Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

حياه جولدا مائير

 

نبذه عن حياتها

لماذا بكت عند اعدام الجاسوسه هبه سليم

جولدا مائير .. امرأة من بقايا خيبر

هذا الكتاب مترجم عن كتاب أعترافات لرئيسة الوزراء الاسرائيلية الرابعة والتى شهدت أكبر الملاحم الحربية بين مصر وأسرائيلالكتاب 396 صفحة فى خمسة عشر فصلا تضمن فصلا كاملا وهو الفصل الرابع عشر تتحدث فية عن خيبة أملها فى حرب 73 وعن ما حدث تفصيلا فى الايام السابقة لنصرنا العظيم-الكتاب المترجم اصدار مختارات التعاون العالمية- وموجود بقسم المراجع بالموقع

 

 تزال في الأذهان دعوتها المجرمة عندما قالت : ” كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلاً فلسطينياً واحداً على قيد الحياة ” !!

هى أخطر امرأة في تاريخ الصهيونية بلا منازع .. ، و واحدة من أكثر رموز هذه الحركة تطرفاً .. يلقبها الغربيون بـ ” أم إسرئيل الحديثة ” .. هذه ” المرأة الرجل ” – كما يلقبها بعض المؤرخين – هي جولدا مائير زعيمة حزب العمل الإسرائيلي ، ورئيسة الحكومة الإسرائيلية في الفترة من 1969 وحتى 1974.

ولدت جولدا مائير في الثالث من مايو عام 1898 لأبوين يهوديين ، في مدينة ” كييف” بروسيا . كان أبوها نجاراً بسيطاً اضطرته الحاجة ومتطلبات الحياة إلى السفر إلى أمريكا عام 1903 ، للبحث عن عمل يتكسب منه ، ويكفل للأسرة في روسيا حياة كريمة .

استقرَّ الأب في مدينة “ميلواكي” بولاية “ويس كونسن” . وبعد فترة من العمل اضطر إلى استدعاء الأسرة للإقامة معه ، فالزوجة لم تعد تستطيع مواجهة الحياة وحدها، والقيام بواجبات الأطفال ، فانتقلت الأسرة كلها إلى “ميلواكي” عام 1906.

التحقت الطفلة جولدا مائير بإحدى المدارس الابتدائية في “ميلواكي”، وكانت دراستها الثانوية في المدينة نفسها، وأثناء المرحلة الثانوية بدأت تظهر عليها ملامح وعلامات الدهاء و الخبث ، و القدرة على شق طريقها بين الآخرين ، و السيطرة عليهم ، فنجحت في جعل زميلاتها يلتففن حولها ، ويجعلنها مستشارتهن الخاصة !!

تخرجت جولدا مائير في معهد المعلمات بـ”ميلواكي” ، وعملت في التدريس العام بالمدينة نفسها، وأثناء هذه الفترة انضمت إلى إحدى الجماعات الصهيونية النشطة ، ومن خلال تواجدها في هذه الجماعة تعرفت على زوجها ” موريس ميرسون ” الذي كان من الأعضاء البارزين في الحركة ، ومن المنظِّرين لها.. كانت العلاقة بينهما تكاملية ، فهو يسعى إلى التنظير والتقعيد ، بينما هي تسعى إلى إحياء هذه النظريات على أرض الواقع !!

في عام 1917 تمَّ زواج جولدا من ” ميرسون ” ذلك الرجل الهادئ ، صاحب النظريات ، الذي كان ينقاد غالباً إليها وينزل على آرائها ، واستطاعت هي ـ من خلال شخصيتها التسلطية إحكام قبضتها على “ميرسون ” لدرجة أنها نجحت في إقناعه بترك كل شيء في أمريكا و السفر إلى فلسطين ، بالرغم من رؤيته الخاصة بعدم جدوى السفر !!

بعد وصولها وزوجها ” ميرسون ” إلى فلسطين ، وقيام دولة إسرائيل ، انخرطت هي في العمل العام ، وأصبحت ناشطة معروفة ، يعهد إليها بالأعمال المهمة ، بينما زوجها خفتت عنه الأضواء ، نظراً لطبيعته الخاصة ، التي لم تجعله يحظى بالحضور الاجتماعي كزوجته .

أنجبت جولدا مائير ولداً وبنتاً، طوَّعت حياتهما ليسيرا معها في ركاب دعوتها الصهيونية ، واستطاعت هي أن تغرس بداخلها قناعة خاصة ، مفادها أنَّها ليست امرأة عادية، وأنهما ليسا ولديين عاديين ، فأمهما تسعى لبناء دولة ، وهذا أوْلى من مكوثها إلى جوارهما.

زادت المهام وتتابعت الأعباء ، وكلما تتابعت المسؤوليات اتسعت الهوة بين الزوجين ، وكان كل منهما ينزع إلى عالمه الخاص ، حتى جاء اليوم الذي غابت فيه جولدا ـ أو كادت ـ عن حياة موريس ، ولم تعد تملك أن تمنحه شيئاً من وقتها ، ، وشعر هو بذلك ، فكان الانفصال عام 1945 ، وهو انفصال مبني على قناعات مسبقة عند الطرفين ، وكان من توصيات جولدا لميرسون أثناء الانفصال أنهما لا بد أن يظلا صديقين ، وأن يعملا سوياً لرفعة إسرائيل وتثبيت أركان الدولة .

انطلقت مائير تبشِّر بالدولة الجديدة ، وتعمل بهمة عالية ، وحرية أكثر ، وراحت تسعى لتذليل كل العقبات أمام المستوطنين القادمين من بقاع الأرض ، فتقول في مذكراتها عنهم : ” كان الرواد الأوائل من حركة العمل الصهيوني هم المؤمنين الوحيدين الذين يستطيعون تحويل تلك المستنقعات أو السبخات إلى أرض مروية صالحة للزراعة، فقد كانوا على استعداد دائم للتضحية والعمل مهما كان الثمن مادياً أو معنوياً “.

في الوقت نفسه ، كانت تدرك أن التعبئة المعنوية وحدها لا تبني ولا تعمر ، ولا بدَّ من تقديم الأسباب المادية ، فتقول في موضع آخر من المذكرات نفسها : ” لقد كانت فلسطين هي السبب ، لقد كنت شغوفة بشرح طبيعة الحياة في إسرائيل لليهود القادمين ، وأوضح لهم كيف استطعت التغلب على الصعاب التي واجهتني عندما دخلت فلسطين لأول مرة ، ولكن حسب خبرتي المريرة التي مارستها ، كنت أعتبر أنَّ الكلام عن الأوضاع وكيفية مجابهتها نوع من الوعظ أو الدعاية .

وتبقى الحقيقة المجرَّدة ، هي وجوب إقامة المهاجرين ، وممارستهم للحياة عملياً. لم تكن الدولة الإسرائيلية قد أنشئت بعد ، ولم تكن هناك وزارة تعنى بشؤون المهاجرين الجدد ، ولا حتى من يقوم على مساعدتنا لتعلم اللغة العبرية ، أو إيجاد مكان للسكن ، لقد كان علينا الاعتماد على أنفسنا ، ومجابهة أي طارئ بروح بطولية مسؤولة “.

لقد أعمى حلم إقامة الدولة عيون جولدا مائير عمَّا سواه من حقائق ، فآمنت ـ إيماناً منحرفاً ـ وأقنعت الكثيرين بأنَّ فلسطين لهم ، وبأنَّ العرب ليسوا موجودين أصلاً ، وإن كانت لهم بقايا أو ظلال ،فهي أضعف من أن تصمد أمام الزحف الصهيوني العنيد .

وهناك قصة معروفة قيلت خلال اجتماعها بعدد من الكتاب الإسرائيليين عام 1970 ، حينما عرض عليها كاتب بولندي انطباعه عن فلسطين بعد زيارته لها قائلاً : ” العروس جميلة ولكن لديها عريس” فأجابته بغطرسة: “وأنا أشكر الله كل ليلة ، لأنَّ العريس كان ضعيفاً ، وكان من الممكن أخذ العروس منه” !!

ويحملها طموحها الجموح ونظرتها التوسعية أقصاهما حين وقفت على شاطيء خليج العقبة ، وأخذت تستنشق الهواء وتقول: ” إني أشم رائحة أجدادي في خيبر”.

عاشت مائير حياتها وسط أجواء صاخبة ، محشودة بالعداوات والصداقات ، فبقدر ما كسبت مؤيدين متعصبين لها ،كسبت معارضين ناصبوها العداء ، حتى من بني جلدتها، وخصوصاً أصحاب خندق السلام !

ومن بين هؤلاء الكاتب الإسرائيلي ” بوعز أبل باوم ” الذي أعدَّ دراسة تحمل عنوان ” دليل رؤساء حكومات إسرائيل ” يصف فيها جولدا مائير بأنَّها : ” كانت منافقة ، تجيد التلون كالحرباء ” .

ويقول : إنَّها بوقوفها ضد السلام أدت إلى اندلاع حرب أكتوبر التي راح ضحيتها 2600 شاب إسرائيلي ، ورغم أنَّ الملك حسين حذَّرها قبل اندلاع الحرب بثلاثة أيام ، إلا أنَّها تجاهلت تحذيراته ، إضافة إلى أنَّ فترة حكمها اتسمت بالجمود ورفضت أية مبادرة للسلام ، فقد كانت امرأة متصلبة فظَّة ، تفتقر للمرونة وتميل إلى الوحشية ، فحينما كانت تمر في طرقات وزارة الخارجية ، وتلقي تحية الصباح باللكنة الأمريكية الثقيلة ، تجد جميع العاملين وقد فروا للاختفاء في غرفهم هرباً منها ” !!

ويضيف المؤلف قائلاً: ” إنه على الرغم من أن جولدا كانت تتصف بالبلاهة في بعض الأحيان ، وتخلط بين ما هو مسموح وما هو ممنوع ، غير أنها تظل واحدة من ثلاثة رؤساء وزراء تمتعوا بالكاريزما ، كما بن غوريون وبيغين ، وخطبها السياسية كانت تجذب المستمعين ، ومعظمها كانت خطبا عدوانية شرسة ، وقد وصفها بن غوريون بأنها الرجل الوحيد في الحكومة الإسرائيلية ” !!

وفي عام 1978 ، ماتت جولدا مائير عن ثمانين عاماً، قضتها في عداء و صراع مع الحق .. فقد كانت طيلة حياتها الطويلة تخشى المستقبل وترهب المجهول ، وكانت تنظر إلى الأطفال الفلسطينيين على أنهم بذور شقاء الشعب الإسرائيلي ، فكانت تقول: ” كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلاً فلسطينياً واحداً على قيد الحياة “.

كانت جولدا مائير تدرك أنَّ هؤلاء الأطفال هم قنابل الغد ، ولا سبيل لإفساد مفعول هذه القنابل إلا بوأد هؤلاء الأطفال ؟!

و من هنا كانت جولدا مائير من ألد أعداء السلام مع العرب ، و لم يكسرها في حياتها شيء سوى حرب السادس من أكتوبر المجيدة ، و انهيار أسطورة جيش إسرائيل الذي لا يقهر ” .. و رغم اعتراف جولدا مائير بانتصار أكتوبر الساحق ، و هزيمة إسرائيل النكراء ، التي يجسدها بوضوح نص رسالة الاستغاثة العاجلة التى بعثت بها إلى وزارة الخارجية الأمريكية فى التاسع من أكتوبر عام 1973 ، و كانت من كلمتين فقط هما ” أنقذوا إسرائيل “.. رغم ذلك إلا أنها رغم ذلك كانت تفضل الموت على ترجمة هذا الاعتراف – كرئيسة وزراء – على أرض الواقع بقبول وقف إطلاق النار !!

و قد كشفت ذلك وثيقة شهيرة من وثائق حرب أكتوبر السرية الأمريكية هى محضر اجتماع سري بين كيسنجر ورئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير ليلة صدور قرار مجلس الأمن رقم 338 لوقف إطلاق النار .

جزء من الاجتماع كان سريا بدرجة أكبر حتى لم يسجل له محضر ولا نعرف بالضبط الذي تناقشا فيه ، غير أن المحضر الذي بين أيدينا يكشف بلا رتوش طبيعة العلاقة الأمريكية الإسرائيلية ، وكيف تتدهور الأمور إذا كان رجل في منصب وزير الخارجية الأمريكية ولاؤه لإسرائيل مقدم على ولائه للولايات المتحدة.

و قد استغرق كيسنجر وقتا طويلا في الدفاع عن قبوله لذكر القرار القديم رقم 242 (لعام 1967) والذي ينص على ضرورة انسحاب إسرائيل من أراض محتلة. وهون كيسنجر من شأن ذلك القرار ووصفه بأنه شعارات فكاهية لا معنى لها.

وأخذ كيسنجر يطمئن مائير عدة مرات أنه يرى أن مصر لم تكسب الحرب ، وأن العرب فهموا الآن أنهم يحتاجون الولايات المتحدة لحل مشاكلهم حتى لو كانوا يكرهونها.

لقد كذب كيسنجر في تصريحاته العلنية فيما بعد عندما قال إنه ضغط على مائير لقبول وقف إطلاق النار ، ومحضر الإجتماع يكاد – كما قال فيه – يجعل من كيسنجر الناطق الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية.

جولدا مائير لم تترك طلبا إلا وعرضته على كيسنجر بداية من موضوع الأسرى إلى الجسر الجوي الأمريكي وموقف السادات ونوايا الروس .. إلخ.

وقد تعمد كيسنجر التأكيد على مائير أن بإمكانها خرق وقف إطلاق النار ، وأنه لن تثور في الولايات المتحدة احتجاجات على هذا الخرق لحين وصوله إلى واشنطن. لقد كان الزعيم السوفييتي بريجينيف محقا في اليوم التالي عندما قال “أشعر أن اتفاقا سريا بخرق وقف إطلاق النار تم في تل أبيب بين كيسنجر وإسرائيل”.

لقد ندم كيسنجر فيما بعد أنه فعل هذا ، ولكن في تلك اللحظة الحرجة كادت المنطقة كلها أن تخرج عن السيطرة.

لقد حاول كيسنجر شحن مشاعر الإسرائيليين ضد العرب أكثر بقوله إن الروس يزدرون العرب ويعاملونهم بصلف وسخف برغم أنهم حلفاؤهم.يلاحظ أيضا أن السفير الأمريكي في تل أبيب كيتنج ، لم يعلم بمحادثات كيسنجر ولا خططه ، ولم يُدع لحضور هذا الاجتماع المهم. وقد تفضل عليه كيسنجر بأن طلب من مائير أن تعطه فكرة عما حدث. لقد كان كيسنجر منفردا بخيوط السياسة الأمريكية الخارجية.

و فيما يلي ترجمة هذه الوثيقة ، التي سنقدم صورة زنكغرافية لها في الملف الوثائقي الخاص بجولدا مائير في نهاية هذا الجزء الذي يتناولها :

سري ..البيت الأبيض – واشنطن

سري للغاية – حساس – حصرياً للمشاهدة بالعين فقط

محضر اجتماع

الحضور :

رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير
موردخاي جازيت – مدير مكتب رئيسة الوزراء
هنري كيسنجر وزير الخارجية
بيتر رودمان – هيئة الأمن القومي

التاريخ والوقت : الإثنين 22 أكتوبر 1973 .. من الساعة 1:35 إلى الساعة 2:15 بعد الظهر

المكان : بيت الضيافة – هيرزيليا بالقرب من تل أبيب

عقد كيسنجر وجولدا مائير اجتماعا منفرداً لمدة 15 دقيقة بعد وصول كيسنجر ثم بعد ذلك استدعي رودمان وجازيت للالتحاق بهما وكتابة محضر الإجتماع.

رئيسة الوزراء : هذا بيت الضيافة للضيوف المميزين إنني دائماً هنا أو في مزرعة ابنتي.

كيسنجر: رئيسة الوزراء أود أن تتفهمي الموقف بخصوص ذكر القرار 242. أولاً أثناء اجتماعي مع السوفيت كان ذكر القرار 242 وسيلة للاتفاق بيننا وعليكِ أن تتذكري أن الرئيس يرى أن ذكر القرار 242 يعتبر نجاحاً وأن الناس في الولايات المتحدة لا ينظرون إلى الحرب بنفس الطريقة. ثانياً إن الرئيس تعرض لضغوط شديدة من العرب ومن رجال البترول للعودة إلى حدود 1967. ولمدة أسبوعين صرفت الرئيس ببساطة بذكر القرار 242.

لهذا لو رفضنا أي ذكر للقرار 242 سيكون هذا مستحيلاً في ظل الظروف الحالية بينما في الحقيقة هذا القرار القديم يعطي إسرائيل حدوداً آمنه ومعترف بها ، وأريد أن أؤكد لكِ أنه لا توجد أي تفاهمات جانبية بخصوص القرار 242. إنكِ إذا قارنتِ الموقف المصري يوم الثلاثاء الماضي …

رئيسة الوزراء: السادات

كيسنجر: مطالب السادات ، بالإضافة إلى أننا كنا نتلقى رسالة كل يومين من حافظ إسماعيل بالإضافة إلى رسائل السعوديين.

عندما اجتمعت على الغذاء مع الدبلوماسيين العرب في نيويورك قلت لهم إن لغة القرار 242 عبارة عن نكتة. إن القرار يتحدث عن سلام عادل ودائم وحدود آمنه ومعترف بها. إنني حقيقة أعتقد هذا وأن هذه العبارات لا تعني شيئاً وإنما تعني فقط أن ما نتفاوض عليه هو الذي سيكون. وحتى في مداولات مجلس الأمن في شهر يوليو الماضي رفض العرب القرار 242. وفي المحادثات التي أجريتها قبل ذلك مع وزير الخارجية السوفيتي جروميكو ظلوا يرفضون اقتراحاتنا والتي تستند إلى القرار 242 بما فيها الإقتراحات التي أخذناها منكم.

لهذا من المستحيل أن نرفض ذكر القرار 242. إن الرئيس يرى أن كل شيء يبدأ من هذا.
إنني أعتقد أن مشكلتك ليست في القرار 242 ولكن في شيء آخر سأتكلم معك في خصوصه على إنفراد. ولكن أرى أن عندك نقطة وجيهة وهي إعطاء الأراضي والمفاوضات المباشرة. إن الزعيم السوفيتي بريجينيف كان يصرخ ويريد أكثر من القرار 242 إنه كان يطالب بالتنفيذ الكامل لجميع قرارات الأمم المتحدة.

رئيسة الوزراء: ولكن القرار لا يتحدث عن مفاوضات مباشرة ( بدأت تقرأ ) مفاوضات بين الأطراف المعنية بهدف التوصل إلى سلام عادل ودائم. هذا ما يضايقنا ماذا يعني هذا؟

كيسنجر: لا شيء حتى تبدأ المفاوضات.

رئيسة الوزراء: لكن ما هي العلاقة بين الفقرتين 2، 3. إن القرار يذكر التنفيذ الكامل للقرار 242.

كيسنجر: هذا سيكون موضوعاً للتفاوض.

رئيسة الوزراء: هل يعرف الروس أن هذه هي ترجمتك للقرار؟

كيسنجر: نعم إنني في الحقيقة أردت ذكر هذا في نص القرار ولكن الروس قالوا إن هذا موجود بالفعل.

رئيسة الوزراء: “إسكالي” قال هذا أيضاً وهذا حسن.

كيسنجر: أنا الذي كتبت مسودة القرار.

رئيسة الوزراء : أنا اعتقدت هذا.

كيسنجر: سأعقد مؤتمر صحفياً عند عودتي يوم الأربعاء.

رئيسة الوزراء : سنعقد اجتماعا لجميع الأحزاب غداً في الكنيسيت وسنسأل عن كل هذا.
كيسنجر: سأعطيك تأكيدات رسمية وسأعلن هذا علانية أنه لا توجد أي تفاهمات جانبية حول القرار 242.

رئيسة الوزراء : إنني أحتاج إلى هذه التأكيدات. إنني أصدقك. مسألة أخرى لا يمكننا تحملها وهي أسرى الحرب ومسألة أخرى أيضاً وهي ما قاله ” مالك ” عندما قال “الوفاء العملي” للقرار 242.

كيسنجر: دعيني أشرح هذه النقطة. لقد قال الروس أنه لا توجد ترجمة روسية لكلمة التنفيذ فقلنا له يمكنكم استخدام الوفاء العملي باللغة الروسية.

رئيسة الوزراء: بالنسبة لأسرى الحرب إننا عندنا 1000 أسير مصري وسوري منهم طيارون وضباط.
كيسنجر: لقد أعطاني بريجينيف كلمة شرف – وهي في الحقيقة لا تساوي شيئاً – ولكن سنستطيع استخدامها وقلت له بوضوح إننا لن نستطيع أن ننفذ موضوع أسرى الحرب بدون كلمته. وقد قال بريجينيف إنه لا يمكنه ترتيب اتفاق على أسرى الحرب في 12 ساعة ولكنه أعطاني كلمته كزعيم للإتحاد السوفيتي أن تبادل الأسرى سيتم. قلت له هل يمكننا تنفيذها في 72 ساعة فقال إنه سيستخدم أقصى نفوذه.

ولقد تناولت الإفطار هذا الصباح مع جروميكو وأردت أن أحصل منه على تأكيد كتابي ولكنه رفض وقال إن المكتب السياسي الشيوعي لابد أن يوافق على هذا أولا ولكنه أيضاً أعطاني كلمتهم. إذا لم ينفذوا وعودهم فسنعلن هذا على الملأ.

رئيسة الوزراء: إن هذا يعني الكثير لنا وليس لأحد خبرة أكبر من خبرتك في موضوع أسرى الحرب.

كيسنجر: لو كنت مكانك – وأنا لا أقدم لكِ النصيحة – لن أبدأ أي مفاوضات حتى يتم إطلاق سراح الأسرى.

رئيسة الوزراء: إنني لا أستطيع أن أتحمل هذا. كيف يمكنني مواجهة أمهات وزوجات هؤلاء الأسرى؟ لقد اتفقنا في مجلس الوزراء أن نجعل هذا شرطاً لأي وقف لإطلاق النار. إن العرب لا يبالون بهذا. لقد أعطيناهم قائمة بالأسرى لدينا ولكنهم لم يعطونا أي شيء إنهم لا يبالون بالحياة الإنسانية. السادات ليس ملزماً أن يقابل زوجات الأسرى لكنني أنا ملزمة بهذا.

كيسنجر: إن سياستي في هذه الأزمة كما شرحت هذا مراراً لدينيتز (السفير الإسرائيلي في واشنطن) هو أن نجعل الدور العربي والدور الروسي محدوداً.

رئيسة الوزراء: أعرف هذا. ولا أعرف كيف كنا سنتصرف بدونك. لقد ذهبت إلى مطار عسكري وشاهدت الطائرات عند عودتها وكانت أكثر مما كنت أحلم به.

كيسنجر: لقد أجريت عدة مراسلات مع المصريين وأعتقد أنهم مهزوزون شيئاً ما.

رئيسة الوزراء: المصريون ؟

كيسنجر: نعم في البداية أرسلوا لنا رسالة تحدد السقف الأعلى لمطالبهم وسألتهم وقتها عن وضعهم في تلك اللحظة فأجابوا إنها نفس هذه المطالب القصوى. لقد قلت لمحمد حسن الزيات إنكم بعد أيام قليلة ستفكرون في العودة إلى خطوط التماس لبداية الحرب.

رئيسة الوزراء: إننا كنا سنكون في وضع أفضل خلال أيام قليلة ولكن لا يهم الآن. إننا نعاني من عقدة بخصوص وقف إطلاق النار لأنه في أغسطس 1970 وافقنا على الالتزام بعدم إطلاق النار ولكنهم قاموا بتحريك الصواريخ.

كيسنجر: هل وصلتك رسالتي أنكم إذا احتجتم لعدة ساعات…. هل وصلتك الرسالة؟

جازيت: نعم تلقيناها ولكن كانت في سياق الكلام على قرار مجلس الأمن وفهمنا أنك لم تعني هذا المعنى.

كيسنجر: إنني قصدت معنى الرسالة ولكن تعمدت أن أقولها بعناية لأننا كنا نستخدم اتصالات وزارة الخارجية ثم حدث فيها خلل…

رئيسة الوزراء : ما المقصود بوقف إطلاق النار ووقف التحركات؟

كيسنجر: بصراحة لم نفكر في هذا.

رئيسة الوزراء: السوفييت سيعطون السادات كل المعدات التي يحتاجونها والتي لا يحتاجونها.

كيسنجر: لقد سألت جروميكو بعد انتهاء الحرب ما الذي يفكر فيه السادات فقال ” لا يهم إنه مجرد جمل حامل للأوراق “

رئيسة الوزراء: ولكنه لا يعيش في عالم الواقع. إنه يعتقد أنه كسب الحرب لدينا مصدر أخبرنا بأن السادات يقول إنه على استعداد لإسترداد الأراضي المحتلة حتى لو كلفه هذا مليون رجل.

كيسنجر: كيف يعتقد أنه كسب الحرب.

رئيسة الوزراء: لقد قال لي الجنرال بارليف أنه لا داعي للقلق.

كيسنجر: دعيني أبين ما اعتقده. لقد كسبتم الحرب حتى لو قلنا بثمن باهظ جداً. إن الحقيقة أنه – ولستة سنوات – كان المصريون يحصلون على أحدث الأسلحة ووسائل الاتصالات وكل شيء ولكن لم يحققوا شيئاً. إنكم الآن عبرتم إلى الجانب الغربي من القناة وخسر المصريون والسوريون آلاف الصواريخ.

رئيسة الوزراء: الروس سيمدونهم بصواريخ جديدة.

كيسنجر: ولكن هذا لا يغير من الوضع شيئاً.

رئيسة الوزراء: إن الطريق إلى دمشق مفتوح أمامنا ولكننا لا نريد كما قلت لك.

كيسنجر: نعم وأنا لم أبلغ هذا لأي أحد.

رئيسة الوزراء: إن المصريين والسوريين يقولون إن القتال مستمر.

كيسنجر: لن تحدث احتجاجات عنيفة في واشنطن لو حدث شيء من طرفكم أثناء هذه الليلة أثناء عودتي بالطيران. لن يحدث شيء قبل ظهر الغد في واشنطن.

رئيسة الوزراء: إذا لم يتوقفوا فلن نتوقف.

كيسنجر: وحتى لو توقفوا …

رئيسة الوزراء: هناك موضوع آخر أريد طلبه منك. يوجد حوالي 4000 يهودي في دمشق يعيشون في ظروف فظيعة ونريد أن يقوم الصليب الأحمر بإخراجهم وإحضارهم إلينا.

كيسنجر: سأتكلم عن هذا الموضوع علانية.

رئيسة الوزراء: يقول “إسكالي” إن وقف إطلاق النار لا يلزم مصر وسوريا فقط ولكن جميع الدول الأخرى.

كيسنجر: نعم لقد اتفقنا على هذا مع الروس وسأتكلم عن هذا علانية. سأتكلم مع الروس عن أسرى الحرب وعن هذه النقطة.

رئيسة الوزراء: عندما بدأت الحرب قاموا بإغلاق مضيق باب المندب وتوجد هناك مدمرات مصرية ولكن تحت قيادة يمنية.

كيسنجر: سأتكلم في هذا مع السوفييت ، إنني لم أكن أعرف هذا. يمكنك المطالبة بهذا علانية إنه من الضروري ألا أظهر وكأنني المتحدث الرسمي لكم.

رئيسة الوزراء: الآن دعنا نتكلم عن شيء أساسي ماذا سيحدث لجسر الإمداد الجوي.

كيسنجر: لقد أعطيت أوامري كي يستمر ويمكننا تبرير هذا بما يقوم به السوفيت من مواصلة الإمدادات.

يجري الآن تحميل 20 سفينة عليها 40 طائرة A-4 وهذه بالتأكيد ستصل وقد طلبت أيضاً 44 فانتوم. الجسر الجوي مستمر. سأتعرض لضغوط شديدة ولكن طالما يستمر السوفيت سنقوم بنفس الشيء.

لقد أعلن الرئيس يوم الخميس الماضي أن الإمدادات البحرية ستتصاعد وقدمنا طلباً يوم الجمعة بإمدادات قدرها 2.2 بليون دولار والتي أعطتنا قوة دفع.

رئيسة الوزراء: ولكن هناك عبارة تقول: إذا توقفت الحرب فإن المعونات لن يتم زيادتها.

كيسنجر: ولكن لدينا تعهد الرئيس بتعويضكم عن كل خسائركم. إنني من الصعب علي أن أتحدث مع الرئيس في هذا إنهم سيقررون هذا مع الرئيس ، الجنرال هيج والجنرال شكروفت والنواب. وطالما أن هؤلاء النواب المجانين لن يهاجموني فسيمكننا تنفيذ طلباتكم. إن سفيرنا كيتينج كان غير راض عن استبعاده من المناقشات وأقترح أن تتحدثي إليه على إنفراد أثناء محادثاتي مع موشى ديان.

رئيسة الوزراء: سأتحدث معه . إنه من المثير أننا لم نسمع شيئاً من مصر وسوريا. ماذا يقول الروس.

كيسنجر: كان الروس سخفاء مع العرب .. لقد قالوا إنهم قد تحدثوا فقط مع القاهرة. لقد كان بريجينيف دائماً يتكلم بطريقة سخيفة إذا ذكر العرب لدرجة أن أحد المعاونين لي قال لي في مرة كيف سيكون الأمر لو كان الروس حلفاءنا.

كلمة أخرى عن الأوضاع الراهنة إنني أعتقد أنكم كسبتم الحرب وأعتقد أننا كسبنا أيضاً . إن العرب يدركون الآن أنهم إذا احتاجوا شيئاً فعليهم الاتصال بنا. إن السوفيت يستطيعون إعطاءهم المعدات ولكن لن يعطوهم تسوية فسواء كرهنا العرب أم لا فإنهم يحتاجون للحديث معنا. سأتصل يوم الخميس بالدول المنتجة للبترول وأخبرهم أننا لا نتفاوض تحت الضغط وأنهم إن لم يعيدوا إمدادات البترول فلن نفعل شيئاً. إن السادات لن يستطيع أن ينجو.

رئيسة الوزراء: ولكن المشكلة أنه يشعر أنه البطل. إن قياداته على الأرض لا تبلغه بالحقائق مثلما كان يحدث مع عبد الناصر لذلك في مصر يعتقدون أنهم كسبوا الحرب.

كيسنجر: لقد أخبرني جروميكو أن الخطر الوحيد على مصر هو الشعور بالذعر لأن القوات الإسرائيلية التي عبرت القناة قوات بسيطة وأنه إذا انتظمت الأمور سوف تنهار القوات الإسرائيلية غرب القناة.

رئيسة الوزراء: إن القوات المصرية لم تنهار ولكنها فقدت نظامها.

إلى هنا انتهى نص وثيقة محضر الاجتماع .

و قد كشف مدير المخابرات الحربية الإسرائيلية في حرب أكتوبر ” ايلي زعيرا ” والذي يصفونه في إسرائيل بأنه “مهندس الهزيمة ” وأنه السبب الرئيسي فيما لحق بالجيش الإسرائيلي ، نشر مؤخرا كتابا يحمل اسم ” حرب أكتوبر الأسطورة أمام الواقع ” اعترف فيه بأن المخابرات المصرية دست معلومات مضللة على جولدا مائير ، مشيرا إلى أن السبب الرئيسي في الهزيمة هو وصول معلومات تم نقلها مباشرة إلى رئيسة الوزراء ، وبدون تحليل من الموساد ، على أساس أنها موثوق بها ، وكانت هذه المعلومات هي السبب الأساسي وراء التقديرات الخاطئة التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية .

وأضاف زعيرا أيضا في كتابه أن تلك المعلومات المضللة هي من تخطيط المخابرات المصرية وأنها كانت جزءا من خطة الخداع والتمويه المصرية التي تم تنفيذها استعدادا للمعركة أما جولدا مائير نفسها – رئيسة وزراء إسرائيل وقت الحرب – فتقول في اعترافاتها التي أوردتها – على مضض – في كتابها ” قصة حياتي ” ..

تقول : ” لا شىء أقسى على نفسى من كتابة ما حدث فى أكتوبر ، فلم يكن ذلك حدثا عسكريا رهيبا فقط ، وانما مأساة عاشت وستعيش معى حتى الموت ، فلقد وجدت نفسى فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ إنشائها . ولم تكن الصدمة فقط فى الطريقة التى كانوا يحاربوننا بها .. ولكن أيضا لأن عددا من المعتقدات الأساسية التى آمنا بها قد أنهارت أمامنا ، فلقد آمنا باستحالة وقوع حرب فى شهر أكتوبر …

وآمنا بأننا سوف نتلقى إنذارا مبكرا لكل تحركات المصريين والسوريين قبل نشوب الحرب ، ثم إيماننا المطلق بقدرتنا على منع المصريين من عبور قناة السويس ….إننى استعيد الآن هذه الأيام .. إنه شىء لا يمكن وصفه.. يكفى أن أقول إننى لم أستطع البكاء ، وكنت أمشى معظم الوقت فى مكتبى وأحيانا أذهب إلى غرفة العمليات ، وكانت هناك اجتماعات متواصلة وتليفونات من أمريكا وأخبار مروعة من الجبهة وخسائرنا تمزق قلبى ” !!

وتقول جولدا : ” أذكر أنه فى يوم الأحد عاد ديان من الجبهة المصرية ، وطلب مقابلتى على الفور وأخبرنى أن الموقف سىء جدا وانه لابد من اتخاذ موقف الدفاع وان تنسحب القوات الإسرائيلية إلى خط دفاع جديد واستمعت إليه فى فزع ، لقد عبر المصريون القناة ” !!

كما كشفت وثائق جديدة النقاب عن أزمة الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون مع جولدا مائير بسبب مخاوفه من استخدامها للسلاح النووي ضد العرب .و كشفت الوثائق أيضاً عن اللقاء الشهير الذي جمع بين نيكسون و مائير ، حين كان مستشار الأمن القومي وقتها ” هنري كيسنجر “، وهو تلك الشخصية التي ذاع صيتها في الشرق الأوسط فيما بعد.

ومن بين الوثائق يتبين انه في شهر يوليو من عام 1969 حين كان العالم بأسره منشغلا بالعديد من الأحدث العلمية، كان الرئيس الأمريكي “ريتشارد نيكسون ” يهتم بموضوع آخر تماما، وهو إلى أي مدى من الممكن أن تستخدم حليفته إسرائيل السلاح النووي في حروبها ضد العرب ؟. حيث كشفت المكتبة الرئاسية المركزية النقاب عن أكبر عدد من الوثائق السرية التي تتحدث عن فترة حكم الرئيس الأمريكي نيكسون في كل ما يتعلق بالشرق الأوسط.

وتؤكد بعض الوثائق التي يبلغ عددها عشرة آلاف وثيقة أن مستشار الأمن القومي السابق “هنري كيسنجر” قال في 19يونيو 1969 للرئيس الأمريكي نيكسون أن الإسرائيليين هم الشعب الوحيد الذي يواجه خطر الابادة دائما، لذا فعليهم استخدام السلاح النووي.

كما أن هناك دلائل تشير إلى أن مواد نووية تم تهريبها بشكل غير شرعي من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1965، وأنها وجدت في إسرائيل، كما أن “كيسنجر” أضاف في الوثيقة أنه من الصعب الإشراف على البرنامج النووي الإسرائيلي بسبب وجود غموض في العديد من المواقع النووية هناك ( إنه الشئ الذي خدعتنا فيه إسرائيل، وربما تمت سرقته من بلادنا) يقول كيسنجر.

وقالت مصادر صحفية أمريكية اقتبستها صحيفة يديعوت أحرونوت اليوم أن الوثيقة التي كتبها كيسنجر بعد عامين من حرب الأيام الستة، تظهر أن إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها، غير أن مسألة السلاح النووي تثير أزمة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قال كيسنجر حين تطرق لموضوع بيع بلاده لطائرات فانتوم لإسرائيل، أن إسرائيل لن تطلعنا على برنامجها النووي بجدية إلا حين تدرك إننا مستعدون لفعل أشياء كثيرة من أجلها.

ولكنه من جانب آخر يضيف ( حين نرسل إليهم الفانتوم، ثم يقومون بتحويل البرنامج النووي السري إلى برنامج علني، وان الأمر سيفتح علينا أبوابا من العواصف السياسية، وسوف نكون في موقف ضعيف إذا لم نستطع الإعلان بأننا نعطل تسليم طائرات الفانتوم، ومع ذلك إذا عطلنا الأمر فإننا نجبر إسرائيل على الإعلان عن برنامجها النووي، لتحقيق قوة الردع).

وقالت صحيفة يديعوت آحرونوت أن الوثيقة أعدت قبيل لقاء الرئيس الأمريكي نيكسون مع رئيسة الحكومة الإسرائيلية جولدا مائير، وأثناء اللقاء تم الاتفاق على أن تحصل إسرائيل على طائرات الفانتوم.

ويرى الباحث الإسرائيلي ” أفنير كوهين ” في كتابه الذي يحمل اسم (إسرائيل والقنبلة)، أن مائير ونيكسون اتفقا على إخفاء إسرائيل ما لديها من سلاح نووي، وإخفاء ما تقوم به من تجارب نووية، مقابل عدم قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط عليها في هذا الشأن. 

لماذا بكت جولدا مائير حزناً على مصير الجاسوسة هبة سليم ؟

بقلم / د . سمير محمود قديح باحث في الشئون الامنية والاستراتيجية

 

لم تدخر المخابرات الاسرائيلية وسيلة عند تجنيدها للجواسيس إلا وجربتها. وأيضاً – لم تعتمد على فئة معينة من الخونة . . بل جندت كل من صادفها منهم واستسهل بيع الوطن بثمن بخس وبأموال .. حرام، وأشهر هؤلاء على الإطلاق – هبة عبد الرحمن سليم عامر – وخطيبها المقدم فاروق عبدالحميد الفقي.

إنها إحدى أشرس المعارك بين المخابرات الحربية المصرية والمخابرات الإسرائيلية. معركة أديرت بذكاء شديد وبسرية مطلقة، انتصرت فيها المخابرات المصرية في النهاية. وأفقدت العدو توازنه، وبرهنت على يقظة هؤلاء الأبطال الذين يحاربون في الخفاء من اجل الحفاظ على أمن الوطن وسلامته.لقد بكت جولدا مائير حزناً على مصير هبة التي وصفتها بأنها “قدمت لإسرائيل أكثر مما قدم زعماء إسرائيل” وعندما جاء هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي ليرجو السادات تخفيف الحكم عليها. . كانت هبة تقبع في زنزانة انفرادية لا تعلم أن نهايتها قد حانت بزيارة الوزير الامريكي.لقد تنبه السادات فجأة الى أنها قد تصبح عقبة كبيرة في طريق السلام، فأمر بإعدامها فوراً، ليسدل الستار على قصة الجاسوسة التي باعت مصر ليس من أجل المال أو الجنس أو العقيدة. . إنما لأج الوهم الذي سيطر على عقلها وصور لها بأن إسرائيل دولة عظمى لن يقهرها العرب. وجيشها من المستحيل زحزحته عن شبر واحد من سيناء، وذلك لأن العرب أمة متكاسلة أدمنت الذل والفشل، فتفرقت صفوفهم ووهنت قوتهم . .الى الأبد.

آمنت هبة بكل هذه الخرافات، ولم يستطع والدها – وكيل الوزارة بالتربية والتعليم – أن يمحو أوهامها أو يصحح لها خطأ هذه المفاهيم.

ولأنها تعيش في حي المهندسين الراقي وتحمل كارنيه عضوية في نادي “الجزيرة” – أشهر نوادي القاهرة – فقد اندمجت في وسط شبابي لا تثقل عقله سوى أحاديث الموضة والمغامرات، وبرغم هزيمة 1967 الفادحة والمؤلمة للجميع. . إلا أن هبة انخرطت في “جروب” من شلة أولاد الذوات تسعى خلف أخبار الهيبز، وملابس الكاوبوي وأغاني ألفيس بريسلي.

وعندما حصلت على الثانوية العامة ألحت على والدها للسفر الى باريس لإكمال تعليمها الجامعي، فالغالبية العظمى من شباب النادي أبناء الهاي لايف، لا يدخلون الجامعات المصرية ويفضلون جامعات أوروبا المتحضرة .

وأمام ضغوط الفتاة الجميلة وحبات لؤلؤ مترقرقة سقطت على خديها، وافق الأب وهو يلعن هذا الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه ولا بد من مسايرة عاداته وتقاليده.

وفي باريس لم تنبهر الفتاة كثيراً، فالحرية المطلقة التي اعتادتها في مصر كانت مقدمة ممتازة للحياة والتحرر في عاصمة النور.

ولأنها درست الفرنسية منذ طفولتها فقد كان من السهل عليها أيضاً أن تتأقلم بسرعة مع هذا الخليط العجيب من البشر. ففي الجامعة كانت تختلف كل الصور عما ترسب بمخيلتها. . إنها الحرية بمعناها الحقيقي، الحرية في القول والتعبير . . وفي اختيار المواد الدراسية. . بل وفي مواعيد الامتحان أيضاً، فضلاً عن حرية العلاقة بين الجنسين التي عادة لا تقتصر على الحياة الجامعية فحسب. . بل تمتد خارجها في شمولية ممتزجة باندفاع الشباب والاحتفاء بالحياة.

جمعتها مدرجات الجامعة بفتاة يهودية من أصول بولندية دعتها ذات يوم لسهرة بمنزلها، وهناك التقت بلفيف من الشباب اليهود الذي تعجب لكونها مصرية جريئة لا تلتفت الى الخلف، وتنطلق في شراهة تمتص رحيق الحرية. . ولا تهتم بحالة الحرب التي تخيم على بلدها، وتهيمن على الحياة بها.

لقد أعلنت صراحة في شقة البولندية أنها تكره الحرب، وتتمنى لو أن السلام عم المنطقة. وفي زيارة أخرى أطلعتها زميلتها على فيلم يصور الحياة الاجتماعية في إسرائيل، وأسلوب الحياة في “الكيبوتز” وأخذت تصف لها كيف أنهم ليسوا وحوشاً آدمية كما يصورهم الإعلام العربي، بل هم أناس على درجة عالية من التحضر والديموقراطية.

وعلى مدار لقاءات طويلة مع الشباب اليهودي والامتزاج بهم بدعوى الحرية التي تشمل الفكر والسلوك. . استطاعت هبة أن تستخلص عدة نتائج تشكلت لديها كحقائق ثابتة لا تقبل السخرية. أهم هذه النتائج أن إسرائيل قوية جداً وأقوى من كل العرب. وأن أمريكا لن تسمح بهزيمة إسرائيل في يوم من الأيام بالسلاح الشرقي.. ففي ذلك هزيمة لها.

آمنت هبة أيضاً بأن العرب يتكلمون أكثر مما يعملون. وقادتها هذه النتائج الى حقد دفين على العرب الذين لا يريدون استغلال فرصة وجود إسرائيل بينهم ليتعلموا كيفية اختزال الشعارات الى فعل حقيقي. وأول ما يبدأون به نبذ نظم الحكم التي تقوم على ديموقراطية كاذبة وعبادة للحاكم.

وثقت هبة أيضاً في أحاديث ضابط الموساد الذي التقت به في شقة صديقتها. . وأوهمها باستحالة أن ينتصر العرب على إسرائيل وهم على خلاف دائم وتمزق خطير، في حين تلقى إسرائيل الدعم اللازم في جميع المجالات من أوروبا وأمريكا.

هكذا تجمعت لديها رؤية أيديولوجية باهتة، تشكلت بمقتضاها اعتقاداتها الخاطئة، التي قذفت بها الى الهاوية.

الشك المجنون

كانت هذه الأفكار والمعتقدات التي اقتنعت بها الفتاة سبباً رئيسياً لتجنيدها للعمل لصالح الموساد .. دون إغراءات مادية أو عاطفية أثرت فيها، مع ثقة أكيدة في قدرة إسرائيل على حماية “أصدقائها” وإنقاذهم من أي خطر يتعرضون له في أي مكان في العالم.

هكذا عاشت الفتاة أحلام الوهم والبطولة، وأرادت أن تقدم خدماتها لإسرائيل طواعية ولكن.. كيف؟ الحياة في أوروبا أنستها هواء الوطن. .وأغاني عبد الحليم حافظ الوطنية. .وبرج القاهرة الذي بناه عبد الناصر من أموال المخابرات الأمريكية التي سخرتها لاغتياله.

فقط تذكرت فجأة المقدم فاروق الفقي الذي كان يطاردها في نادي الجزيرة، ولا يكف عن تحين الفرصة للانفراد بها. .وإظهار إعجابه الشديد ورغبته الملحة في الارتباط بها. لقد ملت كثيراً مطارداته لها من قبل في النادي وخارج النادي، وكادت يوماً ما أن تنفجر فيه غيظاً في التليفون. . وذلك عندما تلاحقت أنفاسه اضطراباً وهو يرجوها أن تحس به. مئات المرات قال لها: “أعبدك .. أحبك .. أهواك يا صغيرتي”. ولكنها كانت قاسية عنيفة في صده.

تذكرت هبة هذا الضابط الولهان، وتذكرت وظيفته الهامة في مكان حساس في القوات المسلحة المصرية، وعندما أخبرت ضابط الموساد عنه. .كاد أن يطير بها فرحاً، ورسم لها خطة اصطياده.

وفي أول أجازة لها بمصر. . كانت مهمتها الأساسية تنحصر في تجنيده.. وبأي ثمن، وكان الثمن خطبتها له. وفرح الضابط العاشق بعروسه الرائعة التي فاز بها أخيراً، وبدأت تدريجياً تسأله عن بعض المعلومات والأسرار الحربية. . وبالذات مواقع الصواريخ الجديدة التي وصلت من روسيا. . فكان يتباهى أمامها بأهميته ويتكلم في أدق الأسرار العسكرية، ويجيء بها بالخرائط زيادة في شرح التفاصيل.

أرسلت هبة سليم على الفور بعدة خطابات الى باريس بما لديها من معلومات ولما تبينت إسرائيل خطورة وصحة ما تبلغه هذه الفتاة لهم.. اهتموا بها اهتماماً فوق الوصف. وبدأوا في توجيهها الى الأهم في تسليح ومواقع القوات المسلحة. . وبالذات قواعد الصواريخ والخطط المستقبلية لإقامتها، والمواقع التبادلية المقترحة.

وسافرت هبة الى باريس مرة ثانية تحمل بحقيبتها عدة صفحات. . دونت بها معلومات غاية في السرية والأهمية للدرجة التي حيرت المخابرات الاسرائيلية. فماذا سيقدمون مكافأة للفتاة الصديقة؟

سؤال كانت إجابته عشرة آلاف فرنك فرنسي حملها ضابط الموساد الى الفتاة .. مع وعد بمبالغ أكبر وهدايا ثمينة وحياة رغدة في باريس. رفضت هبة النقود بشدة وقبلت فقط السفر الى القاهرة على نفقة الموساد بعد ثلاثة أشهر من إقامتها بباريس. كانت الوعود الراقة تنتظرها في حالة ما إذا جندت خطيبها ليمدهم بالأسرار العسكرية التي تمكنهم من اكتشاف نوايا المصريين تجاههم.

لم يكن المقدم فاروق الفقي بحاجة الى التفكير في التراجع، إذ أن الحبيبة الرائعة هبة كانت تعشش بقلبه وتستحوذ على عقله.. ولم يعد يملك عقلاً ليفكر، بل يملك طاعة عمياء سخرها لخدمة إرادة حبيبته. وعندما أخذها في سيارته الفيات 124 الى صحراء الهرم.. كان خجولاً لفرط جرأتها معه، وأدعت بين ذراعيه أنها لم تصادف رجلاً قبله أبداً. وأبدت رغبتها في قضاء يوم كامل معه في شقته. ولم يصدق أذنيه. فهو قد ألح عليها كثيراً من قبل لكنها كانت ترفض بشدة. الآن تعرض عليه ذلك بحجة سفرها، وفي شقته بالدقي تركت لعابه يسيل، وجعلته يلهث ضعفاً وتذللاً..

ولما ضمها الى صدره في نهم ورغبة واقتربت شفتاه منها.. صدته في تمنع كاذب. . فاندفع اليها بشوق أكثر، ولملم جرأته كلها وأطبق على شفتيها يروي ظمأ ملهوفاً تلسعه موجات من صهد أنوثتها. فأذاقته قبلة طويلة غمست بلذائذ من النشوة، وحمم من الرغبات، فطار عقله وبدا كطفل نشبث بأمه في لحظة الجوع، لكنها.. هيهات أن تمنحه كل ما يريد. فقد حجبت عنه رعشة الوطر وأحكمت قيدها حول رقبته فمشى يتبعها أينما سارت. . وسقط ضابط الجيش المصري في بئر الشهوة ووقّع وثيقة خيانته عارياً على صدرها، ليصير في النهاية عميلاً للموساد تمكن من تسريب وثائق وخرائط عسكرية.. موضحاً عليها منصات الصواريخ “سام 6″ المضادة للطائرات. . التي كانت القوات المسلحة تسعى ليلى نهار لنصبها لحماية مصر من غارات العمق الاسرائيلية.

لقد تلاحظ للقيادة العامة للقوات المسلحة ولجهازي المخابرات العامة والحربية، أن مواقع الصواريخ الجديد تدمر أولاً بأول بواسطة الطيران الإسرائيلي. حتى قبل أن يجف الأسمنت المسلح بها، وحودث خسائر جسيمة في الأرواح، وتعطيل في تقدم العمل وإنجاز الخطة التي وضعت لإقامة حائط الصواريخ المضادة للطائرات.

تزامنت الأحداث مع وصول معلومات لرجال المخابرات المصرية. . بوجود عميل “عسكري” قام بتسريب معلومات سرية جداً الى إسرائيل. وبدأ شك مجنون في كل شخص ذي أهمية في القوات المسلحة، وفي مثل هذه الحالات لا يستثنى أحد بالمرة بدءاً من وزير الدفاع.

يقول السفير عيسى سراج الدين سفير مصر في كوبنهاجي، ووكيل وزارة الخارجية بعد ذلك:

“اتسعت دائرة الرقابة التليفزيونية والبريدية لتشمل دولاً كثيرة أخرى، مع رفع نسبة المراجعة والرقابة الى مائة في المائة من الخطابات وغيرها، كل ذلك لمحاولة كشف الكليفية التي تصل بها هذه المعلومات الى الخارج. كما بدأت رقابة قوية وصارمة على حياة وتصرفات كل من تتداول أيديهم هذه المعلومات من القادة، وكانت رقابة لصيقة وكاملة. وقد تبينت طهارتهم ونقاءهم.

ثم أدخل موظفو مكاتبهم في دائرة الرقابة. . ومساعدوهم ومديرو مكاتبهم .. وكل من يحيط بهم مهما صغرت أو كبرت رتبته”.

وفي تلك الأثناء كانت هبة سليم تعيش حياتها بالطول وبالعرض في باريس. وعرفت الخمر والتدخين وعاشت الحياة الاوروبية بكل تفاصيلها. وكانت تشعر في قرارة نفسها بأنها خلقت لتعيش في أوروبا، وتكره مجرد مرور خاطرة سريعة تذكرها بمصريتها.

لقد نزفت عروبتها نزفاً من شرايين حياتها، وتهللت بشراً عندما عرض عليها ضابط الموساد زيارة إسرائيل، فلم تكن لتصدق أبداً أنها مهمة الى هذه الدرجة، ووصفت هي بنفسها تلك الرحلة قائلة: “طائرتان حربيتان رافقتا طائرتي كحارس شرف وتحية لي. وهذه إجراءات تكريمية لا تقدم أبداً إلا لرؤساء وملوك الدول الزائرين، حيث تقوم الطائرات المقاتلة بمرافقة طائرة الضيف حتى مطار الوصول.

وفي مطار تل أبيب كان ينتظرني عدد من الضباط اصطفوا بجوار سيارة ليموزين سوداء تقف أسفل جناح الطائرة، وعندما أدوا التحية العسكرية لي تملكني شعور قوي بالزهو. واستقبلني بمكتبه مائير عاميت رئيس جهاز الموساد ، وأقام لي حفل استقبال ضخماً ضم نخبة من كبار ضباط الموساد على رأسهم مايك هراري الأسطورة (2)، وعندما عرضوا تلبية كل “أوامري”. . طلبت مقابلة جولدا مائير رئيسة الوزراء التي هزمت العرب ومرغت كرامتهم، ووجدت على مدخل مكتبها صفاً من عشرة جنرالات إسرائيليين أدوا لي التحية العسكرية. . وقابلتني مسز مائير ببشاشة ورقة وقدمتني اليهم قائلة: “إن هذه الآنسة قدمت لإسرائيل خدمات أكثر مما قدمتم لها جميعاً مجتمعين”.

وبعد عدة أيام عدت الى باريس. . وكنت لا أصدق أن هذه الجنة “إسرائيل” يتربص بها العرب ليدمروها!!

سفر بلا عودة

وفي القاهرة . . كان البحث لا يزال جارياً على أوسع نطاق، والشكوك تحوم حول الجميع، الى أن اكتشف أحد مراقبي الخطابات الأذكياء “من المخابرات المصرية” خطاباً عادياً مرسلاً الى فتاة مصرية في باريس سطوره تفيض بالعواطف من حبيبها. لكن الذي لفت انتباه المراقب الذكي عبارة كتبها مرسل الخطاب تقولن أنه قام بتركيب إيريال الراديو الذي عنده، ذلك أن عصر إيريال الراديو قد انتهى. إذن .. فالإيريال يخص جهازاً لاسلكياً للإرسال والاستقبال.

وانقلبت الدنيا في جهازي المخابرات الحربية والمخابرات العامة وعند ضباط البوليس الحربي، وتشكلت عدة لجان من أمهر رجال المخابرات، ومع كل لجنة وكيل نيابة ليصدر الأمر القانوني بفتح أي مسكن وتفتيشه. وكانت الأعصاب مشدودة حتى أعلى المستويات في انتظار نتائج اللجان، حتى عثروا على جهاز الإيريال فوق إحدى العمارات.. واتصل الضباط في الحال باللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية وأبلغوه باسم صاحب الشقة. . فقام بإبلاغ الفريق أول أحمد اسماعيل وزير الدفاع “قبل أن يصبح مشيراً” الذي قام بدوره بإبلاغ الرئيس السادات.

حيث تبين أنالشقة تخص المقدم فاروق الفقي، وكان يعمل وقتها مديراً لمكتب أحد القيادات الهامة في الجيش، وكان بحكم موقعه مطلعاً على أدق الأسرار العسكرية، فضلاً عن دوره الحيوي في منظمة سيناء

وكان الضابط الجاسوس أثناء ذلك في مهمة عسكرية بعيداً عن القاهرة.

وعندما اجتمع اللواء فؤاد نصار بقائدالضابط الخائن. . “قيل بعد ذلك أنه ضابط كبير له دور معروف في حرب أكتوبر واشتهر بخلافه مع الرئيس السادات حول الثغرة”. . رفض القائد أن يتصور حدوث خيانة بين أحد ضباط مكتبه. خاصة وأن المقدم فاروق يعمل معه منذ تسع سنوات، بل وقرر أن يستقيل من منصبه إذا ما ظهر أن رئيس مكتبه جاسوس للموساد.

وعندما دخل الخائن الى مكتبه.. كان اللواء حسن عبد الغني نائب مدير المخابرات الحربية ينتظره جالساً خلف مكتبه بوجه صارم وعينين قاسيتين فارتجف رعباً وقد جحظت عيناه وقال في الحال “هو أنت عرفتوا؟؟”.

وعندما ألقى القبض عليه استقال قائده على الفور، ولزم بيته حزيناً على خيانة فاروق والمعلومات الثمينة التي قدمها للعدو.

وفي التحقيق اعترف الضابط الخائن تفصيلياً بأن خطيبته جندته بعد قضاء ليلة حمراء معها .. وأنه رغم إطلاعه على أسرار عسكرية كثيرة إلا أنه لم يكن يعلم أنها ستفيد العدو.

وعند تفتيش شقته أمكن العثور على جهاز اللاسلكي المتطور الذي يبث من خلاله رسائله، وكذا جهاز الراديو ونوتة الشفرة، والحبر السري الذي كان بزجاجة دواء للسعال. ضبطت أيضاً عدة صفحات تشكل مسودة بمعلومات هامة جداً معدة للبث، ووجدت خرائط عسكرية بالغة السرية لأحشاء الجيش المصري وشرايينه، تضم مواقع القواعد الجوية والممرات والرادارات والصواريخ ومرابص الدفاعات الهامة.

وفي سرية تامة . . قدم سريعاً للمحاكمة العسكرية التي أدانته بالإعدام رمياً بالرصاص.. واستولى عليه ندم شديد عندما أخبروه بأنه تسبب في مقتل العديد من العسكريين من زملائه من جراء الغارات الاسرائيلية. وأخذوه في جولة ليرى بعينه نتائج تجسسه. فأبدى استعداده مرات عديدة لأن يقوم بأي عمل يأمرونه به.

ووجدوا – بعد دراسة الأمر بعناية – أن يستفيدوا من المركز الكبير والثقة الكاملة التي يضعها الاسرائيليون في هذا الثنائي. وذلك بأن يستمر في نشاطه كالمعتاد خاصة والفتاة لم تعلم بعد بأمر القبض عليه والحكم بإعدامه.

وفي خطة بارعة من مخابراتنا الحربية، أخذوه الى فيلا محاطة بحراسة مشددة، وبداخلها نخبة من أذكى وألمع رجال المخابرات المصرية تتولى “إدارة” الجاسوس وتوجيهه، وإرسال الرسائل بواسطة جهاز اللاسلكي الذي أحضرته له الفتاة ودربته عليه. وكانت المعلومات التي ترسل هي بالطبع من صنع المخابرات الحربية، وتم توظيفها بدقة متناهية في تحقيق المخطط للخداع، حيث كانت حرب أكتوبر قد اقتربت، وهذه هي إحدى العمليات الرئيسية للخداع التي ستترتب عليها أمور استراتيجية مهمة بعد ذلك.

لقد كان من الضروري الإبقاء على هبة في باريس والتعامل معها بواسطة الضابط العاشق، واستمر الاتصال معها بعد القبض عليه لمدة شهرين، ولما استشعرت القيادة العامة أن الأمر أخذ كفايته.. وأن القيادة الإسرائيلية قد وثقت بخطة الخداع المصرية وابتلعت الطعم، تقرر استدراج الفتاة الى القاهرة بهدوء.. لكي لا تهرب الى إسرائيل إذا ما اكتشف أمر خطيبها المعتقل.

وفي اجتماع موسع.. وضعت خطة القبض على هبة. . وعهد الى اللواء حسن عبد الغني ومعه ضابط آخر بالتوجه الى ليبيا لمقابلة والدها في طرابلس حيث كان يشغل وظيفة كبيرة هناك. وعرفاه على شخصيتهما وشرحا له أن ابنته هبة التي تدرس في باريس تورطت في عملية اختطاف طائرة مع منظمة فلسطينية، وأن الشرطة الفرنسية على وشك القبض عليها . . وما يهم هو ضرورة هروبها من فرنسا لعدم توريطها، ولمنع الزج باسم مصر في مثل هذه العمليات الارهابية. وطلبا منه أن يساعدهما بأن يطلبها للحضور لرؤيته حيث أنه مصاب بذبحة صدرية.

أرسل الوالد برقية عاجلة لابنته. . فجاء ردها سريعاً ببرقية تطلب منه أن يغادر طرابلس الى باريس. . حيث إنها حجزت له في أكبر المستشفيات هناك وأنها ستنتظره بسيارة إسعاف في المطار. . وأن جميع الترتيبات للمحافظة على صحته قد تم اتخاذها.

ولكي لا تترك المخابرات المصرية ثغرة واحدة قد تكشف الخطة بأكملها. . فقد تم إبلاغ السلطات الليبية بالقصة الحقيقية، فتعاونت بإخلاص مع الضابطين من أجل اعتقال الجاسوسة المصرية. وتم حجز غرفة في مستشفى طرابلس وإفهام الأطباء المسؤولين مهمتهم وما سيقومون به بالضبط.

وبعدما أرسل والدها رداً بعدم استطاعته السفر الى باريس لصعوبة حالته. . صح ما توقعه الضابطان، إذ حضر شخصان من باريس للتأكد من صحة البرقية وخطورة المرض، وسارت الخطة كما هو مرسوم لها، وذهب الاسرائيليان الى المستشفى وتأكدا من الخبر، فاتصلا في الحال بالفتاة التي ركبت الطائرة الليبية في اليوم التالي الى طرابلس. وعلى سلم الطائرة عندما نزلت هبة عدة درجات كان الضابطان المصريان في انتظارها، وصحباها الى حيث تقف الطائرة المصرية على بعد عدة أمتار من الطائرة الليبية. . فسألتهما:

إحنا رايحين فين؟

فرد أحدهما:

المقدم فاروق عايز يشوفك.

فقالت:

هو فين؟.

فقال لها:

في القاهرة.

صمتت برهة ثم سألت:

أمال إنتم مين؟

فقال اللواء حسن عبد الغني:

إحنا المخابرات المصرية.

وعندما أوشكت أن تسقط على الأرض.. أمسكا بها وحملاها حملاً الى الطائرة التي أقلعت في الحال، بعد أن تأخرت ساعة عن موعد إقلاعها في انتظار الطائرة القادمة من باريس بالهدية الغالية.

لقد تعاونت شرطة المطار الليببي في تأمين انتقال الفتاة لعدة أمتار حيث تقف الطائرة المصرية. .وذلك تحسباً من وجود مراقب أو أكثر صاحب الفتاة في رحلتها بالطائرة من باريس.. قد يقدم على قتل الفتاة قبل أن تكشف أسرار علاقتها بالموساد.

وبلا شك. . فاعتقال الفتاة بهذا الأسلوب الماهر جعلها تتساءل عن القيمة الحقيقية للوهم الذي عاشته مع الإسرائيليين. فقد تأكدت أنهم غير قادرين على حمايتها أو إنقاذها من حبل المشنقة. وهذا ما جعلها تعترف بكل شيء بسهولة بالتفصيل. . منذ أن بدأ التحقيق معها في الطائرة بعد إقلاعها مباشرة. وبعد أيام قليلة من اعتقالها تبين لها وللجميع عجز الإسرائيليين عن حماية إسرائيل نفسها وعدم قدرتهم على إنقاذها.

فقد جاءت حرب أكتوبر وتدمير خط بارليف بمثابة الصدمة التي أذهلت أمريكا قبل إسرائيل. فالخداع المصري كان على أعلى مستوى من الدقة والذكاء. وكانت الضربة صائبة غذ أربكت العدو أشلته. . لولا المدد العسكري الأمريكي.. والأسلحة المتطورة.. والصواريخ السرية. . والمعونات. . وإرسال الطيارين والفنيين الأمريكان كمتطوعين .

لقد خسرت إسرائيل في ذلك الوقت من المعركة حوالي مائتي طائرة حربية. ولم تكن تلك الخسارة تهم القيادة الاسرائيلية بقدر ما خسرته من طيارين ذوي كفاءة عالية قتلوا في طائراتهم، أو انهارت أعصاب بعضهم ولم يعودوا صالحين للقتال. ولقد سبب سقوط الطائرات الاسرائيلية بالعشرات حالة من الرعب بعد عدة أيام من بدء المعركة. . الى أن وصلت المعونات الامريكية لإسرائيل في شكل طيارين وفنيين ووسائل إعاقة وتشويش حديثة.

لا أحد يعرف

تبخرت أوهام الجاسوسة هبة سليم. . وأيقنت أنها كانت ضحية الوهم الذي سيطر على فكرها وسرى بشرايينها لمدة طويلة للدرجة التي ظنت أنها تعيش الواقع من خلاله. . لكن.. ها هي الحقائق تتضح بلا رتوش أو أكاذيب.

لقد حكم عليها بالإعدام شنقاً بعد محاكمة منصفة اعترفت صراحة أمامها بجريمتها.. وأبدت ندماً كبيراً على خيانتها. وتقدمت بالتماس لرئيس الجمهورية لتخفيف العقوبة ولكن التماسها رفض.

وكانت تعيش أحلك أيامها بالسجن تنتظر تنفيذ الحكم. . عندما وصل هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي – اليهودي الديانة – لمقابلة الرئيس السادات في أسوان في أول زيارة له الى مصر بعد حرب أكتوبر.. وحملته جولدا مائير رسالة الى السادات ترجوه تخفيف الحكم على الفتاة. ومن المؤكد أن كيسنجر كان على استعداد لوضع ثقله كله وثقل دولته خلف هذا الطلب. وتنبه الرئيس السادات الذي يعلم بتفاصيل التحقيقات مع الفتاة وصدور الحكم بإعدامها.. الى أنها ستصبح مشكلة كبيرة في طريق السلام. فنظر الى كيسنجر قائلاً: “تخفيف حكم؟ .. ولكنها أعدمت.. !!”.

دهش كيسنجر وسأل الرئيس: “متى.. ؟”

ودون أن ينظر لمدير المخابرات الحربية قال السادات كلمة واحدة: “النهاردة”.

وفعلاً .. تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً في هبة سليم في اليوم نفسه في أحد سجون القاهرة.

أما الضابط العاشق – المقدم فاروق عبد الحميد الفقي – فقد استقال قائده من منصبه لأنه اعتبر نفسه مسؤولاً عنه بالكامل.

وعندما طلبت منه القيادة العامة سحب استقالته، رفض بشدة وأمام إصرار القيادة على ضرورة سحب استقالته.. خاصة والحرب وشيكة. .اشترط القائد للموافقة على ذلك أن يقوم هو بتنفيذ حكم الإعدام في الضابط الخائن. ولما كان هذا الشرط لا يتفق والتقاليد العسكرية. .وما يتبع في مثل هذه الأحوال. . فقد رفع طلبه الى وزير الدفاع “الحربية” الذي عرض الأمر على الرئيس السادات “القائد الأعلى للقوات المسلحة” فوافق فوراً ودون تردد.

وعندما جاء وقت تنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص في الضابط الخائن. . لا أحد يعرف ماذا كان شعور قائده وهو يتقدم ببطء. . يسترجع في شريط سريع تسع سنوات مرت عليهما في مكتب واحد. . تسع سنوات كان بعضها في سواد الليل. . وبعضها تتلألأ خلاله ومضات الأمل قادمة من بعيد. . الأمل في الانتصار على اليهود الخنازير القتلة السفاحين.. وبينما كان يخطط لحرب أكتوبر كان بمكتبه هذا الخائن الذي باع الوطن والأمن وقتل بخيانته أبرياء..

لا أحد يعرف ماذا قال القائد له. . وماذا كان رد الضابط عليه. . لا أحد يعرف.

هل طلب منه أن ينطق بالشهادتين، وأن يطلب المغفرة من الله؟. . . لا أحد يعرف.

لكن المؤكد أنه أخرج مسدسه من جرابه. . وصوبه على رأس الضابط وأطلق طلقتني عليه كما تقضي التعليمات العسكرية في حالة إعدام

جولدا مائير .. امرأة من بقايا خيبر!! 

علي محمد الغريب

هي امرأة من بقايا خيبر، وبني قريظة، وبني النضير، كرهت كلّ ما هو إسلامي، وكلّ ما هو نوراني، وأبت عليها طبيعتها النكدة، الميَّالة إلى الشر دائماً، إلا أن تكون كخفافيش الظلام، لا تهنأ بضياء، ولا تذعن إلى حق، ولا تركن إلى مكرمة تعارف النَّاس عليها!
منتهى طموحها حيث يرتع الخراب والدمار، تبهجها رؤية الدماء، وتنعشها رائحة الموت!
تلكم أم إسرائيل الحديثة، كما تعورف عليها عند الغربيين، أو الزعيمة الصهيونية “جولدا مائير” زعيمة حزب العمل الإسرائيلي، ورئيسة الحكومة الإسرائيلية في الفترة من 1969 وحتى 1974م.
ولدت جولدا مائير في الثالث من مايو عام 1898م لأبوين يهوديين، بمدينة “كييف” بروسيا، وكان أبوها نجاراً بسيطاً اضطرته الحاجة ومتطلبات الحياة إلى السفر إلى أمريكا عام 1903م، للبحث عن عمل يتكسب منه ويكفل للأسرة في روسيا حياة كريمة.
استقرَّ الأب في مدينة “ميلواكي” بولاية “ويس كونسن”، وبعد فترة من العمل اضطر إلى استدعاء الأسرة للإقامة معه، فالزوجة لم تعد تستطع مواجهة الحياة وحدها، والقيام بواجبات الأطفال، فانتقلت الأسرة كلها إلى “ميلواكي” عام 1906م.
التحقت الطفلة جولدا مائير بإحدى المدارس الابتدائية في “ميلواكي”، وكانت دراستها الثانوية في المدينة نفسها، وأثناء المرحلة الثانوية بدأت تظهر عليها ملامح وعلامات الشخصية القوية الفاعلة المؤثرة في الآخرين، فاستطاعت النفاذ إلى قلوب زميلاتها، ونجحت في جعلهن يلتففن حولها ويجعلنها مستشارتهن الخاصة!
تخرجت جولدا مائير في معهد المعلمات بـ”ميلواكي” وعملت في التدريس العام بالمدينة نفسها، وأثناء هذه الفترة انضمت إلى إحدى الجماعات الصهيونية النشطة، ومن خلال تواجدها في هذه الجماعة تعرفت على زوجها “موريس ميرسون” الذي كان من الأعضاء البارزين في الحركة، ومن المنظِّرين لها.. كانت العلاقة بينهما تكاملية، فهو يسعى إلى التنظير والتقعيد، بينما هي تسعى إلى إحياء هذه النظريات على أرض الواقع!
في عام 1917م تمَّ زواج “جولدا” من “ميرسون” ذلك الرجل الهادئ، صاحب النظريات، الذي كان ينقاد غالباً إليها وينزل على آرائها، واستطاعت هي  ـ بفضل حنكتها وتسلطها وطبيعة “ميرسون” الهادئة الميَّالة إلى التأمل ـ أن تقنعه بالسفر إلى فلسطين، بالرغم من رؤيته الخاصة بعدم جدوى السفر؛ إلا أنَّه كان يؤثر عدم الجدال معها، فهو قد عرفها قبل أن يتزوجها، وربما كان توثبها الدائم وقفزها على الأحلام من الأمور التي رغَّبته في الزواج منها برغم اختلافه معها في كثير من الأمور!
بعد وصولها وزوجها “ميرسون” إلى فلسطين، وقيام دولة إسرائيل، انخرطت هي في العمل العام، وأصبحت ناشطة معروفة، يعهد إليها بالأعمال المهمة، بينما زوجها خفتت عنه الأضواء؛ نظراً لطبيعته الخاصة، التي لم تجعله يحظى بالحضور الاجتماعي كزوجته.
أنجبت جولدا مائير ولداً وبنتاً، طوَّعت حياتهما ليسيرا معها في ركاب دعوتها، واستطاعت أن تعوضهما عن غيابها من حياتهما، فقد كانا فرحين بأمهما، واستطاعت هي أن تغرس بداخلها قناعة خاصة، مفادها أنَّها ليست امرأة عادية، وأنهما ليسا ولديين عاديين، فأمهما تسعى لبناء دولة، وهذا أوْلى من مكوثها إلى جوارهما.
زادت المهام وتتابعت الأعباء، وكلما تتابعت المسؤوليات اتسعت الهوة بين الزوجين، وكان كل منهما ينزع إلى عالمه الخاص، حتى جاء اليوم الذي غابت فيه جولدا ـ أو كادت ـ عن حياة موريس، ولم تعد تملك أن تمنحه من وقتها وعاطفتها وفكره، ما يجب على المرأة أن تمنحه لزوجها، وشعر هو بذلك، فكان الانفصال عام 1945م، وهو انفصال مبني على قناعات مسبقة عند الطرفين، وكان من توصيات جولدا لميرسون أثناء الانفصال أنهما لا بد أن يظلا صديقين، وأن يعملا سوياً لرفعة إسرائيل وتثبيت أركان الدولة.
 انطلقت مائير تبشِّر بالدولة الجديدة، وتعمل بهمة عالية، وحرية أكثر، وراحت تسعى لتذليل كل العقبات أمام المستوطنين القادمين من بقاع الأرض، فتقول في مذكراتها عنهم: “كان الرواد الأوائل من حركة العمل الصهيوني هم المؤمنين الوحيدين الذين يستطيعون تحويل تلك المستنقعات أو السبخات إلى أرض مروية صالحة للزراعة، فقد كانوا على استعداد دائم للتضحية والعمل مهما كان الثمن مادياً أو معنوياً”.
في الوقت نفسه كانت تدرك أنَّ التعبئة المعنوية وحدها لا تبني ولا تعمر، ولا بدَّ من تقديم الأسباب المادية، فتقول في موضع آخر من المذكرات نفسها: “لقد كانت فلسطين هي السبب، لقد كنت شغوفة بشرح طبيعة الحياة في إسرائيل لليهود القادمين، وأوضح لهم كيف استطعت التغلب على الصعاب التي واجهتني عندما دخلت فلسطين لأول مرة، ولكن حسب خبرتي المريرة التي مارستها، كنت أعتبر أنَّ الكلام عن الأوضاع وكيفية مجابهتها نوع من الوعظ أو الدعاية، وتبقى الحقيقة المجرَّدة؛ هي وجوب إقامة المهاجرين وممارستهم للحياة عملياً. لم تكن الدولة الإسرائيلية قد أنشئت بعد، ولم تكن هناك وزارة تعنى بشؤون المهاجرين الجدد، ولا حتى من يقوم على مساعدتنا لتعلم اللغة العبرية، أو إيجاد مكان للسكن، لقد كان علينا الاعتماد على أنفسنا، ومجابهة أي طارئ بروح بطولية مسؤولة”.
لقد أعمى حلم إقامة الدولة عيون جولدا مائير عمَّا سواه من حقائق، فآمنت ـ إيماناً منحرفاً ـ وأقنعت الكثيرين بأنَّ فلسطين لهم، وبأنَّ العرب ليسوا موجودين أصلاً، وإن كانت لهم بقايا أو ظلال؛ فهي أضعف من أن تصمد أمام الزحف الصهيوني العنيد، وهناك قصة معروفة قيلت خلال اجتماعها بعدد من الكتاب الإسرائيليين عام 1970م، حينما عرض عليها كاتب بولندي انطباعه عن فلسطين بعد زيارته لها قائلاً: “العروس جميلة ولكن لديها عريس” فأجابته بغطرسة: “وأنا أشكر الله كل ليلة؛ لأنَّ العريس كان ضعيفاً، وكان من الممكن أخذ العروس منه”! ويحملها طموحها الجموح ونظرتها التوسعية أقصاهما حين وقفت على شاطيء خليج العقبة وأخذت تستنشق الهواء وتقول: “إني أشم رائحة أجدادي في خيبر”.
عاشت مائير حياتها وسط أجواء صاخبة، محشودة بالعداوات والصداقات، فبقدر ما كسبت مؤيدين متعصبين لها؛ كسبت معارضين ناصبوها العداء، حتى من بني جلدتها، وخصوصاً أصحاب خندق السلام! ومن بين هؤلاء الكاتب الإسرائيلي “بوعز أبل باوم” الذي أعدَّ دراسة تحمل عنوان “دليل رؤساء حكومات إسرائيل” يصف فيها جولدا مائير بأنَّها كانت منافقة، تجيد التلون كالحرباء، ويقول إنَّها بوقوفها ضد السلام أدت إلى اندلاع حرب أكتوبر التي راح ضحيتها 2600 شاب إسرائيلي، ورغم أنَّ الملك حسين حذَّرها قبل اندلاع الحرب بثلاثة أيام؛ إلا أنَّها تجاهلت تحذيراته، إضافة إلى أنَّ فترة حكمها اتسمت بالجمود ورفضت أية مبادرة للسلام، فقد كانت امرأة متصلبة فظَّة، تفتقر للمرونة وتميل إلى الوحشية، فحينما كانت تمر في طرقات وزارة الخارجية، وتلقي تحية الصباح باللكنة الأمريكية الثقيلة، تجد جميع العاملين وقد فروا للاختفاء في غرفهم هرباً منها.
 ويضيف المؤلف قائلاً: إنه على الرغم من أن جولدا كانت تتصف بالبلاهة في بعض الأحيان, وتخلط بين ما هو مسموح وما هو ممنوع, غير أنها تظل واحدة من ثلاثة رؤساء وزراء تمتعوا بالكاريزما (الآخران هما بن غوريون وبيغين) وخطبها السياسية كانت تجذب المستمعين, ومعظمها كانت خطبا عدوانية شرسة, وقد وصفها بن غوريون بأنها الرجل الوحيد في الحكومة الإسرائيلية”!
وفي عام 1978م هلكت جولدا مائير عن ثمانين عاماً، قضتها في صراع مع الحق! فقد كانت طيلة حياتها المديدة تخشى المستقبل وترهب المجهول، وكانت تنظر إلى الأطفال الفلسطينيين على أنهم بذور شقاء الشعب الإسرائيلي، فكانت تقول: “كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلاً فلسطينياً واحداً على قيد الحياة”.
وهي نظرة ثاقبة من امرأة كهذه، فهي تعي أنَّ أطفال اليوم هم قنابل الغد، ولا سبيل لإفساد مفعول هذه القنابل إلا بوأد هؤلاء الأطفال، وكيف لها أن تئد كلّ هؤلاء الأطفال وأرحام الأمهات مصانع لا تتوقف عن التفريخ.. معادلة صعبة؟!
ماتت جولدا مائير، ولم يتحقق حلمها، ماتت وليتها تعود لترى أجيالاً جديدة من الأطفال ورثت الثأر، وآمنت بأنَّ ذرَّة التراب في فلسطين أقدس من أي مكان في الأرض عدا مكة والمدينة.
ماتت وما علمت أنَّ العجائز في الريف الهندي، والريف العربي، والريف الأفريقي، يهدهدن الأحفاد على أناشيد الجهاد، وتلقينهم دروساً في أنَّ الكرامة ووفاء الحق لله تعالى يستوجب استعادة الحقوق المسلوبة، وإنزال العقوبة بالمغتصب.
ماتت جولدا مائير ولم يمت أطفال فلسطين، ماتت واتسعت رقعة الأطفال الذين ملؤوا المعمورة يطالبون بحقهم في أرض فلسطين.
هل نكتفي بأننا وعينا الدرس وعلَّمناه أولادنا، هل نقنع عند هذا الحد وفقط؟ هذا وحده لا يكفي، وخذوا الحكمة من جولدا إذ تقول: “أخبرت اليهود في جميع أنحاء أمريكا أنَّ الدولة الإسرائيلية لن تدوم بالتصفيق ولا بالدموع ولا بالخطابات أو التصريحات، إنما يجب أن توفر عنصر الوقت لبنائها، قلت في عشرات المقابلات: لن نستطيع الاستمرار دون مساعدتكم، فيجب أن تشاركنا بمسؤولياتكم في تحمل الصعاب والمشاكل والمشقات، صمموا على المساعدة وأعطوني قراركم، لقد أجابوا بقلوبهم وأرواحهم بأنهم سيضحون بكل شيء في سبيل إنقاذ الوطن”!!

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech