Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

سلسله قاده عظماء - 3- تشانج كاي شيك

أعداد – احمد فتحي( أحمد يبجوفيتش )

من القادة العسكريين لجمهورية الصين

شيانج كاي شيك أو تشانغ كاي شيك بالصينية 蔣中正، بالإنجليزية Chiang Kai-shek) ولد في 31 أكتوبر 1887 وتوفي في 5 أبريل 1975 قائد سياسي وعسكري صينى تولى رئاسة حزب الكومنتانج الوطني بعد وفاة صن يات سين عام 1925 وقاد الحكومة الوطنية لجمهورية الصين من عام 1928 لعام 1975 وقاد (حملة الشمال) لتوحيد الصين ضد أمراء الحرب والتي أدت لأن يصبح رئيس جمهورية الصين عام 1928

تنقل تشانغ ما بين الصين واليابان على مدى سنوات عديدة تلقى خلالها تدريبه العسكري وشحذ فكره السياسي. وفي عام 1911 تولى -بوصفه معاوناً لسن- قيادة أحد الأفواج في الثورة التي قادت إلى إقامة جمهورية الصين عام 1912. وعلى مدى العقد التالى قسّم شيانج وقته ما بين محاربة الأعداء في الصين ومواصلة تعليمه العسكري وطلب المساعدات المالية لبلاده. وعند عودته إلى الصين عام 1924 تولى إدارة اكاديمية وامبو العسكرية التابعة للحزب الوطني حيث تهيأت له الفرصة للتأثير في الضباط الصغار وتوسيع قاعدة قوته المتنامية

بوفاة سون عام 1925 تولى شيانج قيادة التحالف الثورى الاتحادى وبدأ خططاً لاقتلاع اخر اباطرة الحرب الذين كانوا لايزالون معارضين للحكومة المركزية وفي عام 1926 نظم شيانج ثمانى فرق لمحاربة المتزعمين للمعارضة في شمال ووسط الصين وقام في غضون العام الأول من (الحملة الشمالية) بتطهير التحالف من الشيوعيين وكان الكثير منهم أعضاء في الحزب منذ تأسيسه, وفي العام التالى تزوج من سونج ماي لنج (Soong Ching-ling) فزاد نفوذه بارتباطه بهذه العائلة الثرية والواسعة النفوذ وتولى منصب رئيس الحكومة الوطنية وحكم الصين الموحدة. بحلول أوائل الثلاثينات كانت المعارضة الوحيدة الباقية في وجه شيانج هم الشيوعيين بقيادة ماو تسي تونغ وقد كانت عملياته الأولى ضد الجيش الأحمر الشيوعى ناجحة مما أجبرهم على الانسحاب فيما يُعرف بالمسيرة الطويلة وفى تلك في الفترة التي شهدت مقدمات الحرب العالمية الثانية تجاهل شيانج في البداية الغزو اليابانى لمنشوريا الصينية وواصل هجومه ضد الشيوعيين حتى 12 ديسمبر 1936 عندما اختطفه الشيوعيين في أثناء زيارته لمدينة زيان (Xi'an) وكان من شروط إطلاق سراحه موافقته على تشكيل جبهة موحدة مع الشيوعيين ضد اليابانيين.

بدأت الحرب الموحدة ضد اليابان في 7 يوليو 1937 ونتج عنها خسارة شيانج لمعظم أراضى البلاد لصالح العدو ولكنه اسهم مع ماو تسي تونغ في المجهود الحربى الذي ترتب عليه بقاء عدد كبير من القوات اليابانية داخل الصين ولم يتح لهذه القوات المشاركة ضد قوات الحلفاء في المحيط الهادى التي كانت تقوم بحملات خاطفة ضد الجزر اليابانية وقد استغل كلاً من شيانج وماو تسي تونغ المساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية لبناء احتياطى التسليح والذخيرة واستعداداً لحرب المستقبل و بانتهاء \الحرب علت مكانة شيانج الدولية

كانت أطماع اليابان في الصين من العوامل “التقليدية” للسياسة الوحيدة التي تصدت للجيش اليابان هي مقاومة “غير رسمية” في شانغهاي خاصة (1932). وأشعلت هذه المقاومة الشعور القومي لدى الفئات الدولية في الشرق الأقصى. وفي نهاية 1931 بدأت اليابان هجومها في الشمال الشرقي (مندشوريا) وخلق “دولة ماتشوكو” المصطنعة. إن المقاومة الفعلي.

 

البرجوازية الصغرى في المدن التي بدأت تتساءل عن مدى “وطنية حكومة تشانغ كاي شيك، وفي 1933 تابعت اليابان زحفها حتى احتلت خمسة مقاطعات وحاولت إقامة دولة أخرى تجمعها.

موقف تشانغ كاي شيك

 

كان تشانغ يسجل مواقف الاستسلام والخيانة الواحدة تلوى الأخرى. فخلال الإحتلال لم يحرك قطعة عسكرية واحدة لصد الهجوم. وحافظ على علاقات سرية مع الإمبريالية اليابانية. وفي 1933 وافق على منطقة منزوعة السلاح بينه ودولة ماتشوكو وبالتالي اعترف ضمنيا بكيان تلك الدولة العميلة. وفي سنة 1935 أبرم معاهدة سرية مع اليابان تنص على اعتبار الصين الشمالية محايدة وتعهد تشانغ بقمع أي عمل أو قول معاد لليابان ( !). كان تشانغ يعرف أنه عاجز تماما عن تحقيق النصر على الجيش الياباني. وكان شعاره “التوحيد ثم المقاومة” أي ضرورة تصفية الشيوعيين قبل محاربة اليابان.

 

كان “الرأي العام” الصيني يدخل في مرحلة جديدة ستؤدي به إلى وعي عمق أزمة المجتمع الصيني وعجز الحكومة عن حلها. كان تشانغ في السلطة منذ حوالي عشر سنوات، وقد كان حكمه ديكتاتورية فردية مطلقة مقرونة بفوضى وتجزؤ البلاد (شيوعية وأمراء الحرب). وكانت الطبقات الوسطى قد ملت من ديماغوجية تشانغ خاصة أنها رأت أن الحياة الدستورية التي وعدها بها تشانغ ستبقى حبرا على ورق. وزد على ذلك أن في 1935 كان 70% من الرأسمال في الصين ملكا لأربع عائلات كبرى تسيطر على المصارف وبالتالي على الإقتصاد القومي. وكان هذا الاحتكار الكبير ينحصر في عائلة تشانغ (والتي كانت لها عدة وزارات في الحكومة.

 

خلاصة القول أن تشانغ كان معزولا سياسيا وحتى الطبقات الوسطى بدأت تبتعد عنه.

 

إن العامل الحاسم لعزل تشانغ كان الغزو الياباني. فكانت الأمة تتساءل حول أفضل وأسرع طريقة لصد الهجوم الياباني. ولم يستطع تشانغ أن يقنعها بضرورة تصفية الشيوعيين في البداية. وفي 1931 ونتيجة لتقاعس الحكومة الصينية نشأت حركة وطنية برجوازية صغيرة في المدن استطاعت بعد 5 سنوات تأسيس “اتحاد الخلاص القومي” وكانت هذه الحركة تنتقد الحكومة وتطالبها بإيقاف الحرب الأهلية وتوحيد جهود كل الأمة في سبيل مقاومة اليابان. (وكان المطلبين الأخيرين مأخوذين عن الحزب الشيوعي.

موقف الحزب الشيوعي

 

في 1931 أعلن الحزب الشيوعي الحرب على اليابان. لكن هذا الإعلان كان مجرد تسجيل موقف وفي بداية 1933 اقترح الحزب الاتفاق مع “أية قوة مسلحة” في الصين على أساس بعض الشروط (توقيف الأعمال العسكرية ضد الجمهورية السوفييتية، الديموقراطية) وكانت هذه “الجبهة المتحدة من تحت” أو “الجبهة المتحدة في القاعدة” تتفق وسياسة الأممية الشيوعية من حيث رفضها التحالف مع البورجوازية وحتى مع الإشتراكية-الديموقراطية وبالفعل فقد شدد الحزب على رفض تشانغ كاي تشيك في “الجبهة الوطنية الثورية المتحدة” (أنظر ماو، المجلد 1، ص223، تكتيك مناهضة الإمبريالية اليابانية –سنة 1935). وقد لاقت هذه السياسة تجاوبا. فقامت تحالفات عسكرية بين الجيش الأحمر وقواعد الكومينتانغ الوطنية في عدة مناسبات (أنظر ماو –مجلد 3- حول الحكومة الائتلافية- ص282-287) ما يهمنا في هذا الطرح محافظة الحزب على استقلاله التام وخوضه أعمالا عسكرية مشتركة مع ديموقراطيين وطنيين.

 

في 1936 غيرت الأممية الشيوعية سياستها مرة أخرى. فمن الطفولية اليسارية (مغامرة، عصبوية، رفض كل أشكال التحالف مع أي حزب) انتقلت إلى الانتهازية اليمينية )التحالف مع البورجوازية القومية والصغيرة على أساس برنامج بورجوازي صغير، سياسة “الجبهة الشعبية”) وفي صيف 1936 بدأ الحزب الشيوعي الصيني يطرح “الجبهة المتحدة من فوق” أي “في القمة” وكان هذا التحالف يفرض التعاون مع تشانغ كاي تشيك خلافا للصيغة السابقة مما كان يفترض تخلي الحزب الشيوعي عن هيمنته على “الجبهة المتحدة”.

 

في نهاية 1936 أوقفت قوات الكومينتانغ هجمتها ضد الشيوعيين. إزاء هذا الوضع طلب سفير اليابان من تشانغ أن يعاقب ضباطه “المتخاذلين” (أي الذين لا يتهجموا على الشيوعيين). وكان رد تشانغ بأن العمل سيؤدي إلى انضمام جنوده إلى الجيش الأحمر. وفي أوائل ديسمبر (كانون الأول) شن تشانغ “حملة إبادة” سادسة وجاء إلى مدينة شيآن ليترأس الحملة لكن الجنرال الوطني في شيآن اعتقل تشانغ وطلب من الحزب الشيوعي ماذا يجب أن يفعل… كان رد ماو وشو آن لاي أن تصفية تشانغ الجسدية ستساعد على نشوء شعبية وطنية عارمة. لكن توجهات موسكو جاءت معاكسة(9) وانتهت المفاوضات الثلاثية (الجنرال، تشانغ، الحزب الشيوعي) بتعهد تشانغ (حتى دون توقيع أية وثيقة) بالالتزام بمطالب الجنرال (توقيف الحرب الأهلية، ديموقراطية، كونغراس قومي).

معاهدة 1937

 

ومن الطبيعي أن هذا الإتفاق الكلامي تحت الضغط لم يكن لينفذ إلى شيء ملموس على المدى القريب فطالت المحادثات بين الكومنتانغ والشيوعيين من حادثة شيآن (أواخر 1936) حتى سبتمبر (أيلول) 1938 –وكانت هذه المحادثات تارة سرية وتارة علنية. كان الشيوعيون قد حددوا موقفهم في رسالة من لجنتهم المركزية إلى الكومنتانغ (انظروا –مجلد 1- ص11 ع الملاحظة 7 من “مهمات الحزب الشيوعي الصيني في مرحلة مقاومة اليابان”). كانت تنازلات الحزب الشيوعي عديدة: خضوع المناطق التي يسيطر عليها الشيوعيين لسلطة الحكومة المركزية، خضوع الجيش الأحمر للجيش الحكومي توقيف الإصلاح  الزراعي. وكان رد تشانغ كاي تشيك: دمج الجيش الأحمر في الجيش الوطني، دمج الإدارة “الحمراء” في الإدارة المركزية، توقيف الدعاية الشيوعية، تبني “مبادئ الشعب الثلاثة”ن رفض مبدأ الصراع الطبقي. لكن كلا الطرفين رفض برنامج لآخر.

 

ومما لا شك فيه أن المحادثات كان يمكنها أن تطول لولا أن شنت اليابان هجوما جديدا من جهة وإبرام اتفاقية عدم –اعتداء بين تشانغ والاتحاد السوفييتي في غشت (آب) 1938 من جهة أخرى. ولم يمض شهر بعد إبرام هذه المعاهدة حتى ثم الإتفاق بين الكومنتانغ والحزب الشيوعي. وكان البرنامج حدد ثلاثة أهداف (تحرير واستقلال وسيادة وطنية، ديموقراطية ومجلس وطني تأسيسي، تحسين الوضع الإقتصادي للجماهير) مقابل تنازلات من قبل الحزب الشيوعي (تبني مبادئ الشعب الثلاثة، الامتناع عن الإطاحة بالكومينتانغ والامتناع عن السياسة “السوفييتية” وعن مصادرة الأراضي، أي توقيف الإصلاح الزراعي “الحكومة السوفييتية” في سبيل توحيد النظام السياسي للبلاد، حل الجيش الأحمر وإعادة تنظيمه في جيش وطني تابع للرقابة المباشرة للحكومة القومية).

 

لكنه من الخطأ اعتبار هذه المعاهدة تعكس العلاقة بين الكومنتانغ والشيوعيين طوال “مرحلة حرب المقاومة ضد اليابان” (1937-1945) فسنرى في ما بعد مدى التزام الطرفين ببنودها.

 

ولكن يمكننا أن نلاحظ وهمية هذا التحالف منذ 1937-1938 إذ كانت محاور سياسة الحزب الشيوعية: التأكيد على تعبئة كل الأمة ومشاركة الجماهير في الحرب الثورية من خلال تنظيمها وتسليحها، وحدة الجيش والشعب المقرونة بالديموقراطية داخل الجيش الأحمر، كسر ديكتاتورية الكومنتانغ أي “إصلاح النظام السياسي” وأخيرا التشديد على “استقلالية الحزب الشيوعي والسياسة والأيديولوجية والتنظيمية” لا بل على “دوره الطليعي النموذجي” في الحرب الوطنية الثورية. (أنظر ماو –مجلد 2- “النضال في سبيل تعبئة كافة القوى لإحراز النصر في حرب المقاومة”. ص29. “المهمات العاجلة عقب إقامة التعاون بين الكومنتانغ والحزب الشيوعي”. “دور الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الوطنية”. مسالة الاستقلال وحرية التصرف في الجبهة المتحدة –ص291). وذلك عائد إلى تجربة 1927 الدموية.

 

ومع ذلك كانت معاهدة 1937 أكبر خدمة قدمها الشيوعيون إلى تشانغ كاي تشيك حيث برز هذا الأخير كشخصية تسهر على مصلحة البلاد بكل إخلاص. فظهر تشانغ كشخص يضع أمته فوق أية مصلحة سياسية أخرى. وكانت هذه المعاهدة خير غطاء لسياسته اللاوطنية.


 

الغزو الياباني الثاني

 

امتد الغزو الياباني من صيف 1937 على خريف 1938 وأدى إلى احتلال خمس مقاطعات شمالية. ويمكننا أن نقول أن 1939 حتى 1944 لم تشهد الصين أية معركة كبرى (حرب مواقع) بين تشانغ والجيش الياباني(10). هذا وكان الجيش الغازي يحتل الشمال والوسط والساحل حتى كانتون في الجنوب (بالقرب من فيتنام !). وكانت كل المدن والمرافئ الكبرى والمنشآت الصناعية والتجارية والمناطق الكثيفة بالسكان إذن تحت الاحتلال الياباني.

 

وإثر دخول الولايات المتحدة في الحرب (عام 1941) ارتسمت ملامح مستقبل الحرب في ذهن تشانغ: لا يستطيع الكومنتانغ أو الشيوعيين أو الاثنين معا القضاء على النير الإمبريالي الياباني. لن يحرر الصين إلا انهيار اليابان الحتمي في الحرب العالمية. على الكومنتانغ إذن أن يهيئ نفسه للسيطرة على كل الصين بعد تحررها، أي الاستعداد لتصفية الشيوعيين. وهكذا كانت الأعمال العسكرية الوحيدة التي خاضها تشانغ خلال “حرب مقاومة اليابان” تهدف إلى محاربة الشيوعيين.(11)

تشانغ والشيوعيون

 

بدأت الاشتباكات الأولى بين قوات الكومنتانغ والقوات الشيوعية في نهاية 1938 في الشمال. وازداد عدد الاشتباكات وامتدت رقعت الصدام إلى الشرق والجنوب. كانت هذه الاشتباكات تشمل أحيانا عدة آلاف مقاتل وتميزت بشراستها ووحشيتها. وفي صيف 1939 شن تشانغ كاي تشيك حملته الكبيرة ضد الشيوعيين والتي كانت تهدف إلى تدمير جهازهم المدني والعسكري (إغلاق مكاتب عسكرية، تطهير الإدارة الحكومية والجيش من المتعاطفين مع الشيوعيين، احتلال بلديات شيوعية) وإلى محاصرة الحزب الشيوعي حصارا مستمرا على جميع الأصعدة (حصار اقتصادي صارم، منع الصحافة الشيوعية، قطع المعونة المالية عن جيش الشيوعيين، التصدي لكل محاولة شيوعية تهدف إلى تغلغل الحزب أو توسعه خارج مناطقه(12).

 

لكن أهم حادثة عسكرية هي دون شك “حادثة جنوبي آنخوي” في بداية عام 1941. وخلاصة الحادثة أن 70 ألف جندي من الكومنتانغ نصبوا كمينا لتسعة آلاف مقاتل شيوعي وذهب ضحية هذه الخيانة ألف جندي من الجيش الأحمر. (أنظر ماو. مجلد 2. ص639″. أمر وتصريح بشأن حادثة جنوبي آنخوي”). وعادت الأمور إلى مجراها الطبيعي حتى 1944 حيث توترت العلاقات من جديد بين الحزبين.

خــوض الجيــش الأحــمر للحــرب

 

في بداية 1939 بدأ الحزب الشيوعي الحرب الوطنية الثورية دون أية مساعدة من الإتحاد السوفييتي. ولا نستطيع التكتم عن هذه الحرب الشعبية التي كانت رائعة من حيث فعاليتها العسكرية وتماسكها الداخلي وتنظيمها وثباتها. وكانت هذه العمليات أفضل دعاية للحزب الشيوعي وسط الفلاحين، خاصة أنه كان الطرف الصيني الوحيد الذي كان يخوض معارك ضد الإمبريالية اليابانية. ومن جهة أخرى كانت معاملة الشيوعيين للفلاحين مختلفة تماما على معاملة جيش الحكومة لهم. كان الهدف الأساسي (ولم نقل الوحيد) للجيش الأحمر هدفا سياسيا: “تعبئة الجماهير، تثقيفها، تسليحها، تدريبها، تربيتها” (لكن توسع الحزب الشيوعي كان يتم على حساب الإدارة الحكومية أكثر مما كانت يتم على حساب الإدارة الموالية لليابان. وهذا ما كان يرعب تشانغ. فسلطة الحكومة المركزية على جيش الشيوعيين (كما نصت عنها معاهدة 1937) كانت سلطة وهمية تماما. فكل تأكيدات ماوتسي تونغ حول أن “الحزب يوجه البنادق” هي البرهان القاطع على وهم “التحالف” بين جيش البورجوازية والجيش الأحمر. لكن الحرب التي خاضها الجيش الأحمر بقيت على مستوى حرب الأنصار ولن تتطور إلى حرب نظامية (قواعد ارتكاز مناورات) إلا في مرحلة الحرب الأهلية. ولذا كانت فعالية الجيش الأحمر تجاه اليابان محدودة (وليست معدومة) ولكنها كانت كبيرة تجاه الجيش الصيني الموالي لليابان (حوالي مليون قتيل وجريح).

 

نرى إذن أن الجيش الأحمر عام 1945 كان مستعدا للحرب الأهلية: العلاقة الوثيقة بالجماهير (نظاميين، أنصار، ميليشيا)، الدروس العسكرية (تكتيك حرب العصابات(، كوادر سياسية وعسكرية صلبة، وخاصة قيادة سياسية ذات تجربة غنية.

“المنــاطق المحــررة”

 

كما أكد الشيوعيون على خضوع الجيش للحزب الشيوعي (وليس للكومينتانغ) فقد رأوا أنفسهم يؤكدون على قيادة البروليتاريا “الجبهة المتحدة”. فتمسكهم بمعاهدة 1937 كان شكليا تماما (“جبهة متحدة”. مجلس لمنطقة الحدود”. “مجالس” في القرى. اكتفاء الشيوعيين بثلث المقاعد). فالسلطة الفعلية المحلية على جميع الأصعدة هي في يد الحزب الشيوعي دون غيره.

 

لكن علينا ألا يكون لدينا أوهام حول “الديموقراطية ” السائدة في “المناطق الحمراء”. فإذا كانت الديموقراطية موجودة في حدود القرية والمقاطعات الصغرى فإنها غائبة تماما على صعيد الهيئات العليا، “فمجلس منطقة الحدود” لم يجتمع إلا ثلاث مرات طوال سنوات الحرب التسع.(13)

 

ونلاحظ أن ماو قد شدد على استقلالية الحزب التامة (خلافا للمعاهدة) منذ 1938 لكي يحدد مجرى سياسة الحزب منذ البداية: “دور الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الوطنية” (1938) وخاصة “مسألة الاستقلال وحرية التصرف في الجبهة المتحدة” (1938) وأيضا “الثورة الصينية والحزب الشيوعي الصيني” (1939)…الخفي فترة المقاومة ضد اليابان تميزت سياسة الحزب الشيوعي الاقتصادية باعتدالها. فالإصلاح الزراعي اقتصر على تخفيض الريع العقاري (بنسبة 25% ) وتطبيق القوانين السائدة (التي كانت البورجوازية الريفية تتخطاها باستمرار) أما مصادرة الأملاك فانحصرت منذ صيف 1937 بحلفاء اليابان. وعلى صعيد البورجوازية الصغيرة عرفت “المنطقة الشيوعية” ازدهارا للحوانيت (التي تضاعف عددها 4 مرات بفترة 6 سنوات) وللإنتاج الحرفي (نسيج، ورقن ملح الخ). وكان هذا الإعتدال ينم عن حاجات “المناطق الشيوعية” لمنتوجات الفلاحين الأغنياء والبورجوازية الصغيرة. فكان الحزب مضطرا “لتجميد الصراع الطبقي” مقابل تأمين حاجات السكان ودعمهم السياسي والمادي.

 

من الواضح تماما أن مرحلة 1937-1945 كانت أهم مرحلة في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني. ففي هذه المرحلة ارتفع عدد أعضاء الحزب من 40 ألف عضو إلى 1200 ألف. وكان تركيب التنظيم الداخلي يتميز بالنسبة للمرحلة وكان ترتيب التنظيم الداخلي يتميز بالنسبة للمراحل السابقة بأهمية المثقفين. فبروز الحزب كالمناضل الوحيد في سبيل تحرير الأمة الصينية أدى إلى جذب قطاعات واسعة من المثقفين. ولكن هذه الدفعة من المناضلين قد أضاعت في الحزب تجانسه التنظيمي والسياسي. فكان هدف حركة التصحيح التي امتدت من 1941 إلى 1943 تكوين هذا الجيل الجديد وأعادت للحزب تماسكه وانضباطه. لكن كان لهذه “الحركة” وجه آخر وهو تثبيت سلطة ماوتسي تونغ على الحزب من خلال تطهير 7% من أعضاء الحزب. (أنظر ماو. مجلد 2. “فلنصحح دراستنا”. “فلنقوم أسلوب الحزب”. “ضد القوالب الجامدة في الحزب”). وهناك حدث آخر يلفت النظر في المؤتمر السابع للحزب الشيوعي وهو “قرار متعلق بعدة مسائل من تاريخ حزبنا” صادر في أبريل (نيسان) 1945. فوفق الأساليب الستالينية التقليدية يحدد هذا القرار تاريخ الحزب حسب مصلحة قيادة الحزب وقتذاك. وفي هذا “التاريخ الرسمي” كانت أعمال ماو تسي تونغ مبرزة وشخصيته ممجدة، فأهمية هذه الوثيقة هي أنها أول مظهر “لعبادة الفرد”.

 

انتهت الحرب على مشهد عجيب. رغم كل سياسته الرجعية ضد الشيوعيين والوطنيين ورغم موقفه المتخاذل وحتى المحايد تجاه اليابان، رغم الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، كانت كل الجهات الشعبية والدولية (باستثناء الشيوعيين طبعا) تعتبر تشانغ كاي تشيك المسؤول عن تحرر الصين بوصفه رئيس الجيش والدولة. فتحالفه مع الشيوعيين أعد له كل رصيده.

 

أما الحزب الشيوعي فكان الطرف الوطني الوحيد الذي ناضل عسكريا ضد اليابان. لكنه قد انتقل، بالنسبة للقوى البورجوازية، من تحالفات تكتيكية عسكرية مع القوات الوطنية، تحالفات للقيام بهدف محدد ولا تفترض أي تنازل برنامجي من قبله إلى تحالفات استراتيجية مع تشانغ تفترض جملة تنازلات. وقد كرست هذه التنازلات كما رأينا في مهزلة معاهدة 1937 (مهزلة إذ أن عمليات تشانغ الوحيدة كانت لضرب الحزب الشيوعي).

 

لكن هذا التحالف إن كان فعليا من حيث تنازلات الشيوعيين، فإنه لم يؤد إلى سحقهم من قبل البورجوازية ولم يلتزم الحزب الشيوعي بسلطة الكومنتانغ السياسية العسكرية. فتأكيده على قيادة الطبقة العاملة (“بواسطة حزبها” وذلك لغيابها هي عن الساحة) لـ”الجبهة المتحدة” وخاصة ممارسته لهذه القيادة سمحا له بالاستمرار ومن ثم بالحفاظ على وجوده المستقل (وبالتالي إمكانية الانتصار)، رغم هذا التحالف الانتهازي الذي أدى إلى خنق الثورة في بلدان أخرى (فرنسا، إيطاليا في 1945). وذلك راجع إلى حد كبير إلى أن الصينيين قد استفادوا من دروس تجربتهم المريرة عام 1927، والتي هي أفضل دليل على انتحارية الإستراتيجية الستالينية. وتبرز في هذا سمة مميزة لقيادة الحزب الشيوعي الصيني وهي الازدواجية ما بين ممارستها التجريبية وتبريراتها النظرية لهذه الممارسة، تبريرات مستمدة من التراث الستاليني الذي لم تتخلص منه قط.

4 الحــرب الأهلــية

 

تمتد المرحلة الأولى من “الحرب الأهلية الثورية الثالثة” من غشت (آب) 1945 إلى مارس (آذار) 1947 وكانت مرحلة المفاوضات رغم أنها عرفت عددا كبيرا من الاشتباكات ذات الطابع المحدد جغرافيا، كانت أهم مسألة عسكرية في 1945 الإستيلاء على المعدات العسكرية الضخمة للجيش الياباني. وفي هذا السباق كان النصر لتشانغ بسبب المساعدات العسكرية الأمريكية (نقلت له جوا نصف مليون جندي بفترة شهرين !) من ناحية وموقف الإتحاد السوفييتي الانتهازي من ناحية أخرى: ففي غشت (آب) 1945، في النهار نفسه الذي نصب فيه الحلفاء تشانغ السلطة الشرعية الوحيدة على الصين أبرم الإتحاد السوفييتي ميثاق تحالف صيني-سوفييتي هو بمثابة اعتراف بشرعية حكومة تشانغ دون غيرها على الصين. ومن ناحية أخرى كان الإتحاد السوفييتي يحتل مندشوريا في الشمال الشرقي. فنقل داخل بلاده كل البنية التحتية الصناعية (قيمتها 900 مليون دولار) وأخر انسحابه 5 أشهر مستجيبا لطلب تشانغ الذي لم يكن بعد مستعدا لاحتلال مندشوريا. لكن إذا لم يساعد الإتحاد السوفييتي الشيوعيين الصينيين فإنه لم يعرقل توسعهم الجغرافي في مندشوريا: هذه هي المساعدة الوحيدة التي تلقاها الحزب الشيوعي الصيني من الجيش الأحمر السوفييتي. لكن ماو لم يستطيع أن يحقق أربه: احتلال العاصمة بيكين ومدن الشمال الكبرى. فمرة أخرى لم يكن غياب الحزب الشيوعي في المدن ناتجا عن ارادته أو تنظيره بل فرضت الأحداث عليه وضعه. وكانت حصة الأسد على الصعيد العسكري لجيش تشانغ (زاد عدد جيشه بنسبة 66% وحصل على 500 طائرة).

المســاعي السلـمية

 

كانت المفاوضات بين تشانغ والحزب الشيوعي قد بدأت منذ عدة سنوات، وفي 1945 رغم عملية نزع سلاح الجيش الياباني، كانت هذه المفاوضات تتم على أعلى مستويات (تشانغ وماوتسي تونغ). وخاصة أن مبعوث الولايات المتحدة كان يشدد على الإسراع بهذه المفاوضات. لكن المفاوضات باءت إلى الفشل. في 1937 كانت الجبهة تجد مبد~يا مبرر وجودها بضرورة مقاومة اليابان. ورغم هذا لم تكن اتفاقية 1937 الى حد كبير سوى حبرا على ورق. أما في 1945 فالجبهة موجهة ضد من؟ ولأي سبب يريد بعض الحزب الشيوعي المحا فضة على “مناطقه المحررة” وجيشه؟” كان فشل هذه إذن أمرا حتميا: كانت في البلاد آنذاك قوتان سياسيتان وعسكريتان. حزب شيوعي قوي وممركز يسيطر على الشمال وحزب “بورجوازي-إقطاعي” متعفن وضعيف داخليا رغم المساعدات الأمريكية (بلغ سعر دفعة واحدة من المعونة الأمريكية مليار دولار). فما هي مصلحتهما المشتركة لتأليف “حكومة ائتلافية”؟ وكان الخلاف بدور حول تتابع مراحل الإتفاق. فالشيوعيون لا يريدون أبدا تكرار تجربة 1927 وبالتالي كانوا يطالبون بتأليف حكومة ائتلافية (سلطة تنفيذية) تدعو مجلسا قوميا (سلطة تشريعية) وأخيرا ينفذ وقف إطلاق النار (الوضع العسكري). أما تشانغ فكان يريد العملية بشكل معكوس.

 

من الواضح تماما أن الحزب الشيوعي قد قرر استكمال الثورة الصينية في القسم الثاني من 1946، وهناك دلائل أكيدة على هذا القول: أولا البدء بإصلاح زراعي جذري شبيه بإصلاح مرحلة جيانغشي (المرحلة “السوفييتية” اليسارية) في صيف 1946، إعادة تسمية الجيش “جيش التحرير الشعبي” في يونيو (تموز)، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عاد شوآن لاي، رئيس الوفد الشيوعي في المفاوضات، إلى “المناطق المحررة” وفي نفس الشهر تشبت الشيوعيون بمقترحات كان من الواضح أن تشانغ لا يستطيع أن يقبلها. وانتهت المحادثات في بداية مارس (آذار) 1948.

انتصار جيش التحرير الشعبي

 

من المستحيل تحديد الحرب الأهلية من حيث المكان والزمان، كل ما يمكن أن يقال أن الاشتباكات أخذت طابعا مكثفا ومدروسا (حرب موقع، محاصرة وإبادة) لأول مرة في الشمال (على منتصف الطريق بين بيكين وشنغهاي).

 

عرفت الحرب الأهلية كالمعتاد ثلاثة مراحل. في صيف 1947 كان زمام الأمور في يد القوات الحكومية ونتيجة تفوقها (من حيث العدد والمعدات) قد احتلت مساحات واسعة في شمال مندشوريا. ولم يستطع الشيوعيون سوى التراجع من المدن إلى الريف، قائمين بعمليات تدمير للعدو بينما كان تشانغ يمتد ويتمركز في المدن وعلى طرق المواصلات. تمركز الشيوعيون في القرى وبدأوا حرب العصابات ضد القوات العدوة المبعثرة والمشتتة. وفي نهاية 1948 كان الشيوعيون يمسكون بزمام المبادرة في مندشوريا ومقاطعتين في الصين الشمالية.

 

لكن السنة الحاسمة التي ستقرر مصير الحرب والصين ستكون 1948. بدأت المعارك في الهونان حيث استطاع الجيش الأحمر احتلال بعض المدن (وأعاد بالتالي علاقته مع البروليتاريا المدينية بعد 20 سنة). لكن المعركة الحاسمة يمت أولا في مندشوريا حيث احتل الجيش الأحمر تحت قيادة لين بياو كل مندشوريا بأقل من شهرين، وثانيا في هوياي-هاي (نوفمبر (تشرين الثاني) 1948-يناير (كانون الثاني) 1949). وخلاصة القول أن خلال أربعة أشهر فقد تشانغ مليون جندي والقسم الأكبر من معداته العسكرية يناير-مارس (كانون الثاني-آذار) 1949 تابع الجيش الأحمر زحفه نحو الجنوب. في أول نوفمبر (تشرين الثاني) 1949 أعلن ماو تسي تونغ تأسيس جمهورية الصين الشعبية من بيكين.


 

أسباب الانتصار

 

من الواضح أن الانتصار العسكري لا يرجع بالنسبة للماركسيين إلى عوامل عسكرية تكنيكية فقط بقدر ما يعود إلى أسباب سياسية واجتماعية. فحتى تركيب الجيش الأحمر وتكتيكه العسكري وحياته الداخلية الخ تعود إلى أسباب سياسية وإيديولوجية في التحليل الأخير. ونذكر بإيجاز أهم هذه العوامل العسكرية التي أدت إلى الانتصار الساحق: وحدة القيادة العليا وبالتالي استمرارها وخبرتها الطويلة. استراتيجية الحرب الثورية الشعبية. صلابة المقاتل الفردي… فكل هذه العوامل تعود إلى قيادة الحزب الشيوعي للثورة وإلى تأصله في الجماهير وتنظيمها وتسليحها ورفع مستوى وعيها السياسي. وعلينا أن نأخذ بعين الإعتبار أن الجيش الحكومي كان على عكس الجيش الأحمر من جميع النواحي (صراعات داخلية مستمرة، مرتزقة الخ).

 

إن حجر الزاوية في إنتصار “جيش التحرير الشعبي” بفترة سنتين هو الإصلاح الزراعي الجذري الذي قام به الحزب الشيوعي والذي كان الفلاحون الفقراء يطالبون به منذ فترة معينة. لكن جذرية هذه الثورة الزراعية كانت تتلاءم والمناطق حسب “قدم” أو حداثة”تحررها. ففي المناطق التي كانت تحت سيطرة الشيوعيين منذ عدة سنوات كان الإصلاح جذريا منذ بدايته. أما في المناطق “الحديثة” التحرير كان هدف الحزب أن يحوز على دعم الفلاحين من خلال تخفيض المحاصصات (أنضر ماو، مجلد 4، دار ابن سينا، ص77-1945) وكل المصادر الرسمية والغربية تؤكد على أن الفلاحين الفقراء كانوا يصرون على مصادرة أراضي الملاكين العقاريين والأراضي العامة. وأتى قرار ماي (أيار) 1946 ليطلق مبادرة هؤلاء الفلاحين من المنطقة المحررة قديما. وفي 1947 انعقدت “كونفرانس زراعية” عبرت عن احتداد الصراع الطبقي في الأرياف، وكانت قراراتها تنص بكل وضوح على مصادرة أراضي الملاكين العقاريين وأدوات إنتاجهم وحتى مصادرة الفلاحين الأغنياء الزائدة. (بظرف سنة واحدة وزعت الأراضي على ربع سكان الصين). ومن الطبيعي أن جذرية الثورة الزراعية هذه أدت إلى تخطي الحدود التي رسمها الحزب الشيوعي للفلاحين. وكل كتابات ماوتسي تونغ في هذه الفترة تظهر الفرق بين ماو “تقرير خونان” في 1927 (الذي يدعوا لقيادة الشيوعيين للثورة الفلاحية) وماو 1948 الذي يدعو إلى “الإعتدال”. (نفس المصدر، “حول بعض المسائل الهامة من مسائل سياسة الحزب الراهنة”، تكتيكات مختلفة لتطبيق القانون الزراعي في مناطق مختلفة”، “صححوا أخطاء الانحراف “اليساري” في الدعاية للإصلاح الزراعي”، “نقاط أساسية في الإصلاح الزراعي في المناطق المحررة الجديدة”، “المسائل التكتيكية من مسائل العمل الريفي في المناطق المحررة”، “عمل الإصلاح الزراعي وتوطيد الحزب لعام 1948″).

 

تكمن أهمية الإصلاح الزراعي ليس في تأمينها قاعدة فلاحية للحزب فحسب بل أيضا في كونها من الأسباب المباشرة للانتصار العسكري: التحاق الفلاحين بالجيش الأحمر. وهكذا لا نستغرب أن الإصلاح الزراعي أتى باكرا وجذريا في مندشوريا حيث انطلق الهجوم المضاد الشيوعي.

 

يشكل الإصلاح الزراعي الجذري الميزة الأساسية الوحيدة لسياسة الحزب الشيوعي في تلك الفترة. فعلى الأصعدة الأخرى لا تزال سياسة الحزب نفسها. فكان موقفه من الصناعيين والتجار يقول “بتطوير الإنتاج” وبضرورة التعاون بين العمال والرأسمال (“بصدد السياسة الصناعية (زمنها الطائرات والمدرعات)، وبعد فترة من “الاقتراحات السلمية” من من والتجارية 1948″). وأخيرا على صعيد المسألة القومية لا يزال الحزب يركز على تحرير الأمة الصينية وتوحيدها، مع هذا الفرق أن الإمبريالية الأمريكية حلت محل الإمبريالية اليابانية.

5  دينامية الثورة الصينية

الثورة الصينية والثورة العالمية

 

إن الثورة الصينية جزء لا يتجزأ من الثورة الإشتراكية العالمية. وانتصار الثورة البروليتارية في الصين هو انتصار للجماهير الكادحة في العالم الرأسمالي أجمع. إلا أنه من الخطأ اعتبار هذه الثورة نتاج الأوضاع الصينية فقط وأنها لا تفسر إلا انطلاقا من الخصوصيات القومية دون غيرها.

 

يبرز تحليل الثورة الصينية من منظور عالمي عاملين حاسمين في تاريخها: الأول تاريخي والثاني ظرفي. العامل الأول هو الثورة البلشفية ومن ثم الإتحاد السوفييتي كدولة عمالية متدهورة بيروقراطيا. وسنعود إلى هذه المسألة في ما بعد عند كلامنا عن الحزب الشيوعي الصيني. أما العامل الثاني فهو المد الثوري العالمي الذي شهدته نهاية الحرب العالمية الثانية: الطبقة العاملة في أوروبا الغربية، الجيش الأحمر في أوروبا الشرقية، “نضال” برجوازية المستعمرات المحدود، واخيرا الكفاح ——– تخوضه بعض الأحزاب الستالينية، ومن بين هذه العناصر ——-الحاسم صعود الطبقة العاملة في أوروبا الغربية. فكان العمال المسلحون في فرنسا وإيطاليا يسيطرون على الوضع، وأتى تحالف البيروقراطية الستالينية والإمبريالية الأمريكية لإيقاف العملية الثورية. إلا أن تمركز القوات الأمريكية في أوروبا سمح بوجود حلقات ضعيفة (كوريا، يوغوسلافيا الخ) ومنها الصين حيث انتصرت الثورة بأقل من سنتين دون أن تستطيع الولايات المتحدة التدخل بشكل مباشر بهدف منع ربع الإنسانية من الانضمام إلى “المعسكر الإشتراكي”.

الثورة الزراعية الإشتراكية

 

تشكل الزراعة في الصين اكثر المسائل تعقيدا بسبب انعدام التجانس في الريف الصيني نتيجة دخول الرأسمال إليها بشكل متباين حسب المناطق. وزد على ذلك عدد الدراسات المحدود وأحيانا تعارضها من حيث المعلومات.

 

ولا نهدف في نطاق هذه الفقرة إلى تحليل الوضع الزراعي حتى بخطوط عريضة. كل ما نبغيه البحث عن ديناميكية الثورة الصينية في فترة 1947-1948 الحاسمة. فما هي خصائص الريف الشمالي حيث انطلقت الثورة الزراعية التي تشكل العنصر الحاسم لفهم ديناميكية الثورة الإشتراكية الصينية قبيل انتصارها.

 

إن أهم مميزات الريف الشمالي هي: من جهة ندرة الملاكين العقاريين الكبار حيث يملك أغناهم بعض الهكتارات (حوالي 7 هكتارات كمعدل واستثنائيا 10 هكتارات) ومن جهة أخرى تفتت الأراضي بشكل أن أكثر من نصف الفلاحين يملكون الأراضي التي يفلحونها.

 

في قمة الهرم الإجتماعي في الريف طبقة فريدة من نوعها نسميها طبقة الملاكين العقاريين رغم أن التسمية لا تعبر أبدا عن سمات هذه الطبقة التي تجمع بين الملكية والثقافة والسلطة السياسية المحلية. والدور الذي يلعبه أعضاء هذه الطبقة متعدد: مالك عقاري يشغل عنده فلاحين، موظف في الإدارة المحلية، تاجر حبوب وبالتالي محتكر، وأخيرا مرابي (تؤمن هذه الطبقة 80%  من التسليفات)، لكن الطبقة ككل وليس كأفراد تجمع بين جميع هذه الوظائف. ويجدر الذكر أن في الشمال كانت هذه الطبقة تحتل موقعا بيروقراطيا مدنيا وعسكريا في المقام الأول.

 

هناك نوعان من الفلاحين: الفلاح المؤاكر الذي يعمل على ارض المالك العقاري ويتلقى مقابل عمله الريع العقاري (أوالمحاصصة) التي تبلغ نسبتها 50% من الإنتاج نتيجة الضغط السكاني على الأرض. أما الفلاح المالك الصغير فيعمل على أرضه ويدفع الضريبة العقارية الفاحشة للبيروقراطي المحلي. ولكن أغلبية الفلاحين مزارعون ومالكون في آن واحد بينما نجد فقط 20% من المزارعين لا يملكون أرضا.

 

أما بالنسبة للشمال الشرقي (مندشوريا) فقد تميز بكثافة سكانية مرتفعة جدا وبيروقراطية مدنية وعسكرية تملك أراض شاسعة نسبة الى الريف الصيني.

 

هذا جانب من الموضوع. أما الجانب الآخر فهو متعلق بارتباط الريف بالإمبريالية. فالرأسمالية في البلدان المتخلفة تنمو دون القضاء على الإقطاعية بل بالعكس بالتدخل فيها. فتتخذ الرأسمالية بالتالي أشكالا هجينة تبقى السيطرة الرأسمال التجاري المرابي. وتقوم الإمبريالية الأجنبية بتحويل الشريحة العليا (الشبه إقطاعية-الشبه برجوازية) من الريف الى أداة لسيطرتها الخاصة. ومن ناحية أخرى أدى تغلغل الإقتصاد النقدي الرأسمالي إلى الأرياف إلى ربط الشرائح الريفية الغنية بالرأسمال الوطني والغربي. فكان الملاكون يعيشون في المدن تاركين إدارة أراضيهم إلى وكيل.

 

إن غياب فئة متميزة من الإقطاعيين من جهة وارتباط الملاكين العقاريين والفلاحين الأغنياء برأسمال المدن من جهة أخرى يجعلان من الثورة الزراعية في الصين ثورة اشتراكية معادية للرأسمالية وليست معادية للإقطاع (بما أن هذه الطبقة غير موجودة)، وفي الشمال كما في مندشوريا (الشمال الشرقي) لابد لحركة الفلاحين أن تصطدم بالسلطة البيروقراطية العسكرية-المدنية. فالثورة الزراعية تفترض تنظيم الفلاحين بشكل مستقل وفرض ديكتاتوريتهم الثورة على “البورجوازية” الريفية.

 

لكن الفلاحين بقواهم الذاتية لا يستطيعون حل المسألة الزراعية. باستطاعة الفلاحين أن يعوا لمصيرهم ولكن ما ينقصهم هو القطيعة النهائية مع “المجتمع القديم” وإيجاد الحل بالنسبة للمشاكل اللمطروحة، أي “البديل العملي”. فعرفت الصين نفسها في القرن التاسع عشر حركة فلاحية ثورية استمرت عدة سنوات وكان برنامجها قوميا واجتماعيا. وألام انتهت؟ أدت الى إقامة إمبراطورية أخرى وسحقت بمساعدة الإمبريالية نظرا لسوء تنظيمها.

 

بالنسبة للينين وتروتسكي، لا يمكن للفلاح إلا أن يتبع البورجوازي أو البروليتاري. ودون الحزب الشيوعي الثوري لن تتوصل أية حركة فلاحية ثورية الى تحقيق مآربها. فقد أمن الحزب الشيوعي الصيني، بوصفه حزبا سياسيا عالميا، للحركة الفلاحية الوعي السياسي والتنظيم (الجماهيري والعسكري) وتماسكها الداخلي وأخيرا الآفاق السياسية.

مسار الشيوعيين الصينيين

 

جذبت الثورة البلشفية بعض الشباب المثقف الصيني نحو الماركسية بوصفها أداة فعالة لإخراج المجتمع الصيني من تخلفه. وكون التراث الماركسي (ناهيك عن التراث البلشفي) باللغة الصينية محدود جدا (ترجم البيان الشيوعي في 1920) والطبقة العاملة حديثة النشأة، كان على الأممية الشيوعية أن تساعد هؤلاء المثقفين لكي يبنوا الطليعة الثورية للطبقة العاملة الصينية على الصعيدين النظري والعملي. لكن هذا الارتباط الوثيق بموسكو أدى أولا إلى انتقال الحزب الشيوعي الصيني من اللينينية إلى الستالينية بكل سهولة وثانيا إلى ضرورة تحميل الأممية الشيوعية (تحت قيادة ستالين وبوخارين) كل مسؤولية إخفاق ثورة 1925-1972 [1927].

 

أجبر ستالين وبوخارين الشيوعيين الصينيين على تبني مقولات منشفية (ضرورة مرحلة النمو الرأسمالي –التحالف الإستراتيجي مع البورجوازية أي الذيلية لها) لا بل مقولات أكثر يمينية من المنشفية (انخراط الشيوعيين في حزب بورجوازي، حزب الطبقات الأربع، العلاقة بين الكومنتانغ والأممية الشيوعية). وخلال عشرة سنوات سار الحزب الشيوعي الصيني على طريق الفشل المستمر. لكن الشيوعيين الصينيين بدأوا، في منتصف الثلاثينات، يسيرون على خط نوعا ما مستقل نتيجة لانحسار تأثير موسكو عليهم وتبلور القيادة الماوية في اللجنة المركزية والعامل المهم في ذلك هو هزيمة الثورة الصينية الثانية. ولكن هذه الاستقلالية كانت محدودة بسبب ستالينية الحزب الشيوعي: يقول دويتشر (“الثورة غير المنتهية”) أن الحزب الشيوعي عاش في الريف، معزولا ومنغلقا على نفسه ولم يعرف بالتالي ما عرفه الحزب البلشفي من نقاشات مع مختلف اتجاهات الحركة العمالية والثورية حول المسائل النظرية والعملية للاشتراكية. وخاصة أنه احتفظ بكل المفاهيم الستالينية الإصلاحية وأنه التزم “بكل طقوس العبادة الستالينية”. هذا على الصعيد السياسي-الإيديولوجي. أما على الصعيد التنظيمي فكانت كوادر الحزب كوادر عسكرية وسياسية في الوقت نفسه وكانت حياتهم في أصغر تفاصيلها محكومة بمقتضيات الكفاح المسلح. كان للحزب طابع عسكري من حيث التنظيم والانضباط وطرق التفكير والتسيير اليومي للأمور. وهكذا لم يكن على ماو أن يكافح أية معارضة لينينية-بلشفية كما كان الوضع بالنسبة للحزب البلشفي (قبل أن يتدهور).

 

والسؤال الجوهري الذي ينطرح هو التالي: ما هي العوامل التي دفعت حزبا شيوعيا ستالينيا للقيام بثورة اشتراكية منتصرة واستلام السلطة؟ بينما شهد التاريخ جملة من الأحزاب الستالينية وجدت في وضع ثوري ملائم جدا لكن ستالينيتها منعتها من الإستيلاء على السلطة وأدت إلى تصفيتها.

 

إن العامل الأول هو الوضع المتجزئ للصين شبه المستعمرة (أنظر ماو. مجلد 1. لماذا يمكن أن تبقى السلطة السياسية الحمراء في الصين؟). إن العامل الثاني هو تجربة إخفاق ثورة 1925-1972 [1927]. فأبرزت هذه الثورة الخطر الفعلي الذي يمثله الكومنتانغ وأهمية الفلاحين (بوصفهم القوة الأساسية المحركة للثورة) وأخيرا أهمية التنظيم الشيوعي المسلح المستقل. العامل الثالث هو الظرف الاستثنائي للغاية الذي وجدت فيه الصين والعالم الرأسمالي عند نهاية الحرب العالمية الثانية. فلولا 15 سنة من الإحتلال الياباني وتمركز القوات الأمريكية في أوروبا وأخيرا اهتراء الكومنتانغ وهزالة البورجوازية الصينية لما استطاع جيش فلاحي أن يهزم جيشا برجوازيا مسلحا بعتاد ضخم من الأسلحة المتطورة، بفترة سنتين فقط. وهذا الانتقال الحاسم من الريف إلى المدن (14) كان شبه مستحيل لولا انهيار الكومنتانغ وجهاز الدولة البورجوازية في المدن الكبرى حيث لم يجابه الجيش الأحمر أية مقاومة فعالة، وأخيرا وليس أخرا هناك ضغط الفلاحين الفقراء وثورتهم الزراعية الإشتراكية التي تهدف الى استلام السلطة على الصعيد المحلي وضرب “البورجوازية الريفية”. ولم يكن الحزب الشيوعي في طليعة هذه الثورة بل حاول في بعض الأحيان وبحدود معينة المحافظة على التوازن بين الفلاحين الفقراء وهذه “البورجوازية الريفية”. ولكن ميزة القيادة الستالينية الصينية هي أنها في النهاية قد ركبت الموجة وانطلقت لتصفية الكومنتانغ بينما كانت تطرح التحالف معه منذ عشر سنوات، وهذه هي الخطوة الثورية التي لم تخطها أحزاب ستالينية أخرى.

 

وخلاصة القول ان القيادة الستالينية الصينية وجدت في ظروف تسمح لها باستلام السلطة ومن ناحية أخرى كانت هذه القيادة قد انعتقت عن الذيلية السياسية الفعلية لخط موسكو منذ فترة. فكانت تلتزم دائما بالمفاهيم الستالينية الأساسية على صعيد القول والكتابة –أما على صعيد الممارسة فكانت تحاول أن تجد خطا سياسيا يسمح لها بالاستمرار في الريف، وهكذا لم يتبلور “الخط الماوي” إلا بعد عقدين من الكفاح المسلح الثوري، عبر تراجعات مؤقتة، عبر تعرجات بلمسات عديدة. إن التجربة هي الميزة الأساسية لخط القيادة الستالينية الصينية الثوري.

 

من الواضح إذن أن مسيرة الحزب الشيوعي الصيني أتت نتيجة التأثير المتبادل بين عاملين متناقضين: التراث الستاليني الإصلاحي وسيرورة الثورة الصينية. وينعكس هذا التناقض في عدم التطابق بين كتابات ماوتسي تونغ (والمفاهيم التي تحويها) والمجرى الملموس للثورة الإشتراكية في الصين.

“ديموقراطية جديدة” أم سلطة العمال والفلاحين؟

 

انتصرت الثورة الصينية في 1949 بوصفها ثورة بروليتارية يشكل الفلاحون الفقراء قاعدتها الأساسية وقيادتها حزب ستاليني ذو ممارسة ثورية. أما كوادر هذا الحزب فهم (اجتماعيا) برجوازيون صغار تبنوا الماركسية في طبعتها الستالينية وشكلوا قيادة الثورة الزراعية الإشتراكية التي لم تكن لتنجح لولا توفر قيادة حزب عمالي شيوعي (ولو—-

 

لم تكن ثورة 1949 ثورة ديموقراطية. ولم تكن حكومة ائتلافية (كومينتانغ –شيوعيين –وطنيين ديموقراطيين). ولم يكن نمو الصين بعد 1949 نموا رأسماليا يوفق بين الرأسمال والعمل. ولم تعرف الصين “ديموقراطية شعبية تحت قيادة الطبقة العاملة”.

 

إن الحزب الشيوعي قد استلم السلطة بمفرده أما “حلفاؤه” فهم بمثابة دمى. وكانت سياسة الحزب الشيوعي بعد 1949 (إصلاح زراعي، تأميم تدريجي للصناعة الموجودة، تطوير القوى المنتجة تحت إدارة الدولة العمالية، التخطيط) تؤكد على أن الدولة الصينية دولة عمالية من حيث الجوهر (وان كانت بيروقراطية الشكل).

 

ولكن كل أطروحات ماو هي على الصعيد النظري نسف للتراث الماركسي واللينيني. فبالنسبة للينين ليس ثمة من وسيط بين سلطة العمال والفلاحين (ديكتاتورية الطبقة العاملة المرتكزة على الفلاحين) وسلطة الطبقة البورجوازية وكل من يقول بإمكانية خط ثالث بين الدولة العمالية والدولة البورجوازية، كلل من يقول بإمكانية ديكتاتورية أكثر من طبقة واحدة لم يفهم شيئا من المفهوم الماركسي الثوري للدولة.

 

ومهما كانت السمات البيروقراطية للدولة في الصين (غياب مشاركة الشغيلة عبر مجالس منتخبة تدير الإقتصاد والدولة على الصعيد القومي) فهذا لا يعني أنها رأسمالية دولة كما قد يستنتج البعض من ذلك، إنما دولة عمالية بيروقراطية...

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech