Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

اللواء احمد رجائي - الجزء الاول - الناصيه الثالثة

 

الناصية الثالثة

رغم قصر هذه الفترة والتى لا تتعدى الأيام .. إلا أن غناها بأنها كانت المرة الأولى التى يتم فيها استخدام كل ما تم التدريب عليه أثناء السلم فى أول تجربة قتالية فى حياتى.

وقد اتسمت كل المواقف باليقظة وسرعة اتخاذ القرار معتمدا على عنصر المفاجأة والخداع لتحقيق الهدف وسلامة قواتى.

ولكن الفاجعة كانت متمثلة فى مشهدين:

المشهد الأول: مشهد الخيانة والسلبية على الجبهة الأردنية سواء من القيادة إلى وحدات الجيش الأردني.

المشهد الثانى: مشهد الفلسطينيين فى الضفة الغربية .. والذين لم يستعدوا لمثل هذا اليوم واعتـقادهم بأن حـرب 48 هى آخر المعارك واعتمادهم على القـوات النظاميـة سواء المصرية أو الأردنية.

فى حين أن قلب إسرائيل كان حتى هذا الوقت فى قبضه ومرمى الأسلحة الصغيرة والمتوسطة للأردن والفلسطينيين سواء فى الضفة أو غزة.

 

الأردن

وفى يوم 1/6/1967 .. انضممنا إلى قوات الصاعقة والتى كانت موجودة بجانب مدينة الكونتلا وكانت بقيادة العقيد جلال الهريدى قائد الصاعقة وقتئذ وخلال أيام (1، 2، 3) كان يصل لهذه القوات أفراد مدنيون مستدعون للخدمة .. وكانوا بأعداد كبيرة وبملابسهم المدنية وغالبيتهم قد تم تسريحه من الجيش منذ 10، 15 سنة كما أنهم لم يخدموا بالصاعقة من قبل- هذا رغم أن هناك دفعة كان قد تم تسريحهم رديف من الصاعقة منذ أقل من شهرين - لكن أحدًا منهم لم نجده بيننا.

وفى يوم 3/6/1967 .. صدرت التعليمات بنقل عدد 2 كتيبة .. كل كتيبة مكونة من ثلاث سرايا (السرية حوالى 100 فرد) إلى الأردن بقيادة العقيد جلال الهريدى .. وأتذكر أن المقدم أحمد عبد الله كان قائد إحـدى الكتائب وذهبنـا إلى مطـار (بير تمادا) لنستقل الطائرات إلى الأردن .. وأتذكر أننا استلمنا أفرولات وأحذية للأفراد الذين تم استدعاؤهم والذين كانوا مازالوا بالملابس المدنية .. وكانت هناك اختلافات كبيرة فى مقاسات الافرولات والأحذية .. أقلعنا من مطار (تمادا) ووصلنا فى ظهر نفـس اليوم إلى مطار (عمان) .. كان الملك (حسين) فى استقبالنا وبرفقته مركز القيادة المصرى هناك بقيادة اللواء (عبد المنعم رياض) واذكر من المدفعية المقدم (منير شاش). وتوجهنا إلى (رام الله) .. وانتشرنا هناك فى أماكن إيواء بجانب قيادة المنطقة برام الله.

وفى يوم 4/6/1967 .. بدأنا يومنا بأعمال إدارية ونظافة سلاح وبدأ الجنود الذين تم استدعاؤهم يتبادلون الملابس والأحذية فى محاولة لإيجاد مقاساتهم وأخذنا مواقع انتشار دفاعية حول المنطقة. كنت أنا و(محمود محرم) لسنا ضمن تنظيم الكتائب. فألحقنا على أحد الكتائب – وأذكر من قادة السرايا النقيب (شاكر مرسى) والذى خدم معى فى إنشاء مدرسة صاعقة ومركز تدريب بالجزائر لمدة حوالى ثلاث سنوات والنقيب مصطفى كامل والذى تولى محافظة بورسعيد فيما بعد. وأثناء العمل والتجهيز .. كنا نتبادل الكلمات الحماسية – جاء اليوم الذى سنحارب ونثبت وجودنا للعالم وبعض من الكلمات الحماسية – وأن هذه فرصتنا لاسترداد الأرض .. وغيرها من الكلمات الحماسية.

وفى يوم 5/6/1967 .. استيقظنا فى الخامسة صباحًا .. خرجنا إلى طابور الصباح الرياضى من السادسة إلى السابعة صباحا .. أخذنا حمام الصباح وتم تغيير الملابس وذهبنا إلى ميس الضباط بعد أن أطمأننا على إفطار الجنود وكان ذلك الساعة 7.45 دقيقة. تقابلنا فى الميس (المطعم) مع بعض الضبـاط الأردنيين وجلسـنا فى الصالون الملحق بالميس. وجلسنا نتعارف قبل الإفطار .. وأذكر أنه كان جالسًا فى الصدارة العقيد (جلال الهريدى) وقائد قطاع منطقة رام الله برتبه عميد وكان رجلاً طويلاً وضخمًا ممتلأ بشكل ملحوظ فى منطقة الوسط ومرت دقائق وقبل أن ننتقل إلى طعام الإفطار .. دخل ضابط أردنى برتبة صغيرة وفى حالة هلع مهرولا .. حتى وقف أمام قائد المنطقة وأدى التحية بشدة وقال افتح الراديو .. سيدى .. إسرائيل بدأت بهجوم جوى على مصر وفتح الراديو الموجود بالميس على محطة صوت العرب .. وكان إذاعة صوت العرب بصوت المذيع أحمد سعيد يكرر فى كل مرة .. جاءنا البيان التالى ويعلن عن سقوط العشرات من طائرات العدو.

 

مطـار اللد

    كنا فى فرحة عارمة بالأخبار التى نسمعها.. وهنا ظهر (جلال هريدى) وقال .. "جه يومنا ياولاد .. فى أمر عمليات حيتم تلقينكم لتنفيذه اليوم". وكان قد مر حوالى نصف ساعة .. وهنا وقف العميد قائد القطاع وبصوت جهورى موجهًا كلامه إلى أحد الضباط الأردنيين .. المدفعية 155.. "أقصف". وكنا نعلم جميعا أن مدى المدفع 155 وهى أقوى دانه وأبعد مسافة بحيث يمكن أن تضرب من رام الله كل من تل أبيب ويافا واللد والرملة .. إلا أننا لم نسمع صوت طلقة واحدة حتى خرجنا لدورياتنا فى التاسعة مساءً. المهم أعطى العقيد (جلال هريدى) تعليماته بأن ينتقل المقدم أحمد عبد الله إلى نابلس حيث سيكلف هناك بخروج ثلاث دوريات قتال فى اتجاه إسرائيل للعمل ضد المطارات المقابلة – وتبقى كتيبه تقسم إلى ثلاث دوريات ضد المطارات المقابلة. وكان النقيب (شاكر مرسى) قائد السـرية المكلفة للعمل على (مطار اللد) – فقلت للنقيب (شاكر) أنا و(محرم) حنطلع معاك الدورية.

ورغم أننى ومحرم أقدم منه .. إلا أننا قلنا له مش مهم الأقدمية إحنا مستعدين نشتغل أفراد .. المهم مش عايزين نقعد من غير شغل. فذهب (شاكر) إلى العقيد (جلال الهريدى) .. وقال عايز (رجائى) معايا .. فقال له .. بس رجائى أقدم منك .. فقال له .. مش مهم يا فندم .. إحنا واحد وممكن (رجائى) يقود السرية وأنا معاه .. وهكذا كانت روح الصاعقة .. لا فرق فيمن يقود .. المهم أن نعمل سويا .. وإن هذا يوم لا يمكن لأحد أن يجلس بدون أن يؤدى واجبه .. حتى ولو كان جنديًا. كانت السرية حوالى 96 ضابطًا وجنديًا بعد أن انضممت أنا و(محرم) إلى السرية وأذكر من الضباط الملازم (نجم) والملازم (سيد أيوب) .. والذى كلف يحمل جهاز اللاسلكى لأن الجندى المكلف بذلك كان مستدعى ولا علم له بالجهاز. وبدأنا بتجهيز أنفسنا للخروج للدورية من إعداد وتجهيز مفرقعات وألغام ولبس الأفرول على الوجهة الزراعى أى (الغامق) حيث أن طبيعة العمل كانت بين الأشجار والمزارع وكان الرائد (نبيل الزفتاوى) هو قائد القاعدة التى سنتحرك منها .. وبعد أن تحركنا ونحن فى وسط المسافة إلى بلدة (بيت ألياس) الحدودية لحق بنا المقدم (أحمد حلمى) والذى قال: "سأكون أنا فى القاعدة و(نبيل الزفتاوى) هو اللى حيكون معاكم كقائد للداورية".

لقد كان المكان الذى سنخرج منه هو من بلدة (بيت إلياس) وهى على الحدود الأردنية الإسرائيلية. نزلنا من السيارة وأخفينا السيارات بين منطقة أشجار عالية وأخذنا تشكيلنا فى اتجاه مطار اللد والذى يبعد حوالى 10 كيلومترات وقد بدأنا التحرك فى الساعة التاسعة والنصف تقريبا من مساء يوم 5 يونيو.

كنا نسير فى طابور فردى من الجنود وكل ضابط خلفه عشرة جنود وأنا وشاكر ومحرم خارج الطابور لتوجيه القوة للسير بالشكل المناسب وكنت أسير بعد نبيل ومجموعة الإدلاء خارج الصف .. وكنت أتابع اتجاه الإدلاء .. وبما أننى أجيد الملاحة الليلية والسير على النجوم .. فقد وجدت أننا تركنا الاتجاه المفروض أن نسير فيه وأصبحت مجموعة النجوم التى نسير عليها للهدف قد أصبحت خلفنا – وكانت الساعة قد قاربت الواحدة والنصف وهنا أخبرت نبيل الزفتاوى بأننا قد حدنا عن الهدف .. بل الآن أصبحنا متجهين إلى الأردن ثانية .. إلا أنه قال دى بلادهم وهم أدرى بها .. وبعد مناقشات استمرت أكثر من ربع ساعة مع الإدلاء ومع إصرارى .. بدأنا نغير اتجاهنا إلى حيث أشرت .. وبعد مسيرة مسافة قصيرة ظهرت صحة كلامى عندما كنا نعبر مكان مرتفـع .. وإذ بالمطار يضئ أنواره والتى كان يوقدها أثناء هبـوط أو إقلاع طائرات ثم يعاود إطفاءها.

واذكر أننا قطعنا المسافة فى حوالى خمس ساعات ونصف والمفـروض أن نقطعـها فى التحـرك الميدانى من 2.5 إلى 3 ساعات لكن هناك سببين:

عندما ضللنا الطريق عن عمد بواسطة الإدلاء.

وعندما تصادف مرور رتل من الدبـابات والعـربات المصفحة على طريق كان من المفـروض أن نقطعه ولم نتعامل معه لأن الهدف كان مطـار (اللد) .. وقد وقـف هذا الرتل أمامنا أكثر من ساعة.

المهم وصلنا إلى منطقة المطار حوالى الساعة الثالثة صباحًا واقتربنا لأقرب مسافة وهى عبارة عن منطقة أعشاب كانت تغطينا ونحن وقوفًا على بعد حوالى 50 متر من طريق مجاور للمطار ثم السلك الشائك للمطار .. وعدة أبراج مراقبة بها كشافات تضئ على فترات متقطعة للمنطقة.

وقد وقفنا مكاننا وذهب نبيل وشاكر ومحرم ومعهم سيد أيوب بالجهاز اللاسلكى للاقتراب واستطلاع المطار إلا أنه بعد نصف ساعة لم يحضروا .. اضطررت أن أقّسم الدورية إلى مجموعات صغيرة لتنفيذ العملية ظنا منى أن مكروها حدث لهم – وفعلا اقتربنا حتى الشارع الذى يفصلنا عن المطار وشاهدنا أن السلك الشائك الكثيف يبعد عنا بحوالى 200م تقريبا وعندما أضاء كشاف المراقبة كان هناك ثلاث طائرات نقل جنـود (نور أطلس) وتحت كل طائرة سرية مظليين أى حوالى كتيبه (300 فرد) – فحددنا أن هذا الاتجاه هو الهدف الأول ثم نتجه للمطار– وفى هذه اللحظة رجع (نبيل) ومن معه .. ليخبرنا أن المقدم (أحمد حلمى) اتصل .. ليقول أن العملية تم إلغاؤها وعلينا العودة!

وهنا حدث تمرد من الضباط الأصاغر رافضين العودة قبل تحقيق الهدف وخاصة بعد أن تحركنا إلى مقربة من السور .. وكنت من المعارضين أيضًا .. إلا أن إصرار (نبيل) على إتباع الأوامر جعلنى أوافق .. والآن هؤلاء الضباط على علاقة حميمة معى حيث كنت معلمًا لهم جميعا فى فرق الصاعقة .. وكان علىّ أن أقوم بإقناعهم .. حيث تفهموا ذلك – وأفهمتهم أن هنـاك اتفـاقًا عنـدما تصلنا إشارة باللاسلكى أو الراديو (جلال وحلمى يعودا لقواعدهم).

إنها تعنى أن تعود الدوريات ولا تستمر فى العملية .. ولكننا للأسف لم نفتح الراديو الذى كان معنا وسمعناها باللاسلكى .. وكانت الساعة تعدت الرابعة صباحًا وبدأت خيوط الصباح تظهر وكنا قد دخلنا منطقة حدائق برتقال لنسير بداخلها مسافة طويلة متجهين شمالا لنبحث عن الثغرة التى مررنا بها فى الذهاب وهى ثغرة بين المستعمرات التى كانت تحيط المنطقة بالكامل – حيث اختفى الإدلاء الفلسطينيين بعد أن عبرنا هذه الثغرة فى الذهاب.

وفى الساعة السابعة صباحا وكانت الشمس قد ملأت الكون – وهناك اتخذت قرارًا أن اعتمد على الخداع للمرور صباحا فى داخل إحدى المستعمرات فخرجت من حديقة البرتقال مفاجأ لكل من معى من الداورية.

لأنـادى عليهم بعد أن وقف النقيب (شاكر) أمامى وأقـول (على شمال الدليل اجمع) ليتجمع الجنود والضباط فى صفين .. وناديت علق السلاح .. لليمين دور .. للشمال لف .. معتادا مارش – لقد كان هذا التصرف مفاجأة لجميع من معى بما فيهم الرائد (نبيل) نفسه .. وبدأت السير فى اتجاه إحدى المستعمرات والتى كانت تبعد بحوالى 100 متر وكانت المستعمرة عبارة عن مبانٍ بسيطة دور واحد وسقف مائل من القرميد .. وقد سرنا فى شارع فسيح داخل المستعمرة وكانت المنازل من اليمين واليسار .. وكان الإسرائيليون منهم من هو نائم أمام منزله أو يفتح الشباك على صوت خطواتنا ليتفاجأ بهذا المنظر .. وكانوا فى حيرة حيث إننا نعبر من داخل الأراضى الإسرائيليـة. وأن لبس الأفورول على الوجه الزراعى (الغامق) هو تقريبا نفس لون الجندى المظلى الإسرائيلى .. إلا أن الوجوه ليست المعتادة عليها .. وفى منتصف المستعمرة التى لا يبلغ عرضها أكثر من150متر كان هناك طريق مقاطع للطريق تسير  به سيارة فى اتجاه مرور الدورية .. وهنا أوقفت الدورية لأشير إلى السيارة بالمرور .. وعندما أبطأت السيارة أمامى لتتفرس فى وجوهنا .. ضربت بيدى على الكبينة لأقول له (شالوم) وأشاور له بسرعة المرور .. وبتلقائية انصاع قائد السيارة للأمر .. وكنت أثناء السير قد أعطيت أوامر لبعض المتميزين بقيادة شاكر مرسى بأن يمدوا الخطوة .. وعند وصولهم البوابة الرئيسية والتى كانت أمامنا مباشرة يقومون بإطلاق النيران على الحراسة والخروج خارج المستعمرة لتغطية انسحابنا بعد أن نطلق النيران على من هم بالمستعمرة. وكان أول من سقط قتيلا فرد حراسه كان موجودًا بالبرج المجاور للبوابة وأفراد البوابة ثم بدأت المجموعة بإطلاق النيران على كل من فى المستعمرة مع الاستمرار فى الانسحاب .. إلى أن عبرنا الطريق المقابل للمستعمرة وكذلك خط السكة الحديد إلى أن دخلنا سلسلة الجبال متجهين إلى قرية بيت إلياس.

وفى منتصف الطريق إلى القرية شاهدنا أتوبيس كبير وبجانبه 9 مجنـدين عبارة عن 7 رجال وامرأتين – فأمرت الملازم نجم بمهاجمتهم وتم قتلهم جميعا ونسف الأتوبيس وإحضار جهازهم اللاسـلكى والمعدات التى كانت معهم .. ويبدوا أنهم كانوا نقطة إنذار.

ولأول مرة نعلم أن طلقة (RPJ2) وهو القاذف المضاد للدبابات والمركبات لا تعمل قبل 100متر حيث أطلقنا أكثر من واحدة ولم تؤثر على الأتوبيس فى شئ .. وقد تكون هذه المعلومة جديدة لنا .. حيث أبلغنا زملاءنا بعد أن عدنا وتقابلنا معهم أنهم قد اشتبكوا مع العدو فى سيناء عن قرب فى أعمال فدائية .. إلا أنهم صدموا بذلك – لكن عموما استبدل بعد ذلك (RPJ2) بـ(RPJ7) والذى يعمل على المسافات القريبة. ووصلنا إلى قرية (بيت إلياس) عصرا ليخبرونا أن الضفة الغربية قد احتلت من القوات الإسرائيلية.

وعندما وصلنا إلى القرية وجدنا فراخًا مسلوقة قدمت لنا من أهالى القرية الفلسطينيين فى طشوت كبيرة من البلاستيك – وكذلك زعتر وزيت زيتون فى قصعة وكمية كبيرة من العيش المخبوز فى الفرن بالمنازل وبحثت عن العربات التى تركناها مخبئه بين الأشجار وكان قرارى أن أستغل عنصر المفاجأة والخداع مرة أخرى حيث أحضرت بعض سائقى العربات وقلت لهم هل تعرفون الطريق إلى أريحا عبر المدقات بعيدًا عن الطرق الرئيسية .. فأجابوا بالإيجاب. 

وفى الثانية صباحًا بدأنا التحرك بقول العربات المكون من عدد أربع لوارى .. وذلك عـبر المدقات فى اتجاه بلدة أريحا معتمدين على ظلام الليل وحالة السكون التى فيها العدو .. وفى أحيان كثيرة كانت المدقات تقترب من الطرق الرئيسية ولمسافات كبيرة .. وكانت مدرعات ودبابات العدو بجانبنا فى حالة سكون تام إلى أن انقشع ظلام لليل وظهرت خيوط ضوء الصباح لأشاهد منظرًا من أسوأ المناظر .. وهو طابور ممتد من الفلسطينيين المدنيين عبارة عن شيوخ وشباب وأطفال وعجزة .. كل منهم يحمل كيسًا كبيرًا أو مخدة أو لحافًا .. فى حالة هجرة إلى الشرق حيث بلدة (أريحا) .. وهنا عرفت أن العدو لم يصل إلى هذه المنطقة .. فبدأنا نأخذ طريقنا على الطريق الأسفلتى الرئيسى ونسير بسرعة عادية فى اتجاه (أريحا) والتى وصلناها مع بزوغ الشمس .. لنجد كمًا كبيرًا من المهاجرين لأخذ الراحة بأريحا ثم الاتجاه إلى الضفة الشرقية للأردن عبر نهر الأردن.

ووقفنا ببلدة (أريحا) وقد شاهدت بعضًا من الجنود الأردنيين بملابسهم العسكرية المكوية والمنشاة .. وأعتقد أنهم حتى لم يعرقوا فيها .. وكأن هناك اتفاقًا لترك الضفة الغربية بسلام بين الطرفين – وهذا ما اتضح عندما وصلت عمان .. اللهم إلا كتيبة فى بلدة نابلس .. رفض قائدها الأردنى الانسحاب وظل محتفـظ بالبـلدة لمـدة أربعـة أيام فى حالة قتال مع العدو حتى استشهد.

المهم عبرنا نهر الأردن عبر جسر اللمبى واتجهنا إلى (عمان) .. وقابلنا العقيد (جلال الهـريدى) واعتقدنا أننا سنأخذ مهام قتال أخرى .. إلا أننى عندما ذهبت لمركز القيادة وكان به اللواء (عبد المنعم رياض) و(جلال هريدى) وبعض القادة المصريين وعنـدما دخلت المبنى مع الرائد (نبيل الزفتاوى) .. كانت هناك صالة طويلة بها بعض الكراسى البسيطة ثم دخلنـا غرفة كبيرة مربعه .. ملقى بها على الأرض حوالى أربع مراتب عليها ملاءات بيضاء .. وفى ركن منها كانت ترابيزة مستطيلة وبعض الكراسى وعلى الترابيزة بعض الخرائط وأعتقد أن ذلك كان هو  مركز القيادة .. كانت الأوامر أن الانتظار حتى صدور أوامر وتعليمات من القاهرة.  

 

العودة إلى الأردن

وفى يوم 7/6/1967 .. كان اليوم الثانى صباحًا للمعركة – أى منذ رجعنا إلى الحدود الأردنية عند بيت إلياس وتحركت كما قلت من قبل من بلدة (بيت إلياس) الساعة الثانية مساءً فى اتجاه أريحا مارا بأطراف رام الله .. إلى أن وصلت إلى عمان فى حوالى العاشرة صباحًا – قابلت جنودًا أردنيين وقادة فى مواقعهم .. ورغم حرارة الجو فأننى لم أجد جنديا واحدًا يتصبب عرقًا .. وبكامل الهندام المكوى .. ولم تغير علينا أى طائرة حربية .. ولم أسمع أى صوت لتبادل إطلاق نيران .. ولم أجد أى رتبة كبيرة فى مركز القيادة المصرى الأردنى المشترك.

إلا أننى شعرت وكأن هناك اتفاقًا بين الحكومة الأردنية والحكومة الإسرائيلية فحواه (سلم واستلم) .. بل لم أشاهد أى موقف عدائى .. حتى مع الفلسطينيين المدنيين المنسحبين من ديارهم .. مشهد لا يذهب من ذاكرتى .. أرويه حاليا وقلبى ينزف دمًا وليس غريبا بعد ذلك أن تشيد الحكومة الإسرائيلية ببسالة الجندى الأردنى وتصفه أنه كان الجندى المستبسل فى مواجهته وتصف الملك الحسين بالقائد الشجاع.

ولكنى كشاهد عيان فى الميدان لم أسمع عن أى قلق من المملكة الأردنية غير ما سبق أن ذكرت عن الكتيبة الموجودة فى نابلس التى قاومت أربعة أيام وبدون أوامر للصمود.

كما أن منظمة فتح كانت وليده .. ولم نسمع عن أى مقاومة لها رغم انفتاح المسرح أمامها .. واعتقد أنه لو كان تم استخدام نصف القوات الأردنية أو منظمة فتح .. لاختلف الأمر تماما – حيث كانت معظم المدن الإسرائيلية فى متناول يد الجميع.

لكن يبدو أن الجميع كان فى غفلة عن المواجهة على تلك الجبهة .. ولم يأخذوا من حرب 48 درسًا .. ولم يعدوا أنفسهم لهذا اليوم – وكانت الدعاية الإسـرائيلية تشيد بهم لتحطيم معنويات الجبهة المصرية وعبد الناصر شخصيًا بعد أن كُسرت القوات المصرية فى سيناء. ولى وقفة هنا عن معركة 67 على الجبهة المصرية – وأقول معركة لأنها ليست حربًا .. لأن الحرب بدأت بمعركة 67 مارة بمعارك الاستنزاف وهى بالمئات وانتهت بمعركة 73. لأن الحرب تبدأ بمعركة أو معارك تقصر أو تطول المدى فيها .. المهم أنها أخيرا حققت الهدف المرجو منها أو تخيب فى تحقيقه بمعركة فاصلة .. وهنا يحسب المكسب أو الخسارة للحرب.

لقد بدأت الحرب العالمية الثانية سنة 1941 وانتهت 1945 وسميت المواجهات سواء فى فرنسا وبولندا وستالتجراد ونورماندى وشمال أفريقيا وغيرها بمعارك ولم تسمى حرب فرنسا أو نورماندى أو .. أو .. – ونفس الشىء فلقد كانت حرب 67 – 73 (الجولة العربية الإسرائيلية الثالثة) لمدة لمعارك بدأت فى عام 67 بمعارك 67 فى سيناء والجولان والضفة مرورًا بمعارك الاستنزاف وانتهت بمعركة 73.

واعتقد أن إسرائيل خسرت تحقيق الهدف فى تدمير الجيش المصرى واحتلال الأرض وكسر الإرادة السياسية المصرية .. وأن مصر لم تمنح العدو غرضه بل كسرت الإرادة السياسية الإسرائيلية وأفقدتها مقولة الجيش الذى لا يقهر.

والمعلوم أن ألمانيـا فى الحرب العالميـة الثانية اجتاحت فرنسا فى أربعة أيام .. واكتسحت بولنـدا فى 12 ساعة وغيرها من البلاد الأوربية وقامت هذه البلاد بتحرير أراضيها بواسطة قوات الحلفاء.

لكن كان الشرف لمصر أنها حررت أراضيها بواسطة جنودها المصريين. ولكن حزنى أننا كمصـريين نهوى لطـم الخدود وجلد أنفسنا .. وهذا تقليد متوارث من أيام الفراعنـة .. لم نذكر 67 إلا ونعيد ما نعيد .. ولكننـا لم نجد فرنسا أو بولنـدا وغـيرها من البـلاد .. تلطم الخدود فى ذكرى انكسـارها. بل تناست ونظرت إلى الأمـام لتبنى بلادها من جديد.

فليرحمنا الله .. ونرحم أنفسنا من كلمة نكبة .. ونكسة – إلا أننا قد خرجنا فى كل مرة أقوى مما كنا عليه .. ولكن علينا الآن أن نعى الدرس .. وإن العدو مازال قائمًا – وإن السلام حتى لو طالبنا به .. فإن العـدو لا يعرفه – والعدو على يقين أن كلمة السلام تعنى نهايته .. وإنه مقتنع تماما أن وجود الأول يلغى الآخر.

لقد كانت معركة 67 معركة فى صحراء خالية من البشر وأمام جيش أُمر بالانسحاب – ولكن عندما واجه العدو المصرى فى بلده فى 67 فى بور فؤاد أو فى 73 فى الإسماعيلية أو السويس لم يقوى على الاختراق .. وأخذ دروسا لن ينساها وحتى فى 56 .. بمعاركها ببور سعيد والمقاومة من العسكريين والمدنيين والتى أرهقت القوات الإنجليزية. 

 

فـتح

فى يوم 8/6/1967 .. تجمعت قوات الصاعقة الموجودة بالأردن فى بلده الزرقا والقريبة من الحدود السورية – وكنا قد علمنا واستوعبنا ما حدث على الجبهة المصرية .. سرى فيما بيننا أن هناك منظمة فلسطينية تسمى فتح وأنها ستقوم بعمليات ضد العدو الإسرائيلى.

وتجمعنا حوالى 10 ضبـاط واتفقنا على أن ننضم إلى المنظمة .. وبدأنا الاتصال بياسر عرفات عن طريق أحد الأدلة الفلسطينيين الذين كانوا معنا – وأخيرا وافق (ياسر عرفات) على الانضمام إليهم. وفى نفس اليوم الذى اتفقنا على الهروب من المعسكر للانضمام إلى المنظمة .. وكنا قد وصلنا إلى عدد 22 ضابط – وكنا قد خلدنا إلى النوم فى تمام التاسعة مساءً .. على أساس أن نستيقظ فى الثانية مساءً ونتجمع بالسلاح والذخيرة لنغادر المعسكر لمقابلة المندوب الذى سوف ينتظرنا خارج المعسكر – ولكن فى الساعة الثانية عشر وجدنا أوامر بإيقاظ كافة وحدات الصاعقة .. ثم تم التتميم علينا .. وكان هناك رتل من الأوتوبيسات المدنية فى انتظارنا .. وعلمنا بعد أن تحركنا أننا متجهين إلى سوريا.

وكان إجراءً مفاجئًا خصوصا أننا كقادة لم نأخذ أى تلقين مما ساورنى الشك أن خطتنا تسربت .. وخاصة أن أحد الضباط عرض على أن نكلم المقدم (أحمد عبد الله) للانضمام إلينا .. ولكنى عارضته .. لعلمى أنه ملتزم فى حياته العسكرية ويخشى فعل مثل هذا الشىء .. وإن علم به فسوف يبلغ قيادته بذلك.

المهم .. وصلنا دمشق فى صباح نفس اليوم .. وتوقفنا فى أحد المعسكرات .. وعوملنا معاملة غريبة .. كان فيها حذر شديد منا .. بحيث لم يسمح لنا بالظهور أو التحرك من خارج المعسكر .. وأوعزنا ذلك لعقدة النظام البعثى من الصاعقة وخاصة أن المقدم (جلال الهريدى) هو قائد هذه المجموعة .. وكأنهم لم ينسوا أن قوات الصاعقة هى التى تحركت إبان الانفصـال عن سوريا وبنفـس القيـادة وهو (جلال الهريدى) قائد الصاعقة.

 

تحركنا بعد عدة ساعات إلى لبنان .. وكان منظرًا جميلاً جدًا وهو السير خلال الجبال الخضراء لجبل الشيخ – وكان لا يعكر جمال هذه الطبيعة إلا صور حافظ الأسد وهى مزروعة على الطريق بأحجام كبيرة .. ولم نستغرب ذلك لأن هذا هو حال البلاد ذات الحكم الدكتاتورى الفردى صحيح إن مصر كان بلدًا أيضا حكم بالدكتاتورية .. لكن مظاهرها لم تصل إلى هذه الدرجة .. حتى القاعدة الرخامية الموجودة فى ميدان التحرير وكان من المعلوم أن هناك تمثال لعبد الناصر على هيئة رأس مثل تمثال رأس لينين كان سيوضع على هذه القاعدة بعد مماته إلا أنه كان هناك حياء لوضعه وهو على قيد الحياة .. عموما فهو لم يوضع واختفت من الوجود هذه القاعدة من ميدان التحرير والتى كانت تعتبر تحفه معمارية. غريب أمر هذا الحكم البعثى فى سوريا .. فرغم احتلال إسرائيل لأرض سورية وهى الجولان ومرور أكثر من أربعين عام .. فإنها لم تثير أى معارك استنزاف ضد العدو فى الأرض المحتلة ولا حتى برميه حجر– وفى نفس الوقت تركز كل ثقله فى لبنان وهى أرض شقيقة .. وإن كنت أحترم سياستها فى الاعتزاز بقوميتها وكرامة الدولة أمام الهيمنة الغربية وخاصة أمريكا .. فهل هى تقايض بذلك أمام الأرض ..؟ وصلنا بيروت مساءً .. وقضينا ليلة ونهار كامل مع كرم وسماحة شعب من أجمل الشعوب العربية (لبنان) .. ثم أقلعنا فى مركب إلى الإسكندرية لنصل فى منطقة المكس غرب الإسكندرية ونركب القطار الذى كان فى انتظارنا لنصل إلى أنشاص.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech