Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

عقيد - مجدي شحاته - بطل الصاعقه- الجزء الثالث - التيه في سيناء

 

التيه في صحراء سيناء

وصلت لاسفل الجبل مع فجر اليوم التالي الحادي عشر من أكتوبر 1973 – بعد أن امضيت الليل كله هابطا من الجبل، وارتميت في أول مكان وجدته مرهقا بشده ولدي شعور قاتل بالعطش.

وما أن ارتميت على الارض منهكا حتي وجدت أمامي ثعبانا كبيرا ينظر، ونظرت له كما ينظر لي وسط اجهاد تما وعدم قدره على التحرك، أستمرت نظراتنا المتبادله ثوان حتي أنصرف الثعبان مشفقا على حالي.

رغم إجهادي التام ونومي المتقطع، كنت اسمع أصوات طائرات العدو لا تتوقف عن الدوران حول الجبل بحثا عن رجال الصاعقة المصريين، كل ما جال بخاطري وقتها أنني قد نفذت المطلوب مني في أشغال جزء كبير من قوات العدو وسحبها بعيدا عن معارك جبهه قناة السويس.

مر النهار على منهكا وأنا استجمع قواي بالتدريج، وما أن شعرت بعوده قدرتي على الحركه بدأت أفكر في أول حاجات الانسان الطبيعي للبقاء على قيد الحياه وهي الماء، تحركت نحو خط المياه الذي رصدناه من عده أيام وملئنا منه احتياجاتنا قرب منطقة الكمين، لكن فور وصولي وجدت أن الاسرائيليين قد قطعوا المياه عن الخط وعبثا حاولت البحث عن نقطه واحده من المياه اروي بها ظمئي فلم اجد شيئا، وكان تصرف عسكري أسرائيلي سليم جدا لمنع رجال قوات الصاعقة عن مصادر المياه.

بعد ساعات من البحث وجدت برميلا به عده قطرات من المياه الممتزجه مع الصدأ المتراكم منذ سنوات وكانت لي كمياه المحاياه بالنسبه لي، وكان الليل قد حل، وجلست التقط انفاسي واستمتع بعده قطرات المياه على شفاي.

وانا في هذا السلام والهدوء والصمت، فوجئت برتل عسكري أسرائيلي يتحرك امامي على الطريق على مسافه مائه متر مني، لكن الاسرائيلين تعلموا الدرس فالرتل يتحرك بسرعه كبيره وسط اظلام تام ومطبقا كل شروط التحرك الامن، ولو نظر اي جندي اسرائيلي خارج الطريق لوجدني ومعي بندقيتي الفارغه اجلس منهك القوي كفريسه سهله للاسر.

بعد مرور الرتل الاسرائيلي عدت على نفس خط تحرك قوتي في يوم القتال الثاني بحثا عن اي مخلفات من مخلفات جنودي قد تساعدني على البقاء حيا، فمر الليل بدون جدوي ونمت داخل احد الكهوف وسط درجه حراره منخفضه جدا وقرب الفجر تحركت على أثر جنودي بحثا عن أي أثار قد ترشدني إلى أي قوات صاعقة في المنطقة، وكانت كثافه طيران طائرات العدو في المنطقة تدل على أن هناك بحث مكثف عن جنود الصاعقة المصريه، وكان جدول الطيران الاسرائيلي منظم من أول ضوء وحتي قبل أخر ضوء، مما اعطاني القدره على التحرك ليلا بحريه وحد من حركتي خلال الصباح، توصلت إلى أثر أفراد الصاعقة الذين وصلوا دعما لنا وكان بينهم ابراهيم زياده الذي كان يرتدي نعل مميز لحذائه الميداني جعلني استطيع تمييز أثر قدمه وتتبعه تجاه منطقة الهبوط التي وصلوا بها، ووجدت أن أثره يتحرك في اتجاه القاعده وأثر أخر له في الاتجاه المعاكس مما زاد من أملي بأنه مازال حيا ونزل من الجبل حيا، كانت فتره بحثي خلف الاثر لا تتعدي ساعه فقط وهي الساعه التي يتوقف فيها الطيران الاسرائيلي قبل اخر ضوء وحتي الاظلام التام واختفاء اي أثار في ظلمه الليل.

وبعد يومين كاملين من تتبع الاثر وبدون مياه او طعام والموت يحوم حولي في كل ثانيه، وصلت إلى النقطه التي هبط فيها النقيب زياده والنقيب رضوان وقاموا فيها بدفن كميه كبيره من المياه والطعام والذخائر المضاده للدبابات، لكني لم اجد ذخائر رشاشات صغيره لكني كنت كمن وجد كنزا يوم 13 أكتوبر.

بعد أشباع حاجتي من الطعام والماء سقطت من التعب لأنام في مكاني وقد نما الامل داخلي بصورة أكبر في لقاء أحد المجموعات العامله في تلك المنطقة.

في اليوم التالي بدأت التحرك لاختيار مكان أفضل لاختبائي في الجبل وأخذت كما من الماء والطعام ووضعته في أحد الكهوف وعدت في اليوم التالي إلى نفس مكان تجميع الطعام والذخيره عسي ان اتقابل مع احد أفراد الصاعقة الذي تتبع الاثر هو أيضا، فلم أجد اثرا لاحد، فعدت إلى مكان الاختباء الذي اخترته ومعي طعام وماء أكثر ليكون قاعدتي الخاصه في حاله اكتشاف موقع التعيينات المخبأه.

قمت بالتحرك في كافه مناطق عمليات المجموعة وفي كل مكان قد يكون فيه رجالي في تلك المنطقة طوال يومين وعثرت بالمصادفه على سته طلقات من الواضح انها سقطت من احد الجنود، لكنها كانت بالنسبه لي كنزا أخرا، فبعد الاطمئنان لوجود ماء وطعام، أصبح معي الان ما يمكنني من الدفاع عن نفسي ولو على استحياء.

واستمررت في التحرك خلال اليوم التالي بحثا عن اثار ابراهيم زياده بعلامه نعل حذائه المميزه وكانت الاثار تتوقف في منطقة معينه، فتوقعت انه قد تم أسره بواسطه طائرة هليكوبتر.

في تلك الفتره سمعت أصوات اطلاق نار على الطريق الساحلي، فوجدت سياره نصف جنزير والجنود بها تطلق نيران على الصخور في تدريب رمايه، فقررت استغلال الطلقات الست التي لدي في قتل الجنود الثلاثه.

فور ان بدأت التحرك إلى اسفل الجبل لاطلاق النار عليهم من موقع مميز، لكنهم انصروا سريعا فربما رصدوني او بالمصادفه انصرفوا، فلجأت إلى اطلال احد المباني المهدمه وكان عباره عن غرفه بدون سقف، فنمت داخلها مرهقا بعد أجهاد البحث عن أثار زملائي، وكان نومي مضربا فعقلي الباطن لم يتوقف عن التساؤلات عن موقف قواتنا، فهل نحقق انتصارات أم هي نكسه أخرى؟ أين اللواء المستقل المفترض وصوله إلى أبو رديس ثاني أيام القتال وتذكرت مشاهد الكمين الناجح وانفعالات رجالي بفرحه الكمين والوجوه المبتسمه السعيده التي فارقت الحياه في اليوم التالي في معركه الجبل.

قررت التحرك إلى الجبل الذي دارت عليه معركه وحدتي الاخيره مع قوات المظلات الاسرائيليه، فلابد من وجود ذخائر موجوده هناك وكنت اطمع في العثور على راديو ترانزستور كان مع احد الجنود لكي اعرف اخر الاخبار عن الحرب، وكنت اطمع في الوصول إلى مكان شده القتال الخاصه بي وبها معطف قتال يقي برد الصحراء وكنت قد تركت الشده اثناء القتال على الجبل.

اخترت طريقا اخر للصعود للجبل خوفا من وجود الغام او شراك خداعيه تركها الاسرائيليون لتنفجر في اي شخص يقترب من مكان الشهداء، ظللت اصعد الجبل من الطريق الذي اخترته لاجد نفسي على قمه الجبل، وفي الاسفل منظر لم ولن أنساه ما حييت، فجنودي الذين أعرفهم جيدا، ملقون شهداء على الارض في نفس وضعيه القتال التي أستشهدوا عليها.

كان منظرا بشعا لم استطع ان استمر في النظر ولم أمتلك الجرأه في الاقتراب من زملائي الشهداء، فقد قررت أن احتفظ بذكراهم الجميله كما هي ليله الكمين بعد نجاح الكمين وتعبيراتهم السعيده وأصوات ضحكهم ونكاتهم.

فنزلت الجبل وقد بدأ اليأس يتسرب إلى عقلي، فلم اعبأ بالبحث عن شده القتال او المعطف الواقي من البرد او الذخيره، فكان شعوري سيئا جدا وحزني لا يمكن وصفه على زملائي، واثناء نزولي قرأت كل ما احفظه من القرأن على أرواح زملائي

اليوم التالي قررت التحرك شمالا تجاه السرية الأخرى التي تم أبرارها في منطقة وادي بعبع، لكي أبلغ القياده بموقف سريتي، وأصطحب بضعه جنود وذخائر لكي أعود لمنطقة عمل سريتي لاستكمال مهمتي.

وأثناء سيري كنت اقوم بالنداء بصوت عال جدا نظرا لاطمئناني على عدم وجود قوات اسرائيليه في تلك المنطقة المعزوله والغير مؤهله لسير المركبات، وكنت أسير ساعتين بعد أول ضوء وساعتين قبل أخر ضوء للوقايه من طيران العدو الذي لم يتوقف عن مسح المنطقة بحثا عن قوات الصاعقة المصريه.

بعد يومين من السير شمالا، وأثناء نزولي من أحد الجبال التي كنت أستطلع من فوقها صحه مساري وما سوف يقابلني في السير خلال اليوم التالي، وجدت ورقه طائرة تصطدم بي، وكان شيئا نادرا ان تجد اوراقا طائرة في تلك المنطقة المعزوله، وجدت أنها ورقه بها تعليمات بالاسرائيلي لاطفال الكشافه الاسرائيليين عن كيفيه التعايش والحياه وسط الجبال، وأيقنت أننا أمام عدو مثقف يعرف كيف يدرس لاطفاله التعايش وسط أرضه الجبليه وكيفيه التعايش وهو ما كان المفترض ان تقوم به مصر بعد حرب 73.

أستمررت في سيري للشمال ثلاث أيام قطعت خلالها حوالي 40 كيلو متر ووصلت بعدها لوادي سدره، ومررت الوادي وتعرفت عليه من مبني ماكينه المياه المعروفه لنا ولم أجد بالمكان أي شخص على مسافه كبيره أو مياه.

وصعدت إلى احد الجبال واخترت مكانا مميزا للمبيت كما تعودت أن أقوم كل صباح، وأثناء وجودي وجدت سياره نصف نقل مدنيه تتوقف على الطريق وينزل منها عدد من البدو وبدأوا يقتصوا أثري الواضح على الطريق،وسمعت أصواتهم من مخبأي انهم يتحدثون عني كفرد استطلاع مصري ثم انطلقوا بالسياره، وبعد فتره عادت السياره مرة أخرى وتوقفت السياره أمامي وبدأوا في الصعود إلى الجبل خلفي، فخرجت لهم شاهرا سلاحي ووسط مفاجئتهم لي بدأت اتكلم معاهم على أني فرد من قوه كبيره تعمل في المنطقة ومن خلال حواري شعرت تجاههم بالأمان فرحت أسألهم عن الطريق إلى الشمال للوصول بقواتي (الغير ظاهره لهم) إلى بقيه القوات، فبدأوا في أسداء النصح لي بتجنب السير قرب الطريق الموازي لخليج السويس لوجود كمائن من قوات العدو، وعرفت منهم ان موقف قواتنا في جبهه قناة السويس ممتاز وان قواتنا تبلي بلاءا حسنا، وطلبوا أصطحابي إلى قريتهم، لكني رفضت معتزرا عن عدم ترك قواتي (الغير ظاهره لهم) فطلبوا مني الانتظار يوما لحين عودتهم مرة أخرى واصطحابي إلى الشمال، فأعطوني ماءا وتركوني، وعلي الفور نزلت من الجبل واخترت مكانا أخرا لكي لا يتم رصدي لو صدق سوء نيتهم

وما أن تحركت الا وأنطلق تجاهي وابل من طلقات الرشاش نصف بوصه، فأختفيت وسط صخور الجبل، وما هي الا دقائق الا وظهرت طائرة هليكوبتر على ارتفاع منخفض فوق رأسي لكنها بفضل الله لم تراني.

أبتعدت عن منطقة بحث الطائرة الهليكوبتر وانا لا ادري مصدر نيران الرشاش النصف بوصه وأتخذت ساترا في جبل قريب، وكان قريبا مني عددا من الارانب فأيقنت أنني قد أقتربت من مظاهر الحياه.

ظللت أنتظر عوده البدو بسيارتهم يوما كاملا، أثناء انتظاري وجدت رتلا من عربات زيل المصريه تتحرك على الطريق بسرعه رهيبه وقد تم دهانها باللون الاسرائيلي فعلمت انها من مخلفات نكسه يونيو 67، ثم توقفت السيارات لثوان وواصلت تحركها.

كانت كل الاحداث الاتي أمر بها تمر على عقلي مرور الكرام، فقد وضعت هدفا لي، الا وهو الوصول للسرية في الشمال ثم العوده للقتال مرة أخرى، لذلك لم تؤثر أي من الاحداث التي مرت بي على توازني النفسي لكنها كانت تزيدني اصرار في مواصله القتال.

بعد ساعات عادت السياره المدنيه وبها البدو تبحث عني في مكاني الأول وبعد أن أطمأننت انهم بمفردهم، كان مكاني بعيدا عن مكاني الأول فلم يروني او يرصدوا اشارتي لهم وأبتعدوا عني، فواصلت سيري وسط الجبال متجها للشمال، وبعد ساعات من السير وسط الجبل وجدت نفسي في منطقة تشرف على مطار عسكري في منطقة ابو رديس به طائرات هليكوبتر وكانت قريبه مني جدا، ففكرت في أنني ميت لا محاله، فالمخاطره بالنسبه لي قد تعني الحياه، ففكرت في الاختباء داخل احد الطائرات ليلا وفور دخول الطيارين بها في الصباح انقض عليهم وأأمرهم بالطيران تجاه القوات المصريه، كانت فكره شخص يأس لا يقيس المخاطره بحسابات من لديه خيارات متعدده، فكان أمامي إما تنفيذ تلك الفكره او الاستمرار في السير تجاه الشمال تجاه سرية الشمال في وادي بعبع.

فقررت الاستمرار في اتجاه الشمال تجاه وادي بعبع، ووسط مناطق جبليه وطرق مسدوده ووديان تنتهي إلى قمم لا طريق بعدها فأنزل مرة أخرى، حتي قارب الفجر على الظهور لاري أمامي وادي بعبع كما وصفه لنا قائد الكتيبه قبل تنفيذ العمليات بالضبط، كانت العلامه المميزه هي عربه رصف طرق من مخلفات الاداره المصريه للمنطقة ويعلوها الصدأ الشديد، فأخترت منطقة أمنه وأرتميت بجسدي منهكا وأني احس بقمه التعب الذي في الدنيا، ونمت نوما غير عاديا، فكلما استيقظ أجد طائرات العدو في السماء، فأقع في النوم مرة أخرى لاستيقظ على صوت الطائرات مرة أخرى وهكذا حتي أستيقظت قرب المغرب وقد أستجمعت قوتي ولا ينقصني سوي الماء، فهبطت إلى عربه رصف الطريق أبحث عن أي مياه قد تكون متجمعه على سطحها الصدأ من ندي الصباح او داخل الرادياتير بها فلم أجد

وأثناء عودتي من العربه إلى مخبأي وجدت أثار غريبه تسير على نفس أثاري خطوه بخطوه، فتيقنت أن هناك قوات اسرائيليه قد رصدتني وان نهايتي قد شارفت أما الموت أو الاسر.

لولا لطف الله بي لكان لقصتي وجه أخر، ففي أثناء نزولي لعربه الرصف، قمت بالعبور فوق عده احجار، تلك الخطوات على الاحجار جعلت أثري يختفي لعده امتار لكنه أستمر بعد مسافه، لكن الاسرائيليين السائرين خلفي ضلوا افتقاء أثري بسبب الاحجار وظهرت خطواتهم تبتعد عني، ولولا ذلك لايقظوني من النوم للاسر، وعلي ذلك عرفت سبب وجود نشاط جوي أسرائيلي شديد فوق رأسي أثناء نومي.

كان أملي بوجود قوات مصريه بالوادي قد تلاشي فور وصولي للوادي، فلو كان هناك قوات مصريه لرصدتني فور دخولي بالاضافه لعدم وجود أثار أي معارك.

غيرت مكان أختبائي خلف عده اشجار داخل الوادي، وبدأ اليأس يزيد في نفسي بدرجه كبيره، وبدأت احاول أن اقنع نفسي بعدم جدوي ما أقوم به.

وكنت أحتفظ برشفه مياه، أرشفها وأنا اتلو الشهاده قبل موتي، لكني كنت موقن بأن الموت هو مصيري

النجده تحتاج إلى نجده.

واثناء جلوسي خلف الاشجار بالوادي أعد الثوان المتبقيه من حياتي، سمعت صوت مميز جدا، أنه صوت أصطدام جراكن المياه ببعضها البعض، كيف لمرء ان يخطأ هذا الصوت الوحيد في الصحراء الصامته ليلا.

وكان الاحتمال الوحيد انها قوات مصريه، فالبدو لا يسيرون الا بسيارتهم، والاسرائيليين من المستحيل دخولهم الجبال ليلا وعلي الاقدام، فقمت بالنداء (عبد الحميد) وتردد صدي صوتي في الجبل.

كنت أقوم بالنداء على الملازم أول عبد الحميد خليفه احد ضباط السرية التي تم أبرارها في المنطقة وكنت اعرفه جيدا وجميع ضباط وأفراد السرية يعرفونه لانه بتلك السرية منذ تخرجه.

فوجدت خمس أشباح تتوقف وتتخذ اوضاع قتال، وتساءل أفرادها فيما بينهم عن هذا الصوت وقال احد الجنود أنه صوت حضره الضابط مجدي، فرد عليه عبد الحميد، متسائلا عما يفعل الضابط مجدي في هذا المكان ومنطقة عمليات سريته في الجنوب بمسافه كبير، وأستمر عبد الحميد ومن معه في السير مرة أخرى واهمين أنفسهم بأن ما سمعوه هو خداع صوتي

فقمت بالنداء مرة أخرى وبأعلي صوت (عبد الحميد) فأيقن الجميع بأن ما يسمعونه ليس وهما وأن هناك من يعرفهم وسط صخور الجبال، وجدت شخصا يقترب مني بملابس بدويه وبجلبيه بيضاء ناصعه عرفت ان اسمه بركات، وكنت خائر القوي ولا استطيع تمييز اذا كان شخصا ام شبحا.

قمت برفع السلاح في وجهه وتحركت تجاهه فأصطحبني تجاه المجموعة التي معه وهو يرفع يديه في السماء، فوجدت عبد الحميد وقع فغر فاه من الدهشه وهرع الجميع ناحيتي وأحتضوني بكل سعاده وحب وكانوا عباره عن ضابط واثنان من الجنود ومعهم اثنان من البدو يقومون بأخراجهم تجاه الطريق لكي يبعدوهم عن تلك المنطقة خوفا على اهلهم من تنكيل الجيش الاسرائيلي بهم لو عرف انهم ساعدوا قوات صاعقة مصريه.

كان مع الملازم عبد الحميد الجنود محمد عبد الرحمن وسيد على والجندي عبد الرؤوف جمعه والذي كان مصابا بدفعه رشاش في أسفل ظهره وخرجت الطلقات من المثانه تاركا جرحا غائرا، وكان بالكاد يستطيع المشي وهو ينزف من جرحه، وهو جندي مصري يشرف العسكريه المصريه في مثابرته وقوته وتحمله.

وبعد دقائق من اللقاء وجدت عبد الرؤوف يختلي بي ويطلب مني طلب غريبا جدا، فقد طلب مني أن اقتله، فأندهشت جدا من طلبه، فأستكمل كلامه، أنه اصبح عبء على رفاقه وأنه يتوسل لي أن أقتله لاريح زملائه من عبئه، فرفضت الفكره وحاولت رفع معنوياته بأن جرحه ليس خطرا وانه سيكون أفضل من ذي قبل، وأن يبعد الافكار السوداء تلك عن عقله.

أخذنا البدو إلى احد الاكشاك المصنوعه من الصاج، وبدأوا في اعداد طعام بدوي لنا، وعلمت المعركه التي دارت مع السرية وأن ظروفهم كانت أسوأ من ظروفي، فقد هاجمهم اليهود من اليوم التالي بضراوه شديده جوا وبرا في معركه غير متكافئه حيث تم محاصرتهم واستطاعوا الارتداد لمكان اخر حيث دارت معركه أخرى قضت على جزء أخر من السرية أسرت جزء من المصابين وأستطاع عبد الحميد ومعه ثلاث جنود التخلص من المعركه ونجوا من الوقوع في الاسر.

واصبح الواقع ان النجده التي كنت ابحث عنها اصبحت تحتاج إلى نجده، وأصبحنا سته أفراد صاعقة في وسط جبال سيناء نبحث عن وسيله للبقاء على قيد الحياه والعوده إلى قواتنا لو أمكن

كان البدو كرماء جدا معنا فأعطونا راديو ترانزستور وعده قطع من الخبر البدوي وحصلت على ذخيره كافيه من مجموعة عبد الحميد، واصبح لدينا الماء والطعام والذخيره، وبدأنا نتحرك إلى منطقة أخرى أمنه أقترحها الشاويش سيد علي، وبدأنا التحرك ليله كامله وسط جبال ووديان وقرب الفجر وجدنا أنفسنا أننا قد عدنا إلى المنطقة التي كنا بها قبل تحركنا، فقد درنا دوره كامله خلال الليل وعدنا إلى نفس المنطقة التي كنا بها.

قضينا الليه في مكان أمن قريب، وعرفنا من الراديو ان قواتنا مازالت في عيون موسي ولا تتقدم تجاه ابو رديس كما خطط من قبل وسمعنا حوارات بعض زملائنا الاسري من الاذاعه الاسرائيليه في محاوله من الاذاعه الاسرائيليه في خفض روحنا المعنويه و كنا نستخدم الراديو باقتصاد تام للمحافظه على طاقه البطاريات المتاحه معنا والتي اعطانا لها البدوي الشهم.

((ملاحظه من المجموعة 73 مؤرخين بخصوص خطه اللواء الأول ميكانيكي – خططت القياده العامه للواء الأول الميكانيكي التحرك صباح 8 أكتوبر تجاه رأس سدر وبعدها إلى أبو رديس لاحتلالها على مسافه مائه وستون كيلو متر من رأس جسر الفرقه 19 مشاه وبدون غطاء جوي او دفاع جوي، وخلال التفيذ تأخر التنفيذ ليوم 10 أكتوبر واستطاع اللواء التقدم مسافه 5 كيلو طهر خلالها نقطه العدو الحصينه في عيون موسي واحتلها، لكنه لم يتسطع التقدم أكثر من ذلك بسبب الهجمات الجويه الاسرائيليه العنيفه التي كبدته خسائر كبيره في الدبابات والعربات ومساء 10 اكتوبر تم الغاء مهمة تقدم اللواء إلى ابو رديس وتم وضع ما تبقي من اللواء تحت قياده الفرقه 19 مشاه))

ست أشهر وسط الصحراء

مر علينا أسبوع في تلك المنطقة وبدأ الطعام في النفاذ، لكننا قمنا بعده دوريات لاستطلاع المنطقة حولنا، وشاهدت اثار معركه سرية الصاعقة، وحصلنا على ذخيره أضافيه وكان موقفنا ثابت لا يتغير منه سوي نقص الطعام والمياه المستمر خاصه بعد ان علمنا ان قواتنا على مسافه لا تقل عن مائه وخمسون كيلو متر تحتاج إلى ما لا يقل عن عشره ايام من التحرك المستتر ليلا فقط.

وفي أحد الايام التاليه رصدنا عدد من البدو الذين شاهدونا فغيرنا مكاننا فورا، وكان موقف الطعام والماء قد شارف على النفاذ، فبدأنا رحله البحث عن طعام وماء، وكان حاله الجندي عبد الرؤوف سيئه والجرح ملوث وكان يتبول من جرحه وكنا نتناوب حمله أثناء السير وتكرر طلبه لي بأن أقتله ونهرته عن هذا الكلام.

عدنا إلى الكشك الصاج، ووجدنا شوالا به فضلات طعام ظهر العفن عليها وكانت مخزنه كطعام للحيوانات وعلبه سمن بلدي وكميه من الدقيق وماءا وعدنا إلى مكاننا بعد ان تركنا اموالا مقابل ما اخذناه

ومر أسبوع أخر وتحركنا إلى أعلي الجبل وخلال تلك الفتره كنا نتابع الاذاعه على فترات ونعرف ما يدور في القتال والثغره ثم وقف اطلاق النار.

كان هدفنا هو البقاء أحياء ثم الوصول إلى قواتنا، وبدأنا نراقب جماعه من البدو لفتره وندرس تحركاتهم لمعرفه اذا كان لهم اتصال مع القوات الاسرائيليه، وعندما أطمائنا لموقف تلك الجماعه بدأنا نظهر أنفسنا لهم لرغبتنا في فتح اتصال معهم للعوده إلى قواتنا

في تلك الفترات كلها كان الجرح المصاب به عبد الرؤوف جمعه قد بدأ في التحسن بشكل لم نكن نتوقعه، وبدأ النزيف في الانحسار رغم تأكدنا التام من وفاته في أي يوم نظرا للنزيف المصاحب لفتحه دخول وخروج الطلقات.

تعرفنا على جماعه البدو، وفي البدايه لم يكونوا مصدقين من أننا مصريين ومازلنا خلف خطوط العدو وبعيدا عن قواتنا كل تلك الفتره، في اليوم التالي جاءنا عدد من البدو أكبر سنا وأكثر خبره ووافقوا على مطلبنا بالتحرك إلى قرب قواتنا، وكان خوف البدو منا أكبر من خوفنا منهم، فوجودنا بالقرب منهم يعرضهم لتنكيل والقتل من القوات الاسرائيليه في حال اكتشفت وجودنا.

تحركنا خلف البدو تجاه الشمال، فأخذونا إلى مغاره في اعلي جبل تكفي لكتيبه صاعقة، وكان موقع المغاره يشرف على أبو رديس بشكل كامل ويرصد كل حركه في المنطقة لدرجه انها تكشف الجانب المصري من خليج السويس وكانت تصلح كنقطه انطلاق لدوريات قتال.

ثم بعد عده أيام اخذونا إلى مغاره أخرى في الشمال أكثر امنا، وخلال تلك الفتره توطدت العلاقات مع البدو وزاد الاطمئنان أكثر بيننا، فكلنا مصريين وهدفنا تحرير أرضنا، وكان تحسن موقف الماء والطعام نسبيا رافعا لروحنا المعنويه، ورغم ان الطعام والماء لم يكن يشبع اي منا في أي وقت لكن ما كان لدينا كان كافيا لبقاءنا أحياء

بعد عده أيام تحركنا في منطقة وعره جدا داخل الجبال لفتره، حتي وصلنا لمنطقة بها عده مغارات كبيره جدا وسط الجبال، وتركنا البدو مع قدر ضئيل من الماء وقدر من الدقيق وعلبه كبريت وتركونا على وعد باللقاء خلال عده أيام

في تلك الفتره بدأنا في التحرك لاستطلاع المنطقة حول المغاره لمعرفه موقعنا ودراسه كيفيه الدفاع عن مكاننا في حال الهجوم علينا، وقررنا الصوم والصلاه للتقرب أكثر إلى الله وأيضا للتقليل من استهلاك الطعام والماء، وكان البدو يقومون بزيارات دوريه كل بضعه ايام ويعطونا ما تيسر لهم من ماء ودقيق لعمل الخبر البدوي.

وفي أحد الايام حضرت الينا احدي نساء البدو وتدعي فاطمه وكانت سيده فاضله وذات عقل راجح ورأي مسموع وسط جماعتها، وأخبرتنا بأن رجال القبيله قد توجهوا إلى العمل في أيلات لكسب مصدر للرزق وأعطتنا قدرا ضئيلا من الماء والدقيق مما استطاعوا حمله للصعود إلى الجبل وتركتنا وغادرت بعد دقائق.

كنا في منطقة جبليه وعره جدا، فكل ما نراه امامنا عباره عن جبال، واكتشفنا ان قمه الجبل الذي نختبئ به عباره عن ارض مسطحه مستويه تصلح كملعب لكره القدم، وكنا نتحرك للبحث عن ماء وطعام لعدم اعتمادنا على البدو بصورة كامله فلاي سبب قد يتوقف البدو عن زيارتنا وامدادنا، وبعد عده أيام حضر الينا رجال البدو وسألنا عن مكان أقرب بئر ماء فأخبرونا بوجود بئر صغير على مسافه صغيره منا، وتلك المسافه في تقدير البدو عباره عن سير يوم او يوم ونصف على أقل تقدير وعبثا حاولت الوصول إلى مكان الماء الذي أشار اليه البدو، وخلال أسبوع تقريبا حاولت مرتين او ثلاث مرات الوصول لتلك البئر بلا جدوي، وبعد فتره عاد رجال البدو لنا وأخبرتهم بفشلي في الوصول لهذا البئر، فوصفوا لنا المكان بدقه أكثر، ونصحونا بعدم التحرك بالاحذيه العسكريه التي تترك علامات واضحة في الرمال، واعطونا صندل بدوي للسير به خاصه وان كل احذيتنا قد بلت من كثره التحرك،

كان رجال البدو يخبرونا كل فتره عن القبض على احد رجال الصاعقة في المنطقة، واذكر خبر أسر جندي اسمه سعيد وقتله في مكان أسره، وكان تحرك طائرات العدو الهليكوبتر دائما فوق رأسنا بحثا عن رجال الصاعقة

وعدت في اليوم التالي بحثا عن تلك البئر الخفيه ووجدتها، وظهر انها عباره عن حفره صغيره في رمال الصحراء بجوار احد حواف الجبل، وبها قدر ضئيل من الماء ينبعث من تحت الارض من بئر جوفيه، وكلما أخذنا منها ماء أنبعث قدرا اخر، ولو بالغنا في اخذ الماء لخلت الحفره من الماء ونضطر للانتظار بجوارها حتي يتجمع قدرا اخرا من الماء.

ولاول مرة منذ شهرين نستحم، وكان ذلك فاصلا من المرح لنا، فلم نكن نعلم ان اجسامنا قد أضحت سوداء من رمال المنجنيز التي تملئ جبال سيناء، ويوما فيوم تراكمت ذرات رمال المنجنير على اجسادنا لتحولنا إلى اللون الاسود، وبعد دقائق عاد لوننا الطبيعي إلى اجسادنا وسط ضحكات الجميع مما حالنا.

وخلال تلك الفتره الممتده بدأ البدو في تعليمنا كيفيه جمع الملح الصلب من المتجمع على شكل عروق في الجبل وجمع العشب لعمل الخبز البدوي من الماء والدقيق، ونصحونا بالاستفاده من ماء المطر المتجمع في حاله لو السماء أمطرت.

وكان يومنا عباره عن وجبه واحده وقت الافطار من الصيام وهي نفس وجبه السحور، وكان قمه المتعه لنا هي كوب الشاي الساخن الذي تنتاوله أخر الليل في علبه طعام محفوظ خاليه من نوع – قها –

أذكر هنا انني كنت اعاني من ضعف المناعه تجاه البرد، وكنت احتاج دائما لعلاج مكثف وراحه لمقاومه البرد، لكن رغم درجه الحراره المنخفضه دائما ليلا في الصحراء وخاصه أننا في شهر ديسمبر 73 تقريبا، الا أنني لم أصاب بالبرد أو حتي الرشح خلال تلك الفتره، وهو ما كان غريبا جدا، لكنها قدره الله التي تجلت معنا كل يوم وكل ساعه في محنتنا خلف خطوط العدو.

وفي أحد الايام خرج زميلي عبد الحميد خليفه لجمع العشب على قمه الجبل، وبعد لحظات سمعت صوت طائرة هليكوبتر أعلي الجبل وكانت قريبه بشكل غريب وغير معهود علينا، فعرفت ان عبد الحميد قد تم أسره بكل تأكيد، فحملت سلاحه وجهزته للضرب وخرجت فورا لنجدته، الا انني وجدته عائدا يضحك وأخبرني انه فور سماعه للطائرة وضع العشب على رأسه وانبطح على الارض فلم تستطع الطائرة رصده وسط العشب رغم ارتفاعها المنخفض.

وفي أحد الايام سمعنا من اذاعه ايران أن القوات المصريه والاسرائيليه تقيم مباراه لكره القدم في منطقة فصل القوات، كان هذا الخبر عنيفا علينا وعلي الجنود معنا، فقواتنا تلعب الكره مع الاسرائيليين والحرب انتهت ونحن هنا نعاني كل صعوبات الحياه على أمل العوده أحياء، وقد علمت بعد ذلك ان هذا الخبر الاذاعي عار تماما عن الصحه، ووجدت ان الجنود قد تأثرت نفسيا بالسلب فكان يجب التصرف سريعا.

وفي الزياره التاليه للبدو لنا، سألت عن امكانيه الهرب عن طريق السعوديه عبر عبور مضيق تيران والوصول للاراضي السعوديه فمهما كان، الحدود السعوديه كانت اقرب لنا من القوات المصريه، وكان التحسن العجيب لحاله عبد الرؤوف جمعه الصحيه دافعا لنا للتحرك سريعا خاصه بعد أنتهاء الشهر الثالث لنا خلف خطوط العدو.

وقد علمت بعد ذلك – أن الكومسيون الطبي الذي أمر به المشير احمد اسماعيل للوقوف على حاله عبد الرؤوف جمعه قد أكد استحاله شفاءه بدون تدخل جراحي وأن ذرات المنجنير المتطايره من صحراء سيناء قد قامت بتطهير ومعالجه الجرح بشكل غريب وأن حالته اصبحت طبيعيه.

 

كان يجب ان نبدأ التحرك سريعا تجاه قواتنا تحت أي ظرف، فمهمتي قد أديتها على أكمل وجه، فالقوات الاسرائيليه مازالت على علم بوجود قوات صاعقة خلف الخطوط وهذه المعلومه تكلفها مبالغ طائله من طلعات طيران مكثفه بالبحث عنا، وتكلفها قوات متمركزه في مناطق غير مؤثره على القوات المصريه وأسرائيل مجبره على توزيع قوات كثيره في اماكن اثار اقدامنا للبحث عنا.

كان خبر وقف اطلاق النار وما تلاه من فصل للقوات بعد توقيع اتفاقيه الكيلو 101 سببا لنا في عدم محاوله رص ما معنا من الغام او القيام بأي كمين لعربات العدو، فمعركه منا قد تسبب انهيار اتفاق فصل القوات، أو انفجار لغم في عربه للبدو، قد يسيئ لعلاقتنا معهم ونخسر تعاطفهم ومساعدتهم.

وكثيرا ما سمعنا صوت اطلاق طلقات نار على مسافه كبيره، وعندما نتوجه نحو مصدر الصوت نجد أنه كان هناك عربه اسرائيليه وقد لازت بالفرار، لكننا نرصد فوارغ الطلقات في تلك المنطقة، فربما كانوا يقومون بتدريب على اطلاق النار.

وقررنا التحرك للشمال تجاه قواتنا، وكان تقدير المسافه انها لا تقل عن مائه وثمانون كيلو متر على الاقل لو تم السير كخط مستقيم لكنها اكثر من ذلك بسبب السير من خلال الجبال فكان لابد من معاونه البدو لنا.

كان قد مر علينا حوالي أربعه أشهر، وطلبت من أحد البدو التحرك للشمال، فرجانا احد الرجال ان نتنظر لحين عودتهم من ايلات حيث يتيسر لهم قدر من المال والوقت لمساعدتنا وأخبرونا بأنهم لن يتأخروا أكثر من ثلاث أسابيع على الاكثر.

مر شهر وأسبوع وعاد الينا البدو الأبطال لمساعدتنا في التحرك تجاه قواتنا، لكن خلال فتره تواجد رجال البدو في أيلات للعمل كانت نسائهم البطلات تقوم بزيارتنا ومعها الدقيق والخبز وفي اوقات نادره بطاريات للراديو مما يتوفر لهم، وخلال تلك الفتره كان اهم حدث لنا هو ان نساء البدو اعطونا خمس بيضات لاكلها بالخبر البدوي، وأقسم انني لم اتذوق في حياتي ما هو أطعم من تلك البيضه، وهو حدثا عاديا لمن يقرأ تلك السطور لكنه كان بالنسبه لي حدثا مهما لا انساه رغم مرور كل تلك الفتره العصيبه من حياتي

وبدأنا رحله السير إلى الشمال بعد ان قام رجال البدو بعده ترتيبات لتأمينا، من تلك الترتيبات اعطونا ملابس رجال صاعقة تم أسرهم في تلك المنطقة مع بدايه الحرب بناء على طلبنا، لان ملابسنا قد أصبحت مترهله وغير صالحه لاي شئ، واعطونا أحذيه عسكريه فعدنا مرة أخرى قوه صاعقة بملابسها المميزه، لاننا اصررنا على العوده بملابس الصاعقة وبسلاحنا الشخصي كقوه أدت مهمتها وعادت إلى قواعدها، ورفضنا فكره ارتداء ملابس البدو والتنكر بها خلال الطريق.

وحلقنا ذقننا التي طالت بشكل بشع وذبحوا لنا جديا لكي تقوينا لحمه ودهنه في مسيرتنا الطويله وبدأنا مسيره الرجوع إلى الشمال وسط دعوات نساء البدو.

كان من ضمن ترتيبات البدو هي أصلاح عربه عسكريه مصريه – من بقايا النكسه – لكي نستقلها وسط وديان الجبال لابعد مسافه ممكنه عن مكاننا ولـ أأمن مكان يمكن التحرك به بالسيارات، وقتها كان احساسي واعجابي بهؤلاء البدو ووطنيتهم ودورهم معنا في عنان السماء، فهم لم يبخلوا علينا بشئ مما لديهم وخاصه لترتيبات أمن تحركنا تجاة الشمال – تجاه الموت أو الاسر أو النجاة.

اتخذت السياره طريقا صعبا وسط الجبال ووسط وديان لا نعرفها ولا نراها وسط الجبال، وكان البدو معنا يعرفون اماكن الكمائن الاسرائيليه الثابته واماكن وتوقيتات الدوريات، لذلك كان طريقهم وسط تلك المخاطر صعبا لكنه مدروس جيدا.

وتوقفت السياره وودعنا البدو وداعا حارا جدا عند اخر نقطه يمكن للسياره السير عليها، وكان ذلك في أحد ليال أخر مارس 1974وبدأنا السير تجاه الشمال بجوار الطريق، وكانت الحركه على الطريق ميته تماما، وكنا نسير ليلا ونرتاح نهارا، وفي الليله التاليه وجدنا بدوا متجمعين في منطقة جبليه، فأخذنا منهم ماء ونمنا بجوارهم وطمأناهم إلى أننا لن نضرهم وسط نظرات الرعب والاندهاش من الجنود المصريين خلف خطوط العدو بعد انتهاء الحرب بسته أشهر.

كانت معنوياتنا في القمه، فكل خطوه تقربنا من الوطن، وحتي المخاطر الموجوده في حسابتنا الا اننا نسير تجاه منازلنا، فكان سيرنا هو سير مجموعة صاعقة في دوريه قتال، ويتم تنفيذ كل التعليمات المنصوص عليها في كتب الصاعقة والتي تدربنا عليها قديما.

في الليله التاليه وجدنا كوخا من الصاج وبه أمرأه متوسطه السن، وقصصنا عليها قصتنا بأختصار بعد أن لمسنا الامان منها، وعلي الفور قامت المرأه بأعداد صحن أكل كبير وعميق يكفي لعشرين فرد على الاقل من أكله تسمي لدي البدو - المفروكه – وهي من الخبر المعجون بالماء والسكر، وانهالنا على الصحن وفي ثوان كان الصحن خاليا، وعادت المرأه لتجد الصحن خاليا فتبسمت وايقنت أن قصتنا حقيقيه، فلا يمكن لخمسه أفراد ان ينهوا هذا الصحن من الطعام الا لو كانوا يعانون من الجوع لاشهر وأن قصتهم حقيقيه.

وبدأت بأحساس الام تطئمن على حالنا وتسأل عما نريد، وكان طلبنا الوحيد هو العوده للشمال، فأرشدتنا إلى افضل طريق بعيد عن أعين الاسرائيليين وأخبرتنا أن الطريق في الشمال خطر لوجود دوريات كثيفه

أستكملنا طريقنا تجاه الشمال لعده ليال، وفي أحد الليالي رصدنا كوخا من الصاج وبداخله سيده عرفنا ان اسمها سلمي – وطلبنا الراحه بجوار الكوخ الخاص بها وحول النار للتدفئه، ورحبت السيده وأطمئنت لنا وأخبرتنا بأن الاسرائيليين قتلوا والدها واخوها خلال الاحتلال وعرضت تقديم أي مساعده تستطيع تقديمها.

وأستمررنا في السير لعده ليال أخرى حتي وصلنا لمنطقة مفتوحه من الصحراء وخلفها بمسافه حائط صلب من الجبال لا يوجد اي وديان بها، وكان طرف الجبل تجاه البحر كمين اسرائيلي واضح في الصباح، فبدأنا نبحث عن ممر وسط الجبل ليوم كامل

حتي ظهر لنا سلمان ذلك البدوي الاسمر الطويل يرتدي الجلباب الابيض، ووجدنا سلمان يخبرنا بأنه يبحث عنا وانه قد افتقي اثارنا لمده ليله كامله، وعرفنا أنه عرف من زوجته ان هناك مصريين تائهين بالمنطقة، وانه يبحث عنا لأن معه جنود مصريين أخرىن من الاستطلاع ومعهم اجهزه لاسلكي في طريقهم إلى مصر في نفس الوقت.

فكان ذلك خبرا غير قابل للتصديق في حينه فهل هو حلم؟ ام كمين أسرائيلي؟ وعلمنا منه أن امام المجموعة المصريه الأخرى حوالي خمسه أيام لكي ينهوا ما حضروا من اجله ثم يبدأوا طريق عودتهم وأنه يمكن لنا العوده معهم كمجموعة واحده، واتفقنا على انتظاره بمكان محدد لحين أحضار القوه الأخرى.

فور مغادره سلمان غيرنا موقعنا لموقع اخر تحسبا لوجود كمين من الاسرائيليين وخوفا من ان يكون سلمان عميلا للقوات الاسرائيليه ومدسوس علينا لاسرنا.

كان احساسنا مختلط بين السعاده والترقب والحذر، وقبل مرور يوم واحد وجدنا مجموعة تبحث عنا في مكاننا القديم الذي أخبرنا به سلمان، وبعد ان تيقنا بأن تلك المجموعة غير متبوعه بأي قوات اسرائيليه، تقدمنا تجاههم، فوجدنا أنهم من قوات الأستطلاع المصريه المدفوعه خلف خطوط العدو، وكان معهم البطل البدوي – راشد – وكان لدي راشد معرفه كامله بقوات الصاعقة خلف الخطوط واماكنهم واسماء بعض الجنود والضباط الذين تم ابرارهم وساعدهم راشد في العوده لخطوط قواتنا، فكان ذلك بمثابه الفرج لنا مما كنا فيه، فجلسنا لمده نتحدث ونتسامر ونتداول الاخبار المشتركه، وأخبرنا رجال الاستطلاع بأنهم في حاجه إلى يومين إلى ثلاثه ايام لانهاء بعض الاعمال وبعدها سيكونون معنا في طريق العوده.

في اليوم الثالث عاد الرجال ومعهم راشد بعد أن انهوا مهمتهم وبدأنا التحرك مرة أخرى إلى الشمال، وسط حذر من الجميع وأعين يقظه تحركت خطواتنا الواحده تلو الأخرى.

الكيلومترات الاخيره

اتخذ راشد طريقه وسط ممرات الجبال الغير مرئيه لنا، وأمضينا ليله كامله في المسير حتي وصلنا إلى وادي سدر وأمرنا راشد بالمرور الواحد تلو الأخرى بشرط ان كل فرد يخطو على خطوه الذي سبقه بحيث لا تظهر الا اثار اقدام فرد واحد مع الحذر التام والسرعه أيضا لمرور الوادي والوصول للجبل الاخر.

وبعد فتره مرهقه نفسيا من التحرك وسط الوادي المفتوح وصلنا للجانب الاخر منه ورغم ان المسافه تعتبر قليله الا ان التوتر من رصدنا في الصحراء المفتوحه او افتقاء اثارنا جعلتنا نحس ان المسافه طويله جدا.

في الليله التاليه واثناء سيرنا فوجئنا بسلك شائك يقطع الطريق ومن خلفه مزرعه لاحد البدو، فأمضينا الليله بتلك المزرعه وأستمررنا في سيرنا، وأستكملنا مسيرنا حتي وجدنا بئر للماء بعد عده ليال وكان الماء قد نفذ لدينا منذ ليليتين تقريبا، حتي وصلنا إلى جبل، وصعدناه لنجد امامنا على الافق منطقة عيون موسي حيث القوات المصريه، وأسفل الجبل منا تماما يقوم الاسرائيليين بعمل طريق أسفلتي لتحرك القوات الاسرائيليه للمناوره، فبدأ الرجال معي في الانفعال والشتم، فالاسرائيليين يقومون بأنشاء طريق جديد خير دليل على عدم نيتهم في ترك سيناء بعد الحرب، وكانت معدات رصف الطرق مازالت أسفل الجبل.

هبطنا الجبل خلف راشد وعبرنا الطريق وسرنا في مجري للامطار لمده طويله حتي قارب ضوء النهار على الاختفاء، وكنا ننوي الاقتراب من قواتنا المصريه في تلك الليله أو النهار التالي، فأرتحنا قليلا داخل مجري السيل، وخرج راشد لاستطلاع المنطقة، وعاد مسرعا وأخبرنا بوجود كمين اسرائيلي على مسافه خمسون مترا منا، وان العربه المدرعه الاسرائيليه تقطع الطريق الذي كنا ننوي التحرك خلاله.

فتحركنا خلف هذا الكمين من مسافه أمنه، وأستمررنا في التحرك لمسافه طويله حتي شممنا رائحه جاز مما يعني وجود سيارات اسرائيليه، وبالفعل بعد التحقق والتقدم ببطء، وجدنا عربات اسرائيليه كامنه خلف احد التباب، فمررنا بها أيضا على مسافه، وبعد فتره من التحرك وجدنا كمينا أخرا، ولكنه كمينا صاخبا، فأفراد الكمين - اولاد الحلال – قاموا بفتح الرايو الترانزستور على اعلي صوت مما مكننا من سماع صوتهم من مسافه كبيره وتجنب الاقتراب منهم.

وعلمنا من راشد ان هناك حواجز للقوات الدوليه الفاصله بين القوات المصريه والاسرائيليه في تلك المنطقة وأن القوات الدوليه لو قبضت علينا سيكون مصيرنا هو الاسر مع القوات الاسرائيليه.

كانت معنوياتنا في القمه خاصه وأن الخطوط المصريه على مسافه قريبه حوالي عشره كيلو مترات، فبدأنا في التحرك بحرص وسط تلك الحواجز ثم بدأنا في الجري المنتظم والسريع لعبور تلك المنطقة واضواء القوات المصريه المتواجده تقترب منا، كنا نجري في منتهي السعاده واللياقه البدنيه وكأننا في تدريب صاعقة وكلنا بحالتنا البدنيه المرتفعه.

كان خوفنا الان هو أن تقوم القوات المصريه بفتح النيران علينا، لكننا واصلنا الجري المنتظم، وأستمررنا في الجري حتي دخلنا داخل الخطوط المصريه لكننا لم نري أحدا، ولم يوقفنا أحد يسأل عنا فأستمررنا بالجري اعتقادا أننا لم ندخل الخطوط المصريه حتي وجدنا مزرعه أخبرنا راشد بالراحه داخلها تلك الليله، وكنا نقوم بالنداء بصوت عال ونحن نبحث عن قواتنا وفي الصباح التالي اطلقنا عده طلقات لعل وعسي ي ينتبه أحد لنا، وسألت في دهشه، واجابني راشد مقسما بالله اننا داخل الخطوط المصريه

اليوم المائتين

تحركنا اليوم التالي صباحا تجاه الكرنتينه (ميناء الحجر الصحي للحجاج المصريين المقابل له على الجانب الاخر مدينه السويس- وقد قام ابراهيم الرفاعي والمجموعة 39 قتال بهجوم ناجح لتفجير المرسي اثناء حرب الاستنزاف واستشهد في تلك المعركه البطل عصام الدالي) واثناء سيرنا في الصباح بدأنا نري الجنود المصريين يتحركون على مسافه وكنا نحييهم ويردوا التحيه العاديه وأستوقفت أول سياره وجدتها قريبه مني وكان بها ضابط مشاه – الملازم أدهم عبد ربه وسألني عن هويتي وأخبرته وسط نظرات الدهشه منه وعدم التصديق (وتمر السنوات لاقابل نفس الضابط الذي أخبرني أنه بسبب لقائي معه فقد طلب الانضمام لقوات الصاعقة وظل بها حتي رتبه اللواء)

وصلنا إلى احد مباني الكرنتينه ووجدنا الشيخ سلمان في انتظارنا حيث استقبلنا استقبال الفاتحين، وأخبرنا بأن دورنا معروف للقياده في القاهره وأن مصر كلها فخوره بما قمنا، لم أكن اعرف هل حواره هو حوار معلب لرفع المعنويات أم هو كلام حقيقي فلم نكن نعرف حقيقه الدور الذي قمنا به وتأثيره على سير الاحداث لانقطاع الاتصال مع قيادتنا طوال أشهر ستة.

قام الرجل بوضع اصناف طعام امامنا من الفته واللحم والماء، وكنا في سعاده لا تعادلها سعاده مع عدم تصديق بأننا أخيرا قد وصلنا للقوات المصريه واصبحنا في الوطن، وأخبرنا الرجل بأننا سنتحرك تجاه السويس ومنها إلى القاهره بسياره.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech