Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

المفاجأه في حرب أكتوبر

المفاجأة في حرب أكتوبر

 

بقلم: د. محمد قدري سعيد

تميزت حرب أكتوبر‏1973‏ بخصائص كثيرة ميزتها عن المواجهات العسكرية الأخري لمصر في النصف الثاني من القرن العشرين‏,‏ وكان عنصر المفاجأة في بداية العمليات.

هو الأكثر تأثيرا في نتيجة تلك الحرب العظيمة‏,‏ مقارنة بباقي العناصر الأخري‏,‏ وإذا أخذنا كل تفاصيل حرب أكتوبر في الاعتبار‏,‏ من البداية حتي النهاية‏,‏ لوجدنا أن إسرائيل بكل ما تمتلكه من وسائل‏,‏ لم تعان شيئا بمثل ما عانت مفاجأة الهجوم المصري والسوري‏,‏ وما أحدثه من إصابة نافذة في هيكل الإدراك الإسرائيلي‏,‏ ومدي قدرته علي تمييز تفاصيل التهديد المحيط بإسرائيل‏.‏
وكثيرا ما سمعت وقرأت من خبراء إسرائيليين عن مفاجأة حرب أكتوبر‏,‏ وتساؤلهم وتعجبهم المتكرر‏:‏ كيف نجح المصريون والسوريون في تحقيق تلك المفاجأة؟ ولا ينافس مفاجأة حرب أكتوبر عندهم إلا زيارة الرئيس السادات لإسرائيل‏,‏ وما أحدثته هي الأخري من شروخ وحيرة في منظومة تفكيرهم المنطقي‏,‏ حتي جعلتهم يرددون مرة ثانية‏:‏ كيف فعلها المصريون؟‏!‏ وفي الحالتين ـ حالة أكتوبر‏73,‏ وحالة نوفمبر‏77‏ ـ يمكن القول إن المفاجأة العسكرية في الأولي‏,‏ والسياسية في الثانية‏,‏ كانت لهما الفضل فيما تحقق من نتائج نهائية علي الأرض ربما حتي الآن‏,‏ مع كل التقدير لما جاء بعد المفاجأتين من جهود أخري عسكرية أو سياسية‏.‏
ويحتوي التاريخ علي أسئلة كثيرة للمفاجأة العسكرية‏,‏ مثل الهجوم الياباني علي الأسطول الأمريكي في بيرل هاربر بالمحيط الهادي‏,‏ وكذلك الهجوم الإسرائيلي علي مصر في يونيو‏1967,‏ وفي تلك الحالات الشهيرة وغيرها من النمط نفسه‏,‏ لم تكن الأجواء صافية‏,‏ بل كانت ملبدة بسحب الحرب‏,‏ إلا أن المسألة الجوهرية كانت تكمن في قدرة الدولة الهدف علي التعامل مع مؤشرات وتحذيرات وسط أجواء منذرة بهجوم وشيك‏,‏ قد يحدث أو لا يحدث‏,‏ وبتعبير آخر كان الامتحان والتحدي في قدرة القيادة والدولة علي التعامل مع حالة تهديد مفاجئ وسط أزمة سياسية مصاحبة له‏,‏ وأن المفاجأة المخطط لها مسبقا من أحد أطراف النزاع قد تؤتي ثمارها‏,‏ ليس فقط بمهارة تخطيط المهاجم‏,‏ بل أيضا وبنسبة عظيمة بمدي غفلة الطرف الآخر‏,‏ أو بطء حركته ورد فعله‏,‏ وإذا أردنا الدقة لوجدنا أن ما نشير إليه بتعبير المفاجأة هو عبارة عن حزمة كبيرة من العوامل المركبة قد يتداخل معها بجانب تخطيط المهاجم واستعداد المدافع عوامل أخري سوف تطفو علي السطح مع تفاعل الأحداث وتطورها‏.‏
عرفت الحكومة الإسرائيلية في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر بأنباء الهجوم المصري ـ السوري علي إسرائيل‏,‏ وكانت جولدا مائير قد انتهت من قرارها بألا تقدم علي شن هجوم إجهاض ضد الحشود المصرية والسورية‏,‏ وبرغم كل الشواهد وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة مفاجأة لم تكن تتوقعها‏,‏ ولم تكن مستعدة لها بالقدر الكافي‏,‏ وبرغم أن جولدا مائير وموشيه ديان قد بلغهما في ليلة السادس من أكتوبر أن الهجوم المصري سوف يحدث في الساعة السادسة مساء في السادس من أكتوبر‏,‏ فإن الأمر بتعبئة القوات لم يصدر إلا في الساعة الثامنة صباحا في يوم عطلة شاملة في إسرائيل‏,‏ وقبل ست ساعات فقط من ميعاد الهجوم المصري ـ السوري المفاجئ‏.‏
ومن بين العوامل المؤثرة في بلورة المفاجأة العربية وإعطائها الزخم المطلوب‏,‏ كان إيمان إسرائيل خاصة مخابراتها بأن الدول العربية لن تدخل الحرب مرة أخري‏,‏ وأنهم لا يملكون في ترساناتهم المختلفة قدرات كافية علي شنها‏,‏ والسائد في الدراسات الاستراتيجية ارتباط فكرة المفاجأة في الحرب بالنيات قبل القدرات الفعلية‏,‏ بل قد يري البعض أن نية المفاجأة قد تعوض القصور في القدرات الفعلية‏,‏ وكان التركيز الإسرائيلي المخابراتي والسياسي موجها في الأساس إلي استكشاف النيات العربية‏,‏ ومدي جديتها في شن حرب أخري بعد حرب‏1967,‏ وما خسره المصريون فيها من سلاح وعتاد‏.‏
وقد روجت كثير من الصحف الأجنبية في ذلك الوقت تدهور حالة السلاح المصري‏,‏ خاصة فيما يتصل بالقوات الجوية والدفاع الجوي‏,‏ وتكون نتيجة لذلك انطباع عند الإسرائيليين أن مصر لن تكون قادرة علي استيعاب التكنولوجيات الجديدة في أكثر من مجال‏,‏ خاصة في مجالات الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات‏.‏
وفي الحقيقة كانت مصر في أوائل‏1973‏ قد أصبحت من أوائل الدول المسيطرة تدريبا واستخداما لمنظومة الدفاع الصاروخي ضد الطائرات علي مستوي ارتفاعات مختلفة‏,‏ وقد سبق ذلك إنشاء قيادة منفصلة للدفاع الجوي بكل عناصرها الفنية والعملياتية بما في ذلك منظومة القيادة والسيطرة التي تكاملت مع منظومة القوات الجوية‏,‏ وكان التعاون بين القيادتين مثلا يحتذي في التنسيق والتعاون والتدريب المشترك‏,‏ ولن نكون مبالغين أن مصر قد دشنت علي مستوي العالم من خلال أدائها في حرب أكتوبر عصر الإلكترونيات والصواريخ الموجهة إلكترونيا‏,‏ وكانت تلك المساحة الإلكترونية غائبة عن العقلية الإسرائيلية‏,‏ ولم يرق إدراكها إلي استشعار التغير في القدرات المصرية‏,‏ وليس فقط النيات‏,‏ لقد كانت النيات المصرية واضحة وضوح الشمس للإسرائيليين‏,‏ وكان رهانهم علي غياب القدرات الضرورية لترجمة النيات إلي فعل ملموس‏,‏ وغاب عنهم ما تحقق من تقدم وتحديث في منظومة السلاح والتدريب المصرية‏.‏
وعلي مستوي التقويمات الأمريكية في‏1973,‏ قدرت الولايات المتحدة أن نسبة حدوث الحرب بين إسرائيل ومصر أقل من‏45%,‏ وأن احتمالات نشوب الحرب سوف ترتفع تدريجيا مع غياب التقدم في الحلول الدبلوماسية‏,‏ وفي ذلك الوقت كانت العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين مصر والولايات المتحدة‏,‏ ولقد ساعدت الإمكانات الأمريكية في الكشف عن مستويات التعبئة علي جبهتي سيناء والجولان‏,‏ وربما كان من أهم مؤشرات قرب اندلاع الحرب ولم تأخذه إسرائيل في الاعتبار إجلاء المستشارين السوفيت وعائلاتهم من سوريا في‏4‏ أكتوبر‏1973,‏ وكان ديان علي علم لكنه لم يأخذ ذلك بالجدية الكافية‏,‏ لكن الغريب أن إسرائيل كانت علي معرفة كاملة بتنامي الحشود المصرية والسورية علي طول قناة السويس والحدود السورية‏,‏ وساعدها في ذلك إمكانات الاستطلاع الأمريكية الجوية‏,‏ ثم أضيف إلي ذلك بالقرب من قناة السويس وصول كباري واستعدادات لم تتم ترجمتها إلي نيات وشيكة لعبور القناة‏,‏ وعلي الجبهة السورية تجمعت في‏21‏ سبتمبر نحو‏2000‏ دبابة في أوضاع دفاعية تحولت إلي أوضاع هجومية في الليلة السابقة للهجوم‏.‏
وفي الأسابيع السابقة للحرب حرص السادات علي إعطاء تصريحات مثيرة لافتة للنظر مثل ندائه للفصائل الفلسطينية بالاستعداد لأننا مقبلون علي الحرب‏,‏ وكذلك حديث السادات إلي البرلمان المصري أن العملية السلمية قد فشلت مع تأكيده في الوقت نفسه تفضيله السلام علي الحرب‏.‏
ولقد صدر من الرئيس الليبي قبل الحرب مؤشرات علنية يؤكد فيها ابتعاد ليبيا عن أي استعدادات جارية بين مصر وسوريا‏,‏ ومن الواضح أن المخابرات الإسرائيلية في ذلك الوقت قد فقدت القدرة علي فرز ما ترصده من معلومات‏,‏ وما هو الحاسم في تأكيد وجود نيات حقيقية عند المصريين والسوريين لشن الحرب علي إسرائيل‏,‏ والمدهش أن موشيه ديان قد رصد العديد من المؤشرات لكنه فشل في وضعها في الإطار الصحيح‏,‏ فقد لاحظ ديان أن السوريين لم يصدر منهم ردود فعل بعد أن فقدوا‏13‏ طائرة ميج في معركة جوية مع إسرائيل في‏13‏ سبتمبر‏73‏ قبل حرب أكتوبر بأقل من شهر‏,‏ وقد عرف بعد ذلك أن سوريا فضلت الصمت لأنها كانت تستعد للحرب‏.‏
وفي التحقيقات التي تلت حرب أكتوبر تبين أن كل الملاحظات غير العادية علي خطوط تماس إسرائيل مع كل من مصر وسوريا كانت مسجلة في أكثر من تقرير إسرائيلي‏,‏ لكن ذلك لم يؤخذ في الاعتبار عند التقويم النهائي‏,‏ وتبين أيضا أن أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية في القيادة الجنوبية قد أرسل تقريرا لرؤسائه في الأول من أكتوبر‏1973‏ بعنوان استعدادات الحرب في الجيش المصري‏,‏ وكانت التقويمات في هذا التقرير مختلفة عن تقويمات قيادات المخابرات‏,‏ لذلك لم يسمح لهذا التقرير بالمرور‏,‏ والتقرير كان يحذر من أن المناورات المصرية الجارية في ذلك التوقيت الحرج قد تمثل غطاء لعملية عسكرية حقيقية‏.‏
لقد راهنت القيادة الإسرائيلية علي افتراضين لم يثبت صوابهما‏,‏ الأول أن سوريا لن تهاجم دون مصر‏,‏ وأن احتمالات تعاون الدولتين معا قليلة إن لم تكن معدومة‏,‏ والثاني أن مصر لن تهاجم إلا بعد أن يتحقق لها التفوق الجوي الكامل‏,‏ لكن الحرب اندلعت بتنسيق مصري ـ وسوري‏,‏ ودون تفوق جوي مصري كاسح‏,‏ لأن عوامل أخري كانت قد استجدت لم يربط بينها العقل الإسرائيلي المرتبك‏,‏ ولم ترها العين الإسرائيلية قصيرة النظر‏

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech