Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

العقيد / سامح محمد علي طمان استطلاع الفرقة الرابعة المدرعة

 

الكتيبة 08 استطلاع - الفرقة الرابعة مدرعة

مجموعة تعبوية خلف خطوط العدو

ولدت في 1950/4/23 م بطنطا ، ثالث خمسة من الإخوة والأخوات أكبرهم طبيب ، تليه أختي الثانية ، وحاصلة علي دكتوراه في الفنون التطبيقية ، ورابعنا بعدي ، أخي المحاسب ، ثم أختي ، ثم أختنا الخامسة حاصلة على بكالوريوس الآداب ، وتعمل كمعلمة لغة فرنسية ، بحمد الله .

 

  • عدوان 1956م :

أذكر وقت العدوان الثلاثي، وكنت حينها في السادسة من عمري أننا قمنا - كجميع المواطنين في ذلك الوقت - بطلاء زجاج النوافذ باللون الأزرق ، والبعض من الجيران قام بلصق الورق الملون عليه وذلك لتعتيمه ، وفقاً لتعليمات الدفاع المدني ، حتي لا تظهر المناطق السكنية مضيئة ليلاً للطائرات المعادية ، إذا قامت بغارة لا قدّر الله .

وظهرت في الشوارع الرئيسية في طنطا - كشارع البحر - ملاجئ مدفونة ، قد تم الحفر لها بسرعة وبناؤها من حوائط الطوب السميكة ، وأسقف الخرسانة المسلحة ليحتمي فيها الناس إذا حدثت غارات لا قدّر الله ، وهم في الطريق . كما تم في ذات الوقت بناء حوائط سميكة أيضاً من الطوب ومونة الأسمنت ، أمام مدخل كل مبنى أو عمـارة ، حتي إذا ما انفجرت قنبلة أمام المدخل ، لم يتضرر الناس المتجمعون في بهو الدور الأرضي من الموجة الانفجارية لها . ولكن الله سلم ، ولم تتعرض طنطا لأيٍ من ذلك بحمد الله .

   كما تم وقتها تركيب صافرات إنذار من الغارات ، فوق مبنى المدرسة الأمريكية المجاور لمنزلنا . وكان صوتها قوياً للغاية ، تهتز له حوائط وقطع الأثاث في العمائر المحيطة بالمدرسة ، وكان مخيفاً لنا كأطفال ، تكاد تنخلع لذبذباته قلوبنا إذا انطلق .

وكنت علي الرغم من صغر سني ، مستوعباً بوضوح أننا في حالة حرب ، نظرا لطبيعة أسرتنا المثقفة . فقد كان أبي - رحمه الله - يمتلك مكتبة كبيرة في منزلنا ، ومهتماً بالسياسة ، مواظباً على قراءة مقالات الصحفي الشهير "حسنين هيكل" كل جـمعة في جـريدة الأهـرام . ويتابع نشرات الأخبار من الراديو "المذياع" باستمرار فنشأت وسط أسرتي في ذلك الجو ، وتشكل عندي نوع من الوعي الثقافي ، والاجتماعي ، مبكراً منذ طفولتي .

   وأذكر أنني كنت متفوقاً ، ومن الأوائل باستمرار في دراستي فأحرزت المركز الأول علي مدرسة مصطفي كامل الابتدائية بمجموع 89% ، والمركز الأول على المدرسة الإعدادية كذلك بمجموع 86% .

كما كنت عضواً في الكشافة بالمرحلة الإعـدادية ، وفي الجوالة وفي نظام الفتوة أيضاً - الذي كان إجبارياً وقتها - بالمرحلة الثانوية . وكنا نرتدي لذلك زياً موحداً شبه عسكري ، مكوّناً من قميص رمادي اللون ، و بنطال كُحلي ( أزرق داكن ) ، وبيادة ( حذاء عسكري) باللون الأسود . وكان المسؤول عن نظام الفتوة في المدرسة - ويُطلق عليه قائد المدرسة - ضابط صف من القوات المسلحة .

   وبدأت ميولي العسـكرية في الظهور وقتها ، فكنت أذهب كل فترة لسوق "العدس" بطنطا ، المشهور ببيع المهمات العسكرية المستعملة وكماليات الزي العسكري ، لأشتري بيادات طويلة الرقبة مثل المخصصة للجيش ، بدلاً من النصف رقبة المسلمة لنا في المدرسة . وبسبب حسن هندامي وهيئتي في الزي العسكري ، كنت مختاراً باستمرار ضمن طاقم حرس الشرف للمدرسة ، المكلفين بتحية العلم وحفظ النظام في الفسحة ، والاصطفاف في المناسبات لاستقبال الضيوف والزوار .

وأنشأت الدولة في ذلك الوقت ، تنظيماً شعبياً وسياسياً مشهوراً ومخصصاً للشباب ، هو "منظمة الشباب العربية" ، الشقيقة الصغرى لـتنظيم آخر أكبر منها ، هو "الاتحاد الاشتراكي العربي" .

وكان الاتحاد الاشتراكي مخصصاً لاستيعاب وتأهيل المواطنين الراغبين في ممارسة الحياة السياسية . أما "المنظمة" ، فـكانت مخصصة للفئة الشبابية الأقل سناً ، مثل طلبة المدارس الثانوية والجامعات ، وشباب العمال والفلاحين ، وغيرهم .

ولكن السمعة التي ذاعت بين الناس ، لكل من الاتحاد والمنظمة أنّ من يلتحق بأيٍ منهما ، هو في الغالب شخص انتهازي أو وصولي يسعي للتقرب من السلطة ، للتربح ، وتحصيل مكاسـب شـخصية فحذرني والدي من الانضمام لأي منهما ، وأطعته راضياً .

وأذكر ، أن أحد زملائي في المرحلة الثـانوية ، انضم لمنـظـمة الشباب ، فتغيرت ملابسه تلقائياً لمسـتوي أعـلي ، بعد أن كان مماثلاً لنا في ملابسه وهيئته ، وأصبح ذا كلمة مسموعة في المدرسة ، بل وحتي عند حضرة الناظر شخصياً .

وكان شباب جيلنا يرون في جمال عبدالناصر - رحمه الله - زعيماً قوياً ، ذا كاريزما طاغية . وكنا مؤمنين بمبادئه وأفكاره ، ونجلس بجوار المذياع أو التلفاز ، مستمعين لخطبه كالتماثيل بلا حركة أو صوت بل وحتي الأطفال ، كانوا يجلسـون حولنا مسـتمعين لأحاديثه دون همس أو حركة .

وكنت أنا أحبه كثيرا كعموم الشعب ، لما أيقظه فينا من شعور بقيمتنا الحقيقية كمصريين وعرب ، ولما بثه فينا من الأمل بأن مستقبلاً واعداً وزاهراً ينتظرنا . وكنا نرى أنه يسير بنا في الطريق الصحيح وأنه قام بإصلاحات جذرية ، وشاملة ، ومؤثرة في البلد .

وكان ساسة أمريكا ، وانجلترا ، وإسرائيل يهابونه ، ويخشون أن يتحول إلى "مـحمد علي" جديد ، فيبني امبراطورية كبيرة ، ويتوسع لحدود أكبر ، في ظل تركيزه ، على فكرة الانتماء الأوسع والأشمل لما أطلق عليه "القومية العربية" ، كقيمة جامعة لشعوب المنطقة بالكامل . كما زرع في نفوسنا ، أننا دولة قوية لا يستطيع أحد في العالم أن يهزمها . وكانت الأغاني والأناشيد الوطنية تساهم في ترسيخ تلك الأفـكار في عـقولنا وضمائرنا ، وتزيدنا حماسـاً لها وإيماناً بها .

وأذكر من شدة تأثير ذلك علينا ، أنني شعرت يوما أثناء طابور الصباح - في الصف الثاني الثانوي - بإرهاق شديد جداً ، لدرجة أنني وقعت على الأرض . فساعدني الضابط قائد المدرسة علي النهوض ، وأرسـل معي واحداً من زملائي ، ليوصلني إلى الفصل ثم يعود للطابور . وعندما جاء وقت تحية العلم ، ورغم كوني وحيداً في الفصل لا يراني أحد ، ومريضاً لا أستطيع النهوض تقريباً ، إلا أنني تحاملت عـلى نفـسي ، ووقفت وحدي في الفصل لتحـية العلم وكان هذا شعور جيلي بأكمله وقتئذ .

  • نكسة 1967 م :

كنت آنذاك في المرحلة الثانوية ، وكنا نري أننا دولة قوية لا تُهزم وأننا سندخل فلسطين المحتلة ونحررها ، ودعت الدولة وقتها المواطنين القادرين على حمل السلاح للتطوع في صفوف المقاومة الشعبية ، فاشتركت فيها أنا وزميلي "سيف" ، وتلقينا من خلالها تدريباً راقياً جداً بالنسبة لمتطوعين ، وكان معلمونا يُنزلوننا في ترعة شهيرة بطنطا ، تسمي ترعة "القاصد" ، ليعلمونا السباحة . ورغم علمنا باحتمال إصابتنا بالبلهارسـيا خلال التمرين ، إلا أننا كنا في قمة الحماس، وغير خائفين من ذلك .

ودربنا معلمونا في البداية على استعمال القنابل الدفاعية ، ثم الهجومية البسيطة ، كما تدربنا علي الرماية ، أكثر من خـمس مرات عملياً في ميدان الرماية .

ثم أقاموا محطة إذاعة محلية ، عبارة عن خيمة كبيرة في شارع البحر ، مثبّتٍ أعلاها ميكرفونات (مكبرات صوت) يذيعون منها الأخبار ، والأناشيد ، والأغاني الوطنية ، لبث الحماسة في صفوف الشعب . وطلبوا منا متطوعين للعمل فيها ، فتقدمت لذلك ، وتم قبولي لموهبتي في الإلـقاء . وأصبحت أشارك في التدريب نهاراً كالمعـتاد ، وأنضم لفريق الإذاعة مساءً .

ولم نكن نشك أبدا في أننا سننتصر ، وندخل تل أبيب ، ولكن فوجئنا بالنكسة ، ثم خطاب التنحّي من عبدالناصر . وكنت محباً للرسم ، فلم أشعر بنفسي يومها ، إلا وأنا آخذ ألواني وأنزل من البيت ، لأكتب بالفرشاة علي جدران العمارة التي أسكنها من الخارج ، عبارات مثل "سنحارب" و "نحن وراءك يا جمال" . ثم سرت على قدمي في الشارع إلى المدرسة الأمريكية ، لأكتب علي جدرانها نفس العبارات فقابلني مخبرون (أفراد الشرطة السرية ) كانوا متواجدين في الشـارع وظنـوا أنني سأكتب عبارات ضد جمال ، فأمسـكوا بي ، ولكنهم اطمأنوا عندما رأوا ما كتبته على جدران بيتنا القريب ، فشجعوني ودعوا لي بخير .

وكان لوقع النكسة في نفوسنا مرارةً وألماً لا يوصف ، وشعرت أنني قد وقعت من سابع سماء لسابع أرض ، وكان ذلك شعوراً عاماً في البلد وقتها ، وساد الإحباط في كل مكان . لكننا لم نفـقـد إيماننا مع ذلك ، ولا ثقتنا بعبدالناصر ، وكنا متأكدين أننا سنعبر تلك المحنة معاً ، وخرج الشعب كله بلا تردد إلى الميادين الكبرى في محافظات مصر ، معلناً تأييده بقوة ، لإقالة العثرة ، واستكمال المسيرة .

  • ·الكلية الحربية :

لمّا كنت محباً ومُجيداً للرسم كما أسلفت ، فقد كنت أتمني الالتحاق بكلية الفنون الجميلة . ولكن والدي رحمه الله ، كان يريد أن أصبح طبيبا مثل أخي الأكبر . وكنت رافضاً تماماً تلك الفكرة ، وذلك لأني كنت قد زرت أخي ، في كـلية طب طنطا ، وأنا في الإعدادية وقدّر الله أن أخي كان ساعتها في محاضرة التشريح العملي بمشرحة الكلية فاشمأزت نفسي مما رأيت فيها ، ولم يعجبني ذلك مطلقاً ، وبقي تأثير تلك الزيارة عالقا في ذهني ، ودافعاً لي أن أصارح والدي تالياً أنني لا أستطيع التوجه لكلية الطب ، وسأتوجه لكلية الفنون الجميلة عوضاً عن ذلك .

ولكن بحصول النكسة ، تغيرت توجهات جيلنا بأكمله ، وأصبح الانضمام للجيش هو الأولوية ، والرغبة الأكيدة لدينا جميعا لاسترجاع الأرض واستعادة الكرامة ، ووافق والدي رحمه الله .

وشخصياً ، كنت أري أن جيشنا قد ظُلم ، لمًا سافر للحرب في اليمن عام 1963م ، للتصدي لمكائد الصهيونية العالمية هناك ، وتأمين الملاحة في باب المندب . ثم عاد منهكاً بعد استنزافه لسنوات طويلة هناك في حرب عصابات ، لا تقوي عليها جيوش أكبر الدول .

لأن الجيوش النظامية لا تستطيع القتال بكفاءة عالية ضد عصابات شبحية تذوب وسط المدنيين ، وتختبئ بين أحراش الغابات ، وتضاريس الجبال ، ولا تظهر لغريمها في المواجهة .

وأكبر مثال على ذلك ، ما تعرضت له أمريكا ذاتها من خسائر فادحة عندما احتلت فيتنام ، بسبب ذلك النوع من الحروب . ووصل الحال بعصابات الفيتناميين وقتها ، أنهم دربوا النحل علي قتل أفراد الجيش الأمريكي ، بعدما لاحظوا أن الأمريكيين يمضغون لباناً له رائحة نعناع مميزة أثناء سـيرهم في الدوريـات ، لتقليل إحساسهم بالعطش فأحضروا رائحة النعناع هذه ، وأذابوها في محلول الماء والسكر وحبسـوا النحل في غرف لا يوجد فيها طعام سـوي ذلك المحـلول . وكانوا يقومون بتجويع النحل ثلاثة أيام ، ثم يضعونه وهو جائع في كراتين ( صناديق من الورق المقوى ) ، وكل فرد من هذه العصابات يأخذ واحدة من الكراتين ، ويختفي بها فوق شجرة من الأشجار على طريق مرور الدوريات ، فإذا مرت دورية من عنده ، فتح الكرتونة فينطلق النحل الجائع بسرعة رهيبة باحثاً عن طعامه ، تجاه الرائحة المنبعثة من أفواه الأمريكيين ، فيتفرقون في هلع فارين من هجوم أسراب النحل عليهم ، فيهبط أفراد عصابات الفيتناميين من مكامنهم في الشجر ليتصيدوهم ويذبحوهم . ويعلمنا التاريخ بذلك أنه مهما كان الجيش النظامي قوياً ومجهزاً ، فإنه لا يستطيع تحقيق نجاحات كبيرة في حروب العصابات . ولا ننسى أن الاتحاد السوفييتي تكبد هو الآخر خسائر فادحة سابقاً ، خلال مواجهته لحروب العصابات في أفغانستان ، والشيشان أيضاً .

   وكان مما سـاعد علي تقوية ارتباطي نفسياً بالجيش ، معرفتي بأحـد الضباط من أقـارب والدي رحمهما الله ، وكان صديقاً لأخي الأكبر في نفس الوقت ، وكان اسمه أنور ، وكنت أعتبره مثلاً أعـلى لي . وكان أخوه الأكبر ضابطاً في الجيش أيضاً ، وكان أنور دائما ما يحـكي لي عن الحياة العسكرية ، ويشـجعني علي الانخراط فيها وقد استشهد رحمه الله في حرب الاستنزاف ، ثم استشهد أخوه رحمه الله أيضاً بعد ذلك في حرب أكتوبر .

   وكان عدد الدفعة الواحدة من الكلية الحربية قبل النكسة ، يتراوح بين 200 و 300 فرد . ولكن حين تقدمت أنا في سنة 1969 م ونظراً للرغبة في سرعة تعويض الخسائر ، والتجهيز للحرب القادمة ، وظروف حرب الاستزاف ، فقد زاد العدد ليصبح بين 1000 و 1200 فرد .

وكان اللواء / محمود زكي عبداللطيف رحمه الله ، هو رئيس لجنة كشف الهيئة ( المقابلة الشخصية ) للطلبة المرشحين للقبول بالكلية في تلك السنة ، وواصل العمل يومياً في المقابلات ، هو ومجموعته حتى العاشرة مساء ، ليستطيعوا الانتهاء من ذلك العدد .

ولم يكن الانتقال من الحياة المدنية إلى الحياة العسكرية صعباً بالنسبة لي على الإطلاق ، نظراً لأحاديث أنور السابقة معي ، وما عرفته منها عن الحياة بالجيش ، وطرق التعامل مع الطلاب الجدد بالكلية .

وكان حدثني رحمه الله عن أول يوم للطلبة الجدد في الكلية وكيف أن الطلبة القدامي - من شـاويش وعـريف - يتحكمون في المستجدين من زملائهم ويسخرون منهم فكان الشـاويش من هؤلاء يمشي إلى الواحد أو المجموعة من الطلبة الجدد ، وخلفه العريف ممسكاً بالورقة والقلم ، ويقول لهم : "عندنا اليوم على الغداء في قائمة الطعام ، بط ، وفراخ ( دجاج ) ، وحمام" ، ويطلب من كل طالب اختيار الطبق الذي يفضله . وكان الطلبة الجدد لا يعرفون شيئا ، فيجيب كل واحد منهم بسذاجة ، محدداً الصنف الذي يحبه ويرغب في تناوله ، ويضحك القدامى عليهم . ولكني كنت مستعداً لذلك ، فلما سـألني أحد القـدامى ذلك السؤال المعهود ، أجبته قائلاً : آكل "يَمَك" ، وهي كلمة أصلها تركي ، كانت دارجة في الجيش من أيام الوجود العثماني بمصر ، وتعني "الطعام" عموماً ، فكنت كلما أجبت بهذه الكلمة على أحدهم ، يعرف أنّ لدي خلفية سـابقة ، ويقول لي عبارة مشـهورة هي : "إنت طالب نمرة!" ، ويتركني متجهاً هو وعريفه إلى طالب أو طلبة آخرين ، ليكررا معهم المشهد .

   وأتذكر أن المعاملة داخل الكلية ، كانت قاسية ، والتدريبات شاقة ولكني كنت أقابل ذلك دائما بابتسامة ، فيأمرني الشاويش بالكف عن الابتسام فأبتسم أكثر فيعاقبني بزيادة مرات التمرين ولكنه يكتشف أنه لا فائدة من بذلك ، فيتركونني وشأني مع ابتسامتي .

وأسجل في ذات السياق ، أن فترة تطوعي بالمقاومة الشعبية سابقاً في طنطا ، قد عودتني هي الأخرى على مشقة التدريب ، فلم أكن أشــعر بأي معاناة في الكلية طوال فترة الدراسة بحمد الله .

   وكانت حرب الاستنزاف عند دخولي الكلية في أوجها ، ورغم أنها كانت مثمرة لنا ومؤلمة جدا للصهاينة ، إلا أن قواعد الصواريخ التي كان يجري بناؤها على الجبهة لإنشاء حائط دفاعنا الجوي وكذا دشـم الطائرات ، كانت تتعرض للضرب من العدو أثناء العمل فيها .

فوافق عبدالناصر على عرض أمريكي بوقـف إطلاق النار فيما عُرف بـ "مبادرة روجرز" - على اسم وزير خارجيتهم وقتها حتي تستطيع مصر إكمال بناء قواعد الصواريخ ودشـم الطائرات أثناء الهدنة وإدخالها الخدمة .

   وفي ظل تمكن طيران العدو - بسبب عدم اكتمال حائط دفاعنا الجوي - من الإغارة على أهداف مدنية في العمق ، فقد كنا أول دفعة من طلبة ومعلمي الكلية الحربية ، تسـافر إلى السـودان حفاظا علينا من أي غارة محتملة .

فبعد شهر من دخولنا الكلية ، وقبل انتهاء فترة التدريب التمهيدي للمستجدين ، نقلونا بعيداً عن مقر الكلية القديم في كوبري القبة ، إلى منطقة تُسمى "العِزَب" ، قد تم تجهيزها بميادين مفتوحة لضرب النار . حيث قمنا بنصب خيام صغيرة مموهة ، بواقع واحدة لكل أربعة من الطلبة . وقام كل طالب من الأربعة ، بعمل حفرة برميلية بعمق متر ونصف ، في ضلع من أضلاع الخيمة ، على أساس أن ننزل في تلك الحفر إذا حصلت غارة لا قدر الله . ولم نتلق وقتها أي تدريبات أخرى خلاف ذلك .

إلى أن جاءت ليلة يوم من أيام الاثنين ، أثناء فترة المستجدين ، قام فيها معلمونا بجمعنا في أرض الطابور ، في تمام الساعة الثانية صباحا ، وقالوا لنا : "كل واحد يذهب لعنبره ( قاعة النوم ) ويرتب دولابه ( خزانة ملابسه ) ، ويرتدي لبس الفسحة ( زي شبه عسكري مخصص للنزهة والمناسبات ) ، عشان ها تنزلوا أجازة" .

ولما كان موعد الإجازة لا يزال باقياً عليه عشرة أيام ، فقد غمرتنا الفرحة جميعاً بسبب تقديم الموعد ، كما كان المفترض أن مدة الإجازة يومين فقط - خميس وجمعة - ولكنهم أعطونا بدلاً من ذلك إجازة مطولة من الاثنين للجمعة ، فنفذنا التعليمات بسعادة غامرة .

وحين عدنا للكلية في مساء الجمعة التالية ، جمعـونا مرة أخرى وأمرونا بالذهاب لشعبة الإمداد والتموين ، حيث تسلم كلٌ منا مِخلَة ( حقيبة على شكل كيس كبير من القماش السميك ) ، فيها شمسـيّة شخصية ( مظلة ) ، وملاءات للفراش ، وناموسية (ستارة خفـيفة تُعلَّق فوق الفراش لحجز البعوض ) ، وصنادل ( نِعال خفيفة شبكية ) من البلاستيك وطـواقي ( قلنسوات ) مثل التي يسـتعملها المزارعون في الريف ، وقمصان إفرنجية خفيفة ، وشـورتات ( بناطيل قصيرة ) .

كما اسـتلم كل منّا بندقية من السلاحليك ( مخـزن السـلاح ) ، ثم أركبونا في لواري ( شاحنات ) ، تحركت دون أن ندري إلى أين تتجه بنا ، حتى وجدنا أنفسنا في مطار القاهرة .

وفي المطار ، قمنا بالتوقيع في ( قوائم ) مجهزة سلفاً بأسمائنا ، وكل من يُوقِّع ، يتسلم جواز سفر مجهز له سلفاً أيضاً ، ومختوماً بختم المغادرة ، ثم يتجه إلى طائرة ركاب مدنية من طراز بوينج 707 رابضة على أرض المطار . وكانت طائرة جديدة ، وكنا أول من استعملها بعد وصولها من بلد الصنع ، وسافرت بنا إلي السودان .

وعند وصولنا إلى مطار الخرطوم ، أخذونا إلى مكان يُسمَّي جبل الأولياء ، وصلناه في حوالي العاشرة مساء ، ووجدنا هنالك مزرعة تابعة لوزارة الري المصرية ، يعمل بها طائفة من المهندسين ، وعمال الري ، والمزارعين المصريين ، تم إخلاؤهـم ، وتسـكيننا محـلهم في المزرعة .

   وعرفـنا من مشرفي الرحلة أن المباني الموجـودة في المزرعة ليست لنا ، ولكنها مخصصة لإقامة الضباط ، وصف الضباط . وأننا سنقـيم في خـيام ننصبها في الصباح ، وكنا وقتها 500 طالب تقريبا واستمرينا بعد نصب خيام كافية لنا ، في نصب المـزيد منها لمن سيأتون تالياً من زملائنا ، ووصلوا فعلاً بعدنا بعشرة أيام تقريباً .

   وكان طابورالغداء في جبل الأولياء ، أن يقف كل منا عند الخيمة ممسكاً بطبقه ، ليتلقى فيه ملء مغرفة من الأرز ، ومغرفة من الباذنجان الأسود المطبوخ بشكل معين ، معروف عند العسكريين بـ "الطبخة السودا" . أما الإفطار والعشاء فكان يُصرف لكل منا رغيف خبز ، وقطعة من الجبن الأبيض ، وقطعة من الحلاوة الطحينية .

ولم تكن هنالك مبانٍ للدراسة ، فكنا ندرس تحت الشجر ، ونحن جلوس علي دكك ( مقاعد خشبية طويلة ) في الشارع الرئيسي بجبل الأولياء ، وكل معلم يشرح لطلبته المناهج بالطباشير علي سبورة معلقة في جذع واحدة من الأشجار هناك .

وكنا نبدأ يومنا في الخامسة صباحاً ، ونتوقف عند الثانية عشر ظهرا بسبب الحر الشديد . ولم تكن لدينا مراوح ، وكانت دورات المياه عبارة عن أكشاك بدائية من الخشب ، ولكل منها باب بدائي من الصاج ( رقائق الحديد ) ، ارتفاعه من القدم للركبة لا أكثر ، ومعلق في كل منها دش للاستحمام . وكان المرحاض عبارة عن لوح من الخشب ، به فتحة تم كسرها في منتصفه ، ومطروح على الأرض فوق جردل ( دلو ) معدني مدفون إلى حافته ، بحيث تكون فتحة اللوح فوق فراغ الجردل

وعشنا في هذا الجو عاماً كاملاً ، لم نستطع خلاله إجراء أي اتصالات من أي نوع بأسرنا ، إلي أن سافرنا عائدين للقاهرة في سبتمبر 1970م ، وبدأنا استكمال الدراسة في مقر الكلية الجديد آنذاك في مصر الجديدة .

   وقد اكتشفنا خلال فترة دراستنا في السودان ، أن بعض معلمينا لم يكونوا مؤهـلين للتدريس بشكـل كامل ، وإنما تم تعيينهم بالواسـطة - سعياً وراء الامتيازات المادية من التدريس - وأن بعضهم لم يتلق التدريب العملي الكافي أصلاً ، فليس هو شخصياً مؤهلاً للحرب وكانوا في بعض الأحيان يحكون لنا قصصاً نراها وهمية عن بطولات قاموا بها ، ولم نكن نصدقها لسذاجة ولا معقولية أحداثها .

وقد عملت أثناء خدمتي بعد ذلك ، علي تفادي الأخطاء التي رأيتها منهم مع جنودي ، واهتممت بتدريبهم تدريباً جيداً ليلاً ونهارا .

وكان كل ضـابط منا يأخذ من وقت راحته وراحة جنوده ، ليدربهم تدريباً إضافياً بعيداً عن الباقين ، ليرفع من مستواهم ، وكان هناك تنافـس كبيـر بيننا في ذلك ، علي عكس مدرسينا في الكلية .

وإحقاقاً للحق فلم يكن كل المدرسين سيئين بل كان هناك أساتذة علي مستوي عال أذكر منهم : اللواء / عادل وفيق من سلاح الاستطلاع - ومازلت علي اتصال به حتي الآن - وكان واحداً من الضباط المحترمين ، وعلمني كيف أكون ضابطاً جيداً .

كما تأثرت كثيراً باللواء / عادل الوكيل ، وكان مثلاً أعلي لطلبة الكلية بأكملها ، وليس للاسـتطلاع فقط . وكذلك اللواء / محمد العـراقي واللواء / شكري ، رحمهم الله أحياء وأمواتاً .

وعلي عكس هؤلاء الأساتذة العظام ، أتذكر ضابطاً كان حديث التخرج ، تسبب في خطأ جـسيم قبل الحرب ، ولم يحاسَب عليه وكان متواجداً معنا في اللواء الثاني بالفرقة الرابعة ، وتخرج في الدفعة 62 بعدي بدفعتين ، قبل الحرب مباشرة ، فلم تشترك دفعته في الحرب لعدم تلقيها التدريب الميداني الكافي ، وكان مكانهم بالمنطقة الإدارية في آخر الكتيبة ، ضمن شعبة الإمداد والتموين . وهنالك وجد أحد جنود ذلك الضابط إحدى قنابل البلي في الموقع وهي قنابل ذات حساسات تنفجر عند لمسها ، فتنطلق منها عشرات الكرات المعدنية والشظايا الصغيرة ، فقام بتسليمها لذلك الضابط عديم الخبرة ، وكان حول ذلك الضابط لحظتها خمسة من الجنود فأخذ يلقي القنبلة كالكرة لكل واحد منهم مرة بعد أخرى ليتلقفوها بأيديهم . ولم يلمس أي منهم الحساسات في أول مرتين ، ولكن في الثالثة لمسها أحدهم ، فانفجرت في وجهه ، وأصابت شظاياها باقي المجموعة ، بما فيهم ذلك الضابط نفسه ولكن نظرا لظروف الحرب ، ورأفةً من قائد الكتيبة بالمذكور أنه ما يزال صغيرا ، وفي بداية حياته العسـكرية ، وأنه لو حوكم سينتهي مستقبله ، لم يتخذ الإجراء اللازم نظاماً تجاهه .

وبمرور الوقت تم نسيان الحادث ، ونقل المذكور لوحدة عسكرية أخري . ثم أصبح فيما بعد عضواً في مجلس الشعب ، ويظهر في الفضائيات باسـتمرار مهاجماً الجـيش ، ومدّعياً أنه من مصابي الحرب ، وأنه لم ينل حقه من التكريم . مع أنه في الحقيقة مسـتحق للمحاكمة والعقوبة بالسـجن عشـر سـنوات علي الأقل ، لإهماله الذي نتج عنه إتلاف وجه أحد جنوده ، وإصابة نفسه وثلاثة آخرين معه .

   وأعود للحياة في الكلية ، حيث كانت الدراسة مقسمة لأربعة مراحل ، أولها مرحلة تعليم أساسي ، ثم التعليم الإعدادي ، وتكون الدراسة في المرحلتين عامة للجميع ، ثم نتخصص في المرحلتين : المتوسـطة والنهـائية . وكنت قد عزمت منذ السنة الإعدادية في السودان ، أن أتخصص في الاستطلاع ، نظراً لكلام الشهيد أنور رحمه الله ، أنه سلاح جديد في الجيش ، وأنه يتضمن قدراً كبيراً من المغامرة ، التي أملك حباً كبيراً نحوها .

كما أن المعتاد في الجيش أن كل ضابط يتلقي الأوامر باستمرار من القائد الأعلي منه بينما ضابط الاسـتطلاع خصوصاً ، يصبح حـراً ، وصاحب القرار لنفـسه بمجـرد أن يتم تكليفه بالمهمة وانطلاقه لتنفيذها ، حتى يعود لوحدته مرة أخرى ، وكان ذلك يناسبني شخصياً .

وكان أقصي عدد يتم توجيهه عادة لفرع الاستطلاع في الكلية ، هو عشرين طالباً من الألف ومائتين . وكان الطالب الذي ينجح أثناء السنة الإعدادية في الرياضيات ، يتم توجيهه تلقائياً لسلاح الدفاع الجوي ، والذي كان سلاحاً جديداً أيضاً ، يجري إنشاؤه وقتها ويحتاج لمزيد من الضباط .

ورغم أنني كنت من أوائل الكلية ، إلا أنني تعمدت ترك ورقة الرياضيات فارغة تماماً ، لئلا يكون هناك أي احتمال في توجيهي بعيداً عن رغبتي في الاستطلاع . لأني بالإضافة لما شـرحته سابقاً لم أكن أريد أن أحارب العدو من داخل كابينة (غرفة صغيرة ) مغلقة أمام شاشة رادار ، وإنما كنت أريد أن أقاتل العدو بالمواجهة من قريب ، وهو ما يحققه لي العمل في سلاح الاستطلاع فاجتهدت وتدربت كثيرا ، واهتممت بتمارين اللياقة البدنية ، كونها ضمن العناصر المطلوبة للمهام خلف خطوط العدو ، وحصلت علي درجاتها النهائية ، وكذلك في سائر المواد المؤهلة للالتحاق بسلاح الاستطلاع ، كالطبوغرافيا ، واللغة العبرية تحدّثاً وكتابة ، فأحرزت المركز الثالث في الترتيب العام على الدفعة بحمد الله .

   وتعلمنا بشكل أساسي في الاستطلاع ، كيف نجمع المعلومات عن العدو ، وكانت مخابراتنا الحربية تمدنا بصور وبيانات ما يصل إلى العدو من الأسلحة الحديثة أولاً بأول . فدرسـنا جـميع القطع البحرية والدبابات ، والطائرات المتوفرة لديهم ، بأسمائها ، وتسليحها ، وكذا كافة أنواع الأسلحة والمعدات لديهم . كما درسنا اللغة العبرية ، حتي إذا ما حدثت ظروف تضطر الضابط للحديث مع العدو ، خلف خطوطه ، استطاع التخاطب معهم بطلاقة فلا يشكون فيه .

وقد حصل أنهم قابلوا بعض زملائنا خلف الخطوط في الحرب ممن لا يجيدون العبرية ، واكتشفوا أنهم مصريون بسبب ضعف اللغة مع الأسف ، فكان التأهيل الجيد لنا في الكلية من معلمينا حافظاً لنا - بعد الله تعالى - من ذلك .

كما درسنا في الكلية أيضاً كل شيء عن حياة الصهاينة ، فليس عندهم فصل كبير بين الحياة المدنية والعسكرية ، وبمجرد بلوغ الطفل عندهم عمر 12 سنة ، يلحقونه بنظام يسمي "جدناع" يشبه نظام الكشافة عندنا ، ولكن بشكل أقرب إلى الجندية ، ويستمر في التأهل والترقي فيه حتي سن الثامنة عشرة ، ثم يلتحق بالجيش ويظل تحت الطلب مدة خدمته حتى سن الأربعين ، ثم يدخل بعدها مؤسسة تسمي "حرس مستعمرات" ويستمر في العمل بها حتي سن الستين . وهم لا ينفصلون عن الجيش طوال حياتهم ، بل حتي بعد خروجهم منه ، يظلون محافظين على تلقي التدريب بالسلاح سنوياً ، علي العمليات المختلفة ، ولمدة شهر كامل في المعسكرات .

ولذلك ، فكل الصهاينة في فلسطين المحتلة مجندين بالجيش سواء كان الواحد منهم ولداً أو بنتاً . لأنه ليبس لديهم وفرة من البشر يستطيعون تقسيم بعضها للعمل المدني ، وبعضها الآخر للعمل العسكري . فهم شعب منتج على الصعيد المدني ، ومؤهل وجاهز للحرب في نفس الوقت على الصعيد العسكري . ولكن يعيب ذلك أن الحرب الفعلية تؤثر عليهم سلبياً بشدة ، حيث تخلو المصانع والمزارع ، وجميع الوحدات الإنتاجية أثناءها من القوى العاملة فيتعرض اقتصادهم للانهيار ، إذا طالت المدة .

وأتذكـر من زملاء دفعـتي في الكلية : الزميل / محـمد عبدالغـني وكان مساعد أول الدفعة ، والأول في الترتيب العام عليها ، من سلاح الاستطلاع ، واللواء / عبدالسلام السبع ، مساعد ثانِ الدفعة والثاني في الترتيب العام كذلك ، من سلاح الاستطلاع أيضاً ، ثم عمل بالحرس الجمهوري تالياً .

كما أذكر منهم كذلك اللواء / محمد عبدالسلام ، وعمل بعد الحرب في هيئة التدريب ، واللواء / أحمد صلاح أبو الخير ، واللواء / العزَب هاشم وعمل في أكاديمية ناصر . وأذكر أيضاً زميلي / حمدي العـزازي ، وزميلي / صفوت زايد ، واللواء / وائل بدوي ، وعمل بالحرس الجمهوري ، وزميلي مجدي حسن ، الذي اسـتشهد رحمة الله عليه في الحرب ، واللواء / سعيد مجيدة ، واللواء / محمد العراقي وغيرهم ، وكثيرون منهم لا يزالون على قيد الحياة ، رحم الله أموات جيشنا وحفظ أحياءهم في صحة وعافية .

وحين تخرجنا ضباطاً في 01/10/1971 م حضر رئيس أركان الجيش حفل التخرج ، الذي كان وقتها مقتصراً على طابورعرض نسير فيه بالخطوة العسكرية حول أرض الطابور أمام المنصة - على إيقاعات الموسيقي العسكرية - ثم نعود للميس ( صالة الطعام ) لنختتم الحفل بوليمة غداء ، يسمونها في الكلية "غداء سلطاني" .

  • الاستطلاع :

تم توزيعي بعد التخرج علي الكتيبة الثامنة ، وهي كتيبة الاستطلاع التابعة للفرقة الرابعة المدرعة ، وكانت الكتيبة تسمي أيام الملكية "ألاي" ، وكان سلاح المدرعات يسمى سلاح الفرسان .

ومن الأشياء الطريفة أن الممثل الشهير أحمد مظهر ، كان هو قائد "الألاي الثامن" قبل أن يسـتقـيل من الجـيش ، وكانت صورته معلقة هناك ، وكان زميلنا مساعد / أحمد ابراهيم ، قد سبق له أن جُوزي (عوقب) بخمسـة أيام حبس من أحمد مظهر ، وكانت الواقعة مدرجة في ملف خدمة الزميل ، فكان يفتخر بذلك ، ويمر بنسخة من الورقة علينا ليرينا إياها ، وفيها اسم وتوقيع أحمد مظهر .

وكان قائد "الكتيبة 08" عند التحاقي بها ، هو المقدم / فاروق يونس وقائد الفرقة هو اللواء / عبدالعزيز قابيل ، وهو أحد الشخصيات المحترمة التي لعبت دورا كبيرا في حرب أكتوبر . وكانت الكتيبة تتلقي أوامرها من قائد الفرقة مباشرة ، كما كان هناك وسيط بين الكتيبة والفرقة هو رئيس استطلاع الفرقة كان مكانه بقيادة الفرقة وكان ضابط برتبة عقيد ، وكان يرأس الفرقة من ناحية التنظيم والتدريب فقط أما الادارة الفعلية كانت تتبع قائد الكتيبة وعند حدوث مشكلة كانت توجه من قائد الكتيبة لقائد الفرقة مباشرة ،

وكانت كتيبة الاستطلاع قبل حرب أكتوبر ، تتكون من سريتين إحداهما للاستطلاع ، والأخرى خلف خطوط العدو ، وسرية الاستطلاع - كمثيلاتها في الجيش - مكونة من ثلاثة فصائل ، كل منها مزودة بثلاثة عربات مدرعة ، وعربة لقائد السرية بإجمالي 10 عربات لكـل سرية . وكل عربة تحمل مدفعاً عيار 0.5 بوصة فكانت السرية ذات إمكانيات عالية جدا ، ولكنها كبيرة الحجم بسبب تجهيزاتها تلك ، واحتمال تعرضها للإصابة كبير ، ونسبة الخسائر بها مرتفعة في الغالب . أما سرية خلف خطوط العدو ، فمكونة من خمسة مجموعات ، وكل مجموعة مكونة من أربعة أفراد يقودهم ضابط ، مزودين بسيارة جيب واحدة .

وكان سقف السيارة الجيب عبارة عن كبّوت ( غشاء قابل للطي  ) من القماش ، فكنا نقوم بإزالـته لتقليل المسطح المعرض للرؤية ، ونعيد طلاء السيارة بألوان مطفأة (بدون لمعة ) ، ونغّير إطارات العجلات المعتادة إلي إطارات بالونية مسلمة لنا لمنع الغرز في الرمل ، ونغير مكان السيبيا ( حامل المدفع الرشاش ) فنضعها مكان قائد المجموعة بجوار السائق ، حتي نستطيع الاشتباك والرماية ونحن في السيارة .

ولمَّا كانت طبيعة عمل سرية الاستطلاع مختلفة عن سرية خلف الخطوط ، فقد كان لكل منهما كتبها وتدريباتها الخاصة بها ، وكانت الكتب الخاصة بسرية خلف الخطوط متضمنة - بالإضافة لدراسة أسلحة وتجهيزات العدو - دراسـة تكتيكات مؤخرة العدو . وكنا ندرس هذه الكتب ونعلمها لجنودنا ، ليعرف الجندي كيف يتصرف هو بتكتيكات معاكسة ، ويناور ليتفادي ما يُتوقع أن يقوم به العدو بناء علي هذه المعلومات .

وكان جزء من تدريبنا مماثلاً لتدريبات الكتيبة 09 ، فكنا نتدرب عندهم على القفز بالمظلات خصوصاً ، لأنه لا يمكن عمل مركز وميدان تدريب خاص لذلك في كل كتيبة ، وكان مركز التدريب لديهم مماثلاً لما في مدرسة المظلات بأنشاص ، وبه مستودعات مكيفة الهواء لتخزين المظلات ، وإلا فسدت وأصابها العطب .

وتعلمنا في الكلية أيضاً أن قوة المهام خلف خطوط العدو دائماً ما تتكون من مقاتلين اثنين أو ثلاثة علي الأكثر ، وباقي الأربعة جنود في المجموعة ، يكونون مع القائد للتبديل بينهم . وكان قائد سرية خلف الخطوط هو اللواء / أسامة المندوه ، أما سرية الاستطلاع فكان قائدها / وجيه الدخاخني ، وكانت السرية الثالثة في الكتيبة هي المختصة بالشئون الإدارية من إعاشة وذخيرة وغيرها ، ولم تكن مسؤوليات الشؤون الإدارية تسند لضباط جدد ، ولكن وكان قادة سرايا الشؤون الإدارية دائماً من ضباط الاحتياط الذين تم استبقاؤهم في الخدمة بعد النكسة لظروف الحرب ، فقضوا ما يزيد عن ست سنوات بالجيش ، وكان قـائد سرية الشؤون الإدارية في كتيبتنا واحداً منهم ، هو الزميل / علي إدريس .

وفيما يخصني شخصياً ، فقد كنت أعتبر المقاتلين في مجموعتي أمانة في رقبتي ، وأنني المسئول - بعد الله تعالى - عن حياتهم واجتهدت أن تكون العلاقة التي تربطنا معاً علاقة ودية ، وليس مجرد علاقة ضابط بجنوده .

وتطبيقاً لمبدأ من مبادئ عمل مجموعات الاستطلاع ، وهو ألا تنام المجموعة كلها في وقت واحد بل يجب أن يظل أحدهم مستيقظا ، فقد كنت أقسم وقت الخدمة ليلا علينا نحن الثلاثة بالتساوي . وكنا نجمع طعامنا كله في وقت الطعام بطبق واحد ونأكل منه سويا ، وكنت أثناء أداء المهمة في مراقبة تحركات العدو ، لا آمـرهم بالتحرك أمامي وأتبعهم ، ولكن أتحرك أمامهم وهم خلفي يتبعونني ، فكانوا يحبونني ، ويخافون أن يصيبني مكروه ، مثل ما أخاف أنا عليهم .

أذكر أيضاً أن جنود الاحتياط الذين كانوا متواجدين معي في الكتيبة قبل الحرب ، كانوا قد قضوا فترة طـويلة بالجيش بلغت 6 سـنوات في ذلك الوقت ، وأصابهم الملل من كثرة تكرار دراسـة المناهج والتدريبـات نفسها ، وخاصة أصحاب المؤهلات العليا ، وكنا نحن ضباطاً صغاراً حديثي التخرج بالنسبة لهم ، فكان بعضهم يضمر الاستخفاف بنا ، ووصل بهم الحال أنني عندما أبلغهم بوجود محاضرة طبوغرافيا مثلاً ، في اليوم التالي ، يأتي أحدهم ويطلب مني كتاب المادة ، ويظل يقرأ فيه طوال الليل ، مع أنه يحفظه حفظاً ولكنه يبحث عن ثغـرات يمكن أن يحرجني بها أثناء المحاضرة ليثبت لي أنني ضابط جديد لا أعرف شيئا . وكان هذا أمرا معتاداً يعرفه من سبقونا من الضباط ، وأخبرنا عنه اللواء / عادل الوكيل أثناء تدريسه لنا بالكلية ، وأرشدنا أنه يجب على كل واحد منا تأهيل نفسه جيدا لما سيتحدث فيه قبل دخول المحاضرة ، حتي لا يتعرض للإحراج .

ففكرت أن الجندي مادام يحفظ الكتاب ، فلابد أن آخذه لملعب آخر غير ملعبه أتفوق أنا عليه فيه وأعلمه أشياء جديدة في نفس الوقت ، فحولّت المحاضرات من تقليدية نظرية لا جديد فيها بالنسبة لهم إلي تدريبات عملية ، فأطلب من كل منهم أن يملأ جركناً ( قارورة من البلاستيك ) بالماء وأخرج بهم للجبل وأجلسهم علي الأرض ، وأطلب من كل فرد أن يخلط الماء بالرمل وكانت معي خريطة قديمة أقوم بتقطيعها لقطع مربعة ، وأعطي كل واحد منهم قطعة منها ليجسمها بعجينة الرمل والماء على الأرض وكانت مسألة في غاية الصعوبة بالنسبة لهم في البداية ، أن تحول خطوطاً علي الورق بأبعاد مختلفة إلي شكل مجسم ، وكانت قدراتهم بالطبع مختلفة من شخص لآخر ، فكنت أمر عليهم أثناء عملهم وأشرح لكل منهم خطأه ، وكيفية إصلاحه لتجسيم قطعة الخريطة التي معه بالشكل الصحيح .

   وكنت معهم ذات يوم على مدق 12 ( طريق أسفلتي بين الجيش الثاني والثالث ) ، وكنت حاصلاً لتوي علي الترقية لملازم أول وفوجئت بسيارة جيب من نوع خاص - لا يركبه إلا قادة الفرق فما فوقهم - علي المدق ، وتوقعت أنها تتبع قائد الجيش ، لأننا كنا نعرف شكل سيارة قائد الفرقة ، وتوقفت العربة قريباً منا ، فنهضت لمقابلة من فيها ، فإذا هو الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان ، وكان من القادة الذين لهم دور كبير لا يمكن إنكاره في الحرب ، حيث كتب كتيبات إرشادية لكل ضابط وجندي بالجيش حسب تخصصه ودوره المتوقع في الحرب ، بما في ذلك السائقين ، والطيارين ، والقناصة وغيرهم في جميع الأفرع ، وبكل دليل معلومات كاملة شاملة لكل النواحي التي تخصه في الحرب . وحين وقفت أمامه وهو يرى الجنود يقومون بعمل مجسمات بالرمل والماء ، كتلك التي يلهو بها الأطفال على الشواطئ ، نهرني قائلا : هل تلعبون بالطين هنا أم تتدربون للحرب ؟ فأجبته : "نتدرب يا أفندم" فقال : "إزاي يعني ؟" ( كيف إذن؟ ) فطلبت منه أن يأتي معي ليري بنفسه ، وكان أغلب أفراد الكتيبة قد انتهوا من عملهم ، وقمت بتصحيح الأخطاء لهم فوجد الشاذلي كل جزء من الخريطة مجسماً أمام واحد من الجنود منفردا ، فبدأ يسأل كل جندي عن الجزء الذي أمامه ، وكيف يقوم بتوجيهه مع الخريطة الأم ، ثم التفت إلي وسألني : "مين اللي قالك تعمل كدا ؟ " ، فقلت له : "هؤلاء العساكر قد حفظوا المحاضرات من كثرة تكرارها ، فهي لا تقدم لهم جديدا ، وقد ينامون أثناءها ففكرت أن أعلمهم شيئا جديداً بطريقة جديدة تبعد عنهم الملل" . فأمرني بركوب العربة معه ، وتخيلت وقتها أنني سأتعرض للمحاكمة ، وأن مستقبلي سينتهي ، ولكنه اصطحبني معه إلي اللواء / عبدالعزيز قابيل قائد الفرقة - وكانت هذه أول مقابلة تجمعني به - وطلب منه أن يهتم بي ، وقال له عني ، إني ضابط واعد ، وحكي له ما رآه من طريقة تدريبي للكتيبة ، وقد نفذ اللواء قابيل أمر رئيس الأركان ، وأشركني معه في جميع المناورات والتدريبات التي أشرف عليها هو بعد ذلك .

وأسجل هنا ، أن اهتمام القيادات العليا بمتابعة أحوال الجيش وتدريباته ، وتصحيح أوضاعه شخصياً بأنفسهم ، وزياراتهم الميدانية المستمرة لوحداته بالجبهة ، كما كان يفعل الرئيس عبدالناصر رحمه الله - بعيدا عن المكاتب - كانت أحد أسباب نجاح الحرب في 73 م ، لتأثيرها الكبير في رفع الروح المعـنوية للمقاتلين وبث الحماسة فيهم . كما كان للتدريب الراقي الذي تلقيناه دورا كبيرا في نجاح الحرب ، وتقليل خسائرنا فيها ، فكانت كتيبتنا أقل الكتائب خسائراً في الحرب ، فلم تتعد خسائرها اثنين من الجنود فقط .

وأود التنويه أيضا بقائد كبير من قادة جيش مصر الذين ظلمهم التاريخ ، وهو الفريق / محمد فوزي رحمه الله ، والذي تولي قيادة الجيش وزيراً للحربية بعد النكسة مباشرة ، وكان الجيش حينئذ في حالة يرثى لها ، مهزوما مهلهلا تشيع فيه الفوضى ، ولا يحكمه أي قانون أو نظام أو رابط .

ولكن محـمد فوزي رحمه الله ، استطاع بحزمه وانضباطه المعروفين عنه ، أن يعيد للجيش يقظته وانضباطه خلال ثلاثة أشهر فقط ، فلا يستطيع أحدٌ إنكار دوره هو أيضاً .

وظللنا من بعد التخرج إلي الحرب ، مستمرين في تدريباتنا علي القناة من قبل مبادرة روجرز وبعدها ، وكنا نعبر القناة ليلاً ، ولكن لأماكن بعيدة عن نقاط تمركز العدو ، وكنا نسبح ضد التيار في أجواء شديدة البرودة ، ومعنا حبل يربطه أول عابر منا في وتد على الضفة الشرقية ، ليستعين به من خلفه في العبور ، وكنا ندهن أجسامنا بالشحم كعازل للحرارة يساعدنا علي الدفء ، ونرتدي فوقه الأفارول ( السترة العسكرية ) مباشرة دون ملابس داخلية ، لتقليل مقاومة المياه أثناء السباحة ، ولم يتم الدفع بنا خلال تلك الفترة خلف خطوط العدو خشية وقوع أحدنا في الأسر ، ونحن مازلنا تحت التدريب ، فيحصل العدو منه على معلومات . وكانت الأوامر أنه إذا وقع أحدنا في الأسر ، فغير مطلوب منه مقاومة ضغوط الاستجواب من العدو أكثر من 24 ساعة ، لإعطاء مهلة للقيادة تتمكن خلالها من تغيير كافة المعـلومات التي يفترض أن البطل قد أدلى بها أثناء اسـتجوابه ، فتصبح غير صحيحة ، ولا يستفيد العدو منها شيئاً .

أما إذا استمر المقاتل في المقاومة أكثر من ذلك ، فإن العدو يستطيع أخذ المعلومة منه رغم إرادته ، بواسطة أنواع من العقاقير ، تجعله يبوح بما عنده دون قدرة على المقاومة .

وأذكر كذلك ، أننا اخترعنا شفرة بقدراتنا وإمكانياتنا الذاتية ، لنتحدث بها خلف الخطوط وقت التدريب حتي لا يفهمنا الصهاينة ، فقمنا بإحضار ورق وكتبنا عليه جدولاً بالحروف الأبجدية والأرقام ، وكل مربع في الجدول بداخله جملة كاملة توضح معلومة من المعلومات التي نستخدمها باستمرار عن العدو ، ثم نزلنا القاهرة ، وقمنا بتصوير الشفرة بكاميرا عادية ، وحولناها لكروت صغيرة لاختصار حجمها ، على طريقة الميكروفيلم ، ثم فكرنا أنه اذا وقع هذا الكارت من الضابط ستكتشف الشفرة ، فقمنا بعمل ابتكار مصري يمنع اكتشافها ، فكان كل ضابط وهو ذاهب لمهمته ، يقوم بتغيير نظام وترتيب الحروف والأرقام ليعمل شفرة خاصة لنفسه ، مختلفة عما يوجد لدى باقي ضباط الكتيبة ، وكانت الشفرة دائما من نسختين إحداهما مع الضابط المكلف بالمهمة ، والثانية مع قائد السرية ، أما خلال الحرب ، فكنا نتحدث بكلام عادي مفتوح بدون تشفير لاختصار وقت الكلام بالشفرة وفكها ، فوقتها تحدث تغييرات بكل دقيقة تتطلب السرعة في التعامل .

وتعلمنا في الكلية أيضاً أنني عند خروجي لمهمة استطلاع معينة أكون على إحدى حالتين ، إحداهما من الثبات ، حين أكون خلف الخطوط ، وأستخدم فيها الشفرة أثناء مراقبتي لتمركز مجموعة عمليات العدو وتبليغ المعلومات عنها ، والثانية من الحركة ، عند تحرك العدو ، فأتحرك معه ، وأتحدث مع القيادة بالكلام المعتاد دون تشفير ، لأني وقتها أكون سائرا بموازاة قوات العدو ، فلا نتلاقى أبداً ولو رأوني فليس لديهم الوقت لمطاردتي - لانشغالهم بتنفيذ مهمتهم - وقد يضرب عليّ أحدهم طلقة أو طلقات من دبابته لإبعادي ، ولكنه لا ينفصل عن زملائه ليطاردني . وساعتها أحتاج للمناورة يسرعة لكي لا يفلت مني العدو ، وخاصة عند الحاجة لمعرفة في أي اتجاه يتحرك ؟ ومتي سيفتح النيران ؟ وما هو هدفه ؟ فليس هنالك وقت لتشفير الكلام وإعادة فك الشفرة .

ومن ضمن ما لاحظته أثناء الحرب ، أن الصهاينة يسيرون علي التكتيك الغربي ، فيدفعون بالدعم في اتجاه النجاح ، بمعني أن كتيبته التي تنجح في الاختراق تدخل وراءها جميع الكتائب ، فتزداد قوتهم الضاربة ، ويحققون نتائج أكبر ، بينما كان الدعم عندنا يسير على التكتيك الشرقي - في اتجاه الفشل للأسف - بمعني أن الكتيبة تتلقي الدعم إذا تعرضت للخسارة عند الحد الأمامي فقط ، أي أننا ندفع بالاحتياط بعد أن تقع الفاس في الراس ، لا قدّر الله .

  • ·وفاة عبدالناصر، وتولي السادات :

علمت بخبر وفاة جمال عبدالناصر ، رحمه الله ، أثناء عودتي من بعثة الكلية الحربية في السودان ، وكنا نستمع للأغاني المنبعثة من المذياع في السيارات التي تقوم بتوصيلنا للمطار ، ونحن في غاية السعادة لنزولنا مصر أخيرا ، لكن فجأة قطع الإرسال ، ثم سمعنا صوت السادات وهو يعلن خبر الوفاة في البيان الشهير ، فمررنا بفترة صمت من الصدمة ، ومحاولة استيعاب الخبر ، إلي أن صعدنا سلم الطائرة ، وبمجرد إقلاعها من الخرطوم انهمرت دموعي في البكاء طيلة ثلاث ساعات حتي وصولنا القاهرة ، وكان يوما صعبا عليّ للغاية ، ومازال كذلك حتي الآن ، في كل مرة أتذكره .

وصلت إلى المنزل ، فوجدت أهلي بنفس الحالة ، ونفس الحزن والبكاء الشديد ، فلم يكن عبدالناصر مجرد رئيس ، ولكنه كان رمزا وطنيا نؤمن بولائه وأدائه في الإدارة ، ولم نكن نري بديلاً غيره من أعضاء مجلس قيادة الثورة يصلح للقيادة بعده ، باسـتثناء حسين الشافعي ، ولكنه لم يكن يملك الكاريزما التي تؤهله مثل ناصر لقيادة الدولة ، أما السادات فكان كل ما نعرفه عنه هو ميوله الغربية تجاه أمريكا خصوصاً ، حتي أنه عندما كانت تحدث مشكلة بين جمال والسوفـييت بخصوص التسليح كان يرسل السادات لأمريكا لتخويف السوفييت من الاتجاه للغرب والتحالف معهم ، فيقومون بإرسال السلاح علي الفور ، ولهذا السبب لم يكن السوفييت يحبونه . وكان يري أن حل كل المواضيع بيد أمريكا ، وكنا نراه شخصية ضعيفة لعب بها عبدالناصر لتحقيق أهدافنا القومية حسب المصلحة ، فكان يقوم بتبديل نيابة رئيس الجمهورية بينه وبين الشافعي ، فإذا أراد جذب الأمريكان يقوم بتعيين السادات ، واذا أراد مصالحة الروس يقوم بتعيين الشافعي .

وعلى ذلك ، فكنا نري أن توليه الرئاسة جاء قدراً ، لأنه كان النائب وقت وفاة ناصر بعد مبادرة روجرز ، فأصبح رئيسا . ولم يكن الشعب مقتنعاً به ، ولا بقدرته علي القيادة ، وكنا نرى أنه لم يبذل جهدا كجمال في القيادة ، فقد كان جمال متواجداً دائما معنا في الجبهة ، ورأيته ثلاث مرات في الوحدات والتشكيلات ، حتى أنه أتي إلينا مرة في الكلية الحربية بالسودان ، وتحدث معنا وأخذنا الصور . وكان هذا لإحساسه بالمسئولية عما حصل في 67 ، كما أقر هو بنفسه في خطاب التنحي . ولذلك فعندما تولي السادات ، كان التدريب الشاق والفعلي للجيش قد اكتمل فعلاً حينئذ ، وأصبحنا علي أهبة الاستعداد للحرب ..

لذلك كله شعرنا جميعاً بإحباط كبير عندما علمنا بخبر تولي السادات الحكم ، وتوقعنا أنه لن يستمر في السلطة أكثر من ستة أشهر ، ولكنه قضي علي من يستطيع منافسته بثورة التصحيح ، واعتقلهم جميعا .

وكان قادتنا في الكلية يقومون عند حصول حدث سـياسي كـبير بجمعنا ، ليخاطبنا مدير الكلية معلقاً علي الحدث في الميكرفونات ولكننا لم نكن نهتم لهذه الأحداث السياسية ، بل كنا مؤمنين أن مهمتنا هي الحرب ، تاركين السياسة لأهلها ، ولم يكن يشغل تفكيرنا شيئُ آخر ، وكنا مع ذلك نرى أن السادات أضعف من أن يتخذ قرار الحرب ، وأن الحرب بالنسبة لرجل في مثل شخصيته التي نراها أمامنا في وسائل الإعلام ، هي مقامرة قد تصيب أو تخطئ . ولكن اتخاذه لقرار الحرب كان ضرورياً بسبب تزايد الضغط الشعبي عليه متمثلاً في مظاهرات الطلبة ضده ، والتعليقات الساخرة التي بدأ الناس يتناقلونها عنه .

وقد علمت أنه اعتكف ليلة الحرب في المسجد الخاص بوزارة الدفاع وهو المسجد الذي عمل فيه وقت هروبه من الإنجليز والبوليس السياسي - لتعاونه مع الألمان ، نكاية في الإنجليز - قبل الثورة وربما قضي تلك الليلة ، وهو يصلي ويدعو الله لتحقيق النصر ، من شدة خوفه من الفشل ، فإذا كان عبدالناصر وهو من هو ؟ لم ينجح فكيف سينجح هو ؟ .

وتبين لنا مع الأيام ، ذكاء السادات السياسي وحنكته ، فعندما خرجت مظاهرات طلبة الجامعات في 1970 م تنتقده ، وتطالبه ببدء الحرب واجه ذلك بمنتهي الذكاء ، فقام بإغلاق الجامعات ، وتوزيع الطلبة علي وحدات الجيش المختلفة في الجبهة ، ليعرفوا أن الحرب ليست قراراً سهلاً كما يظنون ، ووصل إلينا وقتها في الكتيبة ، ستون طالباً من جامعة عين شمس ، وأراد قائد الكتيبة أن يوزعهم علي السرايا ولكني طلبت منه أن آخذهم جميعاً في سريتي ، وأخذتهم بالفعل .

وكانوا قادمين إلينا بتعـليمات ، أنه لابد أن يتعلموا شـيئا في الجـيش وأن يعرفوا ما معني الحرب ، وكنت أنا سابقاً قد حصلت على فرقة صاعقة ومظلات ، فأخذتهم لمركز تدريب المظلات في أنشـاص وأعطيتهم فرقة صاعقة محلية مصغرة ، فكنت أطلب منهم أن يصعدوا برجاً بارتفاع 36 متراً على ترعة الاسماعيلية ، ليقفزوا منه في الترعة ، وكان من يصعد البرج بارتفاع اثني عشر طابقاً ، يري الترعة في الأسفل كأنها مجرد خط ، فلا يدرى هل سيسقط في ماء الترعة فعلاً إذا قفز ، أم سيسقط خارجها ؟ وكان ذلك في غاية الصعوبة ومخيفاً بالنسبة لهم .

وكنت أعلمهم أيضاً كيف يسيرون في دورية ، وليس مع الواحد منهم ســوي نصف زمزمية ( قارورة صغيرة محمولة لحفظ الماء ) وآمرهم ألا يشــربوا منها إلا بإذن ، ولكنهم كانوا لا يلتزمون بذلك ويشربون من بداية الطريق ، فتنفذ الزمزمية مبكراً ، ويعانون من العطش الشديد ويتعذبون بذلك باقي المسافة .

وفي الحقيقة أنهم تلقوا - على يديّ - ملخصاً لفرقة الصاعقة ، وليس فرقة كاملة ، حيث اختصرتها لهم من ثلاثة أشهر ونصف إلي أسبوعين فقط . ورغم أنهم لم يلاقوا العدو في حرب فعلية علي الجبهة ، إلا أنهم فهموا بشكل عملي ، معني الجيش والحرب ، وأن تلك الحرب التي يطالبون بها ليست بالشئ السهل . وخرجوا من عندنا عائدين لكلياتهم ، وهم يحمدون الله ، أنهم لا يزالون أحياء .

  • ·حرب أكتوبر 73 :

رُشحت قبل الحرب مباشرة لحضور فرقة ( دورة تدريبية ) بعنوان "قادة السرايا" ، في مدرسة المخابرات . وكنّا جالسين في أحد الأيام أنا وزملائي في الدورة ، بنادي الجلاء ، نذاكر عند حمام السباحة استعدادا لامتحان في اليوم التالي ، وفوجئت أثناء ذلك ، بشاحنات عسكرية تظهر مارة على طريق المطار - بمحاذاة سور النادي - وعليها براطيم ( خزانات يتم تجميعها في الماء لتكوين كباري عائمة ) في اتجاه السويس والاسماعيلية ، فتوقعت فوراً أننا أوشكنا على الحرب ، وأخبرت زملائي ، فاقتنع البعض ، ولم يصدق الآخرون نظراً لانتشار الأخبار في الجيش وفي الصحف ، عن إجازات بالجملة ، ورحلات العمرة للضباط من جميع الرتب وقتها ، كجزء من خطة الخداع الاستراتيجي المعروفة .

ولكني ذكرت زملائي أننا - أثناء دراستنا بالكلية الحربية - قمنا بزيارة لواء الكباري في المعادي ، ورأينا هذه البراطيم هناك ، حيث أخذوا يشرحون لنا كيفية عملها ، وأن قائد اللواء قال لنا يومها : "عندما ترون هذه البراطيم تتحرك باتجاه الجبهة ، فاعلموا أن الحرب ستقوم" ، لأنه لا يتم تحريك هذه البراطيم في العادة ، إلا قبل الحرب مباشرة ، حتى لا يتم ضربها . وقد كان هذا اللواء هو الوحيد الذي يوجد به براطيم معابر العبور .

وصدقـت توقـعاتي ، حيث تم - بعدها بثلاثة أيام - إلغاء الفـرقة واستدعاؤنا إلى الجبهة . وكان الظن السائد حتي يوم الحرب ظهراً أننا سنقوم بمناورة عادية ، ولكني شخصياً كنت أشعر أنها الحرب من رؤيتي للبراطيم قبلها بأيام .

وأتذكر أنه جاءتنا إمدادات تسليح قبل الحرب بستة أشهر ، فتم تسـليمنا عربات جيب 2 باب جديدة ، وعدد 5 عجلات بالون لكل عربة ، فجهزنا العربات ، وقمنا بطلائها بدهانات معتمة كما تعودنا . ثم تم تسليمنا معدات رؤية ليلية ، لم تكن متوفرة لدينا في الكتيبة من قبل ، وبنادق آلية كذلك .

وعرفنا ظهر يوم 6 أكتوبر أنها الحرب ، وكنا متواجدين بمنطقة الجفرة ، فتحركنا مسافة 15 كيلومتراً للأمام ، حيث الموقع الذي سنتحرك منه للدفاع أو الهجوم ، وظللنا غير مصدقين أنها الحرب فعلاً ، حتى رأينا طائراتنا تزأر عابرة قناة السويس من فوقنا ، وكان شعورا لا يوصف ، وارتفعت معنوياتنا للسماء ، وشعرت أننا استعدنا كرامتنا ، بمجرد أن قامت الحرب .

كان النسق الأول للجيش الثالث هو الفرقتان 07 و 19 مشاة ، وكنا نمثل نحن الفرقة 04 النسق الثاني لهما ، وكنا خلال سنوات ما قبل الحرب نتدرب علي مهمتين ، إحداهـما هجومية ، والأخري دفاعـية فإذا نجح النسق الأول في العبور ، ووصل إلى المضايق ستقوم الفرقة الرابعة بتطوير الهجوم وذلك هو الدور الهجومي . أما اذا حدث اختراق أو ثغرة بالجيش الثالث ، فستقوم الفرقة الرابعة بهجوم مضاد لصده وذلك هو الدور الدفاعي .

وكان دوري في حالة الهجوم - إذا وصلنا المضايق - أن أصل قبل الفرقة لتأمين الموقع لها . أما في حالة الدفاع فسأكون متواجداً علي جانبي الفرقة لجمع المعلومات ، وإمداد القيادة بها . ولكننا فوجئنا عند بداية الحرب بتغيير في تلك الخطة ، فاستدعوني لمكتب مخابرات السـويس علي ذمة الدفع لأي مهمة تظهر الحاجة لها وحتي أتعرف علي الدليل البدوي الذي سيصاحبني أثناء المهمة ليحدث التآلف المطلوب بيننا لئلا نختلف أثناء التنفيذ ، وكان العميل يُدعى الشيخ حمدان ، ويبلغ من العمر سبعين عاما ولكنه كان بصحة جيدة ، وكان كل ما يحمله معه هو خبز يابس ولحم مجفف وقربة ماء ، بينما أحمل أنا أربعين كيلوجراماً علي ظهري تشمل سـلاحي وذخيرتي ، ومعـدات رؤية ليلية ونهارية ، وقـنابل يدوية وماء ، وتعيين للمدة التي سأقضيها خلف الخطوط . وكانت المهمة الأولي هي دخولي لممر "متلا" وسط سيناء ، وجمع معلومات عن احتياطات العدو هناك ، ولكني فوجئت وأنا علي اسـتعداد للتحرك بأن القيادة تطلبني للذهاب لمهمة طارئة في الثغرة .

  • ·الثغرة :

من الغريب والذي تجدر الإشارة إليه ، أن القيادة العامة ، كانت في أثناء أحداث الثغرة ، تبني خطتها - حسب ما استشعرته - علي أساس المعلومات الصادرة من الإذاعات الأجنبية ، فعندما حدثت الثغرة أعلن المتحدث العسكري أن بها 7 دبابات فقط ، وكان هذا صحيحا في البداية مساء يوم 16 أكتوبر ، ولكن استمرت هذه المعلومة ثابتة لدى القيادة حتي يوم 18 أكتوبر للأسف ، مع أن الوضع كان قد تغير بشكل دراماتيكي خلال تلك الفترة . وكان شارون قد دخل بالفعل بسبع دبابات فقط في البداية ، ولكن زاد عدد الدبابات كثيراً بعد ذلك . ومن وجهة نظر شخصية ، أرى أن شارون كان قائداً عسكرياً من الدرجة الأولي ، وله قدرة كبيرة علي إدارة الحرب ، وأنه أنقذ اسرائيل من الهلاك في حرب أكتوبر . ونظرا لأنه قاتل ضدنا منذ حرب 1956 م ، وحرب 1967 م ، فكانت لديه خبرة عن أسلوبنا في القتال ، ويظهر من تحركاته بقواته في الحرب أنه بعد توليه قيادة المنطقة الجنوبية لدى الصهاينة ، كان متفكراً في كافة الاحتمالات التي قد يتعرض لها في حالة حدوث حرب ، وكيف سيواجهها ، فـفكر أننا اذا نجحنا بالعبور سـوف نتمسـك بالأرض ولن يستطيع أحد إعادتنا للخلف جهة الغرب ، فيكون الحل الوحيد أمامه لهزيمتنا عندئذ ، هو أن ينفذ هو بقواته خلف قواتنا فننهار معنويا ، ونستسلم ونرجع القهقرى مضطرين ، فجهز ميدان الحرب في المنطقة الجنوبية من فلسطين المحتلة ، بشبكة طرق عرضية وطولية ، تؤدي كلها إلي منطقة الثغرة ، حيث أضعف مكان لدينا في الجبهة ، عند الفاصل بين الجيشين الثاني والثالث ، وجعل الساتر الترابي لخط بارليف عند هذه النقطة - في منطقة الدفرسوار - بنفس ارتفاع باقي الخط ، ولكنه أقل سمكا عند القاعدة . وكان الصهاينة قد خلعوا القضبان الحديدية ، والفلنكات (العوارض الخشبية ) من خط القـطار القديم ، المار سابقاً عبر سـيناء ، بين مصر والشـام واستخدموها في بناء النقط الحصينة لخط بارليف ، كما صنعوا مكعبات من شبك أعواد الحديد بمقاس 2×2×2 متراً ، وملؤوها بالحجارة ، لنفس الغرض . فقام شارون بتخزين بعض تلك القضبان والمكعبات في منطقته ، على أساس أن تقوم بلدوزراته بحمل هذه المكعبات لاحقاً وإلقائها في القناة وتمديد القضبان عليها ، إذا احتاج لعمل معبر لقواته ، في اتجاه معاكس لاتجاه تقدم قواتنا .

وفي يوم 16 أكتوبر مساء ، عبر شارون البحيرات المرة عند الدفرسوار ، باستخدام سبع دبابات برمائية سوفيتية الصنع كانوا قد استولوا عليها في 1967 م ، بعد أن وضع عليها العلامات المصرية السارية في ذلك الوقت لخداعنا ، ودخل ليحاصر قواتنا ويجبرها علي العودة ، كما خطط سابقاً ، ومعه ثلاثون من مجموعة خلف الخطوط الصهاينة ، وكان من المفترض أن تأتيه قوات دعم بعد ذلك ولكن لم يأته شيئ لا ثاني ولا ثالث ، ووقع تمرد بين رجاله ، وأرادوا العودة ، فقال لهم : من سيظل معي سيكون له الفخر بأن يموت مع الرجل الثاني بحزب الليكود "الحزب الحاكم في فلسطين المحتلة ، والمنتمي له شارون" ، وكانت له كاريزما عالية وقدرة في السيطرة علي الجنود ، فأطاعوه ،

وتم الدفع بي وقتها إلى الثغرة ، وكانت مجموعتي مجموعة تعبوية للجيش ، وكنت أبلغ المعلومات التي أحصل عليها مباشرة إلى اللواء عبدالعزيز قابيل ، ولكن عندما تدخل اللواء / عبدالمنعم واصل ، لم يأخذ كلامي علي محمل الجد ، فاستفحلت الثغرة .

 

وكنت أبلغته يوم 18 أكتوبر أن لواءً مدرعاً كاملاً للعدو قد وصل إلى جبل الشهابي* ، ومعهم كتيبة كاملة "ام 113" مش ميكا (مشاة ميكانيكية) أيضاً وتمركزوا عليه ، فلم يصدقني ونهرني بشدة في اللاسلكي واتهمني بالتقصير وأنني أبلغ معلومات "وأنا نائم" .وعلق باستهجان قائلاً : كيف يقول المتحدث العسكري إنهم 7 دبابات فقط ، وتقول أنت إنهم لواء مدرع ، وكتيبة مشاة ميكانيكية كاملين ؟ وإزاء رد الفعل غير المتوقع من واصل وحساسية الموقف ، اتصلت فوراً باللواء / قابيل ، وأبلغته بالمعلومات نفسها مرة أخرى ، وأكدت له أني متواجد بينهم ، وأري قواتهم حولي من جميع الجهات ، فأبلغ اللواء قابيل القيادة العامة بالأمر ، فظلوا غير مصدقين ، وأخرجوا طائرة هليكوبتر لاستطلاع الأمر ، بها ضابط برتبة عقيد من مدرسة المخابرات ، ولكنه كان غير مؤهل للاستطلاع مع الأسف وليس لديه خبرة بميدان المعركة ، وكان عمله في المدرسة مقتصراً على إلقاء المحاضرات النظرية فقط ، فوصل إلي جبل يسمي جبل "القط" قبل جبل "الشهابي" ، ولم يجد شيئا هناك طبعاً مما أبلغت عنه فاستدار راجعاً ، وأبلغ بعدم وجود شيء للأسف .

ولم تتضح المعلومة الصحيحة لدى القيادة ، إلا عندما تحركت دبابات العدو وفتحت تشكيل قتال ، وبدأت في ضرب قواعد صواريخ دفاعنا الجوي . وكانت هذه القواعد هي أهم هدف بالنسبة لهم ، حتي تستطيع طائراتهم المرور إلى أجواء الثغرة ، والتحكم فيها ، وقدر الله وما شاء فعل .

ولما كانت وحدات دفاعنا الجوي مؤهلة لضرب الطيران فقط ، ولا تستطيع الدفاع عن نفسها ضد هجمات أرضية مدرعة ، فقد نجح شارون فيما أراد ، وحين كلمني اللواء واصل مرة أخرى طالباً مني أن أصف له ما أراه بالضبط ، وأن أزوده بإحداثيات تمركز مدرعات العدو ، ليرسل سرباً من قاذفات السوخوي نحوها ، كان الوقت قد فات ، وتم تدمير قواعد دفاعنا الجوي حول منطقة الدفرسوار فعلاً للأسف ، وتفرقت دبابات العدو بعدها ليتعذر ضربها بواسطة قاذفاتنا ، إذا فكرت القيادة في إرسالها .

وأتذكر مع الأسف والألم ، أني رأيت الوقود السائل لصواريخنا عند ضربها ، يخـرج في ألوان كالتي تخرجها الألعاب النارية في الأعـياد عند إطلاقها ، وامتلأت المنطقة بالكامل بمشهد يشبه الفرح بالنسبة للصهاينة ، ويشبه المأتم بالنسبة لنا .

وأعود لأحداث الثغرة ، حيث حصل أن مجموعة عمليات مدرعة معادية أخرى غير المجموعة الأولى ، تمكنت من الوصول إلى كلٍ من جبلي "القط" ، و"أم كتيب" وتمركزت فوقهما ، ولمّا كان جبل أم كتيب مسطحا من أعلى تستطيع دبابات العدو التحرك وتعديل مراكزها فوقه بحرية ، فقد صارت أسقف دباباتنا - وهي أضعف جزء فيها - معرضة للضرب عندما تتحرك باتجاهه من أسفل . وكان اللواء الثاني المدرع بقيادة العميد / أحمد حلمي رئيس أركان الفرقة ، هو المسئول عن تأمين أم كتيب لصد أي هجوم علي المنطقة ، فحاول متأخراً ، تحريك دباباتنا باتجاه جبل القط فأصبحت صيدا سهلا للدبابات الاسرائيلية أعلاه ، وكنت أنا موجوداً وقتها بجبل القط لتجميع المعلومات ، فشاهدت أثناء عودتي مجزرة تدمير أغلب دبابات اللواء الثاني من أسطحها العلوية ، ومررت ليلا من بينها ، باحثاً عن أي فرد يمكنني مساعدته وإنقاذه ، فوجدت أغلبها مضروباً وليس بها إلا الجثث ، ما عدا أربعة دبابات لم يتمكن العدو من رؤيتها ، فسلمت من الضرب ، وأبلغت القيادة بوجودها ، ولمّا كان الوقت ليلا ، فكان اليهود قد بدأوا بتشكيل منطقة مبيت ، حيث يجمعون دباباتهم كلها داخل شكل مربع ، وتكون الدبابات الموجودة على أركان ذلك المربع ، هي المسؤولة عن حماية الباقين داخله ، ثم يقومون عند الفجر بفتح التشكيل مرة أخرى ، فأبلغت بأن دباباتهم الآن متضامّة معاً ، ويمكن ضربها جميعاً بدون تصويب ، وكل ما نحتاجه هو أربعة من الرماة ليستخدموا دباباتنا السليمة بكامل تسليحها في تدمير دبابات العدو بأطقمها وتعويض خسائرنا ، ولكن العميد / أحمد حلمي رفض ذلك ، وأبلغني أنه سيرسل أربعة سائقين لإرجاع الدبابات الأربعة السليمة دون أن يشتبكوا مع العدو * وحاولت إقناعه بشتي الطرق ، ولكنه أصر علي الرفض ، فاتصلت باللواء / قابيل مرة أخرى ، وأبلغته بالأمر فلم يستجب لاقتراحي أيضا ، وأمرني بالعودة .

واكتشفت خلال مهام الاستطلاع التي كُـلفت بها ، الشيء الكثير عن العدو مما لا يعلمه جيشنا ، وكنت أدون هذه المعلومات في الخبرات المستفادة لكي يتم توزيعها علي الجيشين الثاني والثالث عن طريق القيادة العامة لاحقاً وفق المتبع . ومن ذلك أنه كانت قد وصلتنا معلومة قبل الحرب أن راداراً جديداً مضاداً للأفراد قد دخل الخدمة لدى القوات الاسرائيلية ، وقاموا بتوزيع صوره علينا لنتفاداه أثناء المهمات ، على أساس أنه حساس للأجزاء المعدنية في المهمات التي يحملها الأفراد ، وكان يبدو في الصور كجسم شبه بيضاوي مقام علي عمود ويخرج منه سلك ، وكان العدو يزرعه عند حدود قواته الأمامية تجاهنا ، فكنا دائما ما نبحث عن أماكن خالية من هذا الرادار ، حتي نخترق صفوف العدو دون أن يتم اكتشافنا ، وكانت تكتيكاتهم دائما أنه بعد المناطق المكشوفة بذلك الرادار ، توجد كمائن فيها بواعث أشعة تحت حمراء ، فيطفئون أنوار الكشافات فيها حتي نعبرمن خلالها ظانين أنها آمنة ، فنجد أنفسنا وسط الكمين . وكنت في مهمة استطلاع أثناء الثغرة للبحث عن طريق يمكن منه إمداد الجيش الثالث بالمؤن ، فوجدت ثغرة بين الجيشين الثاني والثالث تسمي منطقة التبة الزلطية ، ودخلت منها وعبرت الحد الأمامي لقواتنا مع اثنين من جنودي ، ومعي جهاز رؤية ليلية يسمي "إس إس 20" حديث جدا وقتها ، مصنع في إنجلترا ويقوم بتكثيف ضوء النجوم الموجود بالجو ، بحيث تجد أمامك صورة حقيقية واضحة للدبابات والأفراد وتحركاتهم عندما تنظر من خلاله ، ولكن بلون أخضر ، فكنت أنظر من خلاله كل فترة حتي أتأكد من عدم وجود قوات للعدو أمامي ، وبعد 20 كيلو تقريبا من سيرنا عبر التبة الزلطية ، وجدت أمامي كلاباً تنبح بصوت مرتفع ففتحت الجهاز حتي أري ما الخبر ، فرأيت جثثاً عرفت من بصمة جنازير دبابات العدو عليها أنها لجنودنا . وكانت جنازير دباباتنا من الحديد ، أما جنازير دبابات العدو فكانت مكسوة بقطع من الكاوتشوك ذات بصمة مختلفة عن جنازير دباباتنا .

وخشيت أن يؤثر شكل الجثث علي معنويات جنودي ، فأطفأت الجهاز ، وأشرت لهم بالاتجاه الذي سنكمل سيرنا فيه ، وعندما سألوني عما رأيته علي الأرض - وكان معروفا أن كل وحدة بالجيش المصري يوجد معها كلاب - قلت لهم أن هذه كلاب الوحدة التي سبقتنا بالمكان ، ربما أطلقوا عليها النار قبل أن يتركوه . واستمرينا بالسير والكلاب تنبح من حولنا ونحن نحاول إسكاتها ، وبينما نحن كذلك إذ وجدت عن يميني علي بعد 1000 متر تقريباً دبابة اسرائيلية تحمل العلامة المميزة لهم ، وفتحت جهاز الرؤية فاكتشفت أني وسط وحدة إسـرائيلية ! وكنا في المهام السابقة نري على الدبابات المعادية بواعث تشبه الشاشات التليفزيونية مقاس 16ً بوصة للأشعة تحت الحمراء ، ولكننا نكتشف تلك الأشعة بجهاز الرؤية الليلية فنتفاداها حتي نصل لمكان مظلم فنكتشف أنه كمين .

أما في تلك الليلة فقد اكتشفت أن البواعـث متروكة في حالة تشغيل ، بينما الجنود نائمين داخل دباباتهم المكيفة ساخن / بارد . فعرفت أنهم يقومون بتشغيل الباعث لإرهابنا ومنعنا من الاقتراب ، بينما هم في الحقيقة نائمين داخل الدبابة في التكييف ، فعبرنا من بينهم وهم لا يشعرون .

ومع طلوع النهار بدأوا يستيقظون ، ويخرجون من الدبابات ليقوموا بتسخين التعيين ( التغذية ) ويتناولوا الإفطار ، ومعه الشاي ، والنسكافيه ، وعرفنا أنهم يتمتعون بقدرٍ عالٍ من الرفاهية . وكنا نراهم من الحفر التي تمركزنا بها لمتابعة عملنا ، واستمرينا بها طوال النهار حتي نري ما سينتهي إليه الموقف ، وكان معي جهاز لاسلكي مداه ألف كيلومتر يسـمي "ار 151 " أتواصل بواسطـته مع القيادة ، ومزود بهوائي عبارة عن بكرة سلك أقوم بفكها وإلقائها على الأرض باتجاه قواتنا حسب موقعها ، فاتصلت بالقيادة وأبلغتهم بالمعلومات ، ووصفت لهم مكان الوحدة وعدد الدبابات كالمذيع الذي يصف مباراة كروية ، وكان من الضروري حسب قواعد استعمال الجهاز ، ألا يتعدى زمن الرسالة الواحدة خمسين ثانية ، وإلا استطاع العدو التصنت عليّ ، وكشف موقعي بطريقة هندسية معروفة لدى العسكريين ، وبمجرد أن انتهيت من إحدى الإشارات ، وجدت ثلاث عربات للعدو إحداها نصف جنزير قديمة من حرب 1948 م والأخريان مجنزرتان طراز"ام 113" وكل منها مسلحة بمدفع نصف بوصة ، قادمتين باتجاهنا ، فتخيلت أن إحدى نقاط مراقبة العـدو قد اكتشفت الهوائيات الملقاة علي الأرض وتم تحديد مكاننا ، وكان السلاح الذي معنا لا يتجاوز القنابل يدوية والبنادق الآلية ، فأشرت لزميليْ أننا سنتحرك في اتجاهين مختلفين لتشتيت العدو ، فلا يستطيع تتبعنا جميعاً ، وأنهما سيتحركان باتجاه وحدتنا ، وأنا سأتحرك في الاتجاه العكسي ناحية العدو ، لأن قدرات الضابط أكبر ويستطيع التصرف بالظروف المختلفة ، فقصدت أن أسهل لهما المهمة ووصفت لهما الطريق ، ثم أخرجت القنابل اليدوية التي سنقوم بضربها قبل التحرك ، وأمرتهم ألا يضرب أحد قبلي . وتقدم الصهاينة باتجاهنا ، وقبل أن يصلوا إلينا بتسعة أمتار ، تعطلت إحدى العربات ، فنزل الثلاثة سائقين ، وفتحوا كبوت العربة المعطلة وانهمكوا في إصلاحها ، وكنت موجوداً بحفرة مدفع جهزتها قواتنا في الثغرة ، لأن اليهود عندما دخلوا الدفرسوار احتلوا المواقع التي جهزتها قواتنا سابقا لنفسها ، وكانت الحفرة محاطة بردم بارتفاع متر تقريبا ، فرأيتها أنسب مكان للاختباء . وكان لون ملابسنا يتماشي مع لون الأرض ، وكنا نقسم شيكارة الرمل لنصفين ، ونلبسها علي رؤوسنا لنغطي شعورنا ونغطي البندقية الآلية بالخيش ، أما الحذاء فكنا نصنع له خفاً من فرو خروف ونلبسـه فـوقه ، حتي لا نترك أثراً لأقدامنا يمكنهم تتبعه وكانت هذه هي الامكانات المتاحة وقتها ، لذلك لم يرنا العدو علي الرغم من قربه منا . وانتهوا من إصلاح سيارتهم ثم استكملوا طريقهم دون أن يشعروا بنا ، وعندما هممنا بالتحرك للعودة ليلاً ، وجدت أنهم قد التقطوا وجودنا بشكل أو بآخر ، أو ربما مجرد شعور بوجود غريب بينهم ، فقاموا بإطلاق طلقات ضوئية كثيرة استمرت حتي الفجر فاضطرينا للمبيت ليلة أخري بنفس الحفرة . وكان التعيين المتبقي معنا عبارة عن باكو بسكويت ، بينما مياه الزمزمية قد نفذت فعلاً ، ولكني مع ثالث يوم ، كنت قد عرفت النظام الذي يسيرون عليه ، فقلت لزميلي أن الإضاءة ستستمر للفجر كالعادة ثم ينامون بعدها من التعب ويتركون أشعة البواعث مفتوحة لتخويفـنا وقتها سنتحرك ، وبالفعـل تحـركنا في الرابعة صباحا وسرنا باتجاه جبل الشهابي ، وعدنا لوحدتنا .

في يوم 18 أكتوبر تمركزت بمنطقة جبل أم كتيب ، وكان بها إحدى كتائب دفاعنا الجوي ، ولكن بعد ضرب الدفاع الجوي احتلت كتيبة صاعقة الموقع قبل وصول اليهود إليه ، فأبلغتهم أن العدو قادم باتجاههم وسيتم ضرب الموقع ، فلم يصدقني قائد الوحدة ، وللأسف دخلت طائرات سكاي هوك بعدها ، وضربت الدشم الموجودة واستشهد كثيرون منهم ، ثم ضُرب الموقع مرة أخري بطائرات الهليكوبتر في نفس اليوم بعد انتهاء الضربة الأولى لتطهيره بالكامل قبل أن يتقدموا ويحتلوه ، وبدأت أنتشر أنا والجنديين اللذين معي كل واحد منا بحفرة بعيداً عن الآخر ، وكنت أنا في حفرة بجوار دشمة مدمرة . وبعد انتهاء الغارة ، وتوقف ضرب الهاون عيار 160 ملليمتراً ، خـرجت منها ، فوجدت اليهود في الموقع فعلاً يمشطونه بالكامل ليتأكدوا من عدم وجود أي مصري حي به ، ووجدت واحداً منهم يسألني : "هل يوجد أحد بالداخل ؟" فقلت : "لا" ، وكنت وقتها أرتدي ملابس العدو بالكامل حتي الحذاء ، وكانت ذقني طويلة وأتحدث العبرية مـثلهم تماًماً ، ومعي سـلاحهم فلم يشـكوا بي وتركوني واستكملوا طريقهم ، وكان أحد الضباط معي يدعي فيصل من الكتيبة 09 دفعة 59 ، وكان يجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية وملامحه غير مصرية تشبه الأجانب ، ولكنه لا يعرف العـبرية فسأله الاسرائيلي من أين أنت ؟ متخيلاً أنه من تل أبيب ، فأجابه فيصل بالانجليزية : "من مصر" فأسروه ، ولما انتهوا من التفتيش عادوا لوحداتهم .

وأعيد التأكيد هنا أن دراسة العبرية بالكلية الحربية وإجادتها مفيدة كثيرا وقت العمليات ، وأن حروفها الأبجدية نفس حروفنا "أبجد هوز حطي كلمن" كما توجد كثير من الكلمات المتشابهة والمشتركة بيننا وبينهم ، وهم يدرسون لأطفالهم اللغة العربية منذ المرحلة الإبتدائية بينما نحن لا ندرس العبرية بمدارسنا ، وهذا أحد الفروق بيننا وبينهم أنهم يجهزون أبناءهم جيداً للحرب ، ويعلمون أنها قادمة لا محالة في يوم من الأيام ، بناءً على عقيدتهم أن يستحوذوا على الأرض من النيل للفرات ، حسب ما وضعوه على واجهة مبنى الكنيست ، وما يشير إليه الخطان الأزرقان في علمهم وبينهما نجمة داوود ، أن الصهاينة حدودهم بين النيل والفرات .

وقد تلقينا تدريبا جيدا قبل الحرب علي كيفية الحصول علي معلومة صحيحة ويعود الفضل في ذلك إلي أسامة المندوه الذي كان أستاذا كبيرا تعلمنا منه الكثير ، وكنا نسهر الليالي بالمذاكرة والتدريب كأننا نحضر الدكتوراة ، فأفادنا هذا التدريب الراقي بالحرب ، لكن أفسدها القادة في بعض الأحيان ، لأنهم كانوا لا يصدقون المعلومات التي نبلغها لهم ، لأن أغلبهم من القيادات التي حضرت 67 ، ولم يقدروا أن المعلومة وقت الحرب تصنع فارقا من دقيقة لأخري ، فاستمر هذا الجيل ، ولم يحاول تطوير نفسه ، وعلي عكسهم كانت القيادات الشابة مثل اللواء / عبدالعزيز قابيل ، الذي كان يبلغ وقتها 42 عاماً تقريبا عندما تولي قيادة الفرقة ، وكان رجلا رائعا يملك الكثير من الأفكار الجيدة ، وكان يلعب الكرة بنادي الزمالك ، ومتواجد بين الشباب دائما ، ويتواصل معهم باستمرار ، ولم تكن رأسه مصفحة كالأجيال القديمة التي سبقته ، وكان يلعب معنا الكرة ، ويتشاجر أثناء اللعب ، مثله مثل أي ضابط عادي ، فكان نوعا من القيادات التي افتقدناها ، ولم نرها من قبل ، وهذا التواصل الجيد بين الأجيال يؤدي إلي أفضل النتائج دائما .

في يوم 28 أو 29 أكتوبر ، كلفني اللواء عبدالمنعم واصل شخصيا بمهمة تعبوية ، هي إيجاد طريق إمداد للجيش الثالث عبر الجيب الإسرائيلي المتواجد بينه وبين الشؤون الإدارية في الخلف ، وكانت بالنسبة لي مهمة غير واضحة المعالم فهل يريدون طريقاً يصلح لسير السيارات أم الجمال ؟ ومن المفترض أصلا أن يبلغني القائد بالطريق الذي سأخرج به لمهمة ما وأقوم أنا كضابط استطلاع بتأمينه وتفتيشه ، ولكني خرجت على أي حال للطرق التب تمر عبر الجناين ( الحدائق ) حول الدفرسوار ، وكنت علي علم بأماكن تمركز العدو ، والحد الأمامي لقواته ، واستمريت في السير إلي أن وصلت جبل شبراويت ، فوجدت العدو حولي بكل مكان ، فدفنت السلاح والمعدات الموجودة معي في الرمال وموّهتها ( أخفيتها بما يشابه طبيعة الأرض حولها )، ونزلت حتي وجدت منزلاً لأحد الفلاحين منشوراً أمامه غسيل ( ملابس مغسولة ) ليجف ، فأخذت جلباباً منه وارتديته . وكانت مجموعات خلف الخطوط تتسلم ضباطاً وجنوداً - ملابس داخلية من النوع المخصص للجنود فقط ، حتي اذا وقع أحد الضباط أسيراً بيد العدو يظنونه جندياً فيتركونه ، فارتديت هذه الملابس . وكان الصهاينة إذا وجدوا جندياً فقال لهم إنه شئون إدارية ، يتركونه ، فهو غير مهم لهم ، أما الضابط فيأسرونه علي الفور حتي يحصلوا منه علي أي معلومات . واستمريت بالسير خلال المنطقة ، وكان اليهود منتشرين بكل جوانبه فلم أجد أي طريق يمكن أن تدخل منه سـيارات أو جـمال للإمداد وانتهيت من المأمورية وغيرت ملابسي ، وعدت للجبل ، وأبلغت أنه لا يوجد طريق يصلح لذلك ، فأنا فرد وحيد أتلفت حولي كل ثانية تحسباً لوجود العدو حولي ، فكيف يمكن إدخال سيارات أو جمال وسط ذلك الزحام من قوات العدو؟ وكان واضحاً لي أن الصورة عن الموقف غير كاملة من الأساس لدى القيادات ، ومن الطبيعي أن وقت المعركة الفعلية يختلف عن وقت التخطيط ، والضغوط العصبية والمتغيرات التي تحدث قد تسبب أخطاء طبيعية واردة في حق البشر عموماً ، ولا توجد حرب بدون أخطاء .

وأذكر من التكتيكات التي استخدمها العدو في خداعنا أثناء الحرب أنه يتقدم بقوة كبيرة من الجانب الأيسر مثلاً ، أنه يقوم بإدخال دبابتين فقط - واحدة خلف الأخرى - من الجانب الأيمن ، تسحبان بينهما أسلاكاً شائكة على الأرض ، فتثير الأسلاك سحابة من الأتربة في الجو ، ونحن نري أول وآخر دبابة فقط ، ولا نري ماذا بالمنتصف بسبب الأتربة ، وفي النهاية نكتشف أن هذه القوات ما هي إلا فصيلة من 3 دبابات فقط . وليس كما صوروا لنا أنها كتيبة كاملة . وتعلمنا من ذلك أن قراءة الخريطة لها أهمية كبيرة في إدارة المعركة ، فلو درسنا أرض المعركة من الخريطة جيدا سنعلم أنها غير صالحة لمرور كتيبة كاملة ، فنتوقع حجم قوات العدو الحقيقي .

كما تعلمنا أيضاً ، أنه لابد من معاينة أرض العمليات على الطبيعة وليس من الخريطة فقط ، وأن علم الطبوغرافيا يلعب دورا ذا أهمية بالغة في الحرب . تعلمت ذلك من العقيد / نبيل اسكندر ، الذي كان إنساناً في غاية الاحترام ، تعلمت منه الكثير ، وكان في كل مكان نقوم فيه بمناورة ، يعطيني الخرائط الخاصة به وعلبة ألوان خشبية لنستخدمها في تلوين الخرائط ، وكان كل لون له درجات ، وكل درجة تشير لارتفاع مختلف ، فمثلا الارتفاع العالي لونه بني مقارب للأسود ، بينما الارتفاع المنخفض لونه بني فاتح وهكذا ، فعلمني كيفية رسم وتلوين الخريطة يكون كل شئ فيها بحيث عند رؤيتي لها واضحاً من خطوط الرسم (الكونتور)، ومن الألوان المختلفة ، فلا تحتاج لمجهود للقراءة ، فكنت أشتري علب الألوان من مالي الخاص وأرسم بها خرائط مهماتي دائما .

وأذكر في أحد المرات أثناء عودتي من مأمورية في فبراير 1974 م وجدت الرادار المضاد للأفراد علي تبة تبعد عني 10 كيلومترات ففكرت أن آخذه لقواتنا ليقوموا بفحصه ، ومعرفة كيفية التعامل معه وكان العدو قد ترك المنطقة ، و فوجئت عندما وصلت عنده بالسيارة أنه ليس إلا علبة سوداء من الصفيح ملحومة على زاوية رأسية من الحديد بارتفاع 6 قدم ، وتحتها سيبيا ثلاثية من الحديد أيضاً ، ويتدلى منها سلك أسود يشبه سلك التلفاز مربوط في الأرض .وكنا إذا رأينا ذلك الشيئ سابقاً ، نبتعد خوفا منه ، وهو مجرد خدعة فأخذته وسلمته لقيادتي ، وأضافوه ضمن الخبرات المكتسبة .

أذكر أيضاً عندما بدأت مباحثات الكيلو 101 كنت موجودا بجبل جوميرا بجوار جبل عتاقة ، وكان العدو وقت الثغرة قد أنشأ مطلعا لهذا الجبل ونقطة ملاحظة عليه ، وتمركزت به فصيلة معادية من أعلي ، فكنت أراقب قواتهم هذه من جبل عتاقة ، وكنت لا أتحرك طوال النهار لئلا يتم رصدي بالهليكوبتر ، وكان موقعي وسط الجبل لا يستطيعون إيجادي ، وكان معي بندقية آلية قمت بضبطها علي الوضع الفردي وقررت ضربهم ، وكان أقصي مدي للبندقية 350 مترا والمسافة بيني وبينهم أقل من مائة متر ، ضربت أول واحد منهم فسقط مصابا فنزلت الوحدة بالكامل للاختباء أسفل الجبل ووجدت عربتهم المدرعة "ام 113" قد عملوا بها فتحة من أسفلها بحيث تعمل كسيارة إسعاف ترفع المصاب إلى الداخل بدون أن يتحرك فرد من الوحدة ، وبعد إطلاقي لهذه الطلقة خرجت هليكوبتر لهم تفتش المكان ، عن طريق ما يسمي نيران تفتيش ، وكل مكان يشكون فيه ، يقومون بضرب دفعة نصف بوصة عليه ، وأثناء الضرب أكون موجودا بين حجرين حتي لا أصاب ، فإذا تحركت أدخل ضمن مرمي النيران ، واستمروا بالتفتيش حتي تأكدوا أنه لا أحد بالمكان فذهبوا ، وانتظرت حتي اطمأنوا وعادوا لموقعهم فضربت عليهم مرة أخري ، فقاموا هذه المرة بتفتيش الجبل بالكامل وللأسف أنه كانت توجد عند سفح الجبل ، كتيبة صاعقة لنا ، اعتقدوا أنها هي التي تقوم بضربهم ، فقام اليهود بمهاجمتهم واوقع بينهم خسائر ، و شعرت بالندم الشديد وقتها ولكني لم أكن أعلم بوجودهم .

وكان ضابط الاستطلاع لا يخرج في العادة لمهمة أكثر من اسبوع فهذه هي الفـترة التي يسـتطيع أن يحمل ما تكفـيه خلالها من مؤن لأنه كان يحمل علي ظهـره 40 كيلوجراماً من المعـدات والتعيين فإذا طالت المهمة عن ذلك أرهقته الحمولة . وكان البدو يمدوننا بالماء والطعام والدخان لمن يدخن ، وكنا نستلم من الجيش ليرات اسرائيلية حتي نشتري بها ما نحتاجه من العرب ، وكنت لا أئتمن أحداً كما علمونا ، وكما علمت الأجيال من بعدي بمدرسة المخابرات فقد يكون الدليل المتواجد معي أمينا ، ولكن له قريب يعمل لدي الإسرائيليين ، فيتبعه ويعرف مكان قواتنا ويبلغ بها العدو ، فيجد الضابط فجأة فوقه طائرات العدو تقوم بتثبيته حتي تصل دباباتهه ويهاجمونه ، فكنت أطلب من البدوي أن يوصلني لمكان بعيد عن مكان المهمة ،وأكمل الطريق وحدي ، وأنا أعرف إحداثيات المكان الذي سأذهب إليه ، وكنت أطلب منه أن يتركني بمنطـقة حجرية وأن يترك لي الطعام بمكان معين يبعد كثيرا عن المكان الذي سأتمركز به ، وأقوم بعمل مربع بطريق عكسي في اتجاه العدو وآخذ زاوية يمين وأخري يسار وأعود لموقعي مرة أخري ، وكنت أستمر في مراقبة المكان الذي سيترك الطعام فيه ، قبلها بأربع وعشرين ساعة ، حتي أتأكد أنه لم يبلغ عني أحدا ، وأنه لا يوجد طيران بالمكان ، وقد نقلت هذه الخبرة للأجيال من بعدي ، لأن الخيانة كانت متفشية وقتها . وقد أصبح الجيش بعد ذلك يأخذ أبناء العميل كرهائن حتي نعود سالمين ، فكان يأخذ منهم ثلاث أبناء مقابل ضابط واثنين من العساكر ، ويتم احتجاز الأبناء بمكتب المخابرات لحين عودة الضابط والعساكر ، وإلا لن يري العميل أبناءه مرة أخري .

وفي بعض الأوقات كانت المهمة تأخذ أكثر من أسبوع أو يحدث شئ ما يعطلها ، أو يطلبوا مني معلومات جديدة عن مكان معين ، وأكون أقرب فرد لهذا المكان الذي يريدون جمع معلومات عنه ، فيلزم أن أكون محتاطاً قبل التحرك ، وآخذ طعاما يكفيني مدة أسبوعين بدلاً من أسبوع واحد ، وكنت أشرب الماء ليلاً فقط حتي يستفاد منه جسمي أكبر استفادة ممكنة لأني إذا شربت بالنهار ، سأفقد الماء علي هيئة عرق ، ولن أستفيد منه وأشعر بالعطش أكثر ، وبسبب ما قد أتعرض له من قلة المياه ببعض الأوقات ، فقد شربت أحياناً مياه عليها ريم أخضر لمدة 3 أيام تسمي "مياه هرابة" ، حيث ينزل هذا الماء من السيول علي الجبل ، ويتجمع بالأماكن العميقة به ، فكنت أقوم بإزالة الريم الأخضر ، وتصفية الماء بالمنديل قدر المستطاع ثم أشرب منه ، أيضا لاحظت أن الغزلان تقوم بلحس الصخر والشجر حتي تأخذ الندا المتواجد عليه في الصباح كأنها تشربه ، فأحضرت مشمع من البلاستيك وقمت بتثبيته بأربع طوبات ، حتي لا يطير أو يسقط ، ووضعت طوبة في المنتصف حتي يتكثف عليها الماء طوال الليل ، فأجد جزءاً قد تجمع وقت الفجر أستطيع شربه برحمة الله .

كذلك كنا نتدرب علي الدفع بنا خلف الخطوط عن طريق هليكوبتر نهبط منها بالمظلات عندما تهبط إلى ارتفاع ثلاثة أمتار من الأرض فننزل منها وهي طائرة في الجو ، لأنها إذا ثبتت في الجو ، قد يتم رصدها ومعرفة أماكن تمركزنا ، وبعد النزول نبدأ في الانتشار باتجاه خط السير المخصص لنا ، وكنت آخذ خط السير قبل التحرك علي ورق بطريقة اخترعتها ، فقد كنا عند تجميعنا للخرائط بجوار بعضها لعمل خريطة كبيرة نقوم بقطع الهوامش ، وكنت أقوم بلف هذه الهوامش علي بكرة أو قلم رصاص وأضع عليها خط السير في شكل مستقيم واحد بطول الورقة بدلا من كونه منحني وأضع عليه أرقام الـزوايا التي سأتحرك عليها وسـتتحرك باتجاهها الطائرة وأضع هذه الأرقام بشفـرة معينة لا يعرفها سواي ، فأضيف علي الرقم الحقيقي أرقام أخري ، موجودة برأسي فقط ولا أحد يعلمها غيري ، وأضع علي هذا الهامش العلامات الأرضية ، التي سأمر عليها ، كالمزارع ، وأبراج الضغط العالي ، أو محطات البترول .. إلخ ، وأضع هذه الأهداف بأشكال مختلفة عن حقيقتها علي الخريطة بحيث اذا وقعت هذه الورقة بيد العدو لا يفهم من أين أتيت ، وإلي أين سأذهب ، وكنت وأنا في الهليكوبتر ، أقف بجانب الطيار وأبلغه بخط السير ، وأعطيه الزاوية التي سيمشي عليها ، حتي يتم إنزالي بالمكان الذي أريده ، ولكني في أغلب عمليات الدفع التي قمت بها لم تكن بالطيران لضعف الإمكانيات ، فكانوا يوفرونه لأفراد الصاعقة لتنفيذ أهداف الإغارة المكلفين بها .

أتذكر من المجندين الذين عملوا معي شاويش / علي حجاج ، وقد حضر معي أغلب العمليات ، وزغلول توفيق الذي كان سائق سيارتي ، وكان قبل الجيش يملك حنطورا ( عربة يجرها حصان ) فعندما سألوه بالجيش ماذا تعمل ؟ قال لهم : "سائق" ، وهو لا يعرف القيادة أصلاً ، فتعلم القيادة في الجيش واستخرج رخصة قيادة عمل بها بعد خروجه من الخدمة ، وأصبح الآن تاجراً كبيراً يملك ثلاث سيارات نقل ، وحين كان يعمل معي بالكتيبة ، كان يوم الخميس هو يوم الصيانة للسيارة ، فكان جميع السائقين يقومون بتنظيف سياراتهم من الخارج فقط ، أما هو كان يأتي بقطعة من ليف الغسيل والاستحمام وصابون ويغسل العربة بالكامل من الداخل والخارج من الموتور ( المحرك ) إلي العجل ، وكان قائد الكتيبة يمر كل أسبوع ويحدد أفضل سيارة تم صيانتها ويعطي سائقها جنيهاً مكافأة ، فكان زغلول يأخذ المكافأة كل أسبوع ، حتى غار منه باقي السائقين خاصة وأن القائد كان يطلب منهم أن يصبحوا مثل زغلول ويراهم مقصرين دائما ، ، فقاموا في إحدى الليالي - بعدما غسل زغلول السيارة ـ بإلقاء سولار ورمل عليها ، واستيقظ زغلول في الصباح ليجد العربة علي هذا الحال ، فأخذ يلطم وجهه ، وحاول تنظيفها ولكن القائد مر ورآها علي حالها السيئ ، فاستغرب وسأل زغلول لماذا تغير حاله هل اغتر بنفسه ؟ فلم ينطق زغلول ، ولكن عندما ذهب القائد ضرب سائقي باقي السيارات بسبب فعلتهم .

والتحق أخي الأكبر الطبيب ضابطاً للاحتياط بالجيش ، وكان متواجدا بالسرية الطبية للجيش الثاني بالفرقة 21 ضمن اللواء الاول مردع ولما علمت بتعرضهم لخسائر كبيرة في الحرب ، مررت عليهم لأطمئن عليه أثناء عملي بإحدى المأموريات في اتجاه الجيش الثاني ففوجئ بي عند دخولي عليهم السرية ، وفرحنا فرحاً كبيراً أن كلينا مازلنا علي قيد الحياة ، وقد عرفت بعد ذلك أن أمي كانت تكلم نفسها خلال تلك الفترة ، وتطوف لتبحث عنا في الشارع قلقاً على ولديها الذين غابا في الجبهة ، ولا تعلم عنهما شيئا .

وكنت خطبت جارتي للزواج قبل الحرب بثلاثة أشهر في 1973/7/5 ، وكانت تجمعنا قصة حب كبيرة ، ووعلمت بعد ذلك أني سبقت دون أن أدري زميل والدها في العمل ، الذي كان يريد خطبتها ، فكان يتمنى خبر وفاتي بالحرب حتي يتقدم هو ، وأخبرني أحد زملائي بهذا الموضوع ، فلما عدت من الجبهة سألتهم عن هذا الشخص كيف حاله الآن ، فعرفت أنه أصيب بالاحباط عند رجوعي واستغربوا من معرفتي بقصته .

وأود أن أنوه في ختام حديثي عن بعض الفروق بيننا وبين العدو، والتي منها أن العسكري عندهم قد يموت أثناء الحرب ، وعلي صدره أوسمة ونياشين ، لأنه في اليوم الذي يؤدي به المهمة المكلف بها ، يرسلون إليه وسام التكريم ، ويقوم قائد الوحدة بإهدائه إياه بنفس اليوم ، فإذا مات بعدها ، يموت وعلي صدره أوسمته ، مما يساعد علي رفع الروح المعنوية لزملائه ، بينما نحن يتم التكريم لاحقاً إذا تم التكريم أصلا ، فأنا مثلا تم إبلاغي بحصولي علي النجمة العسكرية في إبريل 1974 م ، بينما التكريم وقت المعركة يختلف كثيرا عند المقاتل . أما عندنا يحدث التكريم حسب الأقدمية وقد حدث هذا في كتيبتنا ، أما القيادات التي أراها تستحق التكريم فعلا فهم الفريق الشاذلي الذي كان قائدا بمعني الكلمة ، ومحبوبا من الجنود ، هو والمشير الجمسي ، فهما اللذين عملا بأمانة وتحملا مشاق الحرب ، من وجهة نظري .

وقد استمرينا في القيام بعمليات خلف الخطوط ، حتي بعد انتهاء الحرب ولكن بشكل جديد وخبرة أكبر ، وتفادينا الأخطاء السابقة وأصبح العدو هو من يقلق دائما لوجودنا ، ولذلك تمنيت استمرار الحرب حتي نستفيد من هذه الخبرات ، ونحقق خسائر أكبر فيهم .

   ومن نتائج الحرب الرئيسية أننا اكتشفنا أن العدو ليس بالقوة المعلنة عنه ، وأننا أفضل بكثير منه ، فكنا الجيل الذي أثبت أن الجيش الاسرائيلي جيشٌ عاديٌ يمكن هزيمته وقهره ، وأن ذراعه الطويلة يمكن قطعها ، وأنه ليس الجيش الذي لا يقهر ، وإنما الذي يميزه هو كفاءة وتقدم تسليحه ، ولكن يعوض هذا لدينا صلابة المقاتل المصري . ولذلك كان مطلوبا لدى العدو ، ألا تحدث حرب أخرى إلا بعد أن يخرج جيلنا من الخدمة ، حتي يأتي جيل جديد يمكن خداعه مرة أخري ، وإقناعه أن اسرائيل تملك جيشا لا يقهر وهو تخطيط من أمريكا وانجلترا لصالح إسرائيل طبعاً ، وأرى أن ذلك هو سبب خروجي من الخدمة ، أنا وأغلب زملائي أوائل الدفعة وحيث لا أحد في الجيش يختار مكان عمله ، فقد فوجئت بقرار أن من لم يتولَ قيادة كتيبة حتى تاريخه ، سيخرج للمعاش ، فخرجت للمعاش المبكر ، مع أنني كنت أعمل بفرع الملحقين الحربيين - أفضل فرع بالمخابرات - وكنت أسافر للخارج ، وأفتش علي السفارات ، ولكن كان لابد من استبعادنا .

وبعد انتهاء الحرب بفترة ، حدثت خلافات بيننا وبين ليبيا ، فتم نقل الفرقة 04 بالكامل لسيدي براني ، وقمنا بتكوين نقط استطلاع لنا علي الحدود ، وكانت ليبيا وقتها بغاية الضعف ، فكنا ندخل ونخرج بالمعلومات بسهولة كبيرة ، واستمرينا هناك 4 سنوات ، ثم عدت علي الفرقة الثالثة مشاة ميكانيكي بالأسكندرية ، وخدمت بها ثلاثة أشهر ، ثم أعلنوا عن مسابقة لاختيار ضباط ليعملوا مساعدين للملحق العسكري ، وكانت تنطبق علي الشروط ، فدخلت الامتحان ونجحت ، ثم انتقلت للمخابرات ، وأخذت فرقة في الشئون الإدارية والسكرتارية العسكرية ، ثم سافرت بعد ذلك إلى السودان ، وكان من المفترض أن أسافر للعمل في لندن ، وكان اللواء أحمد بدوي قد أدرج اسمي ضمن كشف الأسماء التي سيسافر أصحابها إلى هناك ولكنه توفي – رحمه الله - في حادث المروحية الشهير ، وألغى من خلفه الكشف واستبدله بآخر ، فانتقلت للعمل بالسودان ، وقضيت فترة عمل جيدة في الخرطوم إلى أن عدت إلى القاهرة مع خروجي للمعاش . . والحمد لله رب العالمين .

* * *

تسجيل وتفريغ : حسن الحلو .

                 : أحمد عبد الصبور .

                 : محـمد قنديل .

                 : محمد شريف .

مراجعة لغوية : عبدالناصر المرابط .

 

 

 

 

 

 

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech