Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

عميد جلال عبد الهادي - مدفعية الفرقه الرابعة المدرعة

 

 

 

أنا العميد/ جلال أحمد عبد الهادي– من مواليد المنصورة عام 1942 وكان والدي مدرسًا وأمي ربة منزل ولي من الإخوة (6) منهم (3) ذكور و(3) إناث وكنت أصغرهم.

الطفولة

كنت بمرحلة الروضة في مدرسة (الأمريكان) وعلى الرغم من كونهم أجانب ولكن زرعوا بداخلنا قيمًا ومبادئ لا تتوافر في أغلب المدارس المصرية ، ثم انتقلت إلى مدرسة (ثمرة الحياة) في المرحلة الإعدادية، وفي المرحلة الثانوية كنت بمدرسة (الملك الكامل) الحكومية

وأذكر من المواقف الطريفة عندما كنا ننتظر نتيجة الثانوية العامة كان أنيس منصور لديه عمود في جريدة (الأخبار) كتب مقالاً عن كيفية تحضير روح أحد الأقارب عن طريق استخدام قفص ذو حبل– سَبَتْ– وتأتي بورقة وقلم بداخله وبعد تغطية السبت تسأل أي سؤال تجد الإجابة مكتوبة وللأسف توجه كثير من الناس إلى هذه الخزعبلات وأصبح شغلهم الشاغل إلى أن وجهته الدولة بصرف الناس عن الخوض في هذه الأمور وحتى ينسى الناس هذه الأفكار نشر أن هذه الأرواح ستنتشر في البيوت ويوجد خطورة من عدم التمكن من صرفها.

الشاهد أن إخوتي نصحوني بعد تحضير روح أحد أقاربنا فأنكرت عليهم لعدم إيماني بمثل هذه الأفعال وبعد أن أقنعوني بأن الأمر لن يكلفني شيئًا فأجبت متهكمًا أن يسألوها ماذا سأصبح بعد التخرج  فكانت الإجابة "ملازم ثان" والغريب أنه لم يكن لدي ميول أن أكون ضابطًا نهائيًا كنت أتمنى أن أصبح مهندسًا ولكن بعد ظهور النتيجة لم أدخل كلية الهندسة لفارق 0.5 % نصف في المائة فقدمت في كلية طب عين شمس على الرغم من عدم حبي لدراستها وبعد مرور شهر بعد محاولة التأقلم تم افتتاح الكلية الفنية العسكرية وكانت الدراسة بها لمدة 3 سنوات والتي كانت تمكن الدارس من عمل دراسات عليا ودكتواراه فكنت بصبحة والدي نقرأ الخبر في الجريدة فتعجب أنني في كلية الطب وسأصبح طبيبًا فأخبرته بعدم حبي لدراسة الطب وشغفي بالهندسة وكذلك اعترض جميع أفراد عائلتي وصرفت النظر عن هذه الفكرة نزولاً على رغبة أسرتي.

 العجيب في إرادة الله أنه كان لي صديق من المنصورة يدعى (رمسيس) كان يسير بصحبة مجموعة داخل كلية الطب يتناقشون في أمر الكلية الفنية العسكرية وأنهم متوجهون للكلية الحربية للاستفسار عن شروط القبول لوجودنا في القاهرة– لأننا كنا طلابًا من الأقاليم- فأخبرته أن أسرتي ترفض هذا الأمر فقال لي: "كأننا في نزهة!"

وكان سعر الاستمارة آنذاك 5 قروش في عام 1959 وبالفعل اشترى لي استمارة فقررت خوض التجربة إلى أن وصلت إلى اختبار الهيئة– الذي يعتمد فيه البعض على العلاقات والمعارف- ونصحني أحد المتقدمين بأن أجيب على أسئلة اللجنة بحب الوطن  والفداء كما أخبره لواء تربطه به صلة قرابة.

 

كانت اللجنة مكونة من اللواء/ محمد فوزي مدير الكلية الحربية– وكان متجهم الوجه- وكذلك مدير الكلية الفنية العسكرية وآخر وعندما سألني محمد فوزي عن كليتي وسبب رغبتي في تركها فسردت له القصة بأن مجموعي كان بفارق نصف في المائة عن كلية الهندسة ثم طلب مني الانصراف.. خرجت وأنا مكتئب فاستنكر ذلك الشخص المتقدم معنا أني لم أتبع نصائحه إلى أن ظهرت النتيجة وكنت قد نجحت وهو لم يوفق!!.

عندما قامت ثورة يوليو كان وقتها عمري 10 سنوات وكنت مستوعبًا لما يحدث.. كان الجميع تغمره الفرحة وكانت تنشد الأغاني لرحيل الملك لما فرضه من إقطاع– كان يصل البعض أن يمتلك مئات الأفدنة وكذلك استعباد الفلاحين- وكان يخبرنا أهلونا أن الملك فاروق لديه بعض السلبيات.. فرح الجميع برحيل الملك.

 

وعندما حدث العدوان الثلاثي كنت بالمرحلة الثانوية وقد عاصرت هذه الفترة وتهجير أهالي بورسعيد.. وضرب الطائرات الفرنسية والإنجليزية للمطارات ولم أشترك في نظام الفتوة أو الاتحاد الاشتراكي– وهذا مبدئي منذ الصغر- لعدم انتمائي لأي تيار أو فكر ولكن مع الشعب.  

أصر أفراد أسرتي أن هذه كانت العلامة التي كتبت- في قصة السَبَت- كما أخبرت فضحكت وأخبرتهم أني سوف أتخرج ملازمًا أول وليس ملازمًا ثان– طبقًا لشروط الكلية الفنية العسكرية.

 

كنا الدفعة الأولى في الكلية الفنية بعدد 120 طالب نقضي السنة الأولى في الكلية الحربية ثم نعود لاستكمال باقي السنوات في الكلية الفنية– أما في الوقت الحالي فكل الدراسة في الكلية الفنية فقط– التي أنشأها العالم العبقري اللواء/ محمد إبراهيم سليم وكان لكل مادة اختبار تحريري وعملي من يرسب في أحدهما يرسب في المادة وبالتالي يُعيد السنة الدراسية.. إلى أن جاء الانفصال بين مصر وسوريا وتم استبعاد مجموعة من الطلاب السوريين فأصبح هناك أماكن فارغة في الكلية الحربية.. وجاءت تعليمات بأن من اجتاز السنة الأولى الإعدادي– وكان متبقيًا 3 أشهر على نهاية العام الدراسي الذي كانت دراسته مكثفة- بنجاح سينتقل إلى المرحلة المتوسطة بالكلية الحربية وبالفعل تخرجت ملازمًا ثان!!.

 

على الرغم من عدم ميولي إلى الحياة العسكرية إلا أنه كانت لدي ميزة التأقلم على أي وضع إلى أن أبدع فيه.. فتخرجت في 21/10/1962 الدفعة (43).

كانت الدفعة قرابة 1000 فرد يتم توزيعهم لمجموعات على جميع الأسلحة وكان التوزيع طبقًا للرغبات سواء وحدات (مدفعية ساحلية أو م. ط أو مدفعية تسليح– أسلحة وذخيرة- أو مدفعية الميدان) لدراستنا لجميع أنواع الأسلحة..

 

كان مكاني ضابط موقع في الفرقة الرابعة بمنطقة الهايكستب وكان لكل سرية قائد سرية وضابط موقع.. كنت متميزًا في مساري حيث تم توزيعي على سلاح الهاوتزر 122 ملم- وللعلم هذا الذي استخدمته في حرب أكتوبر.

 

تميزت بأنني أحسنت تدريب أفراد سريتي وكان التنافس بين الثلاث سرايا  (سريتي وسرية المدفعية وسرية الشئون الإدارية الخاصة بالكتيبة) وكان يتم عمل اختبارات بالرماية كان يحصل أفراد سريتي على أعلى النتائج.

 

أذكر أنه كان هناك دفعة مؤهلات عليا تخرجت بكفاءة عالية والتحقت بعدها دفعة بدون مؤهل– وكانت كارثة– كيف سيضبط أداة التوجيه وخلافه لأنها باللغة الإنجليزية.. إلى أن أصبحوا أفضل رماة بأبسط الأساليب بل وأفضل من دفعة المؤهلات التي سبقتهم.

حصلت على فرقة إشارة بمعهد المدفعية وطلبت من قائد الكتيبة بعد عودتي تدريس هذه المادة لأفراد الإشارة بالكامل في الكتيبة فشرحت لهم نفس الدورة رغم كوني ضابطًا، وأذكر أنه جاءتنا لجنة تفتيش في الوحدات على مستوى القوات المسلحة للاختبار وكانوا منبهرين من تفوقهم.

 

 

أما عن  طبيعة المدفع الهاوزر 122ملم: كان يرمي بشكل غير مباشر بأقصى مدى 12800 متر- عكس 130 ملم الذي كان يصل مداه إلى 27 كم– لاختلاف مدى كل مدفع حسب العيار الخاص به وكان يقصف من خلف الجبال بعد رفع ماسورة المدفع ليصل إلى المدى المطلوب كما تعلمنا فن إدارة النيران فمثلاً كان الاختبار يتم على أهداف مثل كديات الحشائش في الصحراء مع التوجيه على عقارب الساعة 11 أو 12 وهكذا.. كذلك كان انتشار المدفع مثلاً 100 متر كان تدمير كامل للهدف.. أيضًا معرفة الأبعاد على الخرائط التي تحصل عليها من عناصر الاستطلاع بعد مراجعة أفراد أسفل المدفع– معاون تختة ضرب النار– الذي بدوره يعطيها لضابط الموقع كذلك مراجعة جداول سرعة الرياح بعد إضافتها لعدم تأثر الهدف المطلوب.

لو افترضنا تجمع حشود من العدو في منطقة معينة يكون القصف على إحداثي معين يتم مراجعته مع مركز الملاحظة فكان العمل يسير في أي ظروف ليلاً أو نهارًا حتى مع وجود عواصف عدا الظروف الصعبة.

 

يتكون طاقم من (7) أفراد: النشانجي خاص بالنشان– المعمر– قائد الطاقم– فردين لتجهيز المدفع بمعدل معين– حكمدار المدفع (معاون تختة ضرب النار).

باعتباري ضابط موقع السرية كان تحت تصرفي 4 مدافع (أما الكتيبة 3 سرايا) فلكل سرية ضابط موقع موزعين كما ذكرت (حكمدار المدفع و6 آخرين) كان كل منهم مدرب على جميع وظائف المدفع عدا فرد النيشان الذي كان له بديل يحل محله.

بعد تخرجي بحوالي 7 أو 8 أشهر سافرت الي اليمن وقضيت فيها منذ عام 1962 حتى 1964 كنت ملحق علي  لواء مشاة ميكانيكي.

استلمنا من اللواء (45) مدفعية المكون من 3 كتائب مدفعية وكتيبة صواريخ، وكمدفعية خرج من الفرقة الرابعة كتيبة كاملة إلى اليمن وتختلف طبيعة توزيع القوات بأن يتم استبدال كل الكتائب بعد مدة سنة أو سنتين.

كعسكريين يجب ألا تُحتسب هذه الفترة لافتراق كل ضابط في محاور الجبال المختلفة وقد كنت في منطقة تبعد عن صنعاء 40 أو 50 كم فتجد أنها حرب مختلفة عن طبيعتنا وأيضًا أنه كان أغلب الشعب اليمني متميزًا بالغدر.

أذكر أنني كنت في موقع يسمى (الحيمة الداخلية) مدخلها من ممرات على طريق صنعاء– الحديدة، فتجد هناك اليمنيين يهاجموننا مقابل مبالغ دفعها لهم الإمام المعزول وابن أخيه البدر، فكان وضعنا مهددًا لأنني مع قائد سريتي فقط ولدي 4 مدافع كنا في مكان عالٍ والقرى أسفل منا.

كانت فترة من أصعب الفترات وأذكر من المواقف الصعبة التي مرت علينا  كنا على ارتفاع 8 آلاف قدم عن سطح البحر في منطقة تبعد عن الحديدة وصنعاء، كان السحاب أسفل منا يمر علينا في اليوم الواحد أربعة فصول السنة ولم يكن هناك مياه في المنطقة وكان هناك جبل صخري من أحجار الصوان بجوارنا يخرج منه فتحة مياه صغيرة لا نعلم مصدرها نشرب منها بعد عمل قطعة ألمومنيوم نملأ منها جراكن المياه..

اليمنيين كانوا يقومون بتكسير كتل جبلية على شكل مصاطب لزرعها فكنا نجد جميع أنواع الفاكهة على الرغم من كونهم بدائيين إلا أنهم كانوا يعتبروننا على الرغم من تعاملنا معهم بلطف أننا غزاة مستعمرون.

وعلى الرغم من توقعنا لأي خداع من قِبلهم قمت مع قائد السرية المرافقة لي بعمل نقطة إنذار أسفل الجبل المتمركزين به من الطريق الملتف نزولاً ومن السهل القفز من على هذه المصاطب، فقد تعرضنا لإطلاق نار في إحدى الليالي الساعة 2 صباحًا وكنت وقتها ملازمًا فاستخدمت هذه المصاطب للنزول بالفعل وكان هذا اختبارًا من اليمنيين المدعومين ماديًا في محاولة للقضاء علينا.

 

بعد رابع مصطبة علقت قدمي وانزلقت على ظهري وأُصبت بكدمتين بسبب صخرتين إحداهما كدمة قوية في نهاية سلسلة العمود الفقري ولم أشعر بها إلا بعد عودتنا لمصر والعمل في أحد المشاريع كنا نركب هودجًا على ظهور الجِمال وقضيت فترة 4 أشهر للعلاج وجلسات الكهرباء ذهابًا وإيابًا من الجفرة إلى القاهرة.. وفوجئت بتشخيص الطبيب بأنني مصاب بشرخ في العظم سيلازمني مدى الحياة ويجب ألا أتعرض لأية مطبات أو تعرضي لنزلة برد قوية– وإلى الآن أعاني إذا سافرت مثلاً إلى الإسكندرية بعدها بيومين أشعر بآلام شديدة بعد كل هذه السنين– كل هذه المعاناة قضيتها في فترة اليمن العصيبة.

ويتلخص دورنا في مساندة الثورة اليمنية وتأمين المناطق من عدم خروج القرى ضد بعضهم البعض في انقلاب السلال على الإمام والبدر- الذين كانوا مسيطرين على اليمن– فأرسل له الزعيم/ جمال عبد الناصر كتيبتين من الصاعقة وامتدت لعدة محاور استدرجت نسبة كبيرة من الجيش المصري لقوات منتشرة في جميع أنحاء اليمن.

كان قائد الكتيبة الرائد/ عز الدين عفت والغول قائد الفرقة- وأذكر سعد الدين الشاذلي رغم جسده الضئيل إلا أنه كان جريئًا وذا شخصية قوية لدرجة أنه جعل سكان المنطقة المقيم بها يشيب رأسهم خوفًا منه حتى أقسموا ألا يخرج من اليمن سليمًا.. كان يختفي كالبرق في إحدى المرات بعد تركه لموقعه الذي كان يضاء بماكينات كهرباء تسللوا لموقعه في صباح اليوم التالي لم يجدوا شيئًا في المعسكر.

 

وللعلم فإن تأثير المدفعية في مسرح عمليات غير مفتوح مغاير لسيناء في هذه الطبيعة الجبلية كنا قد تدربنا عليه بما يسمى (الضرب الجبلي)– كما يتم الضرب بسيناء الآن- حتى المغارات.

كنا بالنسبة لزعماء القبائل في هذه المنطقة- بأسفل منا- وكانوا 4 قبائل نتعامل معهم بطريقة حسنة.. وفي إحدى المرات حاول أحدهم اختراق المعسكر بالحمير أخبره أحد الجنود بأن يخرج إلى الطريق فسحب عليه الخنجر- الجَنْابية- فهجم أفراد قبيلته بالسلاح ظنًا منهم أننا سنفتك به ولكن تعاملت مع قائد السرية الذي كان معي بالحكمة في حديث مع مشايخ هذه القبائل وشرحنا لهم الأمر أن فعل هذا الرجل جُرم كبير رده القتل وعلى الرغم من هذا لم نقلته وأنه إذا تكرر هذا الأمر ستُباد قريتهم بالمدافع وأن دورنا هنا للحفاظ فقط.. وتم بعدها الصلح ودعوتنا لجلسة عشاء... ولعلمنا أنهم لديهم من الغدر وجهنا المدافع على هذه القرية، صحبني قائد السرية و3 جنود مسلحين في حال تم عمل كمين لنا سنطلق رصاصات تحذيرية كإشارة للقصف بالمدافع.. ولكنهم كانوا بدائيين للغاية.

 

كانت طبيعة المعيشة بالنسبة لنا بعد استلامنا من الكتيبة السابقة لنا بكل احتياطي الذخيرة وعربات التعيينات تأتي كل أسبوع من الرئاسة التابعين لها– التي كانت في صنعاء وكانت مقرًا لاجتماعات قادة الكتائب في بعض الأحيان مع وزير الدفاع/ عبد الحكيم عامر- على بعد 80 كم وكان هناك قيادة قطاع بقيادة عقيد/ مشاة وسرية تابعة للجيش اليمني يقودها ضابط مصري.

 

كان عامر إنسانًا على المستوى العسكري والإنساني يعطي الجيش حقه.. وأذكر في واقعة من أحد رجال الشرطة اليمنية  أن قاموا بالتعدي على فرد من الجيش بالإهانة والسب فأرسل إليهم من حطموا لهم قسم الشرطة.. كان الجيش آنذاك له شأنه وكيانه.

كانت عادتي أن أي مشكلة لها حل وتقديم النصح لأي فرد بمجرد أن أنظر إليه حتى مع الجنود وأذكر أن فرد المراسلة المصاحب لنا/ عبد القادر حسين باسط في إحدى المرات واجه مشكلة في أنه يريد النزول إلى قريته ليتزوج بابنة خاله خلال 10 أيام أو ستتزوج شخصًا آخر ميسور الحال وصادف ذلك أجازتي في اليوم التالي فطمأنته وذهبت بالفعل لقريته وأقنعت الأهل بدوره الوطني.

 

ومرة أخرى كان لكل جندي بدل سفر وقرر كل جندي أن يشتري بها أرضًا وخلافه.. إلا باسط ذو الشخصية الطيبة قرر أن يعطيها  لوالده ولكني أقنعته أن هذه ثمرة تعبه واقترحت عليه مشروع الماشية- كان سعر 3 جاموسات 300 جنيه– وأن يدعي أنني شريك له في هذا المشروع.. وبعد 46 سنة زرته ووجدت أحفاده وشكرتني زوجته على نصائحي له وأنني كنت السبب في زواجها منه التي كانت سببًا في أنه كان أحد أكبر تجار الماشية في دمنهور.

 

عدت مع قائد الكتيبة/ عز الدين عفت وكنت قائد سرية من اليمن واستكملنا التدريبات والإعدادات البسيطة على الرغم من تنوع التدريبات والمشاريع الاستراتيجة واستكملنا الانتشار في مقر الكتيبة... كان لدينا في عهد الزعيم/ جمال عبد الناصر ثقة أن العدو الإسرائيلي لا يساوي شيئًا لدرجة أنه تردد بين البعض بأننا سنلقيهم في البحر... كان ذا مركز قوة لا يهاب أحد.

تحركنا من الهايكستب قبل يوم 5 يونيو بحوالي 10 أيام في نوع من المظاهرة العكسرية ضد إسرائيل على حسب المهام التي سترد إلينا بعد الانتشار وكنت قد تمركزت في منطقة تبعد 3 كم عن (مطار المليز) الذي رأينا قصفه بالطائرات إلى أن جاءتنا التعليمات بالارتداد بعد قصف الطيران الذي فوجئنا به يضرب أول ونهاية القول المتحرك وكان على جنبات الطريق الممهد رمال مما زاد من صعوبة الارتداد.  

 

كانت معنوياتنا مدمرة كليًا ويقع الدور الأكبر على وسائل الإعلام التي نمت روح الهزيمة– كان أحمد سعيد في صوت العرب يشيع أخبار غير واقعية بأننا على مشارف تل أبيب- مما زاد شعورنا بالهزيمة.. فلو لم تنسحب القوات لكانت أُبيدت دون حرب لحصولهم على أغلب المعدات سليمة... كان على جانب الطريق سيارة مشتعلة وكنت أقود السيارة في حملة الارتداد وعلق تعشيق السيارة ولولا عناية الله بعد عبور السرية انفجرت هذه السيارة ومات البعض.. وشاهدنا انسحاب باقي الفرق بنظام.. إلى أن عدنا لمواقعنا ولم تكن هناك خسائر في الفرقة الرابعة وكان تحركنا ليلاً تجنبًا للطيران.

 

في يوم 8 يونيو بعد عودتي جاءت أوامر بأن نعود مرة أخرى لسيناء.. وأذكر أنه كان عليّ تجميع باقي ضباط السرية- وكنت نقيبًا-  إلا ضابطًا يدعى/ نبيل محمد السيد من محافظة الجيزة لم يكن عنده هاتف وكان طويل القامة لاعب كرة سلة استدعيته عن طريق رجال الشرطة الذين استدعوه وحكى لي أنهم ظنوا أنني هارب من الحرب عند استدعائه وفي اليوم التالي عادت القوات وتم إلغاء الاستدعاء.

 

وتلقينا قرار الزعيم/ جمال عبد الناصر بالتنحي بالحزن الشديد الذي كان يصون كرامة المصري في كل مكان لدرجة المصريين في أوروبا عندما يعلمون أن هذا الشخص مصري يرددوا "ناصر.. ناصر" في إشارة للزعيم.. لم يعرف شعوب العالم مصر إلا من خلاله.

 

أذكر أنه مر بنا على الجبهة لمقر الفرقة الرابعة- قبل النكسة- وكان غريب العينين كان بهما وهج وبريق لم أرهما.. كان شخصية قوية أمسك بزمام الأمور بعد النكسة.. وفرح الناس بعودته.. في إحدى مظاهرات مصنع للنسيج ثار الناس فذهب إليهم بنفسه وبمجرد أن قال "إخواني.." هدأ الجميع لأنه كان ذو شخصية قوية.

 

لذلك بعد وفاته حزن عليه شعوب العرب وأفريقيا أكثر من حزننا عليه فقد كان أبًا كبيرًا لباقي هذه الدول فقد كان السبب في قلع جذور الاستعمار من الدول الأفريقية

 

لم نتأثر بالقبض على قائد الفرقة الرابعة مدرعة / صدقي الغول– والذي كان كبش فداء لتصفية الحسابات- ومن بعدة تولي/ كمال حسن علي  قيادة الفرقة 

 

في بداية لمرحلة جديدة تولى اللواء/ محمد فوزي وزارة الحربية، رغم كونه رجلًا صارمًا كان العبء كبيرًا.. جيش مهزوم لديه خوف من الكيان الصهيوني.. أصدر قرارًا بأن من يتجاوز أو يخوض في سيرة قادته (قائد لواء أو فرقة أو كتيبة.. إلخ) من كونه أنه تسبب في الهزيمة وخلافه بأن يُحول لمحاكمة عسكرية تصل عقوبتها إلى الإعدام.. وكان من أهم القرارات التي اتخذها لطي صفحة الهزيمة.

 

اختلف التسليح والتدريب عاد الاحترام المتبادل بين الناس.. بدأ تنظيم الصفوف وصدر قانون الأجازات لبدء مرحلة التدريبات القاسية.

 

خلال فترة الهزيمة قمت بعمل مسرحية ساخرة بحضور اللواء/ عبد المنعم واصل وبعض القادة – وكان فحواها أن الذي كان يصعد على متن أحد القطارات لتوقيع الجزاءات بنفسه على الضباط المنصرفين بغير وجه حق– حيث كان مشهورًا في ذلك الوقت شخصية (خالتي بمبا) التي كانت تعلم النساء بطريقة كوميدية- وكان هناك جنديًا من منطقة السيدة زينب وآخر من فرقة المحلة المسرحية يجيد فن التقليد النسائي لإقناع الأفراد بقانون الأجازات الجديد حتى يبث لديهم تحمل المسئولية وردًا على من اعترض على تطبيق هذا القانون هتفوا "هنجيب النصر لمصر" كانت رسائل هادفة غير مباشرة للترويح عن نفوس الأفراد.  

 

حتى ارتفعت المعنويات لدرجة أن الضباط والجنود كانوا على استعداد بالتضحية وعدم نزول الأجازات لعشر سنوات.

 

كانت شخصية اللواء/ عبد المنعم واصل إنسانًا على خلق أبيض القلب رجل عملي وعلى الرغم من كون ابنه معنا كضابط لم يلتفت لهذا بل كان ينهره أحيانًا وقد تولى قيادة الجيش الثالث الميداني فترة حرب أكتوبر، وأذكر له عندما تولى محافظ المنيا أو سوهاج كان يمر بنفسه لحل مشاكل المواطنين لدرجة أنه تنكر في زي فلاح وذهب للمستشفى العسكري ولم يحضر أي من الضباط حتى الساعة 11 صباحًا وكان المرضى محتشدين بعدد كبير وعندما تكلم مع أحد الأشخاص معترضًا كشف له عن شخصيته أنه المحافظ ووقع جزاء بنقل من لا ليس بكفء لمكان آخر.

 

بعدها انتقلنا بعد هذه الفترة من الهايكستب إلى منطقة الجفرة.

والجفرة لمن لا يعرفها هي منطقة ما بين السويس والقاهرة قرب جبل (عويبد) التي كانت تتمركز بها قيادة الجيش- وأذكر عندما دخلناها بعد الحرب كانت منطقة مهجورة تمامًا ووجدنا بها (الذباب الأزرق) كبير الحجم– في إشارة للمكان المجهول وغير المعروف.

بعد النكسة تطور الجيش المصري بشكل كبير من حيث التمارين والمشاريع وغيرها حتى أن الاحتياطي يتم استدعاؤه للتدريب ويعود مرة أخرى.

وصل الخبراء الروس وكانت التدريبات مكثفة على مدار الساعة، ومن المواقف الطريفة كونت فرقة شبيهة لما يسمى (فرقة الدراويش) التي كانت تظهر في مسرح طلاب الجامعة آنذاك  للعمل على طاقم المدفع وكانوا ذوي أجسام ضخمة عندما أستدعيهم كطاقم مدفع كان يخاف منهم باقي الجنود وكان يضحك الجميع بما فيهم الخبراء الروس من هذه الشخصية.

 

 عودة للمدفع الهاوتزر أذكر أنه في إحدى المرات انبهر الروس عند تدريبنا بعد النكسة لوصولنا لمعدلات عالية  فلو فرضنا أنهم وضعوا معدلًا لتجهيز المدفع (3 دقائق امتياز– 4 دقائق جيد– 5 دقائق مقبول) ولكن المفاجأة أن ارتفع المستوى للجندي المصري  ليصل إلى دقيقة أو دقيقة ونصف، وكان تميز الجندي المصري متفوقًا على مستوى جميع أسلحة القوات المسلحة.

 

فأرسلوا التقارير- لأنه لم يكن من مصلحتهم هذا التفوق- بأن يرسلوا خبراء لخفض المستوى وكان الخبير المسئول عنا (ديمتري) يعاني من تدريباتنا في جميع الأوقات بشكل مكثف لدرجة أنه كان يتمارض ويدعي المرض بالقلب إلى أن فوجئنا بهذه الظاهرة في جميع قطاعات القوات المسلحة وأيضًا بدأ تأخير وتأجيل وصول قطع غيار الأسلحة المطلوبة إلى أن أمر الرئيس السادات بمغادرتهم وكان قرارًا صائبًا لأنه في حال تواجدهم لم يكن من صالحهم النصر في حرب أكتوبر لأنهم كانوا سينشرون خطط الجيش المصري.

 

في فترة الاستنزاف كنا نشارك في ضرب المدفعية بمصاحبة الفرقة الرابعة بالتقدم للجبهة– بين السويس والإسماعيلية يمين سرابيوم على يمين البحيرات- بالتناوب بين الكتائب كل شهر لمدة 3 أيام لضرب الأهداف المطلوبة فيما يسمى (واجب عمليات).

اختلفت الرؤية عن 1967 فعلى الرغم من جهلنا بنوعية المدفعية للعدو إلا أن التكتيك اختلف كنا على بعد 60 كم من القناة في الجفرة، كانت الخطة محفورة في الأذهان لكل كتيبة بعد تحديد الأهداف وتمركزات العدو القريبة من موقعي حسب البيانات المدونة على الخريطة بجميع الاحتمالات وبيد كل من حكمدار وضابط الموقع المسئول عن الكتيبة نسخة منها...

 

وأذكر أني صعدت ذات مرة لمركز الملاحظة فوق نخلة لإدارة النيران وقد تعاملنا مع أحد الأهداف ثم  أصابني الدوار فوق النخلة وساعدني أحد الفلاحين في النزول بالحبال ونجوت من السقوط على الأرض.

 

على الرغم من هذا كانت تسود حالة من الحقد المتولد لدى الضباط والجنود من أننا هُزمنا رُغمًا عنا بدون حرب للأخذ بالثأر.. كان يتم تدريب أفراد مجموعة الرديف– يتم استدعاؤهم للتدريب تقريبًا لمدة 4 أيام ثم يغادرون– إلى أنه في إحدى المرات رفض الجنود استلام الخوذة والسلاح والكمامة (حماية في حالة الضرب بالكيماوي) بزعم أنهم سيغادرون خلال فترة قصيرة.. وكانت من عادتي أن أجتمع كل أسبوع بأفراد الكتيبة.. وأخبرتهم أن هذه المرة ليست تدريبًا ولكنها الحرب ولا نعلم موعدها.. ارتفعت المعنويات للأخذ بالثأرمن اليهود.. ثم أخبرت الصول/ عفيفي المسئول عن المهمات بأن يعطي تمام تسليم خلال ربع ساعة بعد انتهاء الاجتماع.

 

كان لكل سرية دور في تمهيد وصيانة حُفر المدافع وكنا نستقر في مكان يسمى (معسكر الراحة) على البحيرات التابع للقوات المسلحة، وفي مرة أخبرت جنودي– من باب رفع المعنويات- بأنه بدلاً من إنهاء واجب العمليات في 3 أيام يجب أن ننتهي منه في أول يوم لمدة ساعتين أو ثلاث  فقط!! وعلى من يتأخر عن الموعد المحدد سأغادر وأتركه في الموقع ومن ينجح في أداء الواجب سيذهب إلى معسكر الراحة على الشاطئ للترفيه.. الأمر الذي جعل قوام 3 سرايا يعملون بكامل طاقتهم وبالفعل نجحوا في تأدية واجبهم.

في اليوم التالي أثناء مرور قائد اللواء لم يجد أحدًا فأرسل لي يستفسر عن الأمر فأخبرته بما حدث، مما أثار غيرة وحماس باقي قادة الكتائب.     

 

كما ذكرت كنت أجتمع شهريًا أو كل أسبوعين تقريبًا مع أفراد كتيبتي للنقاش في أية مشاكل وحلها، وكان قائد اللواء يجتمع كل شهرين مع باقي قادة الوحدات وأذكر أنه في مرة لم يرفع أحد من كتيبة المدفعية يده واستعجب من عدم وجود مشاكل في كتيبتي.

كنت أحاول جاهدًا أن أعمل على الترفيه عن أفراد الكتيبة كي أخفف من معاناة التدريب والعمل المتواصل.

 

ومن المواقف أيضًا: في إحدى المرات وكنا في ليلة أول يوم من الشهر فقررت المرور على الجنود– وكانت لهم ملاجئ تحت الأرض- لتهنئتهم بالشهر الكريم وكنت من مكان عالٍ وسمعت أحد المستجدين من المؤهلات المتوسطة– ومن عادتي أني لا أحب الكذب أبدًا والجميع يعلم هذا- يخبر زملاءه أنه كان في رمضان يتحصل على 60 جنيهًا في الشهر وكان مبلغًا كبيرًا في فترة الستينات تعادل 1000 جنيه في وقتنا الحالي، وكان راتب الجندي 2.5 جنيه آنذاك فسألت عن هذا الجندي لماذا تكذب؟ فأخبرني أنه من منطقة إمبابة بالجيزة وأنه توجد فرقة دراويش في منطقته تمر على السينمات في فترة الاستراحة لتقديم العروض المنوعة وفي نهاية الشهر يحتسب لكل فرد هذا المبلغ، فقررت عمل اختبار له بعمل فرقة ولكن من الجنود ومنحته فرصة أسبوع بعد انتهاء التدريبات عند غروب الشمس وبعد المدة المحددة تم عمل البروفة وقررنا مفاجأة قائد الكتيبة بهذه الفرقة بعمل حفلة بعد الإفطار من صيام خامس أيام رمضان.. وخرجت الفرقة على القائد في شكل أثار ضحك الجميع.. ولم يقتنع بأنها فرقة من الجنود ولكنها من خارج الكتيبة، فقرر القائد منحه أجازة حتى رابع يوم العيد حتى يتكسب وأهله خلال شهر رمضان والذين كانوا من البسطاء والفرقة مصدر دخل لهم.

 

بدأت باكتشاف المواهب ممن يجيدون العزف أو النكات والمنولوج والتمثيل وكذلك بعض المقالب من التنويم المغناطيسي كنوع من إدخال البهجة على نفوس الجنود.

 

وذات مرة طلب مني قائد الجيش الثالث عمل فقرة للخبراء الروس بمناسبة عيد الجيش السوفيتي رقم 46، فكتبت للمترجم نشيد (والله زمان يا سلاحي...) بنفس الإيقاع ولكن بكلمات تهنئة بالروسي... صفق الحضور بحرارة وطلب مني قائدهم الجنرال الروسي إعادتها مرة أخرى وشكر الجنود وكان رجلًا ضخمًا.

 

تشكيل الفرقة الرابعة المدرعة في الحرب .

 

أذكر من أسماء القيادات في الفرقة الرابعة مدرعة الذي أتشرف بالقتال داخل تنظيمها  خلال الحرب

قائد الفرقة وقت الحرب العميد/ محمد عبد العزيز قابيل  

قائد اللواء الثاني- العقيد/ أنور خيري،

ورئيس الأركان العقيد/ فاروق محمد رزق الذي أصبح مديرًا للمدرعات فيما بعد،

قائد العمليات مقدم/ محمود جبريل.

قائد اللواء الثالث مدرع– نور الدين عبد العزيز  الذي استشهد في بداية تطوير الهجوم.

اللواء السادس ميكانيكي: اللواء/ عبد المحسن عبد الرازق زهرة-

وكان بصحبته رئيس أركان اللواء العقيد/ محمد بلال.

كتائب اللواء الثاني:  207 و208 و209  دبابات  

وكان قائد 209 المقدم/ علي شريف.

و261 مشاة ميكانيكا- بقيادة المقدم/ محمد الريس.

وكنت قائد الكتيبة (407) مدفعية التابعة للواء الثاني وكان رئيس العمليات النقيب/ ناجي مراد الملا.

 

قادة سرايا الكتيبة :    

قائد س1: النقيب/ عيد عبد المعطي- وقائد الموقع: ملازم/ محمد مصطفى أمين.

قائد س2: ملازم أول/ عبد المنعم عيسوي- وقائد الموقع: ملازم أول/ حسن إبراهيم.

قائد س3: محمود طه حبيب- وقائد الموقع: ملازم احتياطي/ محمد فوزي.

ضابط الاستطلاع ملازم أول/ رءُوف محمد شحاته.

ضابط احتياطي شئون إدارية/ محمد بلال– من الوادي الجديد.

 

كان تمركزنا في منطقة الجفرة كما أخبرت بعد تمهيد الأرض للمدافع وكذلك عمليات الاستطلاع... جاءت التعليمات في يوم 3 أكتوبر بإعطاء  تمام استعداد للجميع.. وكانت المبشرات توحي ببدء الحرب وكنت برتبة رائد في هذا الوقت، بمعنى تجهيز الذخيرة وتحميلها وصيانة المدافع لتكون جاهزة بدون أعطال.

 

 وأذكر أننا صعدنا لرؤية خط بارليف في نظرة أخيرة استطلاعية ،  ووجدنا معدات المهندسين تملأ المكان من جهة غرب القناة حتى لا يراها العدو من خلف الساتر الترابي..

وكانت خطة الخداع التي تتغير كل سنة بالمشروع التعبوي أو الاستراتيجي بالتعبئة بعد النداء على اللاسلكي "استعد.. أو تمام استعداد" اعتاد اليهود عليها لمدة 5 أو 6 سنوات... لدرجة أن جولدا مائير حضرت قبل الحرب بيومين ووجدت أن الجنود في حالة استرخاء منهم من يلعب كرة القدم.. ولكن قبل موعد ساعة الصفر انسحب من هم على القناة للاستعداد للحرب.

 

كانت الفرقة الرابعة– النسق الثاني للجيش الثالث - مستعدًا لصد أي هجوم للعدو بعد تغطية جميع المواقع حسب الخطة المحددة.

 

في هذه الفترة كان الفريق/ الشاذلي دائم الحركة بزيارة المواقع وكان يركز على أدق التفاصيل التي تعمل على رفع معنويات الفرد المقاتل، وأذكر له أنه كتب كتابًا إرشاديًا توعويًا به تعليمات للجنود وقت الأجازة بأدق التفاصيل أذكر منها: أن يسير الجندي على يمين الطريق حتي يري السيارات القادمه أمامة ، وكان الجنود يحفظونه عن ظهر قلب.

 

كانت هناك تختة من الرمال في الفرقة اجتمعت بها مع كتيبتي حتى أعطي الضباط التلقين النهائي بعد تحديد الأهداف لرسم خط سير العبور ومعاينة المكان على أرض الواقع، ولكن قائد الفرقة/ العميد محمد عبد العزيز قابيل طلب العودة لعقد اجتماع طارئ مع قادة الكتائب.

 

في يوم 6 أكتوبر في الساعة 11 صباحًا بعد أن هنأ الجنود أبلغنا بموعد ساعة الصفر ساعة (س) أن تكون 2:05 وأن الطيران سيعبر في تمام الساعة 1:45.. فرح الجميع وتبادلنا العناق وأمر بأن يلتزم كل فرد الحفر البرميلية، وأن من يريد من الجنود الإفطار فمصرح له بذلك.. ولكن أصر الجميع على استكمال الصيام.

 

من أهم اللحظات التي لم أنساها... عند عبور الطائرات في محيط تمركز الفرقة والوحدات الملحقة بها حوالي 20 كم لدرجة أنه شعر الجنود بأن من يرفع يده سوف يلمس الطائرة... في وقت واحد بدأت صيحة الله أكبر.. التي خرجت تهز المنطقة بأكملها من حوالي 40 أو 50 ألف تقريبًا في نفس اللحظة.

 

سمعنا من على مسافة 60 كم أصوات المدافع التي قدرت بنحو 2000 مدفع إلى 4000 مدفع، كنا نأمل أن يعرف كل فرد مصري في أنحاء الجمهورية ما يحدث..

 

إلى أن سمعنا البيان الأول والذي جاء بالتوالي من قائد الجيش إلى قائد الفرقة ثم قادة الألوية وصولاً لقادة الكتائب في نفس التوقيت وكان نصه: "تم عبور القوات ورفع العلم المصري في الفرقة 19.. إلخ" ثم بدأت صيحة النصر.. بعد ذلك بدقائق تمت إذاعة بيان الجيش في الإذاعة المصرية.

 

زال الشعور بالخوف من الموت وكان شغلنا الشاغل الأخذ بالثأر.. المعنويات مرتفعة إلى عنان السماء... وتوالت البيانات بأن تقدمنا أو وصلنا إلى منطقة كذا وكذا... مر اليوم الأول علينا ولكن كنا نأمل صعود خط بارليف.

 

تعايشنا مع الحرب لم نفكر في أي جوع.. كان لدينا تعيين قتال وأيضًا تعيين طوارئ خلال هذه الفترة وعلى الرغم من هذا لم أشعر بالجوع إلا عندما أتذكر ذلك في نهاية اليوم ليلاً.. وكنت قد أحضرت لكل فرد من الجنود حتى الضباط وصف الضباط كيلو من التمر وعدد 3 قطع من الشيكولاتة، ولكن شغلنا الشاغل الوصول إلى تل أبيب.

 

في يوم 7 أكتوبر تحركت الفرقة الرابعة إلى المواقع المتقدمة على بعد 6 كم تقريبًا للتمسك بالأرض لصد أي هجوم وكنا باتجاه الشط .. وكانت لدينا مهمة من قيادة الفرقة لضرب أهداف مجمعة بعد أن تم تزويدنا بالإحداثيات في نطاق الفرقة... ولم أسجل في كتيبتي أية حالات استشهاد عدا جندي واحد أصيب بشظية رحمه الله ولكن بسبب حادث فردي لانفجار دانة مدفع في الكتيبة ولم يصل في منطقة تمركزنا أي قصف مدفعية.

 

كان هناك دورًا عظيمًا للقوات الجوية.. حيث إنه كان هناك بشكل يومي معركة جوية في نحو الساعة الثانية أو الثالثة.. منهم معركة لا أنساها حيث طارد طيار مصري طائرة إسرائيلية وكان فوقها طائرة للعدو.. كنا نترقب ما يحدث إلى أن نجح الطيار المصري بمساعدة التوجيه الأرضي في تدمير طائرتين ميراج للعدو وصعد بشكل رأسي ثم قام بالمرور فوقنا وحرك جناحية تحية لنا ، وكانت معنوياتنا في السماء

 

وفي موقف آخر تم مهاجمة طيار مصري بعد إسقاطه لإحدى طائرات العدو فقفز بالباراشوت فأرسلت سيارة لنجدته ولكنه توسل إلينا أن نوصلة الي أقرب مطار حتى بدون أن يستريح ولو لبضع لحظات ليستأنف معركته مع اليهود.   

 

ومن أهم المواقف البطولية لحظة العبور كان أحد القوارب التي عبرت في الموجة الأولى يتعرض للضرب من رشاش في إحدى النقاط القوية للعدو فتعلق في مزغل الرشاش ليحمي زملاءه حتى يعبروا... وأيضًا محمد المصري الذي دمر أكثر من 28 دبابة.

 

بعد وقف إطلاق النار.. تم الدفع بنا في منطقة جبلية (منطقة الثغرة).. إلى أن تسلل شارون بنحو 7 دبابات ولكن الخطة كانت تطويق هذه المنطقة حتى لا يصبح له مفر... ولو تم تنفيذ الخطة (شامل) لتم القضاء عليهم جميعًا.... لم تتأثر المعنويات بتلك المناوشات لأن الجيش المصري تقدم ووصل حتى المضايق..

 

بعد إصابة المقدم/ عادل– قائد الكتيبة 207 تم إخلاؤه من موقعه وتراجع لمسافة 2 كم وفي هذا اليوم كان مقررًا وقف إطلاق النار في تمام الساعة 12 مساءً واستلمت موقعه كمعاونة،  ولم يكن هناك دعمًا أو مساندة معي ولكن المنطقة الجبلية كانت حماية لي– جبل أم كُتيب.

 

 وفي ليلة 22 أكتوبر كنت بأسفل الجبل مع ضابط الاستطلاع الملازم/ رءُوف محمد وكان بصحبتنا الشاويش/ عيسى بسالي وكان أمُي لا يكتب ولا يقرأ ولكن كان ذو شخصية  قوية إلا أنه كان متفوقًا في حسابات المدفعية وطلبت منه إزالة أي أثر للحفر ووضع شباك التمويه قبل أول ضوء.

 

وعند بزوغ فجر يوم 23 أكتوبر نحو الساعة السادسة صباحًا سمعت من مركز الملاحظة صوت دبابات فقمت بتجهيز السرية الأولى بعد تحديد الإحداثيات للتعامل مع الهدف ثم باقي السرايا تباعًا ولكن بأقصى معدل– أي بسرعة متتالية– وبدأنا في القصف ، فتراجعوا خلف الجبل وعلى الرغم من هذا استمر القصف عليهم لأنه في حال اختراقهم لوصلوا للقاهرة، واستغرق هذا الأمر نحو ما يزيد عن الساعة ولم يصدر منهم أي رد فعل.. لأنهم تفاجئوا بتمركزنا في هذا الموقع ليلاً لأنهم على الأرجح قاموا باستطلاع وتصوير المنطقة جوًا وتأكدوا من خلوها من القوات المصرية، ولكن قاموا بإرسال نحو 5 دبابات من جهة اليمين كنوع من الاختبار لنا ولكن كنت لهم بالمرصاد بعد أن وجهت مدافعي نحوهم فانسحبوا على الفور.       

 

أما في منطقة الثغرة كان موقف اليهود صعبًا جدًا لأنهم كانوا في مصيدة لتفوقنا عليهم بحسب خطة النيران التي كانت معدة لمحو هذه المنطقة بالكامل ولكن جاء وقف إطلاق النار الأمر الذي أحزننا لرغبتنا في القضاء عليهم تمامًا... ولولا إمداد أمريكا لهم بالجسر الجوي لكانوا أبيدوا.

ومن موقعي الثابت كنت أتلقى الأوامر بحسب الخطة (شامل) لتصفية الثغرة وتم تكليفي بمعاونة الكتيبة 208– وكان متقدم اللواء بأكمله... كانت المعنويات مرتفعة للغاية لدى الجنود وخاصة بعد أول أجازة.. فارق رهيب عن 1967.. عناوين الأخبار في الصحف تشيد ببطولات الجيش المصري ومدى حفاوة الاستقبال للجنود واستقبالهم.

 

إنه الشعب المصري الجميل.. الذي يتحمل الصعاب.. كما تحمل في عهد الرئيس السادات قبل حرب أكتوبر ولمدة 6 أعوام في كل مرة يطلق (عام الحسم.. عام الصمود.. عام النصر) كان يتقبلها الناس.. لدرجة أنه في أحد الشهور تم منع اللحوم لوجود نقص في المواشي.

بالنسبة لي كان أول تواصل بعد الحرب مع أهلي بعد مرور نحو 4 أيام في  طريقي إلى الفرقة من أحد الخطوط المدنية.

ومن العجائب لرقم 6:

-        حرب 1967 كانت في يومي 5 و 6 يونيو.

-        انتصروا في حرب 1967 في 6 أيام.

-        قام الجيش المصري بالاستعداد للحرب في 6 أعوام من 1967 وحتى 1973.

-        انتصرنا في الحرب في 6 ساعات في يوم 6 أكتوبر.

------------------------

  • في أثناء فترة الاستنزاف ابتكرت عمل المسرحيات الكوميدية وفرقة الدراويش الأمر الذي لقي استحسانًا من القادة وذلك لرفع الروح المعنوية لدى الجنود فمنهم من كان
  • مصابًا أو فقد شخصًا مقربًا له بعد 1967 وكانت من هواياتي كتابة الشعر.

أذكر منها:

 

1- "يا شمس ميلي وغيبي.. علشان جمال حبيبي يضوي في العلالي ينور ويسعد جليبي– قلبي– قلبي عايز براح يعوض اللي راح ويشفي كل الجراح اللي سابها حبيبي.. حبيبي الأولاني بالشوق والحب جاني ومعاه كل الأماني وقلت ده نصيبي.. قدمتله السعادة وحبي كان زيادة.. وأتاري إنه يا سادة طمعان فيَّ حبيبي.. قال إيه عايز عمارة كان شافها في  سيجارة وكمان عزبة لموني دي أمنية حبيبي.. والشبكة بس تبقى كيلو دهب حقيقي.. ومليون جنيه مؤخر علشان يرضى حبيبي.. فاكرني راجل هفية.. ده العند طبع فيَّ يغور واللي جابوه.. هو هو عيلته حبيبي– الشخص الطماع.

 

أما التاني ده هو عشش في قلبي جوا.. بالحب وبصراحة حسيت معاه براحة.. وبلمسة من صوابعه بروح في دنيا تانية.. أشوف جية حبيبي.. وأقول يا شمس غيبي علشان يجي حبيبي ينور لي حياتي بشوقي وحبي لحبيبي".

2-ومما كتبت قصيدة الأم:  والتي كنا نرويها للضباط والجنود في فترة الاستنزاف حتى تعطيهم تشجيعًا لتحقيق النصر لمصر في ذلك الوقت.. ترى فيها كيف تدفع الأم فلذة كبدها للجهاد وتقول له:

جواب من أم لابنها في الجبهة: ابني يا روحي يا قلبي يا كلي.. ياللي نضارتك حصن لبلدي.. أنت هدية من غير دية لوطني وأرضي وكل حبايبي.. حطيت صورتك هنا في عنيا.. وإوعى يا كبدي تحمل همي.. لا تقولي أمي ولا تقول أبويا ولا تقول أختي ولا ولاد عمي.. قول يا ضنايا يا مصر يا بلدي أنا أفديكي بروحي ودمي.. قوم أتدرب وأعرق وأتعب.. وأعرف إن ده كله بتمنه.. لأحسن يا ابني يوم تتهاون يجي عدوك هو وغيرهم ياكلوا في قوتنا ويرضوا بموتنا.. وإن ما عجبنا يهدوا بيوتنا.. يرضيك كدة إننا نتبهدل.. يرضيك يجوا ياخدوا شرفنا.. الحق يا ابني يا روحي يا أملي.. يوم ما تحارب ده يوم سعدي إنك يا ابني هتوفي بوعدي لأم هنية وأم سنية ولأبوك وأصحابه وبلدي.. يومها النوم والله ما هيجيلي هقعد أصلي وأدعي لربي.. انصرهم ولا تخذلهم وبحق دعايا تحقق أملي.. يارب تحقق أملي.. ندر عليا يوم النصر.. لأعمل طوق من ورد وفل.. وأستناك في محطة مصر وألبسهولك يا سيد الكل.. وإن ما رجعتش دوغري راح أعرف أنك رحت شهيد النصر.. هكتم دمعي وأظهر فرحي لكل الراجعين من جيش مصر.. وأبدر وردي وأبدر فلي وأعمل منه رسمة لصورتك.. يجوا الناس واجمعهم عندي وهوريهم وأحكيلهم عنك وأقول ابني سبعي وجملي ابني حبيبي حقق أملي.. إيه بقى رأيك يا ابني يا أملي.

 

غزل– زجل- للمهن المختلفة:

 

-        الطبيب مخاطبًا حبيبته: من حرارة حبي فيكي.. خلى عندي الضغط عالي.. نبضي بيزيد لما بفكر في البعاد طول الليالي.. والدوا في إيدك أنتِ يا حبيبة الروح تعالي.

 

-        المحامي:احتكامي في هواكي مستند ملوش قانون.. مستند إخلاصه باين والشهود سُهد الجفون.. نفسي أروح فيكي مؤبد في لحاظك والعيون.

 

-        المهندس المعماري: كل زاوية من جمالك معجزة من غير قياس.. والقوام عادل وحسنه أصله راجع للأساس.. وارتفاع الأنف راخر يثبت إنك بنت ناس.

التحقت بالفرقة الرابعة منذ أن كنت ملازمًا ولم أتركها قضيت منها سنتين في معهد المدفعية إلى أن أصبحت مدير دار المدفعية لمدة 13 عامًا، وحصلت على نوط الشجاعة من الدرجة الأولى لما قمت به من حماية هذا الموقع.

 

 

 

-        ادار الحوار / حسن الحلو ( رئيس قسم التسجيل والتوثيق ) ،

-        احمد عادل ( رئيس وحده الابحاث ) .

-        تفريغ الحوار / عمرو عفيفى ( عضو بقسم التسجيلات ) .

-        تصحيح لغوى / احمد محمد امام ( عضو بالمؤسسه )

-        مراجعه تاريخيه / المجموعه 73 مؤرخين .

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech