Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

وثائق المخابرات الامريكيه - الجزء الاول - السياسه السوفيتيه والحرب العربيه

 

السياسة السوفييتية والحرب العربية – “الإسرائيلية” عام 1967

 

1.  المقدمة

نشرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) في موقع “قانون حرية المعلومات” على الانترنت، وثائق سرية وتحليلات استخبارية تربو على اثني عشر ألف صفحة تلقي ضوءاً على نشاطاتها بين أعوام 1950 – 1970، ومن ضمنها محاولات اغتيال رؤساء ومسؤولين، وعمليات تنصت على قادة وصحافيين، ومراقبة طلاب، وفتح رسائل بريدية، وملفات وتحليلات عن أزمة السويس والحرب العربية “الاسرائيلية” عام 1967، والسياسات الداخلية لكل من الاتحاد السوفييتي والصين، وكذلك العلاقات السوفييتية الصينية وغيرها من المسائل الخاصة بدول العالم.

وقد تم إعداد تلك الملفات عام 1973، بطلب من جيمس شليزنجر مديرCIA  آنذاك، بعد الكشف عن تورط وكالة الاستخبارات في فضيحة ووترجيت التي أدت إلى استقالة ريتشارد نيكسون عام 1974. وقد أعلن مدير الوكالة مايك هايدن عن نزع السرية عن تلك الملفات يوم الخميس قبل الماضي أمام جمعية مؤرخي العلاقات الخارجية الأمريكية، وقال إن معظم النشاطات غير مشرف ولكن هذا هو تاريخ الوكالة.

ومن بين هذا الكم الهائل من الملفات، اختارت “الخليج” بعض ما يهم القارئ العربي، وخاصة حرب يونيو/ حزيران 1967، وانطلاق حركات المقاومة الفلسطينية.

شكلت الحرب العربية “الاسرائيلية” في يونيو عام 1967 هزيمة مهينة للعرب وتراجعا كبيرا في هيبة السوفييت. فقد خصص السوفييت كميات كبيرة من المساعدات والدعم السياسي للعرب، في الوقت الذي ساهمت السياسة الاقتصادية التي اعتمدوها في منتصف عام 1966، إلى حد كبير، في التوترات التي حدثت قبل الحرب. وعلى أمل ضمان دعم وبقاء النظام السوري الجديد، بدأ السوفييت في ذلك الوقت، في اعتماد لغة عسكرية ضد “اسرائيل”. وفي الوقت الذي كان فيه عبد الناصر والسوفييت يأملون من خلال ذلك، بالتحكم أكثر بالسوريين المتشددين، تمثلت النتيجة النهائية لتلك السياسة في دفع عبد الناصر إلى اتخاذ موقف أكثر عدائية تجاه “اسرائيل”. فقد فشل السوفييت في استشراف نتائج هذه السياسة، وعندما فقدوا السيطرة على الوضع، استخدموا نفوذهم مكرهين في محاولة لكبح جماح عبد الناصر.

 

2.  الفيتو السوفييتي حال دون إصدار قرار من مجلس الأمن يدين العمليات الفدائية

وقد دفعت النتائج المحرجة لسياسة ما قبل الحرب، السوفييت إلى إجراء بعض التغييرات في طريقة تعاملهم مع الشرق الأوسط. فقبل الحرب كشفوا علناً عن دعمهم لمواقف الأنظمة العربية العسكرية الأكثر تطرفا في معاداة “اسرائيل”، ومن ثم عادوا ليدعموا المواقف الأكثر اعتدالا مع أنها ما تزال تشكل خطاً مناهضاً ل “اسرائيل”. وأفسحت الرغبة في خوض مغامرة كبيرة في وضع فقدوا التحكم فيه  من أجل تحقيق أهداف قصيرة الأمد  المجال لاتباع نهج متدرج وأكثر حذراً إلى حد ما، بعد الحرب. فالمخاطر التي ينطوي عليها الالتزام بدعم نظام يساري راديكالي، أصبحت واضحة. فقبل الحرب، عمد السوفييت إلى بذل الجهود اللازمة فقط للحيلولة دون إثارة غضب السوريين، أما الآن، فقد بدأوا في فرض قيود بطريقة متأنية وجدية. وهكذا، استبدلوا تصريحاتهم الديماغوجية المتضاربة في فترة ما قبل الحرب، بتعهدات بتوفير الدعم اتسمت عمداً بالغموض، لتتضح بذلك حدود الدعم الذي يمكن أن يقدموه للعرب. ونتيجة لذلك انهارت القوات العسكرية العربية، وفي مقابل تقديم الدعم، طلب الاتحاد السوفييتي أن يُمنح المدربون والمستشارون العسكريون السلطة الكاملة لتدريب وتنظيم القوات المسلحة السورية والمصرية من كافة المستويات.

ورغم أن السوفييت غيّروا تكتيكاتهم، إلا أنهم استمروا في تطبيق الاستراتيجية التي ساهمت في الإهانة التي تلقاها العرب في حرب الأيام الستة، حيث ظلوا مقتنعين بأن الحفاظ على حالة التوتر بين العرب و”اسرائيل” عند أعلى مستوى، يعزز النفوذ السوفييتي في المنطقة. وعلى كل حال، كانوا يأملون بتحقيق النجاح الذي عجزوا عن تحقيقه في يونيو 1967، وهو أن تكون سيطرتهم على العرب فعلية، وبالتالي تجنب تكرار حدوث كارثة يونيو. ولكن في المحصلة بدت السياسة السوفييتية في الشرق الأوسط مصابة بالانفصام.

فعلى سبيل المثال، أوضح السوفييت بجلاء للعرب أنهم لا ينوون أن ينخرطوا عسكريا في نزاع مستقبلي، وفي الوقت نفسه عززت موسكو حجم أسطولها في البحر المتوسط، وسعت جاهدة من أجل استعادة ثقة العرب بدعمها الحقيقي لهم وذلك من خلال الزيارات المطولة للسفن السوفييتية إلى الموانئ السورية والمصرية. كما أن وجود الأعداد الضخمة من المستشارين والعسكريين السوفييت في المنطقة، رغم أن القصد من ذلك ربما كان ضمان عدم إفلات الأمور من أيديهم مرة أخرى، قد زاد من مخاطر التدخل السوفييتي في حال نشوب حرب. وعليه، استمر تدفق الكميات الكبيرة من المواد إلى المنطقة من أجل إعادة بناء القوات المسلحة العربية. ورغم التهديد المتواصل الذي يشكله نمو المنظمات والجماعات المسلحة “الإرهابية” العربية على السلام في الشرق الأوسط، تجنب الاتحاد السوفييتي القيام بأي تحرك يمكن أن يعرض موقعه لدى تلك المجموعات للخطر، حيث قدم الدعم العسكري لعدد من تلك المنظمات، عبر الجمهورية العربية المتحدة والعراق باستخدام حلفائه الأوروبيين كتجار أسلحة. وبينما كان السوفييت يأملون من خلال ذلك بتحقيق بعض السيطرة على قيادة تلك الجماعات المسلحة، غير أنهم على ما يبدو نسوا فشل السياسة المشابهة التي اتبعوها مع المقاتلين السوريين قبل حرب يونيو.

ومهما كانت الحالة، فقد حصل تغيّر جوهري خلال العام الأخير، حيث تحول السوفييت عن استراتيجية الحذر والجدية التي اتبعوها بعد حرب يونيو، وجددوا دعمهم لنزعة القتال لدى العرب. وقد برز هذا التحول من خلال ملاحظات كوسيجن التي سلطت عبرها الضوء على خط جديد من الدعم للموقف العربي المناهض ل “اسرائيل” (10 ديسمبر)، وأيضا من خلال الدعاية السوفييتية لنشاطات وممارسات الجماعات المسلحة المقاتلة.

ومع ذلك، فإن رغبة السوفييت بعد الحرب في تسوية سياسية عن طريق المفاوضات في الشرق الأوسط، لم تندثر بشكل كامل. فقد كان الاعتبار الأول بالنسبة لموسكو، كما كان قبل حرب يونيو، هو ترسيخ مكانتها كنصر لحركة التحرر الوطني العربية والحركة المناهضة للإمبريالية. ومن هذا المنطلق قامت بدعم المجموعات المقاتلة. ويطمح السوفييت من خلال هذه السياسة، إلى تحقيق مكاسب طويلة الأجل لنفوذهم في المنطقة من أجل منع خروج الأحداث الخطيرة عن سيطرتهم مرة أخرى، كما حدث في يونيو 1967 وعليه، وافق السوفييت على الشروط العربية المسبقة لتسوية في الشرق الأوسط، رغم أنهم لن يقبلوا العروض الأمريكية التي يمكن أن يُدفع العرب إلى القبول بها حسب اعتقادهم. وفي حين يسعى السوفييت لتجنب حدوث أي مواجهة في المنطقة، فهم يعتقدون أن تجديد الدعم لعبد الناصر والجماعات المقاتلة قد يعزز فرصة حدوث مواجهة. وعلاوة على ذلك، يبدو أن السوفييت مرة أخرى واثقون من أن بإمكانهم السيطرة على عبد الناصر ومنع وقوع حرب بين العرب و”اسرائيل”. فمخاطر هذه السياسة قد تكون أكبر مما تعتقد القيادة السوفييتة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ميل عبد الناصر، الذي اتضح بجلاء في مايو 1967، إلى العمل بأسلوب غير متوقع، وغريب وعنيف غالباً، وانتحاري على الصعيد السياسي في بعض الأحيان.

في أوائل الخمسينات بدأ السوفييت يتعهدون برعاية الأنظمة العربية القومية الناشئة، مستفيدين من العاطفة المناهضة للغرب، المتنامية والمشتركة بين هذه الأنظمة. وكان جمال عبد الناصر الهدف المبدئي للسوفييت، لأنه الأشد إثارة للإعجاب في السلالة الجديدة من الزعماء العرب، ولأنه رئيس أقوى دولة عربية. وكان الاتحاد السوفييتي يعول بشدة على الجمهورية العربية المتحدة. وبحلول سنة 1965 كانت القاهرة تعتمد كلياً تقريباً على موسكو في العون العسكري. وقد تبين أن مخاوف العرب من أن المعونة السوفييتية للشرق الأوسط قد تتقلص أو تتوقف نتيجة للإطاحة بخروتشوف، لم تكن صحيحة.

وبعد الاطاحة بالزعيم الشيشكلي في سوريا سنة ،1954 كانت علاقة السوفييت بتلك الدولة مقتضبة ومتقطعة. وقد أسفر الانقلاب العسكري في فبراير/ شباط 1966، الذي قام به الجناح المتطرف في حزب البعث المغالي في قوميته، عن تقارب سريع في العلاقات السوفييتية السورية، كما أن اشتمال مجلس الوزراء السوري على وزير شيوعي قد أثلج صدر السوفييت بوجه خاص. ومنذ ذلك الوقت زاد الاتحاد السوفييتي معونته العسكرية والاقتصادية لسوريا زيادة كبيرة، وأصبح الحرص على استمرار بقاء البعثيين الراديكاليين أحد الاعتبارات الرئيسية في السياسة السوفييتية في الشرق الأوسط.

وفي مسعى للإفادة من الوضع في سوريا، شرع السوفييت في التأييد العلني لخط ميال للقتال بصورة متزايدة ومناوئ ل “اسرائيل”، وأخذوا يصدرون التحذيرات ضد أي تدخل في الشؤون الداخلية لعميلتهم الجديدة. وبسبب قلقهم فيما يبدو من أن جارة سوريا، الأردن، قد تتخذ بعض الإجراءات ضد النظام السوري الجديد، حذر السوفييت الأردنيين سراً من أن يفعلوا ذلك. وذكر أن السفير السوفييتي في الأردن، سلايوسارينكي، نقل مثل هذه الرسالة في 28 مايو/ أيار إلى الملك حسين، وقال له إن تقارير المخابرات السوفييتية أشارت إلى أن مثل هذا التدخل يوشك أن يحدث.

وعلى الصعيد العلني، هاجمت مقالة نشرتها صحيفة “ازفستيا” في 7 مايو/ أيار 1966 “اسرائيل” بسبب “الاستفزازات المسلحة” ضد سوريا، الهادفة إلى الإطاحة بالنظام الجديد، وحذرت “اسرائيل” من التدخل.

وفي 27 مايو/أيار تضمن خبر نشرته وكالة تاس زيادة الدعم السياسي السوفييتي للنظام السوري. وحسبما ورد في ذلك الخبر، فإن الاتحاد السوفييتي “لن يقف مكتوف الأيدي إزاء محاولات زعزعة السلام في المنطقة التي تقع على أعتاب الاتحاد السوفييتي”. وقد خص التصريح الوارد في الخبر بالهجوم القوى “المتطرفة” في “اسرائيل” واتهم الدوائر “الرجعية” في الأردن والعربية السعودية، مدعومة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالتآمر على سوريا. وكان أثر التصريح السوفييتي- رغم الانطباع الدبلوماسي الذي يشيع في لغته- تشجيع السياسة السورية ضد “اسرائيل” على زيادة نشاطها. وكان السوريون في هذه الفترة يساندون حملات الفدائيين على “اسرائيل” من الحدود الأردنية، وعلى الرغم من أن عدد هذه الحملات لا يقارن بمستوى هجمات الفدائيين في الفترة التي أعقبت الحرب، إلا أنها شهدت زيادة كبيرة عما كانت عليه من قبل.

 

3.  السوفييت يحثون على الوحدة بين سوريا ومصر أواخر 1966 وأوائل 1967

بالإضافة إلى إصدار التحذيرات ضد التدخل، سعى السوفييت إلى ضمان أمن النظام السوري الجديد بالحث على المصالحة بين السوريين والمصريين، وكانت الدولتان متنافرتين منذ انفصال سوريا سنة 1961 من الوحدة مع مصر، وقد طالب كوسيجن في كلمة وجهها إلى الجمعية الوطنية للجمهورية العربية المتحدة في منتصف مايو/أيار 1966، بالوحدة بين الدول العربية “التقدمية”. ولعل السوفييت كانوا يأملون في أن يتبنى السوريون موقفاً أقل استفزازاً نظير الحماية التي تتوفر لهم من خلال تحالف مع الجمهورية العربية المتحدة، لكن يبدو أن النتيجة النهائية كانت تشجع عبد الناصر على تبني خط أكثر ميلاً للقتال.

وخلال خريف سنة 1966 اشتدت الغارات الإرهابية العربية على “اسرائيل” انطلاقاً من سوريا والأردن، واستمرت مع دخول سنة 1967. وكانت “اسرائيل” ترد عليها بغارات انتقامية، وفي أكتوبر/تشرين الأول أعلن رئيس الوزراء السوري يوسف زعين ان سوريا لن تتخذ ابداً اجراءات لكبح الفدائيين. وقد اجتمع مجلس الأمن التابع للامم المتحدة عدة مرات بين 14 اكتوبر/تشرين الأول و4 نوفمبر/تشرين الثاني بناء على طلب “اسرائيل”، لكن الفيتو السوفييتي حال دون صدور قرار يدين الغارات الإرهابية.

وقد حدد السلوك السوفييتي في خريف 1966 نمط الأداء اللاحق في ربيع 1967. وفي 12 اكتوبر/تشرين الاول تلقت “اسرائيل” مذكرة من الاتحاد السوفييتي تتضمن اتهاماً بأن حشداً للقوات “الاسرائيلية” قد تشكل على طول الحدود السورية وأن “الاسرائيليين” يستعدون لشن هجوم جوي يعقبه توغل عميق للقوات “الاسرائيلية” في سوريا، وقد كرر السفير السوفييتي الاتهام بعد يومين في الأمم المتحدة، وامتنع تحقيق أجرته الأمم المتحدة عن تأييد الاتهامات السوفييتية. وفي هذه الأثناء، سعت موسكو في 14 و15 اكتوبر/تشرين الاول الى تحرير العرب من أي تفكير بالرد بطريقة مغامرة، وهكذا كانت موسكو تحث الحكومتين السورية والمصرية في آن واحد على البقاء هادئتين وتجنب اعطاء “اسرائيل” ذريعة للعدوان.

وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1966 أي بعد نحو ثلاثة اسابيع من توكيد السوفييت على ادعائهم بوشوك وقوع غزو “اسرائيلي” لسوريا، وقعت الجمهورية العربية المتحدة اتفاق دفاع مشترك مع سوريا، ويوحي توقيته بأن التقرير الذي أعد برعاية السوفييت والذي يحذر من هجوم “اسرائيلي” قد يكون شجع هذين النظامين العربيين على توقيع الاتفاق. وما من شك في أن التقرير السوفييتي قد وفر للحكومة السورية حافزاً اضافياً لأن تنشد الحماية في ظل تحالف مع عبد الناصر، كما أن عبد الناصر يمكن أن يكون قد منى نفسه باكتساب بعض السيطرة على السوريين في المقابل، وكان التقرير الزائف عن التعبئة “الاسرائيلية” يخدم على خير وجه الهدف السوفييتي المتمثل في ايجاد تقارب مصري سوري، وقد اعطى تقرير زائف آخر، نشر في مايو/ أيار 1967، نتائج عكسية، وساعد في وقوع سلسلة الأحداث التي افضت إلى الحرب.

ويبدو أن الاتحاد السوفييتي كان يأمل في أن يوفر تحالف الجمهورية العربية المتحدة وسوريا أمناً أكبر للنظام الراديكالي في سوريا، وأن يحد من ميل النظام السوري إلى القيام بمغامرات بمفرده، ولكن عبد الناصر لم يفلح في تهدئة السياسة السورية الاستفزازية إزاء “اسرائيل”، وعلى العكس من ذلك، أصبح عبد الناصر، المرتبط بالسوريين الذين يفوقونه في النزعة إلى الحرب، أشد هشاشة في وجه استثارة السوريين الغوغائية للعواطف المناوئة ل “اسرائيل” في الدول العربية.

* هامش: كان عبد الناصر عرضة للاتهامات بالتراخي من قبل كل من اليسار واليمين، وقد جعلت غارة “اسرائيلية” على قرية السمّوع الحدودية الأردنية في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 1966، الملك حسين يبدأ بالسخرية من عبد الناصر.

وفي أوائل سنة 1967 كان التوتر على طول الحدود “الاسرائيلية” السورية شديداً حيث ازدادت عمليات تبادل القصف المدفعي. وقد مارست سوريا (التي كان من الواضح أنها ليست قوية بما يكفي لمواجهة “اسرائيل” بمفردها) ضغطاً كبيراً على عبد الناصر ليظهر زعامته للعالم العربي، وليبرهن على قيمة اتفاق الدفاع الذي وقع في نوفمبر/ تشرين الثاني، وخلال هذه المرحلة، حذر السوفييت السوريين في مناسبتين على الأقل، وأخبروهم بأن السوفييت لا يريدون ان يخرج الوضع عن السيطرة، ولكن رغبة السوفييت في الإفادة من التوتر المهيمن لكي يزيدوا نفوذهم على حساب الولايات المتحدة، منعتهم من اتخاذ اي موقف قوي مع السوريين، وأدت إلى وقوع بعض الأعمال المتناقضة على نحو ما. وعلى سبيل المثال، في 3 فبراير/ شباط، أي بعد اسابيع قليلة من تحذير السوفييت للسوريين سراً من الاندفاع نحو الحرب، نشرت صحيفة “ازفستيا” مقالة تتهم “اسرائيل” بحشد قوات ضخمة على الحدود السورية، واستدعاء قوات الاحتياط، ووضع القوات العسكرية في حالة تأهب.

وفي 7 ابريل/نيسان 1967، في أعقاب تبادل لاطلاق النار عبر الحدود، شنت “اسرائيل” أعمق غارات جوية على سوريا حتى ذلك الوقت، وقد يكون ذلك مؤشراً إلى تغير رئيسي في سياسة “اسرائيل” الانتقامية، حيث كان طياروها مخولين باختراق سوريا في العمق. وأحس السوريون بالمهانة، كما شعر السوفييت، الذين كانوا قد زودوا سوريا بالطائرات، بالحرج إزاء النجاح “الاسرائيلي”.

وبعد خمسة أيام كانت هنالك معركة مدفعية شرسة أخرى عبر الحدود “الاسرائيلية”  السورية، وانتقدت الدول العربية الجمهورية العربية المتحدة على بقائها صامتة وسلبية نسبياً خلال تلك الفترة. ومن جانب آخر، كانت اذاعة موسكو صارخة في اتهامها للأسطول الأمريكي بالتحرك و”التآمر”، وتحذيرها من خطط “اسرائيلية” لغزو سوريا، وقد كشفت معركة 7 ابريل/ نيسان للسوفييت وللسوريين هشاشة سوريا أمام الهجمات “الاسرائيلية”، وقد يكون السوفييت استنتجوا أنه من أجل ردع “اسرائيل” يجب على مصر أن تبدي التزاماً أشد نحو سوريا.

وفي منتصف ابريل/ نيسان ارسل السوفييت إلى “اسرائيل” مذكرة إنذار تذكر أنه يجب على “اسرائيل” أن تتحمل المسؤولية التامة عن أعمالها، و”تأمل” المذكرة كذلك ألا تسمح “اسرائيل” لنفسها بأن تُستغلّ من قِبل من سيجعلونها دمية في أيدي القوات المعادية الأجنبية، واستمرت الدعاية السوفييتية في الربط بين “اسرائيل” والولايات المتحدة في التآمر ضد سوريا. وفي 24 ابريل/ نيسان، دعا بريجنيف إلى سحب الأسطول السادس الأمريكي من البحر المتوسط.

 

4.  إغلاق خليج العقبة فاجأ السوفييت

في خطاب ألقاه يوم 2 مايو/أيار، هاجم ناصر “الإمبريالية” والولايات المتحدة بعبارات ولهجة عنيفة غير معهودة، ولربما كان يستجيب بهذا، ويرد على الانتقاد العربي وعلى اللكزات واللمزات السوفييتية، وفي 12 مايو/أيار حذر رئيس الوزراء “الاسرائيلي”، ايشكول، في تصريح حاد النبرة، من ان سوريا ستواجه اجراءات مضادة صارمة وستجابه تبعات خطيرة إن هي لم توقف الغارات الارهابية التي تشن على “اسرائيل”، وانتشرت إثرها ببرهة وجيزة اشاعات في المنطقة مفادها أن “اسرائيل” كانت تحشد قواتها على الحدود السورية، وتتخذ استحكامات على الجبهة وتتأهب لشن هجوم على سوريا، ولم يكن التقرير صحيحاً، وفي الحقيقة لم تعزز “اسرائيل” حدودها ولم تستدع قوات الاحتياط لديها إلا بعد أن بدأت الجمهورية العربية المتحدة تستنفر قواتها وتعززها وترفع درجة تأهبها العسكري.

ولم يتضح مصدر التقرير ويبدو أنه لم يأت من قِبَل السوريين أو المصريين، إذ كان السوفييت هم من مدوا كليهما بالمعلومات، ومن الممكن ان يكون “الاسرائيليون” أنفسهم هم من بثوا هذه الاشاعات على أمل ان يستحثوا السوفييت بذلك ليقنعوا السوريين بوقف عملياتهم الاستفزازية، على أية حال، لم يكن يبدو أن السوفييت مهتمون بوجه خاص بالتثبت من صحة التقرير، وكانوا قد أطلقوا مزاعم مماثلة لا أساس لها، في اكتوبر/تشرين الأول من عام 1966، وفي فبراير/شباط من عام 1967، وكانوا هم الناشر الرئيسي لهذا التقرير.

وفي خطاب له يوم 22 مايو/أيار قال ناصر: “تلقينا معلومات دقيقة يوم 13 مايو/أيار بأن “اسرائيل” كانت تحشد وتركز قواتها على الحدود السورية بأعداد ضخمة.. والقرار الذي اتخذته “اسرائيل” في هذه الآونة هو شن عدوان على سوريا بتاريخ 17 مايو/أيار”.

وفي خطابات ألقاها في 9 يونيو/حزيران و23 يوليو/تموز استشهد ناصر بالسوفييت بصفتهم مصدر هذه “المعلومات الدقيقة” وزعم أن المعلومات نقلت إلى وفد برلماني مصري زار موسكو في مايو/أيار.

في 13 مايو/أيار أرسلت رسالة إلى القاهرة عبر القنوات المصرية من موسكو، وبينت الرسالة أن وكيل وزارة الخارجية السوفييتية سيمينوف أخبر المصريين أن “اسرائيل” كانت تعد لهجوم بري وجوي على سوريا، وأن خطة الهجوم ستنفذ في الفترة ما بين 17 إلى 21 مايو/أيار، كما بينت ان السوفييت نصحوا الجمهورية العربية المتحدة بأن تتأهب، وأن تحتفظ بهدوئها، وألاَّ تنجر إلى مقاتلة “اسرائيل”، وكذلك نصحوا السوريين بأن يبقوا هادئين ولا يتيحوا ل “اسرائيل” فرصة للقيام بعمليات عسكرية، وقالت الرسالة أيضاً إن الاتحاد السوفييتي كان يحبذ إبلاغ مجلس الأمن قبل أن تقوم “اسرائيل” بعمل عسكري ضد سوريا، وحسب الرسالة فإن هذه المعلومات أعطيت لأنور السادات، رئيس الوفد المصري الذي زار موسكو آنذاك، وهذه المعلومات التي تم التقاطها، تؤكد مصداقية تصريح ناصر بأن السوفييت مرروا المعلومات إلى الجمهورية العربية المتحدة، وتضيف حقيقة أخرى هي أن السوفييت حثوا المصريين في الوقت ذاته على أخذ الحيطة وتوخي الحذر، وأخذ العرب المعلومة لكنهم لم يعملوا بالنصيحة.

ووفقاً ل (يوجد حذف في الوثيقة) فإن وزير الخارجية السوفييتي جروميكو أبلغ كل السفراء العرب المعتمدين لدى موسكو، في الفترة من 15 إلى 19 مايو/أيار بأن ثمة هجوما وشيكاً على سوريا تعد له “اسرائيل”، وعرض تقديم أي عون مطلوب، بما فيه المساعدات العسكرية وأكد (يوجد حذف في الوثيقة) أن مثل هذه التأكيدات أعطيت في موسكو من قبل مسؤول سوفييتي على أرفع مستوى، إلا أنه من المستبعد جداً أن يكون مثل هذا التطمين الشامل قد أعطي أصلاً. وتكرر التطرق لاحقاً إلى التقرير عن خطط “اسرائيل” المزعومة لشن هجوم، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي بتاريخ 29 مايو/أيار، على لسان سفير الجمهورية العربية المتحدة القوني، ومن ثم ردد صدى هذا الحديث السفير السوفييتي فيدورينكو، الذي قال إن بحوزة العرب معلومات دقيقة عن حشد مكثف للقوات “الاسرائيلية”، وعن تبييت “اسرائيل” النية للقيام بهجوم بتاريخ 17 مايو/أيار.

ولم تتضح حتى الآن الدوافع السوفييتية وراء نشر تقرير غير موثق، وأسانيده واهية، وحججه متداعية، على الرغم من خطورته، وعلى الرغم من الاحتمالات الكبيرة بأن تفجر مثل هذه المعلومات الأوضاع، فحتى لو أن السوفييت عرفوا أن وقائع القصة التي طرحت للتداول لم تكن صحيحة، فلربما خشي المسؤولون السوفييت من رجحان كفة احتمال أن تقوم “اسرائيل”، نتيجة لخطاب ايشكول، بهجوم انتقامي ما، ضد سوريا في برهة قريبة، فإذا كان الأمر كذلك، فلربما كانوا يأملون في دفع الجمهورية العربية المتحدة نحو التزام صارم وصريح بأن تهب لمساعدة سوريا، على أساس أن مثل هذا الالتزام، حسبما ارتأوا وفكروا، يمكن ان يردع “اسرائيل” عن شن المزيد من الغارات، ومن المحتمل أيضاً أن السوفييت كانوا يأملون بتخويف السوريين كي يعدلوا من سياساتهم، وذلك بإقناعهم بأنهم إذا لم يبادروا إلى اتخاذ هذه الخطوة فسوف يواجهون هجوماً “اسرائيلياً”.

هامش: يؤيد هذا وجهة النظر التي تذهب إلى أن “اسرائيل” ذاتها هي التي يمكن ان تكون قد اختلقت هذه الاشاعة منذ البدء، وثبت خطؤهم في الحالتين كلتيهما فلو أنهم صدقوا التقرير فسيكونون قد ارتكبوا بذلك خطأ استخباراتياً، وأما إذا كانوا لم يصدقوا القصة وهو الأرجح احتمالاً على ما يبدو، أو أنهم كانوا من اخترعها، وكانوا يستخدمونها لحث ناصر أو السوريين، فعندها يكونون قد أساؤوا تقدير الآثار التي سوف تحدث، فالقصة لم تكبح جماح السوريين بل استثارت ردة فعل أكثر عدوانية مما توقعته موسكو من ناصر أو رغبت فيه.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech