Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

عقيد - مجدي شحاته - بطل الصاعقه- الجزء الثالث - الطريق الي حرب اكتوبر

الطريق إلى حرب أكتوبر:

ولدت في طنطا، جدي عمل مدرسًا وكان شخصية جادة جدًا، شخصية جدي الجادة جعلته ينتقل بين عدد من المحافظات للعمل في شتى أنواع المدارس، حتى وصلت بصحبة والدي وعائلتي إلى القاهرة في توقيت يتزامن مع قيام الثورة، وكان والدي وطنيًا جدًا أو بمعنى أدق كان متطرف الوطنية فتطوع في الحرس الوطني للمساعدة في المقاومة الشعبية، فبدأت أشب على الدنيا وأنا أرى السلاح في منزلنا بشكل طبيعي، ودعم ذلك حديث جدي عن مقاومة المحتل وأفعال أعماله الوطنية مع الفدائيين ضد الإنجليز، وهكذا نشأت في بيت وعائلة وطنية دعمها المد الثوري وحالة الثورة في الوطن خلال تلك الفترة وتررعت في هذا الجو حتى فوجئت بنتائج حرب 1967 وصدمتنا الهزيمة صدمة قاسية وكنت وقتها في الثانوية العامة، وفور انتهاء الامتحانات تقدمت بلا تفكير للكلية الحربية، ووصلت للاختبار النهائي في كشف الهيئة ولم يقدر لي الله القبول في الكلية الحربية وتقدمت للكلية المدنية مرغما عني وفي حالة نفسية سيئة تم قبولي في كلية التربية الرياضية لأنها أقرب لميولي لوجود اثنين من أولاد أعمامي بنفس الكلية، حتى جاء لي صديق يخبرني بأن الكلية الحربية تطلب دفعة استثنائية، فتقدمت سرًا للدفعة الاستثنائية وتم قبولي بعد أن اجتزت كل الاختبارات بنجاح، وبعد قبولي أخبرت والدي وأنا أخشى عدم موافقته، ولكنه سعد جدًا لذلك وباركه.

فور انخراطي للكلية الحربية ظهر تفوقي رغم أني لم أكن متفوقًا دراسيًا عامة في الثانوية العامة، ولكن رغم اهتمامي العام بالدراسة والتدريب العملي وجدت نفسي في ترتيب متقدم من الدفعة، وكانت هذه أول ملاحظة لي في الحياة العسكرية وهي بقدر عطائك بقدر تفوقك وكان ذلك بميزان حساس جدًا وبالفعل كان الترم الدراسي الذي أجتهد فيه أجد نفسي متفوقًا، وعند إحساسي بالتفوق وبالتالي الكسل والاستهتار في ترم آخر أجد نفسي متأخرًا بقدر استهتاري، وكنت أرى زملائي في دفعتي والدفعات السابقة مقياس لهذا التفوق وحتى لو كان الفرق بسيطًا. كيف كان يدار هذا التقييم مع هذا الكم الهائل من الطلبة قبل اختراع الكمبيوتر (الحاسب الآلي)، كان ذلك يدل على إدارة فائقة النجاح وضمير حي كان المجتمع العسكري يتمتع به، وكذلك المجتمع الخارجي، فكانت الرشوة والمحسوبية لا تجد محل لها بالقطر المصري إلا في أضيق الحدود وكان ذلك من العار والعيب الكبير. ونتذكر في ذلك الوقت أن أبناء قادة كبار كانوا زملاء لنا في الوحدات المقاتلة دون أي تمييز ملحوظ كابن اللواء عبد المنعم واصل واللواء الجمل وشقيق رئيس الجمهورية الشهيد عاطف السادات الذي كنت صديقًا له وكان له محبة خاصة لشخصيته الرائعة وليس لأنه شقيق الرئيس. لكنها كانت فتره قاسية وعنيفة جدا داخل الكلية الحربية فالتدريبات متواصلة طوال اليوم وجزء كبير من الليل، فكان الوطن يستعد لحرب قادمة.

وأذكر أنه خلال أول زيارة لي لقريتي بالملابس العسكرية، استقبلني جدي بترحاب وعطف شديد لم أعهده منه من قبل، فقد كان معروفًا عنه الجدية وكانت تلك آخر مرة أقابله وعلمت بعد ذلك أنه كان يدعو لي في صلاته بشكل خاص أثار استغراب جدتي، رحمهما الله.

ومرت بي الأيام وخلال عامي الثاني شاهدت زملائي في السنة النهائية يذهبون إلى فرقة الصاعقة بالكلية ويعودون شخصيات وأشكال مختلفة تمامًا مما أثار استغرابي عما حدث لهم خلال فرقة الصاعقة، ووجدت المدرسين في الكلية يتعاملون مع ضباط الصاعقة باحترام زائد، مما دفعني للرغبة في العمل بقوات الصاعقة فور تخرجي من الكلية الحربية ضمن ضباط الدفعة التي تخرجت آخر عام 1969، وتم ذلك بالفعل نتيجة درجات اللياقة البدنية العالية والترتيب المتقدم، وهناك كانت الحياة مختلفة تماما والتدريبات العنيفة مختلفة وكنت أمضي التدريبات بجدية وأعاون زملائي على تأدية التدريبات، لكن تركيزي الأساسي في التدرب للقتال على الجبهة.

وخلال أيامي الأولى في مدرسة الصاعقة وبينما كنت في مدرج مدرسة الصاعقة في محاضرات نظرية، وقعت غارة جوية إسرائيلية على مقر المدرسة وعلمنا بعد ذلك أن الجاسوس فاروق الفقي لم يخبر إسرائيل فقط بموقع مدرجات مدرسة الصاعقة فقط لكنه أخبرهم بموعد وجود أكبر عدد من الضباط القدامى وضباط الصف والجنود في مناطق تجمعهم وتدريبهم داخل مباني المدرسة لكي يتم الإغارة عليها والانتقام من قوات الصاعقة المصرية التي ظهر تأثير عملياتها ضد العدو الإسرائيلي غرب القناة.

عندما بدأت الغارة كنت قد غادرت المبنى بلحظات أنا ومجموعة من الزملاء سمعت صوت انفجار شديد جدًا علمت بعده أنه كان قنبلة ألف رطل على مكان تجمع أتوبيسات ضباط الصاعقة وكان صوتا رهيبا رغم أن انفجارها يبعد عنا حوالي 400 متر، تلى ذلك قنبلة انفجرت بجوار مبنى قيادة الصاعقة وتحمل المبنى الموجة الانفجارية وظل صامدًا، أما القنبلة الثالثة فقد أصابت عددًا من الأكشاك الخاصة بالشئون الإدارية والمالية لوحدات الصاعقة، كنت لحظتها أجري تجاه تلك الأكشاك وشاهدت الانفجار أمام عيني، وشاهدت أجزاء كثيرة من هذه الأكشاك مع أشلاء الجنود والضباط ترتفع في الهواء وكأنه مشهد سينمائي بالتصوير البطيء، وأصيب اثنان من زملائي كانا بجواري من الشظايا المتناثرة، فبدأت بالركض في الاتجاه المعاكس باتجاه أشجار الزيتون، أحاول التقاط أنفاسي واستيعاب ما الذي يحدث، وكان منظرًا مهولاً، فالكثير من المصابين والشهداء ملقون على الأرض وسط طرق مدرسة الصاعقة والدماء والشظايا اختلطت بالدخان الأسود والنيران.

وبعد ثوان انتهت الغارة وبدأنا في تجميع المصابين لنقلهم للعلاج، ومن المواقف الطريفة وسط هذه الكم من الهلع فقد أصيب أحد أصدقائي بشظية في منطقة القلب مباشرة ولولا ستر الله لمات في الحال إلا أن بضعة جنيهات هي أول مرتب حصل عليه ووضعهم في جيبه الأعلى قد منعوا الشظية من الاستمرار في طريقها وانشق المرتب إلى نصفين وتركت جرح سطحي. كانت تلك الغارة بالمثابة لي تطعيم المعركة، فلأول مرة أرى انفجارات قريبة ودماء ومصابين وأصوات طائرات فانتوم، مما أعطى لنا أول تطعيم معركة ضد قنابل الطائرات القريبة. ويبدو أن الفانتوم كانت تتربص بفرقتنا، فقد مرت فوقنا مرة أثناء تحركنا بالعربات المكشوفة في طريقنا إلى دورية تدريب وعلى ارتفاع منخفض جدًا صم الأذان، وكان يمكن للطيار أن يقتل سرية كاملة تتحرك في عربات مكشوفة لو أطلق عدة طلقات على عرباتنا، لكنه من الواضح أنه لم يلحظ وجودنا واستمر في طريقه تجاه شمال القاهرة، وكانت غارة أبوزعبل المرة الثالثة عند حلوان فوق الجبل، لكن تلك المرة كانت الفانتوم تحتنا ونحن نسير على الجبل فوقها بينما تشق الطائرات طريقها وسط الوديان تجاه القاهرة بهدف إحباط الروح المعنوية للشعب المصري.

خلال فترة الفرقة في مدرسة الصاعقة كنا نتابع العمليات الانتحارية التي تقوم بها قوات الصاعقة خلف خطوط العدو، وكنا نستمع إلى تلك الروايات على شكل حكايات يرويها الضباط، وأذكر بكل خير الملازم أول فتحي عبد الله أحد أبطال عملية رأس العش والذي انتقل للعمل بالمدرسة في إنشاص، والذي روى لنا تفاصيل تلك المعركة عدة مرات. وكنا نتدرب على مبادئ عمل الصاعقة ومبادئ الاشتباك المتلاحم ويومًا بعد يوم تتحول تلك التدريبات إلى الدماء التي تضخ في جسدنا، فقد أصبحت مدربا على تنفيذ تلك التدريبات بدون تفكير وفي أسرع رد فعل. فالصاعقة تبني شخصًا وتبرز الإمكانيات الغير معروفة له وتعزز ثقته في نفسه بشكل كبير، فالثقة والتدريب هي أساس فرد الصاعقة، فمن منا كان يتخيل أن يسير طابور سير لمدة ثلاثين أو أربعين كيلو مترًا في أقصى الظروف؟، لكننا أيقنا أننا يمكننا تنفيذ ذلك طالما وجدنا داخلنا الثقة بالنفس بشكل كبير أو شيء آخر كان تسلل داخلنا وهو ما يعرف بـ(روح الصاعقة).

وبعد فترة من التدريبات العنيفة تخرجنا من مدرسة الصاعقة، وكان يومًا سيئًا جدًا على وبكيت لأول مرة في حياتي، فقد صُدمت عندما تم توزيعي على كتيبة مقرها بالإسكندرية، فقد كانت كل آمالي هي التوجه للجبهة والعبور للمشاركة في حفر الاستنزاف، لكن ماذا أفعل في كتيبة بالإسكندرية؟. صاغرًا للأوامر العسكرية، نفذت النقل إلى الكتيبة 257 بالإسكندرية ضمن عدد كبير من الكتائب التي يتم تشكيلها حديثًا ضمن مجموعات تحت الإنشاء بهدف تضخيم حجم قوات الصاعقة، لكن بعد فترة تم حل تلك المجموعات بعد أن ثبت أن تضخيم قوات الصاعقة يأتي على حساب الكفاءة والتدريب، فتم العودة إلى التشكيل القديم لقوات الصاعقة.

وخلال فترة تواجدي بالكتيبة 257 صاعقة كان التدريب عنيفًا جدًا، فالهدف تشكيل كتائب من البداية وسط نقص في الامكانيات – حيث أن مجموعة الصاعقة وهي عدة كتائب كان لديها سيارة واحدة فقط للقيام بكل مهام الكتيبة من الشئون الإدارية والإعاشة. ولتوضيح مدى النقص الذي كنا نعانيه من الضباط مثلاً، فقد استلمت قيادة سرية صاعقة في الوقت الذي من المفترض أن أبدأ بقيادة فصيلة لفترة ثم أتلقى دورة قادة سرايا للترقي، لكن لم يكن لدينا ضباط لسد العجز في هذا العدد الكبير من الكتائب الجديدة، لكن بعد فترة وصل عدد من الضباط فعدت إلى مكاني الطبيعي كقائد فصيلة.

بعد الفترة تم اختياري للحصول على فرقة دراسية بالقاهرة، وكانت أول مرة منذ تخرجي أترك الكتيبة لمدة طويلة، وبعد وصولي القاهرة بعدة أيام سافرت كتيبتي إلى ليبيا لتأمين مجلس قيادة الثورة الليبية.

وبعد انتهاء الفرقة الدراسية عدت إلى معسكرات الصاعقة بإنشاص لمعرفة وحدتي الجديدة وطلبت أن يتم تعييني في وحدة على الجبهة، وبالفعل تم تعييني في الكتيبة 83 صاعقة، كانت الكتيبة 83 صاعقة مشهورة بتنفيذ عمليات عبور كثيرة منها الكمين المشترك مع وحدة مشاة مصرية شرق القناة والتي اسمتها إسرائيل عملية السبت الحزين لما تكبدت فيه من خسائر بالإضافة إلى أسر أحد أفراد المظلات الإسرائيلية، وكان من أبطال تلك العملية صديق عمري عبد الحميد خليفة، وكان تدريب الكتيبة عاليًا ومعنويات أفرادها عالية، وكان وقتها قائد الكتيبة هو عبد العزيز محمود وتمركزت الكتيبة في منطقة صحراوية بمنطقة القصاصين.

ومضت الأيام في التدريب العنيف بلا كلل أو ملل، وكان الضباط الأقدم لنا خير عون في اجتياز تلك الأيام وأذكر منهم بكل خير رشاد عمران وكان من أوائل من عادوا إلى سيناء بعد النكسة ومعه البطل سمير زيتون وكانوا يعملون على نقل المعلومات إلى القيادة عما يجري في سيناء، وأعطوا القيادة معلومات مهمة جدًا، وكانت خبراتهم في الكتيبة خير عون لي في اكتساب خبراتهم. وكانت الأيام والأسابيع تمر عادية علينا وفي عقلنا شيء واحد هو أننا سنحارب يومًا وأننا نستعد لحرب إن آجلاً أو عاجلاً.

وفي عام 1972 صدرت لنا الأوامر بالسفر إلى ليبيا للعمل في طرابلس بمهمة حماية مجلس قيادة الثورة، فوجدنا عالمًا غريبًا من الرفاهية والأكل والشرب بالإضافة إلى اهتمام من السلطات الليبية على أعلى مستوى. وبدأنا نعمل خطة لتأمين سواحل قاعدة عقبة بن نافع وتدريب الليبيين بالإضافة للتدريب التقليدي لقواتنا، وكانت فترة جيدة أخرجتنا من حالة الانتظار لساعة الحرب. وفي عام 1973 زارنا الفريق أحمد اسماعيل وزير الحربية وقتها قبل أن يترقى لرتبة المشير، واجتمع معنا وألقى خطبة حماسية معتادة من تلك الزيارات وأذكر هنا سؤال من رشاد عمران عن موعد الحرب ورد الفريق أحمد اسماعيل رد دبلوماسي، وطمأنا القائد العام بأن مصر لن تسكت ولن تستمر في حالة اللاسلم واللاحرب.

ترقيت إلى نقيب في يوليو 1973 وفي نفس التوقيت صدرت الأوامر لنا بالعودة إلى مصر وتم وضعنا ضمن تشكيل المجموعة 139 قتال والتي كان قائدها العقيد كمال عطية وتتمركز في الإسكندرية. وفور وصولنا إلى مصر وجدنا أن الاستعدادات مختلفة والتوتر ظاهر لكن لا أحد يتحدث وكانت فترة خروج رديف لأول مرة وتأخر لوجودنا بليبيا، كذلك تم ضم ضباط جدد وملازمين وخروج بعض الضباط. وكان التدريب وقتها تحت الأعين الفاحصة لكل القادة والاهتمام زائد بالتدريب والرماية وتعرفنا على ضباط سرايا صواريخ الجراد والهاون وباقي ضباط كتائب المجموعة، وتوطدت العلاقة بيننا جدًا.

وقبل نهاية سبتمبر – صدر لنا الأمر الإنذاري بالتحرك إلى المنطقة التبادلية قرب خليج السويس وكانت منطقة غريبة مناخيًا – فخلال يوم واحد ترى الفصول الأربعة وكانت المعيشة هناك غير آدمية بالمرة كمعسكر للصاعقة، لكننا تعودنا على الحياة الشاقة.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech