Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

عقيد - مجدي شحاته - بطل الصاعقه- الجزء الثاني - احداث ديسمبر 73

 

أحداث شهر ديسمبر 1973م:

تحسنت حالة عبد الرؤوف وأصبح يتحرك في حدود المنطقة وكان هزيل الجسم جدًا ولكنه لم يفقد روحه المرحة وهدوء أعصابه وحمده لله دائمًا ويتمتع بضبط وربط عالٍ، خجول جدًا ودائم الابتسام في أصعب المواقف، وكنا نأكل في إناء واحد وبسرعة كبيرة من آثار الجوع وقلة الطعام وكان هو أقلنا أكلاً وكنا نحثه على الأكل السريع ولكنه كان يحمد الله دائمًا، وكنا ننتهي من الأكل جياعًا وأعتقد أنه كان أكثرنا جوعًا، هذا هو الحال مع قلة كميات الطعام وكمية الدقيق التي نعلم مدى مشقة البدو في إحضارها لنا من طول المسافة ووعورة الأرض وضيق ذات اليد وكان يبدو ذلك عليهم أثناء زيارتهم لنا.

كانت زيارات البدو تنتظم أحيانًا وتطول فتراتها أحيانًا وبالسيطرة على الطعام الموجود واجهنا أي تأخير والبدو يأتون رجالاً ونساءً ولم يأت أحد لا يعرفونه غير حامدة زوجة حسين وهي أخت صبحي في نفس الوقت، ومرة أخرى زارتنا زوجة محمد أخو علي وهي سيدة طويلة القامة وتخشى أن تأتي كثيرًا لأن محمد زوجها كان حريصًا أن يكون بعيدًا عن المشاكل والمخاطر ولكنها كانت عندها رغبة في رؤية هؤلاء الغرباء، ولم نر محمد إلا عند رحيلنا وكان الوحيد الذي على علم بنا ولم يأت خوفًا من بطش العدو، وكان نساء البدو ينظرون إلينا كمخلوقات جاءت من كوكب آخر يستحقون الشفقة وكانوا دائمًا يحاولون تسليتنا وتشجيعنا بعفوية وبساطة وأصالة يصعب أن تجدها إلا في أعماق القرى وأقاصي الصعيد حيث الإنسان على فطرته وأصالته التي لم تلوثها ماديات الحضارة الحديثة.

أصبح البرد قارصًا ولم تعد تكفي البطانية الواحدة لكل فرد واستفدنا من كل شيء قد لا يكون له أي قيمة في نظر أي  فرد في الظروف العادية، حيث استفدنا بعروق الخشب التي كانت داخل المغارة المجاورة كوقود، كما استخدمنا برميل مياه قديم لتخزين المياه وأغلقنا المغارة من الخارج بقطعة صاج كبيرة حتى تمنع بعض البرودة والرياح وكذلك تمنع الضوء أثناء الليل إذا قمنا بإشعال النار لشرب الشاي. كنت أنام أنا وعبد الحميد على بطانية وفوقنا بطانية وكنا ننام وظهورنا متلاصقة من شدة البرودة والبطانية صغيرة الحجم نتبادل جذبها طوال الليل ومع ذلك لم يصب أحدنا بأي برد أو زكام خلال هذه المدة بالرغم من كوني شديد الحساسية للبرد الذي كنت أصاب به كثيرًا في حياتي العادية لأتفه الأسباب وما زلت إلى الآن ولكن خلال فترة تواجدي بجنوب سيناء لم أصب بأي برد أو زكام أو تلوث من أي جرح حيث كنت عادة أصاب بتقيح بصورة سريعة ومزعجة وكان ذلك لاستخدام البنسلين ومشتقاته لمواجهة أي جرح أصاب به مهما بلغت ضآلته وكانت نقطة ضعفي وخوفي من أن أصاب بأي جرح يتقيح ويتلوث، ولكن جرحت كثيرًا جدًا أثناء ملء المياه ولم يتقيح لي أي جرح طوال هذه الفترة بل كانت تشفى الجروح بسرعة كبيرة واعتقدت أن ذلك بسبب المنجنيز وكان لطف الله بنا عظيمًا وتحصنت أجسادنا وأرواحنا ضد كل المصاعب وقلة المياه والطعام وتقشفت وجفت أجسامنا وأصبحت أسير دون حذاء أو نعل على الصخر، وكان يتفتت تحت أقدامي كأي بدوي وكان تحركي بدون حذاء في بداية الأمر صعبًا جدًا وكأني أسير فوق أشواك حادة بسبب الصخور الحادة.

وفي أحد أيام الشهر وعند النزول للتزود بالماء وكان معي الرقيب السيد علي وعند اقترابنا من الوادي سمعنا صوت طلقات رصاص متقطعة وقمنا بإعداد سلاحنا والتقدم بحرص لمعرفة ما يحدث ومكانه ومن يقوم به وأكملنا النزول في الوادي المتعرج ومازالت الطلقات وصداها يدوي في المكان، وفجأة ظهر عدد من الجنود الإسرائيليين يقومون بالرماية داخل الوادي وبجوارهم عربة جيب ودفعني الفضول للاقتراب لرؤيتهم أكثر، وتقدمت بحرص وخلفي الرقيب السيد علي، ولكن فجأة وأثناء تحركنا سمعنا صوت العربة تدار وتتحرك بصورة مفاجأة، وتيقنت أنهم لاحظوا تحركنا وتركوا المكان فجأة.

لم نشأ أن نستكمل النزول خشية عودتهم بقوات كبيرة وطائرات وعدنا وتوقعت حدوث رد فعل خلال هذا اليوم أو اليوم التالي وكنت أنا وعبد الحميد ندرس موقف الأرض وتوزيع الأفراد في حالة هجوم العدو من أسفل الوادي أو من أعلى الجبل وكيف نستغل الأرض والمكان الذي أصبح معلومًا لنا ويحقق مزية كبيرة للمدافع وكنت واثقًا لو حاول العدو مهاجمتنا لخسر الكثير أمام قوتنا الصغيرة، وتوالت الأيام والأسابيع بعد هذا الحدث ولم تظهر أي عدائيات بالمنطقة حتى أصبحنا بعد ذلك نحمل بندقية واحدة فقط ليسهل علينا حمل المياه.

كنا ننتظر هطول الأمطار بشغف كبير وندعوا الله أن تأتي الأمطار سريعًا وننتظر أي سحابة قاتمة قد تأتي ببعض الأمطار ونسأل البدو عن المطر وكيف يكون الحال بعد هطوله فكانوا يجيبون بأنه خير وأنهم جميعًا في انتظاره وعندما يأتي المطر يتحول لون الجبل إلى الأخضر وتتواجد المياه العذبة في كل مكان وتنموا الخضرة التي يمكن أكلها مثل اليهج (نوع من الجرجير البري) وكنا نحلم بذلك اليوم الذي نملأ به بطوننا بذلك الجرجير ونملأ المياه من أقرب مكان لنا ويرحمنا الله من ذلك المشوار الطويل إلى الوادي، وكنا نحلم وننتظر وكانت تتلبد السماء بالغيوم ولكن دون مطر وكان البدو دائمًا يقولون أن المطر لا يأتي عندما تأتي الغيوم والسحاب من خلف الجبل (من الاتجاه الشمالي الشرقي) ولكن عندما تنعكس تأتي الغيوم والسحاب الذي ينزل المطر بإذن الله، وكان الأمل عندنا أن تمطر من أي اتجاه.

وفي أحد مرات نزولنا للتزود بالمياه الذي كان يتم بوجودي أو وجود عبد الحميد أو نحن الاثنين معًا، وفي هذه المرة كنت وعبد الحميد ومعنا أحد الأفراد وكان يومًا فيه الرياح شديدة عاتية عند نزولنا وعندما عدنا إلى الوادي قبل المغارة زادت الرياح بشكل لم أشهده من قبل وكان الوقت ليلاً والظلام حالكًا ونسمع بعضنا بصعوبة بالغة وكان البرد قارصًا وحاولنا الوصول إلى المغارة وفقدنا اتجاهنا بمكان كنا نعلمه جيدًا لشدة الريح والصقيع وأخذنا ننادي بأقصى ما يمكننا على زملائنا ولكن كان يصعب سماعنا، ويأسنا في النهاية وكان لابد أن نتوقف في مكاننا في أقرب منطقة تسترنا من شدة هذه الرياح ودعونا ربنا أن يمر هذا اليوم بسلام دون أن نتجمد من البرد، وبعد حوالي ساعة وجدنا نور ينبعث من أعلى وبزاوية من مكان المغارة الصحيح فصعدنا فورًا في اتجاهه وعند اقترابنا سمع الزملاء صوتنا وفرحنا باللقاء الدافئ وعلمنا قيمة المغارة بعد أن أغلقنا الباب الصاج علينا.

استمر تتبعنا للأحداث السياسية وشعرنا بتحسن الأوضاع والأمل في الحل السياسي السريع في خلال شهر أو شهرين والإذاعات أحيانًا تبالغ في جو الود بين قواتنا والعدو وأن الأمور تسير على ما يرام وفي يوم سمعت راديو طهران يذيع نبأ إقامة مباراة كرة قدم بين الجانب الإسرائيلي والجانب المصري العسكري على الحدود، وطبعًا كان تأثير هذا الكلام سلبيًا على الجنود حيث كنا نحرم أنفسنا من كل شيء ونعيش حياة قاسية لا يتحملها أي بشر، وقوات العدو تلاعب قواتنا كرة القدم فلماذا هذا العذاب؟ ولماذا لا نسلم أنفسنا لعدونا ليوصلنا إلى أهلنا سالمين بعد هذه العلاقة الطيبة وكما يعمل مع جميع أسرانا حسب ما سمعنا من الإذاعات الأجنبية من قبل؟ ولكن كنت وعبد الحميد نتناول هذه الموضوعات من الناحية الفكاهية ونذكر بأن العدو إذا وقعنا في يديه سيدمر هؤلاء البدو المساكين الذين وقفوا معنا وقفة أبطال إلى أقصى مدى، هذا بالإضافة إلى كرامتنا التي لا تسمح بهذا مما جعلنا نتكبد هذا العناء.

وفي نهاية شهر ديسمبر وبعد المغرب مباشرة قام علي وصبحي بزيارتنا ومعهم بعض الدقيق وقطعة لحم ماعز صغيرة وهذا شيء بهيج أن نتذوق اللحم بعد هذه المدة الطويلة وسألنا عن السبب فقالوا أن عجوزً بالقرية قد أصابها المرض وعادتهم أن يذبحوا جدي بهذه المناسبة لتأكل منه السيدة فتشفى أو تتذوق اللحم قبل وفاتها وهو شيء من الفكاهة ودعونا للعجوز بطول العمر وسعدنا باللحم وتم سلقه ونحن حوله نشم رائحته بسعادة بالغة ومع أن قطعة اللحم صغيرة في حجمها عظيمة جدًا في مغزاها ودعونا عليًا وصبحي ليأكلوا معنا فقبلوا مشاركتنا ولم يأكلوا كثيرًا واكتفوا بالنظر إلينا ونحن نأكل بصورة غير متحضرة وبنهم شديد، وكانت مفاجأة لي عند نهاية الأكل وبعد وقت قصير أصابني إسهال شديد ولم تتحمل معدتي اللحم بعد حرمانها منه مدة طويلة وحزنت جدًا لفقداني هذا الغذاء الذي لا يأتي بسهولة.

بليت ملابسنا بمرور الوقت وأصبح لونها داكنًا ومجلدة من آثار العرق والمنجنيز والقذارة ولكن كانت رائحتها جيدة بسبب تعرضنا الدائم للشمس بالإضافة إلى عدم وجود أي ملابس داخلية أخرى غير الملابس الداخلية التي بدأت في التمزق، أخذت في التنسيل عند الركبة والكوع والمقعدة وخلعنا الجيوب لنرقع بها أماكن التمزيق وقرر البدو إحضار بعض الأفرولات لنا والتي تخص الأسرى المصريين، وفعلاً في زيارتهم التالية أحضروها وقمنا بفحصها لنعرف لمن تكون وبالفعل وجدنا أفرول يخص الشهيد البطل عادل عبد الفتاح نجم، الذي استشهد نتيجة اصطدامه بلغم بعد أن عاد من الأسر للوطن وكانت تربطني به صلة صداقة قديمة وكنت أحبه كثيرًا لما له من قدرات كبيرة وذكاء وخفة دم ورجولة وفرحت جدًا عندما علمت أنه ضمن الأسرى ومعنى ذلك أنه ما زال حيًا يرزق وسوف أداعبه بهذا الأفرول ضاحكًا إذا كتب الله لي النجاة بإذنه وحده، ولذلك لم ألبس الأفرول إلا في نهاية المدة وعند تحركي للعودة وقضيت المدة كلها بأفرول واحد، وكان مقاس عادل صغيرًا جدًا لأنه رفيع الجسم بشكل ملحوظ ووجدت أن أفروله جيد وعلى مقاسي لأن وزني نقص كثيرًا وزملائي جميعًا بصورة ملحوظة وخاصة عبد الحميد الذي كان ضخم الجسم فوضح عليه ضعف الجسم وكنت أداعبه دائمًا بقولي بأنه أصبح رشيقًا ويجب عليه المحافظة على هذه الرشاقة على قدر المستطاع وأصبح معجبًا بجسمه الهزيل، ومع هذا الهزال كنا نشعر بضعف شديد خاصة عند وقوفنا بعد الجلوس حيث كنا نشعر بدوار شديد وضعف عام.

وفي أثناء هذا الشهر أخبرنا البدو بتأخر وصول إمدادات الدقيق لهم وارتفاع الأسعار وكنا نطرح عليهم أفكارنا للحصول على طعام فكنا نسأل عن إمكانية الصيد بقوارب أو بالشباك ولكن علمنا أن العدو  ما زال يمنع الصيد منذ بداية الحرب، وسألنا عن إمكانية العمل في مغارات الفيروز لاستخراجه وبيعه ولكن البدو مانعوا ذلك بحجة أن ذلك قد يعرضنا للوشاية من قبل البدو وخاصة أن هناك عدة قبائل تعمل في استخراج الفيروز بالإضافة إلى سماعهم أنه تم القبض على أحد المصريين في هذه المنطقة، وكنا نفكر في العودة السريعة لتخفيف العبء على هؤلاء البدو ولكن الحالة الصحية لعبد الرؤوف وخوف البدو الشديد من وقوعنا في أيدي العدو مما يسبب لهم المشاكل الكبرى كان ذلك يجعلهم دائمًا حريصين على استبقائنا حتى تهدأ الأمور ويحين الوقت المناسب.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech