Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

اللواء احمد رجائي - الجزء الاول

إهــداء

هذه خطوات ونواصى فى حياتى.

أى عمرى كله.

فلمن أهديها .. بعد أن كانت وجهتى فى كل فعل إلى الله وحده.

أى نذرتها من قبل قرباناً إليه .. عسى أن يتقبلها منى. وهو وحده الشهيد العليم بما فى الصدور .. وليس من دونه ملتحدا.

                                           أحمد رجائى عطية

                                         القاهرة فى:1/7/2009

 

 
   


كلمة للمؤلف

  لكل منا فى حياته منعطف أو ناصية .. أما أن تغير هذه الناصية من حياته .. أو يترك الشخص نفسه فى طريقة علامة تشكل هى فى حد ذاتها منعطفا أو ناصية

ويعتقد الإنسان أن هذه هى الأقدار .. أو القدر .. وأسميتها أنا الناصية فقد ترك الله للإنسـان أن يختـار أحدى هذين الطريقين اللذين شكلوا هذه الناصية.

والله يهدى من يشاء ويضل من يشاء .. ويضل أو يهدى حسب سلوك الإنسان نفسه والتى تنبع من قيمة ومبادئه ووجدانه.

أن المبادئ والقيم هذه هى الذخيرة للإنسان عند الله .. والتى من هذه الذخـيرة يضعها الله فى حساب الإنسـان عند كل ناصية .. أما بالهدايـة أو الضلال بل إن من هذه الذخيرة .. ما يورث للأبناء والأحفاد.

قال تعـالى:(قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) سورة الشمس الآية (8/9).

وحكمة سمعتها من أهلى وهى (أن التقوى .. تنفع الذرية).

لذا بـدلت اسم قصة حياتى لأسميها .. النـواصى .. عسـى أن تنفع من هم بعدى.

وأحمـد ربى عنـد كل ناصيـة هـدانى فيها ربى .. واستغفره عند أى ضلاله.

 

الناصية الأولى

قد تكون هذه الناصية وهى فى القترة الأولى من حياتى منذ نعومة الأظافر حتى حصولى على شهادة التوجيهية (الثانوية العامة). وهى فترة التعبئة لى بالثقافات المتعددة بطريقة تلقائية وملء الوجدان بالمبادئ والقيـم .. سواء من الأهل أو الجيران أو الأصدقاء ومن خلال التعاليم الدينية والسلوك العام القويم.

لقد تكونت شخصيتى من خـلال اختـلاطى بابن البلد فى القاهرة وابن الريف فى قـريتى .. والفـروق بين لعب الحكشـه (لعبة مثل الهوكى) بجريد النخل مع أبناء قريتى وبين التزحلق بالباتيناج مع الجيران الاجانب من يونانيين وطليان فى صالات السينما الصيفى أثناء الشتاء.

وبين صلاة الجمعة فى المسجد .. ومشاركة الأخوة المسحيين ممارسة الرياضة فى الكنائس .. وانتظار بعضنا البعض حتى يؤدى كلٍ منا شعائره لننطلق سويا.

لقد كان إيمانى كبير بأن كل شىء ذكر بالقرآن الكريم فهو حق – لدرجة أنه كان فى قريتى يذكر أصدقائى أبناء الفلاحين أن هناك عند نهاية ترعة صغيرة بجانب الجبانة الموجودة فى طريق عودتنا إلى بيتنا فى القرية .. أنه تظهر هناك عفريته اسمها (الشيبه) ولها مواصفات مخيفة كما كانوا يتحاكون .. وأنها تظهر ليلا .. لذلك كنا نرجع من البلدة إلى العزبة بشكل جماعى .. واذكر أنى فى أحد المرات انسلخت من المجموعة عند العودة ليلا لأسبقهم وأرجع منفردا .. حتى أرى ما يسمونه بالشيبه .. إيمانا منى أنى أنا الأقوى .. كما ذكر الله فى قرآنه إن الإنسان أقوى من أى جن أو عفريت.

ولم تظهر الشـيبه .. ومرت التجربة بسلام .. رغم ما عانيته من قلق وتحفز.

وأهم ناصية هى أنى تعلمت من والداى الاعتماد على النفس ولكنها كانت حرية مراقبة منهم .. وكذلك تعلمت منهم حب وطنى .. بل وصل إلى حد الدفع للتطوع ضمن الفدائيين أيام الاحتلال الإنجليزى رغم صغر سنى. كما أن علاقتى بأخوتى سواء الأولاد أو البنات وكنا سبعة أخوه .. والتى بدأت بلعب (الأولى) وهى لعبة بسيطة وانتهت بالاشتراك فيما بيننا بأداء المشاهد التمثيلية من السينما والمسرح والتى قد يصاحبها إلقاء الشعر باللغة العامية أو بالفصحى.

أننى أقول على هذا الناصية أنها هى التى كونت شخصيتى وذلك لاختلاطى وتعايشى مع الثقافات المتعددة .. وممارسة الأنشطة سواء الثقافية أو الرياضية.

لقد كانت هذه الفترة هى فترة ملء .. والتفريغ أو الإخراج الوحيد الذى أتذكره فى هذه الفترة .. هى أنى اخترعت دراجة تمشى على الماء وقمت برسمها .. ولكنها لم تلفت نظر أحد فى هذا الوقت .. ولكنى شاهدتها بعد 25 عاماً تقريبا بنفس الفكرة كلعبة تمارس على شواطئنا ومستورده من الخارج.

 

بولاق – أبو كبير

تتميز أحياء القاهرة القديمة عن مثيلاتها فى العالم، بمجموعة من العلاقات الحميمة بين سكانها، ويكاد يلمح الزائر لهذه الأحياء العريقة طبيعـة هذه العلاقات الممتدة التى فشلت عوامل ومتغيرات عديـدة فى طمس هذه المعالم المعبرة عن "الناس الطيبين" الذين يحملون بداخلهم تقاليد وعادات تبدو فى حياتهم اليومية وتصرفاتهم ومواقفهم، وفى القلب.

من هذه الأحياء "حى بـولاق" ذو الرونق الخاص المعبر عن "شهامة ونخوة ولاد البلد ".

وقد أكون منحازاً – ربما – إلى " بولاق " هذا الحى الذى عشنا فيـه كأسـرة فى عمارات شركة "جريشام" فى الأربعينيات (أى العقد الرابع من القرن العشرين) شارع فؤاد (26 يوليو) التى جاورنا فيه عدد كبير من الأجانب من جنسيات مختلفة بما فى ذلك بعض العائلات المصرية.

ونجح هذا الخليط فى التعبير عن ثقافات متعددة وعادات وتقاليد حققت استفادة "ما" وأضافت الكثير إلى شخصى.

إلا أن "حى بولاق" ظل رغم هذا التعدد محتفظًا بأسراره، وفى مقدمتها "الفتوة" الذى يتقدم الصفوف دفاعًا عن أهل الحى ضد أى اعتداءات خارجية، وإن اختلف الحال الآن، يظل هذا التاريخ عالقًا فى الأذهان حاضرا فى الوجدان والقلب والعقل.

ورغم هذا الارتباط "بحى بولاق" كنا نتوجه إلى قريتنا فى "أبو كبير" محافظة الشرقية فى فترات الإجازة حتى بداية العام الدراسى الجديد، أى حوالى أربعة أشهر سنوياً لنحصل على "زاد" آخر، عبر التعايش مع الأهل والفلاحين بألعابهم البسيطة مثل الحوكشة (الهوكى) بجريد النخل وكرة من الجلة واحتفالات ومناسبات "أبو كبير".

وأذكر أنـه كان هنـاك احتفـال يجمع كافة المهن (الجزارين – الحدادين – النجارين .. وخلافه).

وإن كل حرفة كانت تقوم بتزيين عربة كارو بشىء مناسب للمهنة ويسبقها ويليها استعراضات وتمر بأهم شوارع أبو كبير .. وبدلا من أن نطور هذا الشىء .. صار العكس وألغيت هذه الاحتفاليـة الفنية الجميـلة .. والتى تشاهدها حاليا فى البـلاد الأوربية والأسيوية فى صور جميلة ومتطورة .. ترتقى بالنفس والذوق البشرى.

ولعل من المهم أن أذكر انفتاحنا على الأجانب الذين عاشوا معنا فى "حى بولاق" وتبادل الزيارات فى شتى المناسبات، وقضاء أوقات الفراغ بالتوجه إلى الحدائق ودور العرض السينمائى وصالات الباتيناج والتى كانت منتشرة بكثرة فى هذه الفترة – وكنا نشاركهم فى الألعاب الرياضية التى كانوا يمارسونها داخل أحواش الكنائس وكذلك نحضر العرض السينمائى داخل الكنيسة للأفلام الثقافية التسجيلية.

لقد تزايدت أعداد الأجانب فى مصر .. أثناء الحرب العالمية الثانية وخاصة الطليان واليونانيون.

وكان جدى لوالدتى عميدًا (أميرلاى) فى وزارة الحربية ومسئولاً عن معسكرات الاعتقالات الخاصة "بالأجانب"، وقامت والدتى بدور كبير فى المساعدة للحصول على تصاريح لزيارة أقارب المعتقلين داخل هذه المعسكرات مما جعل علاقة حميمة بيننا وبين الإيطاليين واليونانيين. وفى الحقيقة أن هذا التنوع الثقافى فى القاهرة .. جعل لى ارتباطى الشديد بأحيـاء القاهرة

 
   

الشعبية والتاريخية، ومنحنى حباً متزايدا للتجول عبر شوارعها وحواريها، وإلى جانب حبى الشديد لشارع فؤاد وشارع الأزهر، ورغم صغر سنى فى تلك الفترة من 8 : 10 سنوات إلا إننى أحببت اكتشاف الكثير من الأحياء المصرية ومعرفة هذه الأماكن التى لم أكن أعلم عنها شئ سوى أسمائها.

أننى أدين لهذه الثقافات المتعددة بين عبق الأحياء القديمة للقاهرة وفكر الأجانب المقيمين بجانبنا .. وأصالة الريف وطبيعتها البكر فى تشكيل وجدانى وثقافتى.

تحركنا بعد عام 1948 إلى "حى الزيتون" ومكثنا به عامًا، ثم انتقلنا إلى العباسية، وهى المنطقة التى أخذت وقتًا كبيرًا من حياتى، وكنت فى مدرسة الناصرية الابتدائية، لقربها من سكنى (بولاق) وهى قريبة من محكمة القضاء العالى بوسط القاهرة وكان بها أبناء كبار العائلات حين ذاك أمثال عائلة البدراوى وأبو شادى وكذلك مجموعة من أبناء الأمراء السعوديين بالقسم الداخلى مما جعلنى أتعرف على طبقة غير مألوفة لى .. إلا أنى أتذكرهـم أنهم أناس جادين جدًا يعتزون بأسماء عائلاتهم والتى تتمـيز بالعلم والجـد وقد كنت من أواخر الجيـل الذى أمضى

 

 

 

مرحلة الأربع سنوات ابتدائى وأربع سنوات ثانوى ليحصل على شهادة الثقافة والسنة خامسة يحصل على شهادة التوجيهى.

وأذكر فى هذه الأيام واقعة حيث كان عمرى حوالى أحد عشر عام وهى واقعة لطيفه، وقد أخذت أوراقى لأتقدم فى مدرسة داخل منطقة مصر الجديدة رغم سكنى فى العباسية، ولم يعرف والدى أى مدرسة أذهب إليها رغم أنه رجل مثقف تربى فى مدرسة "الفرير" بالظاهر، إلا بعد حوالى شهر ونصف من التحاقى بهذه المدرسة، بعد أن لاحظ أن والدتى تعطينى مصروفًا 10 قروش، وهذا يعد مصروفًا كبيرًا فى ذلك الوقت، وسأل والدتى عن هذا المصروف وكانت إجابتها بأنه يذهب إلى المدرسة عن طريق المواصلات كما أنه يتلقى غذاءه فى فترة الظهيرة فسأل كيف ينتقل إلى المدرسة عبر المواصلات وهى بجوار المسكن، وفى هذه اللحظة قلت لوالدى أنى أدرس فى مدرسة مصر الجديدة الثانوية لأن هذه المدرسة تتميز بهدوء التلاميذ بها وأن مدرسة العباسية دائمًا يحدث بها مشاكل وخناقات وأنا أريد أن أدرس فى حالة هدوء.

 

وأردت أن أذكر هذه الواقعة لأثبت لأولياء الأمور الذين يذهبون مع أبنائهم للنقل من مدرسة إلى مدرسة ويذهبون معهم أثناء الامتحانات، وينتظرونهم أثناء فترة الدروس، مما أدى إلى عدم قدرة التلاميذ أو الأبناء على الاعتماد على أنفسهم فى تحمل المسئولية واختيار ما قد ينفعهم وأنهم غير قادرين على اتخاذ أى قرار، وهذا يدل على اختلاف كبير فى التربية بين الجيلين، مما يخلق جيلاً من الشباب دائم الاعتماد على الأهل.

فى فترة العباسـية كان لدى صداقات مختلفة تماما، مع عدد من الشباب يتمتع بأخلاق حميدة سواء فى الحى أو مع أسرته.

فقد كانت فترة 1953 هى البداية لتغير الكثير من حياتى، وكانت بمثابة موقف اختبرت نفسى خلاله، فكانت والدتى من النوع الذى يحب الاستيقاظ مبكرًا لصلاة الفجر، وتبدأ فى تجهيز كوب الشاى بحليب لها، وكانت تعمل كوبان من الشاى بحليب علمًا منها بأنى سوف استيقظ مع دوابان السكر فى الحليب والصوت التى تحدثه الملعقة ، وبالفعل استيقظ لأجلس معها فقد كنت أحب أن أجلس معها سواء كان هناك حديث أو لم يكن .. كنا دائمًا نتحدث مع بعضنا البعض.

وأتذكر فى أحد الأيام وكانت تتصفح الجرائد فى الصباح أنها قالت: "ياسلام ياولاد .." وهى تقوم بالخبط على الأرض بقدمها، فسالت ماذا حدث؟ وقرأت فى الجريدة خبر على مانشيت الصفحة الأولى يقول: "المنيسى وشاهين شهداء الجامعة" .. حيث كانت هذه الفترة مقاومة الشباب ضد الإنجليز فى قنـاة السويس فقد كانت مصر لا تزال محتلة من الإنجليز وكانت ثورة يوليو 52 .. قد أعلنت كفاحها ضد المحتل.

وقالت أمى: "فعلاً هم دول الشباب صحيح اللى يطلع علشان يستشهد من أجل بلده ويدافع عنها"، وبالفعل تلك هى اللحظة التى كانت نقطة تغير فى حياتى حيث إنى وجدت نفسى فى اليوم التالى، أذهب إلى وزارة الحربية وهى وزارة الدفاع حاليًا فى كوبرى القبة شارع الخليفة المأمون، وقد سجلت اسمى بها – المتطوعين– وبعد حوالى أسبوع أو عشرة أيام جاءنى خطاب من أجل التطوع وكان عمرى فى ذلك الوقت حوالى 15 عام، وأصغر المتطوعين وقد رفضونى لصغر سنى ولكن مع إصرارى الشديد تم قبولى فى التطـوع، وحضرت أكثر من معسكر للتدريب لصغر سنى، وكان يتم التدريب مرة واحدة ثم يذهب المتطوع إلى القناة حيث كانت معسكرات الجيش الإنجليزى والتى تمركزت بمنطقة قناة السويس .. بعد أن انسحبت من باقى البلاد فى فترة سابقة.

فقد دفعتنى "أمى" إلى القتال ضد المستعمر ورغم قسوة ذلك عليها إلا إنها كانت تربى بداخلى حب الشهادة فى سبيل الله .. وحب الوطن والدفاع عنه بأرواحنا، وقد مرضت "أمى"  عندما علمت بذهـابى للتطوع فقد فقدت سمعها وارتفعت حرارتها، وعند عودتى بعد أن أمضيت فى التدريب 15 يوم رد لها سمعها حيث إنها اعتقدت أنى ذهبت للجبهة ولم تكن تعلم أنى فى معسكر التـدريب، وأذكر هذه القصة لمجرد النصيحة للأمهات اللاتى يربين أبناءهن على الخوف الدائم وعدم الاعتماد على أنفسهم والخـوف الشديد عليهم من مجرد ركوب مواصلات بمفردهم .. والأهم تربية النشء على حب الوطن وبذل الروح فى سبيله.

وفى فترة المرحلة الثانوية كنت شديد الالتصاق بأخى الأكبر "سيد" ، فقد كان يجيد كتابة الشعر ويكتب أبياتًا من الشعر فى غاية الجمال والرقة، وقد كنا نحفظ المسرحيات الشعرية عن ظهر قلب ونقوم بتمثيلها أمام بعضنا، ومنها: "قيس وليلى .. وسالومى .." وغيرها من المسرحيات الشعرية، ومن قبلها بفترة الابتدائى فقد كنا نقوم أنا وأخواتى البنات بتمثيل المسرحيات التى نشاهدها ونرتدى الملابس المناسبة لها، وكانت هذه الفترة غنية بكل المشاعر والذكريات لأطفال اكتسبوا ثقافات جميلة وهى مثل الفترة التى اقتربت فيها من أخى الأكبر "سيد" وقد كان يتميز أخى الأكبر "سيد" فى كل المناطق التى انتقلنا إليها بدور الفتوة الذى يدافع عن حقوق أصدقائه فى الحى الذى نسكن فيه وإلى أن انتهيت من مرحلة الثانوية فقد عشت مرحلة جميلة بين أخوتى وأمى وأبى تعلمت الكثير من "الحب والقيم والمبادئ"  التى ترسخت بداخلى من معاشرتى بالأجانب وأهل القرية وأخى وأصدقاءه الأكبر منى سناً. وقد عشت فى أول سنة من الابتدائى عند جدى فى القرية وأيضًا فى السنة الرابعة من المرحلة الثانوية قبل التوجيهى مكثت فترة الصيف بمفردى معه، فقد تعـلمت منه الكثير من المبادئ والأخلاق والشخصية القوية بين الناس والتى كانت تؤثر فى أى شخص يقابله، فقد كان كبير العائلة وكبير البلد فى ذلك الوقت وكان ذا شخصية قويـة يتم اتخاذ القرار فى مجالس التحكيم بعد موافقته عليها، كما أنه كان يأخذ بحقوق الضعفاء والمظلومين.

وكان إضافة كبيرة لى وقد تعلمت من هذا الرجل (جدى) القيم النبيلة فى كثير من المواقف مثل عدم ذكر أشياء قد تعيب أى إنسان فى غيبته واحترام الآخرين.


 

الناصية الثانية

بقدر ما كانت الناصية الأولى هى مرحلة ملء الوجدان والعقل بالمعارف والثقافات وملء الجسم بالصحة سواء من الرياضة أو سلامة التغذية.

إلا أنى اعتبر الناصية الثانية هى مرحلة الصقل .. والاختيار فبقدر ما كانت الكلية الحربية أو الصاعقة هى اختيار بقدر ما كان فيهم من صقل لشخصيتى.

وبقدر ما كانت فترة الجزائر واليمن هى نواصى فى حياتى إلا أن اختيارى كان ينبع من مبادئى .. حيث مارست وطبقت فيهم معنى العزيمة والإصرار على الهدف والتمسك بالمبادئ مهما كلفنى الأمر.

فعندما كان يتعارض التكليف مع المبادئ .. كانت كفة المبادئ هى الراجحة دائما – فعند تخرجى من الكلية الحربية كانت أول خدمة لى مع قائد كان النجاح عنده لمن يتقـرب إليه زلفى .. فقد اخترت الاعتزاز بالنفس وبسبب ذلك انتقلت من الوحدة تحت رحمة أن اثبت بالجيش من عدمه.

وعندما توليت أول قيادة لى بمدرسة الصاعقة (أركانحرب الجناح الخاص) .. وصارت لى مكتب مستقل .. فكان أول عمل لى هو نزع صورة الرئيسى والمشير المعلقتين خلفى .. لأضـع مكانهما براوز به كلمة (الله جل جلاله) .. وعندما أخذت على ذلك .. لم أمتثل .. وصار مبدأ عندى وفى كل مكان توليته بعد ذلك.

وعندما كلفت بالقتال فى اليمن وكان متواجد ضمن الهدف (العدو) نساء وأطفال .. فإنى لم اشترك .. رغم تعرضى للمساءلة والتى قد تصل إلى الرفت من الخدمة .. أما الإضافات فقد أضفت الكثير فى هذه المرحلة من العمل بالصاعقة مثل طرق السير والإعاشة والقتال فى المناطق الجبلية والتى كان مقصورا فيها العمل إلا بالإدلاء البدو والاعتماد عليهم .. كما طورت النزول من الهليوكبتر بواسطة الجبال فى حالة الثبات على ارتفاعات عالية أو القفز منها فى حالة الحركة على ارتفاعات منخفضة – كما طورت أسلوب الاقتراب والقتال بواسطة الهليوكبتر أو بواسطة القوارب المطاطية فى منطقة خليج السويس .. بل وضعت وطبقت أسس ذلك - كما كانت فترة الجزائر غنية بالعزيمة على تحقيق الهدف .. والتحدى على قيادة مجموعة فى مكان منعزل بعيدًا عن مصر بآلاف الكيلومترات وكذلك قيادة أعداد كبيرة من أفراد غير مصريين (جزائريين) وبنجاح رغم اختلاف العادات والتقاليد .. ومحاربة هذا العمل من أفراد وجهات شتى.

ولكونى ضابط مدفعية فى الأصل قبل خدمتى بالصاعقة .. فقد أدخلت أعمال الضرب بالصواريخ بطرق مبتكرة سواء فى التدريب أو العمليات فيما بعد ضمن العمليات الخاصة .. حيث جهزت عربات الجيب والقوارب المطاطية للضرب بالصواريخ الميدانية .. وأدخلت تدريب الضرب بقواذف الدبابات السلكية من أعلى إلى أسفل وأشركتها فى العمليات فى فترة لاحقة (معارك الاستنزاف).

 

الكلية الحربية

   فى عام 1955 – 1956 حصلت على "التوجيهية" أو الثانوية العامة وقد كنت قسم رياضة فكانت التوجيهية مقسمة ما بين أدبى وعلمى ورياضة وكان تخطيطى هو دخول كلية الهندسة فقد كنت عاشقًا للرياضيـات جدًا، وفى منتصف العام الدراسى تقريبا .. قالت لى والدتى .. "أنت حتدخل كلية إيه"– فقلت: الهندسـة إن شاء الله .. زى خالى .. فقـالت .. "أُمـال مـين اللى حيطلع اليهود من فلسطين" وبعد حصولى على شهادة التوجيهية.

وكنا ثمانية عشر طالبًا فى نفس الشارع ومعنا بنت واحدة وإذا بى أتوجه إلى الكلية الحربية وأقدم أوراقى بها ولم أتقدم إلى أى كلية أخرى، سوى كلية الطيران، وقد نجحت فى كشف الكلية الحربية قبل استكمال باقى الكشوف فى كلية الطيران وهو كشف الهيئة، وعندما وصلنى خطاب الكلية الحربية اتجهت إليها، وقد كان السبب فى هذا الاتجاه نحو الكلية الحربية هى "أمى" فتـلك الفترة كانت مشتعلة بما يحدث داخل "فلسطين" وما

 

 

 

تقوم به "إسرائيل" تجاه العرب إخواننا الفلسطينيين علاوة على أن والدها كان (أميرلاى) سابق بالجيش.

وقد دخلت الكلية الحربية وقضيت فترة الـ45 يوم الخاصة بالمستجدين، ثم أخذنا إجازة بسيطة (خميس وجمعة) وعدنا إلى الكلية لمدة أسبوع فى انتظار إجازة نهاية الأسبوع وإذا بحرب 1956 وحرب الاعتداء "الإسرائيلى" علينا حرب الاعتداء الثلاثى وقد تم ضرب الكلية الحربية بالطيران، وتحركنا ونحن فى الكلية إلى منطقة المعادى كمنطقة انتشار ثم إلى أسيوط لكى يتم اختبار فترة الإعدادى حيث إن الدارسة بالكلية الحربية مقسمة إلى إعدادى ومتوسط ونهائى وانتقلنا إلى الصف المتوسط وبعد دراسة أربعة أشهر ونصف بالقسم الإعدادى.

وكانت الدفعة التى التحقت بها هى رقم 38، أكملنا  بها عام ونصف .. ثم تخرجنا منها ضباط، وكان عمرى وقتها 20سنة، وأقول إن سن عطاء الشباب هو من بداية 18 إلى 28 سنة والزمن المناسب لمواجهـة الحيـاة هو ذلك الوقت فعندما يتخرج الفرد فى هذا السن 18 سـنة يقول أنا أريد أن أعطى ولكن عندما يتخرج بدءًا من سـن الـ23 سنة يقول أنـه يريد أن يأخذ قبل أن يعطى .. لذا يجب أن تعد مصر شبابها فى الوقت المناسب.

وفى تلك الفترة (الكلية الحربية) حصلت على جائزة بطل الدفعة فى الرماية، وقد شاركت رياضيًا فى فريق الملاكمة وحصلنا على فرقة "صاعقة" محليـة ونحن بالكلية الحربية، وكانت أول تجربة بالكلية الحربيـة أن تحصل دفعة على فرقة صاعقة، وكان عدد الدفعة حوالى 400 طالب كان ترتيبى فى التفوق الدراسى الـ80 فقد وقع على جزاء واحد وأنا فى القسم النهائى .. عندما دخلت من باب الكلية فى إحدى الإجازات بالطعام (حلاوة وجبنة) ولولا هذا الجزاء لكان ترتيبى 20على الدفعة، وتخرجت فى مايو 1958 وتم توزيعى على سلاح المدفعية وخاصة أننى كنت متميزًا فى مادة الرياضيات. ودرسنا فرقة ضباط أصاغر وكانت الفرقة على العقيدة الغربية ومضينا بها حوالى 3 شهور.. وكنا نبيت داخل مدرسة المدفعية مثل طلاب الكلية الحربية، ثم تم التوزيع على الوحدات وقد تم توزيعى على "ك 312" مدفعية وهى مدافع "هاوتز"، وهذه الوحدة كانت عبارة عن "آلاى"  – وهو الآلاى الرابع مدفعية وكان قد قسـم


إلى أكثر من وحدة (كتيبة مدفعية + سرية م/ء + سرية هاون) حسب العقيدة الشرقية فى التنظيم، وكان نصيبى هو "ك312" مدفعية. وكان قائد الكتيبة هو الرائد (إلهامى الشيخ)، ولكن بعد 6 شهور تم نقلى من الوحدة بسبب خلاف مع القائد ومن أهمها أنى كنت ارغب فى الحصول على فرقة الصاعقة .. وهو يرفض ذلك وكان من وجهة نظره أنى لا أصلح للخدمة بالقوات المسلحة – وفى هذه الحالة يعطى للضابط فرصة أخرى فى وحدة أخرى .. وهذا ما تم معى حتى يمكن أن يتم تثبيتى فى الجيش، وكنا فى فترة "ملازم تحت الاختبار" ، ومن الغريب أن اختلافى مع القائد من بداية رتبتى ملازم استمرت حتى أنهيت خدمتى فى العمل بالقوات المسلحة.

وانتقلت من وحدة "ك 312" إلى "س 21" هاون، وهى سـرية منفصـلة موقعـها "فايد" وقائدها تم ترقيته إلى نقيب وأنا أخدم معه، وكان معى ضابط أحدث منى واعتبرت خدمتى فى هذه السرية تجربة جيدة وأفادتنى كثيرًا لأن قائد السرية .. كان فى إجازة أو داخل المستشفى – يتمارض – وكنت أنا المسئول عن السرية، وكان فى العادة عند حل "الآلاى" ويتم تشكيل الكتائب والسرايا منها حيث يتم اختيار أفضل العناصر للكتائب ويتم تحويل باقى الجنود والصف ضباط إلى السرايا المنفصلة وغالبا ما يكونوا من العناصر السيئة، وقد ذهبت على وحدة بهذا الشكل وهى س21 هاون، ومما زاد "الطين بلة" هو دخول 7 من الصف ضباط حديثى التخرج وكان سنهم يتراوح بين  17- 18 سنة وذلك للخدمة بالسرية.

وكان واضحًا أنهم صغار السن والمفروض عليهم أن يتولوا القيادة على هذه النوعية من الصف والعساكر وكان هناك 6مدافع هاون، لكل مدفع مسئول عنه أحد هؤلاء "الصف الضباط " فكان الأمر صعب من تحويل هؤلاء الصف الضباط الجدد حديثى التخرج فى التحكم فى هذه السرية وجعل منهم قادة يقودون أطقم العمل معهم، ولكنى تمكنت بالحكمة والعمل أن أسيطر هؤلاء على السرية ولم أنسَ الصف ضابط السابع ويدعى "عبد المجيد" وكان شاب موهوب جدًا فى عملياته الحسابية، وقد كان آخر العام التدريبى يتم الدخول فى مسابقة لمعرفة أفضل سرية وأفضل كتيبة على مستوى القوات المسلحة، وكانت السرية التى أعمل بها من ضمن السرايا التى تدخـل هذا التدريب الاختبـارى، وبهـذا الشـكل الذى ذكرته

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ستطعت أن أصل بها فى المسابقة إلى الحصول على المركز الأول على مستوى القوات المسلحة، وقد عادت الثقة إلى نفسى بعد نقلى من الوحدة السـابقة بتقرير لا يحسد عليه أحد – إلا إنه خلال الـ6 شهور أظهرت هـذه السـرية كفاءة وأصبحت رقم (1) على القوات المسلحة رغـم أنه كان قائد السرية بعيد كل البعد عما يحدث داخل السرية حتى فى يوم اختبار السرية بالذخيرة الحية.

وكان قائد مدفعية اللواء يدعى العقيد (جمال محفوظ) وقد أصبح فيما بعد مؤرخ للعسكرية فى الإسلام – وقد أفادنى كثيرا بنصائحه ولكن أهـم نصيحة كانت مقولته المشهورة (الضابط يساوى نوته وقلم) وكان يتمم دائما على الضباط بضرورة تواجد النوتة والقلم مع كل شخص .. وكان يقول على الضابط أن يدون أى شىء فى النوتة الخاصة به سواء ميعاد أو فكرة أو تخطيط .. وقد تطور هذا الشىء معى من نوته إلى أجنده كبيرة إلى شنطة بها عدة دوسيات .. كل دوسيه به موضوع أو فكرة أو تخطيط .. واعتقد أن ذلك الذى جعلنى فى أواخر عمرى .. كاتبا .. وشاعراً .. وروائى.  

الصاعقة

تحركنا من "فايد" وهى تابعة للواء الأول مشاة، إلى منطقة الهرم أول طريق الفيوم، وفى تلك الفترة كان مازال عندى الرغبة فى الحصول على فرقة صاعقة ولكن قائد مدفعية اللواء كان يقف حيال هذا الأمر .. حتى لا أحصل على هذه الفرقة وقد يكون السبب فى أنه يعلم أن من يحصل على هذه الفرقة ويكون على مستوى جيد .. فسوف يتم حجزه بالصاعقة وبذلك يفقد ضباط أكفاء .. لقد اختلفت صورتى فى القوات المسلحة وخاصة بعد فوز السرية بالمركز الأول على القوات المسلحة وفى أحدى الأيام أمرت "البلوكامين" أن يكتب لى خطابًا لإعطائى فرقة صاعقة وذهبت إلى الفرقة دون أخذ إمضاء قائد مدفعيـة اللواء .. حيث وقعـت مكانه والتحقت بالفرقة رقم 13 داخـل مدرسة الصاعقة، وبدأت فرقة الصاعقـة وكان معى حـوالى 84  ضابط والباقى 20 صف ضابط، والفرقة كانت 3 شهور.

وأثناء فترة الجناح الأساسى بالصاعقة .. فقد أصابتنى حالة من المرض وهى نزلة برد شديدة صاحبها نوع من الكحة ومعها حساسية تظهر فى المساء عند النوم مما جعلنى لم أنم لمدة خمسة عشر يوما كاملة أثناء الفرقة ومع ذلك زاد اصرارى على الحصول على فرقة الصاعقة، وكان عندى الرغبة فى الاستمرار داخل هذه الفرقة والتى أصبحت فيها من المتميزين بها، حيث كان من المفروض أن أكون من الأوائل ولكن الخلاف الذى قد نشأ بينى وبين معلمى الدوريات خلال فترة التدريب سواء كان فى فترة جناح الجبال أو جناح الدوريات جعل مشرف الفرقة يرغب فى إخراجى من الانضمام كمدرس بمدرسة الصاعقة، وقد تم حجز حوالى 24 ضابطًا كمعلمـين بالمدرسة .. أو يتم توزيعهم على كتائب الصاعقة وكنت مع الذين استبعدوا من الانضمام بوحدات الصاعقة .. رغم أن ترتيبى الـ (14) على الفرقة.

ولكن ما حدث بعد ذلك لا يمكن أن أنساه، فعندما وقفنا أمام مكتب قائد الصاعقة لإلقاء التحية وأخذ خطاب الترحيل إلى وحداتنا، فإذا (بجلال هريدى) وكان برتبه مقدم وقائدًا للصاعقة .. حين ذاك .. يسأل مشرف الفرقة وكان دفعتى "إية .. رجائى مش محجوز ليه؟"  وقد حفظ اسـمى من بعض المواقـف التى

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شاهدها أثناء فترة التدريب وتفوق بها، وإذا بمشرف الفرقة "يميل عليه" ويقول له فى أذنه بعض الكلام "الله أعلم ما هو" عن سبب عدم حجزى بوحدات الصاعقة، ولكن السبب كنت أعلمه .. وهو إختلافى مع بعض المعلمين فى المواقف التعليمية غالبا .. وكانوا معظمهم .. إما دفعتى أو دفعة قبل منى – وكنت دائما على صواب ولكن ذلك كان يثير حساسية بينى وبينهم.

وإذا بجلال هريدى يؤكد حجزى وانضمامى إلى الـ24ضابط ومنذ هذا الوقت وأنا ضمن قوات الصاعقة، فقد كنت فى حالة من الخوف عند عودتى إلى الوحدة التى خرجت منها دون إذن وخوفى من محاكمتى، وسبحان الله تغيرت مسيرتى فى لحظة أرادها الله وصنعها (جلال هريدى) وتم حجزى بوحدات الصاعقة وقد تم إلحاقى إلى جناح العدو وهو يمثل قوات العدو فى الدوريات بالنسبة إلى الجناح الراقى أو الجناح الخاص، والجناح الراقى هو الذى يتم التدريب فيه .. فى الأرض الزراعية والصحراء المكشوفة والجناح الخاص هو جناح الجبال. وكان عمل الضابط الذى يمثل العدو مع القوة التى تركب عربية يقف فى مناطق معينة ويتم تمثيل مواقف ليعلم الطلبة من خلالها كيف يمكن أن يتصرف الطلاب خلالها، وعندما انضممت إلى الجناح تصرفت بشكل مختلف تمامًا فقد كنت أسير مع الطلاب بشكل كامل سواء فى الجناح الراقى أو الجناح الخاص لأفرض المواقف المفاجئة لتدريب الطلبة على كيفية التصرف وقد ظهرت بمظهر مشرف ومع انتهاء أول فرقة صاعقة كان هناك نزاع لانضمامى للجناح الخاص أو الجناح الراقـى وكلاهما يريد أن أنضم إليه، وقد اخترت الجناح الخاص – الجبال – فقد وجدت نفسى أميل إليه والعمل به فالعمل به أصعب وأفضل وسبحان الله فقـد كانوا هم نفس المعلمين الذين أوصوا بعدم إنضامى لقوات الصاعقة أثناء الفرقة.

وعند انضمامى إلى الجنـاح الخاص (جناح الجبال) وجدت الذى يسبقنى فى الجناح من دفعتى الملازم أول (مختار الفار) وقد استفدت منه الكثير فكان لديه إحساس عالٍ للسير فى الجبال، فمعظم الدوريات كان الضباط  يستعينون "بالأدلة" من البدو للسير فى الجبال، وقد ألغينا ذلك وأصبحنا نحن الأدلة والمعلمين فى نفس الوقت ووضعنا قواعد جديدة لأسلوب التعليم مختلفة تمامًا، بحيث إن الطالب يتعلم كيف يمكن أن يسير فى الجبل دون الدليل، واستخدام الخرائط فى السير داخل الجبال. قضيت خدمتى فى الفترات الأولى داخل مدرسة الصاعقة كضابط متميز بين أقرانى،  فقد كنت أول من أدخل النزول من طائرات الهليوكوبتر عن طريق الحبل والحلقة، ورغم المعارضة الشديدة من الضباط القدامى، وتقليل عزيمتى من هذه التجربة ولكن قمت بنجاح بذلك أمام أحد الزيارات التى كانت تزور الصاعقة، وكان إضافة كبيرة فى ذلك الوقت، وأخرى عند زيارة الوفود الأفريقية للصاعقـة وكان معهم اللـواء (محمد فوزى) وقد تم عرض لم يكن فيه الشكل المطلوب وطلبت من المقدم (جلال هريدى) أن يتم القفز من الطائر مباشرة داخل ترعة الإسماعيلية دون حبل وطلب منى فعل ذلك وكان أقصى ارتفاع يمكن أن تقف عنده الطائرة حوالى 45 متر وبالفعل قفزت من هذا الارتفاع فى ترعة الإسماعيلية وعند تقدمى للوصول إلى حرف الترعة وإلقاء التحية وإذا باللواء (محمد فوزى) يتقدم عدة خطوات وإنا أسفل طرف الترعة وجسمى ملئ بالطمى وإذا به يمد يده ليسلم علىّ وفعلاً ألقيت التحية العسكرية ويدى متسخة بالطمى وإذ به يمد ليسلم علىّ باليد وهو سعيد بهذا العرض الجيد والجديد من نوعه .. وتقدم منه بعض ممن حوله لتنظيف يده من الطمى بمناديلهم، وأذكر موقفًا آخر للواء(محمد فوزى) وأنا داخل الكلية الحربية وطلب منى قائد السرية أن ألعب ملاكمة بوزن متوسط أمام الطالب(محمود مهران) وأنا كنت طالبا فى الإعدادى فى الشهور الأولى وكان وزنى يختلف (وزن ثقيل) عن وزن المتوسط وبالفعل لعبت المباراة بالأمر وبعد أن تم إنزال وزنى حوالى خمسة عشر كيلو مرة واحدة مما جعلنى فى حالة هزال وفى إحدى الجولات وأنا أنزف دماء من العلقة الساخنة التى أخذتها من العريف الطالب (محمود مهران) وكان طالبًا فى نهائى إذا بالمدرب الخاص بى يلقى بالفوطة داخل الحلبة .. ولكنى أقوم بإلقائها خارج الحلبة كى استكمل المباراة وأرفض الانسحاب من المباراة حتى انتهت الثلاث جولات وقام الحكم بإعـلان فـوز (محمود مهران) ورفـع يده، وإذا باللواء (محمد فوزى) يصعد إلى الحلبة ويقوم برفع يدى ويده إعلاناً منه بفوزى وذلك لاستمرارى فى المباراة حيث إنه كان يشجع المواقف التى تمتلئ بالعزيمة والإصرار وعدم الرضوخ أمام الانهزام ويحث على المواقف الشجاعة، وكما قال الله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".

 

الجـزائر

   بعد خدمتى فى الصاعقة مدة عامين ونصف سافرت إلى الجزائر فى بعثة أنا ومجموعة من الضباط وصف ضباط، وكان الغرض من السفر فى بداية الأمر هو حل الخلاف بين الجزائر والمغرب على الصحراء الغربية، وكان هناك بعثة من المدفعيـة والمدرعات وبعثة من الصاعقة .. لتقف بجانب القوات الجزائرية.

وفى صيف أحد الأيام وأنا فى المنزل فى إجازة وجدت تليفونًا يحدثنى فيه الملازم أول (فؤاد سعد الدين) وهو الآن محافظ المنوفية، وكان معنا فى الصاعقة يقول لى: " أنت قاعد فى البيت ونايم على ودانك .. فى أربعة مسافرين وواخدين واحد أحدث منك فى الالتحاق إلى الصاعقة"، وكان الرابع هـو (صلاح خيرى غنيم)، وقد تعدو دورى وكان عمة هو قائد المنطقة المركزية اللواء "غنيم"، وبالفعل ذهبت فى اليوم التالى وأحمل معى حقيبة سفرى بها ملابس، وقابلت قائد مدرسـة الصاعقة وكان المقدم (صلاح عبد الحليم)، قلت له أنكم تعديتم دورى وأنا أحضرت معى حقيبة سفرى إما أن أسافر وأحصل على دورى وإما أن أنتقل من الصاعقة، ولكن كان موقف المقدم (صلاح عبد الحليم) مشرفا حيث أحضر تصديق على سفرى مع البعثة علاوة على الأربعة ضباط .. وأصبحنا خمس ضباط و9 صف ضباط للسفر إلى الجزائر.

سافرنا إلى الجزائر ووصلنا العاصمة ثم انتقلنا إلى منطقة تدعى "كلوم بشـار" فى الغرب جنوبًا حوالى 700 ك غربا من العاصمة ثم 1200 ك آخرين إلى الجنوب وكان صاحب الفندق الذى أقمنا فيه رجل أفريقى متزوج من سيدة فرنسية، وخلال أسبوع انتهت الأزمة بين المغرب والجزائر، وإذا بـ(أبو مدين) وكان يشغل القائد العام للقوات المسلحة يقول لنا هل من الممكن أن يتم تدريب فرقة للصاعقة هنـا، وكنت فى ذلك الوقت قائدًا لهذه البعثة، وقلت له بالتأكيد، وقال إن هناك معسكرًا فى الشرق فى منطقة تدعى "أسكيكدا" كان بها معسكر للمظلات الفرنسية يمكن أن يتم تحويله إلى مدرسة صاعقة، ثم تم إرسال بعض الأفراد ليتم تدريبهم، وكان هذا أول "محك" لى فى إنشاء أول مؤسسة تعليمية، ورغم كل الصعوبات التى واجهناها.

لقد طلب السيد (هوارى بومدين ) هذا الطلب بشكل عفوى وببساطة شديدة .. وقد كانت كل ما تبع عفوى وبدون أى أوامر مكتوبة – لقد كان يقف أثناء هذا الطلب بعض من الشخصيات والتى علمت فيما بعد أنهم بعض قواد النواحى (المحافظات) وبعض العسكريين .. أحدهم يدعى طاهر وهو برتبه نقيب .. علمت فيما بعد أنه أبن أخت (هوارى بومدين)  وهو أحد المجاهدين فى الثورة الجزائرية .. وقد أمره (هوارى بومدين)  بأن يصطحب بعثة الصاعقة إلى الجزائر العاصمة ثم إلى بلدة أسكيكدا حيث المعسكر المطلوب تجهيزه كمدرسة للصاعقة.

تحركنا مع النقيب طاهر إلى الجزائر العاصمة .. حيث تركنا أفراد البعثة .. ثم ذهبنا سويا .. أنا وهو .. إلى أسكيكدا وهى تبعد عن العاصمة 500 كم وكانت عاصمة هذه الناحية وهى شرق الجزائر بلدة تسمى (قسنطينه) وكان قائد هذه الناحية (المحافظ) رائد يدعى (الشاذلى بن جديد) والذى تعين رئيس جمهورية فيما بعد وكان نائبه يسمى (محمد بن روچى) .. وكان بيد واحده حيث فقد يده فى حرب التحرير الجزائرية.

 

 

 


لقد كانت المسافة من العاصمة حتى أسكيكدا .. عبارة عن مسطحات كبيرة وجبال متوسطة الارتفاع وكلها تتميز بخضرة جميلة .. وكذلك الكثير من الجبال والتى توجد بها غابات كثيفة .. يعرف عنها أنها مليئة بالخنازير البرية المتوحشة والذئاب وأنواع مختلفة من الثعابين والقنفد والثعالب – ووصلنا المعسكر وهو يبعد عن بلدة أسكيكدا ثمانية كيلومترات إلى الشرق على طريق أسكيكدا – عنابه – وهو عبارة عن معسكر كبير ونموذجى ويقع على ربوه عالية تطل على ميـاه البحـر الأبيض المتوسط .. ولكنه مهجور تماما ومعظم زجاج الشـبابيك مكسر .. ولكنه كامل الأدوات الصحية والأبواب سليمة والحوائط نظيفة .. وكان قد تركها قوات المظلات الفرنسية من مدة قريبة.

وقال لى النقيب (طاهر) بعد أن وافقت على المكان .. أنه سوف يرسل لإحضار باقى البعثة .. وتركنى فى المعسكر على أنه سيرسل أسره ومراتب ودواليب بعدد أفراد البعثة.

وبعد أن ترك المعسكر .. ظهر لى شخص فى منتصف الأربعينات .. قدم لى نفسـه على أنه حارس على هذا المعسكر

 

 

 

 

وقال لا يوجد وسيلة مواصلات إلى البلدة .. ولكن لديه دراجة .. كما أن ليس هناك أى اتصال هاتفى.

وفعلا بعد عدة ساعات حضرت بعض اللوارى وبها ما وعد به من مفروشات وبعض المكاتب والكراسى .. كما أرسل عربة جيب تركها السائق لى بعد أن أعطانى المفتاح.

كما قلت من قبل أن السيد (هوارى بومدين) بسيط وتلقائى فى كلامه معى .. فقد كان كل التصرفات اللاحقة عفويه وتلقائية.

وصل باقى أفراد البعثة وكانوا النقيب (سمير ياسين) والملازم أو (نبيل حسن) و (شاكر مرسى) و(صلاح خيرى) وأنضم فيما بعد الطبيب ملازم أول (سمير النادى أبو طالب).

كان اتصالى مباشرة بالنقيب (طاهر) بتكليف من (بومدين) لتوفير الاحتياجات .. رغم كثرة الاتصال .. إلا أنه لم يصل للمعسكر أى فنى سواء سباك أو كهربائى أو نجار وذلك لتجهيز المعسكر .. لكننا بدأنا بإمكانياتنا نحن الضابط والصف ضباط فى تجهيز ما يمكن استخدامه من منشآت سواء للمكاتب أو إقامة الضباط وضباط الصف وكذلك عنابر لاستقبال الطلبة – لقد اشترينا بمالنا الخاص الأدوات والعدد اللازمة .. وفعلا تم تجهيز المطـلوب وكذلك تجهيز ما يخص تدريب الصاعقة من ميدان الاشـتباك .. والعقل الرياضية والمـلاعب مثل كرة القدم واليد والطـائرة – كما أعـددنا بإمكانياتنـا عيادة صغيرة تفى بالغرض.

كل هذا ولم يصلنا أى مساعدة من الجانب الجزائرى أو من القاهرة .. اللهم بعض الأجولة من الفول والعدس والأرز والفاصوليا .. والتى كنا نجهز غذائنا منه مع بعض الإضافات من السـوق المحلى .. حيث كنا نصرف بدل سـفر من الملحق عبـارة عن بدل اغتراب .. وهى تكاد أن تفى المطلوب من الحياة.

وأحب أن اذكر هنا واقعه .. هى أن الصف ضباط المصريين المعلمين .. قد تجمعوا بعد عمل عدة أيام ليعلنوا أنهم لن يؤدوا هذه الأعمال الإنشائية والإدارية .. حيث إنهم معلمون .. رغم أن الضباط كانت نشاركهم نفس العمل .. يد بيد.

ولكنى أخبرتهم بأن يحزموا شنطهم وقررت نزولهم إلى القاهرة ولكنهم تراجعوا عندما وجدوا الجدية فى أوامرى – وفى نفس الوقت تركتهم أسبوع مع عدم تفريغ شنطهم .. إلى أن أثبتوا وجودهم فى العمل.

وفى نفس الوقت بدأت فى تجهيز ورقيات المدرسة كمنهج تعليمى من دوريات فى الأرض المفتوحة وكذلك فى الجبال والغابات .. والتى كان يندهش الجزائريون أننا ندخل هذه الغابات مع علمنا بما فيها من إخطار وكان يساعدنى على ذلك أن الضباط الذين معى قد خدموا فى الجناح الأساسى والجناح الراقى والجناح الخاص.

وأثناء هذا العمل كله والذى قارب على الشهر .. كنت أحاول أن أطلب توقيت لإرسال جنود لتدريبهم .. ولكن دون جدوى .. أخيرا أرسل قائد ناحية (كلوم بشار) مائتي شاب كلهم مدنيين ويتمتعون ببشرة سمراء حيث إنهم جميعا من الجنوب.

وقد تم تدريبهم من الأساس حيث اضطرنا لإضافة شهر للفرقة لتحويلهم إلى جنود كما تم تدريبهم على السير بالخطوة المعتادة .. والسريعة .. والرماية بالبندقية والتكتيكات الصغرى من التقدم والانسحاب .. واللياقة البدنية .. أى أننا قمنا بتحويلهم من مدنيين إلى رجال عسكريين قبل أن نبدأ بهم فرقة الصاعقة – لقد كانت هذه المهمة فى مصر يقوم بها مراكز التدريب المستجدين .. ولكن فى الجزائر .. اضطررنا للقيام بها قبل أن تبدأ فرقة الصاعقة .. وقد أستغرق ذلك مدة حوالى الشهر.

وفى أحدى الليالى وبعد أسبوع تقريبا .. حضر لى بعض الصف ضباط وكانت حوالى الساعة الحادية عشر .. أى بعد ميعاد نوم الجنود – واخبرنى أنه توجد حالة تذمر بين الجنود الجزائريين .. وهم فى حالة هياج ومجتمعين ومعهم بعض العصى والهراوات .. معترضين على الاستمرار فى التدريب .. وفى ثوان ارتديت ملابسى الميرى .. وخرجت لهم وكان الظلام حالك إلا من بعض الضوء المنبعث من عدة لمبات مضاءة – وقد بدأت فى حديث خطابى معهم وبصوت عالى فى حشد قارب المائتى فرد .. وكان حديثى معهم يشـمل على الجمل الوطنية وتذكيرهم بالمستعمر الذى لم يبرح بلادهم إلا من عدة أشهر ومازلت إثارة باقية .. وأثناء حديثى معهم وجدت انصياع واستماع لكل كلمة والقوا بما فى أيدهم .. وخرج أحدهم واذكر اسـمه حتى الآن واسمه (إبراهيم المقدم) .. ليستأذن منى ويوقف باقى زملاؤه فى صفوف منتظمة عسكريا .. ثم أكمـلت خطابى لهم .. وهكذا تمكنت من السيطرة عليهم .. وخـلدوا إلى عنـابرهم وبدأنا التدريب فى اليوم التالى وبروح عاليه.  

واذكر هنا واقعـة أخرى .. وهى أن قائـد الناحية السيد الرائد (الشاذلى بن جديد) قد أزعجه عدم اتصالى به .. حيث كنت أقوم بالاتصال مع (بومدين) مباشرة بوزارة الحربية .. لقد كنت لا أعلم فى هذا الوقت بأن الاتصال به شىء مهم – فاستدعانى فى مكتبه ببلده قسنطينه وقد تكلم معى بشكل غير لائق .. ولكنى رددت عليه بالمثل .. فما كان منه إلا أن أستدعى حرس من أربعة جنود .. وكان يبدوا أنه أعد لذلك من قبل حيث قال (أنت تحت التحفظ) .. وقد قام احتكاك بينى وبينهم .. ولكنى الله نصرنى فقد أرضتهم أرضا .. تركت المكتب بعد أن أفترشوا الأرض فى ضربة واحدة ..  وقد سرت مسافة حوالى 200م إلى أن خرجت من مكتبه إلى بوابـة الديوان (المحافظة) وكانوا أطول مائتى متر فى حياتى .. حيث كنت انتظر اللحاق بى وكنت أتوقع أى شىء.

 

وتوجهت بعد ذلك إلى مكتب الملحق الحربى بالجزائر .. وطلبت منه أن أنهى مأموريتى لما وجدته من سوء معاملة وذكرت له ما حدث .. ولكنه أثنـانى عن قرارى عندما قال – أحنا هنا مبشرين للقومية العربية .. فكيف لا ترتقى للراهبات المبشرات فى أدغال أفريقيا.

وفعلا توجهت إلى المعسكر فى اسكتكدا مره ثانية لأقود البعثة مرة أخرى بروح وتصميم أعلى مما كانت.

ونصرنى الله أكثر .. عندما أتممنا فرقة الصاعقة للدفعة الأولى وتم إشراكهم فى العرض العسكرى لعيد الثورة الجزائرية .. والذى شاهده (بن بلا) رئيس الجمهورية و(بومدين) وكافة قواد النواحى (المحافظين).

وبعد عدة أيام من العرض العسكرى .. فوجئت بأن يدخل علينا بالمعسكر باسكيكدا (بومدين) و(الشاذلى بن جديد) .. وقد اعتذر (الشاذلى بن جديد) عما بدر منه قبلى فى المكتب – وافهمنى أن بعض الأشخاص هو الذى وشى بى وأنه لم يكن يفهم الوضع .. ولكنه بعد أن راجع (بومدين) وجد الجنود الذين تدربوا ظهروا بمظهر مشرف فى العرض العسكرى .. مما أثار تعليق الملحقين العسكريين الأجانب.

بعد العرض العسكرى هذا .. بدأ الجميع سواء فى البلدة أو الناحية كلها يظهرون احترامهم لنا .. وقد وصلت حسن علاقاتى بالجزائريين بأن أصلحت من وضع البعثة التعليمية الموجودة بالبلدة (المدرسين) سواء فى تحسين مستوى المسكن والمعيشة وكذلك اختلفت المعاملة معهم من قبل الجزائريين.

وقد استأجرت فيلا على البحر مباشرة وكانت منتدى لكافة القيادات من أهل البلدة وبعض الفرنسيين الذين مازالوا فى البلدة وكنا نحن ضباط الصاعقـة أعضـاء بارزين فى فـريق كرة السلة بالبلدة .. حيث كان ترتيب هذا الفريق متأخر دائما فى دورى كرة السلة على مستوى الجزائر .. ولكن أصبح بعد ذلك فى المقدمـة .. بل كان ترتيبه الأول على مستوى دورى بطولة الجزائر.

وقد مكثت حوالى سنتين ونصف .. ثم إنشاء كتيبه صاعقة ومدرسة صاعقة ومركز تدريب للمستجدين.

وانتهـيت مأموريتـى بعـد ذلك ليتسـلم منـى النقـيب (سـيد الشرقاوى) البعثة.

لقد أعطتنى هذه البعثة ثقة كبيرة فى نفسى حيث كنت لم أتجاوز الرابعة والعشرين .. وقد قضيت بعثه تعليمية لأصعب أنواع التدريب وهى فرق وتشكيلات الصاعقة .. اعتقد أننى قمت بها مع زملائى على أكمل وجه .. فإننا لم نخرج من القاهرة ومعنا أى وثائق للتدريب أو على استعداد لذلك .. ومع هذا أكملناها على أكمل وجه .. وكان تحركنا فى الجزائر على المستوى الشعبى والسياسى فى التعاملات .. وقد تجاوزناها بشرف .. كما أن الصعوبات التى واجهتنا تخطيناها كلها بحكمة وعقلانية – لقد أضافت هذه البعثة لى الكثير .. وخاصة بعد خروجى للحياة المدنية واختيارى للحياة التعليمية وإنشاء المدارس .. وذلك بعد حوالى خمسة عشر عام من هذه الأحداث.

 

اليمـن

   بعد رجوعى إلى القاهـرة انضممت ثانية إلى الجناح الخاص .. والذى كنت قد تركته وأنا قائد لهذا الجناح .. وكان معى دفعتى (مختار الفار) و(أحمد منصور) وهم بعد منى بدفعة .. وقد ذهبت أنا للجـزائر وذهب (مختار الفار) إلى اليمن .. وقد تم ترقيتهم استثنائيا فى اليمن .. وصاروا أقدم منى.

وكان علىّ أن أخدم بالجناح فى هذا الوضع .. والذى كنت أرفضه بشدة .. ولعلاقتى معهم الحميمة .. كانت الأدبيات محفوظة .. فقد كنت أنا المتصرف فى كل شىء .. وقد راعوا هم ذلك .. وبعد حوالى شهرين طلب منى أن أسافر إلى اليمن.

ذهبت إلى اليمن فى شهر أغسطس 1965 .. وقـد تعينت قائد سرية فى كتيبـة الصاعقـة الموجـودة فى منطقـة صعدا وكان قائد الكتيبـة الرائد (جمال فهمى) وقائـد المنطقة اللواء (نبيه السرسى).

وكنت قد سمعت من زملائى وأخى هشام عن ما يجرى فى اليمن .. وخاصة من ناحية الجانب الإنسانى فى المعارك .. وعن بعض التجاوزات التى كانت تحدث من بعض أفراد القوات المسلحة ضد الأفراد اليمينين المقاتلين .. وقد كانت هذه الأشياء لا أقرها بداخلى – وقد قررت أن أراعى ذلك فى عملى باليمن من خلال أعمال القتال المعروض علينا.

وقد سمع أخى الأكبر بهذه الأحداث من أقربائنا العائدين من اليمـن فقال لى مقوله أثرت فى وجدانى وأنا ذاهب إلى اليمن .. حـيث قال (خلى بالك أنك حتحارب ناس بتقول الله أكبر زيها .. زيك).

وقد كرر علىّ هذه المقولة أثناء المواجهة مع ليبيا فيما بعد .. بعد أنضمامى لوحدتى باليمن بعده أسابيع تقرر أن تقوم أحدى سرايا الكتيبة بتدمير ثلاث منازل بمنطقة صعدا بحجة أنها مخازن أسلحة وذخائر وهى قريبـة من جبل أسمه جبل الأخرس – وقد كلف النقيب (على خيرى) بهذه العملية وهو قائد لأحد السرايا بالكتيبة – وقد تقرر أن أرافقه فى هذه العملية .. حتى أشاهد المعارك على الطبيعة .. أو كما يسمون ذلك بـ(تطعيم المعركة) بالنسبة لى.

وفى ليلة العملية كنت ملازم لقائد السرية المكلف بالعملية فى مركز قيادته .. حيث قسم النقيب (على خيرى) سريته إلى ثلاث مجموعات كل مجموعة مكلفة بمنزل من هذه المنازل الثلاث والتى بدعوى أن بها تشوينات أسلحة للمقاتلين اليمينين.

وكانت كل مجموعة مكلفة بتدمير المنزل بالمتفجرات ثم رميها بقاذفات اللهب ومهاجمتها – وفى أثناء الاقتراب ومحاصرة المنازل والاقتراب منها .. وقد بدأت خيوط الفجر تظهر .. شاهدت رجل قد خرج إلى تراسى المنزل بالدور العلوى لمراقبة المنطقة .. حيث إنه ببدو أنه شعر بشىء ما يحدث حـوله .. وقد لحقه طفل وطفلة .. وعندما لم ير شيئا قال بصـوت عال (الله اكبر) .. ثم دخل إلى الداخل – لقد تذكرت كلمة أخى الأكبر (سيد) فى هذه اللحظة – وفى لحظات كانت المفرقعات تهز المنازل وقوازف اللهب تمطرها .. بدأ الأفراد فى اطلاق النيران تجاه المنازل – ولكنى فوجئت أن هذه المنازل تفتح أبوابها ليخرج منها كم هائل من النساء والأطفال فى حالة ذعر وهرولة لأى اتجاه .. وقد بدأت خيوط النهار تضئ المنطقة .. وبدأ المقاتلون اليمينيون الموجودون بالجبل الأخرس الرد بالنيران – وظهر جليا لى أن الرجال تحتمى بالجبل ليلا ونترك النساء والأطفال بالمنازل – وظهر لى أيضا أن قواتنا تعلم هذا جيدا .. وخاصة عندما قلت لقائد السرية أن المنازل فيها أطفال عندما ظهروا خلف الرجل الذى ظهر .. فقال كلهم عدو .. وعند هذه اللحظة وقفت ووضعت البندقية على كتفى ولم أشارك فى القتال وبدأت العودة سيرا دون أن أشاركهم فى الانسحاب التكتيكى .. وقلت لنفسى لو أصابتنى طلقة .. فأننى استأهل .. لأننى شاركتهم فى هذا الموقف .. مع أنى لم أطلق طلقة واحدة .. وقد حاول البعض فى أن أرقد أو أشاركهم الانسحاب التكتبكى .. ولكنى رفضت واستمريت فى السير بالخطوة المعتادة.

وما أن وصـلت إلى مركز القيـادة الرئيـس حيث اللـواء (نبيه السرس) .. وكان قد سبقنى جميع أفـراد السـرية .. ويبدو أنهم ابلغوا اللواء (نبيـه) عمـا حدث منى من عدم مشاركتهم فى القتال.

ولكن اللواء (نبيه) أراد أن يستقطبنى بأن قال حمد الله على السلامة يا بطل .. أنا كتبت اسمك فى كشف الترقية .. والريالات!! وما أن قال ذلك حتى انفجرت فيه معاتبا وبصوت عال .. على هذا النوع من القتال ضد النساء والأطفال.

وعلمت فيما بعد أنه كتب تقرير فى حقى بأننى تقاعست عن القتال .. ووصف ذلك بمصطلحات كثيرة.

وكنت قد دعوت الله متأثرا بذلك الموقف بأنى دعوت ألا يعود علىّ هذا الشهر إلا وقد تركت اليمن – وفعلا لم تمر عدة أيام حتى جاءت إشارة من القاهرة بأن أنزل فورا من اليمن وأسلم نفسى إلى وزارة الحربية.

وقد اعتقد الجميع أنى سوف أتولى السرية الجديدة والتى يتم إنشاؤها فى القاهرة والمعروفة بـ(سرية حرس المشير عامر) وأمام هذه الإشارة .. تم تمزيق التقرير المكتوب فى حقى .. كما ودعونى فى المطار كل من اللواء (نبيه) وقائد الكتيبة .. ظناً منهم أنى سوف أكون من المقربين عندما أتولى السرية المزمع إنشائها لحراسة المشير.

وهكذا استجاب الله لدعوتى وتركت اليمن.

وعندما وصلت القاهرة .. توجهت فى اليوم التالى إلى قيادة وحدات الصاعقة وكان قائد الصاعقة فى ذلك الوقت العميد (حسن عبد الغنى) .. وقابلته بمكتبه وكان موجود بالمكتب العقيد (صلاح عبد الحليم) قائد مدرسة الصاعقة .. وبعد أن جلست .. وقد وجدت ترحاب غير عادى .. وعلى استحياء أخبرنى العميد (حسن عبد الغنى) أننى ضمن نشرة الحقائق رقم (5) .. والتى بها 65 ضابط قد تم الاستغناء عنهم .. حيث كانوا ضمن تنظيم الأخوان المسلمين عندما كانوا طلبة بالمدارس .. ولكنهم وجدوا منى عدم إكتراث .. وأنى استمريت فى نفس الحديث الودى وبروح مرحه.

فقال لى (حسن عبد الغنى) آيه حكايتك ياجدع أنت – أنا بلغت الرسالة دى لأثنين ضباط قبل منك .. وكانوا قاعدين على نفس الكرسى ولم يفيقوا إلا بالنشادر – فقلت له أنا فعلا سعيد بخروجى من الجيش .. لأنى لا أعتقد أنى كنت حقدر استمر بعد حكاية الترقيات الاستثنائية اللى حصلت فى الجيش مما جعل ضباط من تلاميذى أقدم منى .. والسبب حرب اليمن وخصوصا بعد ما حضرت معركة فيها.

وفجأة تكلم فى التليفون مع أحد ضباط المخابرات الحربية وكان أسمه المقدم (عوض) وكان يخدم فى المجموعة (13) .. وبعد عدة كلمات نظر إلى وقال أنت كنت فى مدرسة شبرا الثانوية .. فقلت له أنا لم أدخل حى شبرا إلا بعد تخرجى من الكلية الحربية فقال لى أكتب لى تسلسل دراسته فى الثانوى وذلك بعد أن قدم لى ورقة وقلم.

وبعـد حوالى شهرين قضيتهم فى الحياة المدنية .. طلبنى العميـد (حسن عبد الغنى) إلى مكتبه ليبلغنى رجوعى إلى الجيش مرة أخرى.

وقد كنت الوحيد من ضباط هذه النشرة (نشرة الحقائق رقم 5) الذى أعيد إلى الخدمة مرة أخرى.

مع بداية صيف 1967 .. ومع حرارة الجو .. بدأت تتصاعد القرارات السياسية والعسكرية على الجبهة الشرقية بسـيناء. وقد بدأت بطلب مصر بسحب قوات الأمم المتحدة مرورًا بغلق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية إلى الحشود العسكرية للقوات المسلحة إلى سيناء .. ورفع درجات الاستعداد للمواجهة المصرية الإسرائيلية.

حيث ابتلعت القيادة المصرية الطعم الذى أعده الغرب والصهيونية لمصر للمبادرة بالضربة الموجة لمصر فى هذا التوقيت بعد أن أُنهِك الجيش المصرى فى اليمن.

وذلك بغرض إسقاط نظام الحكم بقيادة (عبد الناصر) كهدف للغرب واحتلال سيناء كجزء مهم تضع الصهيونية عينها عليه .. فهى لم تنسَ لثورة يوليو 52 أنها قامت بأهم إنجازات قضت به على ما قام به الغرب بعد الحرب العالمية الأولى وأكدتها فى الحرب العالمية الثانية .. وهو احتلال الدول الكبرى للبلاد العربية والأفريقية وهذه الإنجازات هى:

تحرير كافة الدول العربية والأفريقية من المستعمر الأوربي.

إحياء القومية العربية.

مساعدة المد الثورى لأمريكا الجنوبية.

الاشتراك وتعظيم دور دول عدم الانحياز.

محاولة تفعيل دور جامعة الدول العربية وبداية إقامة الولايات العربية المتحدة.

ولم ينسَ الغرب أن كافة الدول العربية والدول الأفريقية قد تحررت من الاستعمار بفضل القيادة المصرية بزعامة جمال عبد الناصر.

وكنت فى ذلك الوقت أخدم بمدرسة الصاعقة قائدا للجناح الخاص وهو جناح الجبال.

فى يوم 29/5/1967 .. صدرت تعليمات باختيار6ضباط لاستطلاع ثلاث مناطق بصحراء النقب .. كل مهمة مكونة من 2 ضباط .. كنت أنا والنقيب محمود محرم زميلى بالمدرسة فى مهمة واحدة.

وفى يوم31/5/1967 .. سلمنا أنا و(محمود محرم) أنفسنا إلى مكتب مخابرات الكونتلا .. والذى كنا وصلناه فى نفس اليوم وقابلنا الرائد (أحمد السيد) الذى كان يجلس على مكتب ميدانى متواضع داخل كشك خشبى .. وبجانبه فانوس (هيركان) حيث كان الوقت ليلا وكان سماره اللامع .. مع بياض العينين وسواد الحدقتين .. وتراقص إضاءة الفانوس .. أعطى لنا انطباع أهمية المأمورية.

وخصوصا أنها كانت أول مرة لنا أن نكلف بمهام قتالية .. وليست مهام تدريبية وكانت المهمة هى استطلاع مطار يسمى بمطار (متسابية رامون) بصحراء النقب وهى تقع فى الشرق لمنطقة (الكونتلا) والمعروف أن هذا المكان أرض هبوط للطائرات يستخدم فى حالة الطوارئ .. والمطلوب هل هو سيستخدم أم لا؟

ليلة 31/5/1967 .. الساعة العاشرة مساءً .. تم التحرك من الحدود المصرية باتجاه (متسابية رامون) .. وكان معنا دليل بدوى سيتولى توجيهنا إلى المطار .. والمقدر له مسافة 9 كم من الحدود .. وكنا نُعلم الطلبة فى فرقة الصاعقة .. كيفية الحفاظ على الاتجاه وكيفية السيطرة على الدليل حتى لا يكون هو صاحب القرار وقد وجدت نفسى أطبق نفس المبادئ .. ووصل ثلاثتنا إلى المنطقة .. والتى تم رصد أرض الهبوط والتى لم نجد فيها أى حياة مما يدل على عدم نية العدو استخدامها .. وتم الرجوع وتقديم التقرير إلى ضابط المخابرات الرائد (أحمد السيد).


 

الناصية الثالثة

رغم قصر هذه الفترة والتى لا تتعدى الأيام .. إلا أن غناها بأنها كانت المرة الأولى التى يتم فيها استخدام كل ما تم التدريب عليه أثناء السلم فى أول تجربة قتالية فى حياتى.

وقد اتسمت كل المواقف باليقظة وسرعة اتخاذ القرار معتمدا على عنصر المفاجأة والخداع لتحقيق الهدف وسلامة قواتى.

ولكن الفاجعة كانت متمثلة فى مشهدين:

المشهد الأول: مشهد الخيانة والسلبية على الجبهة الأردنية سواء من القيادة إلى وحدات الجيش الأردني.

المشهد الثانى: مشهد الفلسطينيين فى الضفة الغربية .. والذين لم يستعدوا لمثل هذا اليوم واعتـقادهم بأن حـرب 48 هى آخر المعارك واعتمادهم على القـوات النظاميـة سواء المصرية أو الأردنية.

فى حين أن قلب إسرائيل كان حتى هذا الوقت فى قبضه ومرمى الأسلحة الصغيرة والمتوسطة للأردن والفلسطينيين سواء فى الضفة أو غزة.

 

الأردن

وفى يوم 1/6/1967 .. انضممنا إلى قوات الصاعقة والتى كانت موجودة بجانب مدينة الكونتلا وكانت بقيادة العقيد جلال الهريدى قائد الصاعقة وقتئذ وخلال أيام (1، 2، 3) كان يصل لهذه القوات أفراد مدنيون مستدعون للخدمة .. وكانوا بأعداد كبيرة وبملابسهم المدنية وغالبيتهم قد تم تسريحه من الجيش منذ 10، 15 سنة كما أنهم لم يخدموا بالصاعقة من قبل- هذا رغم أن هناك دفعة كان قد تم تسريحهم رديف من الصاعقة منذ أقل من شهرين - لكن أحدًا منهم لم نجده بيننا.

وفى يوم 3/6/1967 .. صدرت التعليمات بنقل عدد 2 كتيبة .. كل كتيبة مكونة من ثلاث سرايا (السرية حوالى 100 فرد) إلى الأردن بقيادة العقيد جلال الهريدى .. وأتذكر أن المقدم أحمد عبد الله كان قائد إحـدى الكتائب وذهبنـا إلى مطـار (بير تمادا) لنستقل الطائرات إلى الأردن .. وأتذكر أننا استلمنا أفرولات وأحذية للأفراد الذين تم استدعاؤهم والذين كانوا مازالوا بالملابس المدنية .. وكانت هناك اختلافات كبيرة فى مقاسات الافرولات والأحذية .. أقلعنا من مطار (تمادا) ووصلنا فى ظهر نفـس اليوم إلى مطار (عمان) .. كان الملك (حسين) فى استقبالنا وبرفقته مركز القيادة المصرى هناك بقيادة اللواء (عبد المنعم رياض) واذكر من المدفعية المقدم (منير شاش). وتوجهنا إلى (رام الله) .. وانتشرنا هناك فى أماكن إيواء بجانب قيادة المنطقة برام الله.

وفى يوم 4/6/1967 .. بدأنا يومنا بأعمال إدارية ونظافة سلاح وبدأ الجنود الذين تم استدعاؤهم يتبادلون الملابس والأحذية فى محاولة لإيجاد مقاساتهم وأخذنا مواقع انتشار دفاعية حول المنطقة. كنت أنا و(محمود محرم) لسنا ضمن تنظيم الكتائب. فألحقنا على أحد الكتائب – وأذكر من قادة السرايا النقيب (شاكر مرسى) والذى خدم معى فى إنشاء مدرسة صاعقة ومركز تدريب بالجزائر لمدة حوالى ثلاث سنوات والنقيب مصطفى كامل والذى تولى محافظة بورسعيد فيما بعد. وأثناء العمل والتجهيز .. كنا نتبادل الكلمات الحماسية – جاء اليوم الذى سنحارب ونثبت وجودنا للعالم وبعض من الكلمات الحماسية – وأن هذه فرصتنا لاسترداد الأرض .. وغيرها من الكلمات الحماسية.

وفى يوم 5/6/1967 .. استيقظنا فى الخامسة صباحًا .. خرجنا إلى طابور الصباح الرياضى من السادسة إلى السابعة صباحا .. أخذنا حمام الصباح وتم تغيير الملابس وذهبنا إلى ميس الضباط بعد أن أطمأننا على إفطار الجنود وكان ذلك الساعة 7.45 دقيقة. تقابلنا فى الميس (المطعم) مع بعض الضبـاط الأردنيين وجلسـنا فى الصالون الملحق بالميس. وجلسنا نتعارف قبل الإفطار .. وأذكر أنه كان جالسًا فى الصدارة العقيد (جلال الهريدى) وقائد قطاع منطقة رام الله برتبه عميد وكان رجلاً طويلاً وضخمًا ممتلأ بشكل ملحوظ فى منطقة الوسط ومرت دقائق وقبل أن ننتقل إلى طعام الإفطار .. دخل ضابط أردنى برتبة صغيرة وفى حالة هلع مهرولا .. حتى وقف أمام قائد المنطقة وأدى التحية بشدة وقال افتح الراديو .. سيدى .. إسرائيل بدأت بهجوم جوى على مصر وفتح الراديو الموجود بالميس على محطة صوت العرب .. وكان إذاعة صوت العرب بصوت المذيع أحمد سعيد يكرر فى كل مرة .. جاءنا البيان التالى ويعلن عن سقوط العشرات من طائرات العدو.

 

مطـار اللد

    كنا فى فرحة عارمة بالأخبار التى نسمعها.. وهنا ظهر (جلال هريدى) وقال .. "جه يومنا ياولاد .. فى أمر عمليات حيتم تلقينكم لتنفيذه اليوم". وكان قد مر حوالى نصف ساعة .. وهنا وقف العميد قائد القطاع وبصوت جهورى موجهًا كلامه إلى أحد الضباط الأردنيين .. المدفعية 155.. "أقصف". وكنا نعلم جميعا أن مدى المدفع 155 وهى أقوى دانه وأبعد مسافة بحيث يمكن أن تضرب من رام الله كل من تل أبيب ويافا واللد والرملة .. إلا أننا لم نسمع صوت طلقة واحدة حتى خرجنا لدورياتنا فى التاسعة مساءً. المهم أعطى العقيد (جلال هريدى) تعليماته بأن ينتقل المقدم أحمد عبد الله إلى نابلس حيث سيكلف هناك بخروج ثلاث دوريات قتال فى اتجاه إسرائيل للعمل ضد المطارات المقابلة – وتبقى كتيبه تقسم إلى ثلاث دوريات ضد المطارات المقابلة. وكان النقيب (شاكر مرسى) قائد السـرية المكلفة للعمل على (مطار اللد) – فقلت للنقيب (شاكر) أنا و(محرم) حنطلع معاك الدورية.

ورغم أننى ومحرم أقدم منه .. إلا أننا قلنا له مش مهم الأقدمية إحنا مستعدين نشتغل أفراد .. المهم مش عايزين نقعد من غير شغل. فذهب (شاكر) إلى العقيد (جلال الهريدى) .. وقال عايز (رجائى) معايا .. فقال له .. بس رجائى أقدم منك .. فقال له .. مش مهم يا فندم .. إحنا واحد وممكن (رجائى) يقود السرية وأنا معاه .. وهكذا كانت روح الصاعقة .. لا فرق فيمن يقود .. المهم أن نعمل سويا .. وإن هذا يوم لا يمكن لأحد أن يجلس بدون أن يؤدى واجبه .. حتى ولو كان جنديًا. كانت السرية حوالى 96 ضابطًا وجنديًا بعد أن انضممت أنا و(محرم) إلى السرية وأذكر من الضباط الملازم (نجم) والملازم (سيد أيوب) .. والذى كلف يحمل جهاز اللاسلكى لأن الجندى المكلف بذلك كان مستدعى ولا علم له بالجهاز. وبدأنا بتجهيز أنفسنا للخروج للدورية من إعداد وتجهيز مفرقعات وألغام ولبس الأفرول على الوجهة الزراعى أى (الغامق) حيث أن طبيعة العمل كانت بين الأشجار والمزارع وكان الرائد (نبيل الزفتاوى) هو قائد القاعدة التى سنتحرك منها .. وبعد أن تحركنا ونحن فى وسط المسافة إلى بلدة (بيت ألياس) الحدودية لحق بنا المقدم (أحمد حلمى) والذى قال: "سأكون أنا فى القاعدة و(نبيل الزفتاوى) هو اللى حيكون معاكم كقائد للداورية".

لقد كان المكان الذى سنخرج منه هو من بلدة (بيت إلياس) وهى على الحدود الأردنية الإسرائيلية. نزلنا من السيارة وأخفينا السيارات بين منطقة أشجار عالية وأخذنا تشكيلنا فى اتجاه مطار اللد والذى يبعد حوالى 10 كيلومترات وقد بدأنا التحرك فى الساعة التاسعة والنصف تقريبا من مساء يوم 5 يونيو.

كنا نسير فى طابور فردى من الجنود وكل ضابط خلفه عشرة جنود وأنا وشاكر ومحرم خارج الطابور لتوجيه القوة للسير بالشكل المناسب وكنت أسير بعد نبيل ومجموعة الإدلاء خارج الصف .. وكنت أتابع اتجاه الإدلاء .. وبما أننى أجيد الملاحة الليلية والسير على النجوم .. فقد وجدت أننا تركنا الاتجاه المفروض أن نسير فيه وأصبحت مجموعة النجوم التى نسير عليها للهدف قد أصبحت خلفنا – وكانت الساعة قد قاربت الواحدة والنصف وهنا أخبرت نبيل الزفتاوى بأننا قد حدنا عن الهدف .. بل الآن أصبحنا متجهين إلى الأردن ثانية .. إلا أنه قال دى بلادهم وهم أدرى بها .. وبعد مناقشات استمرت أكثر من ربع ساعة مع الإدلاء ومع إصرارى .. بدأنا نغير اتجاهنا إلى حيث أشرت .. وبعد مسيرة مسافة قصيرة ظهرت صحة كلامى عندما كنا نعبر مكان مرتفـع .. وإذ بالمطار يضئ أنواره والتى كان يوقدها أثناء هبـوط أو إقلاع طائرات ثم يعاود إطفاءها.

واذكر أننا قطعنا المسافة فى حوالى خمس ساعات ونصف والمفـروض أن نقطعـها فى التحـرك الميدانى من 2.5 إلى 3 ساعات لكن هناك سببين:

عندما ضللنا الطريق عن عمد بواسطة الإدلاء.

وعندما تصادف مرور رتل من الدبـابات والعـربات المصفحة على طريق كان من المفـروض أن نقطعه ولم نتعامل معه لأن الهدف كان مطـار (اللد) .. وقد وقـف هذا الرتل أمامنا أكثر من ساعة.

المهم وصلنا إلى منطقة المطار حوالى الساعة الثالثة صباحًا واقتربنا لأقرب مسافة وهى عبارة عن منطقة أعشاب كانت تغطينا ونحن وقوفًا على بعد حوالى 50 متر من طريق مجاور للمطار ثم السلك الشائك للمطار .. وعدة أبراج مراقبة بها كشافات تضئ على فترات متقطعة للمنطقة.

وقد وقفنا مكاننا وذهب نبيل وشاكر ومحرم ومعهم سيد أيوب بالجهاز اللاسلكى للاقتراب واستطلاع المطار إلا أنه بعد نصف ساعة لم يحضروا .. اضطررت أن أقّسم الدورية إلى مجموعات صغيرة لتنفيذ العملية ظنا منى أن مكروها حدث لهم – وفعلا اقتربنا حتى الشارع الذى يفصلنا عن المطار وشاهدنا أن السلك الشائك الكثيف يبعد عنا بحوالى 200م تقريبا وعندما أضاء كشاف المراقبة كان هناك ثلاث طائرات نقل جنـود (نور أطلس) وتحت كل طائرة سرية مظليين أى حوالى كتيبه (300 فرد) – فحددنا أن هذا الاتجاه هو الهدف الأول ثم نتجه للمطار– وفى هذه اللحظة رجع (نبيل) ومن معه .. ليخبرنا أن المقدم (أحمد حلمى) اتصل .. ليقول أن العملية تم إلغاؤها وعلينا العودة!

وهنا حدث تمرد من الضباط الأصاغر رافضين العودة قبل تحقيق الهدف وخاصة بعد أن تحركنا إلى مقربة من السور .. وكنت من المعارضين أيضًا .. إلا أن إصرار (نبيل) على إتباع الأوامر جعلنى أوافق .. والآن هؤلاء الضباط على علاقة حميمة معى حيث كنت معلمًا لهم جميعا فى فرق الصاعقة .. وكان علىّ أن أقوم بإقناعهم .. حيث تفهموا ذلك – وأفهمتهم أن هنـاك اتفـاقًا عنـدما تصلنا إشارة باللاسلكى أو الراديو (جلال وحلمى يعودا لقواعدهم).

إنها تعنى أن تعود الدوريات ولا تستمر فى العملية .. ولكننا للأسف لم نفتح الراديو الذى كان معنا وسمعناها باللاسلكى .. وكانت الساعة تعدت الرابعة صباحًا وبدأت خيوط الصباح تظهر وكنا قد دخلنا منطقة حدائق برتقال لنسير بداخلها مسافة طويلة متجهين شمالا لنبحث عن الثغرة التى مررنا بها فى الذهاب وهى ثغرة بين المستعمرات التى كانت تحيط المنطقة بالكامل – حيث اختفى الإدلاء الفلسطينيين بعد أن عبرنا هذه الثغرة فى الذهاب.

وفى الساعة السابعة صباحا وكانت الشمس قد ملأت الكون – وهناك اتخذت قرارًا أن اعتمد على الخداع للمرور صباحا فى داخل إحدى المستعمرات فخرجت من حديقة البرتقال مفاجأ لكل من معى من الداورية.

لأنـادى عليهم بعد أن وقف النقيب (شاكر) أمامى وأقـول (على شمال الدليل اجمع) ليتجمع الجنود والضباط فى صفين .. وناديت علق السلاح .. لليمين دور .. للشمال لف .. معتادا مارش – لقد كان هذا التصرف مفاجأة لجميع من معى بما فيهم الرائد (نبيل) نفسه .. وبدأت السير فى اتجاه إحدى المستعمرات والتى كانت تبعد بحوالى 100 متر وكانت المستعمرة عبارة عن مبانٍ بسيطة دور واحد وسقف مائل من القرميد .. وقد سرنا فى شارع فسيح داخل المستعمرة وكانت المنازل من اليمين واليسار .. وكان الإسرائيليون منهم من هو نائم أمام منزله أو يفتح الشباك على صوت خطواتنا ليتفاجأ بهذا المنظر .. وكانوا فى حيرة حيث إننا نعبر من داخل الأراضى الإسرائيليـة. وأن لبس الأفورول على الوجه الزراعى (الغامق) هو تقريبا نفس لون الجندى المظلى الإسرائيلى .. إلا أن الوجوه ليست المعتادة عليها .. وفى منتصف المستعمرة التى لا يبلغ عرضها أكثر من150متر كان هناك طريق مقاطع للطريق تسير  به سيارة فى اتجاه مرور الدورية .. وهنا أوقفت الدورية لأشير إلى السيارة بالمرور .. وعندما أبطأت السيارة أمامى لتتفرس فى وجوهنا .. ضربت بيدى على الكبينة لأقول له (شالوم) وأشاور له بسرعة المرور .. وبتلقائية انصاع قائد السيارة للأمر .. وكنت أثناء السير قد أعطيت أوامر لبعض المتميزين بقيادة شاكر مرسى بأن يمدوا الخطوة .. وعند وصولهم البوابة الرئيسية والتى كانت أمامنا مباشرة يقومون بإطلاق النيران على الحراسة والخروج خارج المستعمرة لتغطية انسحابنا بعد أن نطلق النيران على من هم بالمستعمرة. وكان أول من سقط قتيلا فرد حراسه كان موجودًا بالبرج المجاور للبوابة وأفراد البوابة ثم بدأت المجموعة بإطلاق النيران على كل من فى المستعمرة مع الاستمرار فى الانسحاب .. إلى أن عبرنا الطريق المقابل للمستعمرة وكذلك خط السكة الحديد إلى أن دخلنا سلسلة الجبال متجهين إلى قرية بيت إلياس.

وفى منتصف الطريق إلى القرية شاهدنا أتوبيس كبير وبجانبه 9 مجنـدين عبارة عن 7 رجال وامرأتين – فأمرت الملازم نجم بمهاجمتهم وتم قتلهم جميعا ونسف الأتوبيس وإحضار جهازهم اللاسـلكى والمعدات التى كانت معهم .. ويبدوا أنهم كانوا نقطة إنذار.

ولأول مرة نعلم أن طلقة (RPJ2) وهو القاذف المضاد للدبابات والمركبات لا تعمل قبل 100متر حيث أطلقنا أكثر من واحدة ولم تؤثر على الأتوبيس فى شئ .. وقد تكون هذه المعلومة جديدة لنا .. حيث أبلغنا زملاءنا بعد أن عدنا وتقابلنا معهم أنهم قد اشتبكوا مع العدو فى سيناء عن قرب فى أعمال فدائية .. إلا أنهم صدموا بذلك – لكن عموما استبدل بعد ذلك (RPJ2) بـ(RPJ7) والذى يعمل على المسافات القريبة. ووصلنا إلى قرية (بيت إلياس) عصرا ليخبرونا أن الضفة الغربية قد احتلت من القوات الإسرائيلية.

وعندما وصلنا إلى القرية وجدنا فراخًا مسلوقة قدمت لنا من أهالى القرية الفلسطينيين فى طشوت كبيرة من البلاستيك – وكذلك زعتر وزيت زيتون فى قصعة وكمية كبيرة من العيش المخبوز فى الفرن بالمنازل وبحثت عن العربات التى تركناها مخبئه بين الأشجار وكان قرارى أن أستغل عنصر المفاجأة والخداع مرة أخرى حيث أحضرت بعض سائقى العربات وقلت لهم هل تعرفون الطريق إلى أريحا عبر المدقات بعيدًا عن الطرق الرئيسية .. فأجابوا بالإيجاب. 

وفى الثانية صباحًا بدأنا التحرك بقول العربات المكون من عدد أربع لوارى .. وذلك عـبر المدقات فى اتجاه بلدة أريحا معتمدين على ظلام الليل وحالة السكون التى فيها العدو .. وفى أحيان كثيرة كانت المدقات تقترب من الطرق الرئيسية ولمسافات كبيرة .. وكانت مدرعات ودبابات العدو بجانبنا فى حالة سكون تام إلى أن انقشع ظلام لليل وظهرت خيوط ضوء الصباح لأشاهد منظرًا من أسوأ المناظر .. وهو طابور ممتد من الفلسطينيين المدنيين عبارة عن شيوخ وشباب وأطفال وعجزة .. كل منهم يحمل كيسًا كبيرًا أو مخدة أو لحافًا .. فى حالة هجرة إلى الشرق حيث بلدة (أريحا) .. وهنا عرفت أن العدو لم يصل إلى هذه المنطقة .. فبدأنا نأخذ طريقنا على الطريق الأسفلتى الرئيسى ونسير بسرعة عادية فى اتجاه (أريحا) والتى وصلناها مع بزوغ الشمس .. لنجد كمًا كبيرًا من المهاجرين لأخذ الراحة بأريحا ثم الاتجاه إلى الضفة الشرقية للأردن عبر نهر الأردن.

ووقفنا ببلدة (أريحا) وقد شاهدت بعضًا من الجنود الأردنيين بملابسهم العسكرية المكوية والمنشاة .. وأعتقد أنهم حتى لم يعرقوا فيها .. وكأن هناك اتفاقًا لترك الضفة الغربية بسلام بين الطرفين – وهذا ما اتضح عندما وصلت عمان .. اللهم إلا كتيبة فى بلدة نابلس .. رفض قائدها الأردنى الانسحاب وظل محتفـظ بالبـلدة لمـدة أربعـة أيام فى حالة قتال مع العدو حتى استشهد.

المهم عبرنا نهر الأردن عبر جسر اللمبى واتجهنا إلى (عمان) .. وقابلنا العقيد (جلال الهـريدى) واعتقدنا أننا سنأخذ مهام قتال أخرى .. إلا أننى عندما ذهبت لمركز القيادة وكان به اللواء (عبد المنعم رياض) و(جلال هريدى) وبعض القادة المصريين وعنـدما دخلت المبنى مع الرائد (نبيل الزفتاوى) .. كانت هناك صالة طويلة بها بعض الكراسى البسيطة ثم دخلنـا غرفة كبيرة مربعه .. ملقى بها على الأرض حوالى أربع مراتب عليها ملاءات بيضاء .. وفى ركن منها كانت ترابيزة مستطيلة وبعض الكراسى وعلى الترابيزة بعض الخرائط وأعتقد أن ذلك كان هو  مركز القيادة .. كانت الأوامر أن الانتظار حتى صدور أوامر وتعليمات من القاهرة.  

 

العودة إلى الأردن

وفى يوم 7/6/1967 .. كان اليوم الثانى صباحًا للمعركة – أى منذ رجعنا إلى الحدود الأردنية عند بيت إلياس وتحركت كما قلت من قبل من بلدة (بيت إلياس) الساعة الثانية مساءً فى اتجاه أريحا مارا بأطراف رام الله .. إلى أن وصلت إلى عمان فى حوالى العاشرة صباحًا – قابلت جنودًا أردنيين وقادة فى مواقعهم .. ورغم حرارة الجو فأننى لم أجد جنديا واحدًا يتصبب عرقًا .. وبكامل الهندام المكوى .. ولم تغير علينا أى طائرة حربية .. ولم أسمع أى صوت لتبادل إطلاق نيران .. ولم أجد أى رتبة كبيرة فى مركز القيادة المصرى الأردنى المشترك.

إلا أننى شعرت وكأن هناك اتفاقًا بين الحكومة الأردنية والحكومة الإسرائيلية فحواه (سلم واستلم) .. بل لم أشاهد أى موقف عدائى .. حتى مع الفلسطينيين المدنيين المنسحبين من ديارهم .. مشهد لا يذهب من ذاكرتى .. أرويه حاليا وقلبى ينزف دمًا وليس غريبا بعد ذلك أن تشيد الحكومة الإسرائيلية ببسالة الجندى الأردنى وتصفه أنه كان الجندى المستبسل فى مواجهته وتصف الملك الحسين بالقائد الشجاع.

ولكنى كشاهد عيان فى الميدان لم أسمع عن أى قلق من المملكة الأردنية غير ما سبق أن ذكرت عن الكتيبة الموجودة فى نابلس التى قاومت أربعة أيام وبدون أوامر للصمود.

كما أن منظمة فتح كانت وليده .. ولم نسمع عن أى مقاومة لها رغم انفتاح المسرح أمامها .. واعتقد أنه لو كان تم استخدام نصف القوات الأردنية أو منظمة فتح .. لاختلف الأمر تماما – حيث كانت معظم المدن الإسرائيلية فى متناول يد الجميع.

لكن يبدو أن الجميع كان فى غفلة عن المواجهة على تلك الجبهة .. ولم يأخذوا من حرب 48 درسًا .. ولم يعدوا أنفسهم لهذا اليوم – وكانت الدعاية الإسـرائيلية تشيد بهم لتحطيم معنويات الجبهة المصرية وعبد الناصر شخصيًا بعد أن كُسرت القوات المصرية فى سيناء. ولى وقفة هنا عن معركة 67 على الجبهة المصرية – وأقول معركة لأنها ليست حربًا .. لأن الحرب بدأت بمعركة 67 مارة بمعارك الاستنزاف وهى بالمئات وانتهت بمعركة 73. لأن الحرب تبدأ بمعركة أو معارك تقصر أو تطول المدى فيها .. المهم أنها أخيرا حققت الهدف المرجو منها أو تخيب فى تحقيقه بمعركة فاصلة .. وهنا يحسب المكسب أو الخسارة للحرب.

لقد بدأت الحرب العالمية الثانية سنة 1941 وانتهت 1945 وسميت المواجهات سواء فى فرنسا وبولندا وستالتجراد ونورماندى وشمال أفريقيا وغيرها بمعارك ولم تسمى حرب فرنسا أو نورماندى أو .. أو .. – ونفس الشىء فلقد كانت حرب 67 – 73 (الجولة العربية الإسرائيلية الثالثة) لمدة لمعارك بدأت فى عام 67 بمعارك 67 فى سيناء والجولان والضفة مرورًا بمعارك الاستنزاف وانتهت بمعركة 73.

واعتقد أن إسرائيل خسرت تحقيق الهدف فى تدمير الجيش المصرى واحتلال الأرض وكسر الإرادة السياسية المصرية .. وأن مصر لم تمنح العدو غرضه بل كسرت الإرادة السياسية الإسرائيلية وأفقدتها مقولة الجيش الذى لا يقهر.

والمعلوم أن ألمانيـا فى الحرب العالميـة الثانية اجتاحت فرنسا فى أربعة أيام .. واكتسحت بولنـدا فى 12 ساعة وغيرها من البلاد الأوربية وقامت هذه البلاد بتحرير أراضيها بواسطة قوات الحلفاء.

لكن كان الشرف لمصر أنها حررت أراضيها بواسطة جنودها المصريين. ولكن حزنى أننا كمصـريين نهوى لطـم الخدود وجلد أنفسنا .. وهذا تقليد متوارث من أيام الفراعنـة .. لم نذكر 67 إلا ونعيد ما نعيد .. ولكننـا لم نجد فرنسا أو بولنـدا وغـيرها من البـلاد .. تلطم الخدود فى ذكرى انكسـارها. بل تناست ونظرت إلى الأمـام لتبنى بلادها من جديد.

فليرحمنا الله .. ونرحم أنفسنا من كلمة نكبة .. ونكسة – إلا أننا قد خرجنا فى كل مرة أقوى مما كنا عليه .. ولكن علينا الآن أن نعى الدرس .. وإن العدو مازال قائمًا – وإن السلام حتى لو طالبنا به .. فإن العـدو لا يعرفه – والعدو على يقين أن كلمة السلام تعنى نهايته .. وإنه مقتنع تماما أن وجود الأول يلغى الآخر.

لقد كانت معركة 67 معركة فى صحراء خالية من البشر وأمام جيش أُمر بالانسحاب – ولكن عندما واجه العدو المصرى فى بلده فى 67 فى بور فؤاد أو فى 73 فى الإسماعيلية أو السويس لم يقوى على الاختراق .. وأخذ دروسا لن ينساها وحتى فى 56 .. بمعاركها ببور سعيد والمقاومة من العسكريين والمدنيين والتى أرهقت القوات الإنجليزية. 

 

فـتح

فى يوم 8/6/1967 .. تجمعت قوات الصاعقة الموجودة بالأردن فى بلده الزرقا والقريبة من الحدود السورية – وكنا قد علمنا واستوعبنا ما حدث على الجبهة المصرية .. سرى فيما بيننا أن هناك منظمة فلسطينية تسمى فتح وأنها ستقوم بعمليات ضد العدو الإسرائيلى.

وتجمعنا حوالى 10 ضبـاط واتفقنا على أن ننضم إلى المنظمة .. وبدأنا الاتصال بياسر عرفات عن طريق أحد الأدلة الفلسطينيين الذين كانوا معنا – وأخيرا وافق (ياسر عرفات) على الانضمام إليهم. وفى نفس اليوم الذى اتفقنا على الهروب من المعسكر للانضمام إلى المنظمة .. وكنا قد وصلنا إلى عدد 22 ضابط – وكنا قد خلدنا إلى النوم فى تمام التاسعة مساءً .. على أساس أن نستيقظ فى الثانية مساءً ونتجمع بالسلاح والذخيرة لنغادر المعسكر لمقابلة المندوب الذى سوف ينتظرنا خارج المعسكر – ولكن فى الساعة الثانية عشر وجدنا أوامر بإيقاظ كافة وحدات الصاعقة .. ثم تم التتميم علينا .. وكان هناك رتل من الأوتوبيسات المدنية فى انتظارنا .. وعلمنا بعد أن تحركنا أننا متجهين إلى سوريا.

وكان إجراءً مفاجئًا خصوصا أننا كقادة لم نأخذ أى تلقين مما ساورنى الشك أن خطتنا تسربت .. وخاصة أن أحد الضباط عرض على أن نكلم المقدم (أحمد عبد الله) للانضمام إلينا .. ولكنى عارضته .. لعلمى أنه ملتزم فى حياته العسكرية ويخشى فعل مثل هذا الشىء .. وإن علم به فسوف يبلغ قيادته بذلك.

المهم .. وصلنا دمشق فى صباح نفس اليوم .. وتوقفنا فى أحد المعسكرات .. وعوملنا معاملة غريبة .. كان فيها حذر شديد منا .. بحيث لم يسمح لنا بالظهور أو التحرك من خارج المعسكر .. وأوعزنا ذلك لعقدة النظام البعثى من الصاعقة وخاصة أن المقدم (جلال الهريدى) هو قائد هذه المجموعة .. وكأنهم لم ينسوا أن قوات الصاعقة هى التى تحركت إبان الانفصـال عن سوريا وبنفـس القيـادة وهو (جلال الهريدى) قائد الصاعقة.

 

تحركنا بعد عدة ساعات إلى لبنان .. وكان منظرًا جميلاً جدًا وهو السير خلال الجبال الخضراء لجبل الشيخ – وكان لا يعكر جمال هذه الطبيعة إلا صور حافظ الأسد وهى مزروعة على الطريق بأحجام كبيرة .. ولم نستغرب ذلك لأن هذا هو حال البلاد ذات الحكم الدكتاتورى الفردى صحيح إن مصر كان بلدًا أيضا حكم بالدكتاتورية .. لكن مظاهرها لم تصل إلى هذه الدرجة .. حتى القاعدة الرخامية الموجودة فى ميدان التحرير وكان من المعلوم أن هناك تمثال لعبد الناصر على هيئة رأس مثل تمثال رأس لينين كان سيوضع على هذه القاعدة بعد مماته إلا أنه كان هناك حياء لوضعه وهو على قيد الحياة .. عموما فهو لم يوضع واختفت من الوجود هذه القاعدة من ميدان التحرير والتى كانت تعتبر تحفه معمارية. غريب أمر هذا الحكم البعثى فى سوريا .. فرغم احتلال إسرائيل لأرض سورية وهى الجولان ومرور أكثر من أربعين عام .. فإنها لم تثير أى معارك استنزاف ضد العدو فى الأرض المحتلة ولا حتى برميه حجر– وفى نفس الوقت تركز كل ثقله فى لبنان وهى أرض شقيقة .. وإن كنت أحترم سياستها فى الاعتزاز بقوميتها وكرامة الدولة أمام الهيمنة الغربية وخاصة أمريكا .. فهل هى تقايض بذلك أمام الأرض ..؟ وصلنا بيروت مساءً .. وقضينا ليلة ونهار كامل مع كرم وسماحة شعب من أجمل الشعوب العربية (لبنان) .. ثم أقلعنا فى مركب إلى الإسكندرية لنصل فى منطقة المكس غرب الإسكندرية ونركب القطار الذى كان فى انتظارنا لنصل إلى أنشاص.


 

الناصية الرابعة

فى هذه الفترة كان الحافظ هو الله .. والله خير حافظ.

إن موقفى الرافض لوقف القتال بعد معركة 67 .. كان موقف ككل المصريين .. ولكن مظاهرة عندى فيه شىء من الإيجابية والتى تعرضنى لخطر المواخذه والتى قد تصل للسجن.

وقد تمثل ذلك عقب 67 فى محاولة لتنظيم وتشكيل منظمة تخرج عن النظام وتقييم فى سيناء للعمل ضد العدو (منظمة سيناء العربية) والتى لازمنى فيها الصحفى (وجيه أبو ذكرى).

والأخرى بعد عام 71 بعد إيقاف النيران وأعمال معارك الاستنزاف عندما قمت بتنظيم انقلابى للأخذ بزمام الحكم للاستمرار فى العمل القتالى .. حتى تحرير كامل سيناء .. ولكن قرار الحرب فى 73 أشفى صدورنا .. وجانبنا الاستمرار فى ذلك التنظيم.

وقد اتسمت هذه الفترة باعتزازى بكونى مصرى وذلك لما شاهدته من كل المصريين وإصرارهم على حماية الأرض وطرد العدو .. سواء المواطن البسيط والذى اختار عن رضا أن يعيش على الكفاف لتوفير كل شىء لقواته المسلحة – أو للمجند الذى استمر بالخدمة لأكثر من ست سنوات كمجند .. حتى تحررت أرضه .. وخاصة الجندى ذا المؤهلات العالية.

وإلى المرأة المصرية للجنود والضباط والتى كانت تقوم بدور الرجل والمرأة فى تربية وإدارة شئون بيتها .. بدلا من زوجها المقيم تقريبا على الجبهة.

وأهم ما فى هذه الناصية هى التحالف الحقيقى لكل مقدرات الشعب مع جيشه استعدادًا لمعركة التحرير.

العودة إلى مصر

عندما وصل المركب التى أقلتنا من بيروت إلى الإسكندرية .. وكنا عليها حوالى 700 جندى وضابط مصرى من قوات الصاعقة .. كانت أوقاتنا حتى قبل الوصول إلى الإسكندرية عادية .. لأننا لم نكن نعلم بحجم الفجيعة حتى الآن .. اللهم إلا أخبارًا متفرقة عن انسحاب الجيش المصرى .. وكنا نستعجل العودة متوهمين أننا سنشارك فى المعارك الدائرة فى سيناء. ولكن بمجرد رسوٌ المركب على رصيف الميناء بالإسكندرية .. ثم تحركنا إلى القطار الذى سيقلنا إلى أنشاص حيث معسكرات الصاعقة .. شعرنا بحجم الهزيمة التى لحقت بنا وأن القتال توقف فى الحد الفاصل وهو قناة السويس .. رغم أننا سمعنا من قبل قبول مصر قرار وقف إطلاق النار .. إلا أن قلوبنا كانت لا تصدق ذلك .. أو أنه لأيام .. وأكيد سنعاود الاستمرار فى القتال .. أو أن ذلك للخداع ثم سنعاود.

لكننا شعرنا بخيبة الأمل فى وجوه كل من قابلناهم فى طريقنا من الميناء حتى القطار والذى كان بداخل منطقة الميناء .. شعرنا به دون أن ينطق أى منهم كلمة – وحتى ونحن راكبون القطار المتجه إلى القاهرة ثم أنشاص .. ورغم سرعة القطار إلا أن شعورنا وكأننا نسير خطوة جنائزية بطيئة على مارش الوداع المخصص للجنائز.

ووصلنا مقر قوات الصاعقة بأنشاص لنتقابل مع أقرنائنـا من قوات الصاعقة .. ورغم أننا كنا آلاف مؤلفه .. لكن شعورى كان يشبه وكأن معسكرات الصاعقة صوان جنائزى كبير – ومن العادة أن العزاء بالصوان هناك مفجوع واحد ومعزيين ولكن أول مرة أشعر أن الكل المفجوع ولا معزيين خاصة أن هذه الآلاف من قوات الصاعقة لم تأخذ الفرصة للاشتراك فى المعركة .. إلا حالات نادرة وتعتبر فردية أو بمجموعات صغيرة جدًا .. وكنا نحتضن بعضننا البعض لنرمى همنا الجاثم فوق صدورنا أو نحمل هموم البعض منا .. وهناك رغبة فى أن تطول الفترة .. فماذا سأقول لأخواتى أو أمى أو زوجتى .. أو الجيران وتعمدت فى هذا اليوم بالعودة للمنزل بالعباسية بعد حلول الظلام .. حتى لا أقابل على الأقل الجيران وأهل الحى. ودخلت المنزل لنتبادل الأحضان .. وكان أخى (هشام) والذى كان ضمن قوات الصاعقة قد سبقنى بساعات وأخبرهم بمجيئى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لأن أسرتى كباقى الأسر .. والتى سمعت اسم أبنائهم فى إذاعة إسرائيل .. أنهم ضمن القتلى – وكان ذلك نتيجة كشوف الأسماء التى استولوا عليها من مركز القيادة برام الله .. وكان ذلك ضمن الحرب النفسية لإسرائيل. وكانت زوجتى والتى تركتها فى 30/5/1967 وكان المفروض أن تلد مولودنا الأول خلال أسبوعين لم تلد حتى الآن .. وفى الصباح الباكر لليوم التالى جاءها المخاض لتلد ابننا الأول (محمد) .. ورغم أن أخى الأكبر والأصغر لقبوا أبناءهم نفس الاسم إلا أننى سميت ابنى نفس الاسم .. وهو اسم والدى – وكان هذا من تقاليد العائلة .. أو معظم العائلات فى هذا العصر .. عصر الأصالة.

فى هذا اليوم بعد أن أوصلت زوجتى ومعها أمى إلى مستشفى غمرة العسكرى للولادة .. ذهبت إلى مدرسة الصاعقة بإنشاص .. وعندما علم قائد المدرسة من زملائى أن زوجتى بالمستشفى للولادة .. أمرنى بمغادرة المعسكر للاطمئنـان على زوجتى وكان ذلك يوم 22/5/1967.

وعشنا كقوات صاعقة كباقى القوات المسلحة فى حالة استكمال للأفراد والسلاح والتدريب .. وكأننا سنقاتل غدا .. وإن كانت قوات الصاعقة معدومة الخسائر تقريبا لأنها لم تأخذ أى فرصة للاشتراك فى المعركة وحياتنا المدنية منحصرة فى اللقاءات الاجتماعية فى المناسبات .. ورغم أنها مناسبات سعيدة سواء من أعياد ميلاد أو ولادة أو زواج .. إلا أن الابتسامة اختفت وإن ظهرت فلا معنى لها .. وإن كان هناك ضحك فإننى كنت أشعر به كهستريا أكثر منها ضحكات .. وكان ينتهى بنا الأحاديث إلى تحليل لمعركة 67 .. وقد ينتهى بورقة وقلم ووضع الخطط العسكرية خاصة إذا كان المجتمعون بينهم أكثر من رجل عسكرى – بل إنى شاهدت ذلك فى أشخاص مدنيين بالقهاوى فى المدن .. وعلى المصاطب بالقرى .. بل بين الناس فى المصايف – الكل رافض .. وقد تمثلت ذروة هذا الرفض وهذا الشعور .. عندما خرج شعب مصر عن بكرة أبيه فى المدن والقرى بدون اتفاق .. لتهتف (سنحارب) .. عندما أعلن عبد الناصر تنحيه عن الحكم – كنت أحس بصدق هذا الوعد يوم بعد يوم من خلال مشاعر الشعب المصرى وتصرفاته .. ولا تعلم هل هذا الشعار أو الصراخ إن أردت أن تسميه .. هو نـداء لعبد الناصر بألا يتركنا .. أم أننا سنحارب سواء كنت أو لم تكن .. أو هو تحدى للعدو الذى لم يتغلب علينا حيث كان عبد الناصر رمزًا للصمود والنصر .. وكان إسقاطه وإسقاط النظام المصرى هو أهم وأول الأهداف لهذه المعركة .. والتى ثبت بعد ذلك أن المعركة كان مُعد لها سواء أقدمنا نحن عليها أو لم نقدم .. والتى دلت عليها كافة الوثائق الدولية .. وقد خطط لها لكى يبدو أن النظام المصرى هو الذى بدأ .. والتقط النظام المصرى الطعم والذى شاركت فيه دول كبرى .. وعندما لم نبدأ بالهجوم .. بدأ العدو بالسير فيما خطط له.

فى أعقاب رجوع (ناصر) عن التنحى وعودته للحكم .. بدأت الخلافات والصراع بين (ناصر) والمشير (عامر) تأخذ فى الحدة .. والتى انتهت بانتحار المشير (عامر) والذى اختلفت فيه الأقاويل هل هو انتحر أم استنحر .. والذى فقدت الصاعقة جراء هذا الصراع مجموعة من اكفأ ضباط الصاعقة ورمـوزها أمثـال جلال الهـريدى وأحمد عبد الله وفاروق شكرى وعبد اللطيف البسيوني ومختار الفار وعلى عثمان وسعيد عثمان .. وغيرهم ممن اتصل بالمشير عامر والذى زُج بهم فى السجون دون جرم يذكر .. غير أن (جلال الهريدى) و(أحمد عبد الله) اتصلوا بالمشير كنوع من الوفاء .. أو المؤازرة .. والتى أرى أنها لا تستحق كل هذه الإهانات بمثل هذه الرموز .. وخاصة أن مصر كانت فى أشد الحاجة لكل يد تحمل السلاح .. وهى ليست كأى أيدى .. ففى سابقة لم تشهدها القوات المسلحة من قبل تم التنكيل بهؤلاء الضباط بالسجن الحربى من ضباط المفروض منهم أنهم زملاؤهم وعلى رأسهم العميد (إبراهيم سلامه) و(زاهر بسيونى) و(حمزة البسيونى) وغيرهم .. بل وصل الأمر إلى إشراك صف ضباط فى التنكيل بهم أمثال صفوت الروبى وغيره .. والتى انتهت حياتهم بما يقال .. اللهم لا شماتة .. بل إن الذين تسببوا فى ذلك بشكل غير مباشر لحقوا بهم بعد عدة سنوات قليلة بضباط الصاعقة فى سجن أبو زعبل .. ولا أحب أن أذكر أسماءهم هنا لأنهم أدوا خدمات جليلة لمصر .. أمثال الفريق أول (محمد فوزى) .. الذى لولاه لما تم إعادة بناء الجيش المصرى بهذه السرعة وهذه الكفاءة، لما تميز به من حزم .. وحكمة – إلا أن قوته والتى كانت مطلوبة لإعـادة بناء الجيش .. أفقدت الروح المعنوية للأفراد – وكأن القدر كان على ميعاد لبعث الروح المعنوية فى الجيش بتولى الفريق (محمد صادق) وزارة الحربية .. والذى كانت تهمه المعنويات قبل كل شـىء .. فهى إرادة الله لخـير مصـر لبناء الجيش ماديـا ومعنـويا ليوم الحسم فى أكتوبر 1973.

وقد قلت عن سابقة إهانه الضباط بالسجن الحربى لم يكن لها وجود فى الجيش المصرى .. فإذا ما قورنت بوقفة عرابى وزملائه أمام خديوى مصر .. ومحاربة جيش عرابى أمام قوات الاحتلال فى معارك انتهت بمعركة التل الكبير والتى هزم فيها عرابى نتيجة خيانة الاميرلاى (خنفس باشا) وبعض البدو والتى كانت ضمن قوات عرابى فإن قوات الاحتلال لم تنكل بهم .. بل تم نفى الزعيم .. عرابى إلى جزيرة سيشل وسبب ذلك النفى نشر الإسلام بالجزيرة .. و(أحمد باشا عبد الغفار) إلى لبنان .. و(سامى باشا البارودى) .. الذى رفض الاستسلام وتسليم سيفه إلى قوات الاحتلال .. وقال أنا فى منزلى ولا أذهب لتسليم سيفى .. إلى أن تم القبض عليـه ونزع سيفه وتم نفيه – ولم ينكل بهم ولا بمن كان معهم.

وأذكر أن رفيقى وزميلى الحميم (مختار الفار) تعمد بعد أحدى طوابير الرياضة الصباحية أخذنى إلى تراك ملعب كره القدم بوحدات الصاعقة .. ليعـرض على أن أنضم إليهم وقال لى أنا عرضت فكرة انضمـامك على المقدم (أحمد عبد الله) لكنـه رفض وقال له (أحمد عبد الله) سأذكر لك الأسباب بعـدين .. لكن (مختار) قال لى أنا مُصر أقولك لتنضم لثقتى فيك ..

(ولكنى قلت له يا مختار أنا لا أحمل السلاح إلا لسببين .. أما فى وجه العدو لتحرير مصر .. أو فى وجه من يستسلم لإنهاء الحرب .. وعبد الناصر لم يستسلم ولم ينه الحرب).

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech