Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

اللواء احمد رجائي - الجزء الاول - الناصيه الثانيه

 

الناصية الثانية

بقدر ما كانت الناصية الأولى هى مرحلة ملء الوجدان والعقل بالمعارف والثقافات وملء الجسم بالصحة سواء من الرياضة أو سلامة التغذية.

إلا أنى اعتبر الناصية الثانية هى مرحلة الصقل .. والاختيار فبقدر ما كانت الكلية الحربية أو الصاعقة هى اختيار بقدر ما كان فيهم من صقل لشخصيتى.

وبقدر ما كانت فترة الجزائر واليمن هى نواصى فى حياتى إلا أن اختيارى كان ينبع من مبادئى .. حيث مارست وطبقت فيهم معنى العزيمة والإصرار على الهدف والتمسك بالمبادئ مهما كلفنى الأمر.

فعندما كان يتعارض التكليف مع المبادئ .. كانت كفة المبادئ هى الراجحة دائما – فعند تخرجى من الكلية الحربية كانت أول خدمة لى مع قائد كان النجاح عنده لمن يتقـرب إليه زلفى .. فقد اخترت الاعتزاز بالنفس وبسبب ذلك انتقلت من الوحدة تحت رحمة أن اثبت بالجيش من عدمه.

وعندما توليت أول قيادة لى بمدرسة الصاعقة (أركانحرب الجناح الخاص) .. وصارت لى مكتب مستقل .. فكان أول عمل لى هو نزع صورة الرئيسى والمشير المعلقتين خلفى .. لأضـع مكانهما براوز به كلمة (الله جل جلاله) .. وعندما أخذت على ذلك .. لم أمتثل .. وصار مبدأ عندى وفى كل مكان توليته بعد ذلك.

وعندما كلفت بالقتال فى اليمن وكان متواجد ضمن الهدف (العدو) نساء وأطفال .. فإنى لم اشترك .. رغم تعرضى للمساءلة والتى قد تصل إلى الرفت من الخدمة .. أما الإضافات فقد أضفت الكثير فى هذه المرحلة من العمل بالصاعقة مثل طرق السير والإعاشة والقتال فى المناطق الجبلية والتى كان مقصورا فيها العمل إلا بالإدلاء البدو والاعتماد عليهم .. كما طورت النزول من الهليوكبتر بواسطة الجبال فى حالة الثبات على ارتفاعات عالية أو القفز منها فى حالة الحركة على ارتفاعات منخفضة – كما طورت أسلوب الاقتراب والقتال بواسطة الهليوكبتر أو بواسطة القوارب المطاطية فى منطقة خليج السويس .. بل وضعت وطبقت أسس ذلك - كما كانت فترة الجزائر غنية بالعزيمة على تحقيق الهدف .. والتحدى على قيادة مجموعة فى مكان منعزل بعيدًا عن مصر بآلاف الكيلومترات وكذلك قيادة أعداد كبيرة من أفراد غير مصريين (جزائريين) وبنجاح رغم اختلاف العادات والتقاليد .. ومحاربة هذا العمل من أفراد وجهات شتى.

ولكونى ضابط مدفعية فى الأصل قبل خدمتى بالصاعقة .. فقد أدخلت أعمال الضرب بالصواريخ بطرق مبتكرة سواء فى التدريب أو العمليات فيما بعد ضمن العمليات الخاصة .. حيث جهزت عربات الجيب والقوارب المطاطية للضرب بالصواريخ الميدانية .. وأدخلت تدريب الضرب بقواذف الدبابات السلكية من أعلى إلى أسفل وأشركتها فى العمليات فى فترة لاحقة (معارك الاستنزاف).

 

الكلية الحربية

   فى عام 1955 – 1956 حصلت على "التوجيهية" أو الثانوية العامة وقد كنت قسم رياضة فكانت التوجيهية مقسمة ما بين أدبى وعلمى ورياضة وكان تخطيطى هو دخول كلية الهندسة فقد كنت عاشقًا للرياضيـات جدًا، وفى منتصف العام الدراسى تقريبا .. قالت لى والدتى .. "أنت حتدخل كلية إيه"– فقلت: الهندسـة إن شاء الله .. زى خالى .. فقـالت .. "أُمـال مـين اللى حيطلع اليهود من فلسطين" وبعد حصولى على شهادة التوجيهية.

وكنا ثمانية عشر طالبًا فى نفس الشارع ومعنا بنت واحدة وإذا بى أتوجه إلى الكلية الحربية وأقدم أوراقى بها ولم أتقدم إلى أى كلية أخرى، سوى كلية الطيران، وقد نجحت فى كشف الكلية الحربية قبل استكمال باقى الكشوف فى كلية الطيران وهو كشف الهيئة، وعندما وصلنى خطاب الكلية الحربية اتجهت إليها، وقد كان السبب فى هذا الاتجاه نحو الكلية الحربية هى "أمى" فتـلك الفترة كانت مشتعلة بما يحدث داخل "فلسطين" وما

 

 

 

تقوم به "إسرائيل" تجاه العرب إخواننا الفلسطينيين علاوة على أن والدها كان (أميرلاى) سابق بالجيش.

وقد دخلت الكلية الحربية وقضيت فترة الـ45 يوم الخاصة بالمستجدين، ثم أخذنا إجازة بسيطة (خميس وجمعة) وعدنا إلى الكلية لمدة أسبوع فى انتظار إجازة نهاية الأسبوع وإذا بحرب 1956 وحرب الاعتداء "الإسرائيلى" علينا حرب الاعتداء الثلاثى وقد تم ضرب الكلية الحربية بالطيران، وتحركنا ونحن فى الكلية إلى منطقة المعادى كمنطقة انتشار ثم إلى أسيوط لكى يتم اختبار فترة الإعدادى حيث إن الدارسة بالكلية الحربية مقسمة إلى إعدادى ومتوسط ونهائى وانتقلنا إلى الصف المتوسط وبعد دراسة أربعة أشهر ونصف بالقسم الإعدادى.

وكانت الدفعة التى التحقت بها هى رقم 38، أكملنا  بها عام ونصف .. ثم تخرجنا منها ضباط، وكان عمرى وقتها 20سنة، وأقول إن سن عطاء الشباب هو من بداية 18 إلى 28 سنة والزمن المناسب لمواجهـة الحيـاة هو ذلك الوقت فعندما يتخرج الفرد فى هذا السن 18 سـنة يقول أنا أريد أن أعطى ولكن عندما يتخرج بدءًا من سـن الـ23 سنة يقول أنـه يريد أن يأخذ قبل أن يعطى .. لذا يجب أن تعد مصر شبابها فى الوقت المناسب.

وفى تلك الفترة (الكلية الحربية) حصلت على جائزة بطل الدفعة فى الرماية، وقد شاركت رياضيًا فى فريق الملاكمة وحصلنا على فرقة "صاعقة" محليـة ونحن بالكلية الحربية، وكانت أول تجربة بالكلية الحربيـة أن تحصل دفعة على فرقة صاعقة، وكان عدد الدفعة حوالى 400 طالب كان ترتيبى فى التفوق الدراسى الـ80 فقد وقع على جزاء واحد وأنا فى القسم النهائى .. عندما دخلت من باب الكلية فى إحدى الإجازات بالطعام (حلاوة وجبنة) ولولا هذا الجزاء لكان ترتيبى 20على الدفعة، وتخرجت فى مايو 1958 وتم توزيعى على سلاح المدفعية وخاصة أننى كنت متميزًا فى مادة الرياضيات. ودرسنا فرقة ضباط أصاغر وكانت الفرقة على العقيدة الغربية ومضينا بها حوالى 3 شهور.. وكنا نبيت داخل مدرسة المدفعية مثل طلاب الكلية الحربية، ثم تم التوزيع على الوحدات وقد تم توزيعى على "ك 312" مدفعية وهى مدافع "هاوتز"، وهذه الوحدة كانت عبارة عن "آلاى"  – وهو الآلاى الرابع مدفعية وكان قد قسـم


إلى أكثر من وحدة (كتيبة مدفعية + سرية م/ء + سرية هاون) حسب العقيدة الشرقية فى التنظيم، وكان نصيبى هو "ك312" مدفعية. وكان قائد الكتيبة هو الرائد (إلهامى الشيخ)، ولكن بعد 6 شهور تم نقلى من الوحدة بسبب خلاف مع القائد ومن أهمها أنى كنت ارغب فى الحصول على فرقة الصاعقة .. وهو يرفض ذلك وكان من وجهة نظره أنى لا أصلح للخدمة بالقوات المسلحة – وفى هذه الحالة يعطى للضابط فرصة أخرى فى وحدة أخرى .. وهذا ما تم معى حتى يمكن أن يتم تثبيتى فى الجيش، وكنا فى فترة "ملازم تحت الاختبار" ، ومن الغريب أن اختلافى مع القائد من بداية رتبتى ملازم استمرت حتى أنهيت خدمتى فى العمل بالقوات المسلحة.

وانتقلت من وحدة "ك 312" إلى "س 21" هاون، وهى سـرية منفصـلة موقعـها "فايد" وقائدها تم ترقيته إلى نقيب وأنا أخدم معه، وكان معى ضابط أحدث منى واعتبرت خدمتى فى هذه السرية تجربة جيدة وأفادتنى كثيرًا لأن قائد السرية .. كان فى إجازة أو داخل المستشفى – يتمارض – وكنت أنا المسئول عن السرية، وكان فى العادة عند حل "الآلاى" ويتم تشكيل الكتائب والسرايا منها حيث يتم اختيار أفضل العناصر للكتائب ويتم تحويل باقى الجنود والصف ضباط إلى السرايا المنفصلة وغالبا ما يكونوا من العناصر السيئة، وقد ذهبت على وحدة بهذا الشكل وهى س21 هاون، ومما زاد "الطين بلة" هو دخول 7 من الصف ضباط حديثى التخرج وكان سنهم يتراوح بين  17- 18 سنة وذلك للخدمة بالسرية.

وكان واضحًا أنهم صغار السن والمفروض عليهم أن يتولوا القيادة على هذه النوعية من الصف والعساكر وكان هناك 6مدافع هاون، لكل مدفع مسئول عنه أحد هؤلاء "الصف الضباط " فكان الأمر صعب من تحويل هؤلاء الصف الضباط الجدد حديثى التخرج فى التحكم فى هذه السرية وجعل منهم قادة يقودون أطقم العمل معهم، ولكنى تمكنت بالحكمة والعمل أن أسيطر هؤلاء على السرية ولم أنسَ الصف ضابط السابع ويدعى "عبد المجيد" وكان شاب موهوب جدًا فى عملياته الحسابية، وقد كان آخر العام التدريبى يتم الدخول فى مسابقة لمعرفة أفضل سرية وأفضل كتيبة على مستوى القوات المسلحة، وكانت السرية التى أعمل بها من ضمن السرايا التى تدخـل هذا التدريب الاختبـارى، وبهـذا الشـكل الذى ذكرته

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ستطعت أن أصل بها فى المسابقة إلى الحصول على المركز الأول على مستوى القوات المسلحة، وقد عادت الثقة إلى نفسى بعد نقلى من الوحدة السـابقة بتقرير لا يحسد عليه أحد – إلا إنه خلال الـ6 شهور أظهرت هـذه السـرية كفاءة وأصبحت رقم (1) على القوات المسلحة رغـم أنه كان قائد السرية بعيد كل البعد عما يحدث داخل السرية حتى فى يوم اختبار السرية بالذخيرة الحية.

وكان قائد مدفعية اللواء يدعى العقيد (جمال محفوظ) وقد أصبح فيما بعد مؤرخ للعسكرية فى الإسلام – وقد أفادنى كثيرا بنصائحه ولكن أهـم نصيحة كانت مقولته المشهورة (الضابط يساوى نوته وقلم) وكان يتمم دائما على الضباط بضرورة تواجد النوتة والقلم مع كل شخص .. وكان يقول على الضابط أن يدون أى شىء فى النوتة الخاصة به سواء ميعاد أو فكرة أو تخطيط .. وقد تطور هذا الشىء معى من نوته إلى أجنده كبيرة إلى شنطة بها عدة دوسيات .. كل دوسيه به موضوع أو فكرة أو تخطيط .. واعتقد أن ذلك الذى جعلنى فى أواخر عمرى .. كاتبا .. وشاعراً .. وروائى.  

الصاعقة

تحركنا من "فايد" وهى تابعة للواء الأول مشاة، إلى منطقة الهرم أول طريق الفيوم، وفى تلك الفترة كان مازال عندى الرغبة فى الحصول على فرقة صاعقة ولكن قائد مدفعية اللواء كان يقف حيال هذا الأمر .. حتى لا أحصل على هذه الفرقة وقد يكون السبب فى أنه يعلم أن من يحصل على هذه الفرقة ويكون على مستوى جيد .. فسوف يتم حجزه بالصاعقة وبذلك يفقد ضباط أكفاء .. لقد اختلفت صورتى فى القوات المسلحة وخاصة بعد فوز السرية بالمركز الأول على القوات المسلحة وفى أحدى الأيام أمرت "البلوكامين" أن يكتب لى خطابًا لإعطائى فرقة صاعقة وذهبت إلى الفرقة دون أخذ إمضاء قائد مدفعيـة اللواء .. حيث وقعـت مكانه والتحقت بالفرقة رقم 13 داخـل مدرسة الصاعقة، وبدأت فرقة الصاعقـة وكان معى حـوالى 84  ضابط والباقى 20 صف ضابط، والفرقة كانت 3 شهور.

وأثناء فترة الجناح الأساسى بالصاعقة .. فقد أصابتنى حالة من المرض وهى نزلة برد شديدة صاحبها نوع من الكحة ومعها حساسية تظهر فى المساء عند النوم مما جعلنى لم أنم لمدة خمسة عشر يوما كاملة أثناء الفرقة ومع ذلك زاد اصرارى على الحصول على فرقة الصاعقة، وكان عندى الرغبة فى الاستمرار داخل هذه الفرقة والتى أصبحت فيها من المتميزين بها، حيث كان من المفروض أن أكون من الأوائل ولكن الخلاف الذى قد نشأ بينى وبين معلمى الدوريات خلال فترة التدريب سواء كان فى فترة جناح الجبال أو جناح الدوريات جعل مشرف الفرقة يرغب فى إخراجى من الانضمام كمدرس بمدرسة الصاعقة، وقد تم حجز حوالى 24 ضابطًا كمعلمـين بالمدرسة .. أو يتم توزيعهم على كتائب الصاعقة وكنت مع الذين استبعدوا من الانضمام بوحدات الصاعقة .. رغم أن ترتيبى الـ (14) على الفرقة.

ولكن ما حدث بعد ذلك لا يمكن أن أنساه، فعندما وقفنا أمام مكتب قائد الصاعقة لإلقاء التحية وأخذ خطاب الترحيل إلى وحداتنا، فإذا (بجلال هريدى) وكان برتبه مقدم وقائدًا للصاعقة .. حين ذاك .. يسأل مشرف الفرقة وكان دفعتى "إية .. رجائى مش محجوز ليه؟"  وقد حفظ اسـمى من بعض المواقـف التى

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شاهدها أثناء فترة التدريب وتفوق بها، وإذا بمشرف الفرقة "يميل عليه" ويقول له فى أذنه بعض الكلام "الله أعلم ما هو" عن سبب عدم حجزى بوحدات الصاعقة، ولكن السبب كنت أعلمه .. وهو إختلافى مع بعض المعلمين فى المواقف التعليمية غالبا .. وكانوا معظمهم .. إما دفعتى أو دفعة قبل منى – وكنت دائما على صواب ولكن ذلك كان يثير حساسية بينى وبينهم.

وإذا بجلال هريدى يؤكد حجزى وانضمامى إلى الـ24ضابط ومنذ هذا الوقت وأنا ضمن قوات الصاعقة، فقد كنت فى حالة من الخوف عند عودتى إلى الوحدة التى خرجت منها دون إذن وخوفى من محاكمتى، وسبحان الله تغيرت مسيرتى فى لحظة أرادها الله وصنعها (جلال هريدى) وتم حجزى بوحدات الصاعقة وقد تم إلحاقى إلى جناح العدو وهو يمثل قوات العدو فى الدوريات بالنسبة إلى الجناح الراقى أو الجناح الخاص، والجناح الراقى هو الذى يتم التدريب فيه .. فى الأرض الزراعية والصحراء المكشوفة والجناح الخاص هو جناح الجبال. وكان عمل الضابط الذى يمثل العدو مع القوة التى تركب عربية يقف فى مناطق معينة ويتم تمثيل مواقف ليعلم الطلبة من خلالها كيف يمكن أن يتصرف الطلاب خلالها، وعندما انضممت إلى الجناح تصرفت بشكل مختلف تمامًا فقد كنت أسير مع الطلاب بشكل كامل سواء فى الجناح الراقى أو الجناح الخاص لأفرض المواقف المفاجئة لتدريب الطلبة على كيفية التصرف وقد ظهرت بمظهر مشرف ومع انتهاء أول فرقة صاعقة كان هناك نزاع لانضمامى للجناح الخاص أو الجناح الراقـى وكلاهما يريد أن أنضم إليه، وقد اخترت الجناح الخاص – الجبال – فقد وجدت نفسى أميل إليه والعمل به فالعمل به أصعب وأفضل وسبحان الله فقـد كانوا هم نفس المعلمين الذين أوصوا بعدم إنضامى لقوات الصاعقة أثناء الفرقة.

وعند انضمامى إلى الجنـاح الخاص (جناح الجبال) وجدت الذى يسبقنى فى الجناح من دفعتى الملازم أول (مختار الفار) وقد استفدت منه الكثير فكان لديه إحساس عالٍ للسير فى الجبال، فمعظم الدوريات كان الضباط  يستعينون "بالأدلة" من البدو للسير فى الجبال، وقد ألغينا ذلك وأصبحنا نحن الأدلة والمعلمين فى نفس الوقت ووضعنا قواعد جديدة لأسلوب التعليم مختلفة تمامًا، بحيث إن الطالب يتعلم كيف يمكن أن يسير فى الجبل دون الدليل، واستخدام الخرائط فى السير داخل الجبال. قضيت خدمتى فى الفترات الأولى داخل مدرسة الصاعقة كضابط متميز بين أقرانى،  فقد كنت أول من أدخل النزول من طائرات الهليوكوبتر عن طريق الحبل والحلقة، ورغم المعارضة الشديدة من الضباط القدامى، وتقليل عزيمتى من هذه التجربة ولكن قمت بنجاح بذلك أمام أحد الزيارات التى كانت تزور الصاعقة، وكان إضافة كبيرة فى ذلك الوقت، وأخرى عند زيارة الوفود الأفريقية للصاعقـة وكان معهم اللـواء (محمد فوزى) وقد تم عرض لم يكن فيه الشكل المطلوب وطلبت من المقدم (جلال هريدى) أن يتم القفز من الطائر مباشرة داخل ترعة الإسماعيلية دون حبل وطلب منى فعل ذلك وكان أقصى ارتفاع يمكن أن تقف عنده الطائرة حوالى 45 متر وبالفعل قفزت من هذا الارتفاع فى ترعة الإسماعيلية وعند تقدمى للوصول إلى حرف الترعة وإلقاء التحية وإذا باللواء (محمد فوزى) يتقدم عدة خطوات وإنا أسفل طرف الترعة وجسمى ملئ بالطمى وإذا به يمد يده ليسلم علىّ وفعلاً ألقيت التحية العسكرية ويدى متسخة بالطمى وإذ به يمد ليسلم علىّ باليد وهو سعيد بهذا العرض الجيد والجديد من نوعه .. وتقدم منه بعض ممن حوله لتنظيف يده من الطمى بمناديلهم، وأذكر موقفًا آخر للواء(محمد فوزى) وأنا داخل الكلية الحربية وطلب منى قائد السرية أن ألعب ملاكمة بوزن متوسط أمام الطالب(محمود مهران) وأنا كنت طالبا فى الإعدادى فى الشهور الأولى وكان وزنى يختلف (وزن ثقيل) عن وزن المتوسط وبالفعل لعبت المباراة بالأمر وبعد أن تم إنزال وزنى حوالى خمسة عشر كيلو مرة واحدة مما جعلنى فى حالة هزال وفى إحدى الجولات وأنا أنزف دماء من العلقة الساخنة التى أخذتها من العريف الطالب (محمود مهران) وكان طالبًا فى نهائى إذا بالمدرب الخاص بى يلقى بالفوطة داخل الحلبة .. ولكنى أقوم بإلقائها خارج الحلبة كى استكمل المباراة وأرفض الانسحاب من المباراة حتى انتهت الثلاث جولات وقام الحكم بإعـلان فـوز (محمود مهران) ورفـع يده، وإذا باللواء (محمد فوزى) يصعد إلى الحلبة ويقوم برفع يدى ويده إعلاناً منه بفوزى وذلك لاستمرارى فى المباراة حيث إنه كان يشجع المواقف التى تمتلئ بالعزيمة والإصرار وعدم الرضوخ أمام الانهزام ويحث على المواقف الشجاعة، وكما قال الله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".

 

الجـزائر

   بعد خدمتى فى الصاعقة مدة عامين ونصف سافرت إلى الجزائر فى بعثة أنا ومجموعة من الضباط وصف ضباط، وكان الغرض من السفر فى بداية الأمر هو حل الخلاف بين الجزائر والمغرب على الصحراء الغربية، وكان هناك بعثة من المدفعيـة والمدرعات وبعثة من الصاعقة .. لتقف بجانب القوات الجزائرية.

وفى صيف أحد الأيام وأنا فى المنزل فى إجازة وجدت تليفونًا يحدثنى فيه الملازم أول (فؤاد سعد الدين) وهو الآن محافظ المنوفية، وكان معنا فى الصاعقة يقول لى: " أنت قاعد فى البيت ونايم على ودانك .. فى أربعة مسافرين وواخدين واحد أحدث منك فى الالتحاق إلى الصاعقة"، وكان الرابع هـو (صلاح خيرى غنيم)، وقد تعدو دورى وكان عمة هو قائد المنطقة المركزية اللواء "غنيم"، وبالفعل ذهبت فى اليوم التالى وأحمل معى حقيبة سفرى بها ملابس، وقابلت قائد مدرسـة الصاعقة وكان المقدم (صلاح عبد الحليم)، قلت له أنكم تعديتم دورى وأنا أحضرت معى حقيبة سفرى إما أن أسافر وأحصل على دورى وإما أن أنتقل من الصاعقة، ولكن كان موقف المقدم (صلاح عبد الحليم) مشرفا حيث أحضر تصديق على سفرى مع البعثة علاوة على الأربعة ضباط .. وأصبحنا خمس ضباط و9 صف ضباط للسفر إلى الجزائر.

سافرنا إلى الجزائر ووصلنا العاصمة ثم انتقلنا إلى منطقة تدعى "كلوم بشـار" فى الغرب جنوبًا حوالى 700 ك غربا من العاصمة ثم 1200 ك آخرين إلى الجنوب وكان صاحب الفندق الذى أقمنا فيه رجل أفريقى متزوج من سيدة فرنسية، وخلال أسبوع انتهت الأزمة بين المغرب والجزائر، وإذا بـ(أبو مدين) وكان يشغل القائد العام للقوات المسلحة يقول لنا هل من الممكن أن يتم تدريب فرقة للصاعقة هنـا، وكنت فى ذلك الوقت قائدًا لهذه البعثة، وقلت له بالتأكيد، وقال إن هناك معسكرًا فى الشرق فى منطقة تدعى "أسكيكدا" كان بها معسكر للمظلات الفرنسية يمكن أن يتم تحويله إلى مدرسة صاعقة، ثم تم إرسال بعض الأفراد ليتم تدريبهم، وكان هذا أول "محك" لى فى إنشاء أول مؤسسة تعليمية، ورغم كل الصعوبات التى واجهناها.

لقد طلب السيد (هوارى بومدين ) هذا الطلب بشكل عفوى وببساطة شديدة .. وقد كانت كل ما تبع عفوى وبدون أى أوامر مكتوبة – لقد كان يقف أثناء هذا الطلب بعض من الشخصيات والتى علمت فيما بعد أنهم بعض قواد النواحى (المحافظات) وبعض العسكريين .. أحدهم يدعى طاهر وهو برتبه نقيب .. علمت فيما بعد أنه أبن أخت (هوارى بومدين)  وهو أحد المجاهدين فى الثورة الجزائرية .. وقد أمره (هوارى بومدين)  بأن يصطحب بعثة الصاعقة إلى الجزائر العاصمة ثم إلى بلدة أسكيكدا حيث المعسكر المطلوب تجهيزه كمدرسة للصاعقة.

تحركنا مع النقيب طاهر إلى الجزائر العاصمة .. حيث تركنا أفراد البعثة .. ثم ذهبنا سويا .. أنا وهو .. إلى أسكيكدا وهى تبعد عن العاصمة 500 كم وكانت عاصمة هذه الناحية وهى شرق الجزائر بلدة تسمى (قسنطينه) وكان قائد هذه الناحية (المحافظ) رائد يدعى (الشاذلى بن جديد) والذى تعين رئيس جمهورية فيما بعد وكان نائبه يسمى (محمد بن روچى) .. وكان بيد واحده حيث فقد يده فى حرب التحرير الجزائرية.

 

 

 


لقد كانت المسافة من العاصمة حتى أسكيكدا .. عبارة عن مسطحات كبيرة وجبال متوسطة الارتفاع وكلها تتميز بخضرة جميلة .. وكذلك الكثير من الجبال والتى توجد بها غابات كثيفة .. يعرف عنها أنها مليئة بالخنازير البرية المتوحشة والذئاب وأنواع مختلفة من الثعابين والقنفد والثعالب – ووصلنا المعسكر وهو يبعد عن بلدة أسكيكدا ثمانية كيلومترات إلى الشرق على طريق أسكيكدا – عنابه – وهو عبارة عن معسكر كبير ونموذجى ويقع على ربوه عالية تطل على ميـاه البحـر الأبيض المتوسط .. ولكنه مهجور تماما ومعظم زجاج الشـبابيك مكسر .. ولكنه كامل الأدوات الصحية والأبواب سليمة والحوائط نظيفة .. وكان قد تركها قوات المظلات الفرنسية من مدة قريبة.

وقال لى النقيب (طاهر) بعد أن وافقت على المكان .. أنه سوف يرسل لإحضار باقى البعثة .. وتركنى فى المعسكر على أنه سيرسل أسره ومراتب ودواليب بعدد أفراد البعثة.

وبعد أن ترك المعسكر .. ظهر لى شخص فى منتصف الأربعينات .. قدم لى نفسـه على أنه حارس على هذا المعسكر

 

 

 

 

وقال لا يوجد وسيلة مواصلات إلى البلدة .. ولكن لديه دراجة .. كما أن ليس هناك أى اتصال هاتفى.

وفعلا بعد عدة ساعات حضرت بعض اللوارى وبها ما وعد به من مفروشات وبعض المكاتب والكراسى .. كما أرسل عربة جيب تركها السائق لى بعد أن أعطانى المفتاح.

كما قلت من قبل أن السيد (هوارى بومدين) بسيط وتلقائى فى كلامه معى .. فقد كان كل التصرفات اللاحقة عفويه وتلقائية.

وصل باقى أفراد البعثة وكانوا النقيب (سمير ياسين) والملازم أو (نبيل حسن) و (شاكر مرسى) و(صلاح خيرى) وأنضم فيما بعد الطبيب ملازم أول (سمير النادى أبو طالب).

كان اتصالى مباشرة بالنقيب (طاهر) بتكليف من (بومدين) لتوفير الاحتياجات .. رغم كثرة الاتصال .. إلا أنه لم يصل للمعسكر أى فنى سواء سباك أو كهربائى أو نجار وذلك لتجهيز المعسكر .. لكننا بدأنا بإمكانياتنا نحن الضابط والصف ضباط فى تجهيز ما يمكن استخدامه من منشآت سواء للمكاتب أو إقامة الضباط وضباط الصف وكذلك عنابر لاستقبال الطلبة – لقد اشترينا بمالنا الخاص الأدوات والعدد اللازمة .. وفعلا تم تجهيز المطـلوب وكذلك تجهيز ما يخص تدريب الصاعقة من ميدان الاشـتباك .. والعقل الرياضية والمـلاعب مثل كرة القدم واليد والطـائرة – كما أعـددنا بإمكانياتنـا عيادة صغيرة تفى بالغرض.

كل هذا ولم يصلنا أى مساعدة من الجانب الجزائرى أو من القاهرة .. اللهم بعض الأجولة من الفول والعدس والأرز والفاصوليا .. والتى كنا نجهز غذائنا منه مع بعض الإضافات من السـوق المحلى .. حيث كنا نصرف بدل سـفر من الملحق عبـارة عن بدل اغتراب .. وهى تكاد أن تفى المطلوب من الحياة.

وأحب أن اذكر هنا واقعه .. هى أن الصف ضباط المصريين المعلمين .. قد تجمعوا بعد عمل عدة أيام ليعلنوا أنهم لن يؤدوا هذه الأعمال الإنشائية والإدارية .. حيث إنهم معلمون .. رغم أن الضباط كانت نشاركهم نفس العمل .. يد بيد.

ولكنى أخبرتهم بأن يحزموا شنطهم وقررت نزولهم إلى القاهرة ولكنهم تراجعوا عندما وجدوا الجدية فى أوامرى – وفى نفس الوقت تركتهم أسبوع مع عدم تفريغ شنطهم .. إلى أن أثبتوا وجودهم فى العمل.

وفى نفس الوقت بدأت فى تجهيز ورقيات المدرسة كمنهج تعليمى من دوريات فى الأرض المفتوحة وكذلك فى الجبال والغابات .. والتى كان يندهش الجزائريون أننا ندخل هذه الغابات مع علمنا بما فيها من إخطار وكان يساعدنى على ذلك أن الضباط الذين معى قد خدموا فى الجناح الأساسى والجناح الراقى والجناح الخاص.

وأثناء هذا العمل كله والذى قارب على الشهر .. كنت أحاول أن أطلب توقيت لإرسال جنود لتدريبهم .. ولكن دون جدوى .. أخيرا أرسل قائد ناحية (كلوم بشار) مائتي شاب كلهم مدنيين ويتمتعون ببشرة سمراء حيث إنهم جميعا من الجنوب.

وقد تم تدريبهم من الأساس حيث اضطرنا لإضافة شهر للفرقة لتحويلهم إلى جنود كما تم تدريبهم على السير بالخطوة المعتادة .. والسريعة .. والرماية بالبندقية والتكتيكات الصغرى من التقدم والانسحاب .. واللياقة البدنية .. أى أننا قمنا بتحويلهم من مدنيين إلى رجال عسكريين قبل أن نبدأ بهم فرقة الصاعقة – لقد كانت هذه المهمة فى مصر يقوم بها مراكز التدريب المستجدين .. ولكن فى الجزائر .. اضطررنا للقيام بها قبل أن تبدأ فرقة الصاعقة .. وقد أستغرق ذلك مدة حوالى الشهر.

وفى أحدى الليالى وبعد أسبوع تقريبا .. حضر لى بعض الصف ضباط وكانت حوالى الساعة الحادية عشر .. أى بعد ميعاد نوم الجنود – واخبرنى أنه توجد حالة تذمر بين الجنود الجزائريين .. وهم فى حالة هياج ومجتمعين ومعهم بعض العصى والهراوات .. معترضين على الاستمرار فى التدريب .. وفى ثوان ارتديت ملابسى الميرى .. وخرجت لهم وكان الظلام حالك إلا من بعض الضوء المنبعث من عدة لمبات مضاءة – وقد بدأت فى حديث خطابى معهم وبصوت عالى فى حشد قارب المائتى فرد .. وكان حديثى معهم يشـمل على الجمل الوطنية وتذكيرهم بالمستعمر الذى لم يبرح بلادهم إلا من عدة أشهر ومازلت إثارة باقية .. وأثناء حديثى معهم وجدت انصياع واستماع لكل كلمة والقوا بما فى أيدهم .. وخرج أحدهم واذكر اسـمه حتى الآن واسمه (إبراهيم المقدم) .. ليستأذن منى ويوقف باقى زملاؤه فى صفوف منتظمة عسكريا .. ثم أكمـلت خطابى لهم .. وهكذا تمكنت من السيطرة عليهم .. وخـلدوا إلى عنـابرهم وبدأنا التدريب فى اليوم التالى وبروح عاليه.  

واذكر هنا واقعـة أخرى .. وهى أن قائـد الناحية السيد الرائد (الشاذلى بن جديد) قد أزعجه عدم اتصالى به .. حيث كنت أقوم بالاتصال مع (بومدين) مباشرة بوزارة الحربية .. لقد كنت لا أعلم فى هذا الوقت بأن الاتصال به شىء مهم – فاستدعانى فى مكتبه ببلده قسنطينه وقد تكلم معى بشكل غير لائق .. ولكنى رددت عليه بالمثل .. فما كان منه إلا أن أستدعى حرس من أربعة جنود .. وكان يبدوا أنه أعد لذلك من قبل حيث قال (أنت تحت التحفظ) .. وقد قام احتكاك بينى وبينهم .. ولكنى الله نصرنى فقد أرضتهم أرضا .. تركت المكتب بعد أن أفترشوا الأرض فى ضربة واحدة ..  وقد سرت مسافة حوالى 200م إلى أن خرجت من مكتبه إلى بوابـة الديوان (المحافظة) وكانوا أطول مائتى متر فى حياتى .. حيث كنت انتظر اللحاق بى وكنت أتوقع أى شىء.

 

وتوجهت بعد ذلك إلى مكتب الملحق الحربى بالجزائر .. وطلبت منه أن أنهى مأموريتى لما وجدته من سوء معاملة وذكرت له ما حدث .. ولكنه أثنـانى عن قرارى عندما قال – أحنا هنا مبشرين للقومية العربية .. فكيف لا ترتقى للراهبات المبشرات فى أدغال أفريقيا.

وفعلا توجهت إلى المعسكر فى اسكتكدا مره ثانية لأقود البعثة مرة أخرى بروح وتصميم أعلى مما كانت.

ونصرنى الله أكثر .. عندما أتممنا فرقة الصاعقة للدفعة الأولى وتم إشراكهم فى العرض العسكرى لعيد الثورة الجزائرية .. والذى شاهده (بن بلا) رئيس الجمهورية و(بومدين) وكافة قواد النواحى (المحافظين).

وبعد عدة أيام من العرض العسكرى .. فوجئت بأن يدخل علينا بالمعسكر باسكيكدا (بومدين) و(الشاذلى بن جديد) .. وقد اعتذر (الشاذلى بن جديد) عما بدر منه قبلى فى المكتب – وافهمنى أن بعض الأشخاص هو الذى وشى بى وأنه لم يكن يفهم الوضع .. ولكنه بعد أن راجع (بومدين) وجد الجنود الذين تدربوا ظهروا بمظهر مشرف فى العرض العسكرى .. مما أثار تعليق الملحقين العسكريين الأجانب.

بعد العرض العسكرى هذا .. بدأ الجميع سواء فى البلدة أو الناحية كلها يظهرون احترامهم لنا .. وقد وصلت حسن علاقاتى بالجزائريين بأن أصلحت من وضع البعثة التعليمية الموجودة بالبلدة (المدرسين) سواء فى تحسين مستوى المسكن والمعيشة وكذلك اختلفت المعاملة معهم من قبل الجزائريين.

وقد استأجرت فيلا على البحر مباشرة وكانت منتدى لكافة القيادات من أهل البلدة وبعض الفرنسيين الذين مازالوا فى البلدة وكنا نحن ضباط الصاعقـة أعضـاء بارزين فى فـريق كرة السلة بالبلدة .. حيث كان ترتيب هذا الفريق متأخر دائما فى دورى كرة السلة على مستوى الجزائر .. ولكن أصبح بعد ذلك فى المقدمـة .. بل كان ترتيبه الأول على مستوى دورى بطولة الجزائر.

وقد مكثت حوالى سنتين ونصف .. ثم إنشاء كتيبه صاعقة ومدرسة صاعقة ومركز تدريب للمستجدين.

وانتهـيت مأموريتـى بعـد ذلك ليتسـلم منـى النقـيب (سـيد الشرقاوى) البعثة.

لقد أعطتنى هذه البعثة ثقة كبيرة فى نفسى حيث كنت لم أتجاوز الرابعة والعشرين .. وقد قضيت بعثه تعليمية لأصعب أنواع التدريب وهى فرق وتشكيلات الصاعقة .. اعتقد أننى قمت بها مع زملائى على أكمل وجه .. فإننا لم نخرج من القاهرة ومعنا أى وثائق للتدريب أو على استعداد لذلك .. ومع هذا أكملناها على أكمل وجه .. وكان تحركنا فى الجزائر على المستوى الشعبى والسياسى فى التعاملات .. وقد تجاوزناها بشرف .. كما أن الصعوبات التى واجهتنا تخطيناها كلها بحكمة وعقلانية – لقد أضافت هذه البعثة لى الكثير .. وخاصة بعد خروجى للحياة المدنية واختيارى للحياة التعليمية وإنشاء المدارس .. وذلك بعد حوالى خمسة عشر عام من هذه الأحداث.

 

اليمـن

   بعد رجوعى إلى القاهـرة انضممت ثانية إلى الجناح الخاص .. والذى كنت قد تركته وأنا قائد لهذا الجناح .. وكان معى دفعتى (مختار الفار) و(أحمد منصور) وهم بعد منى بدفعة .. وقد ذهبت أنا للجـزائر وذهب (مختار الفار) إلى اليمن .. وقد تم ترقيتهم استثنائيا فى اليمن .. وصاروا أقدم منى.

وكان علىّ أن أخدم بالجناح فى هذا الوضع .. والذى كنت أرفضه بشدة .. ولعلاقتى معهم الحميمة .. كانت الأدبيات محفوظة .. فقد كنت أنا المتصرف فى كل شىء .. وقد راعوا هم ذلك .. وبعد حوالى شهرين طلب منى أن أسافر إلى اليمن.

ذهبت إلى اليمن فى شهر أغسطس 1965 .. وقـد تعينت قائد سرية فى كتيبـة الصاعقـة الموجـودة فى منطقـة صعدا وكان قائد الكتيبـة الرائد (جمال فهمى) وقائـد المنطقة اللواء (نبيه السرسى).

وكنت قد سمعت من زملائى وأخى هشام عن ما يجرى فى اليمن .. وخاصة من ناحية الجانب الإنسانى فى المعارك .. وعن بعض التجاوزات التى كانت تحدث من بعض أفراد القوات المسلحة ضد الأفراد اليمينين المقاتلين .. وقد كانت هذه الأشياء لا أقرها بداخلى – وقد قررت أن أراعى ذلك فى عملى باليمن من خلال أعمال القتال المعروض علينا.

وقد سمع أخى الأكبر بهذه الأحداث من أقربائنا العائدين من اليمـن فقال لى مقوله أثرت فى وجدانى وأنا ذاهب إلى اليمن .. حـيث قال (خلى بالك أنك حتحارب ناس بتقول الله أكبر زيها .. زيك).

وقد كرر علىّ هذه المقولة أثناء المواجهة مع ليبيا فيما بعد .. بعد أنضمامى لوحدتى باليمن بعده أسابيع تقرر أن تقوم أحدى سرايا الكتيبة بتدمير ثلاث منازل بمنطقة صعدا بحجة أنها مخازن أسلحة وذخائر وهى قريبـة من جبل أسمه جبل الأخرس – وقد كلف النقيب (على خيرى) بهذه العملية وهو قائد لأحد السرايا بالكتيبة – وقد تقرر أن أرافقه فى هذه العملية .. حتى أشاهد المعارك على الطبيعة .. أو كما يسمون ذلك بـ(تطعيم المعركة) بالنسبة لى.

وفى ليلة العملية كنت ملازم لقائد السرية المكلف بالعملية فى مركز قيادته .. حيث قسم النقيب (على خيرى) سريته إلى ثلاث مجموعات كل مجموعة مكلفة بمنزل من هذه المنازل الثلاث والتى بدعوى أن بها تشوينات أسلحة للمقاتلين اليمينين.

وكانت كل مجموعة مكلفة بتدمير المنزل بالمتفجرات ثم رميها بقاذفات اللهب ومهاجمتها – وفى أثناء الاقتراب ومحاصرة المنازل والاقتراب منها .. وقد بدأت خيوط الفجر تظهر .. شاهدت رجل قد خرج إلى تراسى المنزل بالدور العلوى لمراقبة المنطقة .. حيث إنه ببدو أنه شعر بشىء ما يحدث حـوله .. وقد لحقه طفل وطفلة .. وعندما لم ير شيئا قال بصـوت عال (الله اكبر) .. ثم دخل إلى الداخل – لقد تذكرت كلمة أخى الأكبر (سيد) فى هذه اللحظة – وفى لحظات كانت المفرقعات تهز المنازل وقوازف اللهب تمطرها .. بدأ الأفراد فى اطلاق النيران تجاه المنازل – ولكنى فوجئت أن هذه المنازل تفتح أبوابها ليخرج منها كم هائل من النساء والأطفال فى حالة ذعر وهرولة لأى اتجاه .. وقد بدأت خيوط النهار تضئ المنطقة .. وبدأ المقاتلون اليمينيون الموجودون بالجبل الأخرس الرد بالنيران – وظهر جليا لى أن الرجال تحتمى بالجبل ليلا ونترك النساء والأطفال بالمنازل – وظهر لى أيضا أن قواتنا تعلم هذا جيدا .. وخاصة عندما قلت لقائد السرية أن المنازل فيها أطفال عندما ظهروا خلف الرجل الذى ظهر .. فقال كلهم عدو .. وعند هذه اللحظة وقفت ووضعت البندقية على كتفى ولم أشارك فى القتال وبدأت العودة سيرا دون أن أشاركهم فى الانسحاب التكتيكى .. وقلت لنفسى لو أصابتنى طلقة .. فأننى استأهل .. لأننى شاركتهم فى هذا الموقف .. مع أنى لم أطلق طلقة واحدة .. وقد حاول البعض فى أن أرقد أو أشاركهم الانسحاب التكتبكى .. ولكنى رفضت واستمريت فى السير بالخطوة المعتادة.

وما أن وصـلت إلى مركز القيـادة الرئيـس حيث اللـواء (نبيه السرس) .. وكان قد سبقنى جميع أفـراد السـرية .. ويبدو أنهم ابلغوا اللواء (نبيـه) عمـا حدث منى من عدم مشاركتهم فى القتال.

ولكن اللواء (نبيه) أراد أن يستقطبنى بأن قال حمد الله على السلامة يا بطل .. أنا كتبت اسمك فى كشف الترقية .. والريالات!! وما أن قال ذلك حتى انفجرت فيه معاتبا وبصوت عال .. على هذا النوع من القتال ضد النساء والأطفال.

وعلمت فيما بعد أنه كتب تقرير فى حقى بأننى تقاعست عن القتال .. ووصف ذلك بمصطلحات كثيرة.

وكنت قد دعوت الله متأثرا بذلك الموقف بأنى دعوت ألا يعود علىّ هذا الشهر إلا وقد تركت اليمن – وفعلا لم تمر عدة أيام حتى جاءت إشارة من القاهرة بأن أنزل فورا من اليمن وأسلم نفسى إلى وزارة الحربية.

وقد اعتقد الجميع أنى سوف أتولى السرية الجديدة والتى يتم إنشاؤها فى القاهرة والمعروفة بـ(سرية حرس المشير عامر) وأمام هذه الإشارة .. تم تمزيق التقرير المكتوب فى حقى .. كما ودعونى فى المطار كل من اللواء (نبيه) وقائد الكتيبة .. ظناً منهم أنى سوف أكون من المقربين عندما أتولى السرية المزمع إنشائها لحراسة المشير.

وهكذا استجاب الله لدعوتى وتركت اليمن.

وعندما وصلت القاهرة .. توجهت فى اليوم التالى إلى قيادة وحدات الصاعقة وكان قائد الصاعقة فى ذلك الوقت العميد (حسن عبد الغنى) .. وقابلته بمكتبه وكان موجود بالمكتب العقيد (صلاح عبد الحليم) قائد مدرسة الصاعقة .. وبعد أن جلست .. وقد وجدت ترحاب غير عادى .. وعلى استحياء أخبرنى العميد (حسن عبد الغنى) أننى ضمن نشرة الحقائق رقم (5) .. والتى بها 65 ضابط قد تم الاستغناء عنهم .. حيث كانوا ضمن تنظيم الأخوان المسلمين عندما كانوا طلبة بالمدارس .. ولكنهم وجدوا منى عدم إكتراث .. وأنى استمريت فى نفس الحديث الودى وبروح مرحه.

فقال لى (حسن عبد الغنى) آيه حكايتك ياجدع أنت – أنا بلغت الرسالة دى لأثنين ضباط قبل منك .. وكانوا قاعدين على نفس الكرسى ولم يفيقوا إلا بالنشادر – فقلت له أنا فعلا سعيد بخروجى من الجيش .. لأنى لا أعتقد أنى كنت حقدر استمر بعد حكاية الترقيات الاستثنائية اللى حصلت فى الجيش مما جعل ضباط من تلاميذى أقدم منى .. والسبب حرب اليمن وخصوصا بعد ما حضرت معركة فيها.

وفجأة تكلم فى التليفون مع أحد ضباط المخابرات الحربية وكان أسمه المقدم (عوض) وكان يخدم فى المجموعة (13) .. وبعد عدة كلمات نظر إلى وقال أنت كنت فى مدرسة شبرا الثانوية .. فقلت له أنا لم أدخل حى شبرا إلا بعد تخرجى من الكلية الحربية فقال لى أكتب لى تسلسل دراسته فى الثانوى وذلك بعد أن قدم لى ورقة وقلم.

وبعـد حوالى شهرين قضيتهم فى الحياة المدنية .. طلبنى العميـد (حسن عبد الغنى) إلى مكتبه ليبلغنى رجوعى إلى الجيش مرة أخرى.

وقد كنت الوحيد من ضباط هذه النشرة (نشرة الحقائق رقم 5) الذى أعيد إلى الخدمة مرة أخرى.

مع بداية صيف 1967 .. ومع حرارة الجو .. بدأت تتصاعد القرارات السياسية والعسكرية على الجبهة الشرقية بسـيناء. وقد بدأت بطلب مصر بسحب قوات الأمم المتحدة مرورًا بغلق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية إلى الحشود العسكرية للقوات المسلحة إلى سيناء .. ورفع درجات الاستعداد للمواجهة المصرية الإسرائيلية.

حيث ابتلعت القيادة المصرية الطعم الذى أعده الغرب والصهيونية لمصر للمبادرة بالضربة الموجة لمصر فى هذا التوقيت بعد أن أُنهِك الجيش المصرى فى اليمن.

وذلك بغرض إسقاط نظام الحكم بقيادة (عبد الناصر) كهدف للغرب واحتلال سيناء كجزء مهم تضع الصهيونية عينها عليه .. فهى لم تنسَ لثورة يوليو 52 أنها قامت بأهم إنجازات قضت به على ما قام به الغرب بعد الحرب العالمية الأولى وأكدتها فى الحرب العالمية الثانية .. وهو احتلال الدول الكبرى للبلاد العربية والأفريقية وهذه الإنجازات هى:

تحرير كافة الدول العربية والأفريقية من المستعمر الأوربي.

إحياء القومية العربية.

مساعدة المد الثورى لأمريكا الجنوبية.

الاشتراك وتعظيم دور دول عدم الانحياز.

محاولة تفعيل دور جامعة الدول العربية وبداية إقامة الولايات العربية المتحدة.

ولم ينسَ الغرب أن كافة الدول العربية والدول الأفريقية قد تحررت من الاستعمار بفضل القيادة المصرية بزعامة جمال عبد الناصر.

وكنت فى ذلك الوقت أخدم بمدرسة الصاعقة قائدا للجناح الخاص وهو جناح الجبال.

فى يوم 29/5/1967 .. صدرت تعليمات باختيار6ضباط لاستطلاع ثلاث مناطق بصحراء النقب .. كل مهمة مكونة من 2 ضباط .. كنت أنا والنقيب محمود محرم زميلى بالمدرسة فى مهمة واحدة.

وفى يوم31/5/1967 .. سلمنا أنا و(محمود محرم) أنفسنا إلى مكتب مخابرات الكونتلا .. والذى كنا وصلناه فى نفس اليوم وقابلنا الرائد (أحمد السيد) الذى كان يجلس على مكتب ميدانى متواضع داخل كشك خشبى .. وبجانبه فانوس (هيركان) حيث كان الوقت ليلا وكان سماره اللامع .. مع بياض العينين وسواد الحدقتين .. وتراقص إضاءة الفانوس .. أعطى لنا انطباع أهمية المأمورية.

وخصوصا أنها كانت أول مرة لنا أن نكلف بمهام قتالية .. وليست مهام تدريبية وكانت المهمة هى استطلاع مطار يسمى بمطار (متسابية رامون) بصحراء النقب وهى تقع فى الشرق لمنطقة (الكونتلا) والمعروف أن هذا المكان أرض هبوط للطائرات يستخدم فى حالة الطوارئ .. والمطلوب هل هو سيستخدم أم لا؟

ليلة 31/5/1967 .. الساعة العاشرة مساءً .. تم التحرك من الحدود المصرية باتجاه (متسابية رامون) .. وكان معنا دليل بدوى سيتولى توجيهنا إلى المطار .. والمقدر له مسافة 9 كم من الحدود .. وكنا نُعلم الطلبة فى فرقة الصاعقة .. كيفية الحفاظ على الاتجاه وكيفية السيطرة على الدليل حتى لا يكون هو صاحب القرار وقد وجدت نفسى أطبق نفس المبادئ .. ووصل ثلاثتنا إلى المنطقة .. والتى تم رصد أرض الهبوط والتى لم نجد فيها أى حياة مما يدل على عدم نية العدو استخدامها .. وتم الرجوع وتقديم التقرير إلى ضابط المخابرات الرائد (أحمد السيد).

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech