Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

البطل صلاح الصلاحي - قوات جوية - سلاح البالونات

 

اسمي صلاح الدين عبد العال عبد العزيز الصلاحي، مواليد قرية ديروط الشريف في مركز ديروط بمحافظة أسيوط بتاريخ 25/15/1946. ظل مكان تعليمي بقريتي مسقط رأسي ديروط الشريف حتى حصلت على مؤهل فوق المتوسط – دبلوم المعلمين نظام الخمس سنوات، ثم التحقت بالقوات المسلحة يوم 15/4/1968.

 

 فيديو قصير للبطل لا يفوتكم - أضغط للمشاهدة 

 

حينما جندت، تم تجنيدي على ذمة القوات الجوية إلى أن تم نقلي من القوات الجوية إلى قوات الدفاع الجوي و كان لي رقمين عسكريين 3148452 – 3148352.

 

ظلت طفولتي بقريتي ديروط الشريف و حصلت فيها على الابتدائية ثم الإعدادية ثم دبلوم المعلمين ثم التحقت بعدها بالقوات المسلحة حيث كان معي مجموعة من الاصدقاء و جندنا معا ثم تفرقنا كل إلى وحدته فيما بعد.

والدي عبد العال عبد العزيز عبد العال الصلاحي كان أحد تجار ديروط الشريف و أحد أصحاب محال البقالة و المواد التموينية، و كان لديه حوالي 14000 بطاقة تموين قبل أن يتوفاه الله عام 1967.

 

 

كنا من أسرة متوسطة الحال و كان معي أربعة إخوة ذكور و ثلاث بنات، أنا أكبرهم ثم يليني في الترتيب: أخي محمد صبري عبد العال (اسم مزدوج) و كان مدير قسم المعاشات بمجلس مدينة شبرا الخيمة و منتدب مجلس الوزراء في مركز مكافحة الإدمان، يليه أخي محمد عاطف عبد العال (اسم مزدوج) و كان مدير شئون العاملين بالوحدة المحلية بقرية ديروط الشريف، ثم ممدوح عبد العال مدير شئون العاملين بإدارة ديروط التعليمية ثم محمود عبد العال عبد العزيز مهندس زراعي بإحدى جمعيات مركز ديروط. أخواتي متزوجات و أنا من زوجتهم لأن والدي كان من توفى في 1967 قبل أن أحصل على دبلوم المعلمين فكان يتبقى لي حوالي شهرين على امتحان الدبلوم، ثم قمت بتوزيع التموين بعد وفاة والدي و زوجت إخوتي ثم التحقت بالجيش.

من حسن حظي، عاصرت ثورة 1952 و كنت وقتها طفلا عمري حوالي 7 أو 8 سنوات ، أتذكر أن محمد أنور السادات زار قريتنا عندما كان هاربا بعد ضربه أمير عثمان.

أقام السادات في قريتنا حوالي ستة أشهر متخف، وكانت عائلة الشيخ كامل تامر شروجاني –من أعيان ديروط الشريف- هو من أخفاه و جعله يقيم عنده.كان لي الشرف أنة في أحد الأيام كنت أرتدي زي الكشافة مع أقراني و نحن أطفال و مرت بنا السيارة الجيب التي كان بداخلها السادات للتجول في البلد و كانت أسوار الجناين في البلد كلها قد دهنت باللون الأبيض، لا أتذكر أحداث أكثر من هذه في فترة 1952.

حضرت و شهدت حرب 1956 و كان الأهالي في البلد يلصقون ورق أزرق اللون على المصابيح و زجاج النوافذ و كنا و نحن أطفال نسير في مجموعات صغيرة لتنبيه الأهالي وقت حدوث غارة و نحن نقول: "طفوا النور يا ولية .. احنا عساكر دورية" و كنا مبسوطين بقيامنا بهذا و كان الأكبر مننا سنا يذهبوا للسيدات في البيوت لتوعيتهن حتى يطفئوا الأنوار و يحاولون تهدئة العصبية بين أفراد الأسر و التي كانت تنتشر كالنار في الهشيم في تلك الأوقات بالأخص عندما تتلاقى العائلات و الأسر مع بعضها. لم نشهد أي طائرات أو أي تغيرات طرأت على البلدة خلال حرب 56.

التحقت بمدرسة ديروط الشريف الإبتدائية النموذجية –حاليا اسمها مدرسة ديروط الشريف الإبتدائية- و أتذكر اسم الناظر في هذا الوقت كان الأستاذ أحمد خميس من رجال التعليم في القرية، و أتذكر أحد أفربائنا كان يتردد علينا في البيت مع والدي هو الأستاذ محمد عبد الرؤوف علي شافع و هو من حفظني جدول الضرب و أنا في الصف الثالث الإبتدائي بالمد على قدمي. كان لي خال و هو الأستاذ عبد الملك و كان مدرس تربية رياضية. بعدما ترك الأستاذ أحمد خميس نظارة المدرسة، حل محله الأستاذ الحاج لبيب مغربي و كان زوج خالتي، و أذكر أنه كلما زارنا في البيت كنت أهرب إلى السطح و كنت أختبئ إذا قابلته مصادفة في الشارع لهيبته، ليس كسلوك تلامذة هذه الأيام.

كان يوجد نظام الكشافة في الإعدادية و لكني لم أشترك بها. اشتركت في نشاط الجمباز و عندما كنت في دار المعلمين بديروط اشتركت أيضا بفرقة الجمباز و فريق الموسيقى.

كان النظام في البداية ثلاث سنوات دراسة و لكن في أول سنة دخلت بها تم تطبيق نظام الأربع سنوات علينا، ثم التحقت بدار المعلمين بعد حصولي على الشهادة الإعدادية. كنت متفوقا جدا و كان من المفترض أن أكون طبيبا أوصيدلي و لكن نتيجة لإلحاح الحاج لبيب مغربي على أبي فهو من أشار عليه أن ألتحق بدار المعلمين كنوع من "النفسنة" لأن كل أولاده تعليم عالي.

التحقت بمعهد المعلمين و تخرجت ثم تعينت ثم خدمت في الجيش حتى 1974. كنت من ضمن المعلمين المتفوقين المتميزين و عندي شهادات تفوق و شهادات تقدير بالأكوام و حصلت على العديد من الدروع منها درع التميز و درع رواد التعليم. أنا كنت مدرس كشكول و كنت أحب الرياضيات و العلوم و تفوقت فيهما و التحقت بكلية التربية و لكني للأسف لم أكمل الدراسة فقد توقفت عند السنة الثالثة لسفري.

سافرت إعارة إلى السعودية و انقطعت دراستي لأن كان من ضمن تأهيل المعلمين الحصول على بكالوريوس علوم و تربية (تابعة لتربية جانعة عين شمس)، فدخلت و قدمت أوراقي و دخلت امتحانات السنة الأولى و الثانية، و عند بدئي السنة الثالثة جاءتني فيها فرصة الإعارة في السعودية. سافرت السعودية لمدة أربع سنوات و عندما عدت، طلبت الإدارة مني مبلغا حوالي 800 جنيها لرسوم الأربع سنوات التي قضيتها في الإعارة، فأخبرتهم عن خط سيري بأني كنت معار إلى السعودية و أحضرت جواب من التربية و التعليم تفيد بذلك و لكنهم لم يعترفوا بهذه الأوراق لأني كنت قد تخطيت الخمسين.

أنا ناصري و كنت من ضمن منظمة الشباب و اشتغلت موجه سياسي و كنت مهندس صورة للمعسكرات التابعة لمنظمة الشباب عام 1961، و كنت أيضا مقرر مساعد معلمين ديروط (كان يوجد مقرر المنظمة و مقرر مساعد المنظمة، مايشبة المدير و نائبه أو الرئيس و مساعده). أنا أحب عبد الناصر و كنت أراه هو قدوتنا و أنا أقول في قرارة نفسي أن لولا عبد الناصر ما كانت لي الفرصة أن أتعلم و لا من في سني من الطبقة المتوسطة تعلم، و أعتبر مجانية التعليم هي التي علمت 80% من شعب مصر و لا أقتنع أبدا بما يقال مؤخرا بأن مجانية التعليم هي من أفسدت التعليم في البلد و أن التعليم الحق يجب أن يكون التعليم الذي تدفع له المال.

أنا كنت لا أزال صغير السن فلم ألحق بالاشتراك في الأتحاد الإشتراكي، و لكن فيما بعد في السبعينات تم ترشيحي في الاتحاد الاشتراكي.

في فترة حرب اليمن، رأيت بعض العائدين من الحرب إلى المركز و كانوا مستائين للغاية من موضوع و ظروف هذه الحرب، فكانوا يروون لهم بأن شغل شاغل اليمنيين هو طعن أفراد الجيش المصري بالخنجر و الاستيلاء على سلاحهم، و لكني لا أذكر أني رأيت أحدا قد عاد إلى القرية بعد أحداث نكسة 67.

عندما كنت في دار المعلمين، كان يوجد وقتها نظام الفتوة و كان التدرب على حمل السلاح إجباريا على الكل و هذه الفترة أثقلتني و علمتني الرجولة. انتهيت من دراستي عام 1967.

في يوم 5/6/1967 (يوم بداية النكسة)، كنت أؤدي أحد إحدى امتحانات الدبلوم و كانت الامتحانات قد بدأت يوم 3/6/1967. امتحنت أيام السبت و الأحد و في يوم الاثنين و أنا بداخل لجنة الامتحان فوجئنا بطيران يمر فوق ديروط و ماجت كل الناس في البيوت و الشوارع، و عندما عدنا من الامتحان إلى منازلنا علمنا بأنه يوجد معركة و كنا نتابع نشرات المذياع التي يلقيها أحمد السعيد عن إسقاط 60 – 70 – 80 طائرة للعدو وكل هذا الكلام. كنا كشباب متحمسين و سعداء بسماع تلك النشرات إلى أن تبين لنا أن المعركة كانت نكسة و علمنا بذلك بعد بداية النكسة بحوالي ثلاثة أيام.

 

 

 

كنت وقتها لاأزال مقرر مساعد منظمة الشباب بمعهد معلمين ديروط و كنا نذهب إلى المكتب التنفيذي بديروط – و الذي كان تابعا للإتحاد الاشتراكي. علمنا بأمر خطاب تنحي الرئيس عبد الناصر من الأخبار، غضبنا و تملكنا اليأس بعدما كان الرئيس يقول باستمرار في خطاباته: "هنضرب إسرائيل و ما وراء إسرائيل"، و برغم ما حدث رأيي في عبد الناصر لم يتغير حتى اليوم. كانت كل الناس حزنى بعد سماع خطاب الرئيس و كان يوجد غضب حتى بين الناس الأميين و البسطاء في القرية: فكان لدي خالي –كان جاهل و أمي و صنعته صناعة الأحذية- يستمع يوميا إلى إذاعة لندن BBC لمعرفة كل جديد أولا بأول عن أحداث نكسة 67 حتى جاء خطاب التنحي. تجمع أعضاء منظمة الشباب في المكتب التنفيذي و قرر المحافظ و أمين المكتب التنفيذي أن نسافر القاهرة للوقوف في ظهر عبد الناصر داعمين له و لمنعه من قرار التنحي، و كان ذلك في نفس يوم إعلان خطاب التنحي. أحضروا لنا مجموعة من الحافلات و سيارات النقل و بلغنا أهالينا بأمر سفرنا إلى القاهرة و توجهنا من ديروط الشريف إلى القاهرة في حوالي 20-22 سيارة نقل و حافلة. كنا نهتف في الطريق من أسيوط إلى القاهرة: "غيرك يا رايس مش عايزين" "ارفض ارفض يا زكريا .. عبد الناصر مية المية"، و كنا نقوم بكل ذلك حبا في عبد الناصر و ليس بهدف توجه سياسي لأن كان التوجه السياسي بالنسبة لنا هو حب البلد و ليس الشخص و كنا ندرك أن لعبد الناصر بصمة في البلد و أنه لابد من الإبقاء عليه قائدا لنا و علينا تدعيمه.

وصلنا القاهرة و نزلنا في ميدان عابدين حيث الملايين من المصريين الذين يهتفون برفض قرار التنحي. خرج إلينا عبد الناصر من الشرفة في يوم 8 أو 9 يونيو و تشاور و قرر الرجوع عن قرار التنحي. كانت الامتحانات قد تأجلت و لم أعد للقرية حتى أرسلت أسرتي إلى بخطاب بعد شهرين تفيد بوجوب الرجوع لاستئناف الامتحانات. لم يبعث أحد لى بكتبي كي أستذكر في تلك الفترة، و عدت إلى البلد و استأنفت امتحانات الدبلوم في أواخر يوليو 1967 و ظهرت النتيجة قبل شهر أكتوبر من نفس العام.

تم تعييننا اعتبارا من 1/10/1967 – أي فور ظهور النتيجة – فقد كان المتخرجين من دار المعلمين يتم تعيينهم فور تخرجهم. و يتم توزيهم على التكاليف – شيئا ما يشبه تكليف الأطباء.

أول دفعة تم تعييمنها في منطقة أسيوط و تم تعيين الدفعة الثانية –و أنا كنت من خريجي هذه الدفعة- في الوادي الجديد فرفضت الذهاب و انتظرت حتى اكتمل عدد الأفراد المكلفين بالخدمة في الوادي الجديد، كتبت إقرار بالرفض. طلبت إعفاء من التجنيد لأني وقتها كنت العائل الوحيد للأسرة – فهذا حقي كعائل - بعد وفاة أبي في إبريل 1967، فبدلا مني تقدم أخي الأصغر محمد صابر و أعفي من خدمة التجنيد لضعف بصره فاضطررت أنا للتجنيد.

قبل التقدم للتجنيد كنت أتابع انتصارات الجيش في العمليات التي تقوم بها في الاستنزاف، كنا نتجمع في مركز شباب ديروط الشريف نحن الطلبة و نتسامر في رواية ما سمعناه من أخبار عمليات الجيش المصري ضد العدو و كنا نسعد حدا بسماع هذه الأخبار. كانت وزارة الثقافة و الإرشاد القومي كل أسبوعين تبعث للقرية سيارة عرض سينما – وزاد تردد مجيئ هذه السيارات بعد النكسة كنوع من أنواع لرفع الروح المعنوية للأهالي- و تقوم بعرض الأفلام و النشرات السينيمائية و لكن بعدها يتحدث عن المعرك التي يقوم بها مجموعات الجيش و الصاعقة ضد العدو كنوع من عرض مبتكر للأخبار في الجبهة.

لم أتعين بالتكليف و تقدمت للتجنيد –بعد إعفاء أخي- يوم 15/4/1968.

 

 

 

في أول يوم لي في التجنيد توجهنا إلى منطقة تجنيد "منقباد" و تم فرزنا إلى مجموعات و تعيين كل مجموعة في المواقع المكلفة بالخدمة فيها. كان حظي أن يتم فرزي لأكون مجندا في مجموعات القوات الجوية. أمضينا أول 45 يوم في مركز التجنيد منقباد للتدريب على حمل السلاح و كيفية فكه و تركيبه و تنظيفه و صيانته و تكفينه، و على الخطوة المعتادة و في نهاية المدة بدأنا نتدرب على إطلاق النار و التصويب. ثم جاءنا مندوبا من القوات الجوية لترحيلنا إلى منطقة "كسفريت" و هي منطقة على الجبهة بالقرب من فايد.

نحن كشباب في العشرين من عمرنا كان لدينا حالة من الرهبة بالموقف فكنا نلتزم بالتعليمات التي تصدر لنا بحذافيرها و شعرنا بمعنى العسكرية من الالتزام و الانضباط في كل شيء حتى في مواقيت النوم و الاستيقاظ و التجمع. طوال مدة فترة التدريب لم يحدثنا أحد نهائيا عن النكسة و لم نكن نحن لنتجرأ على التحدث بهذا الأمر. بعد انتهاء مدة ال 45 يوم، منحنا أجازة لمدة أسبوع.

تم تقسيمنا إلى سرايا و تم تقسيم كل سرية إلى فصايل و كل فصيلة فيها عنابر و كل عنبر به مساعد تعيين و مساعد صول و معلم. عندما وصلنا إلى منطقة كسفريت رأينا من الخارج آثار ضرب مقذوفات العدو من جراء فترة النكسة.

لم نصادف إغارة واحدة من العدو طوال مدة خدمتنا في كسفريت و كنت أتمنى رؤية إغارة حتى أشتبك و أدخل الخنادق و أقوم بتنفيذ ما تعلمته أثناء التدريب لضرب العدو، و لكنه لم يحدث في فترة خدمتي هناك.

كنا 23 فرد مؤهلات متوسطة، و بعد الخدمة تم توزيعنا إلى قاعدة جناكليس الجوية ( وهي منطقة بين الإسكندرية و البحيرة – و أذكر أن هذا الموقع كان بعد مركز أبو المطامير لأننا كنا نمر بهذا المركز و نمر على حوش عيسى في طريق الذهاب و الإياب وقمتا كنا نذهب للأجازة. و للعودة كنا نقطع نفس الطريق ثم نستقل سيارة من حوش عيسى متجهين إلى القاعدة في جناكليس). وقت وصولنا إلى قاعدة جناكليس، استملنا القاعدة من المقاول و لم يكن هناك أحد، و كانت رائحة الزيت منتشرة في المباني و واضح أن القاعدة كان قد تم تشطيبها للتو قبل تسليمها بفترة وجيزة.

كل شيء كان جديد من أبواب و نوافذ و أسرة من دورين و كل شيء. استقبلنا ضابط نقيب –و كانت معنا أمتعتنا و أسلحتنا- و قام بتقسيمنا بمعاونة مساعديه الأمباشية في الوحدة، و التي كانت تسمى ب "وحدة الخدمات" و قضينا حوالي ستة أشهر نقوم بخدمة القاعدة لا أكثر. وصلنا إلى القاعدة في وقت متأخر و تم توزيعنا على العنابر، و هذا فقط ما قمنا به في القاعدة في اليوم الأول، و رقدنا دون تناول عشاء. في اليوم التالي تجمعنا في طابور الصباح و حيينا العلم ثمنا قمنا ببعض التدريبات الخفيفة لنتعرف من خلالها على جغرافية القاعدة. في المغرب تجمعنا في طابور المغربية لتوزيع الخدمات و المهام. بعد حوالي يومين أو ثلاثة أيام بدأ يأتي أفراد و بعض سرايا الحراسة و بعض الأسلحة (فقد كانت القاعدة بدون سلاح) و سيارات الجيش. أمضينا حوالي ستة أشهر في هذا الروتين اليومي و كانت القاعدة قد بدأت تتكون و تعمر تدريجيا من حيث الأفراد و المعدات و التسليح. كان بإمكان كل منا الإذن لمدة 24 ساعة أو الذهاب للعيادة.

 

بعد مرور الستة أشهر، وصلت إلى القاعدة سرايا للحراسة و طائرات التيو-16 و ميكانيكية، و بدأت القاعدة تعمر، ثم بدأ يتواجد ضباط طيران و ضباط عاديين تابعين للقوات الجوية. ثم جاء بعد ذلك قائدا للمجموعة و هو عبد الرحمن الطلياوي (طيار).

من الناس التي أذكرها في القاعدة المقدم عبد الرؤوف لبيب و كان ضخم الجثة أحمر الوجه و يخدم في سرايا الخدمات و لم يكن خريجا للكلية البحرية بل مساعدا (صف ضابط تقريبا) و ترقي إلى أن وصل إلى رتبة مقدم و قائد وحدة الخدمات في القاعدة، بعد ذلك انتقل عبد الرؤوف إلى قاعدة بلبيس ثم أصبح في الكلية الجوية في عام 1968.

بشكل عام، لاحظت أن قيادات الجيش قد بدأ في انتقاء أفراده من بعد أحداث نكسة 67: فتزايد عدد أصحاب المؤهلات المتوسطة و الفوق المتوسطة بين المجندين.

 

الخدمة في سلاح البالونات:

 

كنا نحن ال 23 مؤهل متوسط متعينين في القوات الجوية على ذمة سلاح البالونات. بدأنا العمل الفعلي في هذا السلاح من أواخر عام 1968 و حتى 1974. كان مركز التدريب على سلاح البالونات يضم مجندين مؤهلات متوسطة و مؤهلات عليا و قليلهم بدون مؤهل، فأنا أذكر أني قمت بتدريب بعض أصحاب المؤهلات العليا أثناء خدمتي في سلاح البالونات. كان دور غير حاملي المؤهلات يتراوح من حمل و تنزيل الاسطوانات و نقل البالونة لأن وزن البالونة ثقيل – حوالي 150- 200 كلجم - و هي فارغة و أيضا تجهيز موقع البالونة. بدأت سرايا الحراسة بالخدمات الليلة في القاعدة و أهمها حراسة جميع محاور القاعدة تحت قيادة المقدم عبد الرؤوف لبيب. في أواخر عام 1968، اتجهنا –نحن ال23 فرد حاملي المؤهلات المتوسطة- إلى مطار غرب القاهرة. كنا في مركز تدريب البالونات و بدأت تأتينا البالونات من المصنع للتدرب عليها و إقامة قواعد دفاع البالونات.

أذكر أن هذا المركز كان عبارة عن فيلا حمراء اللون و كان موجودا أمام رئاسة القوات الجوية في الصحراء، يليها خط المترو ثم الصحراء.

البالونة: البالونة هي عبارة عن جسم بشكل البيضة مدببة من ناحية و كروية الشكل من الناحية الأخرى. كانت مادة البالونة نفسها مصنوعة من شرائح من المطاط و طبقتين من قماش اللينو بينهم طبقة من الكاوتش أو المطاط و طبقة خارجية من المطاط و طبقة داخلية من المطاط لعزل القماش حتى لا يتسرب غاز الأيدروجين من خلال أنسجته. كان يتم تصنيعه محليا في مصنع البالونات التابع للفرع بهذه الطريقة التي تحدثنا عنها هنا. طول البالونة من 16 – 24 متر و قطرها من 12-16 متر. الجزء المدبب من البالونة به ثلاثة زعانف: زعنفة من الجهة اليمنى و زعنفة من الجهة اليسرى و زعنفة من الأسفل، و هذه الزعانف عبارة عن قوس من الخيرزان المشدود عليه قماش من النيلون و يثبت على جانبس البالونة لتثبيت البالونة في الهواء لمقاومة العوامل الجوية كالرياح و فارق الضغط (إن حدث). أسفل جسم البالونة يوجد جزء به شدادات من الأستيك للحفاظ على حجم البالونة حيث يتمدد الأستك في حالة ارتفاع ضغط البالونة و يرتد إلى وضعه الطبيعي إذا انخقض ضغط البالونة. البالونة بها فتحة 25 سم لوضع خرطوم الغاز بها لنفخ البالونة بغاز الأيدروجين و في نفس الوقت لها مهمة أخرى لقياس ضغط الجو و ضغط البالونة باستخدام البارومتر المائي لمراعاة ضبط تساوي الضغط داخل البالونة و خارج البالونة (ضغط الجو الخارجي)، و يتم التأكد من التساوي عندما يتشاوى مستوى الماء في عامودي البارومتر المائي. استخدمنا غاز الأيدروجين بدلا من الهليوم نظرا لتعذر تحضير الهليوم في المصانع المتاحة وقتها و لتكلفتها العالية، فاستعضنا ذلك باستخدام غاز الأيدروجين لأن كتلته أخف من كتلة الهواء 14 مرة و كذلك بإمكانه أن يرتفع بالبالونة في طبقات الهواء العليا.

 

( فيديو مهم للشرح والاستفادة أكثر – أضغط للمشاهدة 

 

 

تثبيت البالونة: تثبت البالونة بعد ملئها بالغاز على مفرش في الأرض و يثبت فيها سلك من الونش. الونش المستخدم عبارة عن اسطوانة عليها عدد 9 أسلاك حرير مجدول و سمك السلك الواحد 3 مم و يرتفع بالبالونة على سطح الأرض من 500- 700 متر. المطلوب من السلك هو أن قوة شد البالونة تقوم بشد هذا السلك حتى تشطر الطائرات المعادية.

يثبت الونش بقواعد خرسانية على الأرض لأن قوة شد البالونة بإمكانها سحب الونش معها في الجو و 3 أوناش إضافية معها، فكان لابد من تثبيت القاعدة بهذه الطريقة. تثبت البالونة بستة أوتاد و تربط ب 3 حبال –طول الواحد منها حوالي 5 متر- من كل جانب لتثبيت البالونة على الأرض. الونش به خطافة تمسك في التروس لأن عدم وجود هذه الخطافة ("الفرملة" كما نسميها) ستتمكن قوة شد البالونة من جذب السلك لأعلى. عندما نرفع البالونة من على الأرض إلى الارتفاع المطلوب نقوم بإمساك اليد و فرملة الونش لرفع البالونة للارتفاع المطلوب و نقفل عليها الفرملة في هذا الوضع بعد تثبيتها على الارتفاع المطلوب فوق سطح الأرض.

 

 

أهداف سلاح البالونات: الهدف الاستراتيجي الأساسي هو الدفاع السلبي للقواعد و لبعض الأماكن الحيوية داخل الجمهورية لحمايتها هذه المواقع من الطيران المعادي.

كان للبالونة هدفا آخرا و هو هدف "إنزال": فعندما يأتي الطيار المعادي مقتربا من البالونة سماوية أو رمادية اللون (فمن يراها من على الأرض بهذا الارتفاع يظن أنها سحابة إذا كان لا يعرف بأنها في الحقيقة بالونة) و هي على ارتفاع 500-700 متر فوق سطح الأرض يضطر الطيار إلى رفع الطائرة فيصبح مكشوفا لأجهزة الرادار و يقوم قادة الرادار بإبلاغ وسائل الدفاع الأرضية للتعامل مع الهدف

(و هذا ما حدث في معركة ال53 دقيقة في المنصورة فقد تم استخدام سلاح البالونات فيها و قد كانت السبب في أن معظم الطيارين اليهود تقوم بإلقاء حمولتها و تهرب حتى تكون خفيفة الحركة للدوران و سرعة الهرب من منطقة البالونات – كنت وقتها متواجد في مكان خدمتي بأنشاص).

الطائرات القديمة في ذلك الوقت لست كطائرات اليوم التي يمكنها الطيران في اتجاه معاكس: كانت زاوية انحراف الطائرات منفرجة، فعندما يقترب الطيار من البالونة الصعب رؤيتها مبكرا بسبب لونها لن يتمكن من الدوران و إن أسرع في قراره بسبب زاوية الانحراف الواسعة. كان الاصطدام برؤية البالونة تشل تفكير الطيار (و الذي يأخد قراراته في الطيران في لا وقت أو في عشر الثانية) فلا مجال لاقتحام منطقة محصنة بالبالونات فهو إما مصطدم بالبالونة (الاصطدام بالبالونة تؤدي لاحتراق الطائرة لأن سطح الطائرة الملتهب يتعرض لغاز الأيدروجين شديد الاشتعال) أو مصطدم بالأسلاك ( تؤدي إلى شطر الطائرة إلى نصفين) أو مرتفع لأعلى و يتم كشفه بأجهزة الرادار أو الهبوط بالطائرة أو القفز من الطائرة، و في كل الأحوال هو محاصر.

أعطال البالونة: كما ذكرنا، البالونة عبارة عن طبقات من القماش و المطاط و اللينوه. يبلغ السمك الكلي لهذه الطبقات حوالي 1 مم (0.1 مم مطاط و 0.1 مم المنطقة الوسطى و 0.2 مم لينوه). في بعض الأحيان تكون طبقة المطاط غير مخدومة جيدا في المصنع مما تؤدي إلى تنفيس غاز الأيدروجين من البالونة.

 

 

 

يحافظ الأستيك على ضغط البالونة و في حالة قلة ضغط البالونة بسبب تسرب الغاز يعود الأستيك إلى وضعه الطبيعي فتثقل البالونة و تبدأ بالتأرجح في الجو و التأئر بالرياح. كان لدينا احتياطي قطع غيار تأتينا من المصنع لصيانة البالونة و في حالة مواجهة عطل التنفيس ذلك كنا نخيط طبقة قماش للبالون في مكان التنفيس بعد كشفه بالقياس. إذا لم تفلح الصيانة نقدم طلب صرف و إرجاع بالونة و يتم جلب بالونة أخرى سليمة.

كانت البالونات السليمة تخزن في مخزن الكتيبة و تكون الاسطوانات متوفرة في المواقع إذا لم تكفي الإسطوانات نقوم باستعواض الاسطوانات بشيء آخر كأوتاد الخشب. غاز الأيدروجين هو غاز مستديم و لذلك لا يتطلي تجديده بداخل البالونة كل فترة.

إن كان هناك فردا قوي الجثة فبإمكان هذا الشخص رفع و شد البالونة بالسحب اليدوي و لكنه يحتاج معه فردا آخر للإبقاء على مسك اليد و الضغط على السلك من الجهة المقابلة للاسطوانة لتوزيع الضغط على الاسطوانة.

أنا من ابتدعت فكرة استخدام توزيع ضغط الأسلاك باستخدام الإسطوانات بعد أن كانت البالونات ترفع فقط بوتد خشب. أتيت بهذه الفكرة من مكوك مكنة الخياطة التي كانت تعمل عليها والدتي لخيط ملابسنا و نحن أطفال حتى يتوزع الخيط بالتساوي على كلا الجانبين. نفس الشيء طبقته على البالونة باستخدام الاسطوانات و الأسلاك حتى تشكل حرف Y ، بهذه الطريقة لم يعد السلك يتكور "يكلكع" كما كان يحدث من قبل وقت استخدام وتد الخشب فقط (كان هناك فرد يمسك بالخشبة و قردان يقومان بشد السلك في اتجاهيم متقابلين.

قمنا نحن ال 23 برفع البالونات في مطار غرب القاهرة و قمنا بتوزيعها لحماية القاعدة في هيئة دائرة بحيث إذا وضعت بالونة في مكان على الدائرة لا نضع في مقابلها بالونة. في أحد الأيام حضر الشهيد عبد المنعم رياض (قبل استشهاده بحوالي 3 شهور)، و الذي كان مهتما للغاية بإقامة سلاح البالونات والإلحاح على سرعة إنشائها، و طيارين مصريين و طيارين روس لتجربة قاعدة البالونات الدفاعية التي بنيناها.

لم تتمكن طائرة واحدة من اقتحام دائرة البالونات و نجحت تجربة أول قاعد بالونات بنيناها.

كانت الحكمة من بناء قاعدة الدفاع بالبالونات بهذه الطريقة هو أنه فرضا إذا تمكن الطيار من الدخول بين بالونتين فيقيد بالأصطدام في البالونة المواجهة لهذا الفراغ من الجانب الآخر.

لم نتعامل مع الروس نهائيا بعد ذلك و لم يكن الامر يتطلب وجودهم معنا.

كان تشكيل سلاح البالونات عبارة عن كتائب و كل كتيبة مكونة من 3 – 5 سرايا (بحسب مساحة الموقع أو المنطقة المكلفين بحمايتها فبعض المناطق كبيرة تحتاج إلى وجود 5 سرايا في كل كتيبة). أذكر أننا أرسلنا كتيبة مكونة من 3 سرايا إلى أسيوط، و كتيبتين في أسوان كل بها 3 سرايا، و كتيبة إلى القناطر الخيرية و بها 3 سرايا، و بعض المناطق كانت تتطلب تغطيتها كتيبة بها سريتين فقط، و لهذا كان اسمها كتيبة البالونات. كان هناك فرع اسمه فرع البالونات و كان يرأسه ضابط برتبة مقدم (لا أتذكر اسمه و لكني أذكر أن له أخ ملازم أول كان زميلي في السلاح)، و هذا الفرع كانت أكبر قوة والمسيطرة على كل كتائب الدفاع في الجمهورية. أصغر تشكيل في سلاح البالونات هو "الطاقم" و هو الذي يقوم أفراده برفع البالونة، و يقود الطاقم "حكمدار الطاقم" عدد أفراد الطاقم من 6 – 8 أفراد كانت مهامهم تتوزع بين: قياس الضغط و شحن البالونة و إمداد الطاقم بالأيدروجين و الخدمة و الحماية (الحراسة و تأمين القاعدة و تأمين الأفراد إن كلفت برفع أو إنزال بالونة– و كانت خدمة مزدوجة –أي خروج فردين معا- لسرعة رفع / إنزال البالونة. كانت تأتينا التعليمات عن طريق التليفونات الموجودة في القواعد أو عن طريق إرسال أفراد تابعة للقوات الجوية. نقوم برفع البالونات في القواعد الجوية طالما لا يوجد طيران بها.

وقت حرب 1973، كان يوجد ما لا يقل عن 20-25 كتيبة بالونات لأننا كنا نتواجد في مطارات الجمهورية و الأماكن الحيوية. خدمت في كتائب البالونات التي أرسلت إلى قناطر أسيوط و قناطر إسنا و قناطر نجع حمادي و خزان أسوان و السد العالي و قناطر إدفو و رفعنا بالونات في وادي الزعفرانة و في منطقة في شرق بني سويف قمنا برفع بالونات حيث كان منفذ لدخول الطيران الإسرائيلي على مستوى منخفض في عملية ضرب كوبري إسنا.

 

 

 

مكاني الأساسي في الخدمة هو في الفرع الرئيسي بمركز التدريب في أنشاص و كان القائد اسمه القائد يسري السيد عبد العال. كنت من ضمن المدربين الذين يدربون الأفراد على سلاح البالوانت و نقوم بعد ذلك بالذهاب إلى أسيوط كجزء من برنامج تدريبهم. كانت أهداف التدريب كالآتي:

أولا: التدريب على مراعاة ضبط التساوي بين ضغط البالونة و ضغط الجو باستخدام البارومتر كما ذكرت.

ثانيا: كيفية التعامل مع غاز الأيدروجين شديد الاشتعال بالأخص مع المدخنين من المتدربين.

ثالثا: تدريب الجنود على كيفية رفع و إنزال البالونة و كيفية استخدام الونش في الرفع و التثبيت مع مراعاة قواعد السلامة في أثناء التعامل مع الونش (مثلا إذا ترك المسئول عن مسك الخطافة لم يكن أمين في مسكها و تركها لقوة شد البالونة فستؤدي إلى كسر يد زميله القابضة على يد الونش لشدة قوة الارتداد) و ضبط الأسلاك على الارتفاع المطلوب.

رابعا: كيفية اختيار الأوقات المناسبة لإمكانية أو تعذر رفع البالونة. كنا نستعين ب "كم الرياح" لتحديد شدة الرياح و اتجاهها حتى نتوقع اتجاه تحرك البالونة في حالة عدم تساوي الضغط بسبب تنفيس قد يصيب البالون في الجو فكلما قل ضغط البالونة الداخلي زادت احتمالية و درجة انحراف البالونة في الجو. كنا ندربهم أيضا كيفية ضبط تثبيت البالونة بحيث تكون عمودية فوق القاعدة و كيفية تجنبب الأسباب التي تؤدي إلى انحراف البالونة في الجو. لم يحدث معي من قبل أنه تتطلب منا إنزال أو تعذر رفع البالونة بسبب سوء الأحوال الجوية،

و مما سبق فأنا من وجهة نظري أن المتقدم إلى سلاح البالونات لا يفضل أن يكون مؤهله أقل من المتوسط حتى يستطيع إدراك التعامل مع الضغط و ضبطه و ما إلى ذلك من تعاملات تتطلب الدراية ببعض أساسيات الفيزياء و العلوم مثل إمكانيته من قراءة البارومتر لضبط الضغط و قياس معدل خروج الغاز.

في حالة إذا تم اكتشاف العدو البالونة قبل دخوله على الموقع بمسافة كافية و قام بضربها، سيكون الانفجار خارج نطاق القاعدة لأن دائرة البالونات تحمي القاعدة في إطار خارجي و فور الشعور بالضرب سيتم سرعة التعامل مع الهدف، و مهما رصد العدو مواقع قواعد البالونات بالأقمار الصناعية أو بالاستطلاع فليس بإمكانه فعل شيء سوى تجنب الطيران بالقرب من هذه القواعد.

كنا نتواصل مع الأهل و كان بإمكاننا أخذ إذن لمدة 24-48 ساعة فنحن كنا في القاعدة لا نتبع "نظام جبهة" و لكن منح الأجازات كان أيضا بضوابط و العملية ليست مفتوحة.

أكتوبر 1973:

قبل الحرب، كنا قد قمنا بتنفيذ عمليات في مركز أنشاص. يوم الحرب جاءتنا التعليمات بإنزال جميع البالونات في القاعدة إلى مرابضها (قاعدة غرب القاهرة) و بعد عملية الإنزال بحوالي ساعة وجدنا كم كبير من طائرات القوات الجوية تنطلق في الجو و انطلقت كل طائرات القاعدة من الدشم بعد مرور ساعة على إنزال جميع البالونات. تسألنا عن هذا فقد كان الأمر مريبا و ملحوظا وكان هذا الشيء الوحيد الذي شعرت به و شهدته قبل بدء الحرب في اليوم نفسه، فلم أشهد تصرفا فوق العادة خلال الأيام السابقة للحرب (ربما كان هناك ذلك بين القيادات العليا مع قادة قواعد البالونات و لكني لم أشهد ذلك و أذكر أن وقتها كان قائد قاعدة أنشاص الجوية القائد شفيق دميتري و الذي كان مشهورا بصعوبة التعامل معه لطبعه الحازم). كنا في غاية السعادة عندما علمنا ببدء الحرب و هناك بعضا من أفراد مجموعتنا طلب من القيادة إرساله للقتال في الجبهة و المشاركة في الحرب. كان كل منا يعرف أخبار الحرب بطريقته اجتهاديا فلم يكن يخبرنا أحد بما يحدث. كان تسليحنا في القاعدة البندقية و الرشاش الآلي و الطبنجات فقط.

 

 

ليلة الثغرة (16/10/1973):

مررنا بحدث مخزي في هذه الليلة. في هذه الليلة كان القمر ساطعا فوجدنا طائرة مرت فوق مطار أنشاص و انطلقت في اتجاه بلبيس. بعدها بلحظات وجدنا سحابة بيضاء كبيرة للغاية في السماء فظننا أن تلك الطائرة قامت بتنفيذ هجوم ما (كنا نستطيع رؤية ذلك بالعين المجردة فالقمر كان ساطعا في تلك الليلة)، و عند عودة الطائرة من نفس الطريق و جدنا كل من حولنا من أفراد القاعدة و خارج أفراد القاعدة التابعين لمركز القوات الجوية –و أنا من ضمنهم- قمنا إطلاق النار على الطائرة. اتضح أنها كانت طائرة مصرية و غضب طاقمها لجهلهم بسبب ضربنا لهم، فقد أطلق النار عليها سرايا الحراسة و سرايا الخدمات و كل من كان متواجد بالقرب من القاعدة من الدفاع الجوي..

بعد الثغرة:

بعد حدوث الثغرة، حدث شيء مؤسف آخر. وصلتنا إشارة باحتمالية وجود إبرار للقوات من صحراء بلبيس متجهة إلى أنشاص، فكل الضباط و الملازمين وحتى المعلمين الغير مكلفين بالخدمات (أنا منهم) كلفنا بخدمات. بعدها وجدنا سرايا الحراسة المتواجدين بعد طريق ال Runway ينادون "حرس سلاح" ثم رجال المطافئ بجوارنا نادوا "حرس سلاح" و اضطررت أنا أيضا بنداء "حرس سلاح" و تبعهم بنفس النداء ضباط الطيران حتى أصبحت القاعدة كلها تنادي "حرس سلاح". اتجه كل منا إلى حفرته البرميلية و وجدنا من أماكننا بعض الأشياء قادمة زاحفة في البرد و الهواء و لكننا لانرى و لانعرف ماهية تلك الأشياء، قام معظمنا بضرب النار في اتجاهها بينما بعض الضباط أمروا بعضهم البعض بعدم إطلاق النار و قام بعض الضباط بإطلاق الرشاش الآلي باتجاه تلك الأشياء حتى يتم التعرف على حقيقة تلك الأشياء الزاحفة. كانت تلك الأشياء ما هي إلا شوك العجول الصحراوي الكبير و كان هناك حوالي من 300-400 كرة شوك زاحفة باتجاه القاعدة. لم يكن التنسيق في القاعدة كيما مستوى تنسيق القوات المرابضة على الجبهة، و كانت ليلة من الليالي.

معركة المنصورة (53 دقيقة):

بعد المعركة روى لنا زملائنا الطيارين بالقاعدة و الذين شاركوا في معركة المنصورة بما حدث في المعركة و دور سلاح البالونات فيها و أهميتها. لم أشارك بهذه المعركة لأني كنت أخدم في الفرع الرئيسي. كان كل من يعود إلى القاعدة من الطيارين يخبروننا أنه كان من الشرف لهم المشاركة في تلك المعركة.

بعد حرب 1973:

انتهت الحرب و أنا تركت الخدمة العسكرية يوم 1/5/1974 ، فقد كنت من ضمن الدقعة الثانية و التي كانت تسمى "دفعة صلاح"، أما الدفعة الأولى "دفعة عبوب" فخرجت من الخدمة في يوم 1/3/1974، و لم يتم استداعئنا في الجيش بعد ذلك.

أتذكر من زملائي مجند محمد عبد الله علي إبراهيم و كان مساعد صيدلي، و لاأزال أتواصل معه حتى الآن.

بحثت كثيرا عن زملائي الآخرين في سلاح البالونات و لكني لم أجد ايا منهم حتى الآن.

 

قام بالتسجيل: أستاذ حسن الحلو، مصطفى طولان، أحمد فتحي، أمنية آدم – أعضاء المجموعة 73 مؤرخين.

قام بالتفريغ: آلاء عبد اللطيف – عضو مجموعة 73 مؤرخين.

 

 

 

 

 

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech