في المقابل تم اسقاط ست طائرات فانتوم بنيران المدفعية، وليس بصواريخ سام.كانت نتائج اليوم كارثية بالنسبة للسلاح الجوي الاسرائيلي، ولكل الجيش الاسرائيلي جرمته. وفي يوم واحد اهتزت سمعة الجيش كقوة                                                                                                                                                                                                                             عسكرية،كمااهتزت كثيراً ثقة صانعي القرارات في قدراتهم.

يقول الجنرال ديفيد افري خلف بيلير في شهادة امام لجنة التحقيق بعد الحرب انه لو تم تأجيل الهجوم الجوي لمدة ساعتين فقط، لتوفر لنا الوقت لاكمال مهمة التقاط صور جوية لتحديد موقع صواريخ سام ولاعادة طائرات الهليكوبتر الحاملة للمعدات الالكترونية من سيناء لتقوم بالتشويش على هذه الصواريخ.

وكان بيلير قد حذر كبار قياداته قبل يومين من أنهم قد يدخلون في مجال النيران اذا لم يتم تدمير صواريخ سام. وقد حدث ذلك، فقد دخلوا في مجال النيران التي سرعان ما التهمتهم، وذلك على حد تعبير الكاتب. ففي خلال اليومين الاولين من الحرب خسرت اسرائيل 35 طائرة، ولم تصب دفاعات الصواريخ العربية. ولم تتعرض القوات البرية العربية لأي تهديد يذكر من الجو. ولم يحقق سلاح الجو الاسرائيلي أي نجاح يذكر، حتى ان القوات البرية الاسرائيلية التي كانت تتعرض لهجمات وقصف مستمرين كانت تتطلع الى السماء، وتتساءل: «أين السلاح الجوي؟ 

مع حلول فجر يوم الأحد، دارت معركة عنيفة في جنوب الجولان بين المدرعات السورية والاسرائيليين، شاركت فيها طائرات الميغ السورية. وبحلول الظهر تلقى بن جال قائد اللواء السابع بجبهة الجولان تقريرا يفيد بمقتل الكثير من الجنود. وبدأت الصورة تزداد قتامة بالنسبة لقيادات الجيش الاسرائيلي. فقد خسروا معركة جنوب الجولان. وفي سيناء دمر المصريون خط بارليف، وأحرزوا تقدما كبيرا على الأرض. وفي الجو اسقطت صواريخ ساغر أعداداً كبيرة من الطائرات الاسرائيلية بطريقة متكررة وسهلة.

بدأت طائرات سكاي هوك تحلق على ارتفاع منخفض فوق جنوب الجولان على الرغم من امكانية تعرضها لصواريخ ساغر، وذلك في محاولة يائسة لابطاء تقدم الدبابات السورية. ولكن في غضون ثوان اطلقت عليها صواريخ ساغر، فأصابتها جميعا. وبعد دقائق طلعت اربع طائرات اخرى اسقطت صواريخ ساغر اثنتين منها، فتأكد عندئذ الجنود الاسرائيليون ان الخلاص لن يأتي من الجو.

فقد حاولت الطائرات الاسرائيلية الهروب من صواريخ ساغر، الا ان ست طائرات سكاي هوك تم اسقاطها، وهي تحاول وقف هجوم الدبابات السورية، بينما اصيبت 11 طائرة اخرى. وبدا وا ضحا ان الغارات الجوية لوقف التقدم السوري كانت ذات تأثير هامشي.

يقول المؤلف ان القوات الاسرائيلية تعرضت طوال يوم الأحد لهجوم سوري قوي يتجاوز نطاقه اي شيء تخيله الاسرائيليون. وعلى عكس الجبهة المصرية، فان المعارك التي دارت على الجبهة السورية كانت معارك دبابات في مواجهة دبابات. ويقول المؤلف ان المصريين لجأوا الى استخدام صواريخ «ساغر» وقذائف «ار بي جي» بأعداد كبيرة خلال المعارك الاولى في سيناء نظرا لأن الدبابات المصرية لم تتمكن من عبور القناة في الوقت المحدد للتصدي للمدرعات الاسرائيلية.

ومع ذلك لم تتوقع القيادة المصرية ان تفقد اسرائيل ثلثي فرقة مدرعة في نصف يوم فقط، خلال معركة كان ابطالها جنود المشاة وحدهم. ولم يكن السوريون، في المقابل، يعانون من نقص في «الار بي جي» وصواريخ «ساغر»، لكنهم لم يلجأوا لاستخدامها بأعداد كبيرة لأنهم لم يكونوا بحاجة للمشاة، فقد تمكنوا من عبور الحواجز التي تفصلهم عن الخط الاسرائيلي وهذه الحواجز كانت عبارة عن خنادق مضادة للدبابات وحقول ألغام، وواجهوا الدبابات الاسرائيلية بدباباتهم.
في أي موقع تريدني؟

كان الهجوم السوري قويا مما دعا اليعازر الى التحدث مع هوفي عصر يوم الاحد ليحثه على تشكيل خط دفاعي ثاني عند حافة الهضبة، بعد ان استعاد السوريون معظمها.وقال اليعازر انه من المهم الابقاء على موطئ قدم فوق الهضبة الى ان تصل فرقة موشي بيليد صباح الاثنين، لم يكن هوفي متأكدا من امكانية ذلك، خاصة وان السوريين قد استولوا تقريبا على قاعدة «نافاخ».

أثارت هذه المحادثة قلق اليعازر. فعلى الرغم من احترامه لقائد الجبهة الشمالية وادراكه انه لولا تحذيرات هوفي بشأن التعزيزات السورية، لكانت هضبة الجولان قد سقطت الآن.لكنه شعر بأن هوفي يعاني من الاستنزاف، ويحتاج الى ضابط كبير بجواره ليشاركه العبء الذي يتحمله بمفرده. قرر اليعازر ارسال حاييم بارليف، الذي سبقه في تولي رئاسة هيئة الاركان، لتقويم الموقف هناك.

وعندما طرح اليعازر الفكرة على غولدا مائير وديان، وافقا على الفور، كما وافق بارليف، وسأل ديان عما يريده منه، فقال له انه كان يعتزم أصلا ان يحل محل هوفي الذي يعاني من الانهيار والاجهاد نتيجة لاتساع نطاق الهجوم السوري، لكن اليعازر استبعد الفكرة وبالتالي فإنه سيحل محله، ولكن دون تعيين رسمي.
وفي مقر القيادة الشمالية، لم يتغير الموقف الصعب كثيراً على الرغم من وصول وحدات الاحتياطي، التي لم تتمكن من ان تفعل شيئاً يذكر أمام تدفق المدرعات السورية وعندما وصل الجنرال موشي بيليد الى المقر وجد هوفي مستلقياً في ركن مظلم بإحدى الغرف يحاول الحصول على قسط من الراحة فسأله بيليد: «إن فرقتي ستصل الليلة.. في اي موقع تريدني؟».

عندئذ طلب منه هوفي ان يشكل خطاً دفاعياً على طول نهر الاردن، صدم بيليد من هذا الامر الذي يعني التخلي عن الجولان، بل إنه تلقى صدمة أخرى، عندما علم أن المهندسين يستعدون بالفعل لتفكيك الجسور بدا هوفي هادئاً، لكن بيليد شعر بأنه منهك نتيجة لتطورات اليوم السابق.وعندما وصل بارليف إلى مقر القيادة الشمالية، ذهل من حالة التخبط والفوضى التي يعاني منها الجميع.

يقول المؤلف ان بارليف وبيليد اعدا معاً خطة لشن هجوم مضاد، من خلال التقدم باتجاه الشمال الشرقي وقطع نقاط الدخول السورية الرئيسية لجنوب الجولان وعندما تنقطع خطوط الامدادات ستضطر القيادة السورية الى سحب قواتها.

قام الاسرائيليون بإخلاء تل فارس وتركوا النقطة 116 الحصينة لتكون المركز الاسرائيلي الوحيد على طول الجزء الجنوبي من خط وقف اطلاق النار، وفي الساعة الثامنة مساء اتجهت خمس دبابات سورية نحو هذه النقطة وحاصرتها وبحلول صباح اليوم التالي، بدأت الدبابات في قصف الحصن، الذي سقط بعد مقتل جميع الاسرائيليين بداخله.

وعندما حل الظلام يوم الاحد، هدأت حدة المعارك في القطاع الأوسط طلب قائد الوحدة من عدد من جنود المشاة تفقد ساحة المعركة بحثاً عن الدبابات المعطلة والجرحى والقتلى كان هناك الكثير من المفقودين من بينهم قائدا كتيبتين عثر المشاة على الكولونيل شافر وافراد طاقمه ممددين على الأرض في حالة سيئة بجوار دبابتهم على الطريق من نافاخ الى القنيطرة، كانت احدى عيني الضابط شافر قد فقئت بعد اصابتها بإحدى الشظايا، كما وصل هاريل، قائد الكتيبة الثانية الذي اصيبت دبابته، سيراً على قدميه وهو في حالة سيئة هو الآخر.

يقول المؤلف انه في ضوء الخسائر الثقيلة، كان من الضروري إعادة بناء اللواء الاسرائيلي من الصفر مرة اخرى، خاصة بعد مقتل معظم قياداته.يقول المؤلف انه خلال يومين من المعارك تكبد فيها الجيش الاسرائيلي خسائر فادحة إلا أنه تمكن من وقف الهجوم السوري. وبعد ان كانت القيادة الشمالية الاسرائيلية تفكر صباح يوم الاحد في الانسحاب من كل الجولان، اصبحت تستعد لشن هجوم مضاد.

 

على الجبهة المصرية


على الرغم من ان قائد القيادة الجنوبية جونين كان اكثر ثقة في نفسه من نظيره، بالقيادة الشمالية هوفي، فإن وزير الدفاع الاسرائيلي ديان كان يرى في ذلك مشكلة، فقد أبلغه جونين بأنه مع وصول فرق الاحتياطي، فإنه من الممكن اخراج المصريين من سيناء، بل من الممكن العبور الى الضفة الغربية من القناة، ورد عليه ديان قائلاً إنه ينبغي اعطاء الأولوية لتشكيل خط دفاعي ثانٍ، والتخلي عن تحصينات بارليف، ويتعين على الأفراد الموجودين داخل التحصينات المحاصرة ان يحاولوا الهروب منها سيراً على الاقدام عند حلول الظلام.

وينبغي عدم بذل أية محاولات اخرى لاعادتها للسيطرة من خلال هجوم بالدبابات، كما ينبغي ترك الجرحى غير القادرين على الحركة ليكونوا اسرى لدى المصريين وأوصى وزير الدفاع بأن يكون خط الدفاع الجدير على طول طريق المدفعية على بعد ستة أميال من القناة. بعد ان زار ديان الجبهتين الشمالية والجنوبية شعر بالصدمة من اتساع نطاق الهجوم العربي، كما انتابته حالة من القلق لم يشعر بها من قبل.

وهو التعبير الذي استخدمه ديان نفسه في مذكراته عن الحرب بعد ذلك، لقد بنت اسرائيل استراتيجيتها الدفاعية على اساس افتراض مفاده ان العرب الذين سيواجهونهم في الحرب المقبلة سيكون هم انفسهم الذين هزمهم الاسرائيليون في حرب يونيو 67. وهذا الافتراض هو الذي تسبب في هذا التقصير الخطير وأدى الى نشر اعداد قليلة من القوات على طول خطوط المواجهة، وقد اظهرت معركة اليوم الاول وحده بأن العرب قد تغيروا كثيراً.

فالمصريون والسوريون كانوا يهاجمون وفقاً لخطة مدروسة بعناية افضل كثيراً من الخطة الاسرائيلية كما يمتلكون اسلحة حديثة، من بينها اسلحة لا تستطيع اسرائيل التصدي لها، مثل صواريخ سام 6 و«ساجر». والاكثر أهمية من ذلك ان الروح القتالية للمصريين والسوريين كانت عالية للغاية، ولم يتوقعها الاسرائيليون، وعندما يتعرض الجنود العرب لهجوم عليهم فإنهم لا ينسحبون أو يهربون ولكن يتمترسون في اماكنهم ويوجهون ضربات موجعة للمهاجمين الاسرائيليين.

ويقول المؤلف هنا ان اسرائيل لم تضع ضمن حساباتها قوة الدفع النفسية الحيوية التي استفاد منها العرب، بعد ان اخذوا بأيديهم زمام المبادرة.شعر ديان بحالة من اليأس، على الرغم من انه كان يتحدث بتفاؤل بعد ساعتين فقط من نشوب الحرب، عندما قال لعدد من رؤساء تحرير الصحف الاسرائيلية: «ان المصريين اقحموا انفسهم في مغامرة لم يفكروا جيداً في عواقبها فبعد غد عندما يبدأ افراد الاحتياطي في الوصول الى الجبهة سيدرك المصريون خطأهم، ولا اتمنى ان اكون مكانهم». وقد جاء بعد غد ولاتزال اسرائيل هي التي تواجه المتاعب، وليس العرب.

عندما عاد ديان الى تل ابيب، وعقد على الفور اجتماعاً مع اليعازر وكبار الضباط، قال لهم بنبرة حزينة: «اتدركون ما اخشاه من كل قلبي؟ ألا يكون لدى اسرائيل أسلحة تمكنها من مواصلة القتال، بغض النظر عن المكان الذي سيتم فيه رسم خط الدفاع الجديد. لن تكون لدينا دبابات وطائرات تكفي للمواجهة.

والأهم من ذلك ان يكون لدينا افراد مدربون بما فيه الكفاية. ان الحرب ليست ضد مصر وسوريا، انها الحرب التي تخوضها اسرائيل ضد العرب، العالم العربي كله». بعد ذلك قال ديان لاليعازر انه لا يفضل عملية انسحاب سريع، لكنه مع رسم خط دفاعي جديد.

 
رغبة في الانتحار

في مذكراتها قالت مائير، بعد ذلك، انها بعد ان استمعت الى ديان وما يفكر به انتابتها «رغبة في الانتحار» فقد حضرت اجتماع مجلس الوزراء مع ديان وهي في حالة انهيار.كان وجهها شاحباً، وترتسم علامات اليأس على محياها، وبعد الاجتماع استندت على جدار في الممر، وقالت لأقرب مساعديها بصوت منخفض مهزوم: «ان ديان يتحدث عن الاستسلام».

ويقول المؤلف انه على الرغم من ان ديان لم يذكر هذه العبارة صراحة، إلا انه تحدث عن الانسحاب من مواقع والتخلي عن خط بارليف، كما أعرب عن اعتقاده باستحالة اجبار المصريين على التقهقر الى الجبهة الغربية من القناة. لقد قدم ديان استقالته، لكن مائير رفضتها على الفور، وعندما سألته عن رد فعله اذا صدر قرار من الامم المتحدة بوقف اطلاق النار قال ديان انه سيتمسك به، حتى اذا كان ذلك يعني بقاء الجيش المصري على الضفة الشرقية للقناة.

لم يكن هذا الشعور باليأس والاحباط هو شعور ديان ومائير فقط، بل شعور معظم الاسرائيليين، الذين احسوا بأن جيشهم قد تلقى ضربات موجعة خلال الساعات الاولى من المعركة. كما ادرك كبار الضباط ان افتراضاتهم الاساسية التي بنوا عليها ثقتهم في النفس كانت مجرد أوهام.

فالجندي العربي لا يهرب من أرض المعركة، كما أوهموا انفسهم بذلك، بل انه يهاجم ويقاتل ببسالة، ويستخدم ببراعة أسلحة جديدة وبروح قتالية جديدة. ولم يكن للسلاح الجوي الاسرائيلي أي دور يذكر في ساحة المعارك، بل تم اسقاط طائراته بمعدل أثار رعب الاسرائيليين.

كما لم تتمكن الدبابات الاسرائيلية من الصمود على الجبهتين الجنوبية والشمالية، باستثناء بعض المعارك بالقطاع الشمالي من جبهة الجولان. والأهم من هذا كله ان المخابرات الاسرائيلية كانت خارج الصورة تماماً، بل انها كانت مسئولة عن الخلل الرهيب الذي هدد اسرائيل بكارثة. لم يكن قد مرّ سوى يوم واحد، وبدا كل شيء ينهار داخل المؤسستين العسكرية والسياسية الاسرائيلية. فإذا كان العرب قد نجحوا في انجاز كل هذا في يوم واحد، فما الذي سيحدث خلال الأيام القليلة المقبلة؟

أما الجنود الاسرائيليون على خط المواجهة فقد حاولوا ابعاد الأفكار السوداء عن أذهانهم، ولكن كان بعضهم لا يتمكن من استبعاد هذه الأفكار، وفي مقدمتهم الطيارون الذين يرون الصورة بشكل أوضح. وقد تصادف أن سألت إحدى موظفات العمليات طيار فانتوم عاد لتوه إلى القاعدة من مهمة فوق الجولان يوم الاحد عن الوضع، فقال لها ان المئات من الدبابات السورية تتقدم على طول الجبهة، مثل حشود من النمال العملاقة، ولا توجد أي وسيلة لوقفها. أصيب المدنيون الاسرائيليون بصدمة عنيفة وهم يحتفلون بعيد الغفران. ففي يوم واحد فقدوا الثقة بالنفس، وانتابتهم حالة من الذعر والخوف أثرت بشدة على حالتهم النفسية، وهي حالة لم يخرجوا منها لسنوات.

يقول المؤلف انه سرعان ما أشارت أصابع الاتهام الى رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي ديفيد اليعازر، فهو المسئول عن تبني الجيش الاسرائيلي لعقيدة جعلته لا يتخذ الاستعدادات اللازمة لهذه الحرب، عقيدة تقلل كثيراً من قوة الخصم العربي، كما انه يتحمل مسئولية الاعتماد على تقويم المخابرات العسكرية بأن احتمال نشوب الحرب هو «احتمال ضعيف»، كما ان اليعازر لم يسارع بإصدار أمر التعبئة الجزئية خلال الأيام التي سبقت الحرب. واعتمد سياسة دفاعية ضعيفة على خط القناة، بخلاف كل القواعد العسكرية الأساسية، كما انه وراء تعيين جونين رئيساً للقيادة الجنوبية.

ويرى المؤلف ان التغيير في القدرات الحربية العربية لا يرجع إلى تغير مفاجيء في الشخصية، لكنه تغير حدث على مدى سنوات منذ حرب يونيو 1967، وذلك في الوقت الذي تأثرت فيه اسرائيل سلباً بانتصارها ـفي 1967.

في منتصف ليلة الاحد 7 اكتوبر التقى اليعازر بهيئة الأركان، حيث طرح عليهم خطة الهجوم المضاد على الجبهتين المصرية والسورية على ان يتم تنفيذها صباح يوم الاثنين.

وكانت الخطة الاسرائيلية على الجبهة المصرية تقضي بالسيطرة على المنطقة الممتدة بين القناة وطريق المدفعية داخل سيناء، وانقاذ الاسرائيليين المحاصرين داخل النقاط الحصينة، واستعادة الدبابات المعطلة والاستعداد لعبور قناة السويس.

وفي الساعة الثانية من قبل فجر يوم الاثنين انطلقت فرقة الجنرال ابراهام أدان باتجاه الغرب، وتحركت الدبابات ببطء، خوفاً من مواجهة قوات مصرية، وذلك وفقاً لتعليمات قيادة الجبهة الجنوبية التي كانت لا تزال تعاني من صدمة الهجوم المصري المفاجيء والتصميم والمعنويات العالية التي أظهرها المصريون.

وفي الساعة الرابعة فجراً، تلقى أدان اتصالاً من الجنرال كالمان ماجن الذي تولى قيادة قطاع بالوظة، حيث نقل له أوامر جديدة من جونيث تتعارض مع خطة اليعازر مما جعل أدان يدرك ان هناك مشكلة خطيرة داخل القيادة الجنوبية.يقول المؤلف إن اليعازر كان في نهاية القلق والحذر ولم يكن متفائلاً مثل بقية أفراد هيئة الأركان. ويبدو أن قلق اليعازر كان في موضعه، حيث ان اللواءات الثلاثة ضمن فرقة ادان كانت تتحرك من دون أي تنسيق فيما بينها، كما ان اوامر جونين لادان كانت غير واضحة، كما كانت تتغير من وقت لآخر، وفي بعض الاحيان كانت تتعارض فيما بينها.

بدأ ديان يشعر بالقلق واحس بأن الهجوم المضاد لا يحرز اية نتائج مهمة، خاصة وان فرقة ادان لم تواجه حتى الآن اية مدرعات او قوات مصرية، كما شكك ديان في تقرير افاد بأن المصريين يتراجعون، وقال: ان المصريين يواصلون التقدم» وصدق اليعازر على وجهة نظر ديان، وابدى عدم ارتياحه تجاه الطريقة التي تتطور بها المعركة ولم يتمكن اليعازر من الحصول على صورة واضحة للموقف من جونين، كما لم تكن لديه فكرة مما يحدث لفرقة ادان.

وفي ظل كل هذا التخبط تحول يوم الثامن من اكتوبر الى وصمة عار في التاريخ العسكري الاسرائيلي، فقد نجح المصريون في تدمير عشرات الدبابات وفي قتل واصابة الكثير من الضباط والجنود، وقد تعرضت كتيبة مدرعات اسرائيلية بقيادة عساف ياجوري لقصف مصري مكثف بصواريخ «ساجر» والآر بي جي» من ثلاثة اتجاهات، وفقد ياجوري معظم قيادات دباباته.

وحاول الانسحاب مع القليلين الذين تبقوا على قيد الحياة وجميعهم كانوا خمسة فقط من بينهم ضابط عمليات الكتيبة، لكن أحد الضباط المصريين تمكن من اللحاق بهم وامرهم بالتوقف، وتم اسر عساف يا جوري والآخرين ونقلوا على متن عربة مدرعة، كما تعرضت كتيبة اسرائيلية اخرى لخسائر فادحة،، اذ لم تتمكن سوى اربع دبابات فقط من الانسحاب، وذلك من اصل 18 دبابة.

يقول المؤلف ان المشهد كان مأساويا بحق، فعلى مدى البصر كانت عشرات الدبابات الاسرائيلية تحترق، فيما يحاصرها مئات الجنود المصريين ووراء هذا المشهد كانت هناك نحو مئة دبابة وعربة مدرعة مصرية تصطف في تشكيل استعدادا للهجوم.

بالنسبة للعديد من الضباط الاسرائيليين كانت هذه هي اسوأ ازمة تعرضوا لها على مدى اربع حروب، فبالاضافة الى الخسائر الثقيلة خسر الاسرائيليون الكثير من المواقع الاستراتيجية المهمة. ومع حلول الظلام انسحبت كل القوات الاسرائيلية من ساحة القتال، لينتهي اسوأ يوم في تاريخ اسرائيل لم تكن المفاجأة في ذلك اليوم في القدرة القتالية العالية للمصريين فقط، بل حالة التخبط وعدم وضوح الرؤية للقيادة الاسرائيلية التي تأكدت انه هذه الحرب لن تكون حرباً سريعة او سهلة.
لقد فقدت الفرقة الاسرائيلية التي شنت اول هجوم مضاد في حرب اكتوبر نحو 60 دبابة، والاهم من ذلك انها فقدت الثقة في النفس.يقول المؤلف ان الفشل الاسرائيلي كان شاملا، واصبح واضحا للجميع ان هناك دروسا يتعين الاستفادة منها بعد هذا اليوم العصيب ....

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحلقة الثامنة

 

ملامح اليوم الأسوأ في تاريخ إسرائيل وتل أبيب تعد السلاح النووي تحسباً لانهيار الجيش

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يوضح المؤلف ابراهام رابينوفيتش ان اليعازر كان يشعر بالقلق تجاه تطورات الاوضاع على الجبهة الشمالية حيث قال لمساعديه ان السوريين قد تقدموا كثيراً على هضبة الجولان،

وليست هناك دبابة واحدة تقف في مواجهتهم حتى حيفا، ومن السهولة الاندفاع من حيفا الى تل ابيب، ودعا الى تشكيل خط دفاعي عند حافة الهضبة والتركيز على الجولان، اذا ان القناة بعيدة عن حدود اسرائيل، الامر الذي يتيح الفرصة لانسحاب تكتيكي، بينما الوضع في الجولان مختلف تماماً.

حاول الاسرائيليون انقاذ المحاصرين داخل مركز الاستخبارات في جبل الشيخ الذي تمكن السوريون من الاستيلاء عليه. واتجهت كتيبة الى المركز، ودارت معركة انتصر فيها السوريون من جديد، وانسحبت القوات الاسرائيلية، بعد ان تكبدت 25 قتيلاً و57 جريحاً.

وفي غرفة العمليات بتل أبيب، اقترح الجنرال طال التخلي عن خطط عبور القناة، وارسال قوة برمائية عبر خليج السويس بدلاً من ذلك لاحداث ثغرة بين الجيشين الثاني والثالث وتهديد حقول البترول المصرية بل ووادي النيل ايضاَ.

ولم يرفض ديان الخطة، لكنه كان يفضل مهاجمة الطرف الآخر من الخط المصري والاستيلاء على مدينة بورسعيد عند مدخل القناة الشمالي. وعندما قيل له ان ارييل شارون مصمم على عبور القناة، رد ديان قائلاً: على حد معرفتي بشارون فإنه يريد التوجه مباشرة الى القاهرة وكسب المزيد من الاصوات لصالح الليكود».

إلا ان شارون كان مقتنعاً بأن فرصة تغيير مسار الحرب قد ضاعت هذا اليوم مع فشل الهجوم المضاد الذي تم شنه بفرقتين واحدة يقودها هو والاخرى يقودها ادان، وعلى الرغم من ان شارون لم يفقد الأمل تماماً، فإنه لم تعد لديه ثقة في اولئك الذين يديرون الخطط القتالية.

ومع ذلك فإنه كان يرى ان الامكانية لاتزال قائمة لشن هجوم مضاد جديد، لكنه حذر من ان كل يوم يمر يزيد هذه المهمة صعوبة.

اما ادان فإن لم يشارك شارون تقويمه للموقف، وتوقع انه في ظل معاناة الجيش الاسرائيلي في الجبهة الجنوبية وعدم تنظيم صفوفه وضعف قواته، فإن أي هجوم شامل يمكن ان يؤدي الى كارثة أكبر.



أجواء متوترة

كانت الاجواء في مقر جونين، حيث تجمع كبار القادة الاسرائيليين، متوترة للغاية، كان ادان آخر من وصل من قادة الفرق، وكان يشعر بمرارة الفشل الذي تعرض له اليوم، لكنه كان ساخطاً لانه وضع في موقف لا يحتمل نتيجة للأوامر المتضاربة التي تلقاها من جونين ونتيجة لتعرض فرقته لقصف مدفعي عنيف من جانب المصريين، في الوقت الذي كان ينتظر الدعم الجوي، الذي توقعه وفقاً للخطة، لكنه لم يتحقق أبداً.

وفي طريق عودتهما الى تل ابيب بالهليكوبتر غرق ديان واليعازر في التفكير. لقد بدا واضحاً لهما ان استراتيجية الحرب تحتاج الى اعادة دراسة، خاصة بعد الفشل الكبير للهجوم المضاد في سيناء، وبعد فشل لواء الجولان في استعادة جبل الشيخ في وقت سابق من اليوم.وفي غرفة العمليات بتل ابيب قال وزير الدفاع لاعضاء هيئة الأركان ان اسرائيل تواجه ازمة خطيرة، وانه يتعين احداث تعديلات مؤلمة.
واضاف ان الحرب اثبتت خطأ الكثير من الافتراضات الاساسية التي اعتمد عليها الجيش الاسرائيلي، وأوضح قائلاً: لقد اعتقدنا ان دباباتنا بإمكانها منع المصريين من تركيب الجسور على القناة، لكننا لم نتصور مدى الدور الذي يمكن ان تلعبه الصواريخ المضادة للدبابات، وكانت لدى السلاح الجوي خطط لتدمير هذه الصواريخ، لكن هذه الخطط لم تنجح، لقد اصبح العالم العربي يمتلك قدرات قتالية اكبر، ويجب علينا ان نفهم انه ليست هناك تركيبة سحرية لمواجهة ذلك.

ودعا ديان إلى توقع إمكانية مواجهة صراع طويل، وطالب بتعزيز أفراد الجيش وتوسيع نطاق التعبئة، بحيث تشمل أفراداً في أعمار متقدمة وشباباً تحت الثامنة عشرة، ورأى ضرورة مطالبة الولايات المتحدة بتزويد اسرائيل بكميات اضافية من السلاح والذخيرة، وخاصة الصواريخ المضادة للدبابات، المماثلة لتلك التي في أيدي أفراد المشاة المصريين.

وقال ديان انه ينبغي توزيع مثل هذا السلاح على جميع الاسرائيليين في حالة وصول المدرعات المصرية الى قلب اسرائيل وجسد هذا الاقتراح المذهل مدى اتساع نطاق الخطر الذي يشعر به ديان.وبالنسبة لجبهات القتال، اقترح ديان تشكيل خط دفاعي خلف المضايق في سيناء، بينما قال إنه ينبغي ألا نعطي أي مجال للتراجع على جبهة الجولان.

وكان ديان قد أبلغ اليعازر بعد زيارته للقيادة الشمالية صباح يوم الاحد بأن هوفي يشعر بالاجهاد والاحباط وان جزءاً من المشكلة يكمن في انه كان جندي مشاة وليس ضابط مدرعات واقترح ديان ايفاد قادة أكفاء الى الجبهة الشمالية، لتعزيز الوضع، ووضع ضابط كبير بجانب هوفي لمساعدته في اتخاذ القرارات الحاسمة.أما بالنسبة لجونين فرأى ديان ضرورة تغييره اذ ان أوضاع الجبهة الجنوبية اصعب من قدرات جونين وكان المرشحان المحتملان هما شارون أو بارليف.

وقال ديان انه من الضروري التركيز على الجبهة الشمالية، لأنها الأقرب الى اسرائيل وينبغي القيام بأي شيء حتى لو أدى الأمر الى قصف العاصمة السورية، دمشق، بالقنابل. ويقول المؤلف هنا إن هنري كيسنجر كان قد شجع اسرائيل على التحرك نحو العاصمة السورية من أجل تعزيز الموقف الاسرائيلي على طاولة المفاوضات، بعد انتهاء الحرب.

وبعد ان غادر ديان غرفة العمليات، أبلغ اليعازر هيئة أركانه بأنه يتعين على سلاح الجو ان يوقف هجماته على القواعد الجوية السورية، ويتجه بدلاً من ذلك الى قصف أربع مدن رئيسية، هي دمشق وحمص وحلب واللاذقية مع التركيز على محطات الكهرباء والمرافق الرئيسية.

 

 

 

 

 

 

 



مائير والحقيقة المؤلمة

تم كشف النقاب عن الحقيقة المؤلمة للموقف العسكري الذي تتعرض له اسرائيل أمام رئيسة الوزراء غولدا مائير، وذلك خلال اجتماع عقد في الساعة 30,7 من صباح يوم الثلاثاء وحضر الاجتماع ديان واليعازر وأقرب مستشاري مائير والوزيران اسرائيل جاليلي وايجال ألون وبدأ ديان الاجتماع بالقول انه ليست هناك في الوقت الراهن امكانية للاقتراب من القناة أو عبورها ويجب أن يكون تركيز الجيش الاسرائيلي على سوريا حتى تقبل وقفاً لاطلاق النار، ولتحقيق ذلك اقترح قصف عدد من الأهداف العسكرية في دمشق، إلا أنه لم يستبعد امكانية ان يلحق الضرر بالمدنيين في هذا القصف.

اعترضت مائير على ضرب أهداف مدنية في دمشق، وقالت إنه اذا وقعت خسائر بين المدنيين، فإن واشنطن ستوقف اي امدادات للأسلحة والذخيرة ولكن عندما دعت الوزير جاليلي لابداء رأيه قال: «إن قصف دمشق أمر لابد منه». عندئذ أذعنت مائير، وطالبت بتوجيه رسالة الى دينتز تطالبه فيها بتوضيح هدف القصف لهنري كيسنجر.

يقول المؤلف إن المهمة تم تنفيذها بخسائر على الجانبين، إلا أن قصف المنشآت السورية الحيوية لم يحقق الهدف من ورائه، وهو اضعاف الموقف السوري على جبهة القتال، كما أدت الأحوال الجوية السيئة في ذلك الوقت الى فشل الطائرات في تحديد الأماكن العسكرية المهمة التي كان من المفترض قصفها، وسقطت بعض القنابل على بعض المنشآت المدنية.

 

 

 

إطلالة السلاح النووي

كان يوم الثلاثاء 9 اكتوبر بالنسبة لمعظم الاسرائيليبن هو اسوأ يوم في التاريخ. ففي هذا اليوم عرفوا أبعاد الهجوم المضاد الفاشل في سيناء، وأدركوا ان توقعاتهم بتحول سريع في مجريات الحرب ليست سوى مجرد أوهام. وقد وصف الجنرال طال هذا اليوم فيما بعد قائلا: لم يعد لدينا أي احتياطي يمكن الاستعانة به، لم يعد لدينا أي شيء».

ووفقا لرواية نشرت خارج اسرائيل، فقد اجتمع مجلس الوزراء المصغر يوم الاثنين 8 اكتوبر، وقرر اعداد ترسانة اسرائيل النووية، خوفا من انهيار الجيش الاسرائيلي كلية.

ووفقا لتقرير نشرته الصحف الاسرائيلية بعد مرور ثلاثين عاما على الحرب، ابلغ الجنرال طال مشاركين في اجتماع سري في 1974 بأن هيئة الاركان العامة أوصت صباح يوم الثلاثاء 9 اكتوبر باتخاذ «اقصى الاجراءات» ضد العرب. ووفقا للتقرير فقد اقترب احد كبار الضباط من طال والدموع في عينيه، وقال له: «عليكم انقاذ اسرائيل من هؤلاء المجانين، ويقصد اولئك الذين وافقوا على «اقصى الاجراءات».وقد أقيمت لرؤساء الصحف الاسرائيلية فرصة التعرف على رؤية ديان القاتمة لتطورات الحرب، وذلك مساء يوم الثلاثاء.

وتناول حديثه غير القابل للنشر معهم أوضاع الجبهتين الشمالية والجنوبية. وقال لهم ان الجيش الاسرائيلي ليست لديه القوة في الوقت الحالي لرد المصريين الى الضفة الغربية للقناة ويتعين على اسرائيل ان تنسحب الى عمق سيناء، وهو الامر الذي يحمل الكثير من المعاني، وفي مقدمتها فقدان الثقة في قوة الجيش الاسرائيلي.

وفي داخل نقطة «هيزايون» المحصنة تبخر امل الاسرائيليين بحلول عصر يوم الاثنين 8 اكتوبر. فقد اخترق رجال الصاعقة المصريون هذه النقطة عدة مرات وفي الساعة 15,5 مساء ابلغ نائب القائد رؤساءه بأنهم لن يستطيعوا الصمود أكثر من ذلك، وانهم سوف يستسلمون.

لم تكن هذه النقطة المحصنة الوحيدة التي استسلم افرادها للجيش المصري، فقد تم اخلاء العديد من النقاط الاخرى، أو استسلم افرادها. وقد هرب العديد من الجنود، عندما هبط الليل، وساروا لساعات ربما لأيام في الصحراء الى ان وصلوا الى الخطوط الاسرائيلية، وبعضهم سقط في أيدي المصريين.

وفي نقطة «فاتسميد»، هاجم المئات من جنود المشاة المصريين المكان بعد ظهر يوم الاثنين، وطلب قائد النقطة الكابتن جدعون جور امداده بدعم مدفعي، ولكن الدعم كان ضعيفا. كان هذا هو اليوم الثالث للمعركة حول نقطة «فاتسميد» وبدأت الذخيرة تنفد، وفي صباح يوم الثلاثاء استأنف المصريون هجومهم، فهرب الاسرائيليون الى المخابئ، لكن قنابل الدخان أجبرت كل افراد النقطة، وعددهم 35 جنديا اسرائيليا، على الاستسلام، وذلك في الساعة الثامنة من صباح الثلاثاء.

وفي نقطة «بركان» الحصينة، أدرك قائدها الاسرائيلي أن المصريين سيصلون اليها بين لحظة وأخرى وانه من غير المرجح وصول فرق انقاذ اسرائيلية، لذلك فقد اتصل بالقيادة العليا وأبلغها بأنه سينسحب منها مع افراد وحدته. وعلى الرغم من تردد القيادة في السماح له باخلاء هذه النقطة المهمة، الا انه اتخذ القرار، وقام بتنفيذه بعد منتصف الليل، بعد احتجاب القمر، وقام أكثر من 30 اسرائيليا بالسير في الصحراء لمسافة تزيد على عشرة كيلومترات.

وفي الصباح اكتشف المصريون ان الاسرائيليين قد انسحبوا من «بركان». عندما دخل الفريق الشاذلي من بوابة الحصن بعد ساعات قليلة على هروب الاسرائيليين قال «الحمد لله، الله اكبر».يقول المؤلف ان الجبهة الشمالية واجهت تطوراً جديداً قلب موازين التفكير الاسرائيلي. فقد قرر العراق ارسال جنود ودبابات وعربات مدرعة الى الجبهة للوقوف الى جانب الجيش السوري.
وعلى الرغم من ان المخابرات الاسرائيلية قد دربت رجال حرب العصابات والاكراد لسنوات على إحداث اضطرابات تشغل الجيش العراقي في حالة نشوب حرب اسرائيلية عربية، إلا أن الزعامة الكردية قررت في هذه اللحظة الحاسمة عدم التورط في مغامرة عسكرية لصالح اسرائيل، وبدأ العراقيون بإرسال فرقة مدرعة على أن يتم إرسال فرقة مدرعة ثانية بعد ذلك.ويقول المؤلف إن العراق أرسل خلال الحرب 500 دبابة و700 عربة مدرعة و30 ألف جندي من بينهم وحدات قوات خاصة.

 

 

 


مواقف القوتين العظميين

يشير المؤلف إلى أن النجاحات التي حققها العرب أذهلت المراقبين العسكريين في عاصمتي القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. ولم يكن رئيس هيئة الاركان العامة السوفييتية المارشال فيكتور كوليكوف يعتقد أن بمقدور المصريين عبور قناة السويس من دون مشاركة مباشرة من المستشارين السوفييت، إلا أنه اعترف بعد ثلاثة أيام من نشوب الحرب بالنجاحات التي حققها العرب.

وذلك في مذكرة قدمها إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي. وقال إن الاسرائيليين فوجئوا بالحرب، ولم يكونوا مستعدين لها، كما أشار إلى الدور الرئيسي الذي لعبه السلاح السوفييتي، خاصة صواريخ سام والاسلحة المضادة للدبابات في تحقيق التقدم العربي.
أما في واشنطن فقد أثار النجاح العربي حيرة صانعي القرار الأميركيين. وفي اجتماع لهم يوم السبت افترض معظم المشاركين أن اسرائيل بدأت الحرب. ولكن عندما تأكدت الانتصارات العربية توقع خبراء وزارة الدفاع الأميركية أن إسرائيل سوف تستعيد زمام المبادرة في غضون 72 ساعة مع بدء وصول أفراد الاحتياط الى وحداتهم.

ولكن مع مرور الوقت أدرك وزير الخارجية الأميركي الدكتور هنري كيسنجر أن المصريين يواصلون التقدم، بل إنهم يرفضون وقفاً لإطلاق النار. واعتقد كيسنجر أن الرئيس المصري أنور السادات لن يستطيع الصمود طويلاً أمام اسرائيل، وانه سيسعى إلى الحفاظ على الأرض التي كسبها من خلال طلب وقف إطلاق نار، لكن ذلك لم يحدث.

وفي مساء يوم الاثنين 8 اكتوبر، نقل السفير الاسرائيلي دينتز رسالة إلى كيسنجر تشرح تقويم تل أبيب للوضع، وهي الرسالة التي سبقت معرفة اليعازر بالخسائر الفادحة التي لحقت بالجيش الاسرائيلي عندما قام بزيارة مسائية للجبهة الجنوبية. وبالتالي لم يكن كيسنجر مستعداً لتلقي مكالمة هاتفية من دينتز في الساعة 45,1 صباحاً ليطلب منه الاسراع في تلبية مطالب السلاح الاسرائيلية.

لم يكن لهذا الاستعجال أي معنى لدى كيسنجر في ضوء التقويم الاسرائيلي لسير المعارك، الذي تلقاه قبل ساعات. أبلغ كيسنجر السفير الاسرائيلي بأنه سيبحث هذه المسألة صباحاً، لكن دينتز أعاد الاتصال به بعد ساعة، فأدرك كيسنجر عندئذ ان الأمور تسير على نحو غير جيد.

كانت غولدا مائير هي التي طلبت من دينتز ذلك، وقالت له بالحرف الواحد: «لا يعنيني ما الوقت الآن، اتصل بكيسنجر في الحال، فغداً ربما يكون قد فات الأوان». في الساعة 20,8 صباحاً، التقى كيسنجر ومساعدوه في البيت الأبيض بدينتز وموردخاي جور الملحق العسكري الاسرائيلي.
ذهل الأميركيون عندما أوضح لهم جور مدى الخسائر التي تكبدتها إسرائيل خلال الأيام الأربعة الأولى من المعارك، وقد تضمن هذه الخسائر 49 طائرة حربية و500 دبابة، أي ما يعادل ثمن سلاح الطيران وريع سلاح المدرعات فتساءل كيسنجر مذعورا كيف حدث ذلك؟ رد دينتز قائلا إنه لا يعرف، ولكن من الواضح ان اخطاء قد وقعت.

امر كيسنجر مساعديه بتقديم المعلومات الاستخباراتية التي طلبتها اسرائيل، وابلغ دينتز بأنه سيرى ما يمكن فعله بشأن زيادة شحنات الاسلحة، ولاول مرة يفهم كيسنجر السبب وراء رفض السادات لوقف اطلاق النار، فقواته المسلحة تقوم بعمل مذهل، وتم الاتفاق على ان تقوم طائرات شركة الخطوط الجوية الاسرائيلية «العال» بالهبوط، بعد اعادة صبغها، في قواعد جوية اميركية.
حيث يتم شحنها بالذخيرة والمعدات الالكترونية واسلحة اخرى تطلبها اسرائيل الا انه اتضح ان طائرات العال السبع المتوافرة لا تكفي لتلبية احتياجات اسرائيل، وقال كيسنجر انه سوف يجري مشاورات مع زملائه بشأن سبل زيادة هذه الشحنات.

 

 

 

 

 

 


الجسر الجوي الأميركي

في نهاية الاجتماع ابلغ دينتز كيسنجر على انفراد بأن غولدا مائير ترغب في زيارة واشنطن وتلتقي بالرئيس نيكسون لترجوه زيادة شحنات الاسلحة، رفض كيسنجر جملة وتفصيلا هذا الطلب، وقال انه من الصعب الحفاظ على سرية الزيارة، كما انها ستفسر على انها تعد انعكاساً لحالة الذعر وبالاضافة الى ذلك فإن الزيارة ستؤكد للعالم ان الولايات المتحدة تقدم دعماً عسكرياً هائلا لاسرائيل، الامر الذي يمكن ان ينسف اي دور يمكن ان تقوم به في المستقبل كوسيط.

وجد كيسنجر كبار مسئولي الحكومة الاميركية متشككين في طبيعة الطلب الاسرائيلي العاجل، وقال البعض انها محاولة من اسرائيل للحصول على مزيد من السلاح، بينما اشار رئيس المخابرات المركزية الاميركية وليام كولبي الى ان لدى اسرائيل ذخيرة تكفيها لمدة اسبوعين آخرين على الاقل، اما وزير الدفاع الاميركي جيمس شليزنجر، الذي لم يكن متحمساً لتقديم المساعدات التي تريدها اسرائيل، فقد قال انه ينبغي ان نميز بين ضمان بقاء اسرائيل داخل حدودها.

بين مساعدتها على احتلال اراض عربية، وشاركه في هذا الرأي آخرون حضروا الاجتماع، رد كيسنجر قائلا ان كل هذه الحجج لا معنى لها الآن، فهزيمة الاسلحة السوفييتية التي بأيدي المصريين والسوريين للاسلحة الاميركية ستكون كارثة جيوبوليتيكية لاميركا. والمساعدات الاميركية لاسرائيل مسألة ضرورية، حتى تتمكن اسرائيل من رأب الصدع.

بعد ذلك التقى كيسنجر بالرئيس نيكسون الذي وافق على كل بنود القائمة الاسرائيلية باستثناء القنابل الموجهة بالليزر، وهي القنابل الاحدث في ترسانة السلاح الاميركي. وقال نيكسون: «انه يجب تعويض كل الطائرات والدبابات التي خسرتها اسرائيل يجب عدم السماح بهزيمة اسرائيل» وبعد رفض شركات طيران جديدة نقل السلاح الاميركي الى منطقة القتال خوفا من المقاطعة العربية قرر نيكسون يوم السبت 13 أكتوبر ان تقوم وسائل نقل عسكرية اميركية بنقل شحنات السلاح مباشرة الى اسرائيل.

وفسرت دوائر في واشنطن هذا الجسر الجوي، الذي بدأ تنفيذه في اليوم التالي، على انه يخدم المصالح الاميركية، بغض النظر عن انه يدعم حليفا يعاني من ازمة. يقول المؤلف ان الدول الاوروبية رفضت السماح للطائرات الاميركية بإعادة التزود بالوقود وهي في طريقها الى اسرائيل الا ان واشنطن مارست ضغوطا على البرتغال لإقناعها بمنح هذه الطائرات حق الهبوط في جزر الازور كما تم استخدام حاملات الطائرات الاميركية في المحيط الاطلنطي والبحر المتوسط كنقاط توقف للتزود بالوقود لطائرات السكاي هوك المتجهة الى إسرائيل.

وفي المقابل تحمس المسئولون السوفييت الذين كانوا متشككين في البداية، وعززوا دعمهم للمصريين والسوريين، وتزايد التوتر بين القوتين العظميين. وقال كيسنجر فيما بعد: «إذا انتصر السلاح السوفييتي، فإن ذلك يعني أن موسكو ستسيطر على دبلوماسية ما بعد الحرب في المنطقة» كان كيسنجر يتطلع إلى القيام بدور أميركي كوسيط مقبول من الجانبين. وفي رسالة إلى حافظ اسماعيل، مستشار الرئيس المصري قال: «ان الجانب الأميركي سيبذل قصارى جهده للمساعدة في تحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط».

يقول المؤلف إن الاتحاد السوفييتي لم يكن يريد أن يؤدي التوتر في الشرق الأوسط الى انهيار سياسة الوفاق على الولايات المتحدة، لذلك فقد أبلغت موسكو صباح يوم الاربعاء واشنطن بأنها لن تعترض على قرار بوقف اطلاق النار يصدر عن الأمم المتحدة. الا ان كيسنجر وجد أن توقيت وقف اطلاق النار ليس مناسباً الآن لأنه سيترك اسرائيل باعتبارها الخاسر الوحيد.

رد على السفير دوبرينين قائلا: «هذا الاقتراح بناء لكن الحكومة الاميركية بحاجة لبعض الوقت لدراسته».وفي مشاورات مع السفير الاسرائيلي دينتز، قال كيسنجر انه سيتقدم باقتراح لوقف اطلاق النار، ولكن يجب على اسرائيل ان تعود الى خطوط ما قبل الحرب، أو ما بعدها، على أحدى الجبهتين على الأقل.

وبعد أن استولت اسرائيل مرة اخرى على اجزاء من الجولان، ابلغ دينتز كيسنجر بأن حكومته لم تقرر بعد ما اذا كان يتعين عليها تجاوز خط وقف اطلاق النار، فرد كيسنجر قائلا «لماذا لا تفعلون ذلك؟».

وكتب كيسنجر في مذكراته بعد ذلك يقول: «لقد كان هدفنا هو ابطاء الدبلوماسية من دون ان يبدو أننا نعرقلها، نحث على تسريع العمليات العسكرية من دون أن يبدو أننا نتدخل، وبعدها نطرح وقفاً لاطلاق النار، قبل ان تفلت الأمور وتقع أحداث لا يمكن التنبؤ بها».



تغيير القيادة الجنوبية

في اسرائيل التقى اليعازر بوزير الدفاع موشي ديان بصورة منفردة، وبحث معه امكانية تغيير جونين كرئيس للقيادة الجنوبية. قال اليعازر ان جونين غير قادر على ادارة دفة المعارك. وبالاضافة الى ذلك فإنه غير قادر تماماً على ضبط تصرفات شارون. فقد تحدى شارون أوامر جونين الواضحة، وارسل فرقته لمواقع متقدمة، حيث دخلت في مناوشات مع المصريين. وقد اصيبت في هذه المناوشات 50 دبابة.

وتم ترك 18 دبابة اخرى في اراض يسيطر عليها المصريون ويصعب وصول فرق المهندسين اليها لاصلاحها. لقد وصل شارون الى ضفة القناة. مسألة ديان: «ماذا يريد شارون ان يفعل هناك؟» رد اليعازر: «يريد عبور القناة» تساءل ديان : «كيف له ان يعبر ومعدات الجسور الاسرائيلية لا تزال في المؤخرة واحتمالات الاستيلاء على جسر مصري ضعيفة للغاية».قال اليعازر:«يريد شارون مهاجمة (المزرعة الصينية)، التي تسيطر عليها فرقة مشاة مصرية، وعبور القناة قبل حلول فجر غد».

كان ديان يدرك مدى تهور شارون واندفاعه غير المحسوب، وعلى الرغم من عدم اقتناعه بهذه الخطة، الا انه لم يعترض عليها. ووافق ديان على ان يحل بارليف محل جونين على ان يتم تجنيب الاخير لا اسقاطه، حتى لا يمثل هذا الاقصاء اعترافاً بفشل القيادة الجنوبية ويوجه ضربة للمعنويات.
ادت تطورات المعارك الى توصل اليعازر الى نتيجة افضى بها لديان، اذ قال له: «لا يمكن لاسرائيل ان تنتصر في هذه الحرب، ولابد من ان تستعد بدلاً من ذلك لحرب اخرى .. يجب ان يكون هدفنا هو التوصل الى وقف لاطلاق النار. ان الامور لن تكون افضل مما نحن فيه الآن، اننا في حاجة بالفعل لوقف النار حتى نتمكن من اعادة بناء الجيش».

وفي الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة 12 أكتوبر، عقد اليعازر اجتماعاً مع كبار قيادات الجيش افتتح زيرا رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية المناقشة قائلاً: انه من المتوقع أن يتخد مجلس الامن التابع للأمم المتحدة قراراً بوقف اطلاق النار في غضون الساعات الثماني والأربعين المقبلة وعلى الجيش الاسرائيلي أن يتحرك بسرعة لعبور قناة السويس قبل صدور القرار. رد اليعازر قائلاً:
أتريدون اقناعي بأنه يتعين علينا شن هجوم ليلة غد.. إن المسألة هي ما الذي سيحدث بعد ذلك، ان هزيمة مصر لم تعد خياراً ممكناً الآن

كان هذا اعترافاً مؤلماً من قائد جيش كان يعتبر نفسه قبل بضعة ايام جيشاً لا يمكن ان تقهره مجموعة جيوش مجتمعة في الشرق الأوسط.

يقول المؤلف ان اليعازر كان مقتنعاً بأن الرئيس المصري السادات لنا يقبل بوقف لاطلاق النار، إلا إذا حدث تطور عسكري مهم، مثل عبور اسرائيل لقناة السويس. إلا أنه لم يكن متأكداً من ذلك أيضاً. اما ديان فكان مقتنعاً بأن المصريين لن يوافقوا مطلقاً على وقف لاطلاق النار، اذا حصلت اسرائيل على موطيء قدم على الضفة الغربية من القناة. كما أن هناك احتمالاً لأنه في حالة عبور القناة وتنفيذ وقف لاطلاق النار، ان يتدهور الوضع بسرعة، وتنشب من جديد حرب استنزاف. وفي هذه الحالة سيجد الجيش الاسرائيلي نفسه في وضع انتشار خطير على خطوط ممتدة على جانبي القناة.

وعلى الرغم من كل هذه الشكوك، فقد مال اليعازر لاقتراح عبور القناة نظراً لعدم قدرته على التفكير في أي بديل آخر يدفع السادات للموافقة على وقف لاطلاق النار...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحلقه التاسعه 


تجاهل إسرائيلي لوقف النار بتحريض من كيسنجر و200 قتيل وجريح إسرائيلي في محاولة فاشلة لاقتحام السويس

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يوضح المؤلف ابراهام رابينوفيتش ان هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي عندما وصل الى موسكو في 20 اكتوبر، طلب ان يستريح على ان تبدأ المباحثات صباح اليوم التالي. ولم يكن كيسنجر

يسعى من وراء هذا الطلب الى الخلود للراحة بعد رحلة طويلة، لكنه اراد ان يضيف نصف يوم للجيش الاسرائيلي حتى يستطيع تعزيز مواقعه بعد ان عبر قناة السويس عند نقطة الدفرسوار.
وعندما بدأت المفاوضات ظهر الاحد 21 اكتوبر مع بريجينيف تم التوصل بعد اربع ساعات الى اتفاق يدعو الى اجراء مفاوضات بين الاطراف المعنية، بعد تنفيذ وقف اطلاق النار. وفي محاولة اخرى من جانب كيسنجر لتأجيل صدور قرار وقف اطلاق النار، طلب مهلة تسع ساعات حتى تستشير حكومتا البلدين حلفاءهما قبل بدء مناقشات الامم المتحدة.

وفي اجتماع لمجلس الوزراء الاسرائيلي عقد مساء يوم الاحد، ابلغت غولدا مائير الوزراء بأنها ستطلب من كيسنجر التوقف في تل ابيب في رحلة عودته من موسكو. قال اليعازر، خلال الاجتماع، إن وقف اطلاق النار يثير قلقه، اذ انه سيسمح للعرب بتعزيز قواتهم استعداداً لجولة جديدة من القتال.

واضاف ان استئنافاً للقتال في غضون عدة ايام أو اسابيع امر محتمل جداً. وسيتمكن المصريون من نشر بطاريات صواريخ سام جديدة، كما سيقوم السوريون بتدريب اطقم على مئات الدبابات السوفييتية الجديدة التي حصلوا عليها، كما سيتاح الوقت للعراقيين لإرسال فرقة مدرعة اخرى الى سوريا.

واستمرار وقف اطلاق النار لأيام أو اسابيع قليلة هو أسوأ خيار لاسرائيل. وقال انه لذلك يتعين على الحكومة الاسرائيلية ان تحصل على ضمانات بأن هذا لن يحدث. وفي الاثنين 22 اكتوبر اتخذ مجلس الامن قراراً بوقف اطلاق النار على ان يسري في الساعة 52. 6 مساء بتوقيت الشرق الاوسط.


يوضح المؤلف ان القيادات الاسرائيلية استعدت لشن سلسلة من الهجمات تعزز بها مواقعها قبل سريان وقف اطلاق النار، إلا ان المصريين بادروا بشن هجمات مضادة في كل القطاعات تقريباً حتى قبل الفجر. كانت الفرقة المصرية المدرعة الرابعة تلعب دوراً نشطاً في مقاومة الثغرة الاسرائيلية.

وصل كيسنجر الى تل ابيب بعد ظهر الاثنين، حيث عقد على الفور اجتماعاً استغرق 50 دقيقة مع غولدا مائير التي سألته على الفور: هل اتفقت الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفييتي على اجبار اسرائيل على العودة الى خطوط 1967؟ فطمأنها كيسنجر الى انه ليس هناك اتفاق من هذا النوع. وقبل ان يغادر قال كيسنجر انه لن يثير اية مشكلة اذا استمرت العمليات العسكرية خلال الليل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


محاولة اقتحام السويس

قبل وصول المراقبين الدوليين لتعزيز وقف اطلاق النار، غامرت القيادة الاسرائيلية بمحاولة دخول مدينة السويس، حيث اقتحمت 21 دبابة و 15 عربة مدرعة وسط المدينة، وتجاوزت مفترق الطرق الأول من دون ان يعترضها المصريون. ولكن عند تقاطع الطرق الثاني انتهى الهدوء، فقد ألقيت القنابل اليدوية من البنايات، وانطلقت نيران المدافع الرشاشة على الدبابات، واطلقت قذائف «الآر بي جي» من الازقة. واصيب كل قادة الدبابات والمشاة في غضون ثوان قليلة. عندما نظر قائد الكتيبة خلفه بدا له ان الكتيبة بأسرها قد دمرت تماماً بضربة واحدة.

كانت النيران المصرية كثيفة، واصابت قذيفة «آر بي جي» عربة يوسي يوفي قائد الوحدة العسكرية، مما ادى الى مقتل اربعة جنود واصابة اخرين من بينهم قائد الكتيبة، ولجأ الاسرائيليون الى بناية من طابقين، الا ان المصريين نجحوا في دخول المبنى من مدخل جانبي وألقوا بالقنابل اليدوية وفتحوا نيران قذائف «الآر بي جي»، مما ادى الى اندلاع النيران في الطابق الثاني، والى مقتل واصابة العديد من الاسرائيليين ومن بينهم يوفي نفسه.

وعندما اقترب الليل امرت القيادة الاسرائيلية القوة المدرعة بالانسحاب من المدينة. وقتل من الكتيبة 18 فرداً واصيب 35 بالاضافة الى تدمير ثلاث دبابات. وكانت هناك وحدتان اسرائيليتان من المشاة داخل المدينة. وطالبت القيادة من هاتين الوحدتين الانسحاب من المدينة على الاقدام بدلاً من المخاطرة بالخروج على متن العربات المدرعة.
وكان هناك 90 اسرائيلياً من بينهم 23 مصاباً داخل المبنى، وكان يتعين عليهم التسلل الى خارجه والسير في شوارع المدينة تحت جنح الليل الى ان يخرجوا منها. وعندما خرجوا في مجموعات من المبنى شعروا بأن هناك من يتربص بهم، فهرعوا عائدين الى المبنى، واحسوا بأنهم في وضع غاية في السوء، بل ان بعضهم فكر في تفجير نفسه بقنابل يدوية، خاصة مع استبعاد محاولة انقاذهم حتى مع طلوع النهار.
يقول المؤلف ان الثمن الذي دفعته اسرائيل لهذه المغامرة غير المحسوبة باقتحام مدينة السويس 80 قتيلاً و 120 مصاباً، ليسدل الستار على اخر عملية اسرائيلية كبرى في حرب اكتوبر. الا ان الطلقات الاخيرة لم تكن قد اطلقت بعد.

 

أجندة كيسنجر الخاصة


تلقى الزعيم السوفييتي بريجنيف رسالة من السفير فينوجرادوف في القاهرة تفيد ان الاسرائيليين يتجاهلون قرار وقف اطلاق النار. واحس بريجينيف بأن كيسنجر عقد صفقة خلال توقفه في تل ابيب. كما وصلت رسالة من السادات تطالب بارسال مراقبين او جنود سوفييت، وقال السادات انه بعث برسالة مماثلة الى الاميركيين.

وقرر المكتب السياسي السوفييتي ارسال 50 مراقباً، الا ان اقتراح ارسال قوات لم يلق حماساً كبيراً. فالقيام بمغامرة عسكرية فيما تقف الولايات المتحدة مع المعسكر الاخر سوف يؤدي الى نتائج عكسية، وبدلاً من ذلك تمت صياغة رسالة من بريجينيف الى نيكسون تدعو الى ارسال قوات اميركية وسوفييتية الى الشرق الأوسط لضمان تنفيذ قرار وقف اطلاق النار. ثم قال بريجينيف بشكل مباشر: «اذا رأيتم انه من المستحيل ان نعمل معاً في هذا الشأن، فإننا سنضطر الى بحث الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك بشكل منفرد».

قضى كيسنجر اليوم وهو يحاول تهدئة السادات والسوفييت، مؤكداً لهم انه يمارس اقصى ما يمكن من ضغوط على الاسرائيليين.وكان كيسنجر على اتصال بالفعل مع دينتز الذي كان ينقل له رسائل غير مقنعة من تل ابيب تزعم ان المصريين هم الذين خرقوا وقف اطلاق النار. اعرب كيسنجر عن سخطه لانتهاك اسرائيل لوقف اطلاق النار. وفي واشنطن رفض كيسنجر طلب مصر ارسال قوات اميركية وسوفييتية الى المنطقة. وكتب في مذكراته بعد ذلك «اننا مصممون على مقاومة وجود قوات سوفييتية في الشرق الأوسط حتى لو لجأنا الى القوة».

وفي الساعة 35,9 مساء تلقى كيسنجر مكالمة من السفير دوبرنيف الذي قال انه تلقى رسالة من بريجينيف الى نيكسون، وهي رسالة عاجلة جداً سيقرأها على الهاتف قبل ان يرسلها.وعندما سمع كيسنجر ان السوفييت يدرسون اتخاذ الخطوات المناسبة بصورة منفردة، ادرك ان ازمة كبيرة بدأت تتشكل.

كانت فضيحة ووترجيت في ذروتها ومعنويات نيكسون في الحضيض، وعندما وصلت رسالة بريجينيف كان نيكسون قد خلد الى النوم. فسأل كيسنجر كبير موظفي البيت الابيض الكسندر هيج عما اذا كان الامر يستدعي ايقاظ نيكسون. فرد هيج بشكل قاطع «لا». إلا انه كان يتعين اتخاذ قرار. واستدعى كيسنجر كبار المسئولين الذين يتابعون أزمة الشرق الأوسط، ومن بينهم وزير الدفاع جي شليزنجر ومدير السي آي ايه وليام كولبي ورئيس هيئة الأركان توماس مور ومساعد الرئيس الجنرال برنت سكوكروفت بالاضافة الى هيج.

وبحث المجتمعون التهديد السوفييتي بجدية، فقد ذكرت السي آي ايه ان السوفييت يعدون طائرات لنقل قوات الى الشرق الأوسط، وانه تم وضع فرق محمولة جواً في حالة الاستعداد القصوى، وان الأسطول السوفييتي في البحر المتوسط قد عزز قطعه بصورة غير مسبوقة. وقرر الحاضرون في الاجتماع صياغة رد هادئ على رسالة بريجينيف، تهدف الى سحب السوفييت الى طاولة المحادثات، كما قرر رفع حالة الاستعداد بين افراد القوات المسلحة الاميركية. وكان كيسنجر يغادر الاجتماع من وقت لآخر ليتشاور مع دينتز الموجود في غرفة مجاورة.

وخلال الاجتماع علم ان ثماني طائرات سوفييتية عملاقة سوف تطير من بودابست الى القاهرة في غضون الساعات القليلة المقبلة. وبالاضافة الى ذلك تم وضع عناصر من القوات المسلحة الألمانية الشرقية في حالة استعداد. وفي الساعة 20,12 صباحا قرر المجتمعون تحذير الفرقة الاميركية 82 المحمولة جوا باحتمال تحركها في أية لحظة. وبعد خمس دقائق صدرت الأوامر إلى حاملة طائرات في المحيط الأطلسي بالانضمام الى حاملتين أخريين في البحر المتوسط.

وفي الساعة 45,1 صباحا صدرت الأوامر إلى قائد القوات الأميركية في أوروبا بارجاء عودة مقررة لقوات أميركية شاركت في مناورات لحلف الناتو. وفي الساعة3.30 صباحا أصدرت هيئة الأركان المشتركة أوامرها للقيادة الجوية الاستراتيجية باعداد القاذفات بي 52 القادرة على حمل قنابل نووية، كما تقرر عدم تسليم الرد إلى بريجينيف حتى الساعة 5.30 صباحا ،  لاعطاء الوقت للمخابرات السوفييتية لمعرفة الاجراءات الأميركية، ولاعطاء الوقت للجيش الأميركي لبدء تنفيذ هذه الاجراءات.
وخلال الاستراحة قال كيسنجر لدينتز انه يتوقع بدء وصول القوات السوفييتية الى القاهرة في غضون يومين. وأعرب دينتز عن تشككه من امكانية تدخل السوفييت، مشيرا الى انه منذ الحرب العالمية الثانية لم تدخل قوات سوفييتية في معارك بدول ليست لها حدود مع الاتحاد السوفييتي. رد كيسنجر قائلا: هناك دائما مرة أولى.

تحول البحر المتوسط إلى ساحة للصراع الخفي بين السوفييت والأميركيين، وقد رصدت الأجهزة الالكترونية منظومات الصواريخ السوفييتية وهي تتابع باستمرار حاملات الطائرات الأميركية. كما كانت الطائرات الأميركية تقوم بطلعات مستمرة فوق السفن السوفييتية. بالنسبة لاسرائيل، فإن محاصرة الجيش المصري الثالث كانت مجرد عملية نفسية من النوع الذي كانت تسعى إليه منذ بداية حرب أكتوبر، بعد أن تلقت أقسى ضربة في تاريخها.

يقول المؤلف ان محاولات المصريين يوم الجمعة لكسر الثغرة ووضع لواء عبر القناة عند مدينة السويس استغلتها اسرائيل لقصف أهداف رئيسية، مثل مراكز القيادة واحتياطيات المياه.

ورد المسئولون الأميركيون بغضب. وقال مسئول بوزارة الدفاع الأميركية للملحق العسكري الاسرائيلي: «آمل أن يكون واضحا لكم أنكم تدخلون في مواجهة مع قوة عظمى». بينما أبلغ كيسنجر دينتز: «دعني أقل لك كصديق ان اسرائيل تتورط في لعبة خطيرة».

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


دور ماكر

يرى المؤلف ان كيسنجر قد لعب دورا غاية في المكر. ففي البداية دفع اسرائيل خلال الحرب لتوجيه ضربة قوية، أقوى في الواقع مما تستطيع اسرائيل، من أجل إظهار تفوقها العسكري، ولكن عندما بدأ الاسرائيليون في فتح الثغرة عند الدفرسوار، اتجه نحو اصدار قرار سريع بوقف اطلاق النار يحافظ على مكاسب المصريين. وباختصار تجد اسرائيل نفسها وقد خرجت من الحرب شبه فائزة ولكنها ليست منتصرة.

وفي الساعة الحادية عشرة من مساء الجمعة 26 أكتوبر، اتصل كيسنجر بدينتز وقال له انه يقرأ عليه رسالة من الرئيس نيكسون. فأولا عملية تدمير الجيش الثالث «خيار غير قائم». وثانيا يريد الرئيس الأميركي ردا بحلول الساعة الثامنة من صباح غد السبت على ما اذا كانت اسرائيل ستسمح بوصول امدادات غير عسكرية الى القوة المحاصرة.

واذا كانت الاجابة بالنفي، فإن الولايات المتحدة ستؤيد ـ للأسف ـ طلبا من الأمم المتحدة بانسحاب إسرائيلي إلى خطوط 22 أكتوبر. وهذا سيؤدي إلى فتح طرق الامداد إلى الجيش الثالث، وإلى تفاقم وضع عملية الانتشار التكتيكي الاسرائيلي.
وقبل خمس ساعات من انتهاء إنذار كيسنجر وصلت رسالة إلى واشنطن من حافظ إسماعيل تفيد بأن مصر قد قبلت عرضاً اسرائيلياً باجراء محادثات مباشرة بين الطرفين. وحددت القاهرة مكان الاجتماع عند الكيلو 101 على طريق السويس الصحراوي. وعين المصريون الفريق عبدالغني الجمسي كممثل لهم، لكنهم وضعوا شرطين مسبقين للاجتماع وقف تام لاطلاق النار ومرور قافلة تحمل مواد غير عسكرية الى الجيش الثالث.

قبلت غولدا مائير الشرطين، وكلفت الجنرال ياريف ليكون ممثلا عن الجانب الاسرائيلي. وفي الساعة 30,1 من صباح الأحد 28 اكتوبر عقد الاجتماع في خيمة كبيرة وكانت هذه هي المرة الاولى التي تدخل فيها الدولتان في مفاوضات مباشرة.وكان من المقرر أن تجرى محادثات اخرى في واشنطن خلال الايام التالية. وقام اسماعيل فهمي القائم بأعمال وزير الخارجية المصري بزيارة كيسنجر في مكتبه في 29 اكتوبر بدون دعوة، وبعد يومين قامت مائير بزيارة مماثلة.

وقبل توجهها الى واشنطن قامت مائير بزيارة القوات الاسرائيلية على الجبهة الجنوبية مع ديان واليعازر، وهي الزيارة الاولى لها منذ بدء الحرب. وعندما سألها أحد الجنود عن السبب وراء السماح بمرور امدادات للجيش الثالث المصري قبل اطلاق سراح الاسرى الاسرائيليين، ردت بأن الضغوط الأميركية لم تترك لها خياراً آخر. وعندما سألها جندي آخر عن سبب عدم استعداد اسرائيل لنشوب حرب بهذا الشكل.

قالت انها لا تستطيع الرد على هذا السؤال، فهي ليست خبيرة في الشئون العسكرية، وتعتمد في ذلك على الرجلين الجالسين الى جوارها، أي وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان. فأثار ردها غضب الليفتنانت كولونيل يوم توم تامير الذي كان لا يزال يشعر بالمهانة بعد تدمير كتيبة مدرعاته في اليوم الأول من الحرب. وصاح قائلا «لأنك لا تفهمين هذه الأمور فقدت 58 رجلا!».

يقول المؤلف ان السؤال الذي طرحه الجندي بشأن عدم استعداد اسرائيل أصبح سؤالا ملحا على الجبهة الداخلية الاسرائيلية في الايام التالية. فالرجلان اللذان اشارت اليهما غولدا مائير وهما ديان واليعازر، يقدمان اجابات متناقضة عن السؤال.
فخلال شهادة أمام لجنة الشئون الخارجية والدفاع بالكنيست وضع اليعازر اللوم فيما يتعلق بالانتكاسات على عدم تعبئة أفراد الاحتياط في الوقت المناسب، وقال: «لو كنا قد قمنا بالتعبئة في الوقت المناسب، لكانت الحرب قد استمرت ثلاثة أو أربعة أو ستة أيام. لقد كانت هناك أخطاء، لكن هيكل الجيش واستعداداته للحرب كانت سليمة».

كانت هذه شهادة، كما يقول المؤلف، تجاهلت عنصر المفاجأة المذهلة للتكتيكات المصرية المضادة للدبابات، والمرونة غير المتوقعة لقوات المشاة المصرية، واهمال اسرائيل للعمليات المجتمعة للاسلحة المختلفة وشلل سلاح الطيران في مواجهة صواريخ سام. واختلف ديان في الرأي فيما يتعلق بكل نقطة من النقاط التي طرحها اليعازر. رأى ديان ان المشكلة أعمق بكثير من مجرد عنصر المفاجأة وعدم تعبئة الاحتياط في الوقت المناسب.

وقال ان: «مفهوم عمليات الجيش ثبت عدم صحته». واضاف في تصريحات لرؤساء تحرير الصحف الاسرائيلية: «انه حتى اذا حدثت عملية التعبئة الشاملة، فان الدبابات لم تكن تستطيع الاقتراب من دون ان تصيبها الصواريخ المصرية، وكذلك الحال بالنسبة للطائرات. لقد أشارت تقديراتنا الى أنه لو كانت هناك 300 دبابة في سيناء و180 في الجولان، فإنها ستكون كافية، لكنها لم تكن كافية».


الجسر الجوي الأميركي

 
يقول المؤلف ان الجسر الجوي الاميركي كان مهما لاسرائيل من الجانب المعنوي اكثر منه من الجانب العسكري. لقد نقل هذا الجسر نحو 22 ألف طن من الامدادات العسكرية لاسرائيل، مما سمح بزيادة مخزون الاسلحة وادى الى احساس بالأمان الى حد ما. ورؤية الطائرات الاميركية العملاقة وهي تهبط في مطار اللد بمعدل اربعين مرة في اليوم الواحد جعل الاسرائيليين يشعرون بأنهم ليسوا وحدهم في الحرب، بل تقف الولايات المتحدة، القوة العظمى، بجانبهم.

وهذا ما دفع بالرئيس المصري أنور السادات الى القول انه لم يعد يحارب اسرائيل وانما الولايات المتحدة. كانت توترات الثلاثة اسابيع الماضية بادية بوضوح على وجه مائير عندما التقاها كيسنجر لدى وصولها الى واشنطن. وقد قال في مذكراته بعد ذلك: «ان الحرب قد قضت عليها».

وكان على جدول أعمال زيارتها موضوع تبادل الأسرى وتحديد خط وقف اطلاق النار. ومع ذلك فإن الهدف الحقيقي غير المعلن لزيارتها هو معرفة ما اذا كانت علاقات أميركا باسرائيل باتت مهددة نتيجة لجهود واشنطن لجعل مصر تدور في فلكها.لقد حدث تطور مثير للقلق، عندما وضع كيسنجر في موسكو الخطوط العريضة لقرار وقف اطلاق النار مع السوفييت من دون استشارة اسرائيل.

وفي هذا الصدد قال كيسنجر في مذكراته «ان التعنت العربي والضغط السوفييتي اوجد وهما مفاده ان اسرائيل لا يتعين عليها انتهاج سياسة خارجية، ولكن سياسة دفاعية فقط. ان تحول مصر الى الاعتدال قد انهى هذا الوهم. ان غولدا لم تكن تقف ضد استراتيجية اميركية ولكن ضد واقع جديد أكثر تعقيدا».

وهنا يقول المؤلف: ان مفتاح التطور المستقبلي يكمن في القاهرة مع الرجل الذي قلب أوضاع المنطقة رأساً على عقب. واتجه كيسنجر الى القاهرة ليعقد أول اجتماع له مع السادات بعد اسبوعين من توقف القتال. وتحقق التقارب بين الرجلين في الحال، وكلاهما أعرب عن تقديره لحكمة الآخر ورؤيته.

وقال كيسنجر في مذكراته: «لقد أحسست بأن السادات يمثل أفضل فرصة لتجاوز المواقف المتجمدة التي عرفها الشرق الأوسط منذ قيام اسرائيل». وبعد سلسلة من المحادثات وافق السادات على اقتراح كيسنجر الذي يتضمن اتفاقاً رسمياً بوقف اطلاق النار ، وتزويد الجيش الثالث بالامدادات من خلال نقاط تفتيش تابعة للأمم المتحدة، وهي النقاط التي ستحل مكان النقاط الاسرائيلية المقامة على طريق السويس، وتبادل الأسرى.وفي 11 نوفمبر وقع الفريق محمد عبدالغني الجمسي والجنرال باريف على الاتفاق في الكيلو 101.

وتحول الحوار الذي بدأ في خيمة بالصحراء بين جنرالين الى مؤتمر دولي رسمي عقد في جنيف بعد شهر، وحضره كيسنجر ووزراء خارجية مصر واسرائيل والاردن والاتحاد السوفييتي. ولأول مرة يجلس وزراء خارجية عرب على الطاولة نفسها مع نظيرهم الاسرائيلي. وامتنعت سوريا عن الحضور، لكن مقعدا شاغراً ألمح إلى امكانية حضورها في المستقبل. وتوصل المؤتمر في 21 ديسمبر إلى اطار رسمي لعملية سلام، سيتم كشف النقاب عن تفاصيلها خلال الاشهر المقبلة، ليس في جنيف، ولكن خلال الرحلات المتعددة التي سيقوم بها كيسنجر، والتي وصفت بالدبلوماسية الحكومية.

ونجح كيسنجر في تحقيق أول اختراق مهم له، عندما وقعت مصر واسرائيل على اتفاقية فصل بين القوات في 18 يناير 1974 تدعو إلى انسحاب اسرائيلي عبر القناة إلى خط عند المضايق. وتبقى القوات المصرية في سيناء على أن تكون هناك منطقة عازلة بين الجانبين تتواجد فيه الأمم المتحدة.

وأنهت الاتفاقية فترة متوترة من وقف اطلاق النار استمرت عشرة اسابيع شهدت خرقاً متكرراً من الجانبين، وبلغت خسائر اسرائيل خلال هذه الفترة 14 قتيلاً و65 جريحاً.

وبهذه الاتفاقية لم يبق لاسرائيل سوى أن تعيد بناء جيشها استعداداً للجولة المقبلة، إلا أن السادات اتخذ خطوة مفاجئة جديدة أذهلت مائير، فقد بعث إليها رسالة عن طريق كيسنجر يقول فيها: «عليك ان تأخذي كلمتي بجدية، فعندما هددت بالحرب، كنت أعني ما أقول. وعندما اتحدث الأن عن السلام، فاني اعني ما اقول.

اننا لم نجر اتصالاً فيما بيننا من قبل. ولدينا الان خدمات د. كيسنجر. لنستخدمه ونتحدث مع بعضنا البعض من خلاله».كان رد الفعل الاولي لمائير هو التشكك وسألت كيسنجر «لماذا يفعل ذلك؟» لكنها كتبت رداً حمله كيسنجر معه إلى القاهرة قالت فيه «إنني آمل بكل أخلاص في أن تستمر هذه الاتصالات، وان تكون بمثابة نقط تحول في علاقتنا».

وعلى الجبهة السورية تمكن كيسنجر بعد 34 يوماً من الرحلات المكوكية بين دمشق وتل ابيب من التوصل إلى اتفاق في شهر مايو 1974 يدعو اسرائيل للانسحاب من الجيب الذي استولت عليه بعد حرب اكتوبر ومن مدينة القنيطرة التي كانت على الجزء الاسرائيلي من خط وقف اطلاق النار كما انسحبت اسرائيل من أجزاء صغيرة من الاراضي على طول الجزء الجنوبي من الخط بما فيها النقطة 116 الحصينة. وفي المقابل وافقت سوريا على تبادل الاسرى وعلى وجود قوة مراقبة تابعة للأمم المتحدة بين الخطين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


دروس الحرب

في 5 يونيو وقع ممثلون عسكريون من الجانبين السوري والاسرائيلي على اتفاقية فصل القوات في جينف. وبذلك انتهت حرب أكتوبر على الجبهتين الشمالية والجنوبية.وبدأت اسرائيل تفكر في الدروس المستفادة من الحرب. وفي مقال نشر في احدى الصحف العسكرية الاسرائيلية قال موشى بار كوشبا، وهو جنرال بسلاح المدرعات:

«ان كبار قادة الجيش الاسرائيلي لم يتلقوا التدريب الكافي في مجال فنون الحرب الحديثة. وهذا هو السبب الذي جعل القيادة تطبق نظام خطوط الدفاع الثابتة المعتمد على اقل عدد من القوات، بدلاً من اسلوب الدفاع المرن. ان هروب المستقبل تتطلب مستوى تعليم جامعي وكبار الضباط لايزالون في مراحل التعليم المدرسي».

وقال: «إن الافتراضات الاساسية للقيادة العسكرية الاسرائيلية انهارت في غضون الثماني والاربعين ساعة الأولى من القتال «مثل الثقة التي منحها جهاز المخابرات العسكرية الاسرائيلي «أمان» للسلاح الجوي ومدى كفاءته في الهيمنة على سماء ساحات المعارك.

وفي الكفاءات الضعيفة للجيوش العربية واضاف ان استثمار أكثر من نصف ميزانية الحرب في السلاح الجوي كان سوء تقدير في الحسابات. وقال انه لو تم تخصيص طائرات أقل بعشرين طائرة للسلاح الجوي، لأمكن استخدام هذا الوفر في انشاء فرقتين مدرعتين آخريين، الأمر الذي كان يمكن ان يحدث فرقاً على كلا الجبهتين.

ويتساءل المؤلف: من المنتظر؟ ويجيب قائلاً ان السادات نجح، كجواهرجي يعقتل حجراً كريماً، في توجيه ضربته العسكرية بمهارة فائقة تؤدي إلى عملية سياسية تفضي إلى استعادة مصر لكل سيناء. والأكثر اهمية من استعادة الاراضي، هو أداء الجيش المصري، الذي استعاد الكرامة والكبرياء بعدما تعرض له في يونيو 1967.

وسياسياً كان الانتصار المصري مذهلاً، ومعنوياً حققت مصر انتصاراً واضحاً. فقد امتلكت عنصر المبادرة، وخاطرت باحتمال تكبد هزيمة أخرى، وخرجت منتصرة مرفوعة الرأس.

وفي اسرائيل، ادى السقوط المريع نتيجة الثقة الزائدة في النفس، إذا لم نقل الاستعلاء، الى اصابة الاسرائيليين بصدمة عنيفة. فالمفاجآت المتوالية لتطورات الحرب لم تثر فقط مجرد احتمال الهزيمة ولكن الفناء أيضاً. وما حاولت القيادة الاسرائيلية تحقيقه خلال الايام الاخيرة من الحرب لم يكن علاجاً كافياً لهذه الصدمة النفسية العنيفة.وعلى الرغم من محاصرة الجيش الثالث، فإنه عندما جرى تنفيذ وقف اطلاق النار كانت مصر، وليست اسرائيل، هي التي شملها الشعور بالانتصار.

لقد شعرت اسرائيل في نهاية الحرب بالمرارة. حيث فقدت عدداً من الجنود في 19 يوماً يزيد ثلاث مرات (بنسبة وتناسب لتعداد سكانها) بالمقارنة مع ما فقدته الولايات المتحدة في حرب فيتنام خلال 10 سنوات. ولأول مرة في احدى حروب اسرائيل، يعاني عدد كبير من المصابين بين 10 ـ 23% ـ من صدمات نفسية نتيجة لما تعرضوا له خلال القتال، ونتيجة لصدمة المفاجأة الاولى، وذلك وفقاً لدراسات مختلفة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحلقة الاخيرة

 

هكذا رأت لجنة أجرانات النور، سقوط مدو لحكومة مائير وإقالة رئيس الاركان والمخابرات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يشير المؤلف الى ان وسيلة العلاج الاساسية لمواجهة هذا الغضب المتزايد كانت تشكيل لجنة تحقيق للرد على كل الاسئلة التي يطرحها المتظاهرون. وكان واضحاً لديان ومائير حتى قبل ان تنتهي الحرب أن رؤوساً سوف تطير من دون استثناء رأسيهما .

ـ وان تحقيقاً تجريه هيئة تتمتع بسمعة طيبة يمكن ان يكون الحل الوحيد لاستعادة ثقة الاسرائيليين في الحكومة والجيش وفي غضون ثلاثة اسابيع من وقف اطلاق النار، عهد الى القاضي شيمون اجرانات الاميركي المولد ورئيس المحكمة الاسرائيلية العليا برئاسة لجنة مكونة من خمسة اعضاء، للتحقيق في الاحداث التي سبقت الحرب والانتكاسات التي مني بها الجيش الاسرائيلي خاصة خلال الايام الاولى.

وتم تأجيل انتخابات الكنيست في اكتوبر بسبب الحرب الى 31 ديسمبر. وعلى الرغم من فوز حزب العمل بزعامة جولدا مائير إلا ان عدد مقاعد الحزب في الكنيست تراجع. طلبت مائير من ديان البقاء كوزير للدفاع في الحكومة الجديدة، إلا انه قال لها انه اذا وجدت لجنة اجرانات انه مسئول عن الفشل في الحرب فإنه سيستقيل، وكان الرأي العام الاسرائيلي قد صب جام غضبه على ديان، حتى قبل ان يصدر تقرير اللجنة. وخلال الجنازات العسكرية هتف اقارب القتلى في وجه ديان قائلين: «أيها القاتل!».
وفي 2 ابريل 1974، نشرت لجنة أجرانات ما توصلت اليه من نتائج أولية. وطالبت اللجنة بستة رؤوس على رأسها رأس الجنرال اليعازر، وقالت اللجنة في حيثياتها: لقد توصلنا الى نتيجة مفادها ان رئيس هيئة الاركان ديفيد اليعازر يتحمل المسئولية المباشرة عما حدث قبل الحرب، سواء بالنسبة لتقويم الوضع أو بالنسبة لاستعدادات الجيش الاسرائيلي.
كما اوصت اللجنة بطرد زيرا من منصبه كرئيس للمخابرات العسكرية، وذلك لفشله الذريع وكذلك طرد نائبه البريجادير جنرال شاليف من منصبه. كما اوصت اللجنة بنقل ضابطين آخرين من المخابرات العسكرية، هما اللفتنانت كولونيل باندمان رئيس القسم المصري في جهاز المخابرات العسكرية «امان» واللفتنانت كولونيل جيداليا ضابط المخابرات الرئيسي بالقيادة الجنوبية. وقالت اللجنة انه يجب وقف الجنرال جونين حتى تستكمل تحقيقاتها.

اما بالنسبة لمائير وديان فلم تحملهما اللجنة أية مسئولية. وقالت اللجنة ان ديان لم تكن لديه اية وسيلة مستقلة لتقويم احتمال الحرب، وليس من المفروض على وزير الدفاع ان يقوم بدور «رئيس أركان سوبر» يوجه رئيس الاركان في احد مجالات مسئوليته. ووجدت اللجنة ان مائير قد استخدمت صلاحيات منصبها على نحو صحيح وحكيم، عندما امرت بتعبئة الاحتياطي في صباح عيد الغفران على الرغم من الضغوط السياسية الهائلة.

أثارت هذه النتائج غضباً واسع النطاق لعدم شمولها ديان ومائير، وطالب الرأي العام الاسرائيلي باستقالتهما، خاصة باستقالة ديان. وكانت مائير قد رفضت مرتين خلال الحرب العرض الذي تقدم به ديان للاستقالة، كما دافعت عنه بعد ذلك في مواجهة وزراء آخرين طالبوا باستقالته.

وبعد تقرير اللجنة، سألها ديان مرة اخرى عما اذا كانت تريد ان يقدم استقالته وفي هذه المرة قالت مائير انه يتعين على زعامة حزب العمل ان تقرر ذلك. ولكن بعد اسبوع واحد من صدور التقرير أعلنت استقالتها، قائلة انها لا تستطيع تجاهل غضب الرأي العام واجبرت هذه الخطوة مجلس الوزراء بكامله على الاستقالة، وتم تنفيذ استقالة الحكومة في شهر يونيو بعد الاشتباك مع القوات على الجبهة السورية وتولى رئاسة الحكومة الجديدة اسحق رابين، بينما تولى شيمون بيريز منصب وزير الدفاع.

وواصلت حرب اكتوبر سحق ضحاياها حتى بعد مرور وقت طويل على وقف اطلاق النار. وترك الجنرال اليعازر الجيش، وهو يشعر بحزن عميق لان لجنة اجرانات حملته مسئولية الفشل، بينما اعفت ديان.

وهنا يقول المؤلف انه على الرغم من الجهد الكبير الذي بذله اليعازر إلا انه يتحمل، بوصفه رئيساً للاركان، مسئولية الفشل في اعادة تنظيم التشوهات التي كان عليها الوضع العسكري الاسرائيلي قبل الحرب لقد كان هناك ثمن يجب دفعه مقابل ما حدث في حرب أكتوبر، ولابد من ان يكون اليعازر جزءاً من ذلك الثمن حتى لو كان قد بذل جهداً كبيراً خلال سير المعارك.

ويسجل كاتب سيرته هاندش بارتوف انه بعد وقت قصير من وقف اطلاق النار، وكان لايزال رئيساً للاركان، دخل اليعازر غرفة بمقر الجيش، حيث كان طاقم السكرتارية يعملون على وثيقة طلبها منهم وكان الراديو يبث أغنية مؤثرة تلمح إلى آلام الحرب. كانت هذه المرة الأولى التي يستمع فيها اليعازر لهذه الاغنية التي كانت منتشرة، ويحفظها معظم الاسرائيليين.

تجمد اليعازر في مكانه، وعندما انتهت هرول إلى مكتبه من دون ان يأخذ الوثيقة. هرعت سكرتيرته خلفه، وعندما فتحت الباب وجدت الرجل الذي وصفته مائير وآخرون بـ «الصخرة» جالساً أمام مكتبه يمسك رأسه بين يديه وقد انخرط في البكاء تراجعت السكرتيرة من دون ان تجعله يشعر بها. وبعد عامين من الحرب توفي اليعازر، متأثراً بأزمة قلبية عن عمر بلغ 51 عاماً فقط.

ويقول المؤلف انه على الرغم من ان ديان كان يرمز بالنسبة لمتظاهرين إلى العجرفة التي قادت اسرائيل الى حافة الكارثة، فإنه كان اكثر القيادات الاسرائيلية تمتعاً ببعد النظر. فقدرته على تحقيق التناغم بين الاعتبارات السياسية والعسكرية وعلى التفكير الابداعي تجعله في مرتبة واحدة مع تفكير السادات. لقد كان اقتراحه في 1970 بانسحاب اسرائيلي من منطقة القناة واقامة منطقة عازلة بين الجيشين.

وهو الاقتراح الذي رفضته مائير، سيجنب اسرائيل ذلك النوع من الهجوم الذي شنته مصر في عيد الغفران، على الرغم من انه قد لا يجنبها الحرب نفسا. وقد خرج ديان من حرب أكتوبر وقد صمم على استكشاف طريق السلام. ولتحقيق ذلك غيّر انتماءه الحزبي وانضم الى حكومة الليكود بزعامة مناحيم بيجين، التي جاءت الى السلطة في 1977، كوزير للخارجية، ولعب دوراً رئيسياً في احراز التقدم على طريق السلام مع مصر.
اما الجنرال زيرا الذي أجبر على التقاعد من الجيش فقد ذكر في كتاب نشره بعد عشرين عاما من الحرب أنه ربما يكون المصدر الذي مرر لاسرائيل خطة الحرب المصرية عميلاً مزدوجاً، وهو افتراض رفضه النقاد وكبار محللي جهاز المخابرات الاسرائيلية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 


جونين يتصدر الضحايا

كان الجنرال شموئيل جونين أحد اكبر ضحايا حرب اكتوبر. فبعد شبه تنحيته كقائد للجبهة الجنوبية خلال الحرب وقيام بارليف بمهامه، فان تقرير اجرانات النهائي اجبره على ترك الجيش. وعلى الرغم من ان المؤسسة الاسرائيلية عادة ما تجد وظائف مناسبة للجنرالات المتقاعدين، فإنها لم تعرض عليه أية وظيفة. واعتقد جونين ان ديان هو المسئول عن العار الذي لحق به، وقال بعد ذلك للصحافيين انه فكر ان يقتحم مكتب ديان ويطلق عليه الرصاص.

إلا أنه بدلاً من ذلك قضى 13 عاما في ادغال جمهورية افريقيا الوسطى، بحثا عن الماس حتى يصبح رجلاً ثرياً بما يسمح له باستخدام افضل المحامين في اسرائيل لاثبات خطأ نتائج أجرانات وتبرئة ساحته. لكنه لم ينجح في تحقيق ذلك، وتوفي متأثرا هو الآخر بأزمة قلبية في عام 1991 خلال احدى رحلات العمل المتكررة التي قام بها لأوروبا. ومن بين مقتنياته القليلة التي عادت إلى أسرته، خرائط لسيناء التي يبدو انه كان قد أعد عليها خططاً للحرب خلال فترة منفاه الاختياري في الادغال.

 

 

 

 

 

 

 


السادات أكبر المنتصرين

يرى أبراهام رابينوفيتش مؤلف الكتاب ان اكبر المنتصرين في حرب 6 أكتوبر كان الرئيس المصري أنور السادات، فقد تصرف بجرأة ـ على حد تعبير جولدا مائير ـ واقدم على خطوة عسكرية جسورة اعادت لمصر كرامتها، واقدم على عملية دبلوماسية جريئة أعادت لمصر سيناء بكاملها. وفي 9 نوفمبر 1977 ألقى خطاباً امام البرلمان المصري، قال فيه «انني على استعداد للذهاب الى اقصى الارض، وسوف تندهش اسرائيل وأنا اقول ذلك، انني على استعداد للذهاب اليهم، واتحدث أمام الكنيست نفسه».

وبعد عشرة أيام من خطابه هذا، اطلق عنان العملية الدبلوماسية في هجوم مفاجيء لا يقل عن مفاجأة عبور قناة السويس. وكان وصول السادات الى مطار بن غوريون الدولي بدعوة من رئيس الوزراء مناحم بيغن واحداً من الاحداث الاكثر اثارة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. من فوق منصة الكنيست اعلن السادات أن «لا حرب بعد الآن».

وقبل أشهر قليلة من زيارته، نظر السادات الى السلام مع اسرائيل في شكل معاهدة تقضي بعدم شن حروب وقال ان التطبيع والعلاقات الدبلوماسية سوف نتركها لأجيال قادمة في ظل الدموية التي شهدها الماضي القريب ومع ذلك فإنه قرر في نهاية المطاف السعي لتحقيق اختراق نفسي مع اسرائيل بالمضي لآخر الطريق الدبلوماسي.
وقال انه من الحتمي بالنسبة لمصر ان تبعد نفسها عن دائرة الحرب مع اسرائيل، فالاوضاع الاقتصادية والاجتماعية لا تتحمل مواجهة الى ما لا نهاية، بل لا تتحمل حرباً قصيرة تستنفد نفقات هائلة وبعد أربع سنوات من زيارته للقدس، اغتاله متشددون وهو يتابع العرض العسكري في ذكرى حرب اكتوبر.

 

 

 


كيسنجر المنتصر الآخر

أما ثاني اكبر المنتصرين في حرب أكتوبر فهو رجل كان على بعد ستة آلاف ميل من ساحة المعارك وهو وزير الخارجية الاميركي هنري كيسنجر الذي نجح باقتدار، على حد قول المؤلف، في ادارة سيناريو الاحداث حتى تمكن من ايصالها الى الحل السلمي، وتمكن خلالها من تنحية الاتحاد السوفييتي وادخال اكبر دولة في العالم العربي تحت المظلة الاميركية.

كما كان للحرب تأثير كبير على جيوش العالم، فقد أثار النجاح الهائل لصواريخ «ساجر» وقذائف الآر بي جي» الكثير من الجدل حول أهمية الدبابات. وتوصل الخبراء بعد دراسات مستفيضة إلى أنه مع تحسين التدريع واستخدام تكتيكات مختلفة، يمكن ان تواصل الدبابات دورها المهيمن في ساحات المعارك.

وقد وصل جنرالان اميركيان كبيران الى اسرائيل في أعقاب الحرب، وتفقدا ساحات القتال، وتناقشا مع عدد من الجنرالات الاسرائيليين وكانت الولايات المتحدة قد تورطت لعقد من الزمان في مستنقع فيتنام. وخلال تلك الفترة حقق السوفييت تقدماً على صعيد الاسلحة الجديدة. وعندما تم توقيع اتفاق وقف اطلاق النار في فيتنام عام1973، أراد الاميركيون الاستفادة من درس حرب اكتوبر وجعله رصيداً يستخدم في الحروب المقبلة.

ووجد الجنرالات ان معارك الدبابات خلال حرب اكتوبر شهدت كثافة لم يسبق لها مثيل. فقد شاركت في المعارك التي جرت في سيناء وعلى هضبة الجولان اعداد من الدبابات تفوق تلك التي شاركت في اية معركة من معارك الحرب العالمية الثانية. كما ان الكثافة لاتنبع من مجرد الاعداد الهائلة للدبابات، بل ايضا من الاسلحة المميتة للدبابات ومداها ودقتها. لقد علم الجنرالات ان كتائب دبابات قد دمرت بكاملها في ساحة القتال في غضون ساعات.

وقد لعب ما عرفه الجنرالات دوراً مهماً في اعادة تشكيل سلاح المدرعات الاميركي نفسه. وقالا في تقريرهما لدى عودتهما الى واشنطن ان ساحة القتال المستقبلية ستحتشد بالدبابات وبالاسلحة المضادة لها بصورة أكبر بكثير مما نعرف الآن.

واشار الى ان خسائر الدبابات المجمعة على الجانبين الاسرائيلي والعربي خلال الاسبوع الاول من الحرب «تجاوزت كل مخزون الجيش الاميركي من الدبابات في اوروبا وقال احدهما وهو الميجور جنرال دون ستاري انه: نظراً لأعداد الاسلحة الحديثة وقوتها المميتة، فان ساحات القتال المستقبلية يمكن ان تتوقع خسائر كثيقة وهائلة بالمعدات في غضون فترة قصيرة من الوقت».

وبيما كانت الدبابات في الحرب العالمية الثانية تطلق قذائفها من مسافات تبلغ في المتوسط 750 ياردة، كانت الدبابات في حرب السادس من اكتوبر تطلق قذائفها من مسافات تتراوح بين الفي ياردة وثلاثة آلاف ياردة أو اكثر. وهذا يعني عدداً أكبر من القتلى. كما ادى تطوير صواريخ «ساجر» الى زيادة اعداد القتلى في ساحة المعارك، وكذلك الامر بالنسبة لقذائف «الآر. بي. جي».

واختتم الجنرال ستاري تقريره قائلاً: «ان المعارك الحديثة تقرر النتيجة بعوامل اخرى بالاضافة الى نطاق القوات، فالجانب الذي يمتلك عنصر المبادرة ويواصل الاحتفاظ بها حتى النهاية هو الجانب الذي سينتصر، كما تحسم المعارك من خلال بسالة الجنود وشخصية القيادات والقدرات القتالية للوحدات ذات التدريب الجيد». وبالنسبة للجنود فقد تركت المعارك ندوباً نفسية استمرت طويلاً قبل التئامها. ويقول المؤلف ان احد الامثلة على ذلك كان اللفتنانت شيمون مالياش، الذي قاتل في معركة المزرعة الصينية، فقد ظل لشهور تطارده ذكرى الليفتنانت رابينوفيتش ووعده الذي لم يف به لانقاذ حياته.

 

 

 

 

 

 


نقطة تحول

لا يرى المؤلف الكتاب ان حرب أكتوبر حققت نقطة تحول مهمة في الصراع العربي ـ الاسرائيلي. فباستعادة مصر لكرامتها فتحت الطريق أمام اتفاق كامب ديفيد للسلام في 1979. وبعد ذلك بخمسة عشر عاماً وقعت اسرائيل اتفاقية سلام مع الأردن.ويقول انه مع ذلك فإن احتمال نشوب حرب جديدة في الشرق الاوسط يظل احتمالاً قائماً، خاصة في ظل عدم حل القضية الفلسطينية.

ويرى المؤلف الاسرائيلي ان حرب أكتوبر على الرغم من أبعادها الكارثية على اسرائيل فإنها عززت من ردعها العسكري، ولم تقض عليه، وإنه من الصعب تخيل حدوث ضربة مفاجئة أخرى بعد تلك الضربة التي وجهتها مصر وسوريا لاسرائيل في أكتوبر 1973، لتحققا معاً مفاجأة استراتيجية وتكتيكية في حرب على جبهتين، تم خوض معاركها وفقاً لخطط تم التدريب عليها لسنوات، ووقفت الى جانبها قوة عظمى.

وهنا يتجاهل الكاتب الحقيقة الواضحة لأي محلل سياسي وعسكري محايد، وهي نطاق الدعم الأميركي اللامحدود لاسرائيل، سواء على صعيد المعلومات الاستخبارية، أو على صعيد الدعم العسكري اللامحدود قبل الحرب وخلالها والجسر الجوي الأميركي لتزويد اسرائيل بكل ما طلبته من سلاح وطائرات الشحن الأميركية التي كانت تهبط كل نصف ساعة تقريباً في مطار بن غوريون لتفرغ شحناتها من الاسلحة والذخيرة لتعويض ما خسرته في المعارك وأكثر.
ويتناسى المؤلف الدور الذي لعبه هنري كسينجر وزير الخارجية الاميركي في تعزيز الموقف العسكري الاسرائيلي ومطالبته تل أبيب بأن تضرب بعنف وبقوة وتحقق أكبر قدر ممكن من المكاسب قبل تنفيذ وقف اطلاق النار، وتبليغ السفير الاسرائيلي الذي كان دائماً ينتظر بجوار مكتبه بتطورات الموقف سواء مع الرئيس نيكسون او مع القيادة السوفييتية .

ويقدم لاسرائيل النصيحة الغالية التي يتعين عليها العمل بها، ولذلك فقد كان أكثر من صديق للاسرائيليين في الوقت الذي كان يتشكك القادة السوفييت في نوايا القيادة العربية، خاصة بعد ان طرد السادات الخبراء السوفييت من مصر، وبعد توتر العلاقات ومع عدم تصديق السوفييت ان مصر وسوريا تحققان انتصارات متوالية على جبهات القتال، في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة لا تصدق ان اسرائيل تمنى بهزائم متلاحقة.


بداية الهزيمة

يشدد المؤلف في خاتمة كتابه على انه بعد حرب يونيو 1967 أدركت مصر انها لن تستعيد كرامتها وأراضيها سوى بالدخول في حرب جديدة، بينما لم يرهب اسرائيل هذا الاحتلال، نظرا لتزايد ثقتها في نفسها بعد الحرب وتأكدها من أنها سوف تنتصر بسهولة في أي حرب تنشب مع العرب.

وكانت هذه هي بداية الهزيمة حتى قبل اطلاق الرصاصة الأولى. وبعد حرب أكتوبر 1973 خرج الجانبان وقد تزايدت رغبتهما في ان تكون هذه آخر الحروب بينهما.لقد بدأت حرب أكتوبر بهجوم مفاجيء لكنها انتهت بشروق شمس عصر جديد للسلام الذي لا يزال هشا حتى الآن.

ويرى المؤلف ان نتيجة الحرب كانت بالنسبة للعرب قمة الانجاز، بينما كانت بالنسبة لاسرائيل زلزالاً هدد وجودها نفسه. ويقول ان صدمة بداية الحرب لم تكن مجرد كابوس يمكن التخلص منه، ولكنها ستظل ذكرى سواء ستستمر لتذكر الاسرائيليين بعواقب التقصير والاهمال والعجرفة وحالة الفوضى والتخبط والقرارات الخاطئة والمتناقضة لقيادة الجيش والتقويم الخاطيء تماماً لجهاز المخابرات.

ويقول المؤلف انه على الرغم من مرور اكثر من ثلاثين عاماً على حرب اكتوبر ومع الكتابات الكثيرة التي تملأ المكتبات عن هذه الحرب التي غيرت خريطة الشرق الأوسط وسياسات المنطقة، فإنه وجد لزاماً عليه أن يروي القصة الحقيقية للحرب بعد ان خفت كثيراً قيود الرقابة على العديد من الوثائق.

وبعد أن تم الكشف عن الكثير مما دار داخل قاعات الاجتماعات، التي ضمت القيادات العسكرية الاسرائيلية، وبعد ان كتب الكثير من شخصيات الحرب وأولئك الذين عاصروها وتورطوا فيها مذكراتهم الشخصية، التي كشفت النقاب عن العديد من النقاط التي كانت حتى وقت قريب غامضة وغير معروفة للكثيرين.

ويعترف المؤلف بأنه على الرغم من انه قام بتغطية تطورات الحرب قبل 31 عاماً، فإنه أدرك الآن انه لم يكن يعرف سوى القليل من هذه التطورات وخلفياتها. وقال ان أبحاثه ومتابعاته وقراراته طوال السنوات الماضية جعلته يزداد فهماً واستيعاباً لعمليات صنع القرار داخل القيادات العليا سواء العسكرية او السياسية الاسرائيلية.

بالاضافة الى تدفق الأحداث بشكل متسلسل على جبهة القتال نفسها. وقال الكاتب انه قضى السنوات الخمس الاخيرة وهو يحاول فهم القصة الكاملة للحرب، وقد ساعده في ذلك الكثير من الباحثين، بالاضافة الى استعانته بأرشيف الجيش الاسرائيلي ومكتبة هيئة الاركان العامة في تل أبيب.

ويضيف المؤلف «ان الذي ساعده في رواية القصة الكاملة للحرب هو قيامه باجراء سلسلة من اللقاءات مع عدد من كبار قادة الحرب، ومن بينهم الجنرال أمنون ريشيف الذي عانى اللواء الذي كان يقوده من خسائر عديدة في المعارك على جبهة سيناء.

كما يرى المؤلف ان الحرب كانت ضرورة ملحة بالنسبة لمصر لتغيير حالة اللاسلم واللاحرب، التي سادت بعد حرب 67. فعلى الرغم من المبادرات فقد رأت الحكومة الاسرائيلية ان العرب لا يملكون خياراً عسكرياً جدياً، وأن عليهم قبول الوضع الحالي، كما أعلنت غولدا مائير قبل الحرب رفضها الانسحاب الكامل الى حدود ما قبل حرب 1967 بل رفضت اقتراح وزير الدفاع الاسرائيلي موشي ديان من منطلق ان موقف اسرائيل الجيوبوليتيكي لن يكون افضل مما هو عليه بعد حرب 1967.

وكان ديان قد اقترح انسحاباً اسرائيلياً لمسافة 20 ميلاً من قناة السويس حتى تتمكن مصر من اعادة افتتاحها، وبالتالي يتراجع الحافز المصري لخوض غمار الحرب. كما كانت الرسالة التي حملها حافظ اسماعيل مستشار الرئيس المصري لشئون الامن القومي الى السادات بعد عودته من واشنطن في اعقاب محادثاته مع نظيره الاميركي كسينغر هي ان الولايات المتحدة لا تستطيع ان تفعل شيئاً لتغيير الموقف.

ووفقاً لتقرير قدمه حافظ اسماعيل، قال كسينغر: «نصيحتي للسادات هي ان يكون واقعيا.. والحقيقة هي أنكم تعرضتم للهزيمة في 1967، ولا يمكن ان تتقدموا بطلب لا يطلبه إلا المنتصر. إما ان تستطيعوا تغيير هذا الواقع، وبالتالي فإن رؤيتنا سوف تتغير، بطبيعة هذا الوضع، وفي هذه الحالة يمكننا طرح حلول غير تلك التي تطرحونها.. وآمل أن يكون ما قلته واضحاً لكم. إنني بالتأكيد لا أطالب السادات بتغيير الوضع عسكرياً. لأنه إذا حاول ذلك فسوف تنتصر اسرائيل مرة أخرى وسيكون انتصارها أكبر مما حققته في 1967. وفي ظل وضع كهذا سيكون من الصعب جداً علينا ان نفعل اي شيء».

إذن كان من الحتمي ان تنشب الحرب لتغيير الوضع، وأن تذهب مصر الى الحرب لاستعادة كرامتها ولاستعادة أراضيها، وكان الحافز كبيراً جداً، في الوقت الذي كانت اسرائيل غائبة تماماً عن الساحة، أو كما قال أفراد الاستطلاع المصريون عشية حرب السادس من أكتوبر «الاسرائيليون نائمون».


 تمت بحمد الله

 

                              واشكر لكم حسن متابعتكم

 

                                                  محمد عبد السميع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech