Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

حرب أكتوبر1973م

مقدمة

لكى نكون منصفين يجب ألا نتكلم عن الحرب من خلال أنفسنا ولكن اليوم أعرض لكم كتاب حرب اكتوبر( تأليف أبراهام رابينوفيتش )

حرب الاستنزاف نبعت من رفض القاهرة للهزيمة ، هكذا أقنع الاسرائيليون أنفسهم باستحالة نشوب حرب أخرى بعد 1967

هناك العديد من الكتب التي تناولت حرب السادس من اكتوبر 1973، والتي حاول مؤلفوها شرح ما حدث في غمار المعارك التي دارت خلال هذه المواجهة العسكرية بين العرب واسرائيل ، التي تعتبر من أهم المواجهات بين الجانبين خلال القرن العشرين وأدت الى تغيير الكثير من المفاهيم ، وفي مقدمتها المفهوم الذي روجت له تل أبيب عن القوة العسكرية الاسرائيلية التي لا تقهر.

ففي هذه الحرب إنهارت الأسطورة الإسرائيلية ، وتمكن المصريون من عبور قناة السويس وتحطيم دفاعات خط بارليف ورفع العلم المصري فوق سيناء .

ومن أبرز هذه الكتب الكتاب الذي نعرض له بالمناقشة والتحليل هنا من غير ان ننسى أنه يعبر عن وجهة النظر الاسرائيلية في الحرب وهو كتاب « حرب أكتوبر.. المواجهة التي غيرت الشرق الاوسط » لمؤلفه الكاتب الاسرائيلي ابراهام رابينوفيتش ، والذي كان محرراً عسكرياً خلال الحرب لصحيفة « جيروزاليم بوست » وقد تخرج من كلية بروكلين بنيويورك ثم التحق بالجيش الأميركي ثم عمل صحافياً في « نيوزدايالاميركية » قبل ان يلتحق بالعمل في « جيروزاليم بوست » بعد هجرته الى اسرائيل .

ويضم الكتاب الذي صدر مؤخراً عن دار شوكين بوكس الاميركية 38 فصلاً على امتداد 543 صفحة من القطع المتوسط.

ينطلق رابينوفيتش في رحلته للبحث عن اسباب هزيمة اسرائيل في حرب اكتوبر من النقطة التي اقنعت فيها اسرائيل نفسها باستحالة نشوب حرب جديدة بينها وبين العرب بعد حرب 1967 والنكسة التي مني بها العرب ,  والتي أدت الى ترهل القوات الاسرائيلية واسترخائها حتى على جبهات القتال على قناة السويس وهضبة الجولان ، وذلك في الوقت الذي خرج العرب من أجواء النكسة والانكسار ، وراحوا يعيدون بناء قواتهم المسلحة ، ويتدربون على أساليب القتال الحديثة ، استعداداً لمواجهة جديدة يستعيدون بها شرفهم العسكري.

يشير المؤلف الى انه في ظل هذا التقصير والإسترخاء فوجئت اسرائيل في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم السبت السادس من اكتوبر 1973باندفاع الجيوش العربية عبر خط بارليف الذي زعم الاسرائيليون أنه خط دفاعي منيع ، يصعب على أي جيش في العالم اختراقه ،

وعبر الدفاعات الاسرائيلية على جبهة الجولان ، حتى ان السلاح الجوي الاسرائيلي لم يتمكن من وقف تدفق هذه القوات.

وعلى جبهة الجولان وحدها دفعت سوريا بنحو 1460 دبابة لتواجه 177 دبابة اسرائيلية فقط وبنحو 115 بطارية مدفعية في مواجهة 11 بطارية اسرائيلية.

ويعتمد رابينوفيتش في سرد أحداث الحرب على العديد من الوثائق العسكرية الاسرائيلية التي تم رفع اطار السرية عنها ، مؤخراً وعلى سلسلة من اللقاءات والحوارات التي أجراها مع كبار المسئولين العسكريين الاسرائيليين الذين كانوا في دائرة صنع القرار خلال الحرب .

كما يتعرض للأجواء الدولية التي سادت خلال تلك الفترة ، وخاصة المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والدور الذي لعبته واشنطن فيى إنقاذ اسرائيل من هزيمة تاريخية عبر بناء الجسر الجوي الهائل لاعادة التوازن للقوات الاسرائيلية التي انهارت في ساعات ، وليس في أيام . 

 

الفصـل الأول

أصل الحكاية :

 

خريطة المواجهة

كانت صور الأقمار الصناعية التي تم التقاطها عصر الخامس من اكتوبر 1973مثيرة للقلق ، فعلى الضفة الغربية من قناة السويس احتشدت خمس فرق مصرية تضم مئة ألف جندي و1350 دبابة وألفي قطعة مدفعية في تشكيل قتالي ، كما رصدت الصور العديد من معدات الجسور والقوارب المطاطية بالقرب من الحافة المائية .

وعلى الجانب الاسرائيلي ، لم يكن هناك سوى نحو 450 رجلاً داخل النقاط الحصينة على طول القناة.

وكان باستطاعة الاسرائيليين رؤية الاستعدادات المصرية على الضفة الغربية لعبور القناة لكن لم تظهر أي دلالات على أن هذه الاستعدادات تثير قلق الدوائر العسكرية الاسرائيلية على الرغم من أن كل ما لديهم كان مجرد 44 قطعة مدفعية على طول الجبهة و290 دبابة       أو مايعادل ثلاثة ألوية مدرعة في كل أرجاء سيناء .

أما الصور التي التقطت لهضبة الجولان فكانت أكثر إثارة للقلق ، فقد تم نشر خمس فرق عربية لتواجه دفاعات إسرائيلية ضعيفة.

ولكن الوضع على خط المواجهة السوري ـ الاسرائيلي كان مختلفا ً، حيث لم يكن هناك حاجزاً مائياً كما هي الحال على الجبهة المصرية ، وكان عدد الدبابات السورية يزيد بمعدل  8 الى 1 عن نظيرتها الاسرائيلية بينما كانت نسبة قوات المشاة والمدفعية أعلى من ذلك بكثير.
وعلى الجانب السوري ايضاً كانت هناك خطوط دفاعية ثانوية بين الجبهة الرئيسية وحتى العاصمة دمشق على بعد 40 ميلاً الى الشرق .

أما على الجانب الاسرائيلي فلم تكن هناك أي خطوط دفاعية ثانوية على الإطلاق ، وكان الفارق الكبير في عدد القوات يميل لصالح سوريا وليس العكس!

وفي إسرائيل نفسها لم ترصد الأقمارالصناعية عصر الخامس من اكتوبر أي دلالات تثير القلق حيث كانت الشوارع خالية من المارة والسيارات ، وكان جميع الاسرائيليين في منازلهم يستعدون للاحتفال بعيد الغفران المعروف باسم « يوم كيبور » .

وكانت الدلالة الوحيدة على وجود نشاط غيرعادي تبدو داخل مقر وزارة الدفاع الاسرائيلية في قلب تل أبيب.

ويتحدث المؤلف عن حالة الاسترخاء التي كانت عليها القوات الاسرائيلية على الجبهة المصرية ، ويضرب مثلاً على ذلك بالقاعدة التي كان يتولى رئاستها الكابتن موتي اشكنازي في سيناء قبل أسبوعين فقط من بداية الحرب .

ويقول المؤلف ان هذه القاعدة كانت تعاني من حالة اهمال شديد ، فأسوار الأسلاك الشائكة كانت قد انهارت كلها تقريبا من الرمل ، وغطت الرمال الخنادق حول الموقع ، ولم تكن لدى مواقع المدفعية شكائر الرمال الكافية ، كما كانت القاعدة تعاني بصورة واضحة من نقص كبير في الذخيرة وبالاضافة الى ذلك فإن وحدة اشكنازي كانت تمثل جزءا من لواء« جيروزاليم » الذي لم تسند اليه من قبل أية مهام على خط بارليف.

وعلى عكس الوحدات التي عادة ما كانت تقوم بهذه المهمة ، فإن لواء «جيروزاليم» كان يمثل تشكيلا لخط ثانٍ يضم جنودا في الثلاثينيات من أعمارهم ، وبعضهم من المهاجرين الذين لم يتلقوا تدريبات أساسية كافية قبل أن يحالوا إلى الاحتياط ، بينما كان ضباط اللواء من قدامى ضباط الوحدات المقاتلة.

ويقول المؤلف إن اسناد مهمة الدفاع عن جزء من خط بارليف لمثل هذه الوحدة يجسد حالة الاسترخاء التي كان عليها الوضع العسكرى الاسرائيلي على الجبهة المصرية .

وكانت هذه الحالة قد أصبحت هي السائدة في صفوف القوات الاسرائيلية بعد مرور ست سنوات على وصول اسرائيل لقناة السويس خلال حرب يونيو 1967 وبعد ثلاث سنوات من انتهاء حرب الاستنزاف على طول خط القناة التي شهدت العديد من المناوشات العنيفة.

وبخلاف النقاط المحصنة الأخرى بخط بارليف , على طول ضفة القناة الشرقية ، فقد كان موقع أشكنازي ، الذي كان يطلق عليه اسم موقع «بودابست » يبعد نحو عشرة أميال شرقي القناة على شريط رملي ضيق يفصل بين البحر المتوسط وبحيرة ضحلة المياه .

كان الهدف من اقامة هذه النقطة الحصينة هو منع أي هجوم من الشريط الرملي باتجاه الطريق الساحلي , وكانت نقطة « بودابست » هي أكثر النقاط حصانة في خط بارليف.

وكان يضم بطارية مدفعية ووحدة اشارة بحرية ، حافظت على الاتصالات مع السفن التي تقوم بدوريات أمام الساحل .

يقول المؤلف ان القوات المحدودة التي نشرتها اسرائيل على الجبهتين السورية والمصرية في مواجهة أعداد كبيرة من رجال الجيوش العربية ، كانت تعكس حالة من الثقة المفرطة في النفس إنتابت اسرائيل بعد الانتصارالسريع في حرب يونيو 1967 , واعتقدت اسرائيل انها حققت تفوقا عسكريا لا يمكن أن تتحداه دولة عربية بمفردها أو أي مجموعة من الدول العربية مجتمعة.

وقد أعطت النشوة التي تلت الانتصار الاسرائيلي في عام 1967 على الجيوش المصرية والسورية والأردنية إحساساً بالتفوق وبأن قوتها العسكرية من الصعب قهرها .

وقبل نشوب حرب 1973م كانت أعداد الجيوش المصرية والسورية قد زادت بشكل كبيرعن عدد القوات الإسرائيلية ، رغم أن النسبة الإجمالية قد ظلت لصالح العرب بنسبة 3 إلى 1 وهي نسبة اعتبرتها إسرائيل مقبولة في ظل الاعتقاد السائد بالقدرة القتالية لقوات الدفاع الإسرائيلية , بل إن هيئة الأركان الإسرائيلية كانت تفكر في خفض مدة الخدمة العسكرية للمجندين والبالغة 36 شهراً بمعدل ثلاثة أشهر.

رفض الهزيمة:

ويقول المؤلف إن العرب رفضوا الهزيمة في عام 1967 , وخلال حرب الاستنزاف التي شنتها مصر ابتداء من مارس 1969، قتل المئات من الجنود الإسرائيليين خلال عمليات القصف المدفعي المكثف ، ويرى أن الغارات الجوية الإسرائيلية في العمق المصرى تقف وراء قبول القاهرة لوقف إطلاق النار في أغسطس 1970 ، ومنذ ذلك الوقت ساد الهدوء جبهة قناة السويس .

أما على الجبهة السورية فقد شهدت تبادلاً لإطلاق النار من وقت لآخر ، إلا أن الكاتب يزعم أن الموقف لم يصل إلى مستوى تحدي الهيمنة الإسرائيلية.

وهذا الشعور بالتفوق يبدو واضحاً في الكلمة التي ألقاها وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان أمام مجموعة من ضباط الجيش في أغسطس 1973، والتي قال فيها إن قوة إسرائيل لا تنبع من الإمكانيات العسكرية الإسرائيلية فقط ، بل من حالة الضعف التي يعاني منها العرب .

ويقول المؤلف إن الأوضاع التي تغيرت كثيراً داخل إسرائيل بعد حرب يونيو 1967 لاحظها مسئول بجهاز المخابرات الإسرائيلية « الموساد » كان يتولى مهمة بالخارج وعاد إلى إسرائيل بعد خمسة أعوام من حرب 1967 ليجد إسرائيل تعيش حالة من الثقة الزائدة في النفس والرضا عن الذات , وأن الإسرائيليين يعيشون في حالة من الاسترخاء ، وينعمون بمباهج الحياة وكأن هذا الوضع سيستمرإلى الأبد , كما لاحظ أن موظفي الحكومة والضباط بالجيش اقتنوا سيارات فارهة ، وبدت الرفاهية مسألة مذهلة بالنسبة لشخص اعتاد على التعايش مع حياة التقشف في إسرائيل قبل حرب 1967 , وذهاب الإسرائيليون إلى سيناء ليس للدفاع عن « الحدود » الجديدة ، ولكن لقضاء العطلات الصيفية على شواطئها الرائعة.

ولاحظ مسئول « الموساد » أن أعداد الضباط قد إزدادت بشكل كبير ، وأصبحت القيادات العسكرية تحتل مكاناً بارزاً في الحياة العامة وانهمك كبار الضباط في توسيع مكاتبهم بما يعكس المكانة الكبيرة التي وصلوا اليها ، وبدت العجرفة على تصرفات الكثيرين منهم ، بل واقام البعض منهم حفلات شاركت فيها فرق الترفيه العسكرية ، كل هذه الأمور كانت مثيرة لدهشة المسئول الاسرائيلي الذي عاد لتوه من الخارج.

وقبل أشهر من نشوب حرب اكتوبر، أبلغ « موتي اشكنازي » صديقا له بأن الحرب مسألة حتمية وانه يتعين أن تعرف القيادة العسكرية ذلك ، وبعد يومين من تولي اشكنازي مسئولية قاعدة « بودابست » طلب من القيادة تعزيز الدفاعات حول القاعدة من الأسلاك الشائكة واكياس الرمل ، وبعد الحاح منه وصلت كمية قليلة فقط من هذه الدفاعات الا انه بذل جهدا لتأمين القاعدة خاصة حول البوابة والمنطقة المفتوحة على الشاطيء.

وقبل أسبوع على قيام الحرب ، وجد اشكنازي آثار اقدام على الشريط الرملي عند مؤخرة القاعدة ، اتصل بالقيادة التي ارسلت اثنين من الخبراء الذين فحصوا آثار الاقدام ورأوا انها لأحذية جنود إسرائيليين , قال اشكنازي: « لو كنت مكان المصريين لاستخدمت نوع احذية الجنود الاسرائيليين نفسه » ضحك الخبيران وقالا: « اتظن انهم بهذه المهارة ؟ » فرد عليهم قائلا: « ولم لا ؟ »

يقول المؤلف انه عندما عقد « ديفيد اليعازر » رئيس الاركان الاسرائيلي أول إجتماع له مع هيئة الأركان العامة بعد أن تولى منصبه في أول يناير 1971 .

أكد للحاضرين أن « احتمال الحرب قوي » وذلك على عكس ما كان سائدا من قبل ، واعرب اليعازر عن اعتقاده بأن الرئيس المصري انور السادات ليس أمامه من خيار آخر اذا ما اراد تحريك أية عملية سياسية.

وقال اليعازر امام الجنرالات ان اسرائيل لن تحقق اية مكاسب من نشوب حرب اخرى ، واذا ما نشبت الحرب فيجب أن تنتهي بنصر اسرائيلي سريع حتى لا تؤثر اعباؤها على الاقتصاد وحتى يصاب العرب باحباط يجعلهم لا يحاولون مرة اخرى شن حرب على اسرائيل.

خط بارليف

كان خط بارليف واحدا من الموضوعات الاولى التي استعرضها اليعازر مع هيئة الاركان ، فقد تم بناء الخط خلال فترة تولي الجنرال « حاييم بارليف » رئاسة هيئة الأركان ووصف الخط بأنه منيع ولا يمكن عبوره شأن خطي ماجينو وسيجفريد ، الا انه في الواقع وكما يقول المؤلف ، كان عبارة عن مجموعة نقاط صغيرة منعزلة ، كل نقطة منها تتولى حراستها حامية تضم عشرين أو ثلاثين جنديا فقط وكانت هناك فجوات تصل الى عدة أميال بين كل نقطة وأخرى.

وقد بنيت هذه التحصينات لحماية القوات من قصف المدفعية خلال حرب الاستنزاف إلا أن القيادة الاسرائيلية رأت امكانية أن يلعب الخط دورا في حالة حدوث هجوم مصري شامل  حيث يمكن ان يلعب دورا في ابطاء الهجوم حتى يتم توزيع قوات الاحتياط , إلا ان آخرين رأوا ان هذا الخط ما هو سوى مصيدة موت .

وقد اقترح الجنرال « أرييل شارون » الذي تولى قيادة الجبهة الجنوبية عام 1970، إغلاق التحصينات والإبقاء على وجود اسرائيلي في منطقة القناة من خلال دوريات وإقامة مراكز مراقبة خلف الشريط المائي.

وكان الجنرال « اسرائيل طال » نائب اليعازر قد تبنى وجهة نظر مماثلة , اذ قال ان التحصينات هي بمثابة أهداف ثابتة ، وينبغي اخلاؤها في حالة نشوب حرب.

وأبلغ اليعازر هيئة الأركان بأنه لن يعتمد على التحصينات في الدفاع عن منطقة القناة ، ولكنه سيعتمد في ذلك على سلاح الدبابات ، الا أنه نظرا لوجود هذه التحصينات وامكانية قيامها بدور في وقف أي عملية عبور مصرية ، فانه لا يرى ما يدعو الى تفكيك هذه التحصينات خاصة وأنها يمكن ان تمثل أيضا نقاطا لمراقبة الخطوط المصرية.

 

ويمضي المؤلف قائلا ان المخابرات الاسرائيلية كانت تعتقد انه اذا ما نشبت حرب , فانه من المحتمل أن تكون تكرارا لحرب الاستنزاف أي ستشتمل على قصف مدفعي وغارات على نطاق محدود ، بينما كان هناك سيناريو محتمل آخر وهو أن تحاول مصر الوصول الى موطئ قدم محدود في سيناء والتمسك به الى أن يتم تنفيذ وقف لاطلاق النار , ولمواجهة هذه الاحتمالات ، وضعت اسرائيل خطة دفاعية اطلق عليها اسم رمزي هو« برج الحمام » .

 

وتعتمد هذه الخطة على فرقة سيناء المكونة من 300 دبابة ، وهى لفرقة المدرعة الوحيدة التي تنشرها اسرائيل في سيناء ، وكذلك على السلاح الجوي , ونتيجة للثقة الزائدة لدى  القيادة الاسرائيلية ، فان هذه الخطة لم تركز كثيرا على المعركة الدفاعية في حد ذاتها بل على شن هجوم مضاد سريع عبر القناة.

ففي حالة عبور مصري واسع النطاق للقناة ، تقضي خطة اخرى ، اطلق عليها اسم « سيلا » أى « الصخرة » ، بنشر فرقتي مدرعات من الاحتياط خلف الخطوط ويتم تعبئتها قبل الحرب على أساس تقارير المخابرات , ولم تضع الخطتان أية تدابير مهمة للتصدي لأية محاولة هجوم مصرية ، كما لو أن تدمير القوات المصرية العابرة للقناة مسألة ستتم بسرعة ، ولا تتطلب وضع أية خطط بشأنها.

وفي حالة عدم تلقي تحذيرات من المخابرات في وقت يتيح انتشار قوات الاحتياط قبل بدء الحرب ، فانه بامكان فرقة سيناء وقف هجوم الجيش المصري ، بمساعدة سلاح الطيران الى ان تصل قوات الاحتياط .

وقد وضعت القيادة الجنوبية الاسرائيلية تصورا للحرب في اغسطس 1972 ويقوم هذا التطور الذي تم تطبيقه في صورة مناورة على أساس عبور أربع فرق مصرية للقناة ، مع وصول تحذير من المخابرات قبل الهجوم بـ 48 ساعة.

 

ووفقا للسيناريو الاسرائيلي تنجح فرقة سيناء في إبادة رأس الجسر المصري في غضون نصف يوم , وفي اليوم الثالث تصل فرقة الاحتياط الاسرائيلية الأولى الى الجبهة وتعبر القناة من نهايتها الشمالية واعتبر المشاركون في هذه المناورة توقيت تحذيرالمخابرات بأنه غير منطقي نظرا لكفاءة رجال المخابرات العسكرية الاسرائيلية وأن التوقيت المنطقي هو خمسة  أو ستة أيام ورأى شارون ان هذه المناورة اثبتت ان فرقة سيناء يمكنها التصدي لأي تهديد مصرى , وفي ضوء ما حدث للجيوش العربية في حرب يونيو 67 كان من الصعب أن تتصور القيادة الاسرائيلية أي سيناريو آخر غير ذلك .

في أكتوبر 1972 تم تعيين « إيلي زيرا » رئيسا لجهاز المخابرات العسكرية الاسرائيلية ، التي تعرف بالعبرية باسم « أمان » كان زيراً قبل ذلك ملحقاً عسكرياً في السفارة الاسرائيلية بواشنطن ، وعمل مساعداً لموشى ديان.

وبعد نحو ستة اشهر من تعيينه ، تعرض جهاز « أمان » لإختبار قوي , ففي ربيع 1973 تم رصد تحركات غير مسبوقة للقوات المصرية بمدفعيتها وبمعدات لعبور القناة وحذرت مصادر المخابرات من ان الرئيس المصري « انور السادات » يعتزم شن حرب وانه تم رفع حالة الاستعداد في الجيش المصري إلى حالة الاستعداد القصوى وحددت مصادر المخابرات موعد شن الحرب يوم 15 مايو ، وتم وضع القوات الاسرائيلية في حالة الاستعداد.

وفي يوم 8 مايو زارت رئيسة الوزراء الإسرائيلية « غولدا مائير» مقر الجيش حيث استمعت إلى العديد من الجنرالات الذين أكدوا لها أن اسرائيل ستعرف نية المصريين قبل وقت كاف للاستعداد لأي تطورات وكان من بين المتحدثين « إيلي زيرا» الذي اكد لمائير أن فرص الدخول في حرب شاملة مع مصر « منخفضة جداً » إلا انه لم يوافق على هذا التقييم واصدر أوامره لهيئة الاركان باتخاذ الاستعدادات اللازمة على اساس احتمال نشوب الحرب.

وتضمنت هذه الاستعدادات نقل وحدات الدبابات بالقرب من الجبهة وتسريع انشاء وحدات جديدة وتجهيز معدات عبور قناة السويس , كما لم يقتنع رئيس الموساد « زفي زامير» بوجهة نظر زيرا ، بل رأى ان السادات يستعد لشن الحرب كما اعرب وزير الدفاع « موشى ديان » عن اعتقاده بأن الحرب هي خيار معقول بالنسبة لمصر نظراً لأنها ستنهي حالة الجمود السياسي وتؤدي إلى التدخل الدولي واذا ما بدأت الحرب فإنها ستكون شاملة .

تطورات الموقف المصري

في يوم 24 أكتوبر 1972 اعلن الرئيس المصري انور السادات امام المجلس الاعلى للقوات المسلحة أنه يعتزم اتخاذ اجراء عسكري من دون انتظار وصول طائرات طويلة المدى وصواريخ سكود وقال انه يمكن تحقيق اهدافه العسكرية في سيناء بما هو متوفر بالفعل.

يقول المؤلف ان السادات اتخذ هذا القرار في الوقت الذي طرد فيه المستشارين السوفييت فى يوليو 1972، واصدر أوامره لوزير الحربية الفريق « محمد أحمد صادق » باعداد الجيش للحرب بحلول منتصف شهر نوفمبر وعندما طلب السادات من صادق في اجتماع اكتوبر ان يقدم تقريراً عن استعداد الجيش ، همس صادق في اذن السادات قائلاً انه لم ينقل القرار إلى قيادات الجيش خوفاً من ان يتسرب , بعد ذلك بيومين أقال السادات صادق وعين مكانه الفريق « احمد اسماعيل ».

وهنا يقول المؤلف ان الفريق صادق كان يرى ان مصر يجب ان تحقق اهدافها من خلال حرب تجبر اسرائيل على الانسحاب من سيناء وقطاع غزة ، بينما كان السادات يعتقد ان عبور القناة وتأمين موطيء قدم في سيناء سوف يؤدي إلى تحريك المجتمع الدولي وتدخل القوى العظمى مما يؤدي في النهاية إلى اجبار اسرائيل على الانسحاب إلى الحدود الدولية وهذه الرؤية كان يدعو اليها رئس الأركان الفريق « سعد الدين الشاذلي » الذي كان قد عينه السادات قبل عام.

استعرض اسماعيل مع الشاذلي خطة « جرانيت 2» التي كان تقضي بعبور القناة والتقدم حتى الوصول إلى الممرات في سيناء على بعد 40 ميلاً شرقي القناة , وهي خطة إعتبرها الشاذلي غير واقعية نظراً لانها ستجعل القوات المصرية خارج مظلة صواريخ « سام » ووضع الشاذلي خطة أخرى عرفت باسم « المآذن العالية » تحولت فيما بعد إلى خطة « بدر » التي تقضي بالتقدم خمسة أوستة أميال فقط شرقي القناة ، وهي مسافة تظل فيها القوات المصرية ضمن مجال بطاريات صواريخ سام , ويزعم الكاتب ان الشاذلي كان يرى ان هذه الخطة هي الخيار الواقعي الوحيد أمام مصر , وافق الوزير اسماعيل على رأي الشاذلي وطلب منه أن يواصل وضع تفاصيل الخطة وتم بالفعل استكمال وضع الخطة بحلول يناير 1973 .

 

يقول المؤلف ان مصر دأبت على نشر خمس فرق مشاة على طول القناة منذ حرب 1967 كانت ثلاث فرق تنتشر في الجزء الشمالي وهي الفرق التي كانت تشكل الجيش الثاني ، بينما كانت تشكل الفرقتان المرابطتان بالجزء الجنوبي الجيش الثالث , وكانت اي خطة مصرية تقضي بعبور القناة من نقاط على طول خط القناة البالغ مئة ميل في وقت واحد .

 

ويشير المؤلف الى ان المخابرات الاسرائيلية علمت بالخطة المصرية وأن المصريين سوف يقومون باستخدام خراطيم المياه لفتح ثغرات فى الحواجز الرملية بخط بارليف ، وذلك بعد ان قامت السلطات المصرية بشراء مئات المضخات من بريطانيا والمانيا ، الا ان مسئولي المخابرات استبعدوا امكانية تنفيذ مثل هذه الخطة ، ورأوا انها غير قابلة للتطبيق .

كما كانت المخابرات المصرية تعرف الخطوط العريضة لخطة « برج الحمام » وذلك من وثائق استولت عليها خلال غارات وعمليات قامت بها عبر القناة ، ومن خلال متابعة المناورات الاسرائيلية المتكررة على طول خط القناة .

وكانت تقضي هذه الخطة بأنه في غضون نصف ساعة من بدء القتال ستصل الموجة الأولى من الدبابات الاسرائيلية الى القناة ، ولن تتتمكن الدبابات المصرية من التصدي لها قبل ان يتم هدم الحواجز الرملية واقامة الجسور على القناة , وهي مهمة قد تستغرق ساعات , ولمواجهة ذلك سيتعين وقف تقدم المدرعات الاسرائيلية من جانب جنود مشاة بأسلحة مضادة للدبابات وكان هناك سلاحان زود بهما السوفييت مصر لهذا الغرض الأول هو « آر بي جي 7 » الذي يتم حمله على الكتف والذي أثبت فعاليته ضد الدبابات خاصة عند المسافات القريبة , والسلاح الآخر هو « ساجر» الذي يماثل في ادائه دانة الدبابة , ومعنى ذلك ان المشاة المصريين سوف يقاتلون بمفردهم خلال الساعات الأولى الحرجة من القتال ، ولكنهم سوف تغطيهم نيران من تلال بناها المصريون على الجانب الغربي من القناة.

كان الاسرائيليون قد بنوا في البداية تلاً أعلى من سلسلة التلال المصرية ، وكان في كل مرة يقوم فيها المصريون بتعلية تلالهم ، كان الاسرائيليون يفعلون الشيء نفسه ولكن في 1972 نفذ المصريون مشروعاً ضخماً ، بناء على أوامر الفريق اسماعيل ، اصبحت فيه سلسلة التلال المصرية اعلى مرتين عن الحاجز الاسرائيلي .

يقول المؤلف ان المصريين كانوا يعتمدون على نظام سام للدفاع الجوي الذي زودهم به الاتحاد السوفييتي ، ويعد واحداً من اقوى الأنظمة فى العالم ، وكانت تدعمه المئات من المدفعية المضادة للطائرات القادرة على ضرب اية طائرات ذات ارتفاعات منخفضة لا يتمكن من ضربها نظام سام.

كان قد تم وضع كل تفاصيل خطة العبور، ولكن كانت هناك علامات استفهام كبيرة منها متى ستعرف المخابرات الاسرائيلية بالهجوم الوشيك , وماهي الخطوات التي ستتخذها القوات الاسرائيلية لصد الهجوم , ومدى قدرة القوات المصرية على تحمل رد اسرائيل على هذا الهجـوم.

 


 

 

الفصل الثانى


هكذا أغرقت المدمرةإيلات ، ملامح مجهولة في ملحمة كتائب صواريخ سام

 

وجد الجنرال « بيني بيليد » , قائد سلاح الجو الاسرائيلي ، عندما تولى منصبه في مايو 1973، ان الخطط الموضوعة للتعامل مع بطاريات سام معقدة وسخيفة.

فقد واجهت اسرائيل بطاريات سام 2 من خلال حرب يونيو 1967، وفقدت ثلاث طائرات اسقطتها تلك البطاريات , لكن هذه البطاريات كانت قليلة العدد ، وكان من السهل على الطائرات التي تحلق على ارتفاعات منخفضة لتدميرها , ولكن خلال حرب الاستنزاف زاد عدد هذه البطاريات , وكانت كل منصة إطلاق تضم مجموعة من ستة صواريخ ، كما تم تعزيزها بصواريخ سام 3 الاكثر فعالية والأكثر صعوبة في تفاديها .

ويوضح المؤلف أنه في يوليو 1970م إختبر سلاح الجو الاسرائيلي نظاماً ابتكره الاميركيون لمواجهة صواريخ سام 2 فوق فيتنام الشمالية.

وكان هذا النظام يقوم على اساس جيوب الكترونية تبعث باشارات تضلل رادارات الصواريخ إلا ان الطائرات المجهزة بمثل هذه الجيوب يتعين ان تحافظ على تشكيل على إرتفاع محدد حتى لو اطلقت الصواريخ عليها , والمشكلة هي أن الاميركيين انفسهم لم يعرفوا مدى فعالية هذا النظام في العمل ضد صواريخ سام 3 , ومع ذلك أصر القادة الاسرائيليون على تجربته.

 

وقاد الكولونيل « صامويل هيتز » سرباً يضم 20 طائرة فانتوم الى منطقة الصواريخ المصرية وقامت الطائرات بتنشيط الجيوب الموجودة تحت الاجنحة ، وحلقت على ارتفاع ثابت , ونجحت الطائرات الاسرائيلية في تدمير أربع بطاريات من البطاريات العشر واصابة ثلاث بطاريات أخرى ، الا انه تم إسقاط الطائرة وهي عائدة ، وكانت طائرة هيتز نفسه  ونجح ملاحه في القفز بالمظلة ليقع في الأسر، بينما نجح هيتز بصعوبة في الهبوط باحدى القواعد في سيناء والخروج من الطائرة قبل احتراقها , وتم إسقاط خمس طائرات فانتوم  والتي كانت تعد فخر سلاح الجو الاسرائيلي قبل سريان وقف اطلاق النار بعد ذلك بثلاثة أسابيع.

وأدركت اسرائيل انها لم تعد تتمتع بأي تفوق في السماء وان التقنية الني نعمت بتفوقها من قبل على العرب قد انقلبت عليها بين عشية وضحاها وتفاقمت المشكلة عندما تمكن المصريون من تحريك الصواريخ الى منطقة القناة ليتسع مداها فوق سيناء.

ووسط المحاولات الاسرائيلية لتطوير نظام لتضليل صواريخ سام المنصوبة على الجانبين المصري والسوري ، ظهر جيل جديد من هذه المنظومة المضادة للطائرات ، وهو الصاروخ  « سام 6» ، الامر الذي شكل تهديدا اكبر للطائرات الاسرائيلية.

وكانت التركيبة الالكترونية للصاروخ الجديد غير معروفة حتى بالنسبة للأميركيين واستنتج سلاح الجو الاسرائيلي أنه من الممكن أن يفقد طائرة أمام كل بطارية سام وفي ظل وجود 87 بطارية صواريخ على الجبهتين المصرية والسورية بالاضافة الى 95 بطارية اخرى للدفاع عن المناطق الخلفية ، مثل القواعد العسكرية ، فقد أدركت اسرائيل ان الثمن المدفوع من طائراتها سيكون فادحا فالاعتماد الكبير للقوات الاسرائيلية على السلاح الجوي اصبح موضع شك.

ولابد هنا من الاشارة الى أن سلاج الطيران الاسرائيلي يستحوذ على نصف الميزانية العسكرية الاسرائيلية ، وينظر اليه على أنه السلاح الأهم بين مختلف الأسلحة ، وتعتمد قوات المواجهة الموزعة على طول الجبهتين المصرية والسورية على افتراض مفاده ان سلاح الطيران سوف يبطئ من تقدم القوات المصرية والسورية الى أن تصل قوات الاحتياط الى خطوط المواجهة.

 

ترهل التفكير الاسرائيلي

يشير المؤلف الى أنه في ظل الحياة المرفهة السائدة في القطاع المدني ، فقد تغلب ترهل التفكير على كبار القادة الاسرائيليين لتسقط اسرائيل ضحية لانتصارها في 1967, فقد إقتنع الاسرائيليون بتفوقهم على العرب وكان من السهل رصد هذا الشعور بالتفوق لدى معظم الاسرائيليين الذين اعتقدوا أن فجوة التفوق بينهم وبين العرب سوف تحتاج لأجيال لسدها. والمثال على ذلك ما قاله « حاييم بارليف » رئيس هيئة الاركان الاسرائيلية عام 1970م :

« ان الجندي العربي يفتقر الى المواصفات الضرورية لخوض حرب حديثة ، ومنها رد الفعل السريع ، الكفاءة الفنية ومعدل الذكاء العالي والقدرة على رؤية الأحداث بشكل واقعي ».

 

ويرد المؤلف الاسرائيلي على ذلك بقوله ان المصريين ، اثبتوا منذ الحرب الاسرائيلية العربية الاولى في 1948، أنهم مقاتلون أكفاء , وفي حرب الاستنزاف التي شهدت غارات فدائية جريئة خلف الخطوط الاسرائيلية ، اظهر الجيش المصري وجها آخر غير ذلك الوجه الذي كان عليه عام 1967.

يمضي المؤلف ليوضح ان سلاح المدرعات الاسرائيلي كان بشكل خاص ضحية لحرب يونيو 1967، فالنجاح الذي حققه هذا السلاح في اقتحام المراكز المصرية الحصينة خلال حرب يونيو عزز التصور القائل ان « الدبابة هي الملك » .

وكان مبدأ الدبابات الاسرائيلية يعتمد في جزء كبير على مفهوم طوره الجنرال « طال » خلال فترة سنواته السبع كقائد لسلاح المدرعات ، وهو مفهوم اطلق عليه تعبير « شمولية الدبابة »
وكان المبدأ التقليدي ، النابع من تجارب كبيرة خلال الحرب العالمية الثانية ، يدعو الى اسلوب اسلحة مجمعة تتقدم فيه الدبابات تساندها وحدات من المشاة والمدفعية بحيث يحمي المشاة الدبابات من القوات البرية المعادية ، بينما تقدم المدفعية الحماية للدبابات والمشاة على حين تسبق فرق المهندسين الجميع لتطهير المنطقة من الالغام وازالة اية عقبات اخرى.

الا ان طال أعتقد انه في معارك الصحراء بالشرق الاوسط فانه بمقدور الدبابة ان تقوم بالمهمة بمفردها ، على ان تتحرك بسرعة لتقليل تعرضها لنيران القوات المواجهة لها ، ولا تتوقف حتى تحطم الخطوط الدفاعية وعلى الرغم من ذلك فقد كان هناك الكثير من المنتقدين لهذا الاسلوب وقال بعضهم ان حرب 1967 لا تثبت بالضرورة امكانية تطبيقه على حروب اخرى , وفى 1972م عندما طلب سلاح المشاة الاسرائيلي تدبير اسلحة افضل ومن بينها بنادق واسلحة مضادة للدبابات ، قال طال الذي كان قد اصبح في ذلك الوقت نائبا لرئيس الاركان ان البنادق البلجيكية المتوافرة لدى افراد السلاح كافية وبالنسبة للاسلحة المضادة للدبابات قال : ان القوات الاسرائيلية تمتلك بالفعل افضل منظومة مضادة للدبابات في العالم.

ويشير المؤلف الى ان حصول المصريين والسوريين على صواريخ « ساجر » المضادة للدبابات لم يقلق الاسرائيليين كثيرا فقد تعاملوا مع عدد من هذه الصواريخ خلال تبادل لاطلاق النار عبر الخطوط اثناء حرب الاستنزاف ، واعتبروها مجرد سلاح آخر مضاد للدبابات جنبا الى جنب مع الاسلحة التقليدية الاخرى ، وبالتالي فان الأمر لايستدعي تعديلا اساسيا في العقيدة القتالية التي يتبعونها , وهو خطأ آخر ترتكبه القيادة الاسرائيلية نتيجة لترهل التفكير.

 

وفي الواقع فإن الصاروخ « ساجر » غير مفهوم ساحة القتال وبخلاف المدفعية التقليدية المضادة للدبابات ، فان جنديا واحدا بامكانه استخدام « ساجر» الذي لا يحتاج الى اشجار ليختفي وراءها بل يمكن إستخدامه من وراء كومة صغيرة من الرمل او حفرة سطحية وتصويبه من مسافة قصيرة على رتل من الدبابات ، كما يمتاز بسهولة استخدامه وامكانية اصابته للدبابة من مسافات تماثل مسافات مدفع الدبابة ذاتها.

 

يقول المؤلف أن من الجوانب الاخرى التي طرأت على التقدم الفني للجيوش العربية الحصول على أجهزة الاشعة تحت الحمراء اللازمة للقتال الليلي ، وهي الأجهزة التي كانت حكرا على القوات الاسرائيلية حتى مطلع السبعينيات ، عندما تم تجهيز الدبابات السوفييتية لدى مصر وسوريا بشاشات واضواء اشعة تحت الحمراء كما تم توزيع أجهزة رؤية ليلية بين وحدات المشاة .

ولم تتراجع إسرائيل عن استخدام اجهزة القتال الليلي ، ولكنها فضلت عدم استخدام مثل هذه الاجهزة التي يمكن رصدها بتلسكوبات تعمل بالاشعة تحت الحمراء ، إلا ان النتيجة كانت كما يرى المؤلف ان الجيوش العربية اصبحت مجهزة بمعدات الرؤية الليلية ، بعكس القوات الاسرائيلية التي تخلت عن مثل هذه الاجهزة.

البحرية الاسرائيلية

يقول ابراهام رابينوفيتش ان البحرية الاسرائيلية افلتت من حالة الرضا عن الذات التي سيطرت على بقية اسلحة القوات الاسرائيلية بعد حرب يونيو ، خاصة وان سفنها العتيقة التي يعود تاريخ انتاجها الى الحرب العالمية الثانية لم تشارك فعليا في القتال , وتنظر المؤسسة العسكرية الاسرائيلية الى سلاح البحرية على انه مجرد حرس سواحل ، ورأت انها غير مستعدة لانفاق أموال طائلة لبناء اسطول حديث , وكان واضحا للجميع أن مصير اسرائيل يعتمد على القوات البرية والسلاح الجوي ، وان مايحدث في البحر لن يؤثر بشكل أو آخر على سير المعارك , إلا انه خلال الستينيات استثمر سلاح البحرية الاسرائيلي الكثير من المال والجهد لاستحداث نظام صاروخي بحري , وزوارق لاطلاق النظام , واستغرق الأمر13عاما من العمل لتطوير الصاروخ الذي أطلق عليه اسم « جابرييل ».

وخلال العمل على المشروع علمت اسرائيل ان السوفييت طوروا زوارق صاروخية وزودوا بها قوات البحرية المصرية والسورية , وبعد أشهر من حرب يونيو ظهرت الزوارق الصاروخية المصرية في ميناء بور سعيد , ونجحت هذه الصواريخ المحمولة بحرا في اغراق المدمرة الاسرائيلية «ايلات» .

يقول المؤلف ان العرب استفادوا كثيرا من هزيمة 1967، بعكس اسرائيل التي غرقت في الاحساس بالرضا والتفوق وراح العرب بعد يونيو 1967يجتهدون في الاجابة على الأسئلة المتعلقة بأسباب التفوق الاسرائيلي في الجو وعلى الأرض ، وتم إيفاد ألوف الضباط العرب لتلقي دورات عسكرية متقدمة في الاتحاد السوفييتي ، كما تم تدريب ضباط المخابرات على أساليب عمل المخابرات الحديثة وإعطائهم دورات مكثفة في تعلم اللغة العبرية ، مما سمح لهم برصد الاتصالات الاسرائيلية.

وبذلك نجد ان الانتصار أدى الى جمود التفكير الاسرائيلي في الوقت الذي أدت النكسة الى تنشيط التفكير العربي , وتخلص العرب من الشعارات الطنانة التي سادت الحروب السابقة وراحوا يستعدون للحرب المقبلة بكل هدوء ونشاط.

ويرى المؤلف أن حالة الاسترخاء على الجانب الاسرائيلي كانت واضحة للغاية ، خاصة وان القيادة الاسرائيلية شعرت بالثقة في انها ستتلقى من جهاز المخابرات انذارا بتحرك القوات العربية قبل فترة تكفي لتعبئة الاحتياطي ، الذي يشكل ثلثي القوة القتالية الاسرائيلية ، بل واعتقدت انه في أسوأ الأحوال فإن سلاح الجو سوف يمنع تقدم أي هجوم عربي في حالة عدم تلقي انذار من المخابرات في الوقت المناسب.

 

وهذا الاعتقاد كان سائدا على الرغم من ان حرب الاستنزاف انتهت من دون معرفة كيفية مواجهة أو تحييد صواريخ سام المضادة للطائرات , بل ان هيئة الاركان الاسرائيلية لم تضع أية خطة طوارئ في حالة تعرض فرقة سيناء الاسرائيلية لهجوم مفاجئ من جانب خمس فرق مصرية بدون وصول قوات الاحتياط ودعم السلاح الجوي.

وثمة سيناريو أسوأ لم تضعه القيادة الاسرائيلية العليا في اعتبارها ، وهو التكتيكات المصرية المبتكرة لإصابة سلاح المدرعات الاسرائيلي بالشلل , وفي حالة حدوث واحد من هذه السيناريوهات الثلاثة فسوف تتعرض القوات الاسرائيلية لتحد كبير ، أما اذا حدثت السيناريوهات الثلاثة كلها ـ وهي تحييد المخابرات والسلاح الجوي والمدرعات ـ فإن اسرائيل ستواجه كارثة لا محالة.

 

ديان لا يتوقع حربا

على الرغم من كل ذلك ، فإن أحدا داخل القيادة الاسرائيلية لم يكن مقتنعا بامكانية نشوب حرب ، بل ان وزير الدفاع الاسرائيلي موشى ديان قال في مقابلة مع مجلة « تايم » انه لا يتوقع نشوب حرب خلال السنوات العشر المقبلة.

وفي واشنطن ، قال محلل شاب في مكتب المخابرات والابحاث التابع لوزارة الخارجية الاميركية في مذكرة قدمها في مايو1973 أن الرئيس المصري أنور السادات قد استنفد بدائله السياسية ، وان امكانية نشوب حرب اسرائيلية ـ مصرية في غضون ستة أشهر تزيد على 50% وفي اسرائيل ، ساد الاعتقاد بأنه اذا نشبت الحرب فسوف يلقى العرب هزيمة اخرى  قد يقبلون بعدها بشروط اسرائيل .

وقال الجنرال اليعازر خلال اجتماع في منزل جولدا مائير يوم 18 ابريل « اذا ما نشبت الحرب ، فسوف نحقق انتصاراً في غضون اسبوع او عشرة ايام تجعل العرب يحتاجون إلى خمس سنوات ليرفعوا رؤوسهم مرة أخرى » .

كانت جولدا مائير لا تعتبر الحرب فرصة استراتيجية ، ولكنها خيار يتعين تجنبه , وقالت خلال الاجتماع نفسه انه اذا ما تزايد احتمال نشوب الحرب ، فينبغي احاطة الاميركيين علماً حتى يتدخلوا وينزعوا فتيلها , وقال مستشارها السياسي « اسرائيل جاليلي » ان خطر نشوب الحرب سببه عدم رغبة اسرائيل في الانسحاب الى حدود 1967 ، واشار الى الاجتماع الذي عقد بين حافظ اسماعيل مستشار الرئيس المصري وهنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي في فبراير قائلاً: « اذا اعتبرتم ما قاله حافظ كنقطة انطلاق ، فإن المصريين على استعداد للسلام ، اذا وافقت اسرائيل على الانسحاب الكامل الى الحدود السابقة » .

ومرت الأسابيع ولم ترصد المخابرات الاسرائيلية أية دلالات خطيرة على الرغم من التقرير الذي قدمته يوم 24 أغسطس بحصول مصر على سلاح الردع الذي كان يسعى اليه السادات منذ فترة وهو صواريخ سكود أرض ـ أرض التي يبلغ مداها 200 ميل الأمر الذي يعني امكانية ضربها لتل ابيب من دلتا النيل وسيستغرق الأمر أربعة اشهر على الأقل من التدريب قبل ان يسلمها السوفييت للأطقم المصرية .

وعلى طول جبهة القناة لم يتغير أي شيء ، وبدا الجنود المصريون في حالة استرخاء ، بل شوهد البعض منهم يصطاد السمك من مياه القناة.

 

ويقول مؤلف الكتاب ان الرئيس المصري سعى في خطبه السياسية الى التلميح الى ان خيار الحرب قد تم تأجيله للمستقبل المنظور، وذلك في اطار استراتيجية مصرية تم الشروع فيها في مايو مع انشاء لجنة وزارية للخداع وتم عمداً نشر شائعات بشأن الصيانة الرديئة لمنظومات الأسلحة المصرية ، وهي الشائعات التي رددتها الصحف الاجنبية.

وكذلك عدم قدرة الأطقم المصرية على تشغيل صواريخ سام بل ان وزير الحربية المصرية أعلن خلال زيارة لرومانيا ان القوة العسكرية المصرية ليست كافية للدخول في مواجهة مع اسرائيل وكان العنصر المحوري في سياسة الخداع المصرية هو قدرة السادات على قصر المعلومات الخاصة بالحرب المقبلة على عدد محدود من المسئولين المدنيين والعسكريين.

 

وعن خطة حرب اكتوبر يمضي المؤلف الاسرائيلي قائلاً :

أنه تحت قيادة الفريق «عبدالغني الجمسي » قامت هيئة عمليات الجيش المصري بدراسة مواعيد المد في القناة والتقويم اليهودي من اجل اختيار موعد دقيق لشن الهجوم كان المخططون يريدون شن الهجوم اثناء ليلة طويلة لعبور القناة نصفها تحت ضوء القمر والنصف الآخر في الظلام بحيث يتم تجميع الجسور تحت ضوء القمر ، بينما تعبر الدبابات تحت جنح الظلام ، حتى لا ترصدها الطائرات الاسرائيلية.

وكان احد الأيام المناسبة للعبور خلال شهر اكتوبر هو اليوم الموافق لعيد الغفران الاسرائيلي وضع المخططون دائرة حول يوم 6 اكتوبر ، واشاروا الى ان هذا اليوم سيحقق الكثير من الفوائد ، أهمها أن الاذاعة والتلفزيون ستتوقفان عن البث ، وهما الاداة الأساسية لتعبئة قوات الاحتياط .

الا ان المؤلف يرى ان « يوم كيبور » كان يمكن في الوقت نفسه ان يكون أسوأ موعد بالنسبة للعرب إذ انه بخلاف اي يوم آخر في السنة فإنه من السهل العثور على افراد الاحتياط اما في منازلهم او في اي معبد قريب من محل اقامتهم كما أنه في ظل عدم وجود اية حركة مرور في الشوارع الاسرائيلية فإنه يصبح من السهل على افراد الاحتياط الالتحاق بوحداتهم بسرعة كما يوافق اكتوبر شهر رمضان ، وهو ما اعتبره المخططون المصريون ميزة أخرى ، إذ ان الاسرائيليين سوف يستبعدون إمكانية شن الهجوم خلال هذا الشهر.

 

على الجبهة السورية

يوضح المؤلف أن السوريين كانوا ينشرون في العادة ثلاث فرق على طول جبهة الجولان وفي ابريل 1973 تم سحب هذه الفرق في عملية تدريب سنوية لتعود مرة أخرى في منتصف الصيف ، وبحلول منتصف سبتمبر تزايد عدد الدبابات وقطع المدفعية بصورة أكبر من أي وقت مضى .

كان أكثر ما يقلق الاسرائيليين ، وخاصة الميجور جنرال « اسحاق هوفي » قائد القيادة الشمالية وهو وجود بطاريات صواريخ « سام  6» منذ شهر أغسطس ، الأمر الذي يعني عدم قدرة سلاح الطيران الاسرائيلي على التعامل مع القوات البرية السورية.

وكانت الطائرات الاسرائيلية قد أوقفت بالفعل طلعاتها فوق الجولان , وقد حاول الجنرال زيرا رئيس المخابرات تهدئة هوفي وطمأنته بأن الوضع تحت السيطرة وعلى الرغم من التعزيزات السورية فقد قال زيرا « إن العرب يدركون انه ليست أمامهم فرصة للانتصار في حرب ضد إسرائيل ، وان الأمر سيتطلب عامين آخرين قبل أن يكون لدى مصر طائرات وصواريخ سكود بعيدة المدى تكفي لمجرد التفكير في شن حرب ، أما بالنسبة لسوريا فإنها لن تخوض حرباً بدون مصر».

إلا أن هوفي لم يشعر بالاطمئنان ، فالانتشار السوري يتزايد يوماً بعد آخر وقد تحركت المدفعية التي عادة ما تتمركز في المؤخرة الى مواقع أمامية وليس لهذا معنى سوى أن السوريين يعتزمون استخدامها لدعم القوات التي ستتقدم نحو الجولان وبلغ عدد الدبابات السورية في مواجهة الخطوط الاسرائيلية 800 دبابة بينما كان كل ما لدى هوفي هو لواء مدرع ضعيف يضم 77 دبابة فقط ومئتي جندي مشاة موزعين على عشر مراكز صغيرة منتشرة على طول خط المواجهة , ولا يفصل بين الجيشين سوى 200 إلى 400 ياردة .

وعلى الرغم من ذلك كان هوفي مقتنعاً بأن سلاح الطيران يمكن أن يعوض التفوق السوري في مجال القوات البرية ، وأن الطائرات الاسرائيلية ستتمكن من وقف الهجوم السوري إلى أن تصل قوات الاحتياط إلا أنه مع نشر بطاريات «سام 6» في مواقع متقدمة ، فإن سلاح الطيران أصبح الآن خارج الصورة ، خاصة في لحظات بدء الهجوم الحرجة.

وقرر الجنرال هوفي نقل قلقه إلى زملائه في الاجتماع الأسبوعي لهيئة الأركان يوم 24 سبتمبر الذي تصادف أن حضره ديان .

وكان الموضوع الرئيسي المطروح على جدول أعمال الاجتماع هو اقتراح الحصول على طائرات « F15 » لأميركية كان هوفي أول المشاركين الذين تقرر أن يعلقوا على هذا الاقتراح .

قال هوفي « قبل أن أعبر عن رأيي بشأن الحصول على الطائرات أو عدم الحصول عليها فإنني أود التحدث عن أمر آخر , إن الموقف على الجولان خطير للغاية , لقد أصبح السوريون مستعدين للهجوم في أي لحظة بدون سابق إنذار وليس هناك عمق يسمح لقواتنا بالتصدي للهجوم إن نشر صواريخ «سام 6» يعني حرماننا من الدعم الجوي ، وأعتقد أن السوريين أكثر خطراً على إسرائيل من المصريين» إلا أن المناقشات حول الطائرات وقضايا استراتيجية أخرى استمرت من دون التعليق على ملاحظات هوفي.

يقول المؤلف إن وجهة نظر هوفي بشأن خطورة الجيش السوري صحيحة تماماً ، على الرغم من أن هذا الجيش ليس في قوة الجيش المصري الذي سيتعين عليه عبور القناة وتجاوز خط بارليف أما السوريون فإنهم على بعد 20 ميلاً فقط من قرى وبلدات في الجليل وأكثر قرباً إلى مستوطنات في هضبة الجولان نفسها وليس هناك حاجز مائي يبطئ تقدمهم وبالتالي فإن بمقدورهم اذا قاموا بهجوم مفاجئ ان يكونوا داخل الاراضي الاسرائيلية في غضون ساعات.

 

وقلل اليعازر من خطورة تعليقات هوفي وقال: « انني لا اوافق على احتمال ان يقوم السوريون بغزو الجولان ، كما ان القوات المرابطة في الهضبة كافية للتصدي لأي هجوم محدود اما اذا شن هجوم شامل ، فإنه من المؤكد ان ترصد أجهزة المخابرات ذلك ، وترسل باشارات في الوقت المناسب الذي يسمح بوصول تعزيزات الى الجبهة مع سوريا »

وفي صباح يوم 26 سبتمبر اجتمع اليعازر مع هيئة الاركان لبحث ما يمكن القيام به لتعزيز الجبهة مع سوريا وقال اليعازر للجنرالات « لقد تلقينا معلومات من مصدر واسع الاطلاع تفيد بأن الجيش السوري يستعد لشن حرب في اية لحظة ولا نعرف ما اذا كان هناك اي نوع من التنسيق مع مصر» , الا ان هوفي نفسه استبعد احتمال قيام السوريين بشن حرب شاملة ورد اليعازر قائلاً: « من غير المعقول التفكير بأن السوريين سوف يقومون بهجوم بدون مصر   الا انه من غير المستبعد ان يقوموا بهجوم محدود ولذلك فقد قررنا ارسال سريتين من اللواء المدرع السابع المتمركز في الجنوب الى الجولان ، ليرتفع عدد الدبابات على الجولان الى مئة دبابة في مقابل 800 دبابة سورية واعتقد ان هذا يكفي! »

كما تم ارسال بطارية مدفعية الى الجولان ، وصدرت اوامر الاستعداد للقوات الجوية وعدد من الوحدات البرية.

وفي الساعة التاسعة صباحاً يوم 26 سبتمبر انضم ديان الى الاجتماع ، ولخص اليعازر الخطوات التي تم اتخاذها قائلاً: « اعتقد ان السوريين سوف يشنون هجوماً بمفردهم ، ولن تكون هناك حرب على الجبهتين المصرية والسورية واعتقد ان كل الدلالات تشير الى ذلك وبالتالي فإننا لن نقوم باستعدادات لمواجهة حرب شاملة من أجل منع حرب على جبهة الجولان »  

ووافق ديان على ان نشوب حرب شاملة امر غير محتمل ، لكنه اشار الى ان السوريين لن يواجهوا حاجزاً كبيراً للوصول الى الخطوط السورية ، وعلينا ان ندرك ان هناك بعض الروس الذي يقدمون لهم الاستشارات الفنية , وابلغ وزير الدفاع اليعازر بأنه يعتزم بعد الاجتماع التوجه الى الجولان وينقل رسالة الى السوريين من خلال الصحافيين الذين يقومون بتغطية الزيارة كما قال أنه يرغب ايضاً في اعداد الرأي العام الاسرائيلي لمثل هذا الاحتمال حتى لو كان مستبعداً.

حاول رئيس الاركان إثناء ديان عن القيام بهذه المرحلة على اساس انه سيصيب الاسرائيليين بالذعر خلال فترة الاعياد والاجازات ، لكن ديان اصر قائلاً: « يجب ان يكونوا مستعدين لكل الاحتمالات » ولدى وصول ديان إلى الجولان صرح للصحافيين قائلاً : « إذا اراد السوريون شن هجوم على اسرائيل ، فعليهم ان يعرفوا ان ضرراً سيلحق بهم اكثر من الضرر الذي سيلحق بنا ».

مرت اجازة عيد « روش هاشان » من دون وقوع اي احداث خطيرة , بينما ظل رجال المخابرات منهمكين في متابعة التطورات على الجبهة المصرية الهادئة حتى ذلك الوقت وفي يوم 25 سبتمبر نقلت المخابرات إلى القوات الاسرائيلية ان القوات المصرية تتحرك باتجاه  قناة السويس وفي 28 سبتمبر تم رفع حالة الاستعداد بين صفوف القوات الجوية والبحرية وبعض الوحدات البرية المصرية.

وارجعت المخابرات الاسرائيلية في بداية الامر هذه التحركات إلى الخوف من هجوم اسرائيلي له علاقة بمعركة جوية مع السوريين إلا ان المخابرات تراجعت وقدمت تفسيراً آخر للتحركات وقالت ان المصريين يخططون لمناورة كبرى في منطقة القناة خلال الفترة من     1 الى 7 اكتوبر اطلقت عليها اسم « تحرير 41 » .

وفي 28 سبتمبر ألقى الرئيس السادات خطاباً في ذكرى وفاة عبدالناصر ، وفسرت المخابرات الاسرائيلية بعض عباراته على انها اشارة إلى ان الرئيس المصري يريد ان يقول لمواطنيه ان الوقت ليس مناسباً لمواجهة اسرائيل.

 

الا أن الحقيقة هي ، كما يقول المؤلف الاسرائيلي ، ان السادات التزم الصمت تجاه التطورات على الجبهة ، ولم يشر في خطابه إلى ضرورة الحرب او النضال من اجل استعادة الاراضي المغتصبة، كما كان يردد من قبل في معظم خطاباته، وهو الامر الذي يصب في سياسة التضليل التي انتهجتها القيادة المصرية.

 


 

الفصل الثالث

إحدى عشر إنذاراً تربك تل أبيب ، إجلاء العائلات السوفييتية يفتح عيون الاسرائيليين على خطورةالموقف

يقول إبراهام رابينوفيتش ، مؤلف الكتاب الذي نناقشه هنا ، إن الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان المصري طلب من القيادة السياسية المصريه ابلاغه بموعد الحرب قبل 15 يوماً للقيام بالاستعدادات الاخيرة ، لكنه حصل على 14 ليلة , وهو الأمر الأهم ، إذ يتم خلال الليل تحريك أرتال العربات المدرعة من القاهرة عبر الصحراء إلى مناطق القتال على طول قناة السويس.

ويضيف المؤلف أن الرئيسين الاسد والسادات اجتمعا سراً في دمشق في 22سبتمبر، واتفقا على شن الحرب يوم 6 أكتوبر، لكنهما لم يتفقا في البداية على ساعة الصفر ، فقد كان الأسد يريد أن تكون الساعة هي السابعة صباحاً حتى تكون الشمس في مواجهة القوات الاسرائيلية فتعوق الرؤية، بينما أراد السادات شن الهجوم قبل الغروب حتى يتمكن المهندسون من مد الجسور على القناة والعبور في الظلام.

كانت تحت قيادة الشاذلي 650 ألف جندي، بينما كان قوام الجيش السوري 150 ألف جندي وسوف تضيف وحدات من العراق والأردن ودول عربية أخرى مئة الف جندي مقابل 375 ألف جندي اسرائيلي من بينهم 240 ألفاً من افراد الاحتياط.

ويشير المؤلف إلى ان عدد الدبابات الاسرائيلية كان يبلغ 2100 دبابة، وهو مايعادل نحو نصف عدد الدبابات المصرية (2200) والسورية (1650). وتم الاتفاق على أن ترسل العراق والاردن 650 دبابة أخرى بعد بدء الحرب. وكان لدى اسرائيل 359 طائرة حربية على خطوط الجبهة في مقابل 680 طائرة من بينها 400 طائرة لدى مصر و280 لدى سوريا.

وإذا لم تقم اسرائيل بتعبئة الاحتياطي، فإن الوضع في بداية الحرب سوف يكون لصالح العرب تماماً. فالمئة ألف جندي مصري والـ 1350 دبابة المرابطون غربي القناة سيكونون في مواجهة 450 جندياً اسرائيليا موزعين على حصون خط بارليف و91 دبابة اسرائيلية في منطقة القناة، بالاضافة إلى 200 دبابة اخرى في اعماق سيناء.

وبالنسبة للمدفعية الثقيلة فان المصريين يتفوقون على الاسرائيليين على طول خط القناة بنسبة تصل إلى 40 إلى 01 وعلى الجبهة الشمالية يتمتع السوريون بتفوق في عدد الدبابات تبلغ نسبته 8 إلى 1 بينما تزداد النسبة كثيراً في سلاحي المشاة والمدفعية، لكن هذه النسبة ستتراجع كثيراً مع وصول أفراد الاحتياط إلى خطوط الجبهة.

وخلال شهر سبتمبر قامت مصر بتعبئة الاحتياطي بصورة متكررة، حتى تعتاد المخابرات الاسرائيلية على هذه النداءات، وحتى يتم اتقان مهمة الاستدعاء. وفي الاسبوع الأخير من سبتمبر تم استدعاء نحو 120 فرداً بالاحتياط، وفي يوم الرابع من اكتوبر تمت اعادة 20 الفاً الى منازلهم في خطوة كان هدفها تضليل الاسرائيليين. كما ابلغ المصريون الخبراء السوفييت بأنهم يتخذون اجراءات وقائية تحسباً لهجوم اسرائيلي محتمل علمت به المخابرات المصرية. يقول المؤلف ان المخابرات الاسرائيلية رصدت أول تحركات كبرى للقوات المصرية ليلة 24 ـ 25 سبتمبر. شملت التحركات فرقة بكاملها كانت تنتقل الى خارج القاهرة ترافقها قوات كثيفة من الشرطة العسكرية. وتم رصد تحركات مماثلة على مدى الليالي التالية.

 

الانذارات المحيرة

واصلت المخابرات العسكرية الاسرائيلية تزويد القيادة العسكرية والسياسية الاسرائيلية بالتطورات المتلاحقة من خلال نشرات كانت تصدر عدة مرات في اليوم الواحد. وفي 30 سبتمبر ذكر تقرير للمخابرات ان مناورة عسكرية مصرية واسعة النطاق سوف تبدأ في اليوم التالي، وتنتهي في 7 اكتوبر. وسوف تشمل المناورة تعبئة الاحتياطي وبناء التحصينات وتحريك القوات وتعبئة قوارب الصيد المدنية لتكون وسائل لنقل الجنود.

وبالتالي نرى ان كل التحركات غير العادية للجيش المصري وضعتها المخابرات العسكرية والقيادة العليا في اسرائيل ضمن اطار المناورات، ومن بينها الغاء الاجازات وتشديد الحراسة على مراكز القيادة الامامية وهكذا فإنه بتفسير التحركات غير العادية للجيش المصري على انها جزء من مناورة عسكرية يكون نظام الانذار المبكر الاسرائيلي قد توقف عن العمل وانهار.

وخلال شهر سبتمبر، تلقت اسرائيل 11 انذاراً من مصادر رفيعة. إلا ان ايلي زيرا رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية واصل اصراره على ان الحرب ليست خيار العرب. وايد زيرا في موقفه نائبه البريجادير جنرال آري شاليف ورئيس القسم المصري بالمخابرات اللفتنانت كولونيل يونا باندمان.
وبصورة عامة فقد اعتقد كبار رجال المخابرات الاسرائيلية انهم يعرفون الامور على حقيقتها، وهو الاعتقاد الذي جعلهم يرفضون كل الانذارات التي وصلت اليهم من مصادر مهمة واظهر زيرا ورجاله مقدرة على ابداء مدى براعتهم في الالتزام بالصورة القديمة التي رسموها عن القوات المصرية والسورية، على الرغم من الكم الهائل من الاشارات التي تشير الى عكس ذلك.

وكانوا يفندون كل معلومة تتعارض مع نظريتهم، ويدافعون عن كل رأي يؤكد هذه النظرية. ويتضمن ذلك المعلومات الخاطئة التي سربتها مصر والتي كان يتعين الشك فيها نظراً لانها تأتي من قنوات يدرك المصريون بوضوح ان المخابرات الاسرائيلية ترصدها مثل الصحف العربية وقد تشبث زيرا ومساعدوه بوجهة نظرهم على الرغم من تعارض سياسة الخداع المصرية مع الأدلة الدامغة على الاستعدادات لشن الحرب والتي كانت تجمعها المخابرات العسكرية الاسرائيلية بشكل يومي.

ويقول المؤلف ان سياسة الخداع نجحت بشكل يفوق التوقعات المصرية لان قيادة المخابرات العسكرية الاسرائيلية كانت مستعدة للتعايش مع خداع الذات. وقد قال زفي زامير رئيس الموساد امام لجنة التحقيق بعد انتهاء الحرب «اننا لم نشعر بقدرتهم على شن حرب».
وتصاعدت وتيرة الاستعدادات وتزايدت دقات طبول الحرب خلال الايام الاخيرة من شهر سبتمبر، ومررت المخابرات الاميركية تقريراً من مصدر اعتبرته واسع الاطلاع جاء فيه ان السوريين يستعدون لاستعادة هضبة الجولان عبر هجوم وشيك للغاية وفي صباح اليوم التالي، عقد اليعازر اجتماعاً مع كبار مسئولي هيئة الاركان لبحث التقرير، الذي لم يلق اهتمام معظم الضباط، وظل الاجماع السائد أن سوريا لن تخوض حرباً بدون مصر، وان المخابرات العسكرية الاسرائيلية تؤكد ان مصر لن تخوض حرباً.

وان اكثر ما يمكن توقعه من سوريا هو ضربة محدودة، رداً على معركة جوية جرت يوم 13 سبتمبر. ولم تكن هناك أصوات تعارض تلك النظرية سوى صوت الجنرال طال نائب رئيس الاركان الذي قال ان كل الدلالات تشير الى ان الحرب سوف تنشب على هضبة الجولان، ومن هذه الدلالات الانتشار الكثيف للدبابات السورية الامر الذي سيعني امكانية نشوب الحرب دون أي انذار آخر، كما تغطي صواريخ سام كل الجبهة، لقد تغير توازن القوى على الارض والشيء الوحيد الذي يمكن ان يعوق سوريا من الهجوم هو السلاح الجوي. وقد اعتقد طال، مثال اليعازر، ان السلاح الجوي يمكن ان يعالج مشكلة صواريخ سام.

كانت الاحوال الجوية مشكلة أخرى، خاصة مع بدء فصل سقوط الامطار. وقال طال «انه اذا ما تم تحييد السلاح الجوي، فإنه سيكون بمقدور السوريين التقدم داخل الجولان ولن تكون امامنا اية فرصة» ودعا طال الى تعزيز جبهة الجولان ببقية اللواء السابع وبكتيبة مدفعية لم يتفق اليعازر مع تقويم نائبه، لكنه وافق على إرسال المزيد من سرايا الدبابات والمدفعية.

لم يشعر طال بالارتياح بعد اجتماع هيئة الاركان واتصل هاتفياً بزيرا، وطلب منه ان يواصل معه ومع شاليف مناقشة الموضوع في مكتب رئيس المخابرات وعندما تم اللقاء قال طال ان الامر الوحيد الذي يمنع اليعازر من اصدار امر التعبئة هو تقويم المخابرات العسكرية لاحتمال نشوب الحرب بأنه «احتمال ضئيل».
رفض زيرا طلب طال باعادة النظر في هذا التقويم وقال له انه فيما يتعلق بفهم نوايا العدو فإنه وليس تال الخبير في هذا الصدد رد طال قائلاً انه خبير في حرب المدرعات واذا ما شن السوريون هجوماً مفاجئاً فإنه لن تكون أمام القوات الاسرائيلية على الجولان فرصة لوقف الهجوم.
وفي الساعة الثانية من صباح الاول من اكتوبر، تلقت المخابرات العسكرية الاسرائيلية تقريراً من مصدر موثوق فيه، يفيد بأن الحرب ستنشب اليوم على الجبهتين المصرية والسورية
واشار التقرير الى ان المناورة المصرية التي ستبدأ عند الفجر سوف تتطور الى عبور فعلي للقناة لم يجد زيرا في التقرير ما يدعو الى ايقاظ اليعازر أو ديان وفي الاجتماع الصباحي لهيئة الاركان قال زيرا «لقد أرحتك من الاستيقاظ بعد منتصف الليل» لم يرد اليعازر، لكن ديان بعث بمذكرة الى زيرا خلال الاجتماع يحمله مسئولة عدم نقل التحذير اليه على الفور رد زيرا قائلاً انه قضى هو ورجاله الليل يدرسون التقرير، ووجدوا عند الصباح انه لا اساس له من الصحة.

وقال زيرا امام المشاركين بالاجتماع ان فرق المشاة الميكانيكية المصرية تم نقلها الى القناة وكذلك وحدات الجسور والقوات المحمولة جواً. وهناك مصادر عديدة تقول ان المناورة سوف تتطور الى حرب وهذا الامر نرى انه غير محتمل على الرغم من سعة اطلاع مصادرنا.لم يدرك اليعازر وديان ان التقويم الذي قدمه زيرا وشاليف لا يلقى موافقة كل الهيكل القيادي للمخابرات العسكرية.

فقد اصر عدد من المنشقين عليهما ان الدلالات تتحدث بوضوح عن نشوب حرب وشيكة على الجبهتين المصرية والسورية إلا ان رئيس القسم السوري اللفتنانت كولونيل يعاري اقتنع بتقويم المخابرات العسكرية بأن مصر لن تخوض حرباً وبالتالي سوريا وكانت المخابرات الاسرائيلية «الموساد» قد مررت تقريراً، في الساعات الاولى من صباح اليوم الاول من اكتوبر، يحذر من حرب على جبهتين، كما اكدت مصادر رفيعة عديدة التحذير نفسه.
وكان الكولونيل يويل بن بورات رئيس قسم الاشارة في المخابرات العسكرية، وهو القسم الذي يلتقط الاتصالات اللاسلكية في العالم العربي، واحداً من الذين نجح السادات في تضليلهم بكلمات خطابه الهادئة في 28 سبتمبر فقد استمع بورات لخطاب السادات وهو مسترخ على أحد شواطيء تل أبيب وبجانبه راديو ترانزستور وقال بورات لزملائه في اليوم التالي «لقد استمعت إلى خطاب السادات، لقد تحدث عن الأشجار والأحجار وكل شيء ماعدا الحرب».
ولكن بعد ذلك تناول تقارير المصادر بجدية وطالب بتنشيط أجهزة الاستماع الحساسة، وهي اجهزة لا تستعمل سوى في حالات الطواريء، الا ان شاليف قال له ان زيرا لم يرد حتى الآن على طلبه وعندما التقى بورات بزيرا طلب منه التصريح بتعبئة مئتي فرد من الاحتياط بجهاز المخابرات العسكرية رد عليه زيرا بشكل قاطع: «أصغ إليّ جيداً ان مهمة المخابرات هي حماية الأعصاب، لا اثارة ذعر الرأي العام ولا تقويض الاقتصاد.

إنني لن اسمح لك بمجرد التفكير في تعبئة فرد واحد من الاحتياط». عندئذ طلب بورات تنشيط أجهزة الاستماع الحساسة، لكن زيرا رفض أيضاً هذا الطلب. تساءل بورات «إذن ما سبب وجود مثل هذه الأجهزة اذا لم نستغلها في ظروف مثل تلك التي نواجهها؟» رد زيرا قائلا: «إن الظروف التي تراها ليست هي التي أراها».


دلالات جديدة

في 28 سبتمبر، تلقى شابتاي بريل ضابط العمليات في قسم الاستماع بالمخابرات العسكرية تقريراً يفيد بأن سوريا حركت سربين من القاذفات من طراز سوخوي الى قاعدة جوية متقدمة، وهي خطوة لم يتم رصدها منذ حرب يونيو الأمر الذي يعني أنها سوف تساند هجوماً للقوات البرية وعلى الجبهة المصرية تم رصد تحرك قافلة تضم 300 عربة ذخيرة من القاهرة في طريقها الى منطقة القناة. ورأى بريل أن مناورة لا تتطلب كل هذه الذخيرة.

وكانت هناك تحركات عديدة اخرى تدعو الى الذعر من بينها نقل بطاريات سام من منطقة دمشق الى مناطق مجاورة للجولان، فإذا كان السوريون يخشون من حدوث هجوم اسرائيلي، كما ترى قيادة المخابرات العسكرية الاسرائيلية، فما الذي يدعو السوريين إلى اضعاف الدفاعات عن العاصمة؟ من كل هذه الدلالات، بدا واضحاً أن الحرب وشيكة، إلا أن تحذيراته لم تلق آذاناً صاغية داخل المخابرات العسكرية الاسرائيلية.

يقول المؤلف ان توجه جولدامائير لأوروبا أكد للقيادة العربية انه من غير المحتمل ان تتخذ الحكومة الاسرائيلية قراراً بشأن التعبئة، طالما أن مائير خارج اسرائيل. وأشار تقرير للمخابرات المصرية،

التي تراقب بشكل مكثف التطورات في اسرائيل وسيناء، إلى أن اسرائيل لم تتخذ أية اجراءات احترازية. واندهش المصريون من عدم ادراك الاسرائيليين للاستعدادات الكبيرة التي تجري على قدم وساق للحرب.
وعندما عادت غولدا مائير الى اسرائيل، عقد معها موشي ديان اجتماعاً، احاطها خلاله بتطورات الامور، قائلا: ان هناك تقارير تشير الى ان مصر تخطط لشن حرب، لكن الوضع على الجبهة السورية أخطر، فقد نشر السوريون أكثر صواريخ سام تطوراً، ليس حول دمشق، ولكن على خط المواجهة في الجولان وهذه ليست عملية انتشار دفاعية عادية. واذا عبر المصريون القناة، فسوف يجدون أنفسهم أمام صحراء مفتوحة في مواجهة القوات الاسرائيلية، أما السوريون فإنه بهجوم واحد سيكون بامكانهم طرد الاسرائيليين من الجولان، ثم يكونون فوق الهضبة التي ستحميهم من أي هجوم مضاد.

كان الجنرال شاليف، نيابة عن زيرا المريض، حاضراً الاجتماع. وقال إنني اعتقد، وفقاً للتقارير العديدة التي تم الحصول عليها خلال الأيام الأخيرة، ان مصر ترى انها ليست مستعدة للحرب حتى الآن، وإذا لم تشن مصر حرباً، فإن سوريا لن تستطيع خوض حرب بمفردها، وباختصار فإن احتمال الحرب يظل ضئيلاً.

واتفق الجنرال اليعازر مع تحليل شاليف، وقال إن لدى مصر وسويرا خططاً للقيام بهجوم منسق «لكنني لا أرى أي خطر فعلي في المستقبل القريب، وإذا حاولت سوريا القيام بهجوم واسع النطاق فإن اسرائيل ستعرف بالهجوم قبل وقت مناسب».وعندما تساءلت مائير عن امكانية القيام بمزيد من التعزيزات، قال اليعازر: «إن هذا سيعني إما اضعاف الجبهة الجنوبية أو تعبئة الاحتياط لفترة طويلة».

وانتهى الاجتماع، وكانت النتيجة ان الحكومة الاسرائيلية لم تكن لديها أدنى فكرة عن امكانية نشوب حرب خلال أيام. كما لم تتم احالة الوضع على الجبهتين المصرية والسورية لاجتماع هيئة الاركان المقرر عقده يوم الخميس، وكان الموضوع الوحيد على جدول اعمال هذا الاجتماع، الذي يعقد قبل يومين من عيد الغفران هو ضرورة التشديد على الجنود بالالتزام بالزي العسكري!
يقول المؤلف إن هذا التقصير الخطير وعدم وضوح الرؤية ظل هو السائد على الرغم من التطورات المتلاحقة وما تتلقاه المخابرات العسكرية الاسرائيلية نفسها من تقارير تفيد بزيادة التعزيزات العسكرية المصرية على طول القناة.ولم يقم الكولونيل ديفيد جيراليا رئيس المخابرات بالجبهة الجنوبية بتمرير هذه التقارير الى القيادات الأعلى. وفي ظل اعتناقه لنظرية مؤسسته بأن احتمال الحرب ضعيف فإنه اعتبر مثل هذه التقارير مجرد ضجيج يرجع الى المناورة المصرية.

حتى التقارير التي مررها الى المكتب المصري في المخابرات العسكرية لم يتم تمريرها الى زيرا وشاليف، اللذين بدورهما لم يمررا أية تقارير أو معلومات تصل اليهما. أما التقارير عن الاستعدادات العربية التي وصلت الى اليعازر وديان فكانت مرفقة بتفسيرات مطمئنة، وهي المناورة المصرية والمخاوف السورية من هجوم اسرائيلي، مما أفقد مثل هذه التقارير أهميتها وخطورتها.

حتى خلال قيام جولدا مائير بالتشاور مع ديان وآخرين يوم الاربعاء، كان وزير الحربية المصري الفريق أحمد اسماعيل في طريقه الى دمشق لوضع الترتيبات الأخيرة مع السوريين.وقد رفض اسماعيل طلباً سورياً بارجاء الحرب 48 ساعة حتى يتم تفريغ خزانات الوقود في حمص خوفاً من ان تتعرض للقصف الاسرائيلي ورأى ان أي ارجاء سيعرض سرية العملية للخطر وتخلى السوريون عن طلبهم، لكنهم طلبوا ان يتم تغيير ساعة الصفر التي كانت قد تحددت عند السادسة مساء، واتفق الجانبان على أن تكون الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من اكتوبر.

يواصل المؤلف الاسرائيلي قائلا ان عملية الانتشار السورية تواصلت خاصة مع وصول اللواء السابع والأربعين المدرع الذي أثار وصوله دهشة ضباط المخابرات الاسرائيلية، فمغادرة هذا اللواء مركزه في حمص يعني أن سوريا مقدمة بالفعل على شن حرب.وعلى خط بارليف أشارت التقارير الى وجود نشاط محموم عبر القناة فقد كانت طوابير العربات تصل كل ليلة.

وتم اعداد القوارب المطاطية في عشرات المواقع، وكان المصريون يعملون في ساعة متأخرة من كل ليلة لزيادة مستوى التلال التي تشرف على المواقع الاسرائيلية على الجانب الآخر من القناة. بدأ الجنرال البيرت مندلر قائد فرقة سيناء في عقد اجتماع لضباط الفرقة مرتين في اليوم لتحديث عمليات تقييم الوضع وبدا واضحاً له أن المصريين لا يقومون بمناورة تدريبية ولكنهم يستعدون لشن حرب وعندما مرر ملاحظاته الى القيادة الجنوبية، تم ابلاغه بأن كل هذه الانشطة، وفقاً للمخابرات العسكرية، لا تخرج عن اطار المناورة المصرية.

وظل الجنرال اليعازر، الذي كان يركز على الجبهة السورية، غير مدرك بحدوث أي شيء، غير عادي في الجنوب باستثناء أن المصريين يقومون بمناورة عسكرية مكثفة تماثل المناورات التي جرت في سنوات سابقة وكان الحال كذلك بالنسبة للقيادة الاسرائيلية العليا التي لم تصدر أوامر بالتقاط صور

من الجو للخطوط المصرية خلال الفترة من 25 سبتمبر حتى الأول من اكتوبر، وهو اسبوع شهد زحفاً كبيراً للقوات تجاه القناة كل ليلة.

كما لم تتم أية عمليات استطلاع جوي خوفا من صواريخ سام. وتم الغاء مهمة تصوير كانت مقررة يوم 2 اكتوبر بسبب رداءة الاحوال الجوية وضعف الرؤية، وتأجلت المهمة الى اليوم التالي ولكن عندما عادت الطائرة تم اكتشاف عطل بالكاميرا حال دون الحصول على أي صور ولم يتم تنفيذ المهمة الا بعد ظهر اليوم التالي الخميس الرابع من اكتوبر.

كما حدثت تطورات غير مواتية للقيادة الاسرائيلية خلال هذا الاسبوع الحرج فقمر الاستطلاع الصناعي الاميركي «أجينا» الذي يغطي منطقة الشرق الأوسط والذي اطلق في مهمة روتينية يوم 27 سبتمبر، لم يتمكن من ارسال الصور من مداره، ولم يتمكن الاميركيون من تحميض الصور الا بعد هبوطه بعد ذلك بأسبوعين أما القمر الصناعي الاخر الاكثر تطورا وهو «بيج بيرد» الغربي بمقدوره ارسال الصور من مداره فقد هبط على الارض يوم 28 سبتمبر وظل لعدة أسابيع على الارض بسبب تكاليف الرحلة!

 

تغيير التردد اللاسلكي


امتد التعتيم ليشمل القاهرة نفسها، عندما اوقفت القيادة العسكرية المصرية العمل بالتردد اللاسلكي الذي كانت تلتقطه المخابرات الاميركية «السي اي ايه»، وتحولت الى خطوط ارضية لا تلتقطها المخابرات يقول المؤلف ان القيادة المصرية قامت بنشر وحدات من صفوة عناصر الصاعقة على قواعد جديدة، كما تم اعداد مخزون اكبر من المعتاد من الذخيرة، واستعدت فرق للمناورات بأعداد اكبر من المعتاد وبالاضافة الى ذلك تم اعداد شبكة اتصالات اضخم بكثير من الشبكة التي تتطلبها المناورات العادية.

ونقلت «السي اي ايه» قلقها الى اسرائيل يوم 30 سبتمبر من خلال مكتب هنري كيسنجر الذي كان قد تم تعيينه للتو وزيرا للخارجية وكان الرد، الذي نقله مكتب رئيسة الوزراء بالتشاور مع «الموساد»، هو ان اسرائيل مدركة للتحركات العربية، وانها تدرس مضامينها. وبعد يومين تم ارسال تقرير اكثر شمولا الى واشنطن، جاء فيه:

ان اسرائيل تعتقد أن سوريا لا ترى انها قادرة على استعادة الجولان بدون اشتراك مصر في حرب على جبهتين، على الرغم من ان هناك فرصة ضئيلة لمحاولتها القيام بهجوم محدود اما بالنسبة لمصر فان اسرائيل تعتقد ان المناورة التي تجري الآن على طول القناة هي مجرد مناورة وليست تمويها خداعيا لشن حرب عندئذ لم يجد الاميركيون، الذين يكنون تقديرا لأجهزة المخابرات الاسرائيلية، ما يقولونه واذعنوا لتقويم «امان» اي وكالة المخابرات العسكرية الاسرائيلية.

وفي الرابع من اكتوبر، وفي الوقت الذي كانت هيئة الاركان الاسرائيلية تناقش قضية الالتزام بالزي العسكري، كان رؤساء وكالات المخابرات الأميركية مجتمعين في واشنطن في اطار الاجتماع الاسبوعي للجنة المتابعة المنبثقة عن هيئة المخابرات الاميركية. وردا على استفسارات كسينجر، ذكرت «السي اي ايه» ومكتب الاستخبارات والابحاث التابع لوزارة الخارجية ان ا لحرب في الشرق الاوسط مسألة غير محتملة، وقد توصل الجهازان الى هذه النتيجة بناء على التقويم الاسرائيلي للوضع.


دور القوى العظمى


بدأ الضلوع المباشر للقوى العظمى في الازمة الوشيكة في الثالث من اكتوبر، عندما استدعى السادات السفير السوفييتي في القاهرة فينوجرادوف ليبلغه ان مصر وسوريا قررتا الحرب ضد اسرائيل من اجل كسر الجمود في الشرق الأوسط، وعندما سأله السفير عن الموعد، أجابه السادات أنه لم يتقرر بعد.

وفي اليوم التالي استدعى الرئيس الأسد السفير السوفييتي في دمشق نور الدين مقتضى نوف وابلغه أن الحرب ستبدأ في غضون الايام القليلة المقبلة وقال الاسد ان هدف سوريا هو طرد اسرائيل من الجولان واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني.

وفي موسكو مساء يوم الخميس، وفي الوقت الذي استمع كيسنجر الى مستشاريه بالمخابرات عندما قالوا له ان الحرب ليست وشيكة في الشرق الأوسط، استدعى وزير الخارجية السوفييتي اندريه جروميكو مساعديه ليبلغهم بأن مصر وسوريا ستشنان حربا ضد اسرائيل في الساعة الثانية من بعد ظهر السبت تجدر الاشارة هنا الى ان السادات والاسد لم يبلغا السفيرين بساعة الصفر ولكن كانت للسوفييت مصادر اخرى يستقون منها المعلومات واثار احتمال الحرب انزعاج جروميكو، اذ سيكون لها تأثير سلبي على سياسة الوفاق مع الولايات المتحدة وصباح اليوم الجمعة، التقى ديان بمكتبه في تل ابيب باليعازر وطال وضباط كبار اخرين من بينهم زيرا.

ساد التوتر اجواء الاجتماع، فعيد الغفران سوف يبدأ عند غروب الشمس وسط اجواء من الحشود على الجبهتين المصرية والسورية، خاصة بعد ان اظهرت الصور الجوية التي تم التقاطها اخيرا حشودا عسكرية مصرية مذهلة على طول جبهة القناة، قال ديان للجنرالات: «انكم ستصابون بأزمة قلبية لمجرد رؤية الاعداد ان هناك 1100 قطعة مدفعية بالمقارنة مع 802 في 25 ديسمبر، انكم تتصرفون على نحو يخلو من الجدية».

وهنا فقط تحرر اليعازر من الالتباس والغموض، فأصدر أوامره بوضع القوات المسلحة الاسرائيلية في حالة الاستعداد القصوى وذلك لأول مرة منذ حرب يونيو 1967، كما امر بوضع شبكة التعبئة الطارئة تحت الاستعداد، والغى كل اجازات الجيش، وذلك في توقيت كانت تستعد نسبة كبيرة من الجنود على الجبهة لقضاء اجازة عيد الغفران.

لم تكن الصورة الجوية هي وحدها التي أكدت للاسرائيليين تزايد احتمال نشوب الحرب، لكن قسم الاستماع بالمخابرات العسكرية الاسرائيلية كان قد التقط رسالة من موسكو الى رجال المخابرات السوفييتية في القاهرة ودمشق تبلغهم فيها بقرار ترحيل العائلات السوفييتية كما عرف الاسرائيليون ان هناك 11 طائرة سوفييتية في طريقها الى الشرق الأوسط، من بينها ست طائرات انتينوف عملاقة، تتسع كل طائرة لنحو 400 راكب، وان الاوامر قد صدرت لعائلات الخبراء السوفييت بالتجمع في نقاط معينة بحلول منتصف الليل.

واعترف زيرا لأول مرة بعدم فهمه للنوايا العربية، واعطى مباركته لحالة الاستعداد القصوى، ويرجع ذلك فقط الى عملية اجلاء العائلات السوفييتية. وقال ان عملية الاجلاء اعطت بعدا جديدا للموقف، فمن غير المعقول افتراض ان السوفييت يقومون باجلاء المدنيين خوفا من هجوم اسرائيلي. وعلى الرغم من ان تحليل زيرا اشار الى هجوم عربي على اسرائيل باعتباره السيناريو الاكثر ترجيحا، الا انه لم يقل ذلك صراحة ...

 


 

الحلقة الرابعة


نوم إسرائيلي عميق في فجر 6 أكتوبر و ديان يرفض تعبئة الاحتياطي قبيل اندلاع القتال


يشير ابراهام رابينوفيتش مؤلف الكتاب الذي نناقشه هنا، الى ان المصريين كانوا في غاية الحرص في نقل رسائلهم، وقد صدرت الأوامر للوحدات بعدم استخدام شبكات الاتصالات اللاسلكية الى ان تبدأ الحرب،

لمنع معرفة الاسرائيليين لاعدادهم وأماكن انتشارهم.وفي الساعة الحادية عشرة والنصف من ضحى يوم الجمعة الخامس من اكتوبر عقد الجنرالات اجتماعاً مع الوزراء الاسرائيليين في تل أبيب وتقرر عدم استدعاء الوزراء المقيمين في القدس نظراً لقرب عيد الغفران الذي سيبدأ عند غروب الشمس.

وأكد زيرا رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية، للوزراء اقتناعه بأن حالة الاستعداد القصوى في الجيشين المصري والسوري تنبع من الخوف من هجوم اسرائيلي، وأن احتمال نشوب الحرب هو احتمال ضئيل، وأن احتمال عبور الجيش المصري للقناة ضئيل للغاية بدوره وقال اليعازر ان القوات الاسرائيلية لن تتخذ قرار تعبئة الاحتياط ما لم تلح في الأفق دلالات اكبر على اقتراب نشوب الحرب.

ويقول المؤلف ان الفريق احمد فؤاد هويدي، رئيس القسم الاسرائيلي في المخابرات المصرية، راح يوم الجمعة يدرس كل التقارير التي تتجمع أمامه منذ قبل ظهر اليوم عن تحركات القوات الاسرائيلية وأعد هويدي بحلول الظهر نشرة لتوزيعها على القيادة العليا، كان ملخصها ان اسرائيل اكتشفت النوايا بالهجوم عرفت ايضا نطاقه وعندما التقى هويدي بالفريق محمد عبدالغني الجمسي، قال له ان الاسرائيليين بدأوا لتوهم التحرك وليست هناك فرصة لوصول أية تعزيزات كبيرة لسيناء قبل بدء الحرب.

لكن مؤلف الكتاب يؤكد ان الحقيقة هي ان الاسرائيليين لم يتخذوا اية قرارات بحلول ظهر يوم الجمعة وبعد الظهر بقليل عقد اليعازر وزيرا اجتماعاً مع هيئة الاركان، قبل عطلة عيد الغفران وقال اليعازر انه اذا شن العرب هجوماً خلال العطلة فإن القوات البرية والجوية سوف تبطيء من الهجوم الى حين تعبئة الاحتياط.

نوم عميق مريب

بحلول عصر الجمعة ساء الهدوء معظم الشوارع الاسرائيلية استعداداً لبدء احتفالات عيد الغفران لحظة غروب الشمس وتوقفت حركة المرور، وباتت الشوارع خالية من المارة لكن اليعازر ظل في مكتبه يقلب الأوراق امامه، وينتظر تقريراً جديداً يعرف منه آخر التطورات.

تلقى قسم الاستماع بالمخابرات العسكرية رسالة من احد المصادر تفيد بأن سبب اجلاء السوفييت للمدنيين هو ان مصر وسوريا على وشك شن حرب على جهتين ضد اسرائيل. كان هذا التطور هو ما ينتظره اليعازر دلالة مؤكدة على النوايا العربية تبرز مع غيرها من الدلالات بدء التعبئة.
تم تمرير الرسالة في الساعة الخامسة من مساء يوم الجمعة الى الضابط المناوب في مكتب زيرا بمقر قيادة الجيش وبدلاً من ارسالها الى اليعازر والقيادات الاخرى، استدعى ضابط المخابرات رؤساءه وراحوا يتناقشون بشأنها الى ان تحدث في نهاية الامر الى زيرا بمنزله الذي طلب من الضابط المناوب عدم توزيعها وفقاً للقواعد المتبعة وانتظار كلمة منه.

ويقول المؤلف ان اصرار زيرا على أن احتمال الحرب ضعيف جعله لا يريد تصديق أي شيء وازداد عناده ورفضه لأي تفسير آخر. ففي لحظات حرجة للغاية مثل هذه اللحظة امتنع عن توزيع معلومات حيوية فقط لأنها تتناقض مع نظريته.وقد قال اليعازر للجنة التحقيق فيما بعد انه لو تلقى الرسالة لكان قد أصدر قراره بتعبئة الاحتياطي على الفور. وأضاف انه كان في أمس الحاجة لمثل هذه الدلالات الاضافية لاتخاذ القرار.

وبعد ان ظل اليعازر في مكتبه حتى الساعة التاسعة مساء اتجه الى منزله وهو يتساءل، بدلا من ذلك، إذا كان قد بالغ في وضع الجيش في حالة استعداد قصوى.وعلى الجبهة المصرية كان عدم ظهور أية مؤشرات على استعدادات اسرائيلية مصدراً للقلق أكثر منه مصدراً للارتياح. فقد رأى الفريق الجمسي أنه من غير المفهوم أن يكون الاسرائيليون قد خُدعوا إلى هذا الحد.

ولم يتأكد التقرير الذي أفاد في وقت سابق من اليوم نفسه أن اسرائيل قد عرفت أن الهجوم أصبح وشيكاً، إذ لم يصدر أي قرار بتعبئة الاحتياطي، كما لم يتم تعزيز خط المواجهة. تزايدت الشكوك المصرية، واعتقد البعض أن الاسرائيليين يقومون بنقل قوات سراً إلى سيناء، وانهم يعدون لمفاجأة كبرى. ولحسم الموقف تم ارسال فرق استطلاع مصرية عبر القناة إلى نقاط عديدة داخل سيناء خلف التحصينات الاسرائيلية. وحملت تقارير الفرق لدى عودتها قبل الفجر يوم السادس من اكتوبر
الرسالة نفسها: اليهود يغطون في نوم عميق.

لكن زفي زمير رئيس جهاز «الموساد» كان في قمة الاستيقاظ في ذلك الوقت، حيث التقى مصدراً للمعلومات في لندن ابلغه بوضوح تام أن مصر ستبدأ الحرب غداً قبل غروب الشمس، وأن الهجوم سوف يتم تنفيذه وفقاً لخطة الحرب التي لدى الاسرائيليين بالفعل، الأمر الذي يعني ان عبور القناة سيتم بخمس فرق قبل حلول الليل.

وعندما سأله زامير عن احتمال أن يكون ذلك انذاراً كاذباً، كما حدث في ديسمبر ومايو، قال له المصدر انه ليس بامكانه استبعاد ذلك، لكن احتمال بدء مصر الحرب تبلغ نسبته 9,99% قرر زامير نقل فحوى الرسالة إلى تل أبيب بأسرع وقت ممكن، وبدلاً من ارسالها بالأساليب الآمنة المشفرة، اتصل هاتفياً بالقيادة العليا الاسرائيلية مطالباً بسرعة تعبئة الاحتياطي.

 

الصباح الذي طال انتظاره

 
استيقظ الزعماء السياسيون والعسكريون الاسرائيليون في الساعات الأولى من صباح عيد الغفران على أجراس الهواتف، فقد تم تمرير رسالة زامير إلى عدد محدود من القيادات العليا.يوضح المؤلف أن اجتماع زامير مع المصدر المشار إليه انتهى بحلول منتصف الليل بتوقيت شرق المتوسط.
واستلم فريدي ايني رئيس مكتب زامير الرسالة في الساعة 2.40 صباحاً. وأيقظ ايني الجنرال اسرائيل ليور مساعد مائير العسكري في الساعة 3.40 فجراً بينما حصل مساعد ديان على الرسالة في الساعة 4.30 صباحاً، وعندما تلقى اليعازر الرسالة دعا على الفور إلى اجتماع لاعضاء هيئة الاركان في الساعة5.15 صباحاً ووصل قادة الجبهتين الشمالية والجنوبية في الساعة السادسة صباحاً، وقبل أن يغادر اليعازر منزله اتصل بقائد السلاح الجوي بيني بيليد وقال له: «لدينا معلومات تفيد انه ستنشب حرب مع مصر وسوريا الليلة.

هل أنت جاهز؟ رد بيليد قائلاً:«نعم إنني جاهز»، سأله اليعازر: «ما الذي ستفعله؟»، قال بيليد «ستكون الأولوية لمهاجمة صواريخ سام السورية» واكد ان سلاح الطيران الاسرائيلي سيكون جاهزاً بحلول الساعة 11 صباحاً وصل اليعازر الى مقر هيئة الاركان، وجاء بعده زيرا الذي ظل يردد أن السادات لن يحارب.

شعر اليعازر بأن المصيدة التي وقعت فيها اسرائيل تنذر بحدوث كارثة، لكنه ظل يتعلق بالشكوك المتزايدة لدى المخابرات العسكرية الاسرائيلية وتقويمها بأن احتمال نشوب الحرب ضعيف على الرغم من التعزيزات العربية وشعوره بحتمية ان يشن المصريون والسوريون هجوماً شاملاً، في ظل جمود الموقف السياسي.

عندما التقى اليعازر ديان في الساعة 50,5 رفض الأخير طلب اليعازر بشن هجوم وقائي. وعلى الرغم من التحذير الذي نقله زامير، تشكك ديان في احتمال نشوب الحرب قال ديان اننا لن نأمر بتعبئة شاملة لمجرد تقرير من زاير، لقد تلقينا تحذيرات مماثلة في السابق وثبت انها كاذبة.وهنا أكد زيرا نظرية ديان، قائلاً إن اجهزة المخابرات الاميركية لم ترصد أي دلالة على احتمال حدوث حرب وشيكة.

وقال ديان: «اننا في وضع سياسي لا يسمح لنا بالقيام بهجوم كما فعلنا في 1967، وشن هجوم في وقت يقول فيه الأميركيون ان العرب لن يشنوا حرباً سيجعل اسرائيل في عيون العالم البادئة بالحرب».

كما عارض ديان الاقتراح بتعبئة ما يتراوح بين 200 ألف و250 ألف رجل، وقال انه مع عدم وجود قتال فعلي، فإن تعبئة بهذا النطاق ستعتبر بمثابة إعلان حرب، وانه يكفي في هذه المرحلة تعبئة ما يتراوح بين 20 ـ 30 ألفاً فرد، وسوف يتم استدعاء بقية أفراد الاحتياط إذا ما نشبت الحرب فعلاً.قال اليعازر إن الدفاع في ذاته يتطلب ما يتراوح بين 50 ـ 60 ألف فرد، عندئذ وافق ديان على تعبئة هذا الرقم للدفاع. ..

 

انسحب فوق الجولان

كان بيليد جالساً الى مكتبه في الساعة السابعة صباحاً، عندما دق باب مكتبه ليدخل عليه مساعده لشئون الارصاد، ويقول له ان مرتفعات الجولان تغطيها السحب اتصل بيليد باليعازر ليبلغه عدم امكانية تنفيذ عملية قصف بطاريات الصواريخ السورية، لكنه اقترح ضرب القواعد الجوية السورية بدلاً من ذلك، فوافق اليعازر على الاقتراح.

التقى اليعازر بعد ذلك بقائدي الجبهتين الشمالية والجنوبية، ثم بقادة الطيران والبحرية والمدرعات وأبلغهم ان الحرب ستنشب في الساعة السادسة مساء، لم يكن المصدر قد ذكر موعداً للحرب، لكنه قال ان الهجوم سيتم وفقاً لخطة الحرب المصرية الموجودة بالفعل لدى اسرائيل. وتدعو الخطة إلى عبور أول موجة قبل آخر ضوء للشمس، الأمر الذي يعني الساعة السادسة بعد غروب الشمس بنحو 40 دقيقة وقال اليعازر لجنرالاته ان فرق الاحتياط سيتم تنظيمها لشن هجوم مضاد، بينما سيحاول أفراد الجيش وقف تقدم القوات العربية وذلك بمساعدة السلاح الجوي.

عقد ديان واليعازر اجتماعاً مع مائير في الساعة 05,8 صباحاً، وطرح الجنرالان على رئيسة الوزراء الإسرائيلية خلافاتهما حول التعبئة والضربة الوقائية. وبعد مناقشات مطولة، وافقت مائير على حل وسط يقضي بتعبئة ما يتراوح بين 100 ألف و120 ألف فرد لكنها رفضت الضربة الوقائية، قائلة: «ان اسرائيل بحاجة الى مساعدات اميركية في القرب العاجل، وإذا وجهنا الضربة الأولى فإن أحداً لن يفكر في مساعدتنا».اتصل اليعازر فور انتهاء الاجتماع بقائد السلاح الجوي ليبلغه باستبعاد الضربة الوقائية.

وهنا يقول مؤلف الكتاب انه حتى في حالة شن هجوم على القواعد الجوية، فإن نتيجة الحرب ما كانت لتتغير، فبعد حرب يونيو 1967 حرصت مصر وسوريا على وضع طائراتها في أماكن حصينة من الصعب تدميرها. والأهم من ذلك ان صواريخ سام هي التي تشكل تهديداً للطائرات الاسرائيلية وليست القواعد الجوية.

في الساعة 30,9 صباحاً استدعت مائير السفير الأميركي لدى تل أبيب كينيث كيتينغ لتبلغه بتطورات الموقف. بدت الحيرة على السفير، الذي حصل على تأكيدات من الـ «سي.آي.ايه» ومن الاسرائيليين انفسهم قبل يوم واحد بأنه ليس هناك خطر نشوب حرب.بعد ذلك التقت مائير بسيموا دنتز السفير الاسرائيلي لدى واشنطن الذي كان قد عاد الى اسرائيل في اجازة لمدة اسبوع.

وطلبت مائير من دنتز العودة على الفور الى واشنطن، وطلبت من مساعدها ان يجد وسيلة لسفر دنتز، خاصة مع توقف الرحلات التجارية من اسرائيل واليها بسبب عيد الغفران ايقظت ازمة الشرق الأوسط هنري كيسنجر من نومه في فندق والدورف استوريا بنيويورك، عندما اندفع مساعده جوسيسكو الى جناحه في الساعة 15,6 صباحاً بتوقيت شرقي اميركا (5,12 ظهراً بتوقيت شرق المتوسط) ليبلغه رسالة مائير. ..

خطة الهجوم المصرية


في الساعة العاشرة صباحاً، نزل اليعازر الى غرفة الحرب الواقعة تحت الارض، ليلتقي بالقيادات العليا واستعرض زيرا خطط الحرب المصرية والسورية وقال ان المصريين سيبدأون الحرب بهجوم مدفعي وجوي، يتبعه عبور زوارق صغيرة جبهة القناة وقد يرسل المصريون طائرات هليكوبتر لنقل عناصر من الصاعقة الى داخل سيناء لقطع الطرق والهجوم على مراكز القيادة.

واضاف انه ستكون هناك خمسة رؤوس جسور، ولكن ثلاثة منها فقط ـ المواجهة للطرق الرئيسية المؤدية الى قلب سيناء ـ هي التي ستشكل نقاطاً رئيسية للهجوم.وبغطاء من صواريخ سام يعتزم المصريون اجتياز ستة اميال داخل سيناء ثم التمركز بعد ذلك. اما المرحلة التالية فستعتمد على نتائج المرحلة الأولى.

اما بالنسبة للخطة السورية فقال زيرا ان ثلاث فرق سورية على خط المواجهة سترسل جنوداً من سلاح المشاه لعبور الخنادق الاسرائيلية على اقدامهم، وتأتي خلفهم دبابات لمد ما يشبه الجسور فوق الخنادق بعدها ستتقدم ألوية الدبابات الملحقة بهذه الفرق.

وقال اليعازر، رداً على استفسار من ديان، ان لواء من الالوية المدرعة التابعة لفرقة سيناء متمركز الآن في منطقة القناة، وان اللواءين الآخرين متمركزان في المؤخرة وعندما سأله ديان عن موعد وصول قوات الاحتياط، قال اليعازر ان 300 دبابة تصل مساء غد، تليها 300 دبابة يوم الاثنين ثم 300 دبابة اخرى يوم الثلاثاء.
واضاف ان العدد الاجمالي للجنود، سواء أكانوا مجندين ام متطوعين تصادف انهم كانوا يؤدون خدمتهم السنوية، يبلغ مئة ألف وقد صدرت بالفعل اوامر بتعبئة 70 ألف فرد وستصدر الاوامر بالبقية في القريب العاجل لم يكن ديان مقتنعاً، حتى هذه اللحظة، بأن الحرب ستبدأ، وكان يشعر بالقلق ازاء استدعاء هذا العدد الكبير من افراد الاحتياط في ظل الشكوك الحالية بشأن نشوب الحرب.
ودعت مائير الى اجتماع لمجلس الوزراء في الساعة 12.30 من بعد ظهر يوم الجمعة الخامس من اكتوبر دخلت مائير قاعة الاجتماعات مع ديان. كان وجهها شاحباً، وعيناها غائرتين، وهي تسير ببطء نحو مقعدها ولأول مرة يرى الوزراء في مائير عجوزاً اثقلت كاهلها السنون.
بدأت مائير الاجتماع بقراءة تقرير مفصل عن تطورات الأيام الثلاثة الماضية، التعزيزات المصرية والسورية، اجلاء عائلات الخبراء السوفييت، الصور الجوية، اصرار جهاز المخابرات العسكرية الاسرائيلية «امان» على ان الحرب لن تنشب على الرغم من الدلائل المتزايدة التي تفيد عكس ذلك وقالت ان القادة العسكريين انقسموا حول احتمال قيام الحرب وحول تعبئة الاحتياط وتوجيه ضربة وقائية ولكن فجر اليوم وصل تأكيد من مصدر واسع الاطلاع بأن الحرب ستبدأ في الساعة السادسة من مساء اليوم على الجبهتين المصرية والسورية

بهت الوزراء من هول الصدمة، اذ لم تصلهم اية اخبار عن التعزيزات العربية على الحدود، وعلاوة على ذلك فقد قيل لهم انه حتى في اسوأ الاحوال فإن القوات الاسرائيلية ستتاح لها مهلة تصل الى 48 ساعة لاستدعاء الاحتياطي قبل بدء الحرب والآن يقال لهم ان حرباً على جبهتين ستبدأ في اقل من ست ساعات، ولم تتم تعبئة الاحتياط حتى الآن.

بعدها طلبت من ديان شرح الموقف على الجبهتين. بدأ ديان في الحديث وكان صوته مرتعشاً، وبدا كرجل اهتزت معتقداته بشدة وبشكل مفاجئ في الساعة 30,12 من بعد الظهر التقى اليعازر بالجنرال جونين الذي كان قد تولى قيادة الجبهة الجنوبية قبل ثلاثة اشهر فقط لم يكن جونين يتابع تقارير المخابرات، وبالتالي فلم يكن يعلم، على سبيل المثال، بأن خطط الحرب المصرية التي تحت يد جهاز المخابرات العسكرية «امان» تدعو الى عبور للقوات على طول خط القناة بالكامل، كما لم يكن يعلم ان قصف المدفعية الاولى، وفقا للخطة سيستمر ما بين 30ـ 45 دقيقة في الوقت الذي كان يعتقد انه سيستمر عدة ساعات.

وقد نجح نظيره على الجبهة الشمالية، الجنرال هوفي، في الحصول على تعزيزات كبيرة خلال الايام القليلة الماضية، بعد ان اعرب عن قلقه ازاء التعزيزات السورية، بينما اقتنع جونين بتقويم «امان» بأن احتمال الحرب ضئيل، ولم يبذل جهدا يذكر لتعزيز دفاعاته على الرغم من وصول التعزيزات المصرية الى مستويات غير مسبوقة، ومساء يوم الخميس وفي الوقت الذي كان القادة ينتظرون بفارغ الصبر الصور الجوية من منطقة القناة، لم يحضر جونين الاجتماع بمقر هيئة الاركان، وفضل زيارة صديق في حيفا.

وبدلا من ان يقوم جونين بتحريك فرقة مساعدة الجنرال منيدلر بعد الظهر الى المواقع الامامية، كما تدعو خطة «برج الحمام» قرر جونين الانتظار حتى الساعة الخامسة مساء، اي قبل ساعة واحدة من الهجوم المصري المتوقع، واعتقد جونين ان اي نشر مبكر للقوات سيستغله المصريون، ويعتبرونه عملا استفزازياً، كما انه سمع زيرا يقول صباح اليوم ان الحرب غير مؤكدة الوقوع الى حد كبير.
يقول المؤلف ان العديد من الجنود الاسرائيليين في تحصينات خط بارليف لم يذوقوا النوم طوال ليل الجمعة، وهم يسمعون حركة ونشاطاً عبر القناة، وكان بمقدورهم رؤية المصريين وهم يسحبون اشياء وينقلونها الى حافة الماء، كما كان العمل مستمرا بكثافة في مناطق التخرين خلف الخطوط وفي الصباح رأى الاسرائيليون كميات كبيرة من اطواق النجاة برتقالية اللون بجانب معدات مد الجسور.

وفي الساعة العاشرة من صباح يوم السبت، تم ابلاغ قيادات الجبهة الشمالية بأن الحرب ستبدأ مساء اليوم، وابدى الضباط عدم تصديقهم لهذا الخبر على الرغم من الحشود الكبيرة للقوات السورية على خط المواجهة، وطلب من الضباط التجمع عند الساعة الثانية من بعد الظهر لوضع اللمسات الاخيرة للاستعداد.

لم تتضمن تقارير وحدات خط المواجهة اية انشطة سورية غير عادية، وطوال ليلة امس تناهى الى مسامع الاسرائيليين صوت تحركات دبابات سورية، كما لو ان قوات جديدة تصل الى الجبهة.
وفي سيناء كان الجنرال منيدلر مجتمعاً مع قياداته عندما اتصل به جونين هاتفيا في الساعة العاشرة صباحا قال منيدلر لضباطه، وهو ينقل رسالة جونين لهم، انه من المتوقع حدوث شيء عند غروب الشمس ولكن ليس من الواضح ما اذا كان ذلك سيكون نشوب حرب ام نهاية للمناورة المصرية.

اعتقد منيدلر وضباطه انه اذا بدأ اطلاق النار، فانه سيكون بمثابة استئناف لحرب الاستنزاف مع قصف مدفعي مكثف واحتمال شن غارات جوية. وفي الواقع فان منيدلر لم يركز المناقشة على الخطوات الدفاعية، ولكن على الخيارات الهجومية الواردة في خطة «برج الحمام» وتقضي بهجوم بلواء او لواءين عبر القناة، بينما يحاول لواء آخر منع القوات المصرية من العبور.
وفي الساعة 12.30 ظهرا اصدر جهاز «أمان» نشرة جديدة تشير الى استعدادات عسكرية مكثفة في مصر وسوريا واعترف مسئولو «أمان» بتلقي تقارير تفيد بأن الحرب وشيكة ومع ذلك ذكرت النشرة: «اننا نفترض ان المستوى الاستراتيجي في مصر واسرائيل يدرك عدم وجود اي فرص للنجاح».

 

تقديرات خاطئة

في قاعة مجلس الوزراء الاسرائيلي، أبلغ ديان زملاءه انه اذا عبر المصريون القناة، فإنه سيتم تدميرهم لكنه أشار الى ان الموقف في الجولان اكثر تعقيدا، فليس هناك على جبهة الجولان حاجز يؤدي إلى ابطاء تقدم السوريين، كما ان القوات الاسرائيلية أقل من تلك الموجودة في سيناء.
سأل وزير العدل الاسرائيلي ياكوف شابيرا عما يمكن ان يحدث اذا ما رصد المصريون الاستعدادات الاسرائيلية وقدموا موعد شن الهجوم؟ رد ديان قائلا ان سلاح الطيران يقوم بالفعل بدوريات للتأكد من عدم حدوث ذلك.

وفي القاهرة، وصل وزير الحربية أحمد إسماعيل إلى منزل السادات في سيارة جيب في الساعة الواحدة والنصف من بعد الظهر ليصطحبه إلى مركز العمليات، جلس ضباط القيادة العليا في منطقة منخفضة تشرف على غرفة العمليات حيث يجلس قادة أفرع القوات المسلحة أمام منصات اتصالات. امتلأت القاعة بخرائط للموقف معروضة على شاشات ضخمة.

وعلى الجانب الاسرائيلي وفي الوقت نفسه صدرت الأوامر للجنود على الضفة الشرقية للقناة باعتمار الخوذات ودخول المخابئ. ولم يبق سوى قادة التحصينات بالخارج يرصدون التحركات من خنادق صغيرة. وصعد أحد الضباط إلى برج المراقبة القريب من ضفة القناة لكن الشيء الوحيد الذي رآه يتحرك على الجانب الآخر من القناة مجموعة مزارعين في حقل بعيد يعملون في الأرض وفي هضبة الجولان في الساعة الواحدة والنصف أيضا ذكر ضابط استطلاع ان السوريين يقومون بازالة شبكات التمويه من فوق مدفعيتهم ودباباتهم.

 

في ذلك الوقت كانت القدس لا تدرك طبيعة التطورات غير العادية، لكن الاسرائيليين كانوا مندهشين من رؤيتهم لطائرات الفانتوم المقاتلة وهي تحلق على ارتفاع منخفض في عيد الغفران بينما كانت العربات العسكرية فقط تنطلق في الشوارع الخالية من المارة والسيارات المدنية فيما توجه موظفو البريد حاملين أوامر التعبئة لتسليمها إلى أفراد الاحتياط في منازلهم أو في المعابر القريبة من منازلهم. وعندئذ بدا واضحا للجميع انه اذا كانت عملية استدعاء الاحتياط تتم يوم عيد الغفران، فإن الأمر لا يمكن أن يعني المشاركة في مناورات، ولا بد وان حربا باتت وشيكة.

 

وفي قاعة مجلس الوزراء كان ديان على وشك الانتهاء من اطلاع أعضاء المجلس على تطورات الموقف، في الساعة الثانية بعد الظهر، عندما دخل أحد مساعديه القاعة، وسلمه مذكرة أعلن ديان ان الطائرات المصرية بدأت الهجوم على المواقع الاسرائيلية في سيناء وفي الوقت الذي أعلنت جولدا مائير انهاء الاجتماع، سمع المشاركون بالاجتماع صفارات الانذار تدوي في الشارع بالخارج.

وفي سيناء، رددت شبكات الاتصالات بدء الغارات الجوية، وتلقى الاسرائيليون اشارات بحدوث اختراق جوي وعندما خرج الكولونيل امنون ريشيف قائد اللواء المدرع الاسرائيلي من مقره، رأى الطائرات المصرية تنطلق نحو معسكر كتيبة قريب منه وتبتعد عنه بعد ان تتصاعد منه أعمدة الدخان الأسود. وبدأت أرض الصحراء تهتز تحت قدميه.

على بعد عشرين ميلا نحو الغرب، فتحت المدفعية المصرية نيرانها باتجاه خط بارليف.كانت الطائرات المصرية تحلق في البداية على ارتفاع منخفض فوق القناة ثم ترتفع لفترة قصيرة لتحدد الاهداف التي ستقصفها ثم تطير بعد ذلك على ارتفاع منخفض لتلقي بقنابلها فوق الأهداف المحددة لها، وهي مراكز القيادة الاسرائيلية وبطاريات صواريخ هوك المضادة للطائرات والمدفعية والقواعد الجوية ومحطات الرادار ومركز المخابرات الرئيسي في سيناء

 


 

الحلقة الخامسة


صواريخ «ساجر» تصطاد الدبابات الإسرائيلية و 23 ألف جندي مصري يعبرون القناة بعد ساعتين من بدء الحرب


يوضح مؤلف الكتاب انه بعد الغارات الجوية المصرية على الأهداف الحيوية الإسرائيلية في سيناء، فتحت المدفعية المصرية نيرانها وفي الدقيقة الأولى سقطت أكثر من عشرة آلاف قذيفة على الخطوط الإسرائيلية،

معظمها على التحصينات المقامة على امتداد القناة وحولها وتطايرت أبراج المراقبة بالتحصينات الإسرائيلية خلال الدقائق الأولى.

وبعد 15 دقيقة من بدء قصف المدفعية، اندفع أربعة آلاف من رجال الصاعقة والمشاة ضمن الموجة الأولى نحو حافة الماء على امتداد القناة، حيث كانت بانتظارهم 720 من الزوارق المطاطية والخشبية وبدأوا في عبور القناة وهم يهتفون «الله أكبر» ويقول المؤلف إن الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان المصري أمر بوضع مكبرات صوت عند نقاط العبور ينطلق عبرها هتاف «الله أكبر» الذي يزيد من حماسة الجنود ويلهب مشاعرهم.

كانت في مقدمة الموجة الأولى مجموعات المهندسين العسكريين، وذلك لتفحص منافذ فتح النار للتأكد من أن رجال الضفادع البشرية قد أغلقوها تماماً عندما تسللوا إلى الجانب الإسرائيلي خلال الليل للقيام بهذه المهمة.وعندما استقر الجنود على شاطئ سيناء، شقوا طريقهم بسرعة صاعدين التل الرملي، وارتقوا السلالم المصنوعة من الحبال لتصل الى أعلى. صعدت بعدهم فرق اصطياد الدبابات وكان بعضها يحمل عبوات صواريخ «ساجر» التي تشبه الحقيبة.

بينما حمل البعض سلاح الـ «آر.بي.جي» اما الذخيرة والمعدات التي يصعب حملها فقد تم وضعها فوق عربات يد صغيرة يجرها الجنود، وكان الفريق الشاذلي قد أمر بإنتاج الآلاف من هذه العربات لاستخدامها الى حين عبور سيارات الإمداد وفي أماكن عديدة وصل الجنود إلى الحواجز الأرضية على بعد ميل داخل أراضي سيناء، ووراء هذه الحواجز تتخذ الدبابات الإسرائيلية موقعها للتعامل مع عناصر الهجوم المصري. واشارت سحب الغبار الممتدة الى الشرق الى سرعة اقتراب هذه الدبابات.

وعند البحيرات المرة، بدأ لواء برمائي يتكون من عشرين دبابة طافية وثمانين ناقلة جنود في شق الطريق باتجاه سيناء وعبرت بحيرة التمساح الى الشمال سرية مشاة على متن عربات برمائية ولم تكن هناك دفاعات اسرائيلية قوية على شواطئ سيناء امام البحيرات وعند الطرف الشمالي عن خط قناة السويس استعد المصريون لشن هجوم مضلل بالدبابات وحاملات الافراد من خلال التقدم نحو المنطقة الرملية المؤدية الى واحد من اهم التحصينات الاسرائيلية.

والى الجنوب من قناة السويس تم تجميع العشرات من زوارق الصيد داخل كهوف على طول الشاطئ الغربي لخليج السويس لاستخدامها في نقل قوات الصاعقة الى جنوب سيناء بعد حلول الظلام كما تنتظر وحدات صاعقة اخرى نقلها بطائرات الهليكوبتر الى وراء الخطوط الاسرائيلية بعد الغروب ومع عبور الموجة الأولى من قوات الهجوم، بدأت الفرق الهندسية المجهزة بالمضخات وخراطيم المياه، في احداث فجوات في خط بارليف الاسرائيلي. وقد تم اعطاء سلاح المهندسين فترة تتراوح بين 5 ـ 7 ساعات لاتمام المهمة

نظام عبور نموذجي

كان قد تقرر ان يتم العبور بمئة ألف جندي وفقاً لنظام نموذجي. وقامت الموجة الأولى بنصب لوحات كبيرة تحمل ارقاماً مضيئة على شاطئ سيناء، وهذه الارقام تساير ارقاماً على لوحات على طول الطرق التي تتخذها الوحدات المتجهة الى حافة القناة.

وقد حرصت الشرطة العسكرية المصرية على الا تضل الوحدات طريقها او تختلط فيما بينها وفي غضون ساعات، عبر 23 ألف جندي مصري القناة، وتم نصب خمسة رؤوس جسور على الضفة الشرقية للقناة في ذلك الوقت راحت المدفعية تتحول لدك اهداف في عمق سيناء

حملت عربات كبرية اجزاء من الجسور الى حافة المياه، حيث بدأ المهندسون في تجميع هذه الاجزاء. كما بدأت وحدات اخرى في تجميع 31 عبارة مسبقة التجهيز قادرة على حمل الدبابات. وشعر الفريق سعد الدين الشاذلي، وهو داخل مقر القيادة بأن الخطوات تسير بشكل رائع، وبدا ان توقيت الحرب كان مفاجئاً للاسرائيليين تماماً. 

وفي الساعة الخامسة والنصف مساء عبرت الموجة الثانية عشرة والاخيرة لقوة الهجوم الأولى القناة، ليصل اجمالي القوات المصرية على شاطئ سيناء الى 32 ألف جندي.

وفي الساعة 30,6 مساء فتحت خراطيم المياه أول ممر في الحاجز الرملي. وفي غضون ساعتين كان قد تم فتح 60 ممراً من هذا النوع، وتم استكمال مد اول جسر في الساعة الثامنة والنصف مساء، اي بعد مرور ست ساعات ونصف الساعة على ساعة الصفر وبعد ذلك بساعتين كانت كل الجسور مفتوحة، وتتضمن ثمانية جسور ثقيلة للدبابات واربعة جسور خفيفة للعربات الخفيفة والمشاة. أصبح الطريق الى داخل سيناء مفتوحاً، وتدفقت المدرعات المصرية على الجسور ثم الفتحات التي احدثتها خراطيم المياه في خط بارليف.

 

وهنا يعترف المؤلف بأن مصر لم تشهد منذ بناء الأهرامات، أو على الأقل منذ شق قناة السويس نفسها مشروعاً هائلاً تم تنفيذه على أكمل وجه مثل مشروع العبور. كان الإسرائيليون قد رأوا الطائرات المصرية قبل أن يسمعوا أزيرها، وهي تطير على ارتفاعات منخفضة، وتتجه نحو المؤخرة الإسرائيلية، كما سمعوا قصف المدفعية المصرية، قبل أن تدمر تحصيناتهم، كانت الارض تهتز من تحت اقدامهم.

اعتقدوا ان ما يرونه هو شيء اشبه بمعركة نورماندي أو ستالينغراد كان من الصعب عليهم رؤية أي شيء، بسبب أعمدة الدخان المتصاعدة نتيجة للقصف المكثف. وعلى الرغم من ان الإسرائيليين استطاعوا اغراق بعض الزوارق المصرية، الا ان الغالبية تمكنت من العبور، واستطاعت المدفعية تدمير العديد من الدشم والتحصينات الإسرائيلية في مواجهة خط القناة، وتم رفع العلم المصري على أحد المراكز الإسرائيلية التي جرى تدميرها.

يقول مؤلف الكتاب إنه بدا واضحاً، من خلال شبكة اللاسلكي الإسرائيلية، ان المصريين عبروا القناة بكل قوتهم، ولم تتمكن القوات الإسرائيلية الموزعة على طول خط بارليف من وقف عملية الهجوم أو وقف تقدمهم إلى داخل سيناء وهنا يؤكد المؤلف أن الدور الذي كان من المفترض أن تقوم به تحصينات خط بارليف كحاجز ضد أي هجوم شامل اثبت فشله الذريع.

 
 حرب الدبابات

في المناطق التي ستنطلق منها الدبابات على طول طريق المدفعية في سيناء، كان قادة السرايا يصدرون التوجيهات الأخيرة، عندما سمعوا إنذاراً على شبكة الرادار يفيد بغارة جوية مصرية قصفت القنابل تجمعات الدبابات قبل أن تتمكن من التحرك، إلا أنها لم تصب. اسرعت الدبابات نحو القناة وقطعت المسافة في غضون 20 ـ 30 دقيقة، لكنها خسرت السباق. فالحواجز الرملية التي كان سيتعين على الدبابات الإسرائيلية ان تأخذ مواقعها خلفها لاطلاق النار قد وقعت تحت سيطرة المصريين، فقد عرف المصريون من خلال رصدهم لمناورات «برج الحمام» المكان الذي ستستقر فيه الدبابات الإسرائيلية عند إطلاق النار.

وعندما حاولت الدبابات الإسرائيلية التصدي لهذا الموقف الجديد، وجدوا ان المصريين قد اعدوا لهم

مفاجأة مختلفة فقد خرج رجال المشاة من حفر صغيرة حاملين سلاح الـ «آر.بي.جي» على أكتافهم وشرعوا يطلقون قذائفها على الدبابات المتقدمة فوجئ الإسرائيليون بهذا السيناريو، ولم يتوقعوا مثل هذه المقاومة، فاضطرت بقية الدبابات التي خرجت من المعركة سليمة إلى التقهقر بعيداً عن مدى الـ «آر.بي.جي» اي حوالي 300 ياردة، الا ان هذا المسافة لم تكن كافية للابتعاد عن القذائف المصرية.

يواصل المؤلف سرد ما دار من معارك فيقول إن قائد إحدى الفصائل الإسرائيلية رأى ضوءاً أحمر عبر بسرعة فوقه وينفجر فوق دبابة قريبة منه اندفع قائد الدبابة التي أصيبت إلى خارجها بفعل ضغط الهواء، كما لو أنه «فلينة» تخرج من زجاجة، وراحت أضواء حمراء أخرى تنطلق في الهواء من الجانب المصري عبر القناة.

لم تكن لدى قائد الفصيلة الإسرائيلية أدنى فكرة عن هذه الأضواء الحمراء، إلى أن جاءه التفسير عبر الشبكة اللاسلكية، قال قائد السرية انها «صواريخ ساجر» وكانت هذه هي المرة الأولى التي يعرف فيها قائد الفصيلة بوجود هذا النوع من الصواريخ الذي يبلغ مداه ثلاثة آلاف متر اي عشرة إضعاف الـ «آر.بي.جي» كما انه ذو قوة تدميرية تفوق القذائف الصاروخية بكثير.

ولأول مرة منذ دخلت الدبابات ساحات المعارك في الحرب العالمية الأولى وجدت نفسها في مواجهة هذا الخطر ففي السابق لم يكن الخطر الاكبر من المدفعية المضادة للدبابات، ولكن من الجنود المشاة كان المشاة يستخدمون البازوكا في الحروب السابقة ضد الدبابات، ولكن ليس بهذا الكم، وليس بسلاح الـ «آر.بي.جي» ولا بسلاح «ساجر» الأكثر تدميراً لقد استخدم الجنود المصريون صواريخ «ساجر»

المضادة للدبابات بأعداد هائلة وبناء على اوامر الفريق سعد الدين الشاذلي فقد تم سحب هذه الصواريخ من وحدات المؤخرة وأضيفت إلى أسلحة قوات رأس الحربة.
ويقول المؤلف ان كل فرقة من الفرق المصرية الخمس المهاجمة كانت لديها أفراد مشاه مسلحون بـ 72 صاروخ «ساجر» و535 صاروخ «آر.بي.جي» وذلك بالإضافة إلى 57 مدفعا مضادا للدبابات و90 مدفعا عاديا، كما ان كل فرقة كانت ملحقة بها 200 دبابة ولم يحدث على مدى التاريخ ان شهدت ساحة معارك استخدام مثل هذا الكم من النيران المضادة للدبابات.

وعلاوة على ذلك، فقد كان قائدو الدبابات الإسرائيلية، الذين اخرجوا رؤوسهم من ابراج دباباتهم للحصول على مدى رؤية افضل، عرضة لنيران مدفعية مصرية كثيفة ولنيران البنادق والرشاشات من جنود المشاة الذين طوقوهم من كل مكان كان حجم النيران مذهلا ومثيرا لرعب الإسرائيليين، وكذلك بسالة وجرأة المشاة المصريين في مواجهة الدبابات الإسرائيلية المواجهة لهم.

وقد أدى قرار إسرائيل القاضي بعدم تعلية التلال التي اقيمت في سيناء إلى تفاقم الوضع، فقد هيمنت الدبابات وصواريخ «ساجر» والمدفعية المضادة للدبابات الموجودة فوق التلال المصرية الاعلى على التحصينات الإسرائيلية وايضا على منطقة شاسعة تصل إلى ميلين داخل سيناء، وكان لفرق الـ «آر.بي.جي» المصرية المختبئة بخنادق في كل مكان حول القوات الإسرائيلية دور كبير في تقويض الخطة الإسرائيلية بتحيير مسألة ارتفاع التلال من خلال اطلاق نار من مسافات بعيدة من ملاجيء بالحواجز الرملية على بعد ميل من القناة.

المد الكاسح

 

أما بالنسبة للسلاح الجوي الإسرائيلي الذي علق عليه اليعازر كل آماله، فلم يتمكن من وقف المد المصري الكاسح وبسبب صواريخ سام، لم تتمكن الطائرات من التحليق فوق ساحة المعارك، وقد نفذت الطائرات الإسرائيلية 120 طلعة فوق الجبهة المصرية هذا اليوم، وسقطت منها اربع طائرات لكن بقية الطائرات لم تحقق اي نجاح في مهماتها كان المشاه المصريون عرضة لنيران المدفعية، لكن الإسرائيليين لم يكن لديهم سوى 50 قطعة مدفعية على طول خط الجبهة البالغ مئة ميل.

وكانت هذه القطع تحت نيران مضادة كثيفة، كما لم تكن التحصينات تمثل اي حاجز لاحباط اي هجوم، وكان من السهل على المصريين استغلال المساحات الخالية بينها وتنفيذ العبور ببراعة يقول المؤلف ان مهمة الدفاع عن جبهة القناة اوكلت بعد ظهر عيد الغفران إلى الكولونيل ريشيف الذي كانت تحت قيادته 91 دبابة تشكل اللواء المتقدم لفرقة سيناء التي يتولى قيادتها الجنرال ميندلر وذلك بالاضافة إلى 450 جنديا في التحصينات الستة عشر على طول خط بارليف.

كانت التحصينات الشمالية الاربعة على القناة مبنية على طول طريق بين القناة نفسها وبحيرة تغطي معظم القطاع وكان هناك تحصين في اقصى الشمال يطلق عليه اسم «اوركال» ونظرا لبعده عن الجبهة فقد تمركز فيه عدد من الدبابات طوال الوقت وعندما نشبت الحرب كانت لدى «أوركال» ثلاث دبابات تم ارسال اثنتين منها إلى التحصينات الأخرى عبر طريق يمر من خلال البحيرة إلا ان الدبابتين تعرضتا لكمين وتم تدميرهما.

كما تعرضت دبابات إسرائيلية أخرى لنيران الـ «آر.بي.جي» أو لصواريخ «ساجر«، كما تعطلت دبابات أخرى نتيجة لمرورها فوق ألغام مضادة للدبابات زرعها المصريون، بينما تعطلت دبابات عديدة بعد ان دخلت منطقة مستنقعات عميقة.وعند اقتراب غروب الشمس صدرت الأوامر إلى قائد كتيبة الدبابات اللفتنانت كولونيل توف تامير بارسال دبابات إلى حصن يطلق عليه اسم «لاتزانت» الذي انقطعت الاتصالات به.

كان قائد الحصن، ويدعى مولى مالهو قد قتل وأرسل تامير كل ما تبقى لديه من دبابات مع جنود مشاه، إلا ان هذه القوة تعرضت هي الأخرى لكمين لم يكن قد مضى على الحرب سوى أربع ساعات ليجد تامير ان كتيبته قد أبيدت بالكامل تقريبا.يقول المؤلف إن حظ الكتيبتين الأخريين على خط المواجهة كان أفضل، ولكن ليس أفضل كثيرا ففي القطاع الأوسط، حيث كانت تعبر معظم قوات الجيش المصري الثاني، أفادت التقارير ان مجموعة من المشاه المصريين تم رصدهم على بعد ثلاثة أميال شرقي القناة متجهين نحو طريق المدفعية، وتمكنت مجموعة إسرائيلية من وقف تقدمهم.

وفي القطاع الجنوبي حيث تعبر وحدات الجيش الثالث أوقف اللفتنانت ساندروف سرية دباباته على بعد 600 ياردة من حصن «مافزيه»، وراح يمسح بعينيه المنطقة، لم تكن هناك أية قوات مصرية في المكان، ولم تلح أية اشارة لوجود نشاط على التل المصري المواجه وعندما بدأت السرية تقدمها مرة أخرى، ظهر المصريون حاملين قذائف الـ «آر.بي.جي» من وراء التل الرملي ليشعلوا النار في الدبابة بالمقدمة.

وفي الوقت نفسه أطلقت صواريخ «ساجر» من فوق التل المصري وانطلقت قذائف المدفعية حاولت دبابة الاقتراب لانقاذ الدبابة المحترقة، لكنها أصيبت بصاروخ «ساجر» عاد السائق بدبابته وقد قتل ثلاثة من أفراد دبابته وأصيب ساندروف بشظية في عينه، وتراجع وهو يطالب نائبه غور بأن يقوم بمسح المنطقة الواقعة جنوب الحصن بنصف الدبابات، بينما اتجه ساندروف نفسه نحو الشمال بالنصف الآخر.

عندما مر غور بالقرب من حاجز إسرائيل ظهر جندي مصري وأطلق قذيفة «آر.بي.جي» لكنها لم تصب الدبابة التي تقهقرت مسرعة، وعندما لحق بقوة ساندروف سبقه صاروخ منطلق من فوق تل مصري ليصيب دبابة قائد السرية اندفع غور نحو الدبابة ليجد ساندروف ومساعده وقد لقيا مصرعيهما كما وجد غور دبابة اخرى على بعد 50 ياردة مصابة وعندما اقترب من قائدها وجده قد قتل.
ويقول المؤلف ان العديد من الدبابات الإسرائيلية دمرها المصريون اما بصواريخ «اجر» أو بقذائف الـ «آر.بي.جي» أو بمرورها فوق ألغام مضادة للدبابات وقبل غروب الشمس بنحو نصف ساعة تأكد الإسرائيليون على طول خط المواجهة من ان المصريين لا يهاجمون بقوة وشراسة فقط، بل انهم يعتزمون نشر قوات داخل سيناء.

وقد تأكدوا من ذلك عندما رأوا أجزاء من جسر يتم تجميعها في مياه القناة بالقرب من حصن «بركان» حاولت مجموعة دبابات مهاجمة الجسر، إلا انها تعرضت لنيران الـ «آر.بي.جي» و«ساجر» وأصيب العديد منها، وصدرت الأوامر بانسحاب ما تبقى منها بعد تعرض أعداد كبيرة من الدبابات للتدمير، أدرك قادة سلاح المدرعات الإسرائيلي وجنوده انهم يواجهون نقلة نوعية في طبيعة المعارك، وان هناك شيئا ثوريا يحدث لا يستطيعون التصدي له، شيئا يماثل ظهور المدفع الرشاش واختفاء سلاح الفرسان فالدبابات التي ظلت لأكثر من نصف قرن السلاح الذي يحسم نتيجة أي معركة، أصبحت الآن صيداً سهلاً، بل اصبح بإمكان جندي مشاة عادي ان يدمرها بسهولة.


تحييد الطيران الإسرائيلي

يقول مؤلف الكتاب انه مع الغاء الضربة الوقائية، لم يقم سلاح الطيران الإسرائيلي بأي نشاط يذكر خلال اليوم الاول من القتال وتركز دوره في حماية الاجواء الإسرائيلية وبعد ان امضى الميكانيكيون ساعات منذ الصباح في تجهيز الطائرات بالقنابل لشن هجوم على منصات الصواريخ السورية ثم على القواعد الجوية السورية، فقد اصبح يتعين عليهم الآن تفريغ الطائرات من حمولاتها واعدادها مرة اخرى للمعارك الجوية.

وقد صدرت الأوامر لبعض الطيارين بالاقلاع وتفريغ حمولاتهم في البحر حتى يتمكنوا من القيام بسرعة بطلعات جوية. وقد قال بيليد، قائد السلاح الجوي الإسرائيلي، أمام لجنة تحقيق بعد انتهاء الحرب، إن اجراءات روتينية افقدتنا فرصة لتوجيه ضربة كبيرة، فقد حصل جهاز المخابرات العسكرية «أمان» على صور جوية حيوية التقطتها طائرات استطلاع لتحركات القوات المصرية قبل الحرب.

إلا انه لم يحصل على تكبير لهذه الصور إلا بعد اسبوعين. وتظهر الصور لواءات مصرية مدرعة مصطفة بأعداد هائلة بانتظار التحرك نحو الجسور على القناة. وقال لو علم سلاح الطيران الإسرائيلي بهذه الاهداف الثابتة لكان قد الحق ضربة مدمرة بالقوات المصرية.

لم تتمكن القيادة الإسرائيلية من استيعاب الطابع الهائل للهجوم المصري، ولم تتمكن من استيعاب ما يحدث من تدمير شامل لقواتها على امتداد خط القناة. وقد نجح المصريون ببراعة في تحويل خطتهم الهجومية ـ التي تتلخص في عبور القناة ـ إلى معركة دفاعية. وكانت الدبابات الإسرائيلية فريسة سهلة لجنود المشاة المصريين. فقد حاولت الدبابات اقتحام الوحدات المصرية، إلا انها كانت دائماً تتعرض لكمائن من المصريين الذين كانوا يتوقعون منها القيام بهذه المحاولات.

لقد انقلب السحر على الساحر. وادت الأسلحة والتكتيكات المصرية الجديدة إلى تحطيم مفهوم صدمة المدرعات الذي تبنته القيادة الإسرائيلية.وأصبح الموقف خلال الساعات الأولى من الحرب هو صدمة المدرعات الإسرائيلية على ايدي المشاة المصريين. لقد ادى الهجوم المصري المفاجئ إلى إصابة القيادات الإسرائيلية بالشلل، والى إصابة العديد من ضباط جبهة سيناء بصدمة نفسية، لم يتمكنوا من الخروج منها إلا بعد مرور عدة أيام على الحرب، وذلك على حد قول احد كبار الضباط امام لجنة التحقيق الإسرائيلية في هزيمة حرب أكتوبر.

وفي ظل الخسائر الهائلة لسلاح المدرعات الإسرائيلي، أصدر اليعازر في الساعة 30,6 مساء يوم السبت أوامره إلى جونين بإخلاء كل التحصينات على ضفة القناة باستثناء تلك التي تقف في طريق التقدم المصري، أو التي يمكن استخدامها كمراكز مراقبة. كان جونين يتولى قيادة العمليات من مقر المؤخرة على بعد 150 ميلاً من الجبهة، لم يكن يدرك ان العبور المصري يجري على طول خط القناة. وعند منتصف الليل، طلب جونين من اليعازر السماح له بشن هجوم على موقع مصري يقع على بعد نصف ميل شمال حصن «أوركال»

لم يكن جونين يدرك حقيقة ان الطريق المؤدي إلى «أوركال» قد تحول إلى مصيدة موت وقد تم تدمير كل دبابة ذهبت إلى هناك. ولذلك لم يمنح اليعازر تصريحاً لجونين لتنفيذ خطته.وفي الساعة 30,1 من صباح يوم الاحد، وبعد تدمير معظم دبابات فرقة سيناء، التي يقودها الجنرال البرت ميندلر، في الوقت الذي لم تتعرض فيه القوات المصرية لأية اصابات، اعلن جونين ان العبور المصري قد فشل نظرا لانهم لم ينقلوا المدرعات إلى الضفة الشرقية من القناة. ولكن في الواقع فإن عدة مئات من الدبابات المصرية كانت قد عبرت بالفعل القناة، على الرغم من انها لن تدخل ساحة العمليات حتى الصباح.

 

أوهام القيادة الإسرائيلية

في هذا الصدد كتب الجنرال أفرام أدان قائد سلاح المدرعات فيما بعد يقول: «ان جونين كان يتوصل إلى استنتاجات من دون ان يتشاور مع ضباطه في عملية تقويم الموقف. لقد كان يعتمد على حدسه وعلى تجاربه السابقة مع المصريين، الذين كان يكن لهم العداء والكراهية الشخصية. كما كان مساعدوه يخشون تقديم أية تقارير له خوفاً من ردود أفعاله. ولم يتوجه جونين إلى مقر المقدمة عند أم حصيبة على بعد 30 ميلاً من القناة إلا بحلول الساعة الثانية من صباح يوم الأحد، أي بعد مرور 12 ساعة من بدء الحرب».

لم يشارك ميندلر قائد فرقة سيناء الجنرال جونين في أوهامه لكنه لم يتمكن من التوصل إلى الاستنتاجات الضرورية انطلاقاً من الصورة المرسومة أمامه. فقد جلس في مقره هادئاً، وقد تركزت عيناه على خريطة كبيرة معلقة على الجدار يقوم ضباطه بتطوير التغيرات التي تطرأ عليها بين لحظة وأخرى وبعد أن اصدر اوامره لقادة لواءات الفرقة، وهي أوامر للدفاع أساساً عن خط القناة، لم يصدر بعد ذلك اية تعليمات اخرى، ونادراً ما كان يتحدث عبر شبكة اللاسلكي. وكان ما قاله للجنرال شومرون: «افعل ما في وسعك أن تفعله» هو آخر التعليمات التي تلقاها قائد اللواء في هذا اليوم.

كانت ترتسم على وجه ميندلر ابتسامة مريرة وهو يتطلع إلى الدوائر والأسهم الحمراء التي رسمها مساعدوه على الخريطة والتي تشير إلى توسيع نطاق رؤوس الجسور المصرية وذوبان الوحدات الإسرائيلية. كان ميندلر يختفي لفترات داخل مكتبه، حتى موعد اجتماع كبار ضباط الفرقة. لم تكن لديه صلاحية اصدار أوامر اخلاء التحصينات، لكنه لم يطلب هذه الصلاحية عن القيادة العليا.

ولم تفهم الوحدات الموجودة في التحصينات على طول خط بارليف سبب مطالبتها بالبقاء في هذه التحصينات في الوقت الذي اصبح الموقف ميئوساً منه. وبدا واضحاً لهم ان التحصينات اصبحت بمثابة شراك يتعين الهروب منها، وليست نقاطاً مهمة يتعين الدفاع عنها. لكن جونين كان يعتزم استعادة شريط المياه وعبور القناة ولم يكن راغباً في التخلي عن النقاط الواقعة تحت سيطرته.

وقد اثبت قرار عدم اجلاء التحصينات انه تحول إلى كارثة على التحصينات وعلى الدبابات التي حاولت حمايتها وفي بعض التحصينات تم القضاء على معظم الجنود، ولم يتبق سوى افراد الخدمة، وليس أفراداً مقاتلين. وقد ناشدوا افراد الدبابات الذين وصلوا إليهم ان يخرجوهم من هذه المقابر، وتم نقل طلبهم إلى القيادة، لكن الرد كان سلبياً.

وأعطى الظلام غطاء لصائدي الدبابات المصريين الذين كانوا يغطون كل الطرق المؤدية إلى

التحصينات وتمكن هؤلاء من تدمير عشرات الدبابات أو تعطيلها وإصابة كل أفرادها ...

 


 

الحلقة السادسة


استنزاف سوري للدفاعات الاسرائيلية و التخبط يسود الجهود الإسرائيلية لاستدعاء 200 ألف جندي احتياطي

 
يقول المؤلف ابراهام رابينوفيتش انه في الوقت الذي تواصلت المعارك خلال الليل على طول القناة، أصدر القائد البحري الاسرائيلي زيف المونج أوامره للزوارق بالقيام بدوريات عند شرم الشيخ

توقعا لمحاولات مصرية لانزال امدادات وتعزيزات لرجال الصاعقة الذين يتم نقلهم بطائرات الهليكوبتر عبر خليج السويس وفي الساعة العاشرة مساء التقط زورقا دورية اشارات عبر الرادار رصدت عشرات الزوارق المصرية الصغيرة تقترب من خليج السويس لكن الزوارق المطاطية المصرية وعلى متنها العشرات من رجال الصاعقة نجحت في الاختفاء بمنطقة تنتشر بها سلسلة من الصخور، حيث لم تتمكن الزوارق الاسرائيلية من دخولها.وكانت طلعات طائرات الميج المصرية خلال الساعات الأولى من الحرب قد نجحت في قطع الاتصالات اللاسلكية بين المونج وزورقي الدورية عند الحافة الشمالية لخليج السويس.

 

وفي الساعة العاشرة مساء ذهل قائد الدورية عندما تلقى اتصالا مباشرا من قائد سلاح البحرية الاسرائيلي الادميرال بنيامين تيليم من غرفة عمليات البحرية في تل أبيب ليحذره من أن هناك استعدادات مصرية لنقل عناصر من الصاعقة الى شواطئ سيناء على متن قوارب صيد. ووقعت معركة بين الاسرائيليين والمصريين وانتهت بخسائر بين الجانبين، وفقد الاسرائيليون نصف قوتهم. في ذلك الوقت، تعرضت التحصينات الاسرائيلية لهجمات مصرية عنيفة، وخسرت عددا كبيرا من افراد حاميتها ومدرعاتها.

وفي ظل هذه الأوضاع تلقى ميندلر تصريحا من جونين باخلاء الحصون لكن الوقت كان متأخرا جدا فقد كان العشرات من جنود المشاه المصريين يحاصرون التحصينات من كل الاتجاهات.

نصر صريح

مع حلول ليل السادس من اكتوبر اصبح واضحا ان المصريين قد حققوا نصرا صريحا في المعركة، واجتازوا بأعداد هائلة خط بارليف بأقل خسائر. وكان ذلك نتيجة للتقصير الكبير واهمال التحصينات على طول خط بارليف وعدم وجود القوات الكافية لصد هجوم شامل. الا انه في هذا الصدد يعترف كبار الضباط الاسرائيليين بأنه حتى لو تم تعزيز التحصينات وزيادة عدد القوات، فان ذلك ما كان ليوقف الهجوم المصري.

 

ويرى المحللون أن كل افتراض من جانب القيادة الاسرائيلية بشأن طبيعة الحرب المقبلة ثبت أنه افتراض خاطئ، فقد افترضت ان جهاز المخابرات العسكرية «امان» سوف يزودها بانذار قبل نشوب الحرب بفترة، ولم يحدث ذلك، وافترضت ان السلاح الجوي سينقذها في الوقت المناسب، ولم يحدث ذلك أيضا، وافترضت انه بأعداد محدودة من المدفعية والمشاة فان «صدمة المدرعات» سوف تتمكن من وقف الهجوم، ولكن في الحقيقة انقلبت الاوضاع وسيطر المشاة المصريون بنيران «الار بي جيه» وصواريخ «ساجر» على مساحة القتال، وتعرض الاسرائيليون لصدمة فعلية مع سقوط الدبابات بالعشرات.

وتراخت كل القيادات الاسرائيلية في أعقاب حرب يونيو 1967 وتزايدت ثقتها في قوتها، وفسر أحد الضباط ذلك قائلا: «كنا نقول لأنفسنا اننا نواجه مقاتلين عرباً وليسوا من الألمان» كما فشلت هيئة الاركان الاسرائيلية في وضع خطط للتصدي للاعداد الهائلة من الاسلحة المضادة للدبابات الموجودة لدى المشاة المصريين، وهي الاعداد التي كانت القيادة الاسرائيلية على علم بها.

 

 

ومن بين كل الاخطاء القاتلة التي ارتكبتها القيادة الاسرائيلية خلال الاستعدادات للحرب، فإن الاعتماد على الدعم الجوي كان الخطأ الأكبر فقد عرف الاسرائيليون ان صواريخ سام تشكل تهديداً خطيراً بالنسبة لأي طلعات جوية، الا ان اليعارز وجنرالاته تركوا أنفسهم للاعتقاد بأن السلاح الجوي الذي تفوق خلال حرب يونيو سوف يتمكن بطريقة ما من التعامل مع صواريخ سام، عندما يصبح هذا التعامل ضرورياً وأدى هذا الاعتماد الى نشر أعداد قليلة من قطع المدفعية في سيناء.

وفي ظل عدم وجود ما يكفي من قطع المدفعية واختفاء الدعم الجوي، افتقر الجيش الاسرائيلي لقوة النيران بشكل أكبر من افتقاره للقوة البشرية. وأثبت المصريون انهم كانوا حريصين على توفير القوتين كليهما بشكل كبير.

 

 

وبالنسبة لجهاز المخابرات العسكرية الاسرائيلية «أمان» فإن فشله كان أكبر من الفشل في التحذير باقتراب الحرب فالجهاز لم يؤد دوره في إعداد الجيش الاسرائيلي لنوعية الحرب المقبلة وطبيعتها كما فشلت في التحذير من التكتيكات المبتكرة التي سيوظفها الجيش المصري، كما لم تدرك قوة الدافع والتدريب والتجهيز، وكلها عوامل جعلت الجندي المصري مختلفاً في حرب 1973 عن ذلك الجندي الذي واجهه الاسرائيليون في يونيو 1967. والعامل المشترك لكل ذلك هو التراخي والتكاسل في التفكير والحركة.

يوضح المؤلف أن الهجوم العربي المفاجيء أصاب اسرائيل بصدمة نفسية ألقت بظلال كئيبة على القيادة العسكرية الاسرائيلية التي انتهجت أسلوب الحذر خلال بقية الحرب ولكن لابد هنا من القول ان الاستعدادات بالضعيفة هي المسئولة عن الهزيمة في «عيد الغفران» وليس عنصر المفاجأة في شن الهجوم فحتى لو لم تكن هناك أي مفاجأة في موعد الحرب، فإن الجيش الاسرائيلي لم يكن مستعداً لمواجهة التكتيكات المصرية الجديدة المضادة للدبابات، كما ان السلاح الجوي لم يكن ليصبح سلاح دعم للقوات البرية نظراً لامتلاك المصريين لصواريخ سام المتطورة.

 

كما ينبغي القول إن الجيش الاسرائيلي كان يضم قيادات شاخت، ولم يعد بمقدورها وضع سيناريوهات متعددة، لكنها ظلت حبيسة أفكار قديمة عن الجيشين المصري والسوري، والأخطر من ذلك ان هذه القيادات كانت تصدر أوامر خاطئة إلى الوحدات، وبعض هذه الأوامر كان تأثيرها كارثياً، كما هي الحال في عدم اصدار قرار باخلاء تحصينات خط بارليف في اليوم الأول، الأمر الذي حوّل هذه التحصينات الى مقابر للجنود الاسرائيليين.وقد تعرضت فرقة سيناء لخسائر فادحة في الأفراد والمعدات، حيث تم تدمير معظم دباباتها.

ارتباك استدعاء الاحتياطي

يشير المؤلف إلى أنه بين عشية وضحاها تحول أكثر من 200 ألف مدني اسرائيلي الى أفراد بالجيش. وعلى الرغم من أن الوحدات العسكرية لم تكن مستعدة لاستقبال هذه الاعداد وتحضيرها وتجهيزها للمشاركة في الحرب. وبالاضافة الى ذلك فإن الدبابات وضعت في المخازن بعد تفكيك أسلحتها، ولاعادتها مرة اخرى لأفراد الاحتياط كان يتعين تجهيزها وتسليحها، كما تم في حالات كثيرة تخصيص دبابات الاحتياط لعمليات التدريب وإعادتها الى ساحة العمليات يتطلب الكثير من العمل.

وكان الجيش الاسرائيلي يفترض انه سيتلقى انذاراً قبل نشوب الحرب بأربع وعشرين ساعة على الأقل، وبالتالي ستتاح له فرصة اصلاح مثل هذه الدبابات وتجهيزها وتسليحها كما ان المستودعات لم تكن مستعدة لاستدعاء كل الاحتياط في يوم واحد، ومن دون اشعار مسبق وفي بعض الأحيان كان جنود الاحتياط يبحثون عن دباباتهم في العديد من القواعد، او يبحثون عن بدائل لها واضطر أحد اللواءات الى البحث عن دباباته في ست قواعد مختلفة.

ولم تتوفر بعض الملحقات المهمة التي يتعين ان تكون مع الأفراد، مثل المناظير والكشافات والخوذات والأخطر من ذلك أن لواءات بكاملها اضطرت للتوجه الى الجبهة من دون مدافع رشاشة وهي التي قد تكون أكثر أهمية من مدافع الدبابات، خاصة في المواجهات مع جنود المشاة المصريين.

 

كانت الأخبار الواردة من الجبهة قليلة، لكن الجميع كان يدرك ان القوات المحدودة تخوض معارك يائسة توجه احد الجنرالات المتقاعدين، ويدعى يشاياهو جافيش، الى مقره القديم في بير سبع بعد ظهر «عيد الغفران» ليرى ما اذا كان القائد الحالي الجنرال جونين، سيحتاج الى خدماته ووجده في مكتبه يقلب أوراقه، فسأله: «كيف تسير الأمور؟»، فرد عليه: «على أفضل ما يرام».

دخل جافيش غرفة العمليات ليلتقط شبكة اللاسلكي لمعرفة ما يدور على الجبهة وأصيب بالصدمة لما سمعه وقد تناهت إلى مسامعه صرخات يائسة من ضباط وجنود على الجبهة وبعضهم كان يتساءل «أين السلاح الجوي؟» وآخرون كانوا يطلبون المساعدة، فيما كانت أطقم الدبابات متورطة في معارك شرسة عاد جافيش الى جونين وقال له إن الأمور ليست على ما يرام على الاطلاق فلوّح له جونين بذراعه قائلاً: «إننا نسيطر على الموقف» عندئذ أدرك جافيش أنه ليس لدى جونين ما يقدمه.

يقول المؤلف إن افراد الاحتياطي لم ينضموا الى الجنود المجندين الذين تحملوا عبء الهجوم العربي الكبير، الا بعد يومين من المعارك كان الموقف بالنسبة لأفراد الاحتياطي غير واضح، لكنهم ادركوا ان القتال يدور بشراسة في كل مكان من الجبهة إلا أن الأمر الذي خفف هموم الجنود الاسرائيليين في سيناء هو معرفتهم ان الوضع على جبهة الجولان أسوأ بكثير من الموقف الذي يواجهونه.

 

 

 

 أسرار التقدم السوري

يوضح المؤلف ان القيادة العسكرية الاسرائيلية كانت منقسمة حول الجبهة التي سيتركز عليها الهجوم السوري الرئيسي كان جهاز المخابرات العسكرية «أمان» يعتقد أنه سيكون في الجزء الجنوبي من الجولان، حيث الأرض منبسطة نسبياً، بينما اعتقدت القيادة الشمالية ان الهجوم سيتم شنه من القطاع الشمالي بالقرب من مدينة القنيطرة

وعلى الرغم ان الأرض وعرة إلا أن الهجوم من هذه المنطقة سيؤدي الى تقدم القوات السورية بسرعة نحو قاعدة «نافاخ» الاسرائيلية الرئيسية على الجولان والى جسر «بنات يعقوب» الذي يمثل البوابة الأساسية بين الجولان واسرائيل. بدأ القتال على الجبهة الشمالية بقصف مدفعي كثيف من دون سابق إنذار على عكس الحال في سيناء، حيث تم التقاط رسالة من مركز تابع للأمم المتحدة، عرفت المخابرات الاسرائيلية منها ان المدفعية المصرية على وشك فتح نيرانها            

غطت سحب الدخان كل شيء من مفترق الطرق إلى معسكرات الجيش والنقاط الحصينة ومركز القيادة ومنطقة المستودعات ومركز الاتصالات على الهضبة كان قادة الكتائب التابعة للواء السابع قد وصلوا لتوهم إلى قاعدة «نافاخ» لحضور الاجتماع المقرر عقده في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم السادس من اكتوبر مع الكولونيل بن جال، عندما تعرض المكان لقصف جوي من طائرات ميج سورية ...             

يقول المؤلف ان الهجوم السوري المفاجيء أحدث فراغاً في القيادة الاسرائيلية، التي تصارع عليها

عدد من الجنرالات في ظل غياب الجنرال هوفي عن الجولان لحضور اجتماع في تل أبيب مع الجنرال اليعازر تولى اللفتنانت كولونيل يوري سمحوني ضابط عمليات القيادة الشمالية اصدار الاوامر وكان الأمر الاول الذي أصدره سمحوني واحداً من أهم القرارات التي صدرت خلال الحرب.

فقد ظل المحللون العسكريون يتناقشون لأعوام تلت حول ما إذا كان هذا القرار سليماً أم لا. فبعد نصف ساعة من بدء القصف المدفعي، اصدر سمحوني توجيهاته الى بن جال بإرسال كتيبة دبابات من كتائبه الثلاث الى الجزء الجنوبي من الجولان ونشر الكتيبتين الأخريين شمالي القنيطرة، حتى تساند هذه الكتائب كتيبتي الدبابات التابعتين للواء بن شوهام على خط المواجهة ويقوم هذا القرار في جانب منه على معلومات واردة من الجبهة، فقد ذكرت التقارير ان القطاع الجنوبي يحاول وقف تقدم السوريين، أما القطاع الشمالي فيشهد وضعاً خطيراً، خاصة مع ما توصلت اليه القيادة الشمالية من ان الهجوم السوري الرئيسي سيكون من منطقة القنيطرة.

وقد ارتكب سمحوني خطأً كبيراً، وانتهك واحدا من المباديء الاساسية للحرب بنشر ثلاث كتائب في القطاع الشمالي وكتيبتين في القطاع الجنوبي وعدم ابقاء أية قوة احتياطية في حالة حدوث أي تطور غير موات وعندما توقف قصف المدفعية تقدمت مئات من الدبابات والعربات المدرعة، وعلى متنها جنود المشاة حاملين بنادقهم دارت معارك شرسة بين الجانبين، ونجحت الدبابات السورية في التسلل من منطقة خالية بعيدة عن النقاط الاسرائيلية الحصينة
يقول المؤلف إن الاستراتيجية السورية كانت تتلخص في ارهاق الدفاعات الاسرائيلية المحدودة من خلال الهجوم على جبهة عريضة قدر الامكان واستغلال النقاط الضعيفة بعثت الفرقة التاسعة في وسط الخطوط السورية بقوات ضد القنيطرة في القطاع الشمالي، كما شنت هجوماً في الجنوب.
وعندما تحقق تقدم في الجنوب نقلت الفرقة ثقلها هناك مما زاد الضغط على القوات الاسرائيلية بالجنوب وفي الساعة التاسعة مساء نفدت ذخيرة الاسرائيليين بعد معارك دبابات شرسة، قتل فيها العديد من الضباط والجنود الاسرائيليين وتمكن السوريون من تجاوز خط وقف اطلاق النار واحراز تقدم على جبهة الجولان.

كان الاسرائيليون قد أقاموا فوق قمة جبل الشيخ مركزاً استخباريا ومحطة انذار مبكر. وتم بناء نقطة محصنة كبيرة فوق الجبل معظم مبانيها تحت الارض. وكانت الاجهزة الاليكترونية للمحطة ترصد التحركات السورية على طول الجبهة.

وفي يوم 6 اكتوبر كان هناك 55 رجلاً داخل مركز جبل الشيخ، معظمهم من افراد الجيش والسلاح الجوي والمخابرات وبعض الفنيين كان المركز يمر بمراحله الاخيرة لعملية اعادة بناء مكثفة، ويتكون افراد أمنه من عشرة جنود مشاة من لواء جولاني، ثلاثة منهم تم الحاقهم بمركز مراقبة يبعد ميلاً واحداً عن المبنى الرئيسي وترك هذه المنشأة ذات القيمة الكبيرة بدون تأمينها بقوة أكبر يعكس سلسلة الاخطاء التي ارتكبتها القيادة الاسرائيلية، ومن بينها الاعتقاد ان السوريين لن يستطيعوا مهاجمته.

وفي الواقع فإن السوريين وضعوا مركز جبل الشيخ الاسرائيلي على قمة قائمة اهدافهم. وتلقى المقدم احمد رفاعي الجوجو قائد احدى سرايا الكتيبة الثانية والثمانين التي تعد افضل الوحدات المقاتلة في الجيش السوري، التعليمات الاخيرة حول مهمته صباح يوم السبت حيث ستقوم طائرات هليكوبتر بانزالهم على بعد نصف ميل من المركز الاسرائيلي وسيتخذ رجاله مواقع لهم حول المركز والطريق المؤدي اليه من هضبة الجولان.

وسوف يسير بقية أفراد الكتيبة التي تضم نحو مئتي جندي، على اقدامهم من الجانب السوري. وسوف تهاجم هذه القوة الموقع، فيما سيقدم لهم رجال الجوجو الحماية اللازمة. غادرت اربع طائرات هليكوبتر سورية في الساعة الثانية بعد الظهر أي في لحظة اندلاع الحرب، واتجهت نحو الموقع الاسرائيلي. ويزعم مؤلف الكتاب ان احدى طائرات الهليكوبتر تحطمت بينما وصلت الطائرات الثلاث بسلام، وقفز الرجال منها، وهي تقترب من الارض وبحلول الساعة 2.45 بعد الظهر وصلت بقية الكتيبة الى الموقع.
وفي ظل عدم وجود اية خنادق او مواقع لاطلاق النار لم يتمكن الاسرائيليون سوى من اطلاق النار من المداخل الضيقة للمركز. وبعد تبادل لاطلاق النار استمر 45 دقيقة انسحب ما تبقى من الاسرائيليين الى داخل المبنى وأغلقوا الباب الحديدي. وبحلول الساعة الخامسة مساء تمكن السوريون من اقتحام المبنى بعد ان ألقوا القنابل اليدوية وقنابل الدخان.

تمكن 11 اسرائيلياً من الفرار ولكن تمكن السوريون من قتل 13 اسرائيلياً وأسر 31 منهم أربعة ظلوا مختبئين في سرادب تحت الارض لمدة سبعة ايام. بعد ذلك وصل الخبراء السوفييت وقاموا بتفكيك المعدات الالكترونية الموجودة داخل المركز، كما قام السوريون باستجواب الاسرى من افراد المخابرات الاسرائيلية وحصلوا منهم على معلومات مهمة للغاية كان سقوط هذا المركز من الامور المهينة التي تعرضت لها اسرائيل خلال حرب اكتوبر.

وعودة الى جبهة القتال صعد السوريون من هجومهم وقبل حلول الظلام تم دفع لواءين سوريين باتجاه القطاع الشمالي، بينما اتجهت اربعة ألوية للقطاع الجنوبي. خسرت كتيبة اسرائيلية واحدة 12 دبابة خلال القتال الذي دار عصراً، وهو ما يعادل ثلث قوتها. كما قتل خلال القتال ثلاثة من قادة السرايا، بينما اصيب الميجدر ابسكاروف، نائب قائد الكتيبة.

عندما هبط الظلام بدأ السوريون في تعزيز هجومهم وطلب قائد القطاع الجنوبي الاسرائيلي دعماً جويا ومساندة المدفعية ولكن من دون جدوى. اما في القطاع الشمالي فقد خسرت كتيبة واحدة سبعة من دباباتها الثلاث والثلاثين.كان الاسرائيليون يعتقدون ان العرب لا يميلون الى القتال الليلي ولذلك لم تهتم القيادة الاسرائيلية بالأجهزة التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء الموجودة لدى الجيش السوري.

ولكن في هذه الليلة هاجمت الدبابات السورية مستخدمة اجهزة الاشعة تحت الحمراء وكان بمقدور سائقي الدبابات السورية الانطلاق باستخدام لاشعة تحت الحمراء التي تضييء الطريق وباستخدام ادوات تسليط ضوء بالأشعة تحت الحمراء تضييء الاهداف امام رجال المدفعية من دون ان يدرك الاسرائيليون انهم في بؤرة الضوء يقول المؤلف انه في هذه الليلة هاجمت الدبابات السورية بضراوة ونجحت في التقدم داخل هضبة الجولان والسيطرة على مواقع مهمة.

ومع استمرار الهجوم قال اللفتنانت كولونيل ديني اجمون، ضابط المخابرات الملحق بالقوات الاسرائيلية بالجبهة الشمالية، انه يبدو ان السوريين يحاولون استعادة الهضبة كلها وليس مجرد مستوطنة او نقطة حصينة واذا كانوا يحاولون ذلك، فانهم سيسعون الى الاستيلاء على جسر «بنات يعقوب».تشكك هوفي قائد القوات الشمالية في ذلك، لكنه امر بتحذير وحدة هندسية بالقرب من الجسر من احتمال تعرض الجسر لهجوم سوري.

وعلى امتداد ساعات بعد حلول الليل نفت القيادة الشمالية تقارير بحدوث اختراقات سورية للقطاع الجنوبي وتقوم هذه التقارير على اساس افادات لوحدات الدبابات بأن السوريين لم يشنوا اي هجوم عليهم، الا ان الحقيقة هي ان السوريين كانوا يتسللون بكثافة بين النقاط الحصينة، ونظرا لقلة اجهزة الرؤية الليلية المتوافرة لدى القوات الاسرائيلية لم يدرك احد ما يدور خلف الجبهة مباشرة، وعندما سمع ضابط لاسلكي اسرائيلي صوت قائد لعداء سوري يبلغ قيادته انه وصل بقواته الى الحوشنة فوق الجولان، سارعت القيادة الشمالية بالكولونيا اسحق بن شوهام قائد اللواد 188 لتتأكد منه من صحة ذلك.
رد شوهام قائا انه لابد وان يكون القائد السوري قد اختلط عليه الامر، خاصة وانه قد مر بالقرب من الحوشنة قبل فترة قليلة. الا ان قائد النقاط الحصينة الجنوبية تلقى تقارير من رجاله تفيد بعكس ذلك، بل انها تشير الى ان الدبابات السورية اصبحت في الجانب الاسرائيلي من الخط القريب من النقطة 116 الحصينة، وانها تندفع جنوبا باتجاه مستوطنة رامات ماجشميم، كما علم قائد النقطة 111 الحصينة ان الدبابات السورية اخترقت الخط هناك، بينما تحدث تقرير آخر عن اختراق سوري بين النقطتين 115 و116 عندما وصلت كل هذه التقارير الى بنى شوهام رفض تصديقها.

 

انهيار القطاع الجنوبي

يقول مؤلف الكتاب ان انهيار القطاع الجنوبي بخط المواجهة بين السوريين والاسرائيليين يرجع في جانب منه الى الطبيعة الجغرافية المنبسطة نسبيا للمنطقة مما جعل مهمة اختراق الدبابات السورية لها مهمة سهلة، وفي جانب آخر الى عدم وجود دبابات اسرائيلية كافية للدفاع عن هذا القطاع، بالمقارنة مع القطاع الشمالي.

لكن المؤلف يعود ويعترف بان عدم ترابط الخطوط بالقيادة الشمالية الاسرائيلية كان له دور مهم في انهيار القطاع الجنوبي، ففي القطاع الشمالي، كان قائد القطاع بن جال متمركزا خلف خطوط الجبهة مباشرة، بينما كان بن شوهام يدير المعركة خلال الساعات الاولى الحرجة من بدء الحرب من غرفة محصنة تحت الارض في «نافاخ»، وكانت هذه الغرفة مكانا مناسبا في بداية الامر، عندما كان يتولى قيادة كل القوات في الجولان اثناء وجود هوفي في تل ابيب.

ولكن عندما عاد هوفي في الساعة 30,4 مساء ظل شوهام في «نافاخ» ساعتين أخريين، ولم يتمكن بعد ذلك من الوصول الى الجبهة نتيجة للقصف المدفعي، لكنه كان على اتصال لاسلكي بوحداته الا انه لم يتمكن من قراءة سير المعارك وهو بعيد عنها. ومع نفيه للتقارير التي تؤكد حدوث هجوم سوري مكثف، فقد فشل بن شوهام في متابعة التطورات الرئيسية في قطاعه.


وفي القطاع الشمالي، وصل لواء ميكانيكي سوري الى مستوطنة رامات ماجشيميم. ولم تكن هناك اية عقبات توقف تقدم اللواء الى الجنوب لمسافة 20 ميلا اخرى الى الجانب الاسرائيلي من وادي الاردن، كما كان بامكان السوريين التقدم غربا لمسافة عشرة اميال اخرى، لكن هذه لم تكن السيناريوهات التي رسمها السوريون، فقد كان هدفهم الاساسي هو القاعدة الاسرائيلية الكبرى في «نافاخ» وجسر «بنات يعقوب». كانت الخطة السورية تقضي بالتقدم حتى الوصول الى جنوب الجولان ثم التحول شمالا، وان يقوم اللواء 51، الذي يضم مئة دبابة، بالتقدم الى ان يصل الى الحوشنية ثم الاتجاه شمالا نحو «نافاخ».

كما سيقوم اللواء 43 بهجوم مواز ليصل الى طريق ريشيت، الذي لم تكن تحرسه سوى سبع دبابات اسرائيلية، اما طريق التابلاين الذي ستمر منه الدبابات السورية فلا توجد به اية دبابات اسرائيلية على الإطلاق.لم يدرك هوفي مدى اتساع نطاق الهجوم السوري سوى مع حلول منتصف الليل فقد تمكنت 300 دبابة سورية من التقدم داخل القطاع الجنوبي من الجولان، ولا توجد بالقطاع سوى نحو ثلاثين دبابة اسرائيلية بدون ما يكفي من الذخيرة والوقود بعد عشر ساعات من القتال المستمر، ولن تصل قوات كبيرة من الاحتياط قبل بعد ظهر اليوم التالي.

نقل هوفي مخاوفه الى اليعازر فيما يتعلق بتعذر صد الهجوم، كان هوفي داخل غرفة حصينة في قاعدة «نافاخ» حيث ساد الذعر بين جميع العسكريين بمختلف رتبهم، ومع تزايد الحصار السوري للقاعدة نصح كبار الضباط هوفي بسرعة مغادرتها قبل سقوطها وسلم هوفي قيادة الجولان الى الجنرال ايتان، وفر هاربا على متن سيارة جيب الى اسرائيل...

 


 

الحلقة السابعة

عندما فكرت مائير في الانتحار وتدمير 50 دبابة إسرائيلية في يوم واحد وسط قرارات متخبطة

يوضح المؤلف ابراهام رابينوفيتش أن اليعازر أبلغ مجلس الوزراء الاسرائيلي ليلة السبت السادس من اكتوبر بأن الامور سيئة والتقارير الواردة من الجبهتين المصرية والسورية لا تدعو إلى الارتياح

وقال: «نحن نحاول تلمس طريقنا وسط ضباب الحرب».كان يتعين على رئيس هيئة الاركان الاسرائيلية ان يقرر قبل حلول الفجر اي جبهة في حاجة أكثر للسلاح الجوي ولفرقة مدرعة من الاحتياط بقيادة الجنرال موش بيلير.

افادت تطورات الحرب، خلال الجزء الأول من الليل، ان الهجوم السوري خف قليلاً، بينما يتقدم الهجوم المصري بايقاع سريع، فقرر اليعازر اعطاء الاولوية للجبهة مع مصر. كما اصدر اوامره إلى هوفي باخلاء النقاط الحصينة المعرضة للخطر والاستعداد للانسحاب إلى خط بالقرب من حافة هضبة الجولان.
حاول اليعازر تهدئة الوزراء، الذين كان بعضهم على وشك الانهيار العصبي، فقال لهم: «هذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها الجيش الاسرائيلي معارك دفاعية» كما حاول ديان ان يكون متفائلاً، مشيراً إلى أن قوات الاحتياط سوف تبدأ في الوصول إلى ساحات المعارك غداً، لكنه لم يتمكن من تجنب الاشارة إلى الخطر الذي يحوم في الافق. وقال انه اذا حققت مصر وسوريا انتصارات كبيرة، فإنه من المحتمل ان ينضم العراق والاردن ولبنان الى الحرب.

يشير المؤلف الى انه حتى في الوقت الذي بدأت وحدات الاحتياطي تصعد هضبة الجولان، كانت القيادة الشمالية تستعد للانسحاب من الجولان بكاملها وفي الساعة 30,4 من فجر الاحد 7 أكتوبر صدرت الاوامر باخلاء قواعد الجيش من أية وثائق مهمة. وبدأت الشاحنات في انزال الذخيرة من مستودع كبير بالقرب من جسر «بنات يعقوب» في الوقت نفسه واصلت المدرعات السورية تقدمها، فيما كانت القوات الاسرائيلية تتقهقر. وقبل الفجر هدأت حدة القتال على طول خط المواجهة، فيما واصلت القوات السورية تدفقها على القطاعات غير المحصنة.

ديان والمعبد الثالث

عندما وصل ديان على متن طائرة هليكوبتر إلى مقر القيادة الشمالية، ابلغه هوفي، بكل وضوح وصراحة، بأنه يتعين اخلاء الجولان. وقال له انه ليس هناك ما يكفي من القوات القادرة على منع السوريين من الاندفاع جنوباً من رامات ماجشميم إلى وادي الأردن.كان الجنرال دان لانر قائد احدى فرق الاحتياطي، متشائماً مثل هوفي، وقال: «ان القتال انتهى في جنوب الجولان، وقد خسرنا المعركة. وليس بمقدورنا القيام بأي شيء لوقف التقدم السوري».

وواجهت هذه الصورة الكئيبة وزير الدفاع الاسرائيلي خلال الأيام التالية. لم يتمكن ديان من الاتصال باليعازر، فاضطر الى الاتصال بقائد السلاح الجوي بيني بيلير في الساعة الخامسة من صباح الأحد، وسأله عن خططه لهذا اليوم. فقال له انه سيشن هجوما على كتائب الصواريخ المصرية.
فطلب منه ديان الغاء هذا الهجوم قائلا انه لا توجد سوى الرمال في سيناء، كما ان قناة السويس تبعد 150 ميلا عن تل أبيب. وأوضح ديان ان الموقف أخطر على جبهة الجولان، وان السلاح الجوي هو الوحيد القادر على وقف تقدم السوريين الى ان تصل قوات الاحتياطي.

وتابع ديان انه اذا لم تشن الطائرات هجوما بحلول الظهر، فإن السوريين سوف يصلون الى وادي الأردن.وهنا يستخدم ديان عبارة لأول مرة وسوف يكررها على مدى الأيام المقبلة وسط استياء كل من يسمعها، فقد قال لبيليد ان «المعبد الثالث في خطر». ويقصد بالمعبد الثالث اسرائيل، وكان المعبد الأول قد بناه سليمان، وهدمه البابليون في 586 قبل الميلاد، بينما بنى المعبد الثاني هيرود، ودمره الرومان في 70 ميلادية.يقول المؤلف ان هذا الأمر أثار دهشة كبار ضباط السلاح الجوي خلال اجتماع عقد في غرفة العمليات.

فقد رأى كبار الضباط ان هذا الهجوم الجوي لن يقدم أي دعم للمعارك على جبهة الجولان، خاصة وأن بطاريات سام ـ 6 السورية في حالة حركة مستمرة ومن الصعب رصد مواقعها. وبالاضافة الى ذلك فليس هناك أي منطق يقف وراء الغاء هجوم كان مقرراً على الجبهة الجنوبية لاحداث الاضطراب في صفوف القوات المسلحة المصرية.

دخل الكولونيل جيورا فورمان رئيس العمليات في مناقشة ساخنة مع بيلير وصلت الى حد تبادل الكلمات. يقول المؤلف ان المنطق ربما يقف في صف كبار الضباط، لكن بيلير كان الرجل الوحيد في الغرفة الذي سمع صوت ديان فجر يوم الاحد. اغلق بعنف باب المناقشة قائلاً: «انني اتفهم وجهات نظركم، ولكن الطائرات في طريقها الآن الى الجولان».

وقبل الظهر اتجهت 60 طائرة فانتوم نحو هضبة الجولان كانت القوات السورية المتقدمة منتشرة الآن على جانبي الخط البنفسجي ـ وهو الاسم الذي يطلق على خط وقف اطلاق النار بسبب لونه على خريطة اسرائيل. وعندما حلقت الطائرات على ارتفاع منخفض فوق رؤوس القوات السورية، انضم المشاة والدبابات على المدافع المضادة للطائرات في عملية اطلاق النار إلى الطائرات.

فارتفعت الطائرات لتحديد مواقع بطاريات الصواريخ، لكن الطيارين اكتشفوا ان كل بطاريات سام ـ 6 قد ذهبت ولم يجدوا سوى بطارية واحدة قاموا بتدميرها، ولكن في المقابل تم اسقاط ست طائرات فانتوم بنيران المدفعية، وليس بصواريخ سام.كانت نتائج اليوم كارثية بالنسبة للسلاح الجوي الاسرائيلي، ولكل الجيش الاسرائيلي جرمته. وفي يوم واحد اهتزت سمعة الجيش كقوة                                                                                                                                                                                                                             عسكرية،كمااهتزت كثيراً ثقة صانعي القرارات في قدراتهم.

يقول الجنرال ديفيد افري خلف بيلير في شهادة امام لجنة التحقيق بعد الحرب انه لو تم تأجيل الهجوم الجوي لمدة ساعتين فقط، لتوفر لنا الوقت لاكمال مهمة التقاط صور جوية لتحديد موقع صواريخ سام ولاعادة طائرات الهليكوبتر الحاملة للمعدات الالكترونية من سيناء لتقوم بالتشويش على هذه الصواريخ.

وكان بيلير قد حذر كبار قياداته قبل يومين من أنهم قد يدخلون في مجال النيران اذا لم يتم تدمير صواريخ سام. وقد حدث ذلك، فقد دخلوا في مجال النيران التي سرعان ما التهمتهم، وذلك على حد تعبير الكاتب. ففي خلال اليومين الاولين من الحرب خسرت اسرائيل 35 طائرة، ولم تصب دفاعات الصواريخ العربية. ولم تتعرض القوات البرية العربية لأي تهديد يذكر من الجو. ولم يحقق سلاح الجو الاسرائيلي أي نجاح يذكر، حتى ان القوات البرية الاسرائيلية التي كانت تتعرض لهجمات وقصف مستمرين كانت تتطلع الى السماء، وتتساءل: «أين السلاح الجوي؟ 

مع حلول فجر يوم الأحد، دارت معركة عنيفة في جنوب الجولان بين المدرعات السورية والاسرائيليين، شاركت فيها طائرات الميغ السورية. وبحلول الظهر تلقى بن جال قائد اللواء السابع بجبهة الجولان تقريرا يفيد بمقتل الكثير من الجنود. وبدأت الصورة تزداد قتامة بالنسبة لقيادات الجيش الاسرائيلي. فقد خسروا معركة جنوب الجولان. وفي سيناء دمر المصريون خط بارليف، وأحرزوا تقدما كبيرا على الأرض. وفي الجو اسقطت صواريخ ساغر أعداداً كبيرة من الطائرات الاسرائيلية بطريقة متكررة وسهلة.

بدأت طائرات سكاي هوك تحلق على ارتفاع منخفض فوق جنوب الجولان على الرغم من امكانية تعرضها لصواريخ ساغر، وذلك في محاولة يائسة لابطاء تقدم الدبابات السورية. ولكن في غضون ثوان اطلقت عليها صواريخ ساغر، فأصابتها جميعا. وبعد دقائق طلعت اربع طائرات اخرى اسقطت صواريخ ساغر اثنتين منها، فتأكد عندئذ الجنود الاسرائيليون ان الخلاص لن يأتي من الجو.

فقد حاولت الطائرات الاسرائيلية الهروب من صواريخ ساغر، الا ان ست طائرات سكاي هوك تم اسقاطها، وهي تحاول وقف هجوم الدبابات السورية، بينما اصيبت 11 طائرة اخرى. وبدا وا ضحا ان الغارات الجوية لوقف التقدم السوري كانت ذات تأثير هامشي.

يقول المؤلف ان القوات الاسرائيلية تعرضت طوال يوم الأحد لهجوم سوري قوي يتجاوز نطاقه اي شيء تخيله الاسرائيليون. وعلى عكس الجبهة المصرية، فان المعارك التي دارت على الجبهة السورية كانت معارك دبابات في مواجهة دبابات. ويقول المؤلف ان المصريين لجأوا الى استخدام صواريخ «ساغر» وقذائف «ار بي جي» بأعداد كبيرة خلال المعارك الاولى في سيناء نظرا لأن الدبابات المصرية لم تتمكن من عبور القناة في الوقت المحدد للتصدي للمدرعات الاسرائيلية.

ومع ذلك لم تتوقع القيادة المصرية ان تفقد اسرائيل ثلثي فرقة مدرعة في نصف يوم فقط، خلال معركة كان ابطالها جنود المشاة وحدهم. ولم يكن السوريون، في المقابل، يعانون من نقص في «الار بي جي» وصواريخ «ساغر»، لكنهم لم يلجأوا لاستخدامها بأعداد كبيرة لأنهم لم يكونوا بحاجة للمشاة، فقد تمكنوا من عبور الحواجز التي تفصلهم عن الخط الاسرائيلي وهذه الحواجز كانت عبارة عن خنادق مضادة للدبابات وحقول ألغام، وواجهوا الدبابات الاسرائيلية بدباباتهم.
في أي موقع تريدني؟

كان الهجوم السوري قويا مما دعا اليعازر الى التحدث مع هوفي عصر يوم الاحد ليحثه على تشكيل خط دفاعي ثاني عند حافة الهضبة، بعد ان استعاد السوريون معظمها.وقال اليعازر انه من المهم الابقاء على موطئ قدم فوق الهضبة الى ان تصل فرقة موشي بيليد صباح الاثنين، لم يكن هوفي متأكدا من امكانية ذلك، خاصة وان السوريين قد استولوا تقريبا على قاعدة «نافاخ».

أثارت هذه المحادثة قلق اليعازر. فعلى الرغم من احترامه لقائد الجبهة الشمالية وادراكه انه لولا تحذيرات هوفي بشأن التعزيزات السورية، لكانت هضبة الجولان قد سقطت الآن.لكنه شعر بأن هوفي يعاني من الاستنزاف، ويحتاج الى ضابط كبير بجواره ليشاركه العبء الذي يتحمله بمفرده. قرر اليعازر ارسال حاييم بارليف، الذي سبقه في تولي رئاسة هيئة الاركان، لتقويم الموقف هناك.

وعندما طرح اليعازر الفكرة على غولدا مائير وديان، وافقا على الفور، كما وافق بارليف، وسأل ديان عما يريده منه، فقال له انه كان يعتزم أصلا ان يحل محل هوفي الذي يعاني من الانهيار والاجهاد نتيجة لاتساع نطاق الهجوم السوري، لكن اليعازر استبعد الفكرة وبالتالي فإنه سيحل محله، ولكن دون تعيين رسمي.
وفي مقر القيادة الشمالية، لم يتغير الموقف الصعب كثيراً على الرغم من وصول وحدات الاحتياطي، التي لم تتمكن من ان تفعل شيئاً يذكر أمام تدفق المدرعات السورية وعندما وصل الجنرال موشي بيليد الى المقر وجد هوفي مستلقياً في ركن مظلم بإحدى الغرف يحاول الحصول على قسط من الراحة فسأله بيليد: «إن فرقتي ستصل الليلة.. في اي موقع تريدني؟».

عندئذ طلب منه هوفي ان يشكل خطاً دفاعياً على طول نهر الاردن، صدم بيليد من هذا الامر الذي يعني التخلي عن الجولان، بل إنه تلقى صدمة أخرى، عندما علم أن المهندسين يستعدون بالفعل لتفكيك الجسور بدا هوفي هادئاً، لكن بيليد شعر بأنه منهك نتيجة لتطورات اليوم السابق.وعندما وصل بارليف إلى مقر القيادة الشمالية، ذهل من حالة التخبط والفوضى التي يعاني منها الجميع.

يقول المؤلف ان بارليف وبيليد اعدا معاً خطة لشن هجوم مضاد، من خلال التقدم باتجاه الشمال الشرقي وقطع نقاط الدخول السورية الرئيسية لجنوب الجولان وعندما تنقطع خطوط الامدادات ستضطر القيادة السورية الى سحب قواتها.

قام الاسرائيليون بإخلاء تل فارس وتركوا النقطة 116 الحصينة لتكون المركز الاسرائيلي الوحيد على طول الجزء الجنوبي من خط وقف اطلاق النار، وفي الساعة الثامنة مساء اتجهت خمس دبابات سورية نحو هذه النقطة وحاصرتها وبحلول صباح اليوم التالي، بدأت الدبابات في قصف الحصن، الذي سقط بعد مقتل جميع الاسرائيليين بداخله.

وعندما حل الظلام يوم الاحد، هدأت حدة المعارك في القطاع الأوسط طلب قائد الوحدة من عدد من جنود المشاة تفقد ساحة المعركة بحثاً عن الدبابات المعطلة والجرحى والقتلى كان هناك الكثير من المفقودين من بينهم قائدا كتيبتين عثر المشاة على الكولونيل شافر وافراد طاقمه ممددين على الأرض في حالة سيئة بجوار دبابتهم على الطريق من نافاخ الى القنيطرة، كانت احدى عيني الضابط شافر قد فقئت بعد اصابتها بإحدى الشظايا، كما وصل هاريل، قائد الكتيبة الثانية الذي اصيبت دبابته، سيراً على قدميه وهو في حالة سيئة هو الآخر.

يقول المؤلف انه في ضوء الخسائر الثقيلة، كان من الضروري إعادة بناء اللواء الاسرائيلي من الصفر مرة اخرى، خاصة بعد مقتل معظم قياداته.يقول المؤلف انه خلال يومين من المعارك تكبد فيها الجيش الاسرائيلي خسائر فادحة إلا أنه تمكن من وقف الهجوم السوري. وبعد ان كانت القيادة الشمالية الاسرائيلية تفكر صباح يوم الاحد في الانسحاب من كل الجولان، اصبحت تستعد لشن هجوم مضاد.

 

على الجبهة المصرية


على الرغم من ان قائد القيادة الجنوبية جونين كان اكثر ثقة في نفسه من نظيره، بالقيادة الشمالية هوفي، فإن وزير الدفاع الاسرائيلي ديان كان يرى في ذلك مشكلة، فقد أبلغه جونين بأنه مع وصول فرق الاحتياطي، فإنه من الممكن اخراج المصريين من سيناء، بل من الممكن العبور الى الضفة الغربية من القناة، ورد عليه ديان قائلاً إنه ينبغي اعطاء الأولوية لتشكيل خط دفاعي ثانٍ، والتخلي عن تحصينات بارليف، ويتعين على الأفراد الموجودين داخل التحصينات المحاصرة ان يحاولوا الهروب منها سيراً على الاقدام عند حلول الظلام.

وينبغي عدم بذل أية محاولات اخرى لاعادتها للسيطرة من خلال هجوم بالدبابات، كما ينبغي ترك الجرحى غير القادرين على الحركة ليكونوا اسرى لدى المصريين وأوصى وزير الدفاع بأن يكون خط الدفاع الجدير على طول طريق المدفعية على بعد ستة أميال من القناة. بعد ان زار ديان الجبهتين الشمالية والجنوبية شعر بالصدمة من اتساع نطاق الهجوم العربي، كما انتابته حالة من القلق لم يشعر بها من قبل.

وهو التعبير الذي استخدمه ديان نفسه في مذكراته عن الحرب بعد ذلك، لقد بنت اسرائيل استراتيجيتها الدفاعية على اساس افتراض مفاده ان العرب الذين سيواجهونهم في الحرب المقبلة سيكون هم انفسهم الذين هزمهم الاسرائيليون في حرب يونيو 67. وهذا الافتراض هو الذي تسبب في هذا التقصير الخطير وأدى الى نشر اعداد قليلة من القوات على طول خطوط المواجهة، وقد اظهرت معركة اليوم الاول وحده بأن العرب قد تغيروا كثيراً.

فالمصريون والسوريون كانوا يهاجمون وفقاً لخطة مدروسة بعناية افضل كثيراً من الخطة الاسرائيلية كما يمتلكون اسلحة حديثة، من بينها اسلحة لا تستطيع اسرائيل التصدي لها، مثل صواريخ سام 6 و«ساجر». والاكثر أهمية من ذلك ان الروح القتالية للمصريين والسوريين كانت عالية للغاية، ولم يتوقعها الاسرائيليون، وعندما يتعرض الجنود العرب لهجوم عليهم فإنهم لا ينسحبون أو يهربون ولكن يتمترسون في اماكنهم ويوجهون ضربات موجعة للمهاجمين الاسرائيليين.

ويقول المؤلف هنا ان اسرائيل لم تضع ضمن حساباتها قوة الدفع النفسية الحيوية التي استفاد منها العرب، بعد ان اخذوا بأيديهم زمام المبادرة.شعر ديان بحالة من اليأس، على الرغم من انه كان يتحدث بتفاؤل بعد ساعتين فقط من نشوب الحرب، عندما قال لعدد من رؤساء تحرير الصحف الاسرائيلية: «ان المصريين اقحموا انفسهم في مغامرة لم يفكروا جيداً في عواقبها فبعد غد عندما يبدأ افراد الاحتياطي في الوصول الى الجبهة سيدرك المصريون خطأهم، ولا اتمنى ان اكون مكانهم». وقد جاء بعد غد ولاتزال اسرائيل هي التي تواجه المتاعب، وليس العرب.

عندما عاد ديان الى تل ابيب، وعقد على الفور اجتماعاً مع اليعازر وكبار الضباط، قال لهم بنبرة حزينة: «اتدركون ما اخشاه من كل قلبي؟ ألا يكون لدى اسرائيل أسلحة تمكنها من مواصلة القتال، بغض النظر عن المكان الذي سيتم فيه رسم خط الدفاع الجديد. لن تكون لدينا دبابات وطائرات تكفي للمواجهة.

والأهم من ذلك ان يكون لدينا افراد مدربون بما فيه الكفاية. ان الحرب ليست ضد مصر وسوريا، انها الحرب التي تخوضها اسرائيل ضد العرب، العالم العربي كله». بعد ذلك قال ديان لاليعازر انه لا يفضل عملية انسحاب سريع، لكنه مع رسم خط دفاعي جديد.

 
رغبة في الانتحار

في مذكراتها قالت مائير، بعد ذلك، انها بعد ان استمعت الى ديان وما يفكر به انتابتها «رغبة في الانتحار» فقد حضرت اجتماع مجلس الوزراء مع ديان وهي في حالة انهيار.كان وجهها شاحباً، وترتسم علامات اليأس على محياها، وبعد الاجتماع استندت على جدار في الممر، وقالت لأقرب مساعديها بصوت منخفض مهزوم: «ان ديان يتحدث عن الاستسلام».

ويقول المؤلف انه على الرغم من ان ديان لم يذكر هذه العبارة صراحة، إلا انه تحدث عن الانسحاب من مواقع والتخلي عن خط بارليف، كما أعرب عن اعتقاده باستحالة اجبار المصريين على التقهقر الى الجبهة الغربية من القناة. لقد قدم ديان استقالته، لكن مائير رفضتها على الفور، وعندما سألته عن رد فعله اذا صدر قرار من الامم المتحدة بوقف اطلاق النار قال ديان انه سيتمسك به، حتى اذا كان ذلك يعني بقاء الجيش المصري على الضفة الشرقية للقناة.

لم يكن هذا الشعور باليأس والاحباط هو شعور ديان ومائير فقط، بل شعور معظم الاسرائيليين، الذين احسوا بأن جيشهم قد تلقى ضربات موجعة خلال الساعات الاولى من المعركة. كما ادرك كبار الضباط ان افتراضاتهم الاساسية التي بنوا عليها ثقتهم في النفس كانت مجرد أوهام.

فالجندي العربي لا يهرب من أرض المعركة، كما أوهموا انفسهم بذلك، بل انه يهاجم ويقاتل ببسالة، ويستخدم ببراعة أسلحة جديدة وبروح قتالية جديدة. ولم يكن للسلاح الجوي الاسرائيلي أي دور يذكر في ساحة المعارك، بل تم اسقاط طائراته بمعدل أثار رعب الاسرائيليين.

كما لم تتمكن الدبابات الاسرائيلية من الصمود على الجبهتين الجنوبية والشمالية، باستثناء بعض المعارك بالقطاع الشمالي من جبهة الجولان. والأهم من هذا كله ان المخابرات الاسرائيلية كانت خارج الصورة تماماً، بل انها كانت مسئولة عن الخلل الرهيب الذي هدد اسرائيل بكارثة. لم يكن قد مرّ سوى يوم واحد، وبدا كل شيء ينهار داخل المؤسستين العسكرية والسياسية الاسرائيلية. فإذا كان العرب قد نجحوا في انجاز كل هذا في يوم واحد، فما الذي سيحدث خلال الأيام القليلة المقبلة؟

أما الجنود الاسرائيليون على خط المواجهة فقد حاولوا ابعاد الأفكار السوداء عن أذهانهم، ولكن كان بعضهم لا يتمكن من استبعاد هذه الأفكار، وفي مقدمتهم الطيارون الذين يرون الصورة بشكل أوضح. وقد تصادف أن سألت إحدى موظفات العمليات طيار فانتوم عاد لتوه إلى القاعدة من مهمة فوق الجولان يوم الاحد عن الوضع، فقال لها ان المئات من الدبابات السورية تتقدم على طول الجبهة، مثل حشود من النمال العملاقة، ولا توجد أي وسيلة لوقفها. أصيب المدنيون الاسرائيليون بصدمة عنيفة وهم يحتفلون بعيد الغفران. ففي يوم واحد فقدوا الثقة بالنفس، وانتابتهم حالة من الذعر والخوف أثرت بشدة على حالتهم النفسية، وهي حالة لم يخرجوا منها لسنوات.

يقول المؤلف انه سرعان ما أشارت أصابع الاتهام الى رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي ديفيد اليعازر، فهو المسئول عن تبني الجيش الاسرائيلي لعقيدة جعلته لا يتخذ الاستعدادات اللازمة لهذه الحرب، عقيدة تقلل كثيراً من قوة الخصم العربي، كما انه يتحمل مسئولية الاعتماد على تقويم المخابرات العسكرية بأن احتمال نشوب الحرب هو «احتمال ضعيف»، كما ان اليعازر لم يسارع بإصدار أمر التعبئة الجزئية خلال الأيام التي سبقت الحرب. واعتمد سياسة دفاعية ضعيفة على خط القناة، بخلاف كل القواعد العسكرية الأساسية، كما انه وراء تعيين جونين رئيساً للقيادة الجنوبية.

ويرى المؤلف ان التغيير في القدرات الحربية العربية لا يرجع إلى تغير مفاجيء في الشخصية، لكنه تغير حدث على مدى سنوات منذ حرب يونيو 1967، وذلك في الوقت الذي تأثرت فيه اسرائيل سلباً بانتصارها ـفي 1967.

في منتصف ليلة الاحد 7 اكتوبر التقى اليعازر بهيئة الأركان، حيث طرح عليهم خطة الهجوم المضاد على الجبهتين المصرية والسورية على ان يتم تنفيذها صباح يوم الاثنين.

وكانت الخطة الاسرائيلية على الجبهة المصرية تقضي بالسيطرة على المنطقة الممتدة بين القناة وطريق المدفعية داخل سيناء، وانقاذ الاسرائيليين المحاصرين داخل النقاط الحصينة، واستعادة الدبابات المعطلة والاستعداد لعبور قناة السويس.

وفي الساعة الثانية من قبل فجر يوم الاثنين انطلقت فرقة الجنرال ابراهام أدان باتجاه الغرب، وتحركت الدبابات ببطء، خوفاً من مواجهة قوات مصرية، وذلك وفقاً لتعليمات قيادة الجبهة الجنوبية التي كانت لا تزال تعاني من صدمة الهجوم المصري المفاجيء والتصميم والمعنويات العالية التي أظهرها المصريون.

وفي الساعة الرابعة فجراً، تلقى أدان اتصالاً من الجنرال كالمان ماجن الذي تولى قيادة قطاع بالوظة، حيث نقل له أوامر جديدة من جونيث تتعارض مع خطة اليعازر مما جعل أدان يدرك ان هناك مشكلة خطيرة داخل القيادة الجنوبية.يقول المؤلف إن اليعازر كان في نهاية القلق والحذر ولم يكن متفائلاً مثل بقية أفراد هيئة الأركان. ويبدو أن قلق اليعازر كان في موضعه، حيث ان اللواءات الثلاثة ضمن فرقة ادان كانت تتحرك من دون أي تنسيق فيما بينها، كما ان اوامر جونين لادان كانت غير واضحة، كما كانت تتغير من وقت لآخر، وفي بعض الاحيان كانت تتعارض فيما بينها.

بدأ ديان يشعر بالقلق واحس بأن الهجوم المضاد لا يحرز اية نتائج مهمة، خاصة وان فرقة ادان لم تواجه حتى الآن اية مدرعات او قوات مصرية، كما شكك ديان في تقرير افاد بأن المصريين يتراجعون، وقال: ان المصريين يواصلون التقدم» وصدق اليعازر على وجهة نظر ديان، وابدى عدم ارتياحه تجاه الطريقة التي تتطور بها المعركة ولم يتمكن اليعازر من الحصول على صورة واضحة للموقف من جونين، كما لم تكن لديه فكرة مما يحدث لفرقة ادان.

وفي ظل كل هذا التخبط تحول يوم الثامن من اكتوبر الى وصمة عار في التاريخ العسكري الاسرائيلي، فقد نجح المصريون في تدمير عشرات الدبابات وفي قتل واصابة الكثير من الضباط والجنود، وقد تعرضت كتيبة مدرعات اسرائيلية بقيادة عساف ياجوري لقصف مصري مكثف بصواريخ «ساجر» والآر بي جي» من ثلاثة اتجاهات، وفقد ياجوري معظم قيادات دباباته.

وحاول الانسحاب مع القليلين الذين تبقوا على قيد الحياة وجميعهم كانوا خمسة فقط من بينهم ضابط عمليات الكتيبة، لكن أحد الضباط المصريين تمكن من اللحاق بهم وامرهم بالتوقف، وتم اسر عساف يا جوري والآخرين ونقلوا على متن عربة مدرعة، كما تعرضت كتيبة اسرائيلية اخرى لخسائر فادحة،، اذ لم تتمكن سوى اربع دبابات فقط من الانسحاب، وذلك من اصل 18 دبابة.

يقول المؤلف ان المشهد كان مأساويا بحق، فعلى مدى البصر كانت عشرات الدبابات الاسرائيلية تحترق، فيما يحاصرها مئات الجنود المصريين ووراء هذا المشهد كانت هناك نحو مئة دبابة وعربة مدرعة مصرية تصطف في تشكيل استعدادا للهجوم.

بالنسبة للعديد من الضباط الاسرائيليين كانت هذه هي اسوأ ازمة تعرضوا لها على مدى اربع حروب، فبالاضافة الى الخسائر الثقيلة خسر الاسرائيليون الكثير من المواقع الاستراتيجية المهمة. ومع حلول الظلام انسحبت كل القوات الاسرائيلية من ساحة القتال، لينتهي اسوأ يوم في تاريخ اسرائيل لم تكن المفاجأة في ذلك اليوم في القدرة القتالية العالية للمصريين فقط، بل حالة التخبط وعدم وضوح الرؤية للقيادة الاسرائيلية التي تأكدت انه هذه الحرب لن تكون حرباً سريعة او سهلة.
لقد فقدت الفرقة الاسرائيلية التي شنت اول هجوم مضاد في حرب اكتوبر نحو 60 دبابة، والاهم من ذلك انها فقدت الثقة في النفس.يقول المؤلف ان الفشل الاسرائيلي كان شاملا، واصبح واضحا للجميع ان هناك دروسا يتعين الاستفادة منها بعد هذا اليوم العصيب ....

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحلقة الثامنة

 

ملامح اليوم الأسوأ في تاريخ إسرائيل وتل أبيب تعد السلاح النووي تحسباً لانهيار الجيش

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يوضح المؤلف ابراهام رابينوفيتش ان اليعازر كان يشعر بالقلق تجاه تطورات الاوضاع على الجبهة الشمالية حيث قال لمساعديه ان السوريين قد تقدموا كثيراً على هضبة الجولان،

وليست هناك دبابة واحدة تقف في مواجهتهم حتى حيفا، ومن السهولة الاندفاع من حيفا الى تل ابيب، ودعا الى تشكيل خط دفاعي عند حافة الهضبة والتركيز على الجولان، اذا ان القناة بعيدة عن حدود اسرائيل، الامر الذي يتيح الفرصة لانسحاب تكتيكي، بينما الوضع في الجولان مختلف تماماً.

حاول الاسرائيليون انقاذ المحاصرين داخل مركز الاستخبارات في جبل الشيخ الذي تمكن السوريون من الاستيلاء عليه. واتجهت كتيبة الى المركز، ودارت معركة انتصر فيها السوريون من جديد، وانسحبت القوات الاسرائيلية، بعد ان تكبدت 25 قتيلاً و57 جريحاً.

وفي غرفة العمليات بتل أبيب، اقترح الجنرال طال التخلي عن خطط عبور القناة، وارسال قوة برمائية عبر خليج السويس بدلاً من ذلك لاحداث ثغرة بين الجيشين الثاني والثالث وتهديد حقول البترول المصرية بل ووادي النيل ايضاَ.

ولم يرفض ديان الخطة، لكنه كان يفضل مهاجمة الطرف الآخر من الخط المصري والاستيلاء على مدينة بورسعيد عند مدخل القناة الشمالي. وعندما قيل له ان ارييل شارون مصمم على عبور القناة، رد ديان قائلاً: على حد معرفتي بشارون فإنه يريد التوجه مباشرة الى القاهرة وكسب المزيد من الاصوات لصالح الليكود».

إلا ان شارون كان مقتنعاً بأن فرصة تغيير مسار الحرب قد ضاعت هذا اليوم مع فشل الهجوم المضاد الذي تم شنه بفرقتين واحدة يقودها هو والاخرى يقودها ادان، وعلى الرغم من ان شارون لم يفقد الأمل تماماً، فإنه لم تعد لديه ثقة في اولئك الذين يديرون الخطط القتالية.

ومع ذلك فإنه كان يرى ان الامكانية لاتزال قائمة لشن هجوم مضاد جديد، لكنه حذر من ان كل يوم يمر يزيد هذه المهمة صعوبة.

اما ادان فإن لم يشارك شارون تقويمه للموقف، وتوقع انه في ظل معاناة الجيش الاسرائيلي في الجبهة الجنوبية وعدم تنظيم صفوفه وضعف قواته، فإن أي هجوم شامل يمكن ان يؤدي الى كارثة أكبر.



أجواء متوترة

كانت الاجواء في مقر جونين، حيث تجمع كبار القادة الاسرائيليين، متوترة للغاية، كان ادان آخر من وصل من قادة الفرق، وكان يشعر بمرارة الفشل الذي تعرض له اليوم، لكنه كان ساخطاً لانه وضع في موقف لا يحتمل نتيجة للأوامر المتضاربة التي تلقاها من جونين ونتيجة لتعرض فرقته لقصف مدفعي عنيف من جانب المصريين، في الوقت الذي كان ينتظر الدعم الجوي، الذي توقعه وفقاً للخطة، لكنه لم يتحقق أبداً.

وفي طريق عودتهما الى تل ابيب بالهليكوبتر غرق ديان واليعازر في التفكير. لقد بدا واضحاً لهما ان استراتيجية الحرب تحتاج الى اعادة دراسة، خاصة بعد الفشل الكبير للهجوم المضاد في سيناء، وبعد فشل لواء الجولان في استعادة جبل الشيخ في وقت سابق من اليوم.وفي غرفة العمليات بتل ابيب قال وزير الدفاع لاعضاء هيئة الأركان ان اسرائيل تواجه ازمة خطيرة، وانه يتعين احداث تعديلات مؤلمة.
واضاف ان الحرب اثبتت خطأ الكثير من الافتراضات الاساسية التي اعتمد عليها الجيش الاسرائيلي، وأوضح قائلاً: لقد اعتقدنا ان دباباتنا بإمكانها منع المصريين من تركيب الجسور على القناة، لكننا لم نتصور مدى الدور الذي يمكن ان تلعبه الصواريخ المضادة للدبابات، وكانت لدى السلاح الجوي خطط لتدمير هذه الصواريخ، لكن هذه الخطط لم تنجح، لقد اصبح العالم العربي يمتلك قدرات قتالية اكبر، ويجب علينا ان نفهم انه ليست هناك تركيبة سحرية لمواجهة ذلك.

ودعا ديان إلى توقع إمكانية مواجهة صراع طويل، وطالب بتعزيز أفراد الجيش وتوسيع نطاق التعبئة، بحيث تشمل أفراداً في أعمار متقدمة وشباباً تحت الثامنة عشرة، ورأى ضرورة مطالبة الولايات المتحدة بتزويد اسرائيل بكميات اضافية من السلاح والذخيرة، وخاصة الصواريخ المضادة للدبابات، المماثلة لتلك التي في أيدي أفراد المشاة المصريين.

وقال ديان انه ينبغي توزيع مثل هذا السلاح على جميع الاسرائيليين في حالة وصول المدرعات المصرية الى قلب اسرائيل وجسد هذا الاقتراح المذهل مدى اتساع نطاق الخطر الذي يشعر به ديان.وبالنسبة لجبهات القتال، اقترح ديان تشكيل خط دفاعي خلف المضايق في سيناء، بينما قال إنه ينبغي ألا نعطي أي مجال للتراجع على جبهة الجولان.

وكان ديان قد أبلغ اليعازر بعد زيارته للقيادة الشمالية صباح يوم الاحد بأن هوفي يشعر بالاجهاد والاحباط وان جزءاً من المشكلة يكمن في انه كان جندي مشاة وليس ضابط مدرعات واقترح ديان ايفاد قادة أكفاء الى الجبهة الشمالية، لتعزيز الوضع، ووضع ضابط كبير بجانب هوفي لمساعدته في اتخاذ القرارات الحاسمة.أما بالنسبة لجونين فرأى ديان ضرورة تغييره اذ ان أوضاع الجبهة الجنوبية اصعب من قدرات جونين وكان المرشحان المحتملان هما شارون أو بارليف.

وقال ديان انه من الضروري التركيز على الجبهة الشمالية، لأنها الأقرب الى اسرائيل وينبغي القيام بأي شيء حتى لو أدى الأمر الى قصف العاصمة السورية، دمشق، بالقنابل. ويقول المؤلف هنا إن هنري كيسنجر كان قد شجع اسرائيل على التحرك نحو العاصمة السورية من أجل تعزيز الموقف الاسرائيلي على طاولة المفاوضات، بعد انتهاء الحرب.

وبعد ان غادر ديان غرفة العمليات، أبلغ اليعازر هيئة أركانه بأنه يتعين على سلاح الجو ان يوقف هجماته على القواعد الجوية السورية، ويتجه بدلاً من ذلك الى قصف أربع مدن رئيسية، هي دمشق وحمص وحلب واللاذقية مع التركيز على محطات الكهرباء والمرافق الرئيسية.

 

 

 

 

 

 

 



مائير والحقيقة المؤلمة

تم كشف النقاب عن الحقيقة المؤلمة للموقف العسكري الذي تتعرض له اسرائيل أمام رئيسة الوزراء غولدا مائير، وذلك خلال اجتماع عقد في الساعة 30,7 من صباح يوم الثلاثاء وحضر الاجتماع ديان واليعازر وأقرب مستشاري مائير والوزيران اسرائيل جاليلي وايجال ألون وبدأ ديان الاجتماع بالقول انه ليست هناك في الوقت الراهن امكانية للاقتراب من القناة أو عبورها ويجب أن يكون تركيز الجيش الاسرائيلي على سوريا حتى تقبل وقفاً لاطلاق النار، ولتحقيق ذلك اقترح قصف عدد من الأهداف العسكرية في دمشق، إلا أنه لم يستبعد امكانية ان يلحق الضرر بالمدنيين في هذا القصف.

اعترضت مائير على ضرب أهداف مدنية في دمشق، وقالت إنه اذا وقعت خسائر بين المدنيين، فإن واشنطن ستوقف اي امدادات للأسلحة والذخيرة ولكن عندما دعت الوزير جاليلي لابداء رأيه قال: «إن قصف دمشق أمر لابد منه». عندئذ أذعنت مائير، وطالبت بتوجيه رسالة الى دينتز تطالبه فيها بتوضيح هدف القصف لهنري كيسنجر.

يقول المؤلف إن المهمة تم تنفيذها بخسائر على الجانبين، إلا أن قصف المنشآت السورية الحيوية لم يحقق الهدف من ورائه، وهو اضعاف الموقف السوري على جبهة القتال، كما أدت الأحوال الجوية السيئة في ذلك الوقت الى فشل الطائرات في تحديد الأماكن العسكرية المهمة التي كان من المفترض قصفها، وسقطت بعض القنابل على بعض المنشآت المدنية.

 

 

 

إطلالة السلاح النووي

كان يوم الثلاثاء 9 اكتوبر بالنسبة لمعظم الاسرائيليبن هو اسوأ يوم في التاريخ. ففي هذا اليوم عرفوا أبعاد الهجوم المضاد الفاشل في سيناء، وأدركوا ان توقعاتهم بتحول سريع في مجريات الحرب ليست سوى مجرد أوهام. وقد وصف الجنرال طال هذا اليوم فيما بعد قائلا: لم يعد لدينا أي احتياطي يمكن الاستعانة به، لم يعد لدينا أي شيء».

ووفقا لرواية نشرت خارج اسرائيل، فقد اجتمع مجلس الوزراء المصغر يوم الاثنين 8 اكتوبر، وقرر اعداد ترسانة اسرائيل النووية، خوفا من انهيار الجيش الاسرائيلي كلية.

ووفقا لتقرير نشرته الصحف الاسرائيلية بعد مرور ثلاثين عاما على الحرب، ابلغ الجنرال طال مشاركين في اجتماع سري في 1974 بأن هيئة الاركان العامة أوصت صباح يوم الثلاثاء 9 اكتوبر باتخاذ «اقصى الاجراءات» ضد العرب. ووفقا للتقرير فقد اقترب احد كبار الضباط من طال والدموع في عينيه، وقال له: «عليكم انقاذ اسرائيل من هؤلاء المجانين، ويقصد اولئك الذين وافقوا على «اقصى الاجراءات».وقد أقيمت لرؤساء الصحف الاسرائيلية فرصة التعرف على رؤية ديان القاتمة لتطورات الحرب، وذلك مساء يوم الثلاثاء.

وتناول حديثه غير القابل للنشر معهم أوضاع الجبهتين الشمالية والجنوبية. وقال لهم ان الجيش الاسرائيلي ليست لديه القوة في الوقت الحالي لرد المصريين الى الضفة الغربية للقناة ويتعين على اسرائيل ان تنسحب الى عمق سيناء، وهو الامر الذي يحمل الكثير من المعاني، وفي مقدمتها فقدان الثقة في قوة الجيش الاسرائيلي.

وفي داخل نقطة «هيزايون» المحصنة تبخر امل الاسرائيليين بحلول عصر يوم الاثنين 8 اكتوبر. فقد اخترق رجال الصاعقة المصريون هذه النقطة عدة مرات وفي الساعة 15,5 مساء ابلغ نائب القائد رؤساءه بأنهم لن يستطيعوا الصمود أكثر من ذلك، وانهم سوف يستسلمون.

لم تكن هذه النقطة المحصنة الوحيدة التي استسلم افرادها للجيش المصري، فقد تم اخلاء العديد من النقاط الاخرى، أو استسلم افرادها. وقد هرب العديد من الجنود، عندما هبط الليل، وساروا لساعات ربما لأيام في الصحراء الى ان وصلوا الى الخطوط الاسرائيلية، وبعضهم سقط في أيدي المصريين.

وفي نقطة «فاتسميد»، هاجم المئات من جنود المشاة المصريين المكان بعد ظهر يوم الاثنين، وطلب قائد النقطة الكابتن جدعون جور امداده بدعم مدفعي، ولكن الدعم كان ضعيفا. كان هذا هو اليوم الثالث للمعركة حول نقطة «فاتسميد» وبدأت الذخيرة تنفد، وفي صباح يوم الثلاثاء استأنف المصريون هجومهم، فهرب الاسرائيليون الى المخابئ، لكن قنابل الدخان أجبرت كل افراد النقطة، وعددهم 35 جنديا اسرائيليا، على الاستسلام، وذلك في الساعة الثامنة من صباح الثلاثاء.

وفي نقطة «بركان» الحصينة، أدرك قائدها الاسرائيلي أن المصريين سيصلون اليها بين لحظة وأخرى وانه من غير المرجح وصول فرق انقاذ اسرائيلية، لذلك فقد اتصل بالقيادة العليا وأبلغها بأنه سينسحب منها مع افراد وحدته. وعلى الرغم من تردد القيادة في السماح له باخلاء هذه النقطة المهمة، الا انه اتخذ القرار، وقام بتنفيذه بعد منتصف الليل، بعد احتجاب القمر، وقام أكثر من 30 اسرائيليا بالسير في الصحراء لمسافة تزيد على عشرة كيلومترات.

وفي الصباح اكتشف المصريون ان الاسرائيليين قد انسحبوا من «بركان». عندما دخل الفريق الشاذلي من بوابة الحصن بعد ساعات قليلة على هروب الاسرائيليين قال «الحمد لله، الله اكبر».يقول المؤلف ان الجبهة الشمالية واجهت تطوراً جديداً قلب موازين التفكير الاسرائيلي. فقد قرر العراق ارسال جنود ودبابات وعربات مدرعة الى الجبهة للوقوف الى جانب الجيش السوري.
وعلى الرغم من ان المخابرات الاسرائيلية قد دربت رجال حرب العصابات والاكراد لسنوات على إحداث اضطرابات تشغل الجيش العراقي في حالة نشوب حرب اسرائيلية عربية، إلا أن الزعامة الكردية قررت في هذه اللحظة الحاسمة عدم التورط في مغامرة عسكرية لصالح اسرائيل، وبدأ العراقيون بإرسال فرقة مدرعة على أن يتم إرسال فرقة مدرعة ثانية بعد ذلك.ويقول المؤلف إن العراق أرسل خلال الحرب 500 دبابة و700 عربة مدرعة و30 ألف جندي من بينهم وحدات قوات خاصة.

 

 

 


مواقف القوتين العظميين

يشير المؤلف إلى أن النجاحات التي حققها العرب أذهلت المراقبين العسكريين في عاصمتي القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. ولم يكن رئيس هيئة الاركان العامة السوفييتية المارشال فيكتور كوليكوف يعتقد أن بمقدور المصريين عبور قناة السويس من دون مشاركة مباشرة من المستشارين السوفييت، إلا أنه اعترف بعد ثلاثة أيام من نشوب الحرب بالنجاحات التي حققها العرب.

وذلك في مذكرة قدمها إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي. وقال إن الاسرائيليين فوجئوا بالحرب، ولم يكونوا مستعدين لها، كما أشار إلى الدور الرئيسي الذي لعبه السلاح السوفييتي، خاصة صواريخ سام والاسلحة المضادة للدبابات في تحقيق التقدم العربي.
أما في واشنطن فقد أثار النجاح العربي حيرة صانعي القرار الأميركيين. وفي اجتماع لهم يوم السبت افترض معظم المشاركين أن اسرائيل بدأت الحرب. ولكن عندما تأكدت الانتصارات العربية توقع خبراء وزارة الدفاع الأميركية أن إسرائيل سوف تستعيد زمام المبادرة في غضون 72 ساعة مع بدء وصول أفراد الاحتياط الى وحداتهم.

ولكن مع مرور الوقت أدرك وزير الخارجية الأميركي الدكتور هنري كيسنجر أن المصريين يواصلون التقدم، بل إنهم يرفضون وقفاً لإطلاق النار. واعتقد كيسنجر أن الرئيس المصري أنور السادات لن يستطيع الصمود طويلاً أمام اسرائيل، وانه سيسعى إلى الحفاظ على الأرض التي كسبها من خلال طلب وقف إطلاق نار، لكن ذلك لم يحدث.

وفي مساء يوم الاثنين 8 اكتوبر، نقل السفير الاسرائيلي دينتز رسالة إلى كيسنجر تشرح تقويم تل أبيب للوضع، وهي الرسالة التي سبقت معرفة اليعازر بالخسائر الفادحة التي لحقت بالجيش الاسرائيلي عندما قام بزيارة مسائية للجبهة الجنوبية. وبالتالي لم يكن كيسنجر مستعداً لتلقي مكالمة هاتفية من دينتز في الساعة 45,1 صباحاً ليطلب منه الاسراع في تلبية مطالب السلاح الاسرائيلية.

لم يكن لهذا الاستعجال أي معنى لدى كيسنجر في ضوء التقويم الاسرائيلي لسير المعارك، الذي تلقاه قبل ساعات. أبلغ كيسنجر السفير الاسرائيلي بأنه سيبحث هذه المسألة صباحاً، لكن دينتز أعاد الاتصال به بعد ساعة، فأدرك كيسنجر عندئذ ان الأمور تسير على نحو غير جيد.

كانت غولدا مائير هي التي طلبت من دينتز ذلك، وقالت له بالحرف الواحد: «لا يعنيني ما الوقت الآن، اتصل بكيسنجر في الحال، فغداً ربما يكون قد فات الأوان». في الساعة 20,8 صباحاً، التقى كيسنجر ومساعدوه في البيت الأبيض بدينتز وموردخاي جور الملحق العسكري الاسرائيلي.
ذهل الأميركيون عندما أوضح لهم جور مدى الخسائر التي تكبدتها إسرائيل خلال الأيام الأربعة الأولى من المعارك، وقد تضمن هذه الخسائر 49 طائرة حربية و500 دبابة، أي ما يعادل ثمن سلاح الطيران وريع سلاح المدرعات فتساءل كيسنجر مذعورا كيف حدث ذلك؟ رد دينتز قائلا إنه لا يعرف، ولكن من الواضح ان اخطاء قد وقعت.

امر كيسنجر مساعديه بتقديم المعلومات الاستخباراتية التي طلبتها اسرائيل، وابلغ دينتز بأنه سيرى ما يمكن فعله بشأن زيادة شحنات الاسلحة، ولاول مرة يفهم كيسنجر السبب وراء رفض السادات لوقف اطلاق النار، فقواته المسلحة تقوم بعمل مذهل، وتم الاتفاق على ان تقوم طائرات شركة الخطوط الجوية الاسرائيلية «العال» بالهبوط، بعد اعادة صبغها، في قواعد جوية اميركية.
حيث يتم شحنها بالذخيرة والمعدات الالكترونية واسلحة اخرى تطلبها اسرائيل الا انه اتضح ان طائرات العال السبع المتوافرة لا تكفي لتلبية احتياجات اسرائيل، وقال كيسنجر انه سوف يجري مشاورات مع زملائه بشأن سبل زيادة هذه الشحنات.

 

 

 

 

 

 


الجسر الجوي الأميركي

في نهاية الاجتماع ابلغ دينتز كيسنجر على انفراد بأن غولدا مائير ترغب في زيارة واشنطن وتلتقي بالرئيس نيكسون لترجوه زيادة شحنات الاسلحة، رفض كيسنجر جملة وتفصيلا هذا الطلب، وقال انه من الصعب الحفاظ على سرية الزيارة، كما انها ستفسر على انها تعد انعكاساً لحالة الذعر وبالاضافة الى ذلك فإن الزيارة ستؤكد للعالم ان الولايات المتحدة تقدم دعماً عسكرياً هائلا لاسرائيل، الامر الذي يمكن ان ينسف اي دور يمكن ان تقوم به في المستقبل كوسيط.

وجد كيسنجر كبار مسئولي الحكومة الاميركية متشككين في طبيعة الطلب الاسرائيلي العاجل، وقال البعض انها محاولة من اسرائيل للحصول على مزيد من السلاح، بينما اشار رئيس المخابرات المركزية الاميركية وليام كولبي الى ان لدى اسرائيل ذخيرة تكفيها لمدة اسبوعين آخرين على الاقل، اما وزير الدفاع الاميركي جيمس شليزنجر، الذي لم يكن متحمساً لتقديم المساعدات التي تريدها اسرائيل، فقد قال انه ينبغي ان نميز بين ضمان بقاء اسرائيل داخل حدودها.

بين مساعدتها على احتلال اراض عربية، وشاركه في هذا الرأي آخرون حضروا الاجتماع، رد كيسنجر قائلا ان كل هذه الحجج لا معنى لها الآن، فهزيمة الاسلحة السوفييتية التي بأيدي المصريين والسوريين للاسلحة الاميركية ستكون كارثة جيوبوليتيكية لاميركا. والمساعدات الاميركية لاسرائيل مسألة ضرورية، حتى تتمكن اسرائيل من رأب الصدع.

بعد ذلك التقى كيسنجر بالرئيس نيكسون الذي وافق على كل بنود القائمة الاسرائيلية باستثناء القنابل الموجهة بالليزر، وهي القنابل الاحدث في ترسانة السلاح الاميركي. وقال نيكسون: «انه يجب تعويض كل الطائرات والدبابات التي خسرتها اسرائيل يجب عدم السماح بهزيمة اسرائيل» وبعد رفض شركات طيران جديدة نقل السلاح الاميركي الى منطقة القتال خوفا من المقاطعة العربية قرر نيكسون يوم السبت 13 أكتوبر ان تقوم وسائل نقل عسكرية اميركية بنقل شحنات السلاح مباشرة الى اسرائيل.

وفسرت دوائر في واشنطن هذا الجسر الجوي، الذي بدأ تنفيذه في اليوم التالي، على انه يخدم المصالح الاميركية، بغض النظر عن انه يدعم حليفا يعاني من ازمة. يقول المؤلف ان الدول الاوروبية رفضت السماح للطائرات الاميركية بإعادة التزود بالوقود وهي في طريقها الى اسرائيل الا ان واشنطن مارست ضغوطا على البرتغال لإقناعها بمنح هذه الطائرات حق الهبوط في جزر الازور كما تم استخدام حاملات الطائرات الاميركية في المحيط الاطلنطي والبحر المتوسط كنقاط توقف للتزود بالوقود لطائرات السكاي هوك المتجهة الى إسرائيل.

وفي المقابل تحمس المسئولون السوفييت الذين كانوا متشككين في البداية، وعززوا دعمهم للمصريين والسوريين، وتزايد التوتر بين القوتين العظميين. وقال كيسنجر فيما بعد: «إذا انتصر السلاح السوفييتي، فإن ذلك يعني أن موسكو ستسيطر على دبلوماسية ما بعد الحرب في المنطقة» كان كيسنجر يتطلع إلى القيام بدور أميركي كوسيط مقبول من الجانبين. وفي رسالة إلى حافظ اسماعيل، مستشار الرئيس المصري قال: «ان الجانب الأميركي سيبذل قصارى جهده للمساعدة في تحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط».

يقول المؤلف إن الاتحاد السوفييتي لم يكن يريد أن يؤدي التوتر في الشرق الأوسط الى انهيار سياسة الوفاق على الولايات المتحدة، لذلك فقد أبلغت موسكو صباح يوم الاربعاء واشنطن بأنها لن تعترض على قرار بوقف اطلاق النار يصدر عن الأمم المتحدة. الا ان كيسنجر وجد أن توقيت وقف اطلاق النار ليس مناسباً الآن لأنه سيترك اسرائيل باعتبارها الخاسر الوحيد.

رد على السفير دوبرينين قائلا: «هذا الاقتراح بناء لكن الحكومة الاميركية بحاجة لبعض الوقت لدراسته».وفي مشاورات مع السفير الاسرائيلي دينتز، قال كيسنجر انه سيتقدم باقتراح لوقف اطلاق النار، ولكن يجب على اسرائيل ان تعود الى خطوط ما قبل الحرب، أو ما بعدها، على أحدى الجبهتين على الأقل.

وبعد أن استولت اسرائيل مرة اخرى على اجزاء من الجولان، ابلغ دينتز كيسنجر بأن حكومته لم تقرر بعد ما اذا كان يتعين عليها تجاوز خط وقف اطلاق النار، فرد كيسنجر قائلا «لماذا لا تفعلون ذلك؟».

وكتب كيسنجر في مذكراته بعد ذلك يقول: «لقد كان هدفنا هو ابطاء الدبلوماسية من دون ان يبدو أننا نعرقلها، نحث على تسريع العمليات العسكرية من دون أن يبدو أننا نتدخل، وبعدها نطرح وقفاً لاطلاق النار، قبل ان تفلت الأمور وتقع أحداث لا يمكن التنبؤ بها».



تغيير القيادة الجنوبية

في اسرائيل التقى اليعازر بوزير الدفاع موشي ديان بصورة منفردة، وبحث معه امكانية تغيير جونين كرئيس للقيادة الجنوبية. قال اليعازر ان جونين غير قادر على ادارة دفة المعارك. وبالاضافة الى ذلك فإنه غير قادر تماماً على ضبط تصرفات شارون. فقد تحدى شارون أوامر جونين الواضحة، وارسل فرقته لمواقع متقدمة، حيث دخلت في مناوشات مع المصريين. وقد اصيبت في هذه المناوشات 50 دبابة.

وتم ترك 18 دبابة اخرى في اراض يسيطر عليها المصريون ويصعب وصول فرق المهندسين اليها لاصلاحها. لقد وصل شارون الى ضفة القناة. مسألة ديان: «ماذا يريد شارون ان يفعل هناك؟» رد اليعازر: «يريد عبور القناة» تساءل ديان : «كيف له ان يعبر ومعدات الجسور الاسرائيلية لا تزال في المؤخرة واحتمالات الاستيلاء على جسر مصري ضعيفة للغاية».قال اليعازر:«يريد شارون مهاجمة (المزرعة الصينية)، التي تسيطر عليها فرقة مشاة مصرية، وعبور القناة قبل حلول فجر غد».

كان ديان يدرك مدى تهور شارون واندفاعه غير المحسوب، وعلى الرغم من عدم اقتناعه بهذه الخطة، الا انه لم يعترض عليها. ووافق ديان على ان يحل بارليف محل جونين على ان يتم تجنيب الاخير لا اسقاطه، حتى لا يمثل هذا الاقصاء اعترافاً بفشل القيادة الجنوبية ويوجه ضربة للمعنويات.
ادت تطورات المعارك الى توصل اليعازر الى نتيجة افضى بها لديان، اذ قال له: «لا يمكن لاسرائيل ان تنتصر في هذه الحرب، ولابد من ان تستعد بدلاً من ذلك لحرب اخرى .. يجب ان يكون هدفنا هو التوصل الى وقف لاطلاق النار. ان الامور لن تكون افضل مما نحن فيه الآن، اننا في حاجة بالفعل لوقف النار حتى نتمكن من اعادة بناء الجيش».

وفي الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة 12 أكتوبر، عقد اليعازر اجتماعاً مع كبار قيادات الجيش افتتح زيرا رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية المناقشة قائلاً: انه من المتوقع أن يتخد مجلس الامن التابع للأمم المتحدة قراراً بوقف اطلاق النار في غضون الساعات الثماني والأربعين المقبلة وعلى الجيش الاسرائيلي أن يتحرك بسرعة لعبور قناة السويس قبل صدور القرار. رد اليعازر قائلاً:
أتريدون اقناعي بأنه يتعين علينا شن هجوم ليلة غد.. إن المسألة هي ما الذي سيحدث بعد ذلك، ان هزيمة مصر لم تعد خياراً ممكناً الآن

كان هذا اعترافاً مؤلماً من قائد جيش كان يعتبر نفسه قبل بضعة ايام جيشاً لا يمكن ان تقهره مجموعة جيوش مجتمعة في الشرق الأوسط.

يقول المؤلف ان اليعازر كان مقتنعاً بأن الرئيس المصري السادات لنا يقبل بوقف لاطلاق النار، إلا إذا حدث تطور عسكري مهم، مثل عبور اسرائيل لقناة السويس. إلا أنه لم يكن متأكداً من ذلك أيضاً. اما ديان فكان مقتنعاً بأن المصريين لن يوافقوا مطلقاً على وقف لاطلاق النار، اذا حصلت اسرائيل على موطيء قدم على الضفة الغربية من القناة. كما أن هناك احتمالاً لأنه في حالة عبور القناة وتنفيذ وقف لاطلاق النار، ان يتدهور الوضع بسرعة، وتنشب من جديد حرب استنزاف. وفي هذه الحالة سيجد الجيش الاسرائيلي نفسه في وضع انتشار خطير على خطوط ممتدة على جانبي القناة.

وعلى الرغم من كل هذه الشكوك، فقد مال اليعازر لاقتراح عبور القناة نظراً لعدم قدرته على التفكير في أي بديل آخر يدفع السادات للموافقة على وقف لاطلاق النار...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحلقه التاسعه 


تجاهل إسرائيلي لوقف النار بتحريض من كيسنجر و200 قتيل وجريح إسرائيلي في محاولة فاشلة لاقتحام السويس

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يوضح المؤلف ابراهام رابينوفيتش ان هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي عندما وصل الى موسكو في 20 اكتوبر، طلب ان يستريح على ان تبدأ المباحثات صباح اليوم التالي. ولم يكن كيسنجر

يسعى من وراء هذا الطلب الى الخلود للراحة بعد رحلة طويلة، لكنه اراد ان يضيف نصف يوم للجيش الاسرائيلي حتى يستطيع تعزيز مواقعه بعد ان عبر قناة السويس عند نقطة الدفرسوار.
وعندما بدأت المفاوضات ظهر الاحد 21 اكتوبر مع بريجينيف تم التوصل بعد اربع ساعات الى اتفاق يدعو الى اجراء مفاوضات بين الاطراف المعنية، بعد تنفيذ وقف اطلاق النار. وفي محاولة اخرى من جانب كيسنجر لتأجيل صدور قرار وقف اطلاق النار، طلب مهلة تسع ساعات حتى تستشير حكومتا البلدين حلفاءهما قبل بدء مناقشات الامم المتحدة.

وفي اجتماع لمجلس الوزراء الاسرائيلي عقد مساء يوم الاحد، ابلغت غولدا مائير الوزراء بأنها ستطلب من كيسنجر التوقف في تل ابيب في رحلة عودته من موسكو. قال اليعازر، خلال الاجتماع، إن وقف اطلاق النار يثير قلقه، اذ انه سيسمح للعرب بتعزيز قواتهم استعداداً لجولة جديدة من القتال.

واضاف ان استئنافاً للقتال في غضون عدة ايام أو اسابيع امر محتمل جداً. وسيتمكن المصريون من نشر بطاريات صواريخ سام جديدة، كما سيقوم السوريون بتدريب اطقم على مئات الدبابات السوفييتية الجديدة التي حصلوا عليها، كما سيتاح الوقت للعراقيين لإرسال فرقة مدرعة اخرى الى سوريا.

واستمرار وقف اطلاق النار لأيام أو اسابيع قليلة هو أسوأ خيار لاسرائيل. وقال انه لذلك يتعين على الحكومة الاسرائيلية ان تحصل على ضمانات بأن هذا لن يحدث. وفي الاثنين 22 اكتوبر اتخذ مجلس الامن قراراً بوقف اطلاق النار على ان يسري في الساعة 52. 6 مساء بتوقيت الشرق الاوسط.


يوضح المؤلف ان القيادات الاسرائيلية استعدت لشن سلسلة من الهجمات تعزز بها مواقعها قبل سريان وقف اطلاق النار، إلا ان المصريين بادروا بشن هجمات مضادة في كل القطاعات تقريباً حتى قبل الفجر. كانت الفرقة المصرية المدرعة الرابعة تلعب دوراً نشطاً في مقاومة الثغرة الاسرائيلية.

وصل كيسنجر الى تل ابيب بعد ظهر الاثنين، حيث عقد على الفور اجتماعاً استغرق 50 دقيقة مع غولدا مائير التي سألته على الفور: هل اتفقت الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفييتي على اجبار اسرائيل على العودة الى خطوط 1967؟ فطمأنها كيسنجر الى انه ليس هناك اتفاق من هذا النوع. وقبل ان يغادر قال كيسنجر انه لن يثير اية مشكلة اذا استمرت العمليات العسكرية خلال الليل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


محاولة اقتحام السويس

قبل وصول المراقبين الدوليين لتعزيز وقف اطلاق النار، غامرت القيادة الاسرائيلية بمحاولة دخول مدينة السويس، حيث اقتحمت 21 دبابة و 15 عربة مدرعة وسط المدينة، وتجاوزت مفترق الطرق الأول من دون ان يعترضها المصريون. ولكن عند تقاطع الطرق الثاني انتهى الهدوء، فقد ألقيت القنابل اليدوية من البنايات، وانطلقت نيران المدافع الرشاشة على الدبابات، واطلقت قذائف «الآر بي جي» من الازقة. واصيب كل قادة الدبابات والمشاة في غضون ثوان قليلة. عندما نظر قائد الكتيبة خلفه بدا له ان الكتيبة بأسرها قد دمرت تماماً بضربة واحدة.

كانت النيران المصرية كثيفة، واصابت قذيفة «آر بي جي» عربة يوسي يوفي قائد الوحدة العسكرية، مما ادى الى مقتل اربعة جنود واصابة اخرين من بينهم قائد الكتيبة، ولجأ الاسرائيليون الى بناية من طابقين، الا ان المصريين نجحوا في دخول المبنى من مدخل جانبي وألقوا بالقنابل اليدوية وفتحوا نيران قذائف «الآر بي جي»، مما ادى الى اندلاع النيران في الطابق الثاني، والى مقتل واصابة العديد من الاسرائيليين ومن بينهم يوفي نفسه.

وعندما اقترب الليل امرت القيادة الاسرائيلية القوة المدرعة بالانسحاب من المدينة. وقتل من الكتيبة 18 فرداً واصيب 35 بالاضافة الى تدمير ثلاث دبابات. وكانت هناك وحدتان اسرائيليتان من المشاة داخل المدينة. وطالبت القيادة من هاتين الوحدتين الانسحاب من المدينة على الاقدام بدلاً من المخاطرة بالخروج على متن العربات المدرعة.
وكان هناك 90 اسرائيلياً من بينهم 23 مصاباً داخل المبنى، وكان يتعين عليهم التسلل الى خارجه والسير في شوارع المدينة تحت جنح الليل الى ان يخرجوا منها. وعندما خرجوا في مجموعات من المبنى شعروا بأن هناك من يتربص بهم، فهرعوا عائدين الى المبنى، واحسوا بأنهم في وضع غاية في السوء، بل ان بعضهم فكر في تفجير نفسه بقنابل يدوية، خاصة مع استبعاد محاولة انقاذهم حتى مع طلوع النهار.
يقول المؤلف ان الثمن الذي دفعته اسرائيل لهذه المغامرة غير المحسوبة باقتحام مدينة السويس 80 قتيلاً و 120 مصاباً، ليسدل الستار على اخر عملية اسرائيلية كبرى في حرب اكتوبر. الا ان الطلقات الاخيرة لم تكن قد اطلقت بعد.

 

أجندة كيسنجر الخاصة


تلقى الزعيم السوفييتي بريجنيف رسالة من السفير فينوجرادوف في القاهرة تفيد ان الاسرائيليين يتجاهلون قرار وقف اطلاق النار. واحس بريجينيف بأن كيسنجر عقد صفقة خلال توقفه في تل ابيب. كما وصلت رسالة من السادات تطالب بارسال مراقبين او جنود سوفييت، وقال السادات انه بعث برسالة مماثلة الى الاميركيين.

وقرر المكتب السياسي السوفييتي ارسال 50 مراقباً، الا ان اقتراح ارسال قوات لم يلق حماساً كبيراً. فالقيام بمغامرة عسكرية فيما تقف الولايات المتحدة مع المعسكر الاخر سوف يؤدي الى نتائج عكسية، وبدلاً من ذلك تمت صياغة رسالة من بريجينيف الى نيكسون تدعو الى ارسال قوات اميركية وسوفييتية الى الشرق الأوسط لضمان تنفيذ قرار وقف اطلاق النار. ثم قال بريجينيف بشكل مباشر: «اذا رأيتم انه من المستحيل ان نعمل معاً في هذا الشأن، فإننا سنضطر الى بحث الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك بشكل منفرد».

قضى كيسنجر اليوم وهو يحاول تهدئة السادات والسوفييت، مؤكداً لهم انه يمارس اقصى ما يمكن من ضغوط على الاسرائيليين.وكان كيسنجر على اتصال بالفعل مع دينتز الذي كان ينقل له رسائل غير مقنعة من تل ابيب تزعم ان المصريين هم الذين خرقوا وقف اطلاق النار. اعرب كيسنجر عن سخطه لانتهاك اسرائيل لوقف اطلاق النار. وفي واشنطن رفض كيسنجر طلب مصر ارسال قوات اميركية وسوفييتية الى المنطقة. وكتب في مذكراته بعد ذلك «اننا مصممون على مقاومة وجود قوات سوفييتية في الشرق الأوسط حتى لو لجأنا الى القوة».

وفي الساعة 35,9 مساء تلقى كيسنجر مكالمة من السفير دوبرنيف الذي قال انه تلقى رسالة من بريجينيف الى نيكسون، وهي رسالة عاجلة جداً سيقرأها على الهاتف قبل ان يرسلها.وعندما سمع كيسنجر ان السوفييت يدرسون اتخاذ الخطوات المناسبة بصورة منفردة، ادرك ان ازمة كبيرة بدأت تتشكل.

كانت فضيحة ووترجيت في ذروتها ومعنويات نيكسون في الحضيض، وعندما وصلت رسالة بريجينيف كان نيكسون قد خلد الى النوم. فسأل كيسنجر كبير موظفي البيت الابيض الكسندر هيج عما اذا كان الامر يستدعي ايقاظ نيكسون. فرد هيج بشكل قاطع «لا». إلا انه كان يتعين اتخاذ قرار. واستدعى كيسنجر كبار المسئولين الذين يتابعون أزمة الشرق الأوسط، ومن بينهم وزير الدفاع جي شليزنجر ومدير السي آي ايه وليام كولبي ورئيس هيئة الأركان توماس مور ومساعد الرئيس الجنرال برنت سكوكروفت بالاضافة الى هيج.

وبحث المجتمعون التهديد السوفييتي بجدية، فقد ذكرت السي آي ايه ان السوفييت يعدون طائرات لنقل قوات الى الشرق الأوسط، وانه تم وضع فرق محمولة جواً في حالة الاستعداد القصوى، وان الأسطول السوفييتي في البحر المتوسط قد عزز قطعه بصورة غير مسبوقة. وقرر الحاضرون في الاجتماع صياغة رد هادئ على رسالة بريجينيف، تهدف الى سحب السوفييت الى طاولة المحادثات، كما قرر رفع حالة الاستعداد بين افراد القوات المسلحة الاميركية. وكان كيسنجر يغادر الاجتماع من وقت لآخر ليتشاور مع دينتز الموجود في غرفة مجاورة.

وخلال الاجتماع علم ان ثماني طائرات سوفييتية عملاقة سوف تطير من بودابست الى القاهرة في غضون الساعات القليلة المقبلة. وبالاضافة الى ذلك تم وضع عناصر من القوات المسلحة الألمانية الشرقية في حالة استعداد. وفي الساعة 20,12 صباحا قرر المجتمعون تحذير الفرقة الاميركية 82 المحمولة جوا باحتمال تحركها في أية لحظة. وبعد خمس دقائق صدرت الأوامر إلى حاملة طائرات في المحيط الأطلسي بالانضمام الى حاملتين أخريين في البحر المتوسط.

وفي الساعة 45,1 صباحا صدرت الأوامر إلى قائد القوات الأميركية في أوروبا بارجاء عودة مقررة لقوات أميركية شاركت في مناورات لحلف الناتو. وفي الساعة3.30 صباحا أصدرت هيئة الأركان المشتركة أوامرها للقيادة الجوية الاستراتيجية باعداد القاذفات بي 52 القادرة على حمل قنابل نووية، كما تقرر عدم تسليم الرد إلى بريجينيف حتى الساعة 5.30 صباحا ،  لاعطاء الوقت للمخابرات السوفييتية لمعرفة الاجراءات الأميركية، ولاعطاء الوقت للجيش الأميركي لبدء تنفيذ هذه الاجراءات.
وخلال الاستراحة قال كيسنجر لدينتز انه يتوقع بدء وصول القوات السوفييتية الى القاهرة في غضون يومين. وأعرب دينتز عن تشككه من امكانية تدخل السوفييت، مشيرا الى انه منذ الحرب العالمية الثانية لم تدخل قوات سوفييتية في معارك بدول ليست لها حدود مع الاتحاد السوفييتي. رد كيسنجر قائلا: هناك دائما مرة أولى.

تحول البحر المتوسط إلى ساحة للصراع الخفي بين السوفييت والأميركيين، وقد رصدت الأجهزة الالكترونية منظومات الصواريخ السوفييتية وهي تتابع باستمرار حاملات الطائرات الأميركية. كما كانت الطائرات الأميركية تقوم بطلعات مستمرة فوق السفن السوفييتية. بالنسبة لاسرائيل، فإن محاصرة الجيش المصري الثالث كانت مجرد عملية نفسية من النوع الذي كانت تسعى إليه منذ بداية حرب أكتوبر، بعد أن تلقت أقسى ضربة في تاريخها.

يقول المؤلف ان محاولات المصريين يوم الجمعة لكسر الثغرة ووضع لواء عبر القناة عند مدينة السويس استغلتها اسرائيل لقصف أهداف رئيسية، مثل مراكز القيادة واحتياطيات المياه.

ورد المسئولون الأميركيون بغضب. وقال مسئول بوزارة الدفاع الأميركية للملحق العسكري الاسرائيلي: «آمل أن يكون واضحا لكم أنكم تدخلون في مواجهة مع قوة عظمى». بينما أبلغ كيسنجر دينتز: «دعني أقل لك كصديق ان اسرائيل تتورط في لعبة خطيرة».

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


دور ماكر

يرى المؤلف ان كيسنجر قد لعب دورا غاية في المكر. ففي البداية دفع اسرائيل خلال الحرب لتوجيه ضربة قوية، أقوى في الواقع مما تستطيع اسرائيل، من أجل إظهار تفوقها العسكري، ولكن عندما بدأ الاسرائيليون في فتح الثغرة عند الدفرسوار، اتجه نحو اصدار قرار سريع بوقف اطلاق النار يحافظ على مكاسب المصريين. وباختصار تجد اسرائيل نفسها وقد خرجت من الحرب شبه فائزة ولكنها ليست منتصرة.

وفي الساعة الحادية عشرة من مساء الجمعة 26 أكتوبر، اتصل كيسنجر بدينتز وقال له انه يقرأ عليه رسالة من الرئيس نيكسون. فأولا عملية تدمير الجيش الثالث «خيار غير قائم». وثانيا يريد الرئيس الأميركي ردا بحلول الساعة الثامنة من صباح غد السبت على ما اذا كانت اسرائيل ستسمح بوصول امدادات غير عسكرية الى القوة المحاصرة.

واذا كانت الاجابة بالنفي، فإن الولايات المتحدة ستؤيد ـ للأسف ـ طلبا من الأمم المتحدة بانسحاب إسرائيلي إلى خطوط 22 أكتوبر. وهذا سيؤدي إلى فتح طرق الامداد إلى الجيش الثالث، وإلى تفاقم وضع عملية الانتشار التكتيكي الاسرائيلي.
وقبل خمس ساعات من انتهاء إنذار كيسنجر وصلت رسالة إلى واشنطن من حافظ إسماعيل تفيد بأن مصر قد قبلت عرضاً اسرائيلياً باجراء محادثات مباشرة بين الطرفين. وحددت القاهرة مكان الاجتماع عند الكيلو 101 على طريق السويس الصحراوي. وعين المصريون الفريق عبدالغني الجمسي كممثل لهم، لكنهم وضعوا شرطين مسبقين للاجتماع وقف تام لاطلاق النار ومرور قافلة تحمل مواد غير عسكرية الى الجيش الثالث.

قبلت غولدا مائير الشرطين، وكلفت الجنرال ياريف ليكون ممثلا عن الجانب الاسرائيلي. وفي الساعة 30,1 من صباح الأحد 28 اكتوبر عقد الاجتماع في خيمة كبيرة وكانت هذه هي المرة الاولى التي تدخل فيها الدولتان في مفاوضات مباشرة.وكان من المقرر أن تجرى محادثات اخرى في واشنطن خلال الايام التالية. وقام اسماعيل فهمي القائم بأعمال وزير الخارجية المصري بزيارة كيسنجر في مكتبه في 29 اكتوبر بدون دعوة، وبعد يومين قامت مائير بزيارة مماثلة.

وقبل توجهها الى واشنطن قامت مائير بزيارة القوات الاسرائيلية على الجبهة الجنوبية مع ديان واليعازر، وهي الزيارة الاولى لها منذ بدء الحرب. وعندما سألها أحد الجنود عن السبب وراء السماح بمرور امدادات للجيش الثالث المصري قبل اطلاق سراح الاسرى الاسرائيليين، ردت بأن الضغوط الأميركية لم تترك لها خياراً آخر. وعندما سألها جندي آخر عن سبب عدم استعداد اسرائيل لنشوب حرب بهذا الشكل.

قالت انها لا تستطيع الرد على هذا السؤال، فهي ليست خبيرة في الشئون العسكرية، وتعتمد في ذلك على الرجلين الجالسين الى جوارها، أي وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان. فأثار ردها غضب الليفتنانت كولونيل يوم توم تامير الذي كان لا يزال يشعر بالمهانة بعد تدمير كتيبة مدرعاته في اليوم الأول من الحرب. وصاح قائلا «لأنك لا تفهمين هذه الأمور فقدت 58 رجلا!».

يقول المؤلف ان السؤال الذي طرحه الجندي بشأن عدم استعداد اسرائيل أصبح سؤالا ملحا على الجبهة الداخلية الاسرائيلية في الايام التالية. فالرجلان اللذان اشارت اليهما غولدا مائير وهما ديان واليعازر، يقدمان اجابات متناقضة عن السؤال.
فخلال شهادة أمام لجنة الشئون الخارجية والدفاع بالكنيست وضع اليعازر اللوم فيما يتعلق بالانتكاسات على عدم تعبئة أفراد الاحتياط في الوقت المناسب، وقال: «لو كنا قد قمنا بالتعبئة في الوقت المناسب، لكانت الحرب قد استمرت ثلاثة أو أربعة أو ستة أيام. لقد كانت هناك أخطاء، لكن هيكل الجيش واستعداداته للحرب كانت سليمة».

كانت هذه شهادة، كما يقول المؤلف، تجاهلت عنصر المفاجأة المذهلة للتكتيكات المصرية المضادة للدبابات، والمرونة غير المتوقعة لقوات المشاة المصرية، واهمال اسرائيل للعمليات المجتمعة للاسلحة المختلفة وشلل سلاح الطيران في مواجهة صواريخ سام. واختلف ديان في الرأي فيما يتعلق بكل نقطة من النقاط التي طرحها اليعازر. رأى ديان ان المشكلة أعمق بكثير من مجرد عنصر المفاجأة وعدم تعبئة الاحتياط في الوقت المناسب.

وقال ان: «مفهوم عمليات الجيش ثبت عدم صحته». واضاف في تصريحات لرؤساء تحرير الصحف الاسرائيلية: «انه حتى اذا حدثت عملية التعبئة الشاملة، فان الدبابات لم تكن تستطيع الاقتراب من دون ان تصيبها الصواريخ المصرية، وكذلك الحال بالنسبة للطائرات. لقد أشارت تقديراتنا الى أنه لو كانت هناك 300 دبابة في سيناء و180 في الجولان، فإنها ستكون كافية، لكنها لم تكن كافية».


الجسر الجوي الأميركي

 
يقول المؤلف ان الجسر الجوي الاميركي كان مهما لاسرائيل من الجانب المعنوي اكثر منه من الجانب العسكري. لقد نقل هذا الجسر نحو 22 ألف طن من الامدادات العسكرية لاسرائيل، مما سمح بزيادة مخزون الاسلحة وادى الى احساس بالأمان الى حد ما. ورؤية الطائرات الاميركية العملاقة وهي تهبط في مطار اللد بمعدل اربعين مرة في اليوم الواحد جعل الاسرائيليين يشعرون بأنهم ليسوا وحدهم في الحرب، بل تقف الولايات المتحدة، القوة العظمى، بجانبهم.

وهذا ما دفع بالرئيس المصري أنور السادات الى القول انه لم يعد يحارب اسرائيل وانما الولايات المتحدة. كانت توترات الثلاثة اسابيع الماضية بادية بوضوح على وجه مائير عندما التقاها كيسنجر لدى وصولها الى واشنطن. وقد قال في مذكراته بعد ذلك: «ان الحرب قد قضت عليها».

وكان على جدول أعمال زيارتها موضوع تبادل الأسرى وتحديد خط وقف اطلاق النار. ومع ذلك فإن الهدف الحقيقي غير المعلن لزيارتها هو معرفة ما اذا كانت علاقات أميركا باسرائيل باتت مهددة نتيجة لجهود واشنطن لجعل مصر تدور في فلكها.لقد حدث تطور مثير للقلق، عندما وضع كيسنجر في موسكو الخطوط العريضة لقرار وقف اطلاق النار مع السوفييت من دون استشارة اسرائيل.

وفي هذا الصدد قال كيسنجر في مذكراته «ان التعنت العربي والضغط السوفييتي اوجد وهما مفاده ان اسرائيل لا يتعين عليها انتهاج سياسة خارجية، ولكن سياسة دفاعية فقط. ان تحول مصر الى الاعتدال قد انهى هذا الوهم. ان غولدا لم تكن تقف ضد استراتيجية اميركية ولكن ضد واقع جديد أكثر تعقيدا».

وهنا يقول المؤلف: ان مفتاح التطور المستقبلي يكمن في القاهرة مع الرجل الذي قلب أوضاع المنطقة رأساً على عقب. واتجه كيسنجر الى القاهرة ليعقد أول اجتماع له مع السادات بعد اسبوعين من توقف القتال. وتحقق التقارب بين الرجلين في الحال، وكلاهما أعرب عن تقديره لحكمة الآخر ورؤيته.

وقال كيسنجر في مذكراته: «لقد أحسست بأن السادات يمثل أفضل فرصة لتجاوز المواقف المتجمدة التي عرفها الشرق الأوسط منذ قيام اسرائيل». وبعد سلسلة من المحادثات وافق السادات على اقتراح كيسنجر الذي يتضمن اتفاقاً رسمياً بوقف اطلاق النار ، وتزويد الجيش الثالث بالامدادات من خلال نقاط تفتيش تابعة للأمم المتحدة، وهي النقاط التي ستحل مكان النقاط الاسرائيلية المقامة على طريق السويس، وتبادل الأسرى.وفي 11 نوفمبر وقع الفريق محمد عبدالغني الجمسي والجنرال باريف على الاتفاق في الكيلو 101.

وتحول الحوار الذي بدأ في خيمة بالصحراء بين جنرالين الى مؤتمر دولي رسمي عقد في جنيف بعد شهر، وحضره كيسنجر ووزراء خارجية مصر واسرائيل والاردن والاتحاد السوفييتي. ولأول مرة يجلس وزراء خارجية عرب على الطاولة نفسها مع نظيرهم الاسرائيلي. وامتنعت سوريا عن الحضور، لكن مقعدا شاغراً ألمح إلى امكانية حضورها في المستقبل. وتوصل المؤتمر في 21 ديسمبر إلى اطار رسمي لعملية سلام، سيتم كشف النقاب عن تفاصيلها خلال الاشهر المقبلة، ليس في جنيف، ولكن خلال الرحلات المتعددة التي سيقوم بها كيسنجر، والتي وصفت بالدبلوماسية الحكومية.

ونجح كيسنجر في تحقيق أول اختراق مهم له، عندما وقعت مصر واسرائيل على اتفاقية فصل بين القوات في 18 يناير 1974 تدعو إلى انسحاب اسرائيلي عبر القناة إلى خط عند المضايق. وتبقى القوات المصرية في سيناء على أن تكون هناك منطقة عازلة بين الجانبين تتواجد فيه الأمم المتحدة.

وأنهت الاتفاقية فترة متوترة من وقف اطلاق النار استمرت عشرة اسابيع شهدت خرقاً متكرراً من الجانبين، وبلغت خسائر اسرائيل خلال هذه الفترة 14 قتيلاً و65 جريحاً.

وبهذه الاتفاقية لم يبق لاسرائيل سوى أن تعيد بناء جيشها استعداداً للجولة المقبلة، إلا أن السادات اتخذ خطوة مفاجئة جديدة أذهلت مائير، فقد بعث إليها رسالة عن طريق كيسنجر يقول فيها: «عليك ان تأخذي كلمتي بجدية، فعندما هددت بالحرب، كنت أعني ما أقول. وعندما اتحدث الأن عن السلام، فاني اعني ما اقول.

اننا لم نجر اتصالاً فيما بيننا من قبل. ولدينا الان خدمات د. كيسنجر. لنستخدمه ونتحدث مع بعضنا البعض من خلاله».كان رد الفعل الاولي لمائير هو التشكك وسألت كيسنجر «لماذا يفعل ذلك؟» لكنها كتبت رداً حمله كيسنجر معه إلى القاهرة قالت فيه «إنني آمل بكل أخلاص في أن تستمر هذه الاتصالات، وان تكون بمثابة نقط تحول في علاقتنا».

وعلى الجبهة السورية تمكن كيسنجر بعد 34 يوماً من الرحلات المكوكية بين دمشق وتل ابيب من التوصل إلى اتفاق في شهر مايو 1974 يدعو اسرائيل للانسحاب من الجيب الذي استولت عليه بعد حرب اكتوبر ومن مدينة القنيطرة التي كانت على الجزء الاسرائيلي من خط وقف اطلاق النار كما انسحبت اسرائيل من أجزاء صغيرة من الاراضي على طول الجزء الجنوبي من الخط بما فيها النقطة 116 الحصينة. وفي المقابل وافقت سوريا على تبادل الاسرى وعلى وجود قوة مراقبة تابعة للأمم المتحدة بين الخطين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


دروس الحرب

في 5 يونيو وقع ممثلون عسكريون من الجانبين السوري والاسرائيلي على اتفاقية فصل القوات في جينف. وبذلك انتهت حرب أكتوبر على الجبهتين الشمالية والجنوبية.وبدأت اسرائيل تفكر في الدروس المستفادة من الحرب. وفي مقال نشر في احدى الصحف العسكرية الاسرائيلية قال موشى بار كوشبا، وهو جنرال بسلاح المدرعات:

«ان كبار قادة الجيش الاسرائيلي لم يتلقوا التدريب الكافي في مجال فنون الحرب الحديثة. وهذا هو السبب الذي جعل القيادة تطبق نظام خطوط الدفاع الثابتة المعتمد على اقل عدد من القوات، بدلاً من اسلوب الدفاع المرن. ان هروب المستقبل تتطلب مستوى تعليم جامعي وكبار الضباط لايزالون في مراحل التعليم المدرسي».

وقال: «إن الافتراضات الاساسية للقيادة العسكرية الاسرائيلية انهارت في غضون الثماني والاربعين ساعة الأولى من القتال «مثل الثقة التي منحها جهاز المخابرات العسكرية الاسرائيلي «أمان» للسلاح الجوي ومدى كفاءته في الهيمنة على سماء ساحات المعارك.

وفي الكفاءات الضعيفة للجيوش العربية واضاف ان استثمار أكثر من نصف ميزانية الحرب في السلاح الجوي كان سوء تقدير في الحسابات. وقال انه لو تم تخصيص طائرات أقل بعشرين طائرة للسلاح الجوي، لأمكن استخدام هذا الوفر في انشاء فرقتين مدرعتين آخريين، الأمر الذي كان يمكن ان يحدث فرقاً على كلا الجبهتين.

ويتساءل المؤلف: من المنتظر؟ ويجيب قائلاً ان السادات نجح، كجواهرجي يعقتل حجراً كريماً، في توجيه ضربته العسكرية بمهارة فائقة تؤدي إلى عملية سياسية تفضي إلى استعادة مصر لكل سيناء. والأكثر اهمية من استعادة الاراضي، هو أداء الجيش المصري، الذي استعاد الكرامة والكبرياء بعدما تعرض له في يونيو 1967.

وسياسياً كان الانتصار المصري مذهلاً، ومعنوياً حققت مصر انتصاراً واضحاً. فقد امتلكت عنصر المبادرة، وخاطرت باحتمال تكبد هزيمة أخرى، وخرجت منتصرة مرفوعة الرأس.

وفي اسرائيل، ادى السقوط المريع نتيجة الثقة الزائدة في النفس، إذا لم نقل الاستعلاء، الى اصابة الاسرائيليين بصدمة عنيفة. فالمفاجآت المتوالية لتطورات الحرب لم تثر فقط مجرد احتمال الهزيمة ولكن الفناء أيضاً. وما حاولت القيادة الاسرائيلية تحقيقه خلال الايام الاخيرة من الحرب لم يكن علاجاً كافياً لهذه الصدمة النفسية العنيفة.وعلى الرغم من محاصرة الجيش الثالث، فإنه عندما جرى تنفيذ وقف اطلاق النار كانت مصر، وليست اسرائيل، هي التي شملها الشعور بالانتصار.

لقد شعرت اسرائيل في نهاية الحرب بالمرارة. حيث فقدت عدداً من الجنود في 19 يوماً يزيد ثلاث مرات (بنسبة وتناسب لتعداد سكانها) بالمقارنة مع ما فقدته الولايات المتحدة في حرب فيتنام خلال 10 سنوات. ولأول مرة في احدى حروب اسرائيل، يعاني عدد كبير من المصابين بين 10 ـ 23% ـ من صدمات نفسية نتيجة لما تعرضوا له خلال القتال، ونتيجة لصدمة المفاجأة الاولى، وذلك وفقاً لدراسات مختلفة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحلقة الاخيرة

 

هكذا رأت لجنة أجرانات النور، سقوط مدو لحكومة مائير وإقالة رئيس الاركان والمخابرات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يشير المؤلف الى ان وسيلة العلاج الاساسية لمواجهة هذا الغضب المتزايد كانت تشكيل لجنة تحقيق للرد على كل الاسئلة التي يطرحها المتظاهرون. وكان واضحاً لديان ومائير حتى قبل ان تنتهي الحرب أن رؤوساً سوف تطير من دون استثناء رأسيهما .

ـ وان تحقيقاً تجريه هيئة تتمتع بسمعة طيبة يمكن ان يكون الحل الوحيد لاستعادة ثقة الاسرائيليين في الحكومة والجيش وفي غضون ثلاثة اسابيع من وقف اطلاق النار، عهد الى القاضي شيمون اجرانات الاميركي المولد ورئيس المحكمة الاسرائيلية العليا برئاسة لجنة مكونة من خمسة اعضاء، للتحقيق في الاحداث التي سبقت الحرب والانتكاسات التي مني بها الجيش الاسرائيلي خاصة خلال الايام الاولى.

وتم تأجيل انتخابات الكنيست في اكتوبر بسبب الحرب الى 31 ديسمبر. وعلى الرغم من فوز حزب العمل بزعامة جولدا مائير إلا ان عدد مقاعد الحزب في الكنيست تراجع. طلبت مائير من ديان البقاء كوزير للدفاع في الحكومة الجديدة، إلا انه قال لها انه اذا وجدت لجنة اجرانات انه مسئول عن الفشل في الحرب فإنه سيستقيل، وكان الرأي العام الاسرائيلي قد صب جام غضبه على ديان، حتى قبل ان يصدر تقرير اللجنة. وخلال الجنازات العسكرية هتف اقارب القتلى في وجه ديان قائلين: «أيها القاتل!».
وفي 2 ابريل 1974، نشرت لجنة أجرانات ما توصلت اليه من نتائج أولية. وطالبت اللجنة بستة رؤوس على رأسها رأس الجنرال اليعازر، وقالت اللجنة في حيثياتها: لقد توصلنا الى نتيجة مفادها ان رئيس هيئة الاركان ديفيد اليعازر يتحمل المسئولية المباشرة عما حدث قبل الحرب، سواء بالنسبة لتقويم الوضع أو بالنسبة لاستعدادات الجيش الاسرائيلي.
كما اوصت اللجنة بطرد زيرا من منصبه كرئيس للمخابرات العسكرية، وذلك لفشله الذريع وكذلك طرد نائبه البريجادير جنرال شاليف من منصبه. كما اوصت اللجنة بنقل ضابطين آخرين من المخابرات العسكرية، هما اللفتنانت كولونيل باندمان رئيس القسم المصري في جهاز المخابرات العسكرية «امان» واللفتنانت كولونيل جيداليا ضابط المخابرات الرئيسي بالقيادة الجنوبية. وقالت اللجنة انه يجب وقف الجنرال جونين حتى تستكمل تحقيقاتها.

اما بالنسبة لمائير وديان فلم تحملهما اللجنة أية مسئولية. وقالت اللجنة ان ديان لم تكن لديه اية وسيلة مستقلة لتقويم احتمال الحرب، وليس من المفروض على وزير الدفاع ان يقوم بدور «رئيس أركان سوبر» يوجه رئيس الاركان في احد مجالات مسئوليته. ووجدت اللجنة ان مائير قد استخدمت صلاحيات منصبها على نحو صحيح وحكيم، عندما امرت بتعبئة الاحتياطي في صباح عيد الغفران على الرغم من الضغوط السياسية الهائلة.

أثارت هذه النتائج غضباً واسع النطاق لعدم شمولها ديان ومائير، وطالب الرأي العام الاسرائيلي باستقالتهما، خاصة باستقالة ديان. وكانت مائير قد رفضت مرتين خلال الحرب العرض الذي تقدم به ديان للاستقالة، كما دافعت عنه بعد ذلك في مواجهة وزراء آخرين طالبوا باستقالته.

وبعد تقرير اللجنة، سألها ديان مرة اخرى عما اذا كانت تريد ان يقدم استقالته وفي هذه المرة قالت مائير انه يتعين على زعامة حزب العمل ان تقرر ذلك. ولكن بعد اسبوع واحد من صدور التقرير أعلنت استقالتها، قائلة انها لا تستطيع تجاهل غضب الرأي العام واجبرت هذه الخطوة مجلس الوزراء بكامله على الاستقالة، وتم تنفيذ استقالة الحكومة في شهر يونيو بعد الاشتباك مع القوات على الجبهة السورية وتولى رئاسة الحكومة الجديدة اسحق رابين، بينما تولى شيمون بيريز منصب وزير الدفاع.

وواصلت حرب اكتوبر سحق ضحاياها حتى بعد مرور وقت طويل على وقف اطلاق النار. وترك الجنرال اليعازر الجيش، وهو يشعر بحزن عميق لان لجنة اجرانات حملته مسئولية الفشل، بينما اعفت ديان.

وهنا يقول المؤلف انه على الرغم من الجهد الكبير الذي بذله اليعازر إلا انه يتحمل، بوصفه رئيساً للاركان، مسئولية الفشل في اعادة تنظيم التشوهات التي كان عليها الوضع العسكري الاسرائيلي قبل الحرب لقد كان هناك ثمن يجب دفعه مقابل ما حدث في حرب أكتوبر، ولابد من ان يكون اليعازر جزءاً من ذلك الثمن حتى لو كان قد بذل جهداً كبيراً خلال سير المعارك.

ويسجل كاتب سيرته هاندش بارتوف انه بعد وقت قصير من وقف اطلاق النار، وكان لايزال رئيساً للاركان، دخل اليعازر غرفة بمقر الجيش، حيث كان طاقم السكرتارية يعملون على وثيقة طلبها منهم وكان الراديو يبث أغنية مؤثرة تلمح إلى آلام الحرب. كانت هذه المرة الأولى التي يستمع فيها اليعازر لهذه الاغنية التي كانت منتشرة، ويحفظها معظم الاسرائيليين.

تجمد اليعازر في مكانه، وعندما انتهت هرول إلى مكتبه من دون ان يأخذ الوثيقة. هرعت سكرتيرته خلفه، وعندما فتحت الباب وجدت الرجل الذي وصفته مائير وآخرون بـ «الصخرة» جالساً أمام مكتبه يمسك رأسه بين يديه وقد انخرط في البكاء تراجعت السكرتيرة من دون ان تجعله يشعر بها. وبعد عامين من الحرب توفي اليعازر، متأثراً بأزمة قلبية عن عمر بلغ 51 عاماً فقط.

ويقول المؤلف انه على الرغم من ان ديان كان يرمز بالنسبة لمتظاهرين إلى العجرفة التي قادت اسرائيل الى حافة الكارثة، فإنه كان اكثر القيادات الاسرائيلية تمتعاً ببعد النظر. فقدرته على تحقيق التناغم بين الاعتبارات السياسية والعسكرية وعلى التفكير الابداعي تجعله في مرتبة واحدة مع تفكير السادات. لقد كان اقتراحه في 1970 بانسحاب اسرائيلي من منطقة القناة واقامة منطقة عازلة بين الجيشين.

وهو الاقتراح الذي رفضته مائير، سيجنب اسرائيل ذلك النوع من الهجوم الذي شنته مصر في عيد الغفران، على الرغم من انه قد لا يجنبها الحرب نفسا. وقد خرج ديان من حرب أكتوبر وقد صمم على استكشاف طريق السلام. ولتحقيق ذلك غيّر انتماءه الحزبي وانضم الى حكومة الليكود بزعامة مناحيم بيجين، التي جاءت الى السلطة في 1977، كوزير للخارجية، ولعب دوراً رئيسياً في احراز التقدم على طريق السلام مع مصر.
اما الجنرال زيرا الذي أجبر على التقاعد من الجيش فقد ذكر في كتاب نشره بعد عشرين عاما من الحرب أنه ربما يكون المصدر الذي مرر لاسرائيل خطة الحرب المصرية عميلاً مزدوجاً، وهو افتراض رفضه النقاد وكبار محللي جهاز المخابرات الاسرائيلية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 


جونين يتصدر الضحايا

كان الجنرال شموئيل جونين أحد اكبر ضحايا حرب اكتوبر. فبعد شبه تنحيته كقائد للجبهة الجنوبية خلال الحرب وقيام بارليف بمهامه، فان تقرير اجرانات النهائي اجبره على ترك الجيش. وعلى الرغم من ان المؤسسة الاسرائيلية عادة ما تجد وظائف مناسبة للجنرالات المتقاعدين، فإنها لم تعرض عليه أية وظيفة. واعتقد جونين ان ديان هو المسئول عن العار الذي لحق به، وقال بعد ذلك للصحافيين انه فكر ان يقتحم مكتب ديان ويطلق عليه الرصاص.

إلا أنه بدلاً من ذلك قضى 13 عاما في ادغال جمهورية افريقيا الوسطى، بحثا عن الماس حتى يصبح رجلاً ثرياً بما يسمح له باستخدام افضل المحامين في اسرائيل لاثبات خطأ نتائج أجرانات وتبرئة ساحته. لكنه لم ينجح في تحقيق ذلك، وتوفي متأثرا هو الآخر بأزمة قلبية في عام 1991 خلال احدى رحلات العمل المتكررة التي قام بها لأوروبا. ومن بين مقتنياته القليلة التي عادت إلى أسرته، خرائط لسيناء التي يبدو انه كان قد أعد عليها خططاً للحرب خلال فترة منفاه الاختياري في الادغال.

 

 

 

 

 

 

 


السادات أكبر المنتصرين

يرى أبراهام رابينوفيتش مؤلف الكتاب ان اكبر المنتصرين في حرب 6 أكتوبر كان الرئيس المصري أنور السادات، فقد تصرف بجرأة ـ على حد تعبير جولدا مائير ـ واقدم على خطوة عسكرية جسورة اعادت لمصر كرامتها، واقدم على عملية دبلوماسية جريئة أعادت لمصر سيناء بكاملها. وفي 9 نوفمبر 1977 ألقى خطاباً امام البرلمان المصري، قال فيه «انني على استعداد للذهاب الى اقصى الارض، وسوف تندهش اسرائيل وأنا اقول ذلك، انني على استعداد للذهاب اليهم، واتحدث أمام الكنيست نفسه».

وبعد عشرة أيام من خطابه هذا، اطلق عنان العملية الدبلوماسية في هجوم مفاجيء لا يقل عن مفاجأة عبور قناة السويس. وكان وصول السادات الى مطار بن غوريون الدولي بدعوة من رئيس الوزراء مناحم بيغن واحداً من الاحداث الاكثر اثارة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. من فوق منصة الكنيست اعلن السادات أن «لا حرب بعد الآن».

وقبل أشهر قليلة من زيارته، نظر السادات الى السلام مع اسرائيل في شكل معاهدة تقضي بعدم شن حروب وقال ان التطبيع والعلاقات الدبلوماسية سوف نتركها لأجيال قادمة في ظل الدموية التي شهدها الماضي القريب ومع ذلك فإنه قرر في نهاية المطاف السعي لتحقيق اختراق نفسي مع اسرائيل بالمضي لآخر الطريق الدبلوماسي.
وقال انه من الحتمي بالنسبة لمصر ان تبعد نفسها عن دائرة الحرب مع اسرائيل، فالاوضاع الاقتصادية والاجتماعية لا تتحمل مواجهة الى ما لا نهاية، بل لا تتحمل حرباً قصيرة تستنفد نفقات هائلة وبعد أربع سنوات من زيارته للقدس، اغتاله متشددون وهو يتابع العرض العسكري في ذكرى حرب اكتوبر.

 

 

 


كيسنجر المنتصر الآخر

أما ثاني اكبر المنتصرين في حرب أكتوبر فهو رجل كان على بعد ستة آلاف ميل من ساحة المعارك وهو وزير الخارجية الاميركي هنري كيسنجر الذي نجح باقتدار، على حد قول المؤلف، في ادارة سيناريو الاحداث حتى تمكن من ايصالها الى الحل السلمي، وتمكن خلالها من تنحية الاتحاد السوفييتي وادخال اكبر دولة في العالم العربي تحت المظلة الاميركية.

كما كان للحرب تأثير كبير على جيوش العالم، فقد أثار النجاح الهائل لصواريخ «ساجر» وقذائف الآر بي جي» الكثير من الجدل حول أهمية الدبابات. وتوصل الخبراء بعد دراسات مستفيضة إلى أنه مع تحسين التدريع واستخدام تكتيكات مختلفة، يمكن ان تواصل الدبابات دورها المهيمن في ساحات المعارك.

وقد وصل جنرالان اميركيان كبيران الى اسرائيل في أعقاب الحرب، وتفقدا ساحات القتال، وتناقشا مع عدد من الجنرالات الاسرائيليين وكانت الولايات المتحدة قد تورطت لعقد من الزمان في مستنقع فيتنام. وخلال تلك الفترة حقق السوفييت تقدماً على صعيد الاسلحة الجديدة. وعندما تم توقيع اتفاق وقف اطلاق النار في فيتنام عام1973، أراد الاميركيون الاستفادة من درس حرب اكتوبر وجعله رصيداً يستخدم في الحروب المقبلة.

ووجد الجنرالات ان معارك الدبابات خلال حرب اكتوبر شهدت كثافة لم يسبق لها مثيل. فقد شاركت في المعارك التي جرت في سيناء وعلى هضبة الجولان اعداد من الدبابات تفوق تلك التي شاركت في اية معركة من معارك الحرب العالمية الثانية. كما ان الكثافة لاتنبع من مجرد الاعداد الهائلة للدبابات، بل ايضا من الاسلحة المميتة للدبابات ومداها ودقتها. لقد علم الجنرالات ان كتائب دبابات قد دمرت بكاملها في ساحة القتال في غضون ساعات.

وقد لعب ما عرفه الجنرالات دوراً مهماً في اعادة تشكيل سلاح المدرعات الاميركي نفسه. وقالا في تقريرهما لدى عودتهما الى واشنطن ان ساحة القتال المستقبلية ستحتشد بالدبابات وبالاسلحة المضادة لها بصورة أكبر بكثير مما نعرف الآن.

واشار الى ان خسائر الدبابات المجمعة على الجانبين الاسرائيلي والعربي خلال الاسبوع الاول من الحرب «تجاوزت كل مخزون الجيش الاميركي من الدبابات في اوروبا وقال احدهما وهو الميجور جنرال دون ستاري انه: نظراً لأعداد الاسلحة الحديثة وقوتها المميتة، فان ساحات القتال المستقبلية يمكن ان تتوقع خسائر كثيقة وهائلة بالمعدات في غضون فترة قصيرة من الوقت».

وبيما كانت الدبابات في الحرب العالمية الثانية تطلق قذائفها من مسافات تبلغ في المتوسط 750 ياردة، كانت الدبابات في حرب السادس من اكتوبر تطلق قذائفها من مسافات تتراوح بين الفي ياردة وثلاثة آلاف ياردة أو اكثر. وهذا يعني عدداً أكبر من القتلى. كما ادى تطوير صواريخ «ساجر» الى زيادة اعداد القتلى في ساحة المعارك، وكذلك الامر بالنسبة لقذائف «الآر. بي. جي».

واختتم الجنرال ستاري تقريره قائلاً: «ان المعارك الحديثة تقرر النتيجة بعوامل اخرى بالاضافة الى نطاق القوات، فالجانب الذي يمتلك عنصر المبادرة ويواصل الاحتفاظ بها حتى النهاية هو الجانب الذي سينتصر، كما تحسم المعارك من خلال بسالة الجنود وشخصية القيادات والقدرات القتالية للوحدات ذات التدريب الجيد». وبالنسبة للجنود فقد تركت المعارك ندوباً نفسية استمرت طويلاً قبل التئامها. ويقول المؤلف ان احد الامثلة على ذلك كان اللفتنانت شيمون مالياش، الذي قاتل في معركة المزرعة الصينية، فقد ظل لشهور تطارده ذكرى الليفتنانت رابينوفيتش ووعده الذي لم يف به لانقاذ حياته.

 

 

 

 

 

 


نقطة تحول

لا يرى المؤلف الكتاب ان حرب أكتوبر حققت نقطة تحول مهمة في الصراع العربي ـ الاسرائيلي. فباستعادة مصر لكرامتها فتحت الطريق أمام اتفاق كامب ديفيد للسلام في 1979. وبعد ذلك بخمسة عشر عاماً وقعت اسرائيل اتفاقية سلام مع الأردن.ويقول انه مع ذلك فإن احتمال نشوب حرب جديدة في الشرق الاوسط يظل احتمالاً قائماً، خاصة في ظل عدم حل القضية الفلسطينية.

ويرى المؤلف الاسرائيلي ان حرب أكتوبر على الرغم من أبعادها الكارثية على اسرائيل فإنها عززت من ردعها العسكري، ولم تقض عليه، وإنه من الصعب تخيل حدوث ضربة مفاجئة أخرى بعد تلك الضربة التي وجهتها مصر وسوريا لاسرائيل في أكتوبر 1973، لتحققا معاً مفاجأة استراتيجية وتكتيكية في حرب على جبهتين، تم خوض معاركها وفقاً لخطط تم التدريب عليها لسنوات، ووقفت الى جانبها قوة عظمى.

وهنا يتجاهل الكاتب الحقيقة الواضحة لأي محلل سياسي وعسكري محايد، وهي نطاق الدعم الأميركي اللامحدود لاسرائيل، سواء على صعيد المعلومات الاستخبارية، أو على صعيد الدعم العسكري اللامحدود قبل الحرب وخلالها والجسر الجوي الأميركي لتزويد اسرائيل بكل ما طلبته من سلاح وطائرات الشحن الأميركية التي كانت تهبط كل نصف ساعة تقريباً في مطار بن غوريون لتفرغ شحناتها من الاسلحة والذخيرة لتعويض ما خسرته في المعارك وأكثر.
ويتناسى المؤلف الدور الذي لعبه هنري كسينجر وزير الخارجية الاميركي في تعزيز الموقف العسكري الاسرائيلي ومطالبته تل أبيب بأن تضرب بعنف وبقوة وتحقق أكبر قدر ممكن من المكاسب قبل تنفيذ وقف اطلاق النار، وتبليغ السفير الاسرائيلي الذي كان دائماً ينتظر بجوار مكتبه بتطورات الموقف سواء مع الرئيس نيكسون او مع القيادة السوفييتية .

ويقدم لاسرائيل النصيحة الغالية التي يتعين عليها العمل بها، ولذلك فقد كان أكثر من صديق للاسرائيليين في الوقت الذي كان يتشكك القادة السوفييت في نوايا القيادة العربية، خاصة بعد ان طرد السادات الخبراء السوفييت من مصر، وبعد توتر العلاقات ومع عدم تصديق السوفييت ان مصر وسوريا تحققان انتصارات متوالية على جبهات القتال، في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة لا تصدق ان اسرائيل تمنى بهزائم متلاحقة.


بداية الهزيمة

يشدد المؤلف في خاتمة كتابه على انه بعد حرب يونيو 1967 أدركت مصر انها لن تستعيد كرامتها وأراضيها سوى بالدخول في حرب جديدة، بينما لم يرهب اسرائيل هذا الاحتلال، نظرا لتزايد ثقتها في نفسها بعد الحرب وتأكدها من أنها سوف تنتصر بسهولة في أي حرب تنشب مع العرب.

وكانت هذه هي بداية الهزيمة حتى قبل اطلاق الرصاصة الأولى. وبعد حرب أكتوبر 1973 خرج الجانبان وقد تزايدت رغبتهما في ان تكون هذه آخر الحروب بينهما.لقد بدأت حرب أكتوبر بهجوم مفاجيء لكنها انتهت بشروق شمس عصر جديد للسلام الذي لا يزال هشا حتى الآن.

ويرى المؤلف ان نتيجة الحرب كانت بالنسبة للعرب قمة الانجاز، بينما كانت بالنسبة لاسرائيل زلزالاً هدد وجودها نفسه. ويقول ان صدمة بداية الحرب لم تكن مجرد كابوس يمكن التخلص منه، ولكنها ستظل ذكرى سواء ستستمر لتذكر الاسرائيليين بعواقب التقصير والاهمال والعجرفة وحالة الفوضى والتخبط والقرارات الخاطئة والمتناقضة لقيادة الجيش والتقويم الخاطيء تماماً لجهاز المخابرات.

ويقول المؤلف انه على الرغم من مرور اكثر من ثلاثين عاماً على حرب اكتوبر ومع الكتابات الكثيرة التي تملأ المكتبات عن هذه الحرب التي غيرت خريطة الشرق الأوسط وسياسات المنطقة، فإنه وجد لزاماً عليه أن يروي القصة الحقيقية للحرب بعد ان خفت كثيراً قيود الرقابة على العديد من الوثائق.

وبعد أن تم الكشف عن الكثير مما دار داخل قاعات الاجتماعات، التي ضمت القيادات العسكرية الاسرائيلية، وبعد ان كتب الكثير من شخصيات الحرب وأولئك الذين عاصروها وتورطوا فيها مذكراتهم الشخصية، التي كشفت النقاب عن العديد من النقاط التي كانت حتى وقت قريب غامضة وغير معروفة للكثيرين.

ويعترف المؤلف بأنه على الرغم من انه قام بتغطية تطورات الحرب قبل 31 عاماً، فإنه أدرك الآن انه لم يكن يعرف سوى القليل من هذه التطورات وخلفياتها. وقال ان أبحاثه ومتابعاته وقراراته طوال السنوات الماضية جعلته يزداد فهماً واستيعاباً لعمليات صنع القرار داخل القيادات العليا سواء العسكرية او السياسية الاسرائيلية.

بالاضافة الى تدفق الأحداث بشكل متسلسل على جبهة القتال نفسها. وقال الكاتب انه قضى السنوات الخمس الاخيرة وهو يحاول فهم القصة الكاملة للحرب، وقد ساعده في ذلك الكثير من الباحثين، بالاضافة الى استعانته بأرشيف الجيش الاسرائيلي ومكتبة هيئة الاركان العامة في تل أبيب.

ويضيف المؤلف «ان الذي ساعده في رواية القصة الكاملة للحرب هو قيامه باجراء سلسلة من اللقاءات مع عدد من كبار قادة الحرب، ومن بينهم الجنرال أمنون ريشيف الذي عانى اللواء الذي كان يقوده من خسائر عديدة في المعارك على جبهة سيناء.

كما يرى المؤلف ان الحرب كانت ضرورة ملحة بالنسبة لمصر لتغيير حالة اللاسلم واللاحرب، التي سادت بعد حرب 67. فعلى الرغم من المبادرات فقد رأت الحكومة الاسرائيلية ان العرب لا يملكون خياراً عسكرياً جدياً، وأن عليهم قبول الوضع الحالي، كما أعلنت غولدا مائير قبل الحرب رفضها الانسحاب الكامل الى حدود ما قبل حرب 1967 بل رفضت اقتراح وزير الدفاع الاسرائيلي موشي ديان من منطلق ان موقف اسرائيل الجيوبوليتيكي لن يكون افضل مما هو عليه بعد حرب 1967.

وكان ديان قد اقترح انسحاباً اسرائيلياً لمسافة 20 ميلاً من قناة السويس حتى تتمكن مصر من اعادة افتتاحها، وبالتالي يتراجع الحافز المصري لخوض غمار الحرب. كما كانت الرسالة التي حملها حافظ اسماعيل مستشار الرئيس المصري لشئون الامن القومي الى السادات بعد عودته من واشنطن في اعقاب محادثاته مع نظيره الاميركي كسينغر هي ان الولايات المتحدة لا تستطيع ان تفعل شيئاً لتغيير الموقف.

ووفقاً لتقرير قدمه حافظ اسماعيل، قال كسينغر: «نصيحتي للسادات هي ان يكون واقعيا.. والحقيقة هي أنكم تعرضتم للهزيمة في 1967، ولا يمكن ان تتقدموا بطلب لا يطلبه إلا المنتصر. إما ان تستطيعوا تغيير هذا الواقع، وبالتالي فإن رؤيتنا سوف تتغير، بطبيعة هذا الوضع، وفي هذه الحالة يمكننا طرح حلول غير تلك التي تطرحونها.. وآمل أن يكون ما قلته واضحاً لكم. إنني بالتأكيد لا أطالب السادات بتغيير الوضع عسكرياً. لأنه إذا حاول ذلك فسوف تنتصر اسرائيل مرة أخرى وسيكون انتصارها أكبر مما حققته في 1967. وفي ظل وضع كهذا سيكون من الصعب جداً علينا ان نفعل اي شيء».

إذن كان من الحتمي ان تنشب الحرب لتغيير الوضع، وأن تذهب مصر الى الحرب لاستعادة كرامتها ولاستعادة أراضيها، وكان الحافز كبيراً جداً، في الوقت الذي كانت اسرائيل غائبة تماماً عن الساحة، أو كما قال أفراد الاستطلاع المصريون عشية حرب السادس من أكتوبر «الاسرائيليون نائمون».


 تمت بحمد الله

 

                              واشكر لكم حسن متابعتكم

 

                                                  محمد عبد السميع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech