Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

العمليات الحربية فى حرب فلسطين 1948 قبل الهدنة الاولى

عمليات الجيش المصري :-

  • ·دخول القوات المصرية فلسطين

كانت بداية التدفق المصرى على فلسطين من خلال قوة من المتطوعين، دخلت الساعة 6 من مساء 6 مايو 1948، بقيادة البكباشى أركان حرب أحمد عبدالعزيز، عرفت باسم «القوة الخفيفة»، وكان قوامها 344 مصريا ، و279 ليبيا و45 تونسيا، علاوة على 112 جنديا من المدفعية المصرية، وبهذا يكون مجموعها الكلى 798 فردا تمركزوا حول خان يونس.

أما القوات النظامية المصرية فتشكلت تحت قيادة اللواء أحمد على المواوى، الذى دفع الكتيبتين الأولى والسادسة مشاه فى الساعة السادسة من صباح السبت 15 مايو 1948 للهجوم على مستعمرتى «الدنجور» الواقعة على مسافة 6 كيلومترات جنوب غرب رفح، و»كفار داروم»، اللتين تسيطران على محور المواصلات الرئيسى إلى غزة.

وكانت المشكلة الأساسية الى واجهت الأركان العامة الإسرائيلية حيال هذا الهجوم ــ بحسب اللواء حسن البدرى فى كتابه المرجعى «الحرب فى أرض السلام الجولة العربية ــ الإسرائيلية الأولى» ــ هى كيفية إغلاق محاور التقدم والحركة فى وجه القوات المصرية بصورة فعالة، ولتحقيق ذلك عمدت على نشر قواتها فى المنطقة الجنوبية بما يكفل سيطرتها على الهيئات الحاكمة (تعبير يطلق على المرتفعات ذات القيمة الاستراتيجية) بالألوية الثلاثة المتوفرة وقتئذ، ونعنى هنا الألوية «كريانى» و«جعفاتى» (الهاجاناة) واللواء «النقب» (البالماح) التى خصصتها الأركان العامة للعمل فى جنوب غرب فلسطين، بالإضافة إلى تحصين المستعمرات الأربعين الواقعة على هذا الاتجاه الحيوي.

وبهذه الأوضاع اتخذت القوات الإسرائيلية على الجبهة المصرية شكل الدفاع مع تركيز الجهود الرئيسية فى العمق، إذا وقع على المستعمرات التى سبق انتخابها فى مواقع حاكمة أمر كسر حدة الهجوم المصرى، وتهديد أجنابه وخطوط مواصلاته بينما تأهبت الألوية الإسرائيلية فى الخلف للتحول إلى الهجوم المضاد العام بعد أن يفقد الهجوم المصرى وتيرته، وتطول خطوط مواصلاته ويستدرج إلى أرض من اختيار الأركان العامة الإسرائيلية، يتم عندها صده هناك تمهيدا لدحره.

ولتحقيق هذه الاستراتيجية الإسرائيلية استولت القوات الصهيونية على خطوط المواصلات الرئيسية فى هذا المحور، واحتلت مواقع حاكمة كثيرة، وبالرغم من ذلك اندفعت القوات المصرية عبر الحدود الدولية فهاجمت الكتيبة السادسة مشاه بقيادة العقيد جاد سالم مستعمرة نيريم (الدنجور) صباح يوم دفعها (15 مايو) وبدأت قصفها بالمدفعية فى الساعة 8.28 صباحا، كما اقتحمتها المشاه التى توقفت على بعد 150 متر من قلب المستعمرة لغزارة النيران التى صبها المدافعون على المهاجمين. وحدث نفس الشىء أمام «كفار داروم» التى هاجمتها الكتيبة الأولى المشاه بقيادة العقيد السيد طه، إذ أجبرت النيران الكثيفة التى أطلقتها القوات الصهيونية قواتنا على التوقف والارتداد، لكنها وبدعم من المدفعية استطاعت الهجوم على هذه المستعمرات، لكنها لم تطهرها بالكامل وواصلت خط سيرها فى اتجاه غزة.

وكانت المعاونة الجوية من سلاج الجو الملكى للقوات المصرية على أشدها منذ اليوم الأول للقتال، فهاجمت طائراتنا فيه «تل نوف» و»محطة ريدنج» و«مصنع منسى زكي» فى تل أبيب بثلاث طائرات، سقطت إحداها بفعل نيران المدفعية الخفيفة المضادة للطائرات، وأسر قائدها النقيب محمود بركة.

وعادت الطائرات المصرية فهاجمت فى اليوم التالى مطارات «تل نوف» و«كفار سيركين» و»رامات ديفيد»، ثم قصفت «تل نوف» يوم 17 مايو للمرة الثالثة، كما هاجمت ميناء تل أبيب ومعسكر «يونا» شمالها. ثم هاجمت يوم 18 تل أبيب مرتين، وألقت منشورات تدعو سكانها للتسليم.

معركة دير سنيد (19 ــ 24 مايو 1948) :-

استأنفت القوات المصرية سيرها فى اتجاه غزة، ووصلتها فى اليوم الثانى للقتال، ثم استأنفت التقدم شمالا يوم 19 مايو لتهاجم مستعمرة «يد مردخاي» (دير سنيد اليهودية)، ووقعت عند هذه المستعمرة المعركة الأولى بين القوتين النظاميتين المصرية والإسرائيلية، وترجع أهمية «دير سنيد» لأنها كانت المركز الرئيسى لتموين مستعمرات النقب، التى بلغ عددها وقتئذ 27 مستعمرة، منها 15 مستعمرة فى النقب الشمالى، وهو ما جعلها مثل الشوكة فى جنب أى قوة تحاول التقدم شمالا أو جنوبا على امتداد السهل الساحلى المحاذى لشاطئ البحر المتوسط، كما كانت تتحكم من موقعها المرتفع فى الأرض المجاورة، وفى الطريق الأسفلت المار إلى الشرق منها، والذى يصل غزة بحيفا.ولأن هذه المعركة كانت أول صدام مسلح حقيقى يقع بين جيش مصر وجيش إسرائيل فى سجل صراعهما المعاصر، فقد كانت نتيجتها ذات فائدة عظمى على سير القتال وتطوره فيما بعد، إذ أتاحت لكل من الطرفين أن يعرف قوة خصمه فى قتال طويل نسبيا امتد لأكثر من 120 ساعة، واشتمل على أربع هجمات نشطة خرج كل طرف منها وقد ألم بحقيقة كفاءة خصمه فى الميدان.وبدأت المعركة بتحرك الكتيبة الأولى المشاه بقيادة العقيد السيد طه من غزة فى السادسة من صباح يوم 19 مايو، مدعوما بوحدات مدفعية، قامت بقصف مركز على دير سنيد، ثم بعد ذلك اندفعت الكتيبة المدعمة ببعض السيارات المدرعة للهجوم على المستعمرة، وتمكنت إحدى سراياها من احتلال دشمة من الدشم الأمامية للمستعمرة، إلا أن كثافة نيران العدو وكثرة الدشم جعلت قائد الكتيبة يعطى أوامره بسحب القوتين إلى محلاتهما الأصلية، وأعاد الهجوم على المستعمرة مرة أخرى لكنه لم ينجح أيضا. أدركت القيادة أن هجوما ناجحا على هذه المستعمرة لابد وأن يتم بعد استطلاع جيد لها، ودراسة أسلوب العدو فى الدفاع عنها، كما تم تعزيز كتيبة المشاه ببعض العربات المدرعة التى ترفع من قدرات المشاه على اقتحام الدشم.وفى يوم 23 مايو عاد الهجوم المصرى مرة أخرى، وواجهه العدو بنيران هائلة ولم تنجح الموجة الأولى فى الاستيلاء على المستعمرة وسقط شهداء مصريون أثناء الهجوم على دير سنيد، لكن القيادة أصرت على إنهاء أمر هذه المستعمرة، فقررت إعادة الهجوم ليل يوم 24 مايو، وتمكنت دبابة وبعض العربات المدرعة المصرية من فتح ثغرة وتقدمت لاحتلال دشمة، ودار اشتباك عنيف مع العدو، ومع بزوغ الفجر كانت المستعمرة قد سقطت فى أيدى الكتيبة الثانية المصرية، بعد أن انسحب العدو حاملا معه 40 جريحا وترك وراءه 26 قتيلا.

التقدم إلى المجدل :-

بينما كانت الكتيبة الثانية المشاه تركز الهجوم على دير سنيد صدرت الأوامر فى الساعة 8.30 يوم 21 مايو إلى الكتيبة الأولى المشاه وتحت قيادتها سرية من الآلاى الأول استطلاع بالتقدم على طريق جانبى إلى المجدل التى وصلتها واحتلتها دون مقاومة.

كما تابعت القوة الخفيفة بقيادة البكباشى أحمد عبدالعزيز اندفاعها إلى المحور الداخلى، فوصلت الخليل يوم 21 أيضا، ثم بيت لحم يوم 24، حيث أمنت الاتصال مع القوات الأردنية، وحقق اندفاع هذه القوة من بيت لحم غرضا ساسيا، كما دعم التعاون بين الفيلق الأردنى والجيش المصرى، وأمن جناحيهما وإن تسبب فى مد خطوط المواصلات بما لا يتفق مع حجم هذه القوة وجعلها هدفا لإغارات العدو المستمرة.

وفى يوم 24 مايو بينما كانت القوة الخفيفة تدخل بيت لحم، والكتيبة الأولى المجدل، احتلت القوات المصرية عراق سويدان، فسيطرت بذلك على كافة الطرق المؤدية إلى المستعمرات الإسرائيلية فى النقب، التى زاد من عزلتها نجاح القوة الخفيفة فى قطع مواصلاتها بالقدس عند بير السبع والخليل وبيت لحم. وتوالى وصول القوات المصرية إلى الجبهة بعد أن أصبح تقدمها فى اتجاه الطريق الساحلى دون تأمين جنبها الأيمن معرضا للخطر بعد أنباء عن أن العدو يحشد قوات شرق المجدل وعراق سويدان، ووصل مجموع القوات إلى لواءان من المشاه.

الزحف إلى أسدود :-

المهمة التالية للقوات المصرية كانت التقدم لاحتلال أسدود تلبية لطلب القوات الأردنية، وذلك لتخفيف الضغط الإسرائيلى الواقع عليها فى منطقة باب الواد، ولهذا تحدد الخط العام (أسدود – قسطينة) كهدف يجب الوصول إليه فى الوقت الذى يحدده قائد القوات المصرية اللواء المواوى.

وفى الساعة الثالثة من صباح يوم 29 مايو صدر الأمر الإنذارى إلى مجموعة اللواء الثانى (كان يتكون من الكتائب الأولى والثانية والتاسعة المشاه) بقيادة العميد محمود فهمى نعمة الله، للتحرك اعتبارا من الساعة التاسعة من نفس اليوم نحو أسدود، على أن تبقى الكتيبة الأولى المشاه فى المجدل، والكتيبة السادسة المشاة فى غزة لتأمينها، بينما تتحرك الكتيبة السابعة المشاة التى وصلت حديثا إلى منطقة دير سنيد لتأمينها. ووصلت القوات المصرية إلى شمال أسدود بنحو 4 كيلومترات، واحتلت مواقع دفاعية، ووصلت مقدمة القوات (الكتيبة التاسعة وبعض وحدات الدعم) ظهر نفس اليوم، بعد أن عرقل تقدمها بعض الألغام التى طهر الطريق منها المهندسون العسكريون، فضلا عن أن الكتيبة الثانية (وكانت القوة الأساسية التى ستقوم بالمجهود الرئيسى) فى أثناء تحركها فى اتجاه هذه المدينة اصطدمت بنيران رشاشات مستعمرة «نيتسانيم» عند مرورها بمحاذاتها فاشتبكت معها بعض الوقت ثم واصلت تقدمها حتى دخلت أسدود فى السادسة مساء دون مقاومة.

وقبل أن تجهز القوات أماكنها أغارت عليها ثلاث طائرات إسرائيلية، لكن قواتنا نجحت فى إسقاط اثنين منها، وأجبرت الثالثة على الفرار.

وفى اليوم التالى هاجمت طائرتان للعدو مواقعنا الدفاعية، وتمكنت المدفعية المضادة للطائرات من إسقاط إحداهما، وكانت من طراز «مسر شميدث»، وبالإضافة إلى ذلك نجحت مجموعة اللواء الثانى فى أسدود من صد هجوم مضاد قامت به عناصر من اللواء الإسرائيلى «جفعاتى»، ومعها كتيبة من «الأرجون» ورتل عربات جيب من اللواء «النقب»، وأجبرت العدو على الارتداد غير المنظم، تاركا قتلى وجرحى خلفه، ولما أعاد الكرة فى صباح اليوم التالى دحرته قواتنا وكبدته خسائر فادحة. وبهذا أصبح الموقف العام على الجبهة المصرية فى جنوب فلسطين مطلع شهر يونيو 1948 أى بعد 15 يوم قتال كما يلى:

ــ وصل خط الجبهة أو المجهود الرئيسى لقواتنا إلى أسدود ــ المجدل ــ عراق سويدان. ــ وصلت القوة الخفيفة بقيادة أحمد عبد العزيز إلى بيت لحم.

- أصبح المحور الرئيسى لتحرك وإمداد القوات المصرية يعتمد بالدرجة الأولى على طرق رفح – المجدل – ويسير بحذاء خط السكة الحديد.

ــ تركزت أماكن تهديد هذا المحور فى مستعمرات «الدنجور» مقابل رفح، و«كفار داروم» مقابل دير البلح، و«بئيرون اسحق نير عام» مقابل غزة، ثم «نيسسانيم» الواقعة بين أسدود والمجدل، ويتضح من هذا الخط أن أن خطوط المواصلات المصرية أصبحت طويلة أكثر من اللازم، فضلا عن أنها مهددة كما بينا، وهو ما دعا قائد القوات اللواء المواوى إلى المسارعة إلى طلب استكمال مرتب قواته من الأسلحة والحملة الميكانيكية كى

يتمكن من التحرك، وتأمين خطوط مواصلاته من هجوم العدو، وكانت قد تنضمت إليه قوة سودانية وأخرى سعودية فى اليوم السابق، فضلا عن كتيبة مدرعة.

احتلال خط المجدل ــ الفالوجا ــ بيت جبرين ــ الخليل :-

طلبت القيادة العامة المصرية يوم 2 يونيو 1948 من قيادة القوات بفلسطين احتلال خط المجدل ــ الفالوجا ــ بيت جبرين ــ الخليل، وكذلك أسدود قسطينة، وكان واضحا أن الهدف هو فصل المستعمرات الجنوبية بالنقب عن شمال فلسطين، لإرغام المستعمرات على الاستسلام بعد منع الامدادات عنها.

وصدرت الأوامر إلى الكتيبة الأولى بالتقدم شرقا لاحتلال الفالوجا وبيت جبرين، وبذلك اندفعت القوات شرقا لمسافة 40 كيلومترا، من المجدل واحتلت المواقع الرئيسية قبل أن يتمكن العدو من احتلالها، كما قامت بعض الوحدات باحتلال «دير نحاس» و«ترقومية» بعد أن طردت العدو منها، ثم واصلت تقدمها صوب «الخليل»، حيث تم الاتصال بين المجدل والخليل.

تبقى معركة مهمة قبل إعلان الهدنة يوم 11 يونيو وهى معركة «نيتسانيم»، التى كانت نقطة ارتكاز مهمة يدفع العدو منها قواته للهجوم على قواتنا فى أسدود، لذلك وضعت خطة لمهاجمتها واحتلالها للقضاء على التهديد الذى تمثله لوحداتنا وذلك يوم 7 يونيو، وانتهت المعركة باحتلال قواتنا لها بعد قتال مرير مع العدو المتمركز فى هذه المستعمرة المهمة.

عمليات الجيش السوري :-

  • ·الاستعدادات العسكرية السورية

حينما أصبحت الحرب في فلسطين أمراً محتوماً اختارت القيادة السورية أفضل لواء من الألوية الثلاثة التي يمتلكها الجيش السوري، من حيث التدريب والتسليح والتنظيم، وهو «لواء المشاة الأول» بقيادة العقيد عبد الوهاب الحكيم، ووضعته تحت تصرف (اللجنة العسكرية العليا) في قدسيا لكي تدخل به الحرب، بينما احتفظت الأركان العامة السورية بقيادة بقية قطعات الجيش السوري.

وكان لواء المشاة الأول يضم الوحدات التالية:

• فوج المشاة الأول بقيادة المقدم بشير الحواصل ويشمل ثلاثة سرايا مشاة وسرية قيادة.

• فوج المشاة الثاني بقيادة المقدم حسن غنام ويشمل ـ كالفوج الأول ـ ثلاثة سرايا مشاة وسرية قيادة.

• كتيبة مدفعية تتضمن ثلاث بطاريات من عيار 75مم.

• كتيبة مدرعات تتضمن سريتي مصفحات مارمون (15 مصفحة) وسرية دبابات رينو37 (10دبابات) بقيادة الرئيس صبحي عبارة.

• مفرزة مخابرات (إشارة).

• فصيلة إنشاءات (هندسة عسكرية) بقياد سليمان ناجي.

• سرية قيادة وخدمات إدارية وطبية.

وكان مجموع عدد أفراد اللواء، في بداية شهر ابريل 1948 (1811) ضابطاً وجندياً، مع وحدة نارية واحدة للمشاة و100 قنبلة لكل مدفع.

وفي منتصف شهر ابريل استدعى وزير الدفاع السوري أحمد الشراباتي، قائد اللواء، العقيد عبد الوهاب الحكيم، بحضور المفتش العام لقوات الإنقاذ طه باشا الهاشمي، وأعلمه بانه سيكون قائد (الرتل السوري) الذي سيحارب في فلسطين ضمن إطار (القوات العربية المشتركة)، وطلب منه تهيئة لوائه للقيام بهذه المهمة بأسرع وقت ممكن، وقد طلب آمر اللواء عندئذ من الوزير إعطاءه مهلة شهر لاستكمال أفواج المشاة وتدعيمها بأسلحة مرافقة جديدة، بدلاً من مدافع الهاون 60 و81 مم التي جرى سحبها من وحدات اللواء لتزويد قوات جيش الإنقاذ بها، ونظراً لتسارع الأحداث في فلسطين لم يكن بوسع الوزير إعطاء مهلة أكثر من أسبوعين، وقد استدعى الوزير رئيس الأركان العامة الزعيم عبد الله عطفة، وطلب منه أن يعمل كل ما بوسعه لتدارك النواقص في هذا اللواء، وهذا ما قام بعمله ضمن الإمكانيات الموضوعة تحت تصرفه.       

وفي صباح 21 ابريل 1948 أبلغ وزير الدفاع قائد اللواء (الرتل السوري) بأنه قد تقرر دخول الجيوش العربية إلى فلسطين في الساعة الواحدة من صباح 15 مايو 1948، وكان قائد اللواء يبغي منحه مهلة إضافية لتهيئة اللواء لخوض المعركة وهو أمر لم يكن بإمكان وزير الدفاع تلبيته نظراً لأن هذا التاريخ قد أقره الملوك والرؤساء العرب جميعاً. وبالفعل تلقى آمر اللواء في مساء اليوم نفسه (21 ابريل) برقية من اللواء اسماعيل صفوت، قائد جيش الإنقاذ، الذي وضع الرتل السوري تحت قيادته، جاء فيها: «إلى قائد الرتل السوري، هيئوا لواءكم لدخول فلسطين من صفد بتاريخ 15 مايو 1948، الساعة الواحدة» وقد أصدرت القيادة العامة السورية (رئاسة الأركان) بتاريخ 23 ابريل، أمر حركة موجهاً إلى لواء البادية لتحريك سراياه الثلاث، المتمركزة في الضمير وتدمر ودير الزور، إلى دمشق ومنها إلى جنوب لبنان، ووضعها تحت تصرف الجيش اللبناني وقوات الإنقاذ، من أجل القيام بالعمليات في المنطقة الحدودية اللبنانية.

وفي 6 مايو استدعى اللواء صفوت العقيد عبد الوهاب الحكيم إلى مقر القيادة العامة لجيش الإنقاذ في بلدة قدسيا، وسلمه الأمر رقم 1/سري الذي يحمل تاريخ 2 مايو 1948، وكان في الصيغة التالية: [إلى آمر الرتل السوري: يتهيأ رتلكم للحركة إلى هدفه على طريق دمشق - صور - بنت جبيل - المالكية - منطقة صفد. أكملوا جميع نواقصكم وكونوا مستعدين للحركة عند صدور الأمر خلال ثلاثة أيام من تاريخه. وتثبيتاً لهذا الأمر تلقى قائد الرتل (قائد اللواء الأول في الجيش السوري) كتاباً من الأركان العامة السورية تحت رقم 341/3 سري تاريخ 2/5/1948، بوضع اللواء تحت تصرف قيادة قوات جيش الإنقاذ.

وفي 12/5 وصل إلى اللواء الأمر بالتحرك إلى جنوب لبنان للتمركز على قاعدة الانطلاق المحددة له هناك، وذلك للتقدم إلى داخل فلسطين، على محور بنت جبيل - المالكية - صفد حسب الأوامر المتفق عليها، وتنفيذاً لذلك أصدر آمر اللواء أمر الحركة التالي لانتقال قطعات اللواء والوحدات الملحقة بها إلى قاعدة الانطلاق المحددة.

اللواء الأول تاريخ 12/5/1948

[أمر حركة]

الغاية: حشد قطعات اللواء في منطقة جنوب لبنان قبل 14/5/1948.

الحركة: يتحرك الرتل الآلي المؤلف من فوج المدفعية وفوج المدرعات، ما عدا نصف سرية دبابات، بقيادة معاون آمر اللواء، عن طريق بيروت ـ صيدا ـ بنت جبيل، حيث يصل بعد ظهر اليوم نفسه إلى قاعدة الانطلاق.

يوم 13/5/1948

#) الساعة السادسة: انطلاق فوج المدفعية.

#) الساعة الثامنة: انطلاق فوج المدرعات.

يوم 14/5/1948: يتحرك الرتل المؤلف من فوجي مشاة وسرية المقر، بقيادة آمر اللواء، وذلك بالسيارات المدنية المصادرة، حيث يصل الرتل منطقة الانطلاق بعد ظهر اليوم نفسه.

#) الساعة الخامسة: فوج المشاة الأول.

#) الساعة السابعة: فوج المشاة الثاني.

#) الساعة التاسعة: مركز التموين الأمامي.

التمركز:

1) فوج المدرعات: مفرق النبطية - صور في 13/5/1948، ثم في عين إبل نهار 14/5/1948.

2) فوج المدفعية: مفرق طريق مرجعيون ـ بيروت في 13/5/1948 ثم عيترون نهار 14/5/1948.

3) فوج المشاة الأول: قرية بليدا.

4) فوج المشاة الثاني: قرية بنت جبيل.

5) مركز التموين الأمامي: بنت جبيل.

يجتمع قادة الوحدات يوم 14/5/1948، الساعة 13.00 في عيترون.

التوقيع

آمر الرتل

العقيد عبد الوهاب الحكيم

وقد نفذت القطعات الآلية والمدفعية للواء الأول، الذي يشكل الرتل السوري في القوات العربية المشتركة، الأوامر التي تلقتها بشكل تام، وضمن الأوقات المحددة لها في «أمر الحركة»، ولكنها عند وصولها إلى قاعدة انطلاقها في جنوب لبنان في الساعة الثانية من صباح يوم 14/5/1948، تلقى قائد الرتل السوري رسالة من وزير الدفاع تفيد بأن الملك عبد الله قد استلم قيادة القوات العربية جميعاً، وبأن الأوامر صدرت عنه في عمان بوجوب دخول الجيش السوري إلى فلسطين عن طريق محور فيق - كفر حارب - سمخ – صفد، بدلاً من محور بنت جبيل - المالكية صفد، وأن عليه أن يوقف حركته الأولى وأن يتوجه بسرعة إلى فيق. فاضطر قائد الرتل لإصدار أمر حركة جديد، بتاريخ 14/5/1948، يُعاكس أمر الحركة الأول في 12/5/1948:

«[أمر حركة رقم 2/3 ش تاريخ 14/5/1948

الغاية: تحشيد قطعات اللواء في منطقة فيق - كفر حارب.

التمركز:

#) فوج المشاة الأول: عين الفقيه وضواحيها.

#) فوج المشاة الثاني: كفر حارب.

المسلك: معسكرات قطنا - القنيطرة - طريق الشيخ مسكين - فيق.

#) فوج المدرعات: فيق.

المسلك: طريق النبطية ـ مرجعيون ـ بانياس ـ القنيطرة ـ فيق.

مركز التموين: القنيطرة.

مقر قيادة الرتل السوري: القنيطرة اعتباراً من الساعة 14 من يوم 14/5/1948 ، ويجب أن تكون القطعات جميعاً في مراكزها قبل الساعة 15.00 آمر الرتل».

ولكن القطعات لم يبدأ وصولها إلا ابتداءاً من الساعة 19.00 من اليوم نفسه، وفي الساعة الخامسة والنصف من مساء 14/5/1948 تلقى قائد الرتل السوري من القيادة العامة في عمان أمراً يقضي بتنفيذ المهمة التالية:

أولاً) الاحتشاد: في فيق.

ثانياً)التقدم على ممر فيق - كفر حارب - الحمة - سمخ لإنشاء رأس جسر على نهر الأردن هناك.

وعندئذ سارع آمر اللواء مع قادة وحداته الموجودين معه ذلك الوقت (قادة وحدات المشاة) لاستطلاع المنطقة المشرفة على المرتفعات المطلة على سهل سمخ، وكان ذلك عند آخر ضوء من يوم 14/5/1948. وأعطى قائد الرتل الأوامر إلى قادة وحدات المشاة بالتمركز على تلك المرتفعات والهضاب، والانطلاق منها إلى الأراضي الفلسطينية، في تمام الساعة الواحدة من صباح 15/5/1948، وعيّن مركز قيادة الرتل في موقع (مزرعة عز الدين)، إلا أنه لم يتم احتلال أمكنة الانطلاق إلا بعد عدة ساعات، وتأخر وصول وحدات الدبابات 24 ساعة عن ذلك، لأن بعض دبابات الرتل من طراز رينو 37، بعد أن اجتازت مرجعيون ووصلت إلى بانياس، تعطلت مقابل موقع تل القاضي الذي يحتله اليهود، واقتضى إصلاحها وقتاً طويلاً وهكذا زج الرتل السوري، بتاريخ 15/5/1948، في منطقة ضيقة تشبه عنق الزجاجة، لا يعرف عنها شيئاً، ودون أن يتلقى أي دعم من وحداته المدرعة، وكان هذا سبباً في إضعاف فعاليته.

العمليات الحربية في القطاع الجنوبي (احتلال سمخ):

في الساعة الرابعة من صباح السبت 15/5/1948 اجتازت سرايا الفوج الأول، بقيادة المقدم بشير الحواصلي، المرتفعات المُطلة على سهل سمخ، وانحدرت نحوه، بدون مساندة المدفعية أو المدرعات، التي لم يكن قد تكامل وصولها بعد إلى منطقة العمليات، وفي الساعة الخامسة والنصف من صباح اليوم نفسه استولى الفوج على مستعمرة ها أون (السمرة) التي تقع على الضفة الشرقية لبحيرة طبرية.

كما احتل الهضبة الواقعة إلى جنوب هذه المستعمرة، وهي هضبة بطول يقارب 900م، تعرف في المصادر العربية باسم (تل ناقص 98)، وفي المصادر الإسرائيلية باسم (تل كاتسير)، وفي الساعة 7.30 صباحاً كانت أول وحدات المدفعية السورية قد وصلت إلى مربضها في (مزرعة عز الدين)، وبدأت بقصف بلدة (سمخ) وما جاورها، وهذا ساعد وحدات الفوج الأول (على احتلال موقع الكرنتينا) إلى الجنوب الغربي من (تل ناقص 98) ثم احتلال المعسكر (الكامب) الواقع على بعد حوالي 500 م شرقي بلدة سمخ.

عمليات يوم الأحد في 16/5/1948:

في يوم الأحد 16/5/1948 رأى قائد الرتل أن يُدخل الفوج الثاني بقيادة المقدم حسن غنام، في المعركة لإراحة عناصر الفوج الأول الذي نفذ عمليات اليوم السابق (15/5) فأوعز إلى قائد الفوج الثاني بالتقدم لاحتلال بلدة سمخ، مدعوماً بسرية مصفحات، بينما تم تكليف الفوج الأول بحماية تقدمه، وفي ظهر هذا اليوم أتى إلى الجبهة السيد رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، والمفتش العام لقوات جيش الإنقاذ طه باشا الهاشمي، وعقدوا اجتماعاً مع قائد الرتل السوري، حيث أشار المفتش العام على قائد الرتل بأن يقوم أولاً باحتلال مستعمرة « شعار هاجولان » حتى يسهل عليه احتلال سمخ بعدئذ، وقد تمسك قائد الرتل برأيه في وجوب احتلال سمخ أولاً لحماية ميمنته من جهة، ولأنها الطريق الوحيد لوصول النجدات والمؤن إلى المنطقة من جهة ثانية،

وقد انقضى هذا اليوم دون أن تتمكن الوحدة السورية من مهاجمة (الفوج الثاني في اللواء الأول) من احتلال سمخ بسبب قوة تحصينها.

عمليات يوم الإثنين في 17 مايو: قضى الرتل السوري هذا اليوم في عملية استطلاع لمنطقة الهجوم على سمخ، لتجنب الأخطاء ما أمكن، وخاصة من حيث التعاون والتنسيق في الحركة والنار مع المدرعات، لتعذر الاتصال بين وحدات المشاة والمدرعات لاسلكياً، وطلب قائد الرتل تدخل الطيران السوري لقصف سمخ تمهيداً للهجوم عليها في اليوم التالي فقام سرب سوري بطلعة قصف، كما قام الطيران العراقي بطلعة أخرى بطلب من ضابط الارتباط العراقي الذي كان يرافق الرتل السوري.

احتلال سمخ يوم الثلاثاء 18/5/1948: بدأ الرتل السوري الهجوم على سمخ في الساعة الرابعة من صباح هذا اليوم بواسطة الوحدات التالية:

#) الفوج الثاني بقيادة المقدم حسن غنام.

#) الفوج الأول بقيادة المقدم بشير حواصلي.

#) فوج المدرعات، ويحوي سريتي مصفحات (15 مصفحة)، وسرية دبابات (10 دبابات) بقيادة الرئيس صبحي عبارة، وقد اشتركت جميعها في الهجوم .

#) مفرزتا مغاوير من كتيبة الفرسان الشركس المتمركزة في القنيطرة.

#) فصيلة هندسة بقيادة الملازم الأول سليمان ناجي، وقد دعمت وحدات المدفعية من مربضها في (مزرعة عز الدين) وحدات الهجوم بالرمايات التمهيدية أولاً، ثم برمايات الإيقاف لمنع وصول النجدات، وكانت الوحدات المذكورة بقيادة المقدم عزيز عبد الكريم، ويعاونه النقيب علاء الدين ستاسيس كقائد بطارية، والملازم الأول فيليب صوايا كراصد مدفعية.

وتم توزيع المهام على الوحدات المشتركة في الهجوم كما يلي:

1) تقوم المدفعية بقصف مواقع العدو في سمخ قبل بدء الهجوم بعشر دقائق.

2) يقوم الفوج الثاني ومفرزتا المغاوير بالهجوم الرئيسي على سمخ في الساعة الرابعة من صباح 18/5/1948، وذلك باقتحام البلدة من جهة الشمال.

3) يتقدم الفوج الأول للاستيلاء على سمخ من جهة الجنوب، بما فيها الحدود الغربية، ويدعمه في ذلك قاعدة نارية تقدمها له الدبابات والمصفحات، ويستهدف الهجوم تطويق محطة القطار، والطرف الآخر من مخرج سمخ الغربي.

4) بعد وصول الفوج الأول إلى هدفه تتقدم مفرزة المغاوير، ثم فوج المشاة الثاني لتطهير القسم الشمالي من سمخ، والاتصال بالفوج الأول في مخرج البلدة الغربي، ثم الاستيلاء على (مخفر البوليس فيها).

5) تتمركز القطعات المُهاجمة دفاعياً في المناطق التي احتلتها بعد تنفيذ مهامها، وتقوم بعملية تحصين (تعزيز) مواقعها لصد أي هجوم معاكس قد يقوم به العدو ليلاً أو نهاراً، وقد أرسل قائد الرتل صورة من أمر الهجوم هذا إلى قيادة الرتل العراقي، المتمركز إلى يساره في (جسر المجامع)، وذلك عن طريق ضابط الارتباط.

تنفيذ خطة الهجوم:

في الساعة الرابعة من صباح 18 مايو 1948 بدأ الهجوم السوري على سمخ بقصف مدفعي دام عشر دقائق ثم تقدمت المصفحات والدبابات ووراءها المشاة باتجاه البلدة، وأعقبها فوج المشاة الأول الذي استدار إلى جنوب سمخ لتطويقها، أما الفوج الثاني فقد تقدم لاحتلال الجزء الشمالي من البلدة، والشارع الرئيسي فيها، الذي كان شديد التحصين بما أقامه الصهاينة فيه من العوائق والحواجز، وفي هذا الوقت قامت الطائرات السورية من طراز هارفارد بقصف مؤخرة العدو ومنع وصول النجدات إليه، وشاركت في مهمة القصف هذه المدفعية السورية، التي قصفت الطرقات المؤدية من مستعمرات دكانيا - آ و دكانيا - ب، وفيكيم إلى سمخ، لكي تمنع تقدم النجدات إلى هذه البلدة، وفي الساعة الخامسة والنصف من صباح 18/5 وصل الفوجان الأول والثاني إلى أهدافهما، وتم احتلال (مخفر البوليس) الشديد التحصين، في طرف البلدة وذلك بفضل قذائف مصفحات المارمون التي كانت تخترق أشد الجدران الإسمنتية تحصيناً وتنفذ منها، وفي الساعة السادسة صباحاً، ومع وصول المهاجمين إلى مفترق الطرق الواقع جنوبي سمخ بدأت القوات الصهيونية بالانسحاب من البلدة قبل أن يتم إحكام الطوق عليها حسب الخطة المرسومة، ودخلت القوات السورية سمخ في الساعة الثامنة من صباح يوم الثلاثاء 18 مايو 1948، وبدأت بتعزيز مواقعها لصد الهجمات المعاكسة المحتملة، وكانت خسائر العدو في هذه المعركة 113 قتيلاً، بينهم قائد القوة المدافعة، وقائد وحدة من الهاغاناه جاءت لنجدة الموقع أثناء المعركة، و10 أسرى (مقابل 6 شهداء و11 جريحاً من القوات السورية المهاجمة)، كما غنمت القوات السورية عدداً من المصفحات والهاونات والقذائف الصاروخية المضادة للدرع (بازوكا) وعشرات الرشاشات (62)، وعند الظهر تم إرسال مفرزة من الشرطة العسكرية السورية إلى بلدة سمخ لتأمين الانضباط.

احتلال سمخ وشعار هاجولان حسب الرواية الرسمية لجيش العدو:

يقول سجل الوقائع اليومية لجيش العدو في هذا السياق:

«بدأ السوريون غزو البلد عبر سهل الأردن (عيمق هايردن) ففي مساء 15 مايو شوهدت آليات مضاءة تتحرك من قرية حاريب (كفر حارب) على امتداد سفوح الجولان، وفي الساعة الواحدة من اليوم نفسه بدأ السوريون بقصف عين غيف بالمدفعية ومدافع الهاون، وفي الصباح ظهرت الطائرات وقصفت مستعمرات السهل، وبدأت المدفعية بقصف شعار هاجولان وميسادا، وانحدرت سريتان سوريتان من تل القصر (تل ناقص 98)، الذي تم الاستيلاء عليه خلال الليل، وتقدم رجالهما منتشرين ومنتصبي القامة تحت غطاء من المدفعية والآليات، في اتجاه معسكر الجيش في سمخ ومعسكر الكرنتينا الجديد، وانسحبت وحدة قوة الحراسة التي كانت في الكرنتينا بفعل ضغط السوريين، وتضعضع نظام وحدات قوة الحراسة في سمخ، ونشأ وضع خطر، لأن سقوط سمخ من دون معركة كان معناه هجوماً على مستعمرتي دكانيا (أ) و دكانيا (ب) قبل أن تستعدا كما ينبغي، وعند سقوط معسكر الجيش والكرنتينا الجديد في سمخ، استدعيت على الفور إلى المكان فصيلتا الكتيبة اللتان كانتا جاهزتين في طبرية، ووصلت القوة إلى سمخ بعد عشرين دقيقة، وبدأت تنظم نفسها للدفاع، وتمركز السوريون قبالتها في المعسكر والكرنتينا، وأصبح نظام الدفاع عن سمخ الممتد على طول كيلو متر واحد من شاطئ طبرية نحو الجنوب محمياً بثلاث فصائل تابعة للكتيبة، وتعزيزات من رجال المستعمرات من جميع أنحاء السهل، ونجح في إيقاف السوريين الذين تقدموا من المعسكر الحربي (الكامب)، وفي الوقت نفسه تحركت سرية أخرى من تل الدوير نحو مؤسسة المياه على نهر اليرموك، وكانت المؤسسة بمثابة موقع متقدم للدفاع، عن ميسادا وشعار هاجولان، وقد تم تقدم السرية تحت غطاء من نيران المصفحات والمدفعية التي قصفت المستعمرتين وقتل جميع الأشخاص في الموقع باستثناء واحد، واستمرت المصفحات وقوات المشاة في التقدم باتجاه شعار هاجولان، ولكن رجال المستعمرة وفصائل نجدة مزودة بمدافع من عيار 20 مم تمكنوا من الوصول بسرعة إلى المستعمرة ونجحوا في صد المهاجمين، ومنذ تلك اللحظة حتى التخلي عن المستعمرتين لم يحاول السوريون الهجوم في هذا الاتجاه مرة أخرى.

واكتفى السوريون مؤقتاً بالقصف، وبإجراء مناورات بالمصفحات وبالإغارة من الجو على مستعمرات السهل كافة، وأعادوا تنظيم قواتهم، وأتاحت هذه المهلة لقيادة الكتيبة فرصة إعادة تنظيم الدفاع عن سمخ نفسها وفي ظل القصف حفر الرجال الخنادق وحصنوا المواقع داخل المباني، وأقاموا حواجز على الطرق وما شابه ذلك، وفي الليل جرت في بحيرة طبرية مناورة تضليل قامت بها الزوارق التي أطلقت النار على الشاطئ زيادة في تضليل العدو (السوريين) وتشويش خططه.

وفي اليوم التالي 17 من الشهر، حاول السوريون مرة أخرى مهاجمة سمخ بمساندة المصفحات وبتغطية من المدفعية، إلا أنه تم إيقاف الهجوم، وساعدت المدافع من عيار 20 مم كثيراً في إيقاف الهجوم، ولكن العدو واصل القصف وفي الليل وصل خبر من الطابغة مفاده أن وحدة سورية كانت ستجتاز مخاضة الأردن، شمالي طبرية، اصطدمت بحقل ألغام، وانسحبت بعد أن تكبدت عدداً من الجرحى بينهم ضابط سوري برتبة عالية (.... ).

إن الوقت الثمين الذي اكتسب بالاحتفاظ بسمخ أتاح مايلي:

1) المزيد من تنظيم الدفاع عن المستعمرات.

2) إعداد خط الدفاع عن مستعمرتي دكانيا ودكانيا (ب).

3) إجلاء الأطفال والمرضى والشيوخ من مستعمرات السهل، وقد أبحرت (في مياه طبرية) قوافل الإجلاء تحت قصف المدافع والطائرات، ولم يطل الانتظار، ففي فجر 18 مايو بدأت المدفعية (السورية) بقصف سمخ وشعار هاجولان قصفاً متزايداً مع مرور الوقت، وفي الوقت نفسه انتشرت على شكل قوس واسعة 13 آلية مدرعة، بينها دبابات من طراز رينو، وبدأت تتقدم باتجاه سمخ، ولم تشترك قوات المشاة السورية هذه المرة في الهجوم، وإنما انتظرت عن بعد، وهدم القصف بيوت سمخ اللبنية (الطينية) التي كان يختبئ فيها المقاتلون، ولم تكن الخنادق عميقة فيما فيه الكفاية كانت حفراً لإطلاق النار من دون ساتر للرأس، وجرح أشخاص كثيرون بينهم عدد من القادة، وتقدمت المدرعات وهي تقصف المواقع وأصيب أحد المدافع من عيار 20 مم، التي كانت تستخدم ضد المدرعات فتعطل، وقد حسمت حركة المدرعات هذه، التي هدفت إلى تطويق سمخ من الجنوب، وهددت بقطع طريق الانسحاب على المدافعين من المعركة واضطر رجالنا إلى ترك مواقعهم والخروج من سمخ من دون أن يتمكنوا من إخلاء جميع الجرحى، كانت نيران مدرعات العدو تغطي الشوارع والساحات بين البيوت، وكان الانسحاب صعباً جداً، وسقطت ضحايا كثيرة في مئات الأمتار القليلة الفاصلة بين سمخ ومستعمرتي دكانيا، وانضم باقي المنسحبين إلى المدافعين عن هاتين المستعمرتين اللتين أصحبتا في خط النار الأول، وكان آخر موقع سقط في سمخ هو (مخفر البوليس)، وقد أتاح الصمود فيه ـ ولو أن ذلك لفترة قصيرة فقط ـ للمنسحبين مجال تنظيم صفوفهم وإقامة خط مؤقت غربي وجنوب غربي سمخ، في اتجاه (بيت ياريح) من جهة، وفي اتجاه (بيت زيرع) من جهة أخرى.

وقد تمركزت في الخط وحدة بقيادة نائب قائد الكتيبة الثانية من لواء غولاني، الذي سقط في المعركة في وقت لاحق، وقد أثار سقوط سمخ والقصف والغارات الجوية مشاعر صعبة، وفي الوقت نفسه أرسلت إلى قطاع مستعمرتي دكانيا تعزيزات مشكلة من أفراد الكتيبة الثالثة 3 التابعة للواء غولاني، ومن مستعمرات الجليل الأسفل والسهل.

كما وصلت من الجليل سرية من الكتيبة الثالثة من لواء (يفتاح) التابع للبالماخ، واستعدت لتوجيه ضربة مضادة (هجوم معاكس) في الليل، وعند حلول الظلام، قبل أن تتحرك السرية التابعة للواء (يفتاح) للقيام بهجوم مضاد على سمخ، وصل نبأ الاستعدادات في شعار هاجولان وميسادا لإخلاء المستعمرين، ومع الفجر كان قد تم إخلاؤهما، وفشل هجوم سرية البالماخ على مركز شرطة سمخ (مركز البوليس) في ليلة 18/19.

لقد نجحت الوحدة في الاقتراب واحتلال مبنى المدرسة المجاور لمركز الشرطة، ولكن عندما اقتربت من مبنى المركز فتحت عليها نيران قوية من المبنى نفسه، ومن المدرعات الموجودة بالقرب منه، واضطرت إلى الانسحاب، وبسقوط سمخ في الشمال واستيلاء العدو (السوريين) على ميسادا وشعار هاجولان في الجنوب، توصل العدو إلى تأمين جناحيه في حال تقدمه نحو مستعمرتي دكانيا (أ) و دكانيا (ب)، (دكانيا (أ) و دكانيا (ب) هما أقدم مستعمرتين يهوديتين في فلسطين، وهما محصنتان جيداً، وتقعان على مقربة من الخط الدفاعي الذي أخذ في أوائل الحرب العالمية الثانية، اسم «خط إيدن» والذي كان يستهدف وقف أي هجوم ألماني قادم من تركيا أو سورية لاحتلال فلسطين.)، لكن الهجوم المضاد على مركز البوليس، وما سببه من خسائر مني بها السوريون، حققت كما يبدو، على الرغم من فشله إنجازاً معيناً، إذ كسب رجال السهل يوماً آخر، ولم يحدث الهجوم على مستعمرتي دكانيا (أ) و (ب) إلا في اليوم التالي».

فشل الهجوم على دكانيا والانسحاب من سمخ:

بعد احتلال بلدة سمخ في يوم الثلاثاء 18 مايو 1948، زار رئيس الجمهورية السورية ومعه وزير الدفاع الرتل السوري، وتناول طعام الغداء على مائدة قائد الرتل في موقع (تل ناقص 98)، وخلال الغداء أعلم وزير الدفاع قائد الرتل بوجوب إنهاء المهمة التي تم تكليفه بها ـ وهي احتلال صفد والوصول إلى الناصرة ـ في غضون عشرة أيام قبل أن تصل قوافل التجهيزات والمعدات العسكرية من أوروبا إلى قوات العدو.

وبناء على هذا التوجيه أصدر قائد الرتل السوري أمره بالقيام بهجوم عام، انطلاقاً من سهل سمخ، لاحتلال الجسر ذي الأهمية التعبوية، القائم على نهر الشريعة، ثم احتلال مستعمرتي دكانيا (أ) و (ب)، والسيطرة عليهما، وحددت ساعة بدء الهجوم الساعة الرابعة من صباح يوم الخميس 20 مايو 1948، على أن يسبق ذلك رمايات بالمدفعية التي تم إنزالها إلى (تل ناقص 98) لكي يصبح بإمكانها إيصال قذائفها إلى مدى أبعد، وإلى مستعمرات النسق الثاني مثل (آفيكيم، أشدوت يعقوب، وغيرهما)، وكانت الوحدات المكلفة بالهجوم هي:

1) الفوج الثالث مشاة: الذي ألحق حديثاً من اللواء الثاني بالرتل، بقيادة المقدم أمير شلاش، ومهمته مهاجمة مستعمرة دكانيا (أ).

2) الفوج الأول مشاة: ومهمته دعم تقدم الفوج الثالث ومهاجمة دكانيا (ب)، عند نجاح الميمنة (الفوج الثالث) بالتقدم دون عائق.

3) المغاوير: ومهمتهم الاستيلاء على الجسر واحتلال موطئ قدم على الضفة الغربية من النهر، ومنع تخريب الجسر لكي تتمكن بقية القوات من استخدامه.

4) سرية الدبابات والمصفحات: تقوم مفرزة من الدبابات بدعم سرايا الفوج الثالث في هجومها الرئيسي على نهر الشريعة، أما المصفحات فتدعم تقدم فوج المشاة الأول في هجومه على مستعمرة دكانيا (ب).

5) فوج المدفعية: يكلف بإجراء قصف تمهيدي على قوات العدو في مستعمرتي دكانيا.

6) الفوج الثاني مشاة: يبقى احتياطاً على المرتفع المسمى (تل ناقص 98).

تنفيذ الهجوم:

ابتدأ الهجوم على مستعمرتي دكانيا (أ) ودكانيا (ب) في تمام الساعة الرابعة من صباح يوم الخميس 20/5/1948 وقد استخدم العدو قاذفات اللهب لإحراق المزروعات اليابسة، ووضع جنوداً على الأشجار العالية لإطلاق النار على الوحدات المتقدمة، وقد تمكن العدو بفعل نيران المدافع 20 مم المضادة للدرع (بيات) التي كان يملكها، والعدد الكبير من مدافع الهاون 120 مم، من تعطيل بعض الدبابات والمصفحات، وهكذا «تمكنوا من تدمير إحدى المصفحات السورية التي كانت تتقدم نحو دكانيا بمحاذاة شاطئ بحيرة طبريا، كما دمروا مصفحة أخرى عندما وصلت إلى أبواب المستعمرة، وأحرقوا ثالثة بعد أن نجح رجالها في الوصول إلى قلب دكانيا.

وطرأ عطل على مصفحتين وقعت إحداهما بيد العدو، الأمر الذي جعل السوريين يبطئون في تقدمهم».

وتوقف هجوم الفوج الثالث بفعل الاستحكامات المعادية والدشم الموجودة بين الأشجار، مما أوقع به خسائر فادحة في الأفراد والعتاد، وخاصة بعد توقف المصفحات السورية عن تقديم الدعم نظراً لإصابة بعضها وتعطل البعض الآخر، وكان الفوج الأول متوقفاً على يسار الفوج الثالث، ولدى سؤال قائده عن الوضع أجاب بأنه سيكون بوسعه التقدم لمهاجمة مستعمرة دكانيا (ب) (وهي الهدف المعين له في خطة الهجوم) إذا حصل على دعم بالدبابات والمصفحات، فتم توجيه قسم من هذه الأخيرة إلى منطقته لكي تحمي تقدم المشاة، وقد تقدم هذا الفوج بالفعل إلى أن وصل إلى مسافة لا تتجاوز عشرات الأمتار من المستعمرة المذكورة ولكنه جوبه عندئذ بنيران كثيفة من الأسلحة المعادية مما اضطره للتوقف، وقد حاول هذا الفوج اقتحام المستعمرة مرتين متعاقبتين، باعتراف المصادر الإسرائيلية نفسها التي تقول: «وبعد ذلك جرت محاولة الاقتحام، خرجت وحدة مشاة من خلف الدبابات ووصلت إلى مسافة 30 م من المواقع فصدت، وجرت محاولة أخرى للاقتحام قامت بها اثنتا عشرة آلية مصفحة ووحدة مشاة صغيرة فوجهت نيران المدافع الرشاشة والبنادق إلى فتحات الآليات المدرعة فتم إيقاف الهجوم» .

وفي الساعة 9,35 أرسل قائد اللواء البرقية التالية إلى آمر الرتل العراقي الذي كان يعمل على يساره في منطقة جسر المجامع: «نهاجم مستعمرتي دكانيا (أ) و(ب) منذ الصباح، ونتقدم بصعوبة، أخبرونا وضعكم وإمكاناتكم لدعمنا بمعونتكم وطائراتكم»، ولكنه لم يتلق أي رد على برقيته هذه.

وقد علم أن القوات العراقية المجاورة له لم تعد موجودة إلى يساره، لأن القيادة العامة للجيوش العربية قد نقلتها ليلة 19/20 للعمل على محور آخر دون إعلام قيادة الرتل السوري.

وإزاء هذا الوضع الصعب لم يجد قائد الرتل السوري بدّاً من سحب الفوجين إلى مراكزهما الأصلية، والتمركز دفاعياً في هذه المواقع بعد أن تكبدت الوحدات المهاجمة خسائر ملحوظة وكانت الوحدة التي تعرضت لأكبر قدر من الخسائر في هذا الهجوم هي الفوج الثالث بقيادة المقدم أمير شلاش في تنفيذ عملية الهجوم على مستعمرة دكانيا (أ).

ويصف المقدم شلاش، في الأوراق التي كتبها بخط يده، وأودعها لدى (مركز الدراسات العسكرية)، سبب تراجع فوجه والظروف التي أحاقت بهجومه على مستعمرة دكانيا على النحو التالي:

«وفي 18/5/1948 تلقيت أمراً بالالتحاق مع فوجي بقيادة الرتل السوري (يسميه الرهط) فالتحقت به في موقع تل ناقص 98 بهذا التاريخ.

وبمجرد وصولي إلى موقعي الجديد ضمن اللواء الأول الذي يتبع له فوجي تقدمت إلى قائد الرهط وأطلعته على وضعية فوجي، فقال لي إن فوج المشاة الثالث لن يتحرك ولن يشترك في القتال إلا بعد أن يستكمل معداته ويستكمل العدد اللازم من الضباط، وقد نُقل إلى فوجي ضابطان أحدهما الملازم ماجد ماميش والثاني إحسان كم ألماز الذي كان في قوى الإنقاذ في صفد، وكان من أبرز الضباط وأشجعهم في مقاتلة اليهود، واستلم قيادة السرية الثالثة التي كان يرأسها الملازم كامل محمود، الذي أصبح آمراً لإحدى فصائل السرية، والسرية الثانية بقيادة الرئيس نديم ترانجان وكان لديه ضابط برتبة ملازم ثان يدعى توفيق كركوتلي، وطبيب الفوج تحسين ميداني الذي أظهر بسالة فائقة في تضميد الجرحى ونقلهم من الخطوط الأمامية إلى الخطوط الخلفية.

بعد اطلاعي على مهمة الرهط السوري لفتُّ نظر قائد الرهط الزعيم عبد الوهاب الحكيم إلى خطورة ترك مستعمرة عين جيف اليهودية ومهاجمة سمخ لأن هذه المستعمرة تقع على ميمنة الرهط السوري أثناء الهجوم، ومن الممكن لهذه المستعمرة أن ترسل قواتها لضرب مؤخرة الرهط أثناء قتاله باتجاه سمخ، فتم الرأي على قيام فوجي بقصف مستعمرة عين جيف بهاونات الفوج والرشاشات الثقيلة لتحويل أنظار العدو عن الخطة الأساسية للرهط السوري، وقد تم ذلك وسمعنا دوي صفارات الإنذار في المستعمرة وشوهد أفراد العدو يأخذون مراكزهم الدفاعية حول المستعمرة.

كانت المهمة الثانية للفوج التمركز على مرتفعات مزرعة عز الدين التي تطل على تل ناقص 98 وسهل طبرية لمساندة هجوم الرهط على سمخ.

صباح يوم 18 مايو/أيار أعيد الهجوم ثانية على بلدة سمخ بمساندة مصفحات المارمون، التي أبلت بلاء حسناً وتمكنت الوحدات بمؤازرة هذه المصفحات من احتلال بلدة سمخ بالكامل والمخفر البريطاني الموجود غربي سمخ، وقد قتل من اليهود الأعداء 115 قتيلاً وثلاثة جرحى أسروا.

وفي يوم 19 مايو/أيار أُسند لفوجي (فوج المشاة الثالث) مهاجمة شعار هاجولان وقد تمركز الفوج على تل ناقص 98 مع قاعدة النار باتجاه المستعمرة المذكورة، وكان وزير الدفاع أحمد شراباتي موجوداً قرب القاعدة، والملازم فيليب صوايا راصد المدفعية في نفس المكان، وابتدأت المدفعية بقصف المستعمرة، وكان وصول ثلاث طائرات سورية قامت أيضاً بقصف المستعمرة، وشوهد أفراد من العدو ينطلقون إلى مراكز الدفاع، عندئذ صرخ وزير الدفاع قائلاً أوقفوا إطلاق النار لأن المستعمرة فيها سكان، غداً ستعاودون الهجوم على المستعمرة (!) وكانت أول قنبلة انطلقت من الطائرات السورية قد دمرت برج المراقبة في المستعمرة.

بعد الظهر شوهد جمع من السكان البدو يدخلون مستعمرة شعار هاجولان ومستعمرة ميسادا القريبة منها ليقوموا بنهبهما، عندئذ أوعز قائد الرهط إلى فوج المشاة الثالث بإرسال قوة لطرد المدنيين البدو من المستعمرتين، ووضع قوة في كل مستعمرة لحراستها، فتم إرسال فصيلين، فصيل لكل مستعمرة من سرية الملازم إحسان كم ألماز الذي تمركز مع بقية سريته في الكارنتينا.

طلب الزعيم عبد الوهاب الحكيم اجتماع قادة الأفواج في الرابعة مساءً في الكامب، وقد تلقى فوج المشاة الثالث مهمة تبادل المواقع مع فوج المشاة الثاني واستلام أماكنه على أن يتم التبادل ليلاً، وكانت مهمة فوج المشاة الثالث التي أوكلت إليه هي الهجوم على مستعمرة دكانيا (أ) ثم مستعمرة كنيرت ـ ثم كنيرت ملاحت ومنها التوجه إلى مدينة طبرية، وأما فوج المشاة الأول فكانت مهمته الهجوم واحتلال مستعمرة دكانيا (ب) على أن يبدأ الهجوم في تمام الساعة الرابعة والنصف صباحاً بعد أن يقوم سلاح الطيران والمدفعية المتمركزة على مرتفعات مزرعة عز الدين، في تمام الساعة الرابعة بقصف ودك المستعمرتين.

للعلم رغم وعود القيادة لفوج المشاة الثالث باستكمال كافة نواقصه من المعدات التي أُخذت منه، وتكمله تعداده من الضباط والأفراد لم يتم شيء من ذلك إطلاقاً، وكان تعداد فوج المشاة الثالث بعد تمركزه مكان فوج المشاة الثاني ثلاث سرايا، كل سرية مؤلفة من 50 ضابطاً وصف ضابط وجندي، وفصيل قيادة مؤلف من 30 ضابطاً وصف ضابط وفرد، وهو يشتمل على مدفع 25 مم عدد2، وهاون 81مم عدد 2، و4 رشاشات هوتشكيس ومجموعة صحية مؤلفة من طبيب وممرضين ونقالين، وقيادة الفوج، والذخيرة التي كانت تحت تصرف الفوج تشمل وحدتي نار فقط.

كان من المقرر أن تتقدم وتنتشر الدبابات الرينو أمام فوج المشاة الثالث، ومصفحات المارمون أمام الفوج الأول، بالإضافة إلى كوكبة خيالة غير نظامية بقيادة الرئيس قاسم الخليل، التي نُزع سلاحها الفردي ليلة الهجوم واستعيض عنه برشيشات، وكانت هذه الرشيشات لا تزال ملفوفة بورقها وشحمها، وكان هذا السلاح بالنسبة لكوكبة غير نظامية سلاحاً جديداً يجهلون فكّه وتركيبه واستعماله.

أما المعلومات عن العدو فكانت مجهولة تماماً: كل ما كان أمامنا ستار من شجر السرو الذي كان يشكل حاجز رؤية لما بعده وما وراءه، وبشكل يغطّي مواقع المستعمرتين دكانياً (أ)، ودكانيا (ب)، كنا نجهل ما إذا كانت المستعمرتان قبل النهر أو بعده، ولم تكن لدينا أية خريطة تبيّن لنا مواقع هاتين المستعمرتين اللتين كانتا هدفنا في الهجوم ذلك اليوم.

في نفس الليلة وصلت سيارة من سرية سلاح الإشارة تحمل لنا جهاز لاسلكي من النوع الكبير والجديد، وقالوا لنا هذا الجهاز يمكّنكم من الاتصال بقيادة الرهط، وكذلك بالأركان العامة في دمشق، وانتخبوا جنديين من جنود الفوج، اختيرا للعمل على هذا الجهاز وقالوا لهما بإمكانكما تشغيله، ولكن الجنديين كانا يجهلان تماماً استعمال أي جهاز لاسلكي، وقد أُعطي هذا الجهاز للأفواج لأول مرة، وقد أراد الرقيب الذي أحضر الجهاز تجربته فاتصل بالقيادة وعندها دخل على الخط مركز تنصت العدو وابتدأ مخاطبته بالعربية، وهذا يعني أن العدو كان يعلم بترددات الجهاز مسبقاً، وطبعاً لم يُستعمل الجهاز أبداً.

يوم 20 مايو/أيار يوم الهجوم المقرر في الساعة الرابعة صباحاً، كنا في انتظار وصول الطائرات لقصف المستعمرتين دكانيا (أ) و دكانيا (ب)، حسبما علمنا من قائد الرتل قبلاً، ولكن لم يحدث شيء من هذا بل بالعكس ابتدأ العدو بقصفنا بهاوناته وكذلك طائراته ابتدأت بقصفنا بقنابلها، وانعكس الوضع تماماً، وكان تصوري أن العدو هو الذي يقوم بالهجوم، بينما كنا نحن المستعدين للهجوم، عندها أمرت جنودي بأخذ وضعية الدفاع بانتظار ما سيحدث، وقد علمت أن المدفعية الرابضة على المرتفعات في مزرعة عز الدين قد أُنزلت ليلاً إلى الوادي خلف تل ناقص 98، وكان ذلك بأمر من وزير الدفاع، اعتقاداً منه بأن المدفعية عندما تكون أقرب تكون إصابتها أجدى، مع العلم بأن مرابض المدفعية على المرتفعات في مكانها الأول كانت تبعد عن المرتفعات المقابلة 5 كيلومترات فقط، والرمي المجدي للمدافع 75 مم كان 10 كيلومترات، فعملية إنزال المدافع إلى الوادي سمح للكوماندوس اليهودي الموجود في عين جيف بأن يتحرك ليلاً ويضرب المدفعية، ولكن حرص وحذر عناصر المدفعية ويقظتهم منعت كوماندوس اليهود من الوصول لهدفهم، وهو تدمير المدفعية السورية، وعند طلوع النهار أعيدت المدفعية إلى موقعها الأصلي، وهكذا تأخر الهجوم الذي كان يجب أن يبدأ في الرابعة والنصف.

ابتدأ الهجوم في التاسعة بعد أن تم قصف المستعمرتين بالمدفعية وبمؤازرة الطيران العراقي. (وقد طلب إليهم ذلك بواسطة ضابط الارتباط العراقي الموجود في قيادة الرهط).

وقد انطلقت السريتان الثالثة والثانية باتجاه الهدف المعين تحت حماية قاعدة النار المؤلفة من رشاشات الفوج، والمتمركزة على سطح المخفر الإنكليزي وانطلقت الدبابات في المقدمة ووراءها المشاة وبعد لحظات من انطلاق الدبابات تعطّل أكثرها وبقيت في أماكنها.

وعند وصول المشاة إلى الساتر الشجري الذي يحجب الرؤية عن المستعمرات وجد الجنود خلفه أسلاكاً شائكة كثيفة تمنع استمرار التقدم، وبما أن الفوج كان قد أخذت منه أدوات التحكيم، ومنها مقصات الأسلاك الشائكة، فلم يكن باليد حيلة من عدم التقدم، وفوجئ الجنود بزخات من نيران البنادق والرشاشات مما أجبرهم على التراجع إلى نقطة الانطلاق تاركين وراءهم عدداً من الشهداء والجرحى، وقد تبين فيما بعد أن اليهود كانوا متمركزين على خط إيدن الذي أنشأه الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية لمنع الألمان من اجتياز هذه المنطقة، وابتدأت الخسائر بيننا، فقد استشهد الملازم إحسان كم ألماز خلال الهجمة الأولى، وكان إلى جانبه الوكيل ضابط مهنا الذي أصيب أيضاً وقد شاهد الملازم إحسان كم ألماز يسقط شهيداً وقد أصيب برأسه كما نُقل الملازم ماجد ماميش في حالة إغماء شديد، وقام الملازم تحسين الميداني طبيب الفوج، مع فريق الإسعاف التابع للفوج، بنقل الجرحى من ميدان المعركة إلى مراكز الإسعاف الخلفية مخاطرين بحياتهم ولم يتركوا جريحاً واحداً على أرض المعركة، وحتى المساء كان عدد القتلى والجرحى 86 فرداً، وقد اتصلت هاتفياً بقيادة الرهط، ورد علي المقدم عزيز عبد الكريم، وطلبت منه إبلاغ الزعيم عبد الوهاب الحكيم وجوب تراجع الوحدات إلى ناقص 98 بدلاً من بقائنا في سهل مكشوف يسيطر عليه العدو سيطرة تامة، وللأسف لم أتلق أي رد أو أي تعليمات جديدة بخصوص طلبي، وفي المساء حوالي الساعة الخامسة حضر إلى مركز قيادة الفوج الرئيس صبحي عبارة آمر سلاح المدرعات، واطلع على الوضع الذي كنا به، فعاد وأحضر معه 5قطع من المدرعات ونشرها حول مركز قيادة الفوج، وعاد ليبلغ قائد الرهط بوضعنا الصعب، وفي هذه الأثناء ابتدأ العدو بقصف مركز القيادة والفوج بقنابل الهاون، وقد سقطت إحدى هذه القنابل على مركز قيادة الفوج الذي كان في العراء فأصبت أنا وأحد الضباط وعشرة أفراد من قيادة الفوج، وقد قام الدكتور تحسين الميداني بنقل تسعة من الجرحى المصابين في سيارة الجيب الخاصة بآمر الفوج، ثم تم نقلي مع اثنين من الجرحى إلى مركز الإسعاف الذي كان متمركزاً في الحمة، محطة القطار، وكان عدد من الأطباء المدنيين يقومون بإجراء الإسعافات الأولية، وتم ترحيل الجرحى إلى المستشفى العسكري بدمشق، ولما وصلت إلى هذا المركز تبين أني مصاب بأربع إصابات بالفخذ والمرفق والظهر والكتف، وبعدها استمر ما تبقى من الفوج في المخفر البريطاني 24 ساعة أخرى، صدرت إليهم الأوامر بعدها بالانسحاب إلى مركز الرهط».

وليس بوسع المراقب الموضوعي مهما بلغ اعتزازه بجيشه، من الإقرار بأن خسارة الرتل السوري للمعركة أمام أسوار مستعمرتي دكانيا (أ) ودكانيا (ب)، ما كانت لتحدث لولا عدد من الأخطاء السياسية والعسكرية التي أدت إليها، أو ساهمت في حدوثها، وأهم هذه الأخطاء كان تغيير خطة الهجوم الأصلية التي وضعتها الأركان السورية، ونقل القطعات المنفذة خلال ليلة واحدة من الحدود اللبنانية وزجها في منطقة سمخ جنوب بحيرة طبرية، في مواجهة خط دفاع منيع ومحصّن (خط إيدن)، كان قد أنشأه الإنكليز للوقوف في وجه الألمان عام 1940، إذا قام هؤلاء الأخيرون بمهاجمتهم من سورية، ويصف واحد من الضباط السوريين القدامى، الذين عاصروا الأحداث، الأثر الذي أحدثه تبديل خطة الحركة الأصلية بالقول: «إنه مما لا شك فيه أن تبديل خطة الرتل السوري الموضوعة كان مسيئاً جداً لتصور المعركة الأساسي، كما أنه أمر ينبو عن كل منطق عسكري لسببين:

الأول أن الرتل قد هيأ نفسه للدخول في أرض المفروض أنه درسها مسبقاً جغرافياً وطوبوغرافياً وديموغرافياً، كما درس أوضاع العدو فيها.

الثاني تكليفه، وفي ليلة واحدة، بالانتقال إلى واد تصعب الحركة فيه أمام عدو متمركز دفاعياً وبقوة، والدخول مباشرة وليلاً في المعركة».

وإثر خسارة المعركة تقدم وزير الدفاع أحمد شراباتي باستقالته مساء 22 مايو 1948 فاستلم رئيس الوزراء مهام وزارة الدفاع بالإضافة لوظيفته، كما أدت هذه الخسارة إلى صرف الضباط الكبار الذي خططوا للمعركة أو أشرفوا عليها، في الفترة بين 23 و26 مايو ومنهم الزعيم عبد الله عطفة، والعقيد عبد الوهاب الحكيم، والعقيد جميل برهاني (قضى المرسوم 1131 في 23 مايو 1948 بصرف الزعيم عبد الله عطفة من الحكومة (الجريدة الرسمية عام 1948، ص1147) وقضى المرسوم 1151 في 26 مايو 1948 بصرف العقيد عبد الوهاب الحكيم من الخدمة، والمرسوم 1152 في التاريخ نفسه بصرف العقيد جميل برهاني من الخدمة (الجريدة الرسمية عام 1948، ص1339)..

وبموجب المرسوم 1133 في 23 مايو 1948 تم تكليف الزعيم حسني الزعيم برئاسة أركان الجيش السوري وكالة، ثم اعتبر بموجب القرار رقم 469 في 1 يونيو 1948 قائماً بوظيفة رئيس أركان الجيش السوري بالوكالة اعتباراً من 24 مايو 1948.

وعين العقيد أنور بنود آمراً للواء الأول (بدلاً من عبد الوهاب الحكيم) وجرى نشر هذا اللواء في القطاع الجنوبي من الجبهة، كما عيّن العقيد توفيق بشور آمراً للواء الثاني (بدلاً من جميل برهاني)، وجرى نشر اللواء في القطاعين الشمالي والأوسط من الجبهة، ما بين بانياس وجسر بنات يعقوب، كما عيّن العقيد عمر خان تمر آمراً لفوج المدرعات، وبدأ هؤلاء القادة الثلاثة يعدون قطعاتهم لأداء مهمة جديدة في فلسطين.

العمليات في القطاع الأوسط: احتلال كعوش (مشمارهايردن):

بعد فشل الهجوم على مستعمرتي دكانيا (أ) ودكانيا (ب)، وتراجع القوات السورية عنهما، أصبح بقاء المفرزة التي تحتل سمخ أمراً غير منطقي من الناحية التعبوية، لذا جرى سحب هذه المفرزة، وأخذت القوات المنسحبة خطاً دفاعياً جديداً يمتد من الحمّة إلى باب الحديد، فالحاوي العسكري، فمزرعة عز الدين، فكفر حارب، والقيادة في موقع (فيق)، وبعد استلام الزعيم حسني الزعيم رئاسة الأركان في 23 /5/1948، عمد إلى تغيير خطة العمليات التي تم فرضها من القيادة العربية الموحدة في عمان، وتبنّى محلها خطة للهجوم من القطاع الأوسط للجبهة، أي من جسر بنات يعقوب إلى مستعمرة مشمار هايردن (كعوش) ثم التقدم منها إلى روشبينا (الجاعونة) باتجاه صفد، وذلك للالتقاء هناك مع قوات جيش الإنقاذ، وقوات البادية التي كانت تشترك مع الجيش اللبناني في التقدم من شمالي فلسطين عن طريق المالكية.

وقد زجت القيادة لهذا الغرض بوحدات اللواء الثاني على محور القنيطرة - كفر نفاخ - جسر بنات يعقوب، وعززتها بالمدفعية والدبابات والمصفحات ووحدات الهندسة، وأعطت لهذه المجموعة اسم «الجبهة الجنوبية الغربية» بينما احتفظت وحدات اللواء الأول، تحت قيادة العقيد أنور بنود، بتسميتها السابقة «الرتل السوري» (للدلالة على استعدادها المستمر للقيام بعمليات هجومية ضد العدو).

وقد تم سحب سرية الدبابات من القطاع الجنوبي إلى القنيطرة حيث جرت إراحتها هناك لمدة عشرة أيام (من 25/5 وحتى 4/6/1948) بينما كانت ورشات الصيانة تعمل في تصليح ما تعطل منها، ودعم تسليحها، وذلك استعداداً لزجّها في المعارك الجديدة.

وبدأت هذه المعارك الجديدة بالفعل صباح 5/6/1948، حين كُلّف أحد أفواج المشاة التي كانت منتشرة بين مخفر الجمرك السوري (قرب جسر بنات يعقوب) وعِلْمين، بمهاجمة أقوى مستعمرة في سهل الحولة، وهي مستعمرة كعوش أو (مشمارهايردن) واحتلالها، وبدأت سرايا هذا الفوج بالتقدم باتجاه وادي النهر، في الساعة العاشرة من صباح 5 يونيو 1948، وبما أن الجسر كان مهدّماً فقد عبرت النهر من مخاضة قائمة عند النقطة المسماة «قصر عطرة» وأخذت بتسلق الضفة الأخرى من النهر في الساعة الثانية عشرة، وبعد ذلك بحوالي ساعة أصبحت وحدات الفوج على مسافة لا تتجاوز ألف متر من الحد الشرقي لمستعمرة مشمار هايردن (كعوش) فتابعت تقدمها نحو المستعمرة ولكنها جوبهت بنيران كثيفة كانت تنطلق من جملة (المنعات) المحفورة في الأرض، والتي لم يكن يرى منها إلا فوهات الإطلاق.

وقد توقفت وحدات الفوج عندئذ وطلبت تدخل المدفعية السورية التي كانت موجودة شمالي مبنى الجمرك في جسر بنات يعقوب وقامت هذه بالتدخل بشكل محدود.

وعادت وحدات المشاة للهجوم في تمام الساعة 14,00 وتعاملت مع المنعات المعادية بنجاح نسبي، ولكن اليهود استقدموا بعض النجدات التي تمركزت على المرتفعات الجنوبية من المستعمرة، على مسافة تقارب كيلو متراً واحداً منها، مما اضطر الفوج المهاجم إلى تخصيص سرية لمجابهة هذه النجدات، وهذا ما أنقص من حجم القوة النارية للهجوم بشكل ملحوظ، وبعد انتهاء رمايات المدفعية السورية تقدمت بقية وحدات الفوج إلى المستعمرة من جهة الشرق، وكان الجزء الشرقي منها يتشكل من أراضي مسطحة وخالية من الأشجار، مما جعل تقدم المشاة عسيراً في هذه الأراضي حيث لا مساتر فيها تقيهم من مراصد العدو ونيرانه التي كانت تنصب عليهم من المنعات بغزارة، وتحدث إصابات بينهم، وزاد حال المهاجمين سوءاً أن الشمس قد أخذت تميل إلى الغروب مما جعل الرؤية تتعذر عليهم بسبب الوهج والإشعاع المباشر بينما كان المدافعون اليهود في مأمن وراء خنادقهم، ويوجهون نيرانهم بكل إحكام على فصائل المشاة المتقدمة باتجاه المستعمرة، ولما زادت نسبة الخسائر بين المهاجمين اضطر قائد الفوج القائم بالهجوم لإعطاء أمر بارتداد الوحدات إلى مواقعها السابقة بعد أن خسر بضعة عشر شهيداً، وهكذا فشل الهجوم الأول على كعوش بسبب سوء اختيار المكان والزمان.

الهجوم الثاني على مستعمرة مشمارهايردن (كعوش) واحتلالها:

بالرغم من فشل الهجوم الأول الذي قام به أحد أفواج اللواء الثاني على مستعمرة مشمار هايردن (كعوش) يوم 5 يونيو 1948، لم تتخل القيادة السورية عن خطتها لاحتلال هذه المستعمرة، واستخدامها كرأس جسر للتقدم نحو أراضي الجليل الأعلى، ويصف أحد الضباط السوريين المعاصرين للأحداث وقائع الهجوم الثاني على كعوش واحتلالها: «لم تتخل القيادة السورية عن خطتها في السيطرة على رأس جسر كعوش، كمنطلق باتجاه صفد والجليل الأعلى رغم فشل الهجوم الأول، فأوعزت إلى اللواء الثاني المتمركز في جسر بنات يعقوب باستئناف العمليات، وتغير في هذه المرة أسلوب العمل وطريقة التنفيذ ونوعية القطعات المشتركة، ووقت شن العمليات على المستعمرة، وقد خطط آمر اللواء بنفسه للعملية، وتتضمن خطته الفكرة الميدانية التالية:

1) تقوم كوكبة فرسان منتقاة (مغاوير) بالإغارة بعد منتصف ليل 8/6 على كعوش، من طرفها الغربي، وتحمل معها اللباد لإلقائه على الأسلاك الشائكة التي تصادفها، وتعبرها وتدخل بيوت المستعمرة وتطهرها.

2) تسير وراء هذه الكوكبة سرية مشاة لدعمها بعد بزوغ الفجر، في الساعة الرابعة فجراً.

3) يدعم فوج المدرعات تقدم الكوكبة، ويقوم بإزالة المقاومات المعادية بعد الساعة الرابعة صباحاً، ولا سيما المنعات المنتشرة غربي المستعمرة، ويحاول تطويقها والقضاء عليها بمدافع المصفحات مارمون.

4) يجري رمي تمهيد بفوج مدفعية متمركز وراء جسر بنات يعقوب، في مساء 8/6/1948 (وكان لرمايات هذا الفوج تأثير كبير على خفض معنويات اليهود المدافعين عن المستعمرة).

وفي مساء 8/6/1948 عبرت كوكبة الفرسان المخاضة من مقبرة بنات يعقوب، واتجهت إلى الشمال نحو كعوش، وبعد منتصف الليل بدأ الاشتباك مع المدافعين عن المستعمرة، واستمر إلى الفجر، وكان القتال يدور وجهاً لوجه، وأسر كل من كان يقاتل من الرجال والنساء، وقد اعتصم بعض اليهود في الأقبية، فكانوا يطلقون النار على الجنود من كوّات هذه الأقبية، وقد طُهّرت المستعمرة من المقاتلين ولم يبق سوى بعض اليهود في المنعات الكائنة حول المستعمرة فزُجت سرية المصفحات (التي كان يقودها الرئيس صبحي عبّارة)، ضدهم فاضطر هؤلاء إلى الاستسلام بعد بضع طلقات من مدافع المارمون على الطلاقات (كوى المنعات)، وفي الساعة السادسة كانت كعوش خالية من المقاومات، وينتشر فيها وحولها من الشرق والغرب والجنوب بعض سرايات المشاة، تحسباً لهجوم معاكس يأتي من طريق صفد - الجاعونة (روشبينا).

وطلع صباح 9/6/1948 فأرسل اليهود بعض الفئات المقاتلة لمنع تقدم المشاة باتجاه الطريق العام كعوش (مشمارهايردن) - عين العجلة (منهانايم) - الجاعونة (روشبينا)،

وتمركزت هذه الفئات على خطين متوازيين من المرتفعات كان أعلاها رأس المنطرة (تل أبو الريش)، الذي يسيطر بالنار على منطقة شاسعة تمتد بين منهانايم ومطار الجاعونة»، وقد فقد السوريون في معركة كعوش عدداً من الشهداء، وكان على رأسهم الملازم الشهيد فتحي أتاسي الذي أبت عليه شهامته إلا أن ينقذ فتاة يهودية جريحة، ولكن هذه رمته بوابل من الرصاص لما أصبح على مقربة منها.

احتلال تل أبو الريش:

يتحكم تل أبو الريش في المنطقة المحيطة به، بما في ذلك مستعمرة كعوش (مشمارهايردن) التي احتلتها وحدة من الجيش السوري وبدأت تعزز مواقعها فيها، وكان على القيادة السورية أن تأمر باحتلال هذا التل لو رغبت في متابعة التقدم باتجاه الجاعونة (روشبينا) أو حتى لو قررت التمركز في كعوش والدفاع عنها، وقام الزعيم حسني الزعيم ـ وكان في زيارة للجبهة ـ بتعيين الوحدتين المكلفتين باحتلال تل أبو الريش، وهما فوج مشاة وسرية دبابات مع تعيين سرية مصفحات وكوكبة مغاوير من الفرسان المتمركزين في مستعمرة كعوش كاحتياط لعملية الهجوم.

وقد تقدمت وحدتا الهجوم (فوج المشاة مع سرية الدبابات) في هجوم منسّق ومنظم باتجاه التل في الساعة السابعة من صباح يوم 10/6/1948، وظلت تتابع تقدمها حتى اصطدمت إحدى سرايا فوج المشاة المتقدمة على جانبي الطريق الذاهب إلى منهانايم وروشبينا بنيران معادية كثيفة تنطلق من أعلى تل أبو الريش، بين مجموعة من الصخور الضخمة.

وقد طلب قائد فوج المشاة بواسطة مراسل راجل، تدخل وحدة الدبابات، فاتخذت سرية الدبابات عندئذ تشكيلة النسق وأخذت تقصف التل بعنف بالمدافع عيار 37 مم فاضطر العدو عندئذ لإخلاء المرتفعات الواقعة ما بين تل أبو الريش ووادي شبعين، النازل من خربة إربد نحو قصر عطرة، ولما كانت الأراضي الواقعة إلى الشرق من التل أكثر سهولة لتقدم الدبابات، فقد سلكت سرية الدبابات هذه الأراضي، ولكنها ما كادت تتوسطها حتى انفجرت بعض الألغام تحت جنازير الدبابات فقطّعتها، ولم يبق سوى دبابة قائد السرية صالحة للتحرك فتابعت تقدمها، بينما وقفت بقية الدبابات في أمكنتها تتابع الرمي على العدو بالرشاشات.

وحوالي الساعة التاسعة صباحاً تلقى قائد سرية الدبابات كتاباً خطياً من قائد اللواء الثاني يأمر بإيقاف العمليات بسبب إعلان الهدنة اعتباراً من اليوم التالي (11/6/1948).

وبما أنه لم يكن من المستطاع البقاء على هذا الشكل، على سفح تل لا يزال العدو يحتل أعلاه لذا أمر قائد السرية دباباته بمتابعة الرمي، بينما تابع هو تقدمه إلى أعلى التل فوجد سرية من المشاة قد بدأت بتسلقه من الجهة الغربية، حيث التقت الوحدتان في قمة التل، حوالي الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم المجيد (10/6/1948).

وفي منتصف ليلة 10/11 أصبح وضع القوات السورية في القطاع الأوسط من الجبهة كما يلي:

1) في منطقة كعوش: فوج المشاة السادس، وفوج المشاة الثاني، وفوج المشاة الأول، وسرية مصفحات.

2) فوج منتشر إلى الغرب من كعوش لحمايتها.

3) فوج مشاة يتمركز على تل أبو الريش وخلفه.

4) وهناك فوج مدفعية 75 مم يتشكل من بطاريتين، وفصيل مدفعية 105 مم جبلي، يتمركزان وراء مقر قيادة اللواء الثاني في الجمرك السوري.

وفي الساعة الرابعة والنصف من صباح 11/6/1948، انطلقت سرية الدبابات من تل أبو الريش على الطريق العام بتشكيلة الرتل، ودبابة قائد السرية في المقدمة، فاصطدمت بمقاومة معادية تستخدم قذائف البازوكا، على بعد 30 ـ 50 متر منها، ودام الاشتباك بين سرية الدبابات ومفرزة البازوكا المعادية حوالي ثلاث دقائق، ولما تابعت السرية تقدمها اصطدمت بوحدة كاملة من مدافع البازوكا المعادية، وكان يعمل على كل مدفع منها ثلاثة من اليهود المقاتلين، ودامت المعركة بين الدبابات السورية ومدافع البازوكا المعادية حتى الساعة التاسعة صباحاً، ولما نفذت ذخيرة الدبابات، تم إرسال ناقلة مجنزرة من كعوش (مشمارهايردن) إلى ساحة المعركة وجرى توزيع الذخيرة على الدبابات وهي مشتبكة مع العدو، وكانت نيران المشاة المتمركزة على تل أبو الريش، ونيران الدبابات تنصب على العدو وقاعدته النارية من مسافة 600 ـ 800م، وقد استقدم العدو نجدة تتألف من ثلاثة مصفحات ووحدة من المشاة، ولكن المدفعية السورية كانت لها بالمرصاد فصبت عليها رماياتها وأوقفتها.

وبعد الساعة الحادية عشرة لم يعد يسمع إلا صوت طلقات إفرادية متفرقة من جانب العدو، والذي انسحب باتجاه طريق روشبينا (الجاعونة)، وعندما انتهت المعركة في الساعة الثانية عشرة من يوم 11/6/1948، كان ما لايقل عن 120 جثة من جنود ومستوطني العدو متناثرة بين شجيرات الشوك على رقعة تقدر أبعادها بـ 400× 500م، وعند نهاية النهار أعلنت الهدنة الأولى بين العرب واليهود.

عمليات الجيش الأردني :-

  • ·معارك القدس :-

شهدت الأيام من 15 مايو إلى 17 مايو هجوما يهوديا مكثفا على المناطق العربية واحتلوا المناطق العربية واحتلوا المناطق المحيطة بالقدس وظهر يوم الاثنين 17 مايو اتصل جلالة الملك عبدالله هاتفيا بقائد الكتيبة السادسة عبدالله التل وأمره أن يتحرك إلى القدس لإنقاذها نظرا لمكانتها في نفسه وعند العرب والمسلمين واستجابة للمناشدات العديدة التي وصلته من أهالي القدس ومن بينها مناشدة أحمد حلمي باشا يومي 16 و 17 مايو 1948م يطلب النجدة وإلا سقطت القدس وفي صباح 17 مايو 1948م عقد مجلس الوزراء جلسة في الديوان الملكي برئاسة الملك عبدالله بحضور كلوب ومساعده اللواء عبدالقادر الجندي قال الملك : ( أريد منكم تأليف مجلس وصاية على العرش لأنني أريد أن أتولى بنفسي قيادة القوات في القدس ، إنني لا أطيق البقاء على قيد الحياة إذا سقطت القدس وأنا أتفرج ) وفي الساعة 3:40 فجرا يوم 18 مايو 1948م أضاءت طلقة تنوير خضراء سماء مدينة القدس إيذانا بدخول الجيش العربي إلى المدينة القديمة وكانت مهمتها صد هجمات العدو على أبواب أسوار القدس والضغط على القوة اليهودية في الحي اليهودي ودارت معارك شرسة في أحياء القدس القديمة .

معركة الشيخ جراح :-

الساعة 3:45 فجرا يوم 19 مايو 1948م صدر الامر للكتيبة الثانية السيطرة على المنطقة الممتدة من الشيخ جراح حتى باب الواد وتقدمت حتى وصلت إلى سور القدس واتصلت مع الكتيبة السادسة وقد تم تبديل الكتيبة الثانية بالكتيبة الثالثة وهاجمت النوتردام وبقيت حتى 11 سبتمبر 1948م وحلت مكانها الكتيبة الخامسة وقد حارب جنود الجيش العربي بالشجاعة التي عرفوا بها ووقع القتال المتلاحم من منزل إلى منزل ومن غرفة إلى غرفة وحاول اليهود الدخول إلى القدس أكثر من مرة إلا أنهم فشلوا بسبب بسالة الجيش العربي

استسلام الحي اليهودي :-

كانت قوة اليهود في الحي اليهودي تقدر ب480 مقاتل متحصنين وكانت الأوامر لديهم بالدفاع حتى النهاية وقام الجيش العربي بتضييق الموقف على الحي اليهودي حتى استسلم فجر يوم 28 مايو وأجريت الترتيبات لتوقيع وثيقة التسليم وكان عدد الاسرى 340 اسيرا بعد ان سمح للنساء والأطفال والشيوخ ورجال الدين بالمرور إلى الاحياء اليهودية في القدس الجديدة وبلغت خسائر العدو 300 قتيل وخسائر الجيش العربي 14 شهيد و25 جريح وبعد مفاوضات أطلق الأردن سراح الاسرى اليهود مقابل إطلاق اليهود سراح نحو 5 آلاف عربي من المدنيين الفلسطينيين الذين اعتقلهم اليهود اثناء استيلائهم على المدن والقرى الفلسطينية واستمر اليهود بشن الهجمات على أسوار القدس ومواقع الجيش العربي واتخذ الطرفان مواقع متقابلة ابتداء من تلة شعفاط وحي الشيخ جراح شمالا حتى بيت لحم جنوبا .

معركة الرادار :-

يقع جبل الرادار بين قرية بدو العربية ومستعمرة معالاها ميشاه الصهيونية في منطقة القدس ـ تل أبيب. وقد سمي بالرادار لأن الجيش البريطاني كان قد أقام عليه محطة للرادار مع معسكر صغيرلإقامة الجنود العاملين في هذه المحطة. وكان بإمكان من يحتل هذا التل السيطرة التامة على طريق القدس ـ تل أبيب الرئيسة لكونه مشرفا عليها وعلى المناطق الجبلية المحيطة بها.

وفي ليلة 28/ 4/ 1948 شنت قوة صهيونية كبيرة هجوما على المرتفعات القائمة شمالي مدينة القدس وفيها جبل الرادار، وتمكنت القوة بكثرتها واستغلالها عنصر المفاجأة من احتلال هذا الجبل بالإضافة إلى قرية بيت إكسا وبيت سوريك، ووصلت إلى مشارف قرية بدو وكادت تنجح في السيطرة على مقام النبي صموئيل. ولو تم لها ذلك لأحكم الصهيونيون سيطرتهم التامة على طريق رام الله ـ القدس ولعرقلوا كل تحرك عربي عليها.

وما أن وصلت القوات الصهيونية المهاجمة إلى مشارف بدو حتى هب المناضلون فيها وفي سائر القرى العربية القريبة منها يتصدون لها بعنف. ودامت المعركة طوال الليل. وعند فجر يوم 28 أبريل اشترك في المعركة فوج اليرموك الثالث التابع لجيش الإنقاذ بقيادة عبد الحميد الراوي، وكان قد وصل إلى المنطقة قبل ذلك بثلاثة أيام. وشن هجوما معاكسا قويا على المواقع التي احتلها العدو وأجبرهم على التراجع بعد تكبيدهم خسائر كبيرة قدرت بحوالي 185 قتيلا وعدد كبير من الجرحى وتدمير ثلاث عربات مدرعة. واستولى فوج اليرموك على كمية من أسلحة العدو وذخيرته، واسترد العرب سيطرتهم على الطريق الرئيسة ومنعوا التحركات الصهيونية عليها، وفي شهر مايو 1948 عاود الصهاينة هجومهم عدة مرات وبقوات أكبر، واشتركت الطائرات في قصف المواقع العربية. ولكن الهجمات كلها أخفقت وفي الساعة 3:45 صباحا يوم 26 مايو 1948م احتلت الكتيبة الأولى تلة الرادار حيث كانت تسيطر على طريق رام الله – القدس واستمرت محاولات العدو للسيطرة عليها كل ليلة حتى في أيام الهدنة .

معركة مستعمرة رامات راحيل ( عملية مشتركة بين الجيش المصري والأردني ) :-

كانت مستعمرة رمات راحيل تشكل خطورة نظرآ لموقعها الاستراتيجي الهام على طريق قرية صور باهر وطريق القدس بيت لحم ، فقرر أحمد عبدالعزيز يوم 24 مايو 1948م القيام بهجوم على المستعمرة قاده بمشاركة عدد من الجنود والضباط من قوات الجيش الأردني.

بدأت المدفعية المصرية الهجوم بقصف المستعمرة زحف بعدها المشاة يتقدمهم حاملو الألغام الذين دمروا أغلب الأهداف المحددة لهم ، ولم يجد اليهود إلا منزل واحد إحتمى فيه مستوطنو المستعمرة ، وحين انتشر خبر انتصار أحمد عبدالعزيز بدأ السكان يفدون إلى منطقة القتال لجني الغنائم ، والتفت العدو للمقاتلين ، وذهبت جهود أحمد عبدالعزيز في إقناع الجنود بمواصلة المعركة وإحتلال المستعمرة سدى ووجد نفسه في الميدان وحيدآ إلا من بعض مساعديه مما أدى إلى تغير نتيجة

المعركة بعدما وصلت تعزيزات لمستعمرة رمات راحيل قامت بعده العصابات الصهيونية بشن هجوما في الليل على أحمد عبد العزيز ومساعديه الذين بقوا ، وكان النصر فيه حليف الصهاينة ، والمؤرخون يقارنوا بين هذا الموقف وموقف الرسول صلى الله عليه وسلم حين سارع الرماة إلى الغنائم وخالفوا أوامره في معركة أحد وتحول النصر إلى الهزيمة

معركة القدس :-

بانسحاب القوات البريطانية من القدس في 14 مايو 1948م أخذت القوات اليهودية والعربية داخل المدينة تتأهب لملء الفراغ وبحلول 16 مايو 1948م كانت القوات اليهودية قد أتمت سيطرتها على معظم المنطقة الواقعة خارج أسوار المدينة القديمة بإستثناء الاحياء الشرقية واستخدموا قذائف المورتر ضد الاحياء العربية منذ صباح 15 مايو 1948م فطلب أهالي القدس المساعدة من الملك عبدالله وفي صبيحة 15 مايو 1948م دخلت قوات الجيش العربي جسر الملك حسين " جسر اللنبي " إلى فلسطين بقيادة الزعيم نومان لاش مكونة من لواءين تمركز أحدهما في منطقة نابلس بينما تمركز الاخر في بيتونيا بالقرب من رام الله وقد استنجد أهالي القدس بالملك عبدالله فبعث برسالة عاجلة إلى الفريق كلوب رئيس الأركان يأمره بالإسراع لإنقاذ ونجدة المدينة المقدسة قائلا :- إن أهمية وموقع القدس في أعين العرب مسلمين ومسحيين معروفة جدا وإن أي كارثة يمكن أن تحل بعرب القدس على يد اليهود سواء بالقتال أو الطرد من منازلهم سيكون لها آثار سلبية سيئة بالغة علينا وإنني أمر بلزوم الاحتفاظ بها بزج الاحتياط الوحيد للجيش العربي الموجود في اليد واستخدامه في المعركة للدفاع عن القدس فكل شيء بين أيدينا اليوم يجب أن نحافظ عليه القدس القديمة والطريق إلى أريحا ويمكن إنجاز ذلك بإستخدام الاحتياط المتواجد في رام الله أو بإرسال قوة من الاحتياط العام وإنني أطلب منك تنفيذ الامر بالسرعة الممكنة وفي 17 مايو 1948م قامت السريتان الأولى بقيادة محمود الموسى والثانية بقيادة الرئيس عبدالرازق عبدالله من سرايا الحامية المستقلة التابعة للجيش العربي بإحتلال جبل الزيتون المطل على القدس من ناحية الشرق وكان الملك عبدالله قد أصدر أوامره في 17 مايو 1948إلى عبدالله التل قائد الكتيبة السادسة بدخول القدس وإنقاذها من القوات اليهودية بعد أن بين عبدالله التل للملك بأن سرية واحدة أو سريتين لا تكفيان لإنقاذها فإنقاذ المدينة المقدسة مطلب ديني وسياسي للعالم الإسلامي كله كما ان خسارة القدس ستكون ضربة قاسية للعرب لان القدس بالإضافة على مكانتها المقدسة مفتاح فلسطين فالذي يحتل القدس يحتل فلسطين وفي نفس اليوم امر الملك عبدالله قوات الجيش العربي بالتقدم من رام الله إلى القدس وبدأ قصف المدينة بالمدفعية الثقيلة وفي 18 مايو 1948م تقدمت فئتان من جنود السرية الأولى مشاة من قوات الجيش العربي من جبل الزيتون وتجاوزوا كنيسة الجثمانية مرورا بوادي قدرون ثم بكنيسة مريم العذراء ثم صعدوا المنحدر وصولا إلى باب الاسباط ،

وكانت الفئة الأولى بقيادة الملازم أول نواف الجبر الحمود والفئة الثانية بقيادة الملازم ثاني مصطفى إبراهيم الشوبكي ودخلوا المدينة القديمة من باب الاسباط واشتبكوا مع قوات يهودية داخل القدس في محاولة للإستيلاء على الحي اليهودي في القدس القديمة ، وفي اليوم نفسه 18 مايو صدرت الأوامر إلى قادة وحدات الجيش العربي بالهجوم على الشيخ جراح كما صدر الأوامر في نفس الوقت إلى السرية الثامنة مشاة في جبل الزيتون بالتقدم بإتجاه القدس القديمة وفي صباح 19 مايو 1948م تقدمت مصفحات الجيش العربي نحو الشيخ جراح واستولت على التلة الفرنسية المشرفة على المداخل الشمالية للمدينة ومنها إلى مدرسة البوليس التي كانت بأيدي قوات الارجون اليهودية آنذاك واتصلوا مع الكتيبة السادسة وبعد معارك طاحنة بين قوات الجيش العربي والقوات اليهودية سقطت مدرسة البوليس بأيدي الجيش العربي الذي استغل هذا النجاح واحتل الشيخ جراح ليتصل بالأهالي داخل المدينة القديمة ويقطع طريق الامداد اليهودي الوحيدة إلى جبل سكوبس وكانت معركة الشيخ جراح من أعنف المعارك واشدها ضراوة فقد أرسلت الفرقة الأولى إلى الشيخ جراح كل القوات التي كان بالإمكان حشدها وأظهرت هذه المعركة إقدام وشجاعة الجنود الأردنيين بشكل يبعث على الفخر والاعجاب ثم تقدمت عربات الجيش العربي المصفحة ودخلت مدينة القدس من باب العامود وبدأت القوات الأردنية الاستعداد للهجوم على القطاع اليهودي من المدينة وصاروا يقصفون المدينة قصفا متصلا لتبدا المعركة الأخيرة للاستيلاء على القدس ، شدد الجيش العربي قصفه للقدس الغربية فقصف مقر الوكالة اليهودية ومحطات الكهرباء واهدافا أخرى وسط المدينة ولم يميز القصف مكانا عن آخر وكان الهدف هو تدمير الروح المعنوية لليهود وبالفعل أصبحت الحياة متعذرة داخل القدس الغربية المحاصرة فقد قصفت مدفعية الجيش العربي القدس الغربية بما يزيد على العشرة آلاف قذيفة بالإضافة إلى وابل من طلقات الرشاشات ظلت متواصلة ليل نهار حتى انه لم يسلم منزل فيها من قذيفة او شظية وقاسى السكان اليهود من قلة الماء والطعام فقد تم نسف خط انابيب المياه القادم إلى القدس من الساحل وقنن توزيع الماء على السكان اليهود دلو من الماء في اليوم للأسرة الواحدة أما الطعام والوقود فلم يكن متوفرا ، وركز الجيش العربي هجومه واصبح يركز على اخضاع مدينة القدس وكانت مدافعه المتمركزة على المرتفعات الواقعة إلى الشمال من القدس بما فيها التلة الفرنسية تقصف المدينة قصفا متواصلا دون انقطاع وتمكن الأردنيون من طرد قوات الارجون من منطقة الشيخ جراح ومن عزل الحي اليهودي في القدس القديمة فصدرت الأوامر الى الهاغانا بالهجوم على باب الخليل بهدف اختراق المدينة القديمة وتكبد هذا الهجوم بخسائر فادحة ورد على اعقابه وفي ليلة 18 / 19 مايو 1948م تمكنت قوة يهودية بقيادة دافيد أليعازر من التسلق خلسة منحدرات جبل صهيون العالية واستولوا على جبل صهيون ثم واصلوا تقدمهم إلى باب النبي داوود واجتازوه وانضموا الى القوات اليهودية التي تدافع عن الحي اليهودي في القدس القديمة ودارت معارك شرسة في أحياء القدس القديمة وفي هذه الاثناء دخلت الكتيبة السادسة بقيادة عبدالله التل إلى القدس بأمر من الملك عبدالله الذي شعر بخطورة الموقف في القدس وضرورة إنقاذها وإنقاذ المقدسات فيها فقام عبدالله التل بهجوم مضاد وتمكنت قواته من استعادة باب النبي داوود بقيادة الرئيس محمود الموسى وطردوا القوات اليهودية بعد أن اوقعوا فيهم خسائر فادحة وبلغ عدد قتلاهم 60 قتيل واصبح الحي اليهودي محاصرا وفي نفس الوقت قامت قوات من المناضلين العرب بهجوم كبير على المدينة الغربية عند منطقة بوابة مندلبوم وفي الوقت نفسه قامت قوات أخرى من الجيش العربي بهجوم تمكنوا بواسطته دخول باب الزاهرة بقيادة عيد أديلم ثم ساروا في احد الشوارع حتى وصلوا الى باب العامود ومن هناك تقدموا بإتجاه دير نوتردام الحصين جدا وخاض جنود الجيش العربي معركة شرسة ثم تقدمت الكثيبة الثالثة من قوات الجيش العربي مع عربات مصفحة إلى حي المصرارة على الطريق الممتد من باب العامود إلى النوتردام مرورا بسور المدينة القديمة والدير الذي قصف بالمدافع في محاولة للاستيلاء على النوتردام كانت المعركة شرسة بين الجيش العربي واليهود الموجودين في الدير ونتيجة لذلك فقد الجيش العربي في معركة النوتردام طهر يوم 23 مايو 1948م حوالي 100 من جنود ما بين شهيد وجريح أما السرية الرابعة ففقدت جميع ضباطها وضباط الصف بإستثناء واحد فقط

ودمر اليهود بعض العربات المصفحة الأردنية قرب سور النوتردام الذي انهار فوقها فغطى الحطام الطريق فيما بين الدير وسور المدينة القديمة بالكامل فأغلقه مما أعاق تقدم قوات الجيش العربي كانت خسائر الكتيبة الثالثة من الجيش العربي كبيرة ورأى كلوب قائد الجيش العربي ( أن من غير الممكن التورط في شكل من الحروب أكثر تعقيدا ألا وهو قتال الشوارع لذا قرر تقليل خسائره ) فأوقف الضغط على القدس الغربية وهكذا كان على ( الفيلق العربي ان يتوقف على بعد ياردات قليلة من قلب المدينة اليهودية في القدس وانقذت المدينة اليهودية ) بسبب توقف الهجوم على النوتردام بأوامر القائد كلوب يقول سليمان موسى ذكر كلوب في كتابه " جندي من العرب " ( اضطر جنود المشاة إلى الانسحاب من بناية النوتردام بعد ان أصبحوا مطوقين تقريبا كان عدد القتلى والجرحى قد ارتفع الى حد خطير من مجموع 200 رجل بدأوا الهجوم كان النصف الأول قد لاقوا حتفهم او أصيبوا بجراح عميقة ، السرية الرابعة بقيادة غازي الحربي فقدت جميع الضباط وضباط الصف باستثناء واحد ، لقد خاض ضباط الكتيبة الثالثة وافرادها معركة القتال بشجاعة فائقة واقدام عظيم طوال ثلاثة أيام حاربوا بتصميم واندفاع على الرغم من العطش والعرق والجوع أحيانا أما نيومان الأسترالي قائد الكتيبة الثالثة التي خاضت معركة النوتردام والذي كانت له معرفة بحرب الرجال فقال : بالعودة إلى 24 مايو 1948م فإنه بالنسبة إلى اليهود كان يوما داميا ومذبحة لهم كان عدد المقاتلين في الحي اليهودي والقدس حوالي 1800 فرد من ضمنهم 300 من الهاغانا والارجون وقد حارب جنود الجيش العربي بالشجاعة التي عرفوا بها ووقع القتال المتلاحم من منزل إلى منزل ومن غرفة إلى غرفة وحاول اليهود الدخول إلى القدس أكثر من مرة إلا أنهم فشلوا بسبب بسالة الجيش العربي وعندما نفذت الذخائر وبدأت مواقعهم تخلى واحدا بعد آخر وتضاءلت المساحة التي تدافع عنها القوات اليهودية وازداد عدد الجرحى عندئذ ارسل اليهود إلى قائد الكتيبة السادسة عبدالله التل في 28 مايو 1948م من اجل الاستسلام فأخذ عدد من المقاتلين اليهود كأسرى حرب اما المدنيون فقد سمح لهم الجيش العربي بالمغادرة وكان عددهم 1190 فردا ومثل الجيش العربي الأردني في استلام الحي اليهودي القائد عبدالله التل والرئيس محمود الموسى والرئيس فاضل عبدالله أما اليهود فمثلهم قائد الهاغانا في الحي اليهودي في القدس موشيه روزنك ومختار الحي السيد موردخاي فون جارتن بالإضافة إلى ممثل الأمم المتحدة في القدس السيد اسكراتي ونصت شروط الاستسلام على إلقاء سلاح القوات الصهيونية في القدس وتسليمه للجيش العربي الأردني واخذ المحاربين من الرجال اسرى حرب والسماح للشيوخ من الرجال والنساء والأطفال والجرحى بالخروج من القدس القديمة إلى القدس الجديدة بواسطة الصليب الأحمر الدولي على اين يتعهد الجيش العربي بحماية جميع اليهود المستسلمين ويحتل الجيش العربي الاحياء اليهودية في القدس القديمة فأرسل الاسرى وعددهم 350 أسير إلى معتقل المفرق اما قتلاهم فكانوا 300 قتيل منهم 136 من عصابة الارجون واستشهد من الجيش الأردني 14 جندي وجرح 80 جندي كانت جراحهم نصف خطيرة وفي هذا المجال يقول حاييم هرزوج : ( كان الاستيلاء على الحي اليهودي في المدينة القديمة هو النجاح الوحيد الواضح للفيلق العربي ) وكانت الخطوط اليهودية قد ترسخت ولإدراكه حجم الخسائر التي يمكن ان تنجم عن توريط قواته في قتال متلاحم من بيت إلى بيت قرر قائد الجيش العربي ان يركز على تجويع المدينة اليهودية حتى الاستسلام وذلك بإحكام قبضته على طريق القدس وخاصة عند منطقة اللطرون والواقع ان كلوب وضباطه وخصوصا ضباط المدفعية تلاعبوا وتآمروا على القدس بل كانوا متواطئين مع اليهود فعندما اشتد قصف مدينة القدس اليهودية بالمدفعية الأردنية تعالت صرخات اليهود ولجأوا إلى كلوب فأمر بنقل وكيل القائد محمد المعايطة إلى معسكر المحطة في عمان وكان المعايطة أكبر ضابط أردني في المدفعية علما بأن دخول الكتيبة السادسة بقيادة عبدالله التل لم تكن بأوامر كلوب بل كان ذلك بأوامر مباشرة من الملك عبدالله الذي رأى بعينه الثاقبة ان القدس في طريقها إلى الضياع خصوصا وان أهالي القدس استنجدوا بالملك عبدالله مرات عديدة لإنقاذ القدس ومقدساتها وعلينا ان نذكر بالاعجاب مواقف أهالي القدس لما بذلوه من مساعدة للجيش العربي أثناء معركة القدس .

لقد تخبط كلوب ولاش وغيرهم من الضباط البريطانيين في خطة مهاجمة القدس فسرايا تدخل وأخرى تنسحب وقوات تهاجم ثم تصدر إليها الأوامر بالتراجع وكان بإمكان الجيش العربي احتلال القدس كلها غربا وشرقا إلا ان القيادة لم تكن صادقة في تحريك قواتها وتسليحها ووضع الخطط المحكمة لها يقول علي أبو نوار : ( إن مهاجمة النوتردام كانت عملية تكتيكية لا تؤدي إلى غاية مهمة وإنه كان الأولى بالجيش ان يهاجم القدس الجديدة على خط مستقيم من منطقة جبل المكبر – بيت لحم أما الضابط نيومان الاسترالي الجنسية قائد الكتيبة الثالثة التي خاضت معركة النوتردام فيصف الضباط الانجليز بالجهل والاهتمام بالقضايا السياسية أكثر من الاهتمام بأصول الفن العسكري ومن هنا فقد كان كلوب وضباطه الانجليز ينفذون السياسة البريطانية وتوجهاتها غير عابثين بالحق العربي ولا حتى بالبلد الذي يخدمون فيه ويعيشون بين اهله حتى ان كلوب لم ينفذ أوامر الملك عبدالله بالسرعة المطلوبة ودخول الجيش العربي إلى القدس لقد تقاعس في إصدار الأوامر كي تسقط القدس بأيدي اليهود وهذا ما اثار غضب الملك عبدالله وخصوصا وفي هذه الجلسة حدثت مشادة بين وزير الداخلية هاشم خير والفريق كلوب عندما اخذ كلوب يبدي بعض الاعذار وانتهى الاجتماع بقرار اتخذه مجلس الوزراء بدخول الجيش العربي القدس وهكذا كان .

معارك اللطرون

المعركة الأولى والثانية 25 مايو – 1 يونيو 1948م :-

دخلت القوات الأردنية فلسطين في 15 مايو 1948م وتوجهت الكتيبة الرابعة بقيادة القائد حابس المجالي إلى اللطرون التي تبعد 15 ميلا غرب القدس و20 ميلا شرق تل أبيب لتهيمن على الطريق الرئيس الذي يصل تل أبيب بالقدس وتمكنت الكتيبة الرابعة من احتلالها في 22 مايو 1948م بينما كانت معركة القدس القديمة في اوج احتدامها وكان المجاهدون العرب من جيش الإنقاذ وجيش الجهاد قد شخصوا نقطة ضعف القوات اليهودية والمتمثلة في الحركة على الطرقات والتنقل بين المستعمرات اليهودية في شمال ووسط وجنوب فلسطين وبين القدس وتل أبيب لذا ركزوا جهودهم الحربية فيها لان قوافلهم كانت تتحرك على تلك الطرقات وقد بالغ اليهود في هذه المسألة حتى أطلقوا عليها أزمة القوافل وتدلل الوثائق في الأرشيف البريطاني الخاص بتلك الفترة أنه ليس هناك ما يسمى أزمة القوافل فلم يكن عند السلطة البريطانية وجيشها أي شك حتى عندما كانت أزمة القوافل في أوجهها أن الطرف اليهودي هو القوي والذي يحدد وتيرة القتال و شكله وهذا ما برع به اليهود فدوما يعلنون بأنهم الطرف الأضعف هدفهم أن ينالوا تأييد أوروبا والولايات المتحدة الامريكية وقد فعلوا ولكي فتعلوا الازمات كان اليهود يصرون على تسيير تلك القوافل عندما لا تكون الحماية البريطانية متوافرة حتى إن البريطانيين كانوا يرون ان تلك القوافل تشكل عامل استفزاز واضح يهدف إلى توفير سبب كاف لليهود المتغطرسين لكي قوموا بالهجوم وقد استخدموا تلك القوافل ذريعة لتوسيع سيطرتهم العسكرية وكانت استراتيجية القوافل تعني الدفاع عن كل مستوطنة على حدة وامام ظهور استراتيجية بروح الخطة اختفت هذه الاستراتيجية وظهرت استراتيجية الهجوم الكبير على الدفاع العنيد عن كل نقطة ونقطة هذا التوجه الجديد هو الذي أدى إلى غياب الحاجه لاستعمال القوافل فأصبح الطريق مغلقا في وجه القوافل اليهودية القادمة من تل أبيب إلى القدس وتمكن الجيش العربي من محاصرة القدس كاملة وقطع خطوط الامدادات عن اليهود فيها لذار قرر اليهود فتح الطريق الى القدس وأوكل إلى اللواء السابع مهمة توصيل قافلة إمداد إلى المدينة المحاصرة كما ألحقوا به إحدى كتائب الكسندروني وكانت الخطة تتلخص في الاستيلاء على اللطرون ثم التقدم نحو الجبال الممتدة بطول الطريق إلى رام الله وبحلول 23 مايو 1948م تمكنت القوات اليهودية من التمركز في منطقة نعانة وخلدة بينما وقفت قافلة إمدادات كبيرة على أهبة الاستعداد عند عاقر للتحرك إلى القدس .

في هذه الاثناء عزز حابس المجالي قواته بالكتيبة الثانية بقيادة سليد التي تمركزت في منطقة يالو ودير أيوب وباب الواد بالمقابل كانت الخطة الإسرائيلية تهدف إلى قيام كتيبة الكسندروني بالاستيلاء على مركز الشرطة وقرية اللطرون ولكن الجيش العربي اكتشف ما يرمي إليه العدو وفي الساعة الرابعة من صباح 23 مايو 1948م وصلت وحدات الهجوم اليهودية إلى طريق اللطرون – القدس وكانت القوات الأردنية بإنتظارهم فتركوهم يتقدمون حتى اصبحوا في مرمى نيرانهم المهلكة فانهزموا مذعورين وقتل منهم المئات في اكبر خسارة من نوعها وفي الوقت نفسه كانت قوات من الجيش العربي والمتطوعين العرب قد احتلوا قرى بيت جيز وبيت سوسين عند مؤخرة القوات المهاجمة اليهودية وأصبحت تلك القوات هدفا لنيرانهم القوية أثناء الاستعداد كان لابد من جمع المعلومات عن العدو فأرسل القائد حابس المجالي في ليلة 24 مايو 1948م دورية من 42 جنديا بقيادة الملازم أول قاسم العايد لجلب معلومات عن العدو في منطقة عرطوف ونسف الجسر من قبل مهندسي الجيش العربي على طريق أشوع – عرطوف والاتصال مع الملازم عيسى مفضي ضابط الإشارة وايصال مأمور لاسلكي له مرسل من قيادة الكتيبة الرابعة وكانت الأوامر قد أعطيت للدورية بالاشتباك مع العدو في حال مصادفته وقامت الدورية بالمهمة كما طلب منها إلا ان الدورية اصطدمت بالقوات اليهودية عند عودتها في سفوح الجبال المقابلة للكتيبة الرابعة على حين غرة وتمكنوا من دحر العدو للجهة الغربية بعد أن أوقعت به ما لا يقل عن الخمسين قتيلا بسبب ربحها استثمار عنصر المفاجأة وقد لحقت بهم بعض الإصابات فأستشهد 4 جنود وجرح اثنان وقد حاولت تلك الوحدات اليهودية ان تخلص نفسها وتنسحب فلم تمكنها مدفعية الجيش العربي من ذلك لانها ظلت تقصف المنطقة بلا هوادة وادى ذلك إلى قتل اعداد كبيرة من اليهود ولم يكن ممكنا تلخيص ما تبقى من القوة إلا بصعوبة بالغة فكانت معركة اللطرون الأولى هزيمة خطيرة لليهود على يد قوات الجيش العربي وكان هذا النصر حافزا للقائد حابس المجالي ان يقوم بمهاجمة النقطة الحصينة الرئيسية لقوات الهاغانا شمال طريق القدس يوم 26 مايو 1948م وطرد القوات اليهودية المتمركزة فيها والاستيلاء على تل الرادار في منطقة بدو وطرد حامية عتسيوني فيها ، لقد حقق هذا النصر للجيش العربي موقعا نموذجيا للمراقبة يشرف على الطريق الرئيسي للقدس الذي اصبح مؤصدا بفعل نيران المدفعية الأردنية .

وخلال المعركة الأولى قتل من اليهود في اللطرون أكثر من 700 يهودي اما مجموع ما خسروه في معاركهم في اللطرون ضد الجيش العربي فكان أكثر من 1300 مقاتل وبالرغم من خطورة الموقف على كافة الجبهات قرر بن غوريون إعطاء الأولوية لجبهة اللطرون فقامت قطعات من اللواء السابع بإحتلال كل من قريتي بيت جيز وبيت سوسين وفي 28 مايو 1948م عين العقيد دافيد ماركوس الأمريكي قائدا عاما للجبهة بين اللطرون والقدس وشدد بن غوريون على ضرورة الاستيلاء على اللطرون وباب الواد لفتح الطريق إلى القدس لتأمين الجوانب ثم سحبت كتيبة الكسندروني وحلت محلها كتيبة جعفاتي كانت الخطة الجديدة التي وضعها ماركوس وشارون تتضمن ان تتخذ كتيبة جعفاتي من بيت سوسين وتتحرك منها على طريق القدس وتستولي على دير أيوب ثم يالو كي يقطعوا طريق اللطرون – رام الله وهو طريق الامدادات الرئيس للجيش العربي باللطرون وكان على كتيبة المدرعات بقيادة لاسكوف تساندها كتيبة مشاة ان تستولي على مركز البوليس وان تقوم بتحيي دير اللطرون اسفل قرية اللطرون الواقع عند سفح التل على طريق القدس كانت الكتيبتان الرابعة والثانية تنتظران القوات اليهودية فبدأ الهجوم اليهودي الكبير في 30 مايو 1948م فسقطت دير أيوب أمام هجوم جعفاتي وعندما تحركت هذه القوات نحو يالو فإذا بها تواجه نيرانا حامية وقصفا شديدا من قوات الجيش العربي وكان ذلك مفاجأة لهم واعقب ذلك هلع مفاجئ وبدون استئذان انسحبت كتيبة جعفاتي على حال من الفوضى تاركة كذلك دير أيوب ، لم يعرف لاسكوف قائد المدرعات فشل عملية جناحه الشرقي وواصلت تقدمها نحو مركز الشرطة في ضواحي اللطرون إلا أن المدرعات والمشاة اليهودية ووجهوا بالنيران المهلكة من الجيش العربي في اللطرون بالإضافة إلى نيران من القوات الأردنية من موقع قريب من قرية عمواس

أمام هذا الصمود لقوات الجيش العربي اضطرت القوات اليهودية للإنسحاب بعد ان كبدتهم القوات الأردنية الكثير من الخسائر في الأرواح والمعدات ولابد ان نشير هنا إلى ان هذه الملحمة البطولية لقوات الكتيبتين الرابعة والثانية تعتبر من أهم المعارك التي خاضتها الجيوش العربية في فلسطين أما الضباط الذين ابلوا بلاءً متميزا في هذه المعركة نذكر منهم " الوكيل يوسف الجريس قائد فئة السرية الأولى من الكتيبة الرابعة ، والملازم محمد المحاسنة قائد دورية كاشفة في السرية الأولى من الكتيبة الرابعة ، والملازم تركي يوسف الهنداوي قائد دورية كاشفة في السرية الأولى من الكتيبة الرابعة ، والرئيس صالح العيد قائد السرية الثالثة من الكتيبة الرابعة ، والرئيس عزت حسن قائد سرية الأسلحة المساندة في تلة فوق قرية عمواس ، والملازم عبدالمجيد المعايطة قائد إحدى سرايا الامن المستقلة في مركز شرطة اللطرون واستشهد في المعركة ، والنائب يوسف صعب قائد رشاشات الفيكرز في مركز شرطة اللطرون ، والجندي أول محمود علي الروسان أحد المدافعين عن مركز شرطة اللطرون استشهد داخله ، والملازم حمدان الصبيح قائد فئة في سلاح المدرعات من الكتيبة الرابعة ، والرئيس رفيفان خالد الخريشا قائد السرية الثالثة من الكتيبة الثانية وكانت الأقرب إلى باب الواد ، والمرشح علي مثقال الفايز أحد القماتلين الأردنيين من الكتيبة الثانية تصدى لليهود بشجاعة فائقة .

كانت خسائر الكتيبتين الرابعة والثانية في معركة اللطرون هذه استشهاد 4 وإصابة 70 مقاتل أما خسائر العدو فكانت 161 قتيل منهم 103 قتلى يهود في منطقة الكتيبة الرابعة 17 في اللطرون و 49 في جبهات سرايا الكتيبة و37 في مركز الشرطة و 58 قتيلا يهوديا في منطقة الكتيبة الثانية وغنمت الكتيبة الرابعة 4 مصفحات يهودية ونحو 200 بندقية وعددا من الرشاشات والقنابل اليدوية .

كانت منطقتي اللطرون وباب الواد منطقتين حيويتين من الناحية الاستراتيجية والعسكرية للجيش العربي ولليهود فلولا سيطرة البواسل من كتيبة المشاة الرابعة على هذه المنطقة لتمكن اليهود من ارسال الامدادات إلى القدس من أسلحة وذخائر ومقاتلين ولفشلت جهود القوات الأردنية التي تحارب في جبهة القدس من السيطرة على القدس القديمة والمقدسات فيها ، أما بالنسبة لليهود فكانت الطريق عبر اللطرون حيوية لليهود في القدس والساحل فديفيد بن غوريون يقول : إذا اخترقنا مواقع الجيش العربي نكون قد نجحنا ان نكسب الحرب فالجبهة الرئيسية هي التي يتمركز فيها الجيش العربي : القدس وجبال القدس وليس النقب او الجليل إنني أحترم الجيش العربي إلى أقصى حد . وفي يوم 1 يونيو 1948م فقدت العمليات العسكرية العربية المشتركة زخمها وتراجعت فالقوات المصرية مازالت مرابطة في الخط الرئيس العام : أسدود – بيت جبرين والقوات العراقية كانت على الخط الرئيس العام : جنين طولكرم – قليقلية . اما اللبنانيون والسوريون فلم يتقدموا للأمام بعد تقدمهم القصير المحدود داخل فلسطين وفي هذا التاريخ فإن الجيش العربي سيطر بقبضة قوية على اللطرون والقدس القديمة واصبح والحالة هذه يسيطر على نقطة متقدمة تبلغ حوالي 70 ميلا مع 4 كتائب مشاة تلك الكتائب التي عانت من النقص بشكل كبير 25 % حتى ذلك التاريخ وفي خضم الصراع على الأرض الفلسطينية عمدت بريطانيا إلى طعن الامة العربية كعادتها في التواطؤ والخيانة ولما شعرت ان الموقف في حرب فلسطين يميل الى الجانب العربي تقدمت بقرار إلى مجلس الامن الدولي يتضمن دعوة العرب واليهود إلى الموافقة على عقد هدنة في فلسطين لمدة 4 أسابيع ودعوة جميع دول العالم إلى الامتناع عن تزويد أي من الأطراف المشتركة في القتال بالأسلحة والمعدات وفي 30 مايو 1948م قامت الحكومة البريطانية بسحب الضباط البريطانيين المعارين إلى الجيش العربي من منطقة العمليات العسكرية في فلسطين وعددهم 30 ضابطا وأبقت على المتعاقدين مع حكومة المملكة الأردنية الهاشمية بصفة شخصية وعددهم 10 ضباط ونتيجة لهذا القرار فإن قيادة الفرقة انقسمت إلى :-

قيادة حربية ظلت في بيتونيا يقودها الزعيم لاش ضابط متعاقد ويساعده وكيل قائد علي الحياري

قيادة خلفية في منطقة يوشع في السلط وفيها القائد داونز ركن العمليات الأول ويساعده جونز وركن العمليات الثاني الرئيس صادق الشرع

انتقلت قيادة اللواء الأول من فلسطين " منطقة رام الله " إلى منطقة السلط " يوشع " أما قيادة اللواء الثالث فبقيت في منطقة رام الله وانتقل قادة الكتائب الأولى والثانية والثالثة وقادة المدفعية إلى الزرقاء في الأردن ولم يقلل او يضعف هذا القرار الروح المعنوية والقتالية لأفراد الجيش العربي بل ظلوا على درجة كبيرة من الحماس والتضحية والفداء وكان أداء القوات الأردنية أداء عظيما منذ الجولة الأولى وهو فوق كل سؤال فالقتال الذي اداه الجيش العربي كان موضع تقدير واحترام لدى الجميع وعندما كتب كلوب ايجازه عن الحرب قائلا : برهن الجيش العربي خلال الحرب بأنه سيد المعارك كلها فهو في كل الأحوال لم يفقد سيطرته واداءه الرائع في الهجوم والاخفاق الوحيد كان في محاولته السيطرة على النوتردام في القدس فأنا نفسي ألغيت المحاولات الأخرى حتى اتفادى ايه خسارة لقتل أي جندي في تلك المعارك .

المعركة الثالثة والهجوم الكبير على اللطرون 9 يونيو 1948م :-  

تمكن اليهود من شق طريق وعر عبر الجبال " طريق بورما " لإيصال الامدادات الى القدس ولكنها كانت محدودة الفائدة وظلت القيادة اليهودية على اهتمامها بأهمية منطقة اللطرون وباب الواد من الوجهة الاستراتيجية لذا اصدر بن غوريون الأوامر بشن هجوم كبير بقيادة العقيد ديفيد ماركوس فحضر ماركوس الى اللواء السابع مزودا بتعليمات بن غوريون بأن يتولى مسؤولية جبهة القدس بأكملها على ان تكون الالوية السابع وهارئيل وعتسيوني تحت قيادته ثم انتقل اللواء السابع وحل محله لواء يفتاح بقيادة بيجال آلون وقد نقل هذا اللواء من الجليل إلى منطقة اللطرون أما لواء هارئيل فكان يتمركز بين القدس والمنطقة الممتدة من مستعمرة الخمسة حتى سفوح يالو اما اللواء السابع فكان عليه أن يغطي الهجوم بمدفعيته ويتولى كذلك حماية طريق بورما .

بدأ الهجوم يوم 9 يونيو 1948م فقد تحرك لواء يفتاح بالتنسيق الهجومي مع إحدى كتائب هارئيل إلى المرتفعات المطلة على اللطرون من جهة الشرق وبدأ المعركة الكبرى الثالثة على مرتفعات اللطرون ويالو بدأ العدو بإطلاق أسلحته الثقيلة والمساندة على مواقع الكتيبتين الرابعة والثانية وعلى مواقع المدفعية الأردنية الثقيلة وعلى مركز نقليات الكتيبة الثانية في قرية بيت نوبا وردت المدفعية الأردنية الثقيلة يقصف عنيف لمواقع العدو المقابلة واستمر تبادل القصف حتى منتصف الليل وفي حوالي الساعة العاشرة ليلا بدأت الكتيبة الخامسة بقيادة شادمي من لواء هارئيل الزحف بإتجاه الشمال الغربي مستهدفة الاستيلاء على مرتفعات يالو ثم الوصول الى التلة المشرفة على قرية دير أيوب للوصول إلى مدافع الكتيبة الثانية المتمركزة هناك وكان القائد حابس المجالي قد وزع سرايا قواته على النحو الاتي :-

السرية الأولى : في الجهة الشمالية الغربية من اللطرون لحماية مدخل قرية عمواس

السرية الثانية : ومركزها في دير اللطرون في الجهة الجنوبية من الموقع

السرية الثالثة : في الجهة الشمالية الشرقية من جهة الكتيبة على تل معاذ أكثر المواقع ارتفاعا في تلك المنطقة تساندها فئة من سرية الاسناد بقيادة الملازم محمد نعيم

السرية المساندة : ومركزها تلة تشرف على وادي عمواس وجهت مدافعها بإتجاه دير اللطرون ومركز الشرطة أما قيادة الكتيبة وسرية القيادة فكانت على طرف تل معاذ من الناحية الشمالية الغربية

ودارت المعركة يقول حاييم هيرزوج : وقعت سلسلة من الأخطاء اذ احتل لواء هارئيل موقعا خاطئا وعندما تحرك لواء يفتاح نحو ما ظنه موقعا صديقا وقع تحت النيران المركزة للفيلق العربي واستحال الهجوم إلى حالة من الفوضى وفشل الهجوم على اللطرون )

لقد كانت هذه المعركة من أعنف المعارك وأشرسها التي دارت بين الجيش العربي والقوات اليهودية استبسل الجنود الأردنيون ايما استبسال وسطروا صفحة ناصعة خالدة في تاريخ الجيش العربي وبطولاته وقد استشهد من الجيش العربي في هذه المعركة 7 شهداء وشهيد آخر من جنود النقل و4 مناضلين ومدني واحد من قرية عمواس كما أصيب 16 بجراح بينهم 2 من المناضلين أما خسائر العدو ففي مقدمتهم قائد الهجوم ديفيد ماركوس كما أنهم تركوا على أرض المعركة 97 جثة ماعدا القتلى والجرحى الذين سحبوهم من ارض المعركة وغنم الجنود والمناضلون 120 بندقية و5 رشاشات وجهازي لاسلكي وكميات كبيرة من العتاد .

في 10 يونيو 1948م وصلت السرية الخامسة مشاة بقيادة الرئيس أديب القاسم إلى مواقع الكتيبة الرابعة في اللطرون لتعزيزها فأخذت مواقعها بينما كانت قنابل وقذائف العدو تتساقط وتنفجر حولهم فانفجرت إحدى القنابل بين افراد السرية مما أدى الى استشهاد 4 جنود واصابة 3 آخرين بجراح وفي الساعة 6 من صباح يوم 11 يونيو 1948م بدأت الهدنة الأولى بعد 27 يوما من القتال المنهك العنيف كانت الجيوش العربية حتى هذا التاريخ تحكم سيطرتها على كل من النقب ووسط فلسطين وأجزاء من الجليل بالإضافة إلى مدينة القدس فالجيش المصري رابط بقوة على بعد 25 ميل من تل أبيب اما الجيش العراقي والجيش العربي فقد أحكما السيطرة على منطقة نابلس والقدس والخليل أما اليهود فقد سيطروا على الشريط الساحلي الضيق من فلسطين ومعظم الجليل وكانت القوات العراقية في قليقلية وطولكرم وفي نتوء بارز يبعد بين 12 – 15 ميل عن البحر المتوسط وهو موقع هجومي يمكن منه مهاجمة وضرب الطريق الاستراتيجي بين تل أبيب – حيفا والذي يقع على بعد 6 أميال من القوات العراقية المتقدمة وعلينا ان نذكر بإعجاب وإكبار كبيرين لقوات الجيش العربي الأردني الذين مرغوا في التراب قوات اللواء السابع من الهاغانا وعصابات الارجون وشتيرن في معارك القدس ومعارك اللطرون وكبدوهم مئات القتلى والجرحى .

عمليات الجيش اللبناني :-

  • ·معركة المالكية 15 مايو – 7 يونيو 1948م

كانت قرية المالكية تقع في جبال الجليل الأعلى، على السفح الشمالي لإحدى التلال ويفصلها أقل من نصف كيلومتر عن الحدود اللبنانية، وكانت طريق فرعية تصلها بغيرها من القرى وبالطريق العام الساحلي غرباً، ومن الجائز أن تكون المالكية بنيت في موقع قرية الكفرغون البيزنطية، ومن الجائز أيضاً أن يكون الموقع القديم هذا شغلته قرية أم جونيه التي تقع على بعد كيلومتر الى الجنوب إلى بحيرة طبرية. كانت المالكية قرية في ناحية تبنين (لواء صفد) وعدد سكانها 369 نسمة، وكانت تؤدي الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير بالإضافة الى عناصر أخرى من الإنتاج كالماعز وخلايا النحل. في أواخر القرن التاسع عشر وصف الرحالة بأنها قرية مبنية بالحجارة والطين في سهل يقع شرقي أحد الأودية. وكانت القرية تستمد حاجتها من المياه من وادي مجاور، وكان عدد سكانها يتراوح بين 200 و300 نسمة يعنون بزراعة الزيتون.

ظلت المالكية جزءاً من لبنان حتى عام 1923، حين رسمت الحدود النهائية بين لبنان وفلسطين. وكانت على شكل مربع ومنازلها متجمهرة بعضها البعض .وكان للشرطة مركز بالقرب من القرية في جنوبها الشرقي وكانت مياه الأمطار تجمع في آبار. وكان سكانها يعملون في معظمهم في تربية المواشي والزراعة فيستنبتون الحبوب والزيتون والفاكهة بصورة أساسية.

تنقلت المالكية خمس مرات بين أيدي المتقاتلين في الفترة الممتدة من مايو إلى أكتوبر 1948. فقد احتلتها وحدات من البلماح في أواسط مايو قبل نهاية الانتداب البريطاني. ويقول المؤرخ الفلسطيني هاني الهندي إن القرية كانت أصلاً في يد فوج اليرموك الثاني من جيش الإنقاذ العربي. وكان الفوج بإمرة المقدم أديب الشيشكلي، الذي صار رئيساً للجمهورية السورية فيما بعد. وهو يذكر أن البلماح استولى على المالكية مساء 12 مايو، وأن القوات العربية استردتها في اليوم التالي واستناداً إلى الهندي، لم تسترجع القوات الإسرائيلية القرية ثانية إلا في مايو.

بعد انتهاء العملية يفتاح واحتلال صفد وإزاء خشية القيادة الإسرائيلية من أي تقدم للجيش اللبناني في إصبع الجليل عن طريق المالكية، قامت بتكليف قيادة العملية يفتاح باستباق القوات اللبنانية والسيطرة على المالكية وقادش وقلعة شرطة النبي يوشع قبل يوم 15 مايو، مع تخريب كل الجسور الواقعة عند مداخل فلسطين الشمالية حتى الموجودة في عمق الأراضي اللبنانية والسورية لعرقلة تقدم أية قوات عربية في ذلك الاتجاه.

ومن ثم أصدر إيگال آلون قائد اللواء يفتاح أوامره يوم 13 مايو إلى دان لانر قائد الكتيبة الأولى بالماخ بالتقدم واحتلال المالكية والمرتفعات المحيطة بها لغلق الطريق في وجه القوات اللبنانية من هذا الاتجاه، مع عزل قلعة شرطة النبي يوشع. وبعد سير منهك طوال ليلة 14/15 مايو ـ فقدت فيه الكتيبة اتجاهها ـ وصلت القوة قرية قادش فاحتلتها كما احتلت المالكية صباح 15 مايو.

وقبل أن تعزز الكتيبة الإسرائيلية أوضاعها قامت القوات اللبنانية بقيادة الزعيم (العميد) فؤاد شهاب بهجوم مضاد ناجح أجبر تلك الكتيبة على الانسحاب من المالكية وقادش إلى المرتفعات المجاورة بعد أن بلغت خسائرها أكثر من 120 قتيلاً وجريحاً.

وإزاء انسحاب كتيبة البالماخ الأولى من المالكية قلصت قيادة العملية يفتاح مهام التخريب المخططة وكلفت إحدى سرايا التخريب باحتلال قلعة شرطة النبي يوشع جنوب المالكية للاستفادة من وجود كتيبة البالماخ الأولى في المرتفعات المجاورة. وفي ليلة 16/17 مايو نجحت السرية في احتلال الحصن بعد أن مهد سرب الجليل لذلك الهجوم بإلقاء القنابل الحارقة على القلعة.

وقد شجع توقف اللبنانيين عن التقدم بعد احتلالهم للمالكية وقادش قيادة اللواء يفتاح على القيام بمحاولة جديدة لاسترداد المالكية. وقد تلخصت فكرة الهجوم في القيام بهجوم مخادع على قادش والمالكية من الجنوب، بينما تقوم القوة الرئيسية بالالتفاف والهجوم على المالكية من الخلف عبر الأراضي اللبنانية، وفي ليلة 28/29 مايو تحركت القوة الرئيسية دون أضواء في عرباتها المدرعة من المنارة عبر الحدود اللبنانية، ثم انعطفت جنوباً نحو المالكية في الوقت الذي كانت فيه قوات الهجوم المخادع تهاجم قادش والمالكية من الأمام، وقبل أن يصل رتل القوة الإسرائيلية الرئيسية إلى المالكية، اضُطر للاشتباك مع وحدة لبنانية صغيرة كانت تتقدم لدعم القوة اللبنانية المدافعة عن تلك البلدة.

وقد نبهت أصوات الطلقات خلال هذا الاشتباك القوة اللبنانية في المالكية، إلا أنهم قبل أن يتمكنوا من تنظيم أنفسهم للدفاع ضد الهجوم الإسرائيلي المفاجئ من الخلف، كان الإسرائيليون يهاجمون مؤخرتهم. وبعد معركة قصيرة سقطت البلدة في أيدي القوات الإسرائيلية، كما اضطرت القوات اللبنانية إلى الانسحاب من قادش أيضاً إلى ما وراء حدودها.

وعلى الفور أخذ الجيش اللبناني يستعد لاستعادة المالكية، وكُلفت كتيبة مشاة من فوج القناصة الثالث اللبناني بالمهمة ودُعمت بست دبابات رينو وأربع عربات مدرعة وجماعة مهندسين، وقد تلخصت فكرة الهجوم في الانقضاض على قوات اللواء عوديد ـ المشكل حديثاً والتي حلت محل اللواء يفتاح في المالكية ـ من الشرق والغرب معاً بواسطة سرايا المشاة في الوقت الذي تقوم فيه المدرعات بقصف المواقع الإسرائيلية شمال المالكية وتقديم المعونة بالنيران لسرايا المشاة المهاجمة. وفي الساعة 1730 يوم 5 يونية بدأت قوات المشاة اللبنانية تقتحم مواقع اللواء عوديد الذي فوجئ بالهجوم، في الوقت الذي كان فيه أحد أفواج جيش الإنقاذ المعزز بمتطوعين يوغسلاف يضغط على القوات الإسرائيلية جنوب المالكية.

وفي الساعة 18:30 حاول قائد اللواء عوديد شن هجوم مضاد لاستعادة مواقعه إلا أنه باء بالفشل. وخلال ليلة 5/6 يونيو تمكنت كتيبة المشاة اللبنانية من إحكام سيطرتها على التلال الواقعة شمال شرق وجنوب غرب المالكية وقبل أن ينبلج صباح 6 يونيو كانت القوات الإسرائيلية قد انسحبت من البلدة بعد أن أحرقت مستودعات الوقود والذخيرة فيها.

وشجع ذلك النجاح القوات اللبنانية على التقدم واحتلال قادش يوم 6 يونيو ورامات نفتالي في اليوم التالي، الأمر الذي أدى إلى فتح الطريق إلى وادي الحولة جنوباً. وفي الوقت الذي كانت فيه القوات اللبنانية تعيد تنظيم نفسها وتعزز مواقعها الجديدة، اندفع جيش الإنقاذ العربي بقيادة فوزي القاوقجي إلى قلب الجليل، ووصلت طلائعه إلى "الناصرة" يوم 11 يونيو قبل سريان الهدنة الأولى مباشرة.

عمليات الجيش العراقي :-

  • معركة جنين 2 – 4 يونيو 1948م

تعتبر معركة جنين الأولى والتي جرت بين الثاني والرابع من يونيو عام 1948 في قطاع مدينة جنين الفلسطينية وعمقها القروي من أكثر المعارك تأثيراً على مجريات الحرب في النصف الثاني من عام 1948. فلهذه المعركة الكثير من المدلولات التكتيكية والاستراتيجية والعديد من الانعكاسات القريبة والطويلة المدى على سير المعارك وعلى معنويات الشعب الفلسطيني وصموده في هذا القطاع المهم من جبهات القتال.

منذ البداية، ظهر واضحاً للعيان أن قوات الجيوش العربية التي جاءت إلى فلسطين في الخامس عشر من مايو 1948 ورابطت في أجزاء مختلفة منها كانت تتمركز وتشترك في القتال، بشكل فعلي، فقط في المناطق المخصصة للدولة العربية حسب قرار التقسيم. هذا في حين لم تلتزم القوات اليهودية بذلك،حيث لم تكتف باحتلال المناطق المخصصة للدولة اليهودية بل هاجمت مناطق مخصصة للدولة العربية وقامت باحتلالها حتى قبل مغادرة القوات البريطانية فلسطين في الخامس عشر من مايو 1948.

بعد ان أكملت القوات اليهودية احتلال قرى المزار ونوريس وزرعين وتهجير أهلها في الثلاثين والحادي والثلاثين من مايو 1948، بدأت هذه القوات تقصف مدينة جنين بمدافع الهاون وبعض الطلعات الجوية وقد تركزت معظم الهجمات على محيط منطقة القلعة ( نقطة الشرطة التي كانت في الماضي جزءاً من حزام القلاع الذي أقامه الضابط البريطاني تشارلز تيجارت أثناء ثورة 1936 -1939 ) والتي كانت مقراً للقوات المدافعة عن المدينة.

كان هذا القصف يهدف، كما يبدو، لتحقيق جملة من الأهداف العسكرية والاستراتيجية بعيدة المدى. فمن الناحية العسكرية كانت هذه الهجمات تهدف لاحتلال مدينة جنين والوصول إلى مفرقي قباطية ودير شرف الاستراتيجيين بحيث يكون من شأن القوات الواصلة إلى هناك عزل القوات العراقية المتمركزة في المثلث ومفاجأتها من الخلف بشكل يضطرها للانسحاب أو التسليم وهو أمر يعزز إلى حد كبير الوضع العسكري للقوات الإسرائيلية في االمواقع التي كانت قد احتلتها في قضائي حيفا وبيسان.

أما على الصعيد الاستراتيجي فقد كان هذا القصف يهدف لترويع السكان المدنيين وتعجيل تهجيرهم كما حصل في القرى والمدن العربية التي كانت قد احتلت وهجر سكانها قبل ذلك. هذا مع العلم أن نسبة عالية من اللاجئين القادمين من قطاعات حيفا وبيسان، كانت قد وجدت لها ملجأ في مدينة جنين ومحيطها، إذ أن تهجير سكان المدينة ومحيطها أنفسهم كان من الممكن ان يبعد اللاجئين مسافة أكبر عن قراهم ويزعزع لديهم المعنويات والإصرار على العودة.

كما وثمة هدف آخر سعت القيادة الإسرائيلية لتحقيقه وهو محاولة منع هجوم عراقي محتمل نحو العفولة ومرج ابن عامر يكون من شأنه عزل القوات اليهودية المتواجدة في منطقة بيسان وطبريا.

في البداية نزح سكان زرعين والمزار ونورس وصندلة ومقيبلة والجلمة وزبوبة إلى جنين وبرقين وميثلون وقرى أخرى، ولكن مع اجتياح القوات الاسرائيلية مدينة جنين في الثاني من يونيو 1948 نزح اللاجئون وسكان مدينة جنين وقرية برقين أنفسهم نحو قرى جنوب القضاء وقرى شمالي قضاء نابلس.

بلغ عدد القوات اليهودية المهاجمة قرابة 4000 مقاتل انتظموا في أربع فرق، ثلاث منها (الفرق 21 و 22 للواء كرملي والفرقة 13 للواء جولاني) قامت بالهجوم بشكل فعلي، أما الرابعة فقد انحصر نشاطها في أعمال التمويه والامداد. أما القوات العربية المدافعة فقد تكونت من: 250 جندياً عراقياً ينتمون إلى سريتين الأولى سرية مشاة بقيادة نوح عبد الله الحلبي وسرية مدرعات بقيادة الضابط محسن الأعظمي.

وقد كانت هذه القوات مسلحة ببضعة مدافع هاون وسبع مدرعات وخمس رشاشات من طراز فيكرز. إلى جانب القوة العراقية كان هناك فصيل فلسطيني يتكون من خمسين مقاتلاً من قرى شرقي قضاء جنين يقوده الشهيد داود الحوراني وفصيل فلسطيني آخر يقوده فوزي فياض جرار من صانور وقد كان يتبع جيش الجهاد المقدس هذا إضافة لفصيل من المتطوعين الفلسطينيين والأردنيين كان يقودهم الضابط عبد الرحمن الصحن (وقد كانوا مرابطين قبل ذلك في قرى شمالي قضاء جنين كزرعين والمزار ونوريس) وبعض رجال البوليس الفلسطيني برئاسة الملازم نايف صالح البرغوش. وقد كان كل المتطوعين ورجال البوليس مسلحين سلاحاً خفيفاً لم يتعد البنادق الشخصية وبعض صناديق الذخيرة للبنادق الخفيفة. اما السرية التابعة للجيش الأردني والتي كانت تحت قيادة الضابط عصر المجالي ( إبن الشيخ رفيفان المجالي ) فقد كانت قد غادرت جنين قبيل الهجوم الإسرائيلي بأربع وعشرين ساعة وقد أثار انسحابها الهلع في قلوب المدنيين وصاحب ذلك تدهور حاد في معنوياتهم.

مع قدوم الضابط العراقي نوح الحلبي ( من مواليد الموصل عام 1909، خريج الكلية العسكرية في بغداد وقد أنهى خدمته في الجيش العراقي برتبة عقيد ) مع سريته في ليلة الثاني من يونيو أصبح هو القائد الأعلى لكافة الجنود والمتطوعين العرب وقد جعل مبنى قلعة البوليس مقراً لقيادته، وقد كان معه في مقر القيادة إضافة لقادة الوحدات المذكورة أعلاه قائمقام جنين عصام الشوا وقاضي محكمة الصلح في جنين خليل العبوشي والدكتور نصفت كمال وضابط البوليس نور الدين العبوشي.

سير المعركة: في غضون يوم الثاني من يونيو 1948 وليلة الثالث منه، استطاعت القوات الإسرائيلية السيطرة على معظم التلال المحيطة بمدينة جنين بل واقتحمت معظم الأحياء السكانية بحيث لم يبق بيد القوات المدافعة سوى بعض الجيوب ومبنى القيادة في القلعة. وقد ابرق القائد نوح الحلبي إلى كافة القطاعات العراقية في فلسطين طالباً النجدة، وذلك بعد أن أوشكت ذخيرة جنوده على النفاذ. وقد كانت الوحدات التي يقودها المقدم عمر علي ( من مواليد كركوك عام 1910، خريج كلية بغداد العسكرية أنهى خدمته في الجيش العراقي برتبة زعيم ركن ) هي أقرب الوحدات العراقية إلى جنين حيث كانت هذه الوحدات في طريقها لاستبدال وحدات عراقية أخرى مرابطة في منطقة المثلث الجنوبي ( الطيرة وكفر قاسم ).

بدأت طلائع القوة العراقية تصل مشارف جنين في الساعات المبكرة من فجر الثالث من حزيران، وقد سارت هذه القوات، التي ساندتها قوات من المتطوعين الفلسطينيين، في مسارين: الأول على الطريق العام نابلس - جنين وقد كانت هذه القوات برئاسة المقدم ميخائيل شلمون ( عراقي أشوري)، والثاني كان بقيادة عمر علي وقد سلك طريقاً فرعياً غربي الطريق العام ليتسنى له مفاجأة القوات اليهودية من الخلف في منطقة برقين اليامون.

حاولت القوات اليهودية وقف تقدم النجدات العراقية من خلال قصفها من الجو من دير شرف وحتى جنين لكن هذه الهجمات لم تفلح بوقف التقدم سيما وأن تقدم القوات العراقية كان قد تم في الليل. بدأ الالتحام بين القوات في الثامنة صباحاً من يوم الثالث من يونيو. في البداية احتلت القوات العربية سفوح برقين وبعد ذلك استطاعت هذه القوات من السيطرة على تل الخروبة الاستراتيجي بعد معركة في السلاح الأبيض خاضتها سرية عراقية بقيادة الضابط إدريس عبد اللطيف. ثم اشتد القتال في منطقة محطة السكة الحديدية التي جعلتها القيادة اليهودية مقراً لها. في عصر ذلك اليوم حاولت القوات اليهودية القيام بهجوم مضاد من خلال وحدة مدرعات ووحدتي مشاة ولكن نيران المدفعية العراقية منعت هذا الهجوم من تحقيق أي انجاز على الأرض بل قامت القوات العراقية وقوات المتطوعين الفلسطينيين بهجوم آخر تكلل في صباح الرابع من يونيو بطرد القوات اليهودية من كافة الأحياء السكنية للمدينة بل طاردت فلول القوات المنسحبة إلى ظاهر جنين الشمالي، حيث انتهت الأعمال القتالية حوالي الساعة الحادية عشرة قبل الظهر.

وقد غنم الجيش العراقي في هذه المعركة حوالي 300 بندقية من طرازات مختلفة وعشرة مدافع هاون وعشرين رشاشاً وأربعة أجهزة لاسلكية. قدرت خسائر القوات الإسرائيلية ب-300 بين قتيل وجريح، في حين قدرت الخسائر العربية بنحو 100 من العسكريين (عراقيين وفلسطينيين وأردنيين ) ونحو خمسين مدنياً.

الملفت للنظر أن هذه المعركة لم تحظ بالاهتمام البالغ من جهة الكتاب والمؤرخين اليهود، فقد اختار البعض تجاهلها في حين ذكرها البعض الآخر بشكل عرضي، في حين لم ير فيها من ذكرها إخفاقاً بل انجازاً منع التواصل بين قوات الجيش العراقي في محيط المثلث الكبير ( جنين ؟ نابلس ؟ طولكرم ) وبين قوات جيش الانقاذ في الجليل. وعلى سبيل المثال فقد قال موشيه كرمل قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي آنذاك في معرض حديثه عن تلك المعركة: " هذه المعركة المرة التي دفعنا فيها أغلى الدماء، حسمت مصير مرج يزراعيل الذي أصبح بعدها لنا إذ أن خطط وتحضيرات العدو لمهاجمة العفولة تحولت إلى شظايا بعد المعارك الطاحنة التي دارت في جنين ومحيطها".

الباحث / خالد سيد

وحدة الدراسات العسكرية والأمنية

                                                     

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech