Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

مذكرات المقاتل البطل / بيومي أحمد عبد العال صائد الدبابات

كنت شاباً اعتصرته هزيمة سنة 1967م كما أنها جعلت كل شبابنا بل حياتنا في ضياع تام ندور في دوامة سحيقة كان

من تأثيرها علينا أن جعلتنا أناساً يعيشون على هامش الحياة، سلبيين لأقصي درجة. عدم الثقة في النفس أصبحت هي

سمتنا والعامل المشترك في كل تصرفاتنا وأحوالنا.

كما أصبح الشاب كهلاً ينوء بحمل كالجبال كان في غنىً عنه.

كنا في حالة من انعدام الوزن لا نعرف ماذا نفعل، ولا ماذا نقول، ولا ماهي الخطوة التالية ...!

كنت ما زلت طالباً أتلقي العلم في الوقت الذي يغص حلقي بمرارة الفشل والهزيمة. إلى أن انتهت دراستي في عام 1969م وتقدمت لأداء الخدمة العسكرية؛ فالتحقت بخدمة مدفعية الميدان وتخصصت في سلاح مضاد للدبابات روسي الصنع اسمه "مالوتكا" والذي أصبحنا نطلق عليه فيما بعد الإسم "فهد". وهو صاروخ من الجيل الأول،

أي أنه تمت صناعته وجرب واستعمل في الحرب العالمية الثانية، ما يعني أنه قديم الطراز. ويحتاج موجه هذا الصاروخ إلى تدريب شاق وذلك لصعوبة التحكم فيه، كما يحتاج إلى برودة في الأعصاب بحيث أنك تتصرف وكأنك في غرفة مكيفة عليك وحدك فقط، فلا تشعر بدوي الانفجارات حولك ولا بصراخ الجرحى والقتلى لأن تأثرك بأي شيء حولك من الممكن أن يؤثر على قدرتك على توجيه هذا الصاروخ التوجيه الصحيح، ولهذا السبب تم انتقاءنا لهذه المهمة.

كان التدريب على استعمال هذا الصاروخ تدريباً شاقاً وقاسياً رغبة في الوصول بنا لدرجة عالية من القدرة على التحكم به وبالتالي إيصاله إلى هدفه.

كانت الأيام تمضي بطيئة ثقيلة ومعها نمضي باتجاه أمل جديد وفجر جديد وإن كان هذا قد بدا صعب التحقيق في ظل وجود إسرائيل بجيشها الذي لا يقهر والقادر دوماً على الاحتفاظ بزمام الأمور في يديه كما كانت تقول أبواق دعاياتهم وإشاعاتهم.

وكانت حالة اللا- حرب واللا- سلم قد طالت وأدت إلى ارتفاع جدار الوهم الإسرائيلي بعدم قدرة العرب على تغيير الأمر الواقع وضرورة استسلامهم للشروط الإسرائيلية وساعد على نمو هذا الشعور دعوات اليأس والإحباط التي بدأت تتعالى في معظم العواصم العربية كنتيجة لطول فترة السكون على جبهات القتال.

وكانت معظم الحسابات العسكرية الحربية العالمية تقدر حاجة العرب وخصوصاً مصر إلى ما يقرب من خمسين عاماً لتجهيز الاستعدادات اللازمة لعبور قناة السويس كمانع مائي بالغ الصعوبة ثم اقتحام "خط بارليف" الذي يزيد في مناعته وتحصينه عن كل ما عرف من الحصون العسكرية الشهيرة في التاريخ الحديث مثل " خط سيجفريد" و "خط ماجينو" الفرنسي.

كانت المشاريع والمناورات العسكرية والتدريب تتوالى علينا بالرغم من عدم ثقتنا في قيام معركة أخري بيننا وبين العدو البغيض الذي يجثم فوق أطهر وأشرف أرض في بلدنا ولكننا كنا نقبل على هذه التدريبات ونحن نعلم أن العرق في التدريب يوفر الدماء في المعركة.

كنت انظر عبر القناة وإلى ضفتها الشرقية على رمال سيناء الطاهرة ويحدث اتصالاً روحياً بيني وبينها. كانت وكأنها تنظر لي نظرة منكسرة ذليلة حزينة بالرغم من ابتسامة التشجيع على شفتيها ولسان حالها يقول "لا تتأخر على فإني أنتظرك كي تزيح هذا الهم الجاثم على صدري".

ومرت أعوام الحسم التي كانوا يتندرون عليها في إسرائيل فيقولون "كيف وهم جثة هامدة...؟!!". وفي خلال أعوام الحسم تلك كنا نقوم بمناورات على خط القناة كأننا نستعد للعبور فتقوم إسرائيل برفع درجات الاستعداد واستدعاء الاحتياط ثم تكون الأوامر لنا "كما كنت"، أي علينا العودة إلى معسكراتنا ثانية. وفي كل مرة من تلك المرات كانت إسرائيل تقوم بحشد قواتها تحسباً للهجوم عليها؛ ولك أن تتخيل كم كانت تتكلف إسرائيل عند كل استدعاء لاحتياطيها إذا علمت بأن جيشها بالأساس قائم على هذا الاحتياط ؛ فكان العمل يتوقف داخل إسرائيل وتتكلف مبالغ طائلة نظير هذا الاستدعاء؛ حتى أيقنت إسرائيل بأن هذه المناورات إنما هي مناورات الخريف المصرية وأنه لا خوف منها لأنها فقط تستهدف تقليل الضغوط الشعبية على القيادة السياسية في مصر.

فلم يخطر ببالهم أنها جزء من الخطة الكبرى للتمويه والخداع الاستراتيجي للعدو والتي قادها ببراعة عبقري وبطل الحرب الشهيد محمد انور السادات رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية في هذا الوقت. وعندما حشدنا قواتنا أمام القناة في أكتوبر 1973م لم يأخذ الإسرائيليين هذا الحشد مأخذ الجد وقالوا إنها مناورات الخريف المصرية فلا قيمة لها.

صباح يوم السبت 6 أكتوبر 1973م ...

 هو صباح ليس كأي صباح آخر فقد أحسست أنه يمر سريعاً، ولم أعلم بأن مروره السريع هذا كان استعجالا للحظة الحاسمة في حياتنا وحياة أمتنا العربية وبأننا كنا على موعد مع التاريخ في هذا اليوم. علمنا بموعد بدء المعركة، كنا غير متأكدين من الأمر ولكن أملنا أن تبدأ مهما كانت التضحيات لأنها السبيل الوحيد للزود عن كرامتنا المهدرة واسترداد أرضنا المنهوبة.

قمت ومعي أفراد فصيلتي بأداء صلاة الظهر جماعة بملابس القتال ثم تعاهدنا على النصر أو الشهادة وقمنا بتوجيه بعضنا البعض بأن من يجرح فلا نتركه أما من يستشهد فقد نالها ونال الجنة وسيناء هي خير أرض الله لتحتويه بداخلها في أحضانها وبين جوانبها.

كانت مهمتنا هي عمل رأس كوبري على الشاطئ الشرقي من القناة وتأمين قواتنا التي كانت تعبر بعدنا القناة من هجمات دبابات العدو وكنا أول الموجَهات التي تعبر القناة؛ والحق يقال إنني كنت أظن بأننا في آخر لحظة كنا سنعود فيها أدراجنا وإلى وحداتنا كما كان يحدث من قبل، ولكن والحمد لله لم يصدق ظني وتأكدت عندما رأيت فوقي طائراتنا المصرية وهي متجهة إلى عمق سيناء لضرب مطارات العدو ونقطه الحصينة.

وجدت نفسي أنطق مع الآلاف من زملائي بصيحة النصر "الله أكبر ... الله أكبر". وهنا أقول إنه حدث شيء خارق للعادة وهو أن طول خط القناة والذي تقف عليه قواتنا بطوله البالغ 167 كم وبوجود فواصل بين الجيش الثاني والثالث الميدانيين مثل البحيرات المرة، وبالرغم من هذا كله كانت صيحة "الله أكبر" تدوي على طول هذا الخط دون اتفاق ... كيف حدث هذا؟! ... وأقول اجتهادا من عندي ومن روحانيات شهر رمضان المبارك والله اعلم أن الله سبحانه قد أرسل الينا ملائكة لم نراها ولكن لما قالت "الله أكبر" رددنا وراءها الصيحة المباركة "الله أكبر ... الله أكبر" والتي لم تنقطع طوال أيام المعركة. ولدي إيمان شخصي بأنها كانت مفتاح النصر الذي أيدنا الله به فهي التي دكت حصون ومطارات أعدائنا قبل أن تدمرها صواريخ طائراتنا ومدفعيتنا.

تغير كل شيء في لحظة فلم أكن ذلك الإنسان الوديع الهادئ بل انقلب الحال وأصبحت في قمة الحماس والانفعال والسرور وكافة الأحاسيس التي جاشت في صدري وخاطري وكياني وأصبحت أتلهف على النزول إلى القناة وعبورها عائماً. وجاء دورنا بعد وأثناء التمهيد النيراني لمدفعيتنا ركبنا القارب المطاطي وكنا مع مجموعة مفرزة موانع متحركة ما أن وصلنا إلى الضفة الشرقية وما أن وضعنا أقدامنا على هذه الأرض الطاهرة إلا وانحنينا نقبل تلك الرمال الغالية التي طال اشتياقنا إليها وندفن فيها كل الآلام والعذابات والمرارة إلى غير رجعة.

الساتر الترابي يعلو ضفة القناة بـ 20 متراً وبزاوية ميل رأسي لا تقل عن 80 درجة. وكنت أحمل ويحمل زملائي مثلي ما يقرب من 60 كيلوجرام لكل منا من مؤن وسلاح وذخيرة هذا غير وزننا نحن، ولكننا كنا نتسلق هذا الساتر الصعب بخفة ورشاقة الغزلان ويساعد بعضنا بعضاً. وعند وصولنا قمته انطلقنا لا يهمنا شيء إلا كسب الأرض واحتلال المواقع لعمل رأس كوبري ولتأمين قواتنا. ولم ننسي ونحن في غمرة المعركة أن نبتسم، فنحن مقبلون على إحدى الحسنيين، إما النصر أو الشهادة. ولا أنسي ما حييت منظراً جميلاً كان له تأثيره فينا جميعاً، فقد كانت أمامنا عشة مهدمة مصنوعة من أعواد البوص وفي غمرة هجومنا خرجت من تلك العشة مجموعة من الأرانب، وبدلا من أن يهربوا منا في الاتجاه المعاكس وجدناهم ينطلقون إلينا وكأنهم يهللون ويرحبون بنا لتخليصهم من هذا الأسر؛ ولم يمسهم أحد منا بسوء.

إنضمت فصيلتنا التي كانت مكونة من ملازم أول / سيد خفاجة، ومحمد عبد العاطي، وانا، ومحمد الدغيدي، ومحمد فهمي إلى احتياطي اللواء 112، لواء النصر بقيادة العميد / عادل يسري الذي اشتهر فيما بعد باسم صاحب الساق المعلقة ولذلك قصة.

فإنه في يوم الاثنين 8 أكتوبر جاءتنا أوامر بتطوير الهجوم ، وفعلا تقدمنا وكانت دبابات العدو تأخذ خط السماء (أعلى بقعة في الارض) وتطلق نيرانها علينا. وكان العميد / عادل يسري يقوم برد الهجوم ويدير المعركة من خارج عربة القيادة ومعه مجموعة اللاسلكي، فإذا بإحدى دبابات العدو تميز دبابة القائد وتطلق عليها طلقات تسمي سابو وهي خاصة باختراق الدروع فتصطدم بقدمه اليمني وتطيرها بعيداً ويطير هو معها ويتدحرج على الرمال إلى أن وجد مرتفع من الرمال فيقف خلفه ومعه مجموعة اللاسلكي الخاصة به، ثم غرز ما تبقي من قدمه في الرمال واستمر في قيادة المعركة حتى استطاع ان يُنزل بالعدو خسائر في المعدات والأفراد وأجبر الباقي على الفرار شرقا وبعد تأكده من دحرهم أمر أفراد اللاسلكي بأن يبلغوا القيادة أن القائد قد أصيب وعندما أرادوا نقله إلى المستشفى أبي إلا أن يأخذ قدمه الطائرة معه في العربة، وتم إخلاؤه.

كان آخر لقاؤنا معه في المعركة عندما طلب منا أن ندمر له هذه الدبابات، فقلنا إنها أبعد من مدي الصاروخ فطلب منا التقدم ناحيتها للاشتباك معها. فتركناه وركبنا عربتنا وسرنا في طريقنا حتى وصلنا إلى نقطة تسمي ابو وقفة وهناك وجدنا 13 دبابة اسرائيلية تسير من الشمال إلى الجنوب. وبسرعة أخنا مكاننا أنا وزميلي محمد عبد العاطي، وأما الطاقمان الآخران فقد غرزت بهما سيارتهما وتأخروا عنا.

وكان معي أفراد الطاقم أربعة أفراد بالإضافة إلى بعض حاملي حقائب الصواريخ وعند اندفاعي إلى الامام لنفتح تشكيل معركة تقدم معي أفراد الطاقم ولكن حاملي الصواريخ بقوا مع عبد العاطي فقمت بفضل الله بتدمير عدد (4) دبابات ودمر البطل عبد العاطي 9 دبابات وتركناهم ما بين متفجرة وتشتعل فيها النيران وكنا في غاية السعادة والفرح لأننا نجحنا في أول مواجهة لنا مع العدو الغاشم.

ومن المواقف التي تعرضت لها في هذه المعركة وتدل على أنه قد أُحسِنَ تدريبنا حتى وصلنا إلى درجة الاحتراف في استخدام هذا الصاروخ، أنه حدث في إحدى معاركنا مع دبابات العدو أن أطلقت صاروخي على إحدى الدبابات المعادية وأثناء توجيهي للصاروخ وجدت انه يوجد صاروخ اخر متجه صوب هذه الدبابة فأخذت أفكر ايهما صاروخي وبسرعة أعطيت أمرا لصاروخي بالارتفاع فاستجاب أحد الصاروخين للأمر فعرفت أنه صاروخي، ثم استمريت في توجيهه إلى أن دمر الدبابة ثم دخل وراءه الصاروخ الآخر فتم تدميرها مرتين بفضل الله.

كانت المنافسة على تدمير الدبابات على أشدها بيني وبين زميلي محمد عبد العاطي إلا أنه قد سبقني ببضع دبابات وأكرمني الله بتدمير 18 دبابة وعربتين مجنزرتين.

كان يوم الخميس الموافق 11 أكتوبر 1973م يوماً مباركاً حقاً، فقد كان الرزق وفيراً، فاستطعت تدمير دبابتين واستطاع زملائي صائدو الدبابات من اصطياد دبابات العدو. وجدير بالذكر أن هناك دبابة من الدبابتين استطعت اصطيادها بطريقة لم نعرفها أو نتدرب عليها وكذلك نوع هذه الدبابة، فقد كانت آخر وأحدث ما أفرزته الترسانة العسكرية الامريكية وهي الدبابة (ام  60أ 3). وقد وصلت إلى أرض المعركة وعدادها لم يكمل الـ 200 كم. جاءت ثلاث دبابات من الجنوب الشرقي وفي مسافة اقل من 500 متر أسفل التبة التي كنت عليها؛ وبما أن الصاروخ الفهد لا يبدأ في تلقى أوامر من الموجه إلا بعد مسافة 500 متر، لذلك فقد قمت مسرعا برفع أحد الصواريخ التي كانت أمامي بقاعدته وأسرعت بها إلى حافة التبة وقمت بإنزال الصاروخ إلى ادني مستوي ممكن ثم قمت بتوجيه القاعدة بالصاروخ الذي عليها إلى المكان المتوقع وصول الدبابة (ام 60أ 3) إليه وقمت بحساب زمن وصول الدبابة إلى هذا المكان. كل هذا تم بسرعة فائقة معرضاً نفسي للهلاك تحت القصف المتبادل بين قواتنا وقوات العدو ثم عدت إلى مكاني وأخذت أعد (ألف وواحد ... ألف واثنين ... ألف وثلاثة) ثم ضغطت على زر إطلاق الصاروخ فانطلق وأصاب الدبابة إصابة قاتلة وكان على ظهرها عند انفجارها أحد الجنود الإسرائيليين. وكان نجاحي في صيد هذه الدبابة فضل من عند الله فإنه سبحانه وتعالي يقول (ما رميت اذ رميت ولكن الله رمي) صدق الله العظيم.

وأما الجندي الاسرائيلي الذي كان على ظهر تلك الدبابة فإنه من شدة الانفجار قد ألقي به خارجها. وكان الزملاء في المشاة بهم أفراد مكلفون بدفن تلك الجثث في التراب حتى لا تتعفن في العراء ناشرة الروائح الكريهة والأمراض، فتم دفن تلك الجثة ومواراتها التراب تماماً. وفي صباح اليوم التالي وجدوا هذه الجثة تعلو التراب، فظنوا أنه من الممكن أن يكون حياً فتم الكشف عليه، ولكنه وجد ميتاً فقاموا بدفنه مرة أخرى؛ إلا أنهم ما أن انتهوا من عملهم إلا ووجدوه يرفع ساقاً ثم أخرى ثم ذراعاً ثم الآخر ثم دُفِعَ إلى خارج الأرض التي دفن فيها فأثار هذا الفعل دهشة كل من كان موجوداً. إلا ان أحدهم كان على علم من الدين فقال لهم أن هذه الأرض أرض طاهرة ربما قد مشي عليها ملاكاً او نبيُ من أنبياء الله لذلك فإنها لا تريده بداخلها فلفظته خارجها.

في يوم الاحد الرابع عشر من اكتوبر سنة 1973م ...

كنت بفضل من الله وكرمٍ استطعت اصطياد 11 دبابة، وفي كل مرة أصيح مكبراً "الله أكبر ... الله أكبر ... الله أكبر" حتى أن صوتي قد بح من كثرة صياحي مكبراً ومهللاً ولكن أحد دبابات العدو رصدت موقعي فأخذت بقصفي بقذائف 105مم شديدة الانفجار.

وكنت أثناء اشتباكي مع دبابات العدو أطلب من أفراد طاقمي وضع الصواريخ بجواري مباشرة على بعد لا يزيد عن 2 متر وكان مكان تمركزي في حفرة طولية لأن التبة التي أحتلها كانت عبارة عن كثبان رملية، أي رمال ناعمة جداً لدرجة أنك لا تستطيع ان تحفر حفرة برميلية فكانت الحفرة الطولية مكانا للتوجيه ثم إذا استشهدت تكون مكانا لقبري. وفي لحظة وقعت دانة شديدة الانفجار بيني وبين الصاروخ الذي كان على يميني وفي لحظة وجدت وجهي مدفونا في الرمال وفمي يريد أن ينطبق.

فأخذت أضع يدي في فمي خوفاً من غلقه لأنني كنت أعلم بأن هذا الانفجار يسحب الهواء من المنطقة التي وقع فيها فكنت من خلال إبقاء فمي مفتوحاً أحاول معادلة الضغط الواقع على أذني حتى لا يؤثر على طبلة الاذن فتنفجر. كل هذا كانت مدته ثواني قليلة ولكتها كانت ثواني فارقة ما بين الحياة والشهادة التي كنت أتمنى أن أنالها.

بعد انتهاء قصف الدبابة على موقعي رفعت راسي متفقداً ما حولي فلم اري اثرا للدبابة التي كانت تقصف علي فاعتقدت أن زميلي عبد العاطي قد اصطادها ولكن لم أري أثراً لدبابة مشتعلة أو منفجرة. ووجدت أن الصاروخ الذي كان منصوبا على يميني لم يعد موجوداً، فسألت أفراد الطاقم فقالوا إن الصاروخ انطلق بعد أن وقعت الدانة شديدة الانفجار بيني وبينه فانطلق في اتجاه الدبابة التي كانت تقصف علينا ولم يصبها ولكنه جعلها تفر هاربة. ولم أنسي هذا الموقف أبداً، وعند لقائي بمهندس صواريخ الكتيبة المهندس / محمود، رويت له هذا الموقف وكيف أن الصاروخ انطلق بدون أن أضغط على زر الإطلاق، فرد قائلا: أن الانفجار الشديد الذي أحدثته تلك القذيفة قد أحدث مجالاً كهربائياً مستحدثاً وصل إلى ذراع الدفع بالصاروخ ما جعله ينطلق.

جن جنون العدو فقام بعدة هجمات مضادة شرسة عنيفة في محاولة لاسترجاع بعض مما فقده، ولكن صمود ابناء مصر وتمسكهم بالأرض والزود عن كل ذرة رمل عادت إلى مصر هو كل هدفنا، فلا يترك أي منا موقعه إلا ليتقدم للأمام أو ليموت دونه. كانت هجمات دبابات العدو مكثفة وفي أحد مواقعنا قامت دبابات العدو بالهجوم عليه، ولكن أبناء مصر في هذا الموقع دافعوا عن موقعهم حتى آخر نفس. وكان الهجوم شديدا وشرسا لذلك كان يجب عرقلة تقدم هذه الدبابات؛ وهنا تظهر مصر من خلال أحد أبنائها، يظهر البطل سعيد خطاب يلغم نفسه بالقنابل اليدوية والمضادة للدبابات ويصبح هو نفسه قنبلة بشرية ويتقدم البطل بسرعة وثبات في اتجاه اول دبابة من دبابات العدو ويلقي بنفسه تحتها فينفجر وتنفجر الدبابة بصوت كأنه الزغاريد معلنة عن استشهاد بطل قدم روحه ونفسه فداء لبلده مصر العظيمة.

وكم من الروايات التي تحكي عن هذه المعركة الخالدة في تاريخنا وكم من أمثلة البطولات الفذة التي تعبر عن شجاعة وأصالة هذا الشعب العظيم التي لا حدود لها إذا ما اقتنع بقضيته وبعدالة موقفه منها.

كم من المشاهد والروايات التي لم تعرف دارت أحداثها في هذه المعركة المقدسة. وإن أمد الله في عمرنا فسوف نروي ما دار في موقعنا والمواقع التي بجوارنا. نشهد بأننا لم نكن وحدنا في هذه المعركة العظيمة ولكن الله أمدنا بجنود لم نرها فكان النصر من عند الله العلي القدير (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) صدق الله العظيم.

ومرت أيام المعركة وفي كل يوم نزداد ثقة في أنفسنا وفي سلاحنا وفي قادتنا وفي أن الله على كل شيء قدير. فلقد مرت أيام الامتحان ونجحنا فيه بحمد وتوفيق من الله حتى كان موقعي انا والبطل عبد العاطي مصيدة رائعة لاصطياد الدبابات لذلك أطلقوا علينا فيما بعد صائدو الدبابات. ولقد حصلت على وسام الجمهورية من الطبقة الاولي كما حصلت على تكريم من الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

وفي النهاية أعود فأذكر قول الله سبحانه وتعالي (ما رميت اذ رميت ولكن الله رمي) صدق الله العظيم.

قام بالتسجيل معه والتفريغ / ابن البطل احمد بيومى احمد فى منزل البطل

تاريخ التسجيل / 1 / 3 / 2016

مراجعه لغويه / سامى فرحات ( عضو المجموعه 73 مؤرخين )

مراجعه تاريخيه / المجموعه 73 مؤرخين

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech