Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

كتاب حرب أكتوبر1973م - الفصل التاسع

 

الحلقه التاسعه 


تجاهل إسرائيلي لوقف النار بتحريض من كيسنجر و200 قتيل وجريح إسرائيلي في محاولة فاشلة لاقتحام السويس

 

وضح المؤلف ابراهام رابينوفيتش ان هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي عندما وصل الى موسكو في 20 اكتوبر، طلب ان يستريح على ان تبدأ المباحثات صباح اليوم التالي. ولم يكن كيسنجر

يسعى من وراء هذا الطلب الى الخلود للراحة بعد رحلة طويلة، لكنه اراد ان يضيف نصف يوم للجيش الاسرائيلي حتى يستطيع تعزيز مواقعه بعد ان عبر قناة السويس عند نقطة الدفرسوار.
وعندما بدأت المفاوضات ظهر الاحد 21 اكتوبر مع بريجينيف تم التوصل بعد اربع ساعات الى اتفاق يدعو الى اجراء مفاوضات بين الاطراف المعنية، بعد تنفيذ وقف اطلاق النار. وفي محاولة اخرى من جانب كيسنجر لتأجيل صدور قرار وقف اطلاق النار، طلب مهلة تسع ساعات حتى تستشير حكومتا البلدين حلفاءهما قبل بدء مناقشات الامم المتحدة.

وفي اجتماع لمجلس الوزراء الاسرائيلي عقد مساء يوم الاحد، ابلغت غولدا مائير الوزراء بأنها ستطلب من كيسنجر التوقف في تل ابيب في رحلة عودته من موسكو. قال اليعازر، خلال الاجتماع، إن وقف اطلاق النار يثير قلقه، اذ انه سيسمح للعرب بتعزيز قواتهم استعداداً لجولة جديدة من القتال.

واضاف ان استئنافاً للقتال في غضون عدة ايام أو اسابيع امر محتمل جداً. وسيتمكن المصريون من نشر بطاريات صواريخ سام جديدة، كما سيقوم السوريون بتدريب اطقم على مئات الدبابات السوفييتية الجديدة التي حصلوا عليها، كما سيتاح الوقت للعراقيين لإرسال فرقة مدرعة اخرى الى سوريا.

واستمرار وقف اطلاق النار لأيام أو اسابيع قليلة هو أسوأ خيار لاسرائيل. وقال انه لذلك يتعين على الحكومة الاسرائيلية ان تحصل على ضمانات بأن هذا لن يحدث. وفي الاثنين 22 اكتوبر اتخذ مجلس الامن قراراً بوقف اطلاق النار على ان يسري في الساعة 52. 6 مساء بتوقيت الشرق الاوسط.


يوضح المؤلف ان القيادات الاسرائيلية استعدت لشن سلسلة من الهجمات تعزز بها مواقعها قبل سريان وقف اطلاق النار، إلا ان المصريين بادروا بشن هجمات مضادة في كل القطاعات تقريباً حتى قبل الفجر. كانت الفرقة المصرية المدرعة الرابعة تلعب دوراً نشطاً في مقاومة الثغرة الاسرائيلية.

وصل كيسنجر الى تل ابيب بعد ظهر الاثنين، حيث عقد على الفور اجتماعاً استغرق 50 دقيقة مع غولدا مائير التي سألته على الفور: هل اتفقت الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفييتي على اجبار اسرائيل على العودة الى خطوط 1967؟ فطمأنها كيسنجر الى انه ليس هناك اتفاق من هذا النوع. وقبل ان يغادر قال كيسنجر انه لن يثير اية مشكلة اذا استمرت العمليات العسكرية خلال الليل.

محاولة اقتحام السويس

قبل وصول المراقبين الدوليين لتعزيز وقف اطلاق النار، غامرت القيادة الاسرائيلية بمحاولة دخول مدينة السويس، حيث اقتحمت 21 دبابة و 15 عربة مدرعة وسط المدينة، وتجاوزت مفترق الطرق الأول من دون ان يعترضها المصريون. ولكن عند تقاطع الطرق الثاني انتهى الهدوء، فقد ألقيت القنابل اليدوية من البنايات، وانطلقت نيران المدافع الرشاشة على الدبابات، واطلقت قذائف «الآر بي جي» من الازقة. واصيب كل قادة الدبابات والمشاة في غضون ثوان قليلة. عندما نظر قائد الكتيبة خلفه بدا له ان الكتيبة بأسرها قد دمرت تماماً بضربة واحدة.

كانت النيران المصرية كثيفة، واصابت قذيفة «آر بي جي» عربة يوسي يوفي قائد الوحدة العسكرية، مما ادى الى مقتل اربعة جنود واصابة اخرين من بينهم قائد الكتيبة، ولجأ الاسرائيليون الى بناية من طابقين، الا ان المصريين نجحوا في دخول المبنى من مدخل جانبي وألقوا بالقنابل اليدوية وفتحوا نيران قذائف «الآر بي جي»، مما ادى الى اندلاع النيران في الطابق الثاني، والى مقتل واصابة العديد من الاسرائيليين ومن بينهم يوفي نفسه.

وعندما اقترب الليل امرت القيادة الاسرائيلية القوة المدرعة بالانسحاب من المدينة. وقتل من الكتيبة 18 فرداً واصيب 35 بالاضافة الى تدمير ثلاث دبابات. وكانت هناك وحدتان اسرائيليتان من المشاة داخل المدينة. وطالبت القيادة من هاتين الوحدتين الانسحاب من المدينة على الاقدام بدلاً من المخاطرة بالخروج على متن العربات المدرعة.
وكان هناك 90 اسرائيلياً من بينهم 23 مصاباً داخل المبنى، وكان يتعين عليهم التسلل الى خارجه والسير في شوارع المدينة تحت جنح الليل الى ان يخرجوا منها. وعندما خرجوا في مجموعات من المبنى شعروا بأن هناك من يتربص بهم، فهرعوا عائدين الى المبنى، واحسوا بأنهم في وضع غاية في السوء، بل ان بعضهم فكر في تفجير نفسه بقنابل يدوية، خاصة مع استبعاد محاولة انقاذهم حتى مع طلوع النهار.
يقول المؤلف ان الثمن الذي دفعته اسرائيل لهذه المغامرة غير المحسوبة باقتحام مدينة السويس 80 قتيلاً و 120 مصاباً، ليسدل الستار على اخر عملية اسرائيلية كبرى في حرب اكتوبر. الا ان الطلقات الاخيرة لم تكن قد اطلقت بعد.

 

أجندة كيسنجر الخاصة


تلقى الزعيم السوفييتي بريجنيف رسالة من السفير فينوجرادوف في القاهرة تفيد ان الاسرائيليين يتجاهلون قرار وقف اطلاق النار. واحس بريجينيف بأن كيسنجر عقد صفقة خلال توقفه في تل ابيب. كما وصلت رسالة من السادات تطالب بارسال مراقبين او جنود سوفييت، وقال السادات انه بعث برسالة مماثلة الى الاميركيين.

وقرر المكتب السياسي السوفييتي ارسال 50 مراقباً، الا ان اقتراح ارسال قوات لم يلق حماساً كبيراً. فالقيام بمغامرة عسكرية فيما تقف الولايات المتحدة مع المعسكر الاخر سوف يؤدي الى نتائج عكسية، وبدلاً من ذلك تمت صياغة رسالة من بريجينيف الى نيكسون تدعو الى ارسال قوات اميركية وسوفييتية الى الشرق الأوسط لضمان تنفيذ قرار وقف اطلاق النار. ثم قال بريجينيف بشكل مباشر: «اذا رأيتم انه من المستحيل ان نعمل معاً في هذا الشأن، فإننا سنضطر الى بحث الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك بشكل منفرد».

قضى كيسنجر اليوم وهو يحاول تهدئة السادات والسوفييت، مؤكداً لهم انه يمارس اقصى ما يمكن من ضغوط على الاسرائيليين.وكان كيسنجر على اتصال بالفعل مع دينتز الذي كان ينقل له رسائل غير مقنعة من تل ابيب تزعم ان المصريين هم الذين خرقوا وقف اطلاق النار. اعرب كيسنجر عن سخطه لانتهاك اسرائيل لوقف اطلاق النار. وفي واشنطن رفض كيسنجر طلب مصر ارسال قوات اميركية وسوفييتية الى المنطقة. وكتب في مذكراته بعد ذلك «اننا مصممون على مقاومة وجود قوات سوفييتية في الشرق الأوسط حتى لو لجأنا الى القوة».

وفي الساعة 35,9 مساء تلقى كيسنجر مكالمة من السفير دوبرنيف الذي قال انه تلقى رسالة من بريجينيف الى نيكسون، وهي رسالة عاجلة جداً سيقرأها على الهاتف قبل ان يرسلها.وعندما سمع كيسنجر ان السوفييت يدرسون اتخاذ الخطوات المناسبة بصورة منفردة، ادرك ان ازمة كبيرة بدأت تتشكل.

كانت فضيحة ووترجيت في ذروتها ومعنويات نيكسون في الحضيض، وعندما وصلت رسالة بريجينيف كان نيكسون قد خلد الى النوم. فسأل كيسنجر كبير موظفي البيت الابيض الكسندر هيج عما اذا كان الامر يستدعي ايقاظ نيكسون. فرد هيج بشكل قاطع «لا». إلا انه كان يتعين اتخاذ قرار. واستدعى كيسنجر كبار المسئولين الذين يتابعون أزمة الشرق الأوسط، ومن بينهم وزير الدفاع جي شليزنجر ومدير السي آي ايه وليام كولبي ورئيس هيئة الأركان توماس مور ومساعد الرئيس الجنرال برنت سكوكروفت بالاضافة الى هيج.

وبحث المجتمعون التهديد السوفييتي بجدية، فقد ذكرت السي آي ايه ان السوفييت يعدون طائرات لنقل قوات الى الشرق الأوسط، وانه تم وضع فرق محمولة جواً في حالة الاستعداد القصوى، وان الأسطول السوفييتي في البحر المتوسط قد عزز قطعه بصورة غير مسبوقة. وقرر الحاضرون في الاجتماع صياغة رد هادئ على رسالة بريجينيف، تهدف الى سحب السوفييت الى طاولة المحادثات، كما قرر رفع حالة الاستعداد بين افراد القوات المسلحة الاميركية. وكان كيسنجر يغادر الاجتماع من وقت لآخر ليتشاور مع دينتز الموجود في غرفة مجاورة.

وخلال الاجتماع علم ان ثماني طائرات سوفييتية عملاقة سوف تطير من بودابست الى القاهرة في غضون الساعات القليلة المقبلة. وبالاضافة الى ذلك تم وضع عناصر من القوات المسلحة الألمانية الشرقية في حالة استعداد. وفي الساعة 20,12 صباحا قرر المجتمعون تحذير الفرقة الاميركية 82 المحمولة جوا باحتمال تحركها في أية لحظة. وبعد خمس دقائق صدرت الأوامر إلى حاملة طائرات في المحيط الأطلسي بالانضمام الى حاملتين أخريين في البحر المتوسط.

وفي الساعة 45,1 صباحا صدرت الأوامر إلى قائد القوات الأميركية في أوروبا بارجاء عودة مقررة لقوات أميركية شاركت في مناورات لحلف الناتو. وفي الساعة3.30 صباحا أصدرت هيئة الأركان المشتركة أوامرها للقيادة الجوية الاستراتيجية باعداد القاذفات بي 52 القادرة على حمل قنابل نووية، كما تقرر عدم تسليم الرد إلى بريجينيف حتى الساعة 5.30 صباحا ،  لاعطاء الوقت للمخابرات السوفييتية لمعرفة الاجراءات الأميركية، ولاعطاء الوقت للجيش الأميركي لبدء تنفيذ هذه الاجراءات.
وخلال الاستراحة قال كيسنجر لدينتز انه يتوقع بدء وصول القوات السوفييتية الى القاهرة في غضون يومين. وأعرب دينتز عن تشككه من امكانية تدخل السوفييت، مشيرا الى انه منذ الحرب العالمية الثانية لم تدخل قوات سوفييتية في معارك بدول ليست لها حدود مع الاتحاد السوفييتي. رد كيسنجر قائلا: هناك دائما مرة أولى.

تحول البحر المتوسط إلى ساحة للصراع الخفي بين السوفييت والأميركيين، وقد رصدت الأجهزة الالكترونية منظومات الصواريخ السوفييتية وهي تتابع باستمرار حاملات الطائرات الأميركية. كما كانت الطائرات الأميركية تقوم بطلعات مستمرة فوق السفن السوفييتية. بالنسبة لاسرائيل، فإن محاصرة الجيش المصري الثالث كانت مجرد عملية نفسية من النوع الذي كانت تسعى إليه منذ بداية حرب أكتوبر، بعد أن تلقت أقسى ضربة في تاريخها.

يقول المؤلف ان محاولات المصريين يوم الجمعة لكسر الثغرة ووضع لواء عبر القناة عند مدينة السويس استغلتها اسرائيل لقصف أهداف رئيسية، مثل مراكز القيادة واحتياطيات المياه.

ورد المسئولون الأميركيون بغضب. وقال مسئول بوزارة الدفاع الأميركية للملحق العسكري الاسرائيلي: «آمل أن يكون واضحا لكم أنكم تدخلون في مواجهة مع قوة عظمى». بينما أبلغ كيسنجر دينتز: «دعني أقل لك كصديق ان اسرائيل تتورط في لعبة خطيرة».

 
دور ماكر

يرى المؤلف ان كيسنجر قد لعب دورا غاية في المكر. ففي البداية دفع اسرائيل خلال الحرب لتوجيه ضربة قوية، أقوى في الواقع مما تستطيع اسرائيل، من أجل إظهار تفوقها العسكري، ولكن عندما بدأ الاسرائيليون في فتح الثغرة عند الدفرسوار، اتجه نحو اصدار قرار سريع بوقف اطلاق النار يحافظ على مكاسب المصريين. وباختصار تجد اسرائيل نفسها وقد خرجت من الحرب شبه فائزة ولكنها ليست منتصرة.

وفي الساعة الحادية عشرة من مساء الجمعة 26 أكتوبر، اتصل كيسنجر بدينتز وقال له انه يقرأ عليه رسالة من الرئيس نيكسون. فأولا عملية تدمير الجيش الثالث «خيار غير قائم». وثانيا يريد الرئيس الأميركي ردا بحلول الساعة الثامنة من صباح غد السبت على ما اذا كانت اسرائيل ستسمح بوصول امدادات غير عسكرية الى القوة المحاصرة.

واذا كانت الاجابة بالنفي، فإن الولايات المتحدة ستؤيد ـ للأسف ـ طلبا من الأمم المتحدة بانسحاب إسرائيلي إلى خطوط 22 أكتوبر. وهذا سيؤدي إلى فتح طرق الامداد إلى الجيش الثالث، وإلى تفاقم وضع عملية الانتشار التكتيكي الاسرائيلي.
وقبل خمس ساعات من انتهاء إنذار كيسنجر وصلت رسالة إلى واشنطن من حافظ إسماعيل تفيد بأن مصر قد قبلت عرضاً اسرائيلياً باجراء محادثات مباشرة بين الطرفين. وحددت القاهرة مكان الاجتماع عند الكيلو 101 على طريق السويس الصحراوي. وعين المصريون الفريق عبدالغني الجمسي كممثل لهم، لكنهم وضعوا شرطين مسبقين للاجتماع وقف تام لاطلاق النار ومرور قافلة تحمل مواد غير عسكرية الى الجيش الثالث.

قبلت غولدا مائير الشرطين، وكلفت الجنرال ياريف ليكون ممثلا عن الجانب الاسرائيلي. وفي الساعة 30,1 من صباح الأحد 28 اكتوبر عقد الاجتماع في خيمة كبيرة وكانت هذه هي المرة الاولى التي تدخل فيها الدولتان في مفاوضات مباشرة.وكان من المقرر أن تجرى محادثات اخرى في واشنطن خلال الايام التالية. وقام اسماعيل فهمي القائم بأعمال وزير الخارجية المصري بزيارة كيسنجر في مكتبه في 29 اكتوبر بدون دعوة، وبعد يومين قامت مائير بزيارة مماثلة.

وقبل توجهها الى واشنطن قامت مائير بزيارة القوات الاسرائيلية على الجبهة الجنوبية مع ديان واليعازر، وهي الزيارة الاولى لها منذ بدء الحرب. وعندما سألها أحد الجنود عن السبب وراء السماح بمرور امدادات للجيش الثالث المصري قبل اطلاق سراح الاسرى الاسرائيليين، ردت بأن الضغوط الأميركية لم تترك لها خياراً آخر. وعندما سألها جندي آخر عن سبب عدم استعداد اسرائيل لنشوب حرب بهذا الشكل.

قالت انها لا تستطيع الرد على هذا السؤال، فهي ليست خبيرة في الشئون العسكرية، وتعتمد في ذلك على الرجلين الجالسين الى جوارها، أي وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان. فأثار ردها غضب الليفتنانت كولونيل يوم توم تامير الذي كان لا يزال يشعر بالمهانة بعد تدمير كتيبة مدرعاته في اليوم الأول من الحرب. وصاح قائلا «لأنك لا تفهمين هذه الأمور فقدت 58 رجلا!».

يقول المؤلف ان السؤال الذي طرحه الجندي بشأن عدم استعداد اسرائيل أصبح سؤالا ملحا على الجبهة الداخلية الاسرائيلية في الايام التالية. فالرجلان اللذان اشارت اليهما غولدا مائير وهما ديان واليعازر، يقدمان اجابات متناقضة عن السؤال.
فخلال شهادة أمام لجنة الشئون الخارجية والدفاع بالكنيست وضع اليعازر اللوم فيما يتعلق بالانتكاسات على عدم تعبئة أفراد الاحتياط في الوقت المناسب، وقال: «لو كنا قد قمنا بالتعبئة في الوقت المناسب، لكانت الحرب قد استمرت ثلاثة أو أربعة أو ستة أيام. لقد كانت هناك أخطاء، لكن هيكل الجيش واستعداداته للحرب كانت سليمة».

كانت هذه شهادة، كما يقول المؤلف، تجاهلت عنصر المفاجأة المذهلة للتكتيكات المصرية المضادة للدبابات، والمرونة غير المتوقعة لقوات المشاة المصرية، واهمال اسرائيل للعمليات المجتمعة للاسلحة المختلفة وشلل سلاح الطيران في مواجهة صواريخ سام. واختلف ديان في الرأي فيما يتعلق بكل نقطة من النقاط التي طرحها اليعازر. رأى ديان ان المشكلة أعمق بكثير من مجرد عنصر المفاجأة وعدم تعبئة الاحتياط في الوقت المناسب.

وقال ان: «مفهوم عمليات الجيش ثبت عدم صحته». واضاف في تصريحات لرؤساء تحرير الصحف الاسرائيلية: «انه حتى اذا حدثت عملية التعبئة الشاملة، فان الدبابات لم تكن تستطيع الاقتراب من دون ان تصيبها الصواريخ المصرية، وكذلك الحال بالنسبة للطائرات. لقد أشارت تقديراتنا الى أنه لو كانت هناك 300 دبابة في سيناء و180 في الجولان، فإنها ستكون كافية، لكنها لم تكن كافية».


الجسر الجوي الأميركي

 
يقول المؤلف ان الجسر الجوي الاميركي كان مهما لاسرائيل من الجانب المعنوي اكثر منه من الجانب العسكري. لقد نقل هذا الجسر نحو 22 ألف طن من الامدادات العسكرية لاسرائيل، مما سمح بزيادة مخزون الاسلحة وادى الى احساس بالأمان الى حد ما. ورؤية الطائرات الاميركية العملاقة وهي تهبط في مطار اللد بمعدل اربعين مرة في اليوم الواحد جعل الاسرائيليين يشعرون بأنهم ليسوا وحدهم في الحرب، بل تقف الولايات المتحدة، القوة العظمى، بجانبهم.

وهذا ما دفع بالرئيس المصري أنور السادات الى القول انه لم يعد يحارب اسرائيل وانما الولايات المتحدة. كانت توترات الثلاثة اسابيع الماضية بادية بوضوح على وجه مائير عندما التقاها كيسنجر لدى وصولها الى واشنطن. وقد قال في مذكراته بعد ذلك: «ان الحرب قد قضت عليها».

وكان على جدول أعمال زيارتها موضوع تبادل الأسرى وتحديد خط وقف اطلاق النار. ومع ذلك فإن الهدف الحقيقي غير المعلن لزيارتها هو معرفة ما اذا كانت علاقات أميركا باسرائيل باتت مهددة نتيجة لجهود واشنطن لجعل مصر تدور في فلكها.لقد حدث تطور مثير للقلق، عندما وضع كيسنجر في موسكو الخطوط العريضة لقرار وقف اطلاق النار مع السوفييت من دون استشارة اسرائيل.

وفي هذا الصدد قال كيسنجر في مذكراته «ان التعنت العربي والضغط السوفييتي اوجد وهما مفاده ان اسرائيل لا يتعين عليها انتهاج سياسة خارجية، ولكن سياسة دفاعية فقط. ان تحول مصر الى الاعتدال قد انهى هذا الوهم. ان غولدا لم تكن تقف ضد استراتيجية اميركية ولكن ضد واقع جديد أكثر تعقيدا».

وهنا يقول المؤلف: ان مفتاح التطور المستقبلي يكمن في القاهرة مع الرجل الذي قلب أوضاع المنطقة رأساً على عقب. واتجه كيسنجر الى القاهرة ليعقد أول اجتماع له مع السادات بعد اسبوعين من توقف القتال. وتحقق التقارب بين الرجلين في الحال، وكلاهما أعرب عن تقديره لحكمة الآخر ورؤيته.

وقال كيسنجر في مذكراته: «لقد أحسست بأن السادات يمثل أفضل فرصة لتجاوز المواقف المتجمدة التي عرفها الشرق الأوسط منذ قيام اسرائيل». وبعد سلسلة من المحادثات وافق السادات على اقتراح كيسنجر الذي يتضمن اتفاقاً رسمياً بوقف اطلاق النار ، وتزويد الجيش الثالث بالامدادات من خلال نقاط تفتيش تابعة للأمم المتحدة، وهي النقاط التي ستحل مكان النقاط الاسرائيلية المقامة على طريق السويس، وتبادل الأسرى.وفي 11 نوفمبر وقع الفريق محمد عبدالغني الجمسي والجنرال باريف على الاتفاق في الكيلو 101.

وتحول الحوار الذي بدأ في خيمة بالصحراء بين جنرالين الى مؤتمر دولي رسمي عقد في جنيف بعد شهر، وحضره كيسنجر ووزراء خارجية مصر واسرائيل والاردن والاتحاد السوفييتي. ولأول مرة يجلس وزراء خارجية عرب على الطاولة نفسها مع نظيرهم الاسرائيلي. وامتنعت سوريا عن الحضور، لكن مقعدا شاغراً ألمح إلى امكانية حضورها في المستقبل. وتوصل المؤتمر في 21 ديسمبر إلى اطار رسمي لعملية سلام، سيتم كشف النقاب عن تفاصيلها خلال الاشهر المقبلة، ليس في جنيف، ولكن خلال الرحلات المتعددة التي سيقوم بها كيسنجر، والتي وصفت بالدبلوماسية الحكومية.

ونجح كيسنجر في تحقيق أول اختراق مهم له، عندما وقعت مصر واسرائيل على اتفاقية فصل بين القوات في 18 يناير 1974 تدعو إلى انسحاب اسرائيلي عبر القناة إلى خط عند المضايق. وتبقى القوات المصرية في سيناء على أن تكون هناك منطقة عازلة بين الجانبين تتواجد فيه الأمم المتحدة.

وأنهت الاتفاقية فترة متوترة من وقف اطلاق النار استمرت عشرة اسابيع شهدت خرقاً متكرراً من الجانبين، وبلغت خسائر اسرائيل خلال هذه الفترة 14 قتيلاً و65 جريحاً.

وبهذه الاتفاقية لم يبق لاسرائيل سوى أن تعيد بناء جيشها استعداداً للجولة المقبلة، إلا أن السادات اتخذ خطوة مفاجئة جديدة أذهلت مائير، فقد بعث إليها رسالة عن طريق كيسنجر يقول فيها: «عليك ان تأخذي كلمتي بجدية، فعندما هددت بالحرب، كنت أعني ما أقول. وعندما اتحدث الأن عن السلام، فاني اعني ما اقول.

اننا لم نجر اتصالاً فيما بيننا من قبل. ولدينا الان خدمات د. كيسنجر. لنستخدمه ونتحدث مع بعضنا البعض من خلاله».كان رد الفعل الاولي لمائير هو التشكك وسألت كيسنجر «لماذا يفعل ذلك؟» لكنها كتبت رداً حمله كيسنجر معه إلى القاهرة قالت فيه «إنني آمل بكل أخلاص في أن تستمر هذه الاتصالات، وان تكون بمثابة نقط تحول في علاقتنا».

وعلى الجبهة السورية تمكن كيسنجر بعد 34 يوماً من الرحلات المكوكية بين دمشق وتل ابيب من التوصل إلى اتفاق في شهر مايو 1974 يدعو اسرائيل للانسحاب من الجيب الذي استولت عليه بعد حرب اكتوبر ومن مدينة القنيطرة التي كانت على الجزء الاسرائيلي من خط وقف اطلاق النار كما انسحبت اسرائيل من أجزاء صغيرة من الاراضي على طول الجزء الجنوبي من الخط بما فيها النقطة 116 الحصينة. وفي المقابل وافقت سوريا على تبادل الاسرى وعلى وجود قوة مراقبة تابعة للأمم المتحدة بين الخطين.

 
دروس الحرب

في 5 يونيو وقع ممثلون عسكريون من الجانبين السوري والاسرائيلي على اتفاقية فصل القوات في جينف. وبذلك انتهت حرب أكتوبر على الجبهتين الشمالية والجنوبية.وبدأت اسرائيل تفكر في الدروس المستفادة من الحرب. وفي مقال نشر في احدى الصحف العسكرية الاسرائيلية قال موشى بار كوشبا، وهو جنرال بسلاح المدرعات:

«ان كبار قادة الجيش الاسرائيلي لم يتلقوا التدريب الكافي في مجال فنون الحرب الحديثة. وهذا هو السبب الذي جعل القيادة تطبق نظام خطوط الدفاع الثابتة المعتمد على اقل عدد من القوات، بدلاً من اسلوب الدفاع المرن. ان هروب المستقبل تتطلب مستوى تعليم جامعي وكبار الضباط لايزالون في مراحل التعليم المدرسي».

وقال: «إن الافتراضات الاساسية للقيادة العسكرية الاسرائيلية انهارت في غضون الثماني والاربعين ساعة الأولى من القتال «مثل الثقة التي منحها جهاز المخابرات العسكرية الاسرائيلي «أمان» للسلاح الجوي ومدى كفاءته في الهيمنة على سماء ساحات المعارك.

وفي الكفاءات الضعيفة للجيوش العربية واضاف ان استثمار أكثر من نصف ميزانية الحرب في السلاح الجوي كان سوء تقدير في الحسابات. وقال انه لو تم تخصيص طائرات أقل بعشرين طائرة للسلاح الجوي، لأمكن استخدام هذا الوفر في انشاء فرقتين مدرعتين آخريين، الأمر الذي كان يمكن ان يحدث فرقاً على كلا الجبهتين.

ويتساءل المؤلف: من المنتظر؟ ويجيب قائلاً ان السادات نجح، كجواهرجي يعقتل حجراً كريماً، في توجيه ضربته العسكرية بمهارة فائقة تؤدي إلى عملية سياسية تفضي إلى استعادة مصر لكل سيناء. والأكثر اهمية من استعادة الاراضي، هو أداء الجيش المصري، الذي استعاد الكرامة والكبرياء بعدما تعرض له في يونيو 1967.

وسياسياً كان الانتصار المصري مذهلاً، ومعنوياً حققت مصر انتصاراً واضحاً. فقد امتلكت عنصر المبادرة، وخاطرت باحتمال تكبد هزيمة أخرى، وخرجت منتصرة مرفوعة الرأس.

وفي اسرائيل، ادى السقوط المريع نتيجة الثقة الزائدة في النفس، إذا لم نقل الاستعلاء، الى اصابة الاسرائيليين بصدمة عنيفة. فالمفاجآت المتوالية لتطورات الحرب لم تثر فقط مجرد احتمال الهزيمة ولكن الفناء أيضاً. وما حاولت القيادة الاسرائيلية تحقيقه خلال الايام الاخيرة من الحرب لم يكن علاجاً كافياً لهذه الصدمة النفسية العنيفة.وعلى الرغم من محاصرة الجيش الثالث، فإنه عندما جرى تنفيذ وقف اطلاق النار كانت مصر، وليست اسرائيل، هي التي شملها الشعور بالانتصار.

لقد شعرت اسرائيل في نهاية الحرب بالمرارة. حيث فقدت عدداً من الجنود في 19 يوماً يزيد ثلاث مرات (بنسبة وتناسب لتعداد سكانها) بالمقارنة مع ما فقدته الولايات المتحدة في حرب فيتنام خلال 10 سنوات. ولأول مرة في احدى حروب اسرائيل، يعاني عدد كبير من المصابين بين 10 ـ 23% ـ من صدمات نفسية نتيجة لما تعرضوا له خلال القتال، ونتيجة لصدمة المفاجأة الاولى، وذلك وفقاً لدراسات مختلفة.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech