Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

البطل رقيب أول احمد الخطيب / اللواء 130 برمائي

 

التعريف بالبطل:

أنا اسمي أحمد عبده سليمان الخطيب، مواليد سنة 1943 بمحافظة الأسكندرية من أبويين نوبيين الأصل ومقيمين في الأسكندرية منذ الأربعينيات. حاصل على بكالوريوس تجارة محاسبة سنة 1968.

تجندت في 2 إبريل 1969 وتوجهت إلى مركز تدريب المدفعية بطريق السويس الكيلو 4.5، وبعد ثلاثة أشهر التحقنا بمدرسة المدفعية بالفرب منه للالتحاق بفرقة الصواريخ.

بعد ما ضرب العدو مدرسة أبو زعبل تم ترحيلنا إلى السويس عند جبل عتاقة (وهي منطقة صحراوية تتجه بميل لأسفل نحو السويس) وكان ذلك عام 1970.

حصلت على نوط وميدالية لما قمت به في حرب 73. تزوجت سنة 1983 وعندي ابن خريج تجارة إنجليزي يعمل في الإمارات وابن آخر خريج تجارة إنجليزي يعمل حاليا في السعودية-الرياض، وابنتي خريجة مدرسة كلية النصر للبنات E. G.C. وتخرجت من كلية التربية الرياضية وتعمل مدرسة بمدرسة أمريكية. لم أشترك بأي حزب سياسي وليس لي ميول سياسية، ببساطة أحب وطني وأسعى لتقديم ما يفيد وطني.

الحياة ما قبل التجنيد:

عندما حدثت النكسة كنت لا أزال طالبا بكلية التجارة، وحضرت فترة عبد الناصر عندما أعلن غلق خليج العقبة ومضيق باب المندب ، وكنت على دراية بما يدور حولي من أحداث. ولكننا في الكلية فوجئنا بما حدث في النكسة.

كان والدي له متجر في بوجها بمسجد الهداية، فعندما قامت الثورة في يوليو 1952– وكنت في حوالى التاسعة من عمري- كنت في طريقي إليه وشهدت عرض الدبابات وهي تمر فعجبني المنظر ومنظر العساكر وكانوا متوجهين إلى قصر المنتزة وبعد ذلك ظل والدي يشجعني للالتحاق بسلك الجندية.

قدمت أوراقي في الكلية الحربية مرتين واجتزت الكشف الطبي، ثم أرسلوا لي خطاب للكشف الطبي تابع للقوات الجوية (وكنت طالبا في كلية تجارة) فكشفت ولكني لم أجتز الكشف، فقد كانت رغبتي الأولى هو أن أكون ضابطا في الجيش، لكن مكنش فيه نصيب.

كنا شباب ونتابع ما يدور بالبلد من خلال الجرائد والإذاعة مثلنا مثل كل أفراد الشعب، وعندما حدثت النكسة كانت رغبة كل الشباب هو تعويض ما حدث في نكسة 67. علمت فيما بعد –بعد التحاقي بالجندية- أن النكسة كانت نتيجة لخطأ ما حدث لأننا إذا كنا قوة عظمى كما كان يردد عبد الناصر لكنا أول المهاجمين لأن الجيش في الحروب لما بينضرب بيتأثر لكن لما يكون الجيش هو المهاجم يكون هو من لديه القدرة على تحقيق شيء من هجومه، أي أن من له السبق الهجومي في الحرب هو الأقوى. بعد تخرجي مباشرة تجندت يوم 2 إبريل 1969.

الحياة العسكرية:

عندما التحقت بالجيش كمجند عسكري. كانت الحالة كلها شدة في البداية من الاستيقاظ مبكرا والتنظيف إلى ضبط المشية العسكرية وحتى التدرب على الأسلحة الثقيلة – ربما أشد مما هو عليه الآن- وكانت معظم الأسلحة التي يتم التدرب عليها هي بقايا أسلحة من الحرب العالمية الثانية. كان كل من في الجيش يعمل كالنحل ولا تجد شخص جالس أو يسترح. كان من ضمن الشكاوي التي اشتكيناها خلال الأيام الأولى للتدريب هو وجود الكثير من المجندين لا يعلمون القراءة والكتابة، فعندما كان ينادى فينا "لليمين در، للشمال در، إلخ" كان هؤلاء لايدرون يمينهم من شمالهم، فاشتكينا –لأننا متعلمين وحتى لانضيع الوقت-

أن نبدأ المستوى المتقدم من التدريب وهؤلاء يتم تدريبهم على مهل للاستفادة منا فيما بعد، ولكن هذه الشكوي تم رفضها وأصروا ان نتم التدريب على نفس المستوى معا، فكان الحمل شديد علينا حتى يتعلم هؤلاء المجندين يمينهم من يسارهم ويتعلمون تنفيذ الأوامر وكل هذا التدريب يتم تحت الشمس الحارقة.

بعد اجتياز هذه المرحلة تم ترحيل أصحاب المؤهلات العليا إلى مدرسة المدفعية.

ومدرسة المدفعية تضم معظمها ضباط يلتحقون بفرق مختلفة وهناك أيضا مجندين –المتعلمين منهم سواء مؤهل متوسط أو مؤهل عالي- يتدربون بفرق هناك. التدريب في مدرسة المدفعية أشد بكثير من التدريب في مركز تدريب المدفعية. التحقت بفرقة الصواريخ وكنت أتدرب في فرقة الصواريخ في مدرسة المدفعية، وفي أوقات أخرى كان يتم تجمعينا في ساحة ضرب الصواريخ للتدرب على إطلاق الصواريخ، وكان هذا يتم في ملاعب ضرب الصواريخ في الكيلو 4.5 كنا نتدرب على ضرب الصاروخ في ميادين إطلاق النار.

التعامل مع الصواريخ:

كان يوجد صاروخ قديم اسمه "شملَ" وكان كبير جدا ويتم تحميله على عربة جيب ويخرج لهبا شديدا عند الإطلاق، لكن النوع الذي تعاملنا معه في التدريب كان إنتاج عام 1952 واسمه "المالوتكا" ونسميه نحن "الفهد" ويطلق عليه العدو اسم "الساجر"، وهذا الصاروخ يضم جزئين: جزء فيه المقذوف (المسئول عن تفجير الدبابة)، وجزء آخر مسئول على توجيه الصاروخ في الجو، وفي الصاروخ ثلاث كلبسات تقوم بغلق الجزء القاذف، يوضع الصاروخ في حقيبة ومعها القاذف على جانب و الأجزاء الأخرى على الجانب الأخر منه في الحقيبة.

 

 

يمكنك رؤية حركة الصاروخ بالعين المجردة في النهار ولكن ليلا لا، هناك جزء في جسم الصاروخ مثل المصباح لكنها ليست كذلك بل هو جزء كيماوي يومض باللون الأحمر وهذا الضوء هو ما يمكنك رؤيته عندما يتحرك الصاروخ ليلا، والصاروخ يتحرك في حركات ملتفة وليست مستقيمة وذلك بسبب تصميم أجنحة الصاروخ المائلة. بداخل الصاروخ يوجد بكرة مثل بكرة الخياطة بها سلك رفيع مداه ثلاثة كم، وبها جزء جايروسكوب (ومؤشرها يتحرك كمروحة السقف )، فأثناء دوران الجايروسكوب تلف بكرة السلك الرفيع (والمثبتة عندي في القاعدة والتي تتمثل في حقيبة الصاروخ نفسها وعليها المجرى اللي بيجري عليها الصاروخ، وعند تركيب الصاروخ نأتي بأول السلك من البكرة و أربطها بجهاز معين ثم أركب الجهاز على جسم الصاروخ– يتمكن هذا الجهاز من توجيه أربعة صواريخ متتابعة إذا ركبت أربع بكرات دفعة واحدة وتطلق كل صاروخ باستخدام مفتاح عند إطلاق كل منها- وعند الإطلاق يظل الصاروخ مربوط بالسلك إلى أن يتعدى أقصاه مداه (3 كم) وبعدها يكون الصاروخ دون توجيه في الهواء) . الصاروخ لا يتلقى أوامر منك عند الإطلاق ولكن بعد تعدي 500 متر يمكنك توجيهه ولذلك فهذا الصاروخ غير فعال مع الأهداف القريبة. عند وصول الصاروخ إلى الهدف (جسم دبابة) تقوم الطبَة – موجودة بسطح الصاروخ- بضرب جسم الدبابة محدثة ثقب صغير تتسرب من خلالها درجة حرارة فوق الألف درجة مئوية إل داخل جسم الدبابة ودرجة الحرارة المرتفعة هذه هو المسبب في تفجير الدبابة الهدف لأن الدبابة محملة بالذخائر وبها أفراد.

جسم الصاروخ نفسه يسقط خارج الدبابة: الجسم يحتوي على جزء معبأ بوقود الصاروخ وشكل الصاروخ من الأمام مثل "القُمع" به تجويف من داخله وتصميم هذا الشكل معتمد على نظرية حرارية معينة بحيث عندما يصطدم هذا الجزء بالهدف تكون درجة الحرارة العالية هي السبب في تفجير الدبابة، ولهذا تلاحظون أن الدبابات الحديثة محمية بشبكة خارجية بحيث أي صاروخ يضرب فيها لا يصيب جسم الدبابة، ولهذا كنا نحرص دوما على ضرب الجزء الرابط ما بين برج الدبابة وجسمها لأن هذه نقطة ضعف الدبابة فهي عبارة عن مجرى يدور حولها البرج.

لا ينتهي دوري عند إطلاق الصاروخ، بل يظل تركيزي معه مدة 27 ثانية لتوجيهه حتى يصل إلى الدبابة الهدف، وهي مدة كبيرة جدا في الحرب فأنت يجب عليك الثبات وقت توجيه الصاروخ وكل الضرب من حولك وأي هزة بسيطة يتسبب في ضياع الهدف مني، وإن فلت الهدف الأول يجب عليك البحث بسرعة على هدف قريب وتوجه الصاروخ إليه حتى لا تخسر الصاروخ في لا شيء.

 

 

بعد ضرب مدرسة المدفعية في أبي زعبل:

أنهيت دراستي في مدرسة المدفعية في ثلاثة أشهر وحدث أن العدو ضرب مدرسة أبي زعبل في عام 1970 وتم ترحيلنا مباشرة إلى السويس في مكان عند جبل عتاقة عند منطقة تسمى عجرود. قمنا بتجهيز أماكن صواريخ الكتيبة التي كنت تابع لها ( ك-32 فهد ) وأذكر من زملائي نبيل (طيار واستشهد في استعراض احتفالات أكتوبر بسبب ارتطام الطائرة بالأرض وكان الملاح المرافق له زميلي في المدرسة واسمه أحمد عبد الفتاح البطوطي) وأخيه وديع الجولي (مهندس) والاتنين من حلوان وأذكر –أيضا زميلي من حلوان- عبد المحسن الشافعي. حفرنا الخنادق تحت الأرض ومن ضمن المشكلات التي واجهتنا في إعداد الخنادق هي العقارب، كنت أشيل الحجر ألاقي تحتها خمس ست عقارب ما بين أسود أصفر وثعابين.

تم إرسال أطقم كتيبتنا في بور توفيق وتقوم هذه الأطقم – يوميا - بإعداد وتجهيز الصواريخ من الفجر وفي المساء تقوم بفكها وإعادتها في حقائبها الخاصة حتى لا يتم سرقها إذا هوجمنا في الليل لأننا كنا معسكرين بالقرب من السطح المائي مباشرة فكنت تحفر في الأرض والمياة تظهر فورا لأن القناة أمامك مباشرة (هذه المنطقة هي لسان بورتوفيق وهي مكان جميل جدا وكانت ميناء الحجاج زمان).

كان هناك طائرة إسرتئيلية تسمى "الزنَانة" وهذه الطائرة كانت تحلق باستمرار ويوميا فوقنا وإن ظهر لها هدف تضربه بالقنابل، وكنا نتعرض للضرب منها يوميا وكذلك المنطقة التي خلفنا ولكن الحمد لله لم يكن هناك خسائر في أطقمنا (الكتيبة نفسها في عجرود ولكن الأطقم مقيمة على القناة)، فكنا نسير بالقرب من الحواف الملاصقة الجبل حتى لا تكشفنا الطائرة، وكانت هناك سيارة صغيرة تزودنا بالطعام وعند حضورها يقوم سائقها بالتصفيق مرتين إشارة إلى حضوره بالتعيين (أرز، عدس، مكرونة) لأن موقعنا في لسان بور توفيق كان قريب جدا من البر المقابل (اللي فيها العدو) وكنا نرى دوريات الإسرائيليين بالدبابات يوميا لمسح الأرض بالزحافات (لكشف أثار الأقدام في الأرض) لمعرفة ما إذا كان هناك أحد أو شيء عبر إلى الضفة الشرقية، كل هذا يتم تحت مظلة جوية إسرائيلية فوقهم ، وكان الطيران الإسرائيلي يهاجمنا ولم نكن نمتلك حائط الصواريخ وقتها فكان يتم صدها بالمدفعية، وكانت قواعد الصواريخ بالقرب منا لا تزال تحت الإنشاء وكان العدو يهاجمها بالطيران باستمرار، فكان المصريين يقومون بخدعة: موقع حقيقي يتم العمل عليه، وموقع آخرهيكلي ظاهر للعدو به عمال يعملون بشكل عادي فكان الإسرائيليين يضربون هؤلاء، فكان المصريين يقومون بإنشاء قواعد شكلية وقواعد حقيقية.

الإسرائيليين دول مصايب وأكبر مثل على ده أنه في خلال حرب الاستنزاف، كان –من وقت لآخر- يتم اقتراح موعد معين لقرار "وقف إطلاق النار" فكانت تقوم بشن هجوم قبل موعد تنفيذ القرار بوقت صغير حتى تكتسب مكاسب أكبر قبل وقف إطلاق النار، ففي يوم من الأيام كنا قد عدنا للكتيبة – لسبب ما لا أذكره- في عجرود وبعد الانتهاء مما كنا نفعله هناك كنا في طريقنا عائدين إلى مواقعنا في بورتوفيق في آخر النهار (كنت أنا ومعي زملائي عبد المحسن الشافعي ونبيل ووديع الجولي الذين أخبرتك عنهم)،

في هذا اليوم كان العدو يضرب مواقعنا من الصباح وحتى الليل بموجات الطيران المستمرة (4 طائرات لكل موجة).

كما أخبرتك أن بور توفيق هي لسان داخل مياه القناة، يمين بور توفيق من اللسان يقع خليج السويس ويسارها بحيرة اسمها –على ما أعتقد- حوض الدرس ، فكان الإسرائيلين يضربون المنطقة بحيث يتم قطع الطريق بالمياه فتتصل مياه الخليج بالبحيرة ويتم فصل اللسان عن السويس ، وتم قطع الطريق فعلا جراء الضرب المستمر بالقنابل وغمرت بالمياه ولكن لم يوجد قوة دفع مائي، وإن كان ركز العدو ضرباته لمدة أكبر كان سيتم قطع الطريق نهائيا بسبب اندفاع المياه. كنت أستقل أنا وزملائي عربية "زل" وهي عربة ثقيلة لها أربع عجلات على كل جانب في الخلف -وهي تستخدم لسحب المدافع- ومغطاة بالقماش من أعلى، وعندما وصلت العربة إلى هذه الحفر الكبيرة والعميقة توقفت.

كان يوجد مقار لشركات مقاولات: منها شركة المقاولون العرب، على طريق السويس، فأتت عربات نقل من شركة المقاولات كانت تقوم بتفريغ حمولة زلط ثم تعود مسرعة لتأتي بغيرها، واستمرت هكذا حتى ارتفعت الأرض بداخل الحفرة بنسبة معقولة. حاولنا استئناف الحركة ولكن السيارة توقفت لأنها ثقيلة وكانت معلقة: عجلتين على الأرض وعجلتين في الهواء فهي تحتاج أن تكون الأربع عجلات مثبتة جميعها على الأرض حتى تتمكن من الحركة.

ظللنا مدة نصف ساعة نحاول تحريكها ونحن مرعوبين لأن الضرب كان شغال وكانت توجد نقطة حصينة قريبة (وهي منطقة مرتفعة بفعل الردم الذي قام به العدو بارتفاع 30 م على الضفة الشرقية) يمكننا رؤيتها من مكاننا بالعين المجردة وكذلك العدو فنحن مكشوفون للجنود بهذه النقطة الحصينة (على بعد حوالى نصف كم من مكاني في السيارة المعطلة)، ولم يكن معنا سلاح ولكن ربنا ستر وعماهم فلم يقوموا بمهاجمتنا. بعد نصف ساعة بدأت السيارة بالتحرك وعندما قطعت مسافة بوسط المباني قفزنا خارج السيارة فورا لأن ضرب القنابل لم يتوقف بعد، قفزت من السيارة ووقفت بجوار مبنى فوجدت أن هذا المبنى مخزن ذخيرة ملاآنة بالصواريخ وبقنابل مدفعية وغيرها من الذخيرة (وهي خاصة بالمصريين) والحمدلله عدت إلى الأطقم . كنا نقوم بتغيير الأطقم كل شهرين وكذلك المركبات: مثل مركبة اليونامك الألمانية.

في يوم كنت نازل أجازة لتغيير الأطقم وكان هناك صف أطقم بسيارات يونامك (ثقيلة – ألمانية الصنع) تتحرك على خط القناة من أمام الحصن الاسرائيلي فطلبت عدم مرافقتهم حتى لا يقتل الكل إذا ضربنا العدو، ولكن الطقم أصر على مرافقتي لهم. الطريق هناك مليئة بالزرع ولا يوجد بها مبان ، وتمر المركبات بخط ضيق جدا على طريق القناة ، وعندما اقتربنا من المنطقة المواجهة للحصن الاسرائيلي بدأ العدو ضربنا، فقمنا بالتحرك بحزاء القناة (كان بيننا وبين القناة حوالى 2-3 متر) والحمد لله لم نصب بسوء ووصلنا للموقع لتغيير الأطقم.

في طريق العودة وكنا حوالي عشرين شخص في المركبة، والسائق – بالطبع- على علم أن النقطة الحصينة تضرب باستمرار علينا، فقادنا بأقصى سرعة، فمع سرعته في الطريق الضيق لم يتمكن العدو من أن يلمحنا، ودخلنا في طريق بعده وهذا الطريق به التفاف، فمن سرعة قيادة السائق ومع الالتفاف انقلبت المركبة بنا وطرنا خارج المركبة وارتطمت بالأرض (الأرض هناك مليئة بالبوص والشوك وما إلى ذلك فكان من الممكن أن أصاب إصابة خطيرة بسبب تلك السقطة) ، الكل كانوا نايمين على الأرض ولم ينهض أحد منهم، نهضت أنا وزميل آخر، وكنت مدرك أن بي إصابة ما ولكن لم أكن أشعر بأي شيء. حاولت مساعدة زملائي على النهوض وعندما لا ينهض أحد أحاول مساعدة زميل آخر، وهكذا.

المنطقة هناك لا يوجد بها مدنيين، فقط قوات عسكرية، فعندما علم الجيش الموجود هناك بأمر الحادث، أتوا لمساعدتنا ورفع الجنود وتم ترحيلهم إلى المستشفى وكنت أنا وزميلي الآخر – الذي نهض معي- نقوم بحراسة أسلحة زملائنا المصابين حتى عادوا في المساء ثم عدنا إلى الكتيبة، وبدأت آلام السقطة تزيد علي في المساء وأنا في طريقي إلى الكتيبة. قدمت أجازتي وركبت مركبة كانت عائدة للقاهرة (المنطقة هناك كلها عسكرية فلا يوجد مواصلات بل تركب أي مركبة عائدة للبلد )، بينما أركب وجدت أني غير قادر على تحريك قدميَ فساعدني السائق وذهبت للأجازة.

بعدما عدت من الأجازة –كل هذا مازلنا في فترة حرب الاستنزاف- توجهت إلى كتيبتي في الكيلو 4.5 وأخبرونا انه سيقومون بإعداد اللواء-130 مشاة أسطول في العامرية بالأسكندرية واختاروا قاطني الأسكندرية منَا للانضمام إلى هذا اللواء، وكنا نتدرب في بحر أبي قير هناك.

كان الهدف من هذا اللواء هو أنه عند القيام بالحرب كانت الخطة أن يتم الاستعانة بهذا اللواء لعبور القناة حتى يلهي العدو في ضربه بينما يتم تنفيذ المهام الأساسية الأخري للعبور من إنشاء المعابر والكباري ، إلخ، وهذا ما تم تنفيذه في الحرب فعلا .

بقيت في هذا اللواء مدة حوالى سنتين أو سنة ونصف، وكنا نقوم بتدريبات برمائية وكنا نتدرب على التوباز للعبور بها في عبَارات كبيرة وكانت التوباز عربة مدرعة برمائية تسع لحوالى عشرة عساكر وآر بي جي.

كان كل الكتائب متواجدة هناك لكن نحن – ككتيبة صواريخ- كنا نتدرب على صعود العبارة والنزول منها والمشي في الماء بالصواريخ.

توفي عبد الناصر عندما كنت في الجبهة في القطامية، ولكن هذا لم يثبت في عزيمتنا ولم أهتم إذا ما كان السادات يصلح كخليفة لعبد الناصر أم لا، كل ما كان يهمنا –كمجندين- أن نستعد للحرب لاسترداد أرضنا.

قمنا بتنفيذ مشروع تابع للواء مشاة أسطول في سبتمبر 1973 وكان مكان المشروع هو بداية التحرك من سيدي كرير-قبل المغرب بقليل- والوصول حتى الضبعة –ليلا- في الماء، والمهمة هي عبور البحر في الليل (البحر أكبر من المانع المائي فالمانع المائي تطلق على منطقة مياه ضحلة أو مجرى مائي ضيق). أثناء التنفيذ غرق عدد اثنين من التوباز بالجنود.

التوباز لها واجهة حديدية من الأمام ورغم ذلك كان الموج يكسرها من شدته، وكان مكاني في برج الدبابة من أعلى ولكن رغم ذلك كنت ألمس سطح الماء إذا مددت يدي: فأي ثقل يحمًل على الدبابة سيؤدي إلى غرقها حتما. هناك فارق بين الدبابة والتوباز: الدبابة درعها ثقيل لتحمل الضربات ولكن التوباز أقل في السمك وصنعت خصيصا للأغراض البرمائية ومدفغها ليس من العيار الثقيل مثل الدبابة العادية للمحافظة على خفة وزنها لكنه رشاش متوسط فقط ، وتتحرك برفًاصتين من الخلف وبها طرومبات (شفَاطات) تقوم بطرد المياه خارجها وأعتقد أن سبب غرق الدبابتين التوباز هو تعطل الطرومبات.

كان دليلنا للتحرك في المياه ليلا هي دائرة ضوء زرقاء كبيرة مثبتة في أعلى سفينة تابعة للقوات البحرية. وصلنا في مكان مظلم في الليل، وكان ذلك في حوالى الساعة الثانية أو الثانية والنصف صباحا، والمكان الذي وصلنا إليه كان به حدايد وأسلاك، ودوما في الجيوش والحروب يتم وضع هذه الأشياء حول حقول الألغام، فاحترنا في أمر المكان: هل هو مليء بالألغام أم لا، فتحنا طريق وقطعنا صحراء في الليل، كنا مجهدين للغاية لأننا لم نسترح منذ انطلاقنا من سيدي كرير ونمنا في الدبابات.

استيقظنا في الصباح على حرارة شمس شديدة ووجدنا الأرض حولنا مليئة بقنابل وطلقات مخلَفة من الحرب العالمية الثانية .

عودة إلى الجبهة:

عدنا إلى العامرية بعد تنفيذ المشروع وتم ترحيلنا بالقطار إلى السويس ووصلنا السويس في مكان ناحية الأدبيَة ، وعندما وصلت وجدت الجيش يقوم بتدريب إطلاق صواريخ أمام العدو مباشرة حتى يعتقد العدو أننا نتدرب ولن نحارب، وبقينا في الأدبية فترة نتدرب يوميا وعلى مرآى من العدو.

بعدها انطلقنا من الأدبية على خط القناة مارَين بجنيفة والشلَوفة والبساتين وأماكن أخرى حتى وصلنا إلى منطقة بالقرب من البحيرات المرة وعسكرنا هناك.

أنا كنت رقيب أول مسئول عن توجيه طاقم وقائد سرية بها فصيلتين وكل فصيلة بها أربعة أطقم وكل طقم له حكمدار، وكقائد أنا المسئول عن تجهيز السرية بالأسلحة والصواريخ والطعام (وكذلك طعام الإفطار وقت الحرب)، إلخ، وكنت على علم قبلها بأيام -قبل وصولي إلى المنطقة- بحدوث حرب قريبا لأني المسئول عن إعداد الأسلحة والذخيرة والإبلاغ عن الناقص من الأسلحة لطلب غيرها. كنت قد أعددت كل شيء بطاقمي وسريتي من قبل انطلاقي من العامرية.

حرب أكتوبر 1973:

في الحرب كانت نقطة انطلاقنا من البحيرات المرة، وما تدربنا عليه في البحر في اللواء 130 تم تنفيذه في البحيرات. مع بدء العمليات في حوالى الساعة الثانية إلا الربع ظهرا، بدأنا –مجموعة الكتيبة 603، ومجموعتي هي مجموعة ملحقة بالكتيبة- استعداداتنا لعبور البحيرات الصغرى (عرضها 2-3 كم) وكنا نتحرك بالطابور لتجنب ألغام العدو (قام العدو بزرع ألغام بعرض0.5 كم). بدأت طائرتنا تحلق فوقنا لضرب العدو في سيناء في وقت نزولنا البحيرات متجهين إلى ممر متلا وكانت الجبهة كلها ترج ب "الله أكبر" لدرجة إنها - تخلي الشخص اللي نايم يصحى. بينما توجهت مجموعة الكتيبة 602 إلى ممر الجدي، ووصلت كل كتيبة إلى وجهتها.

المجموعة هي حوالى سبع او ثمان دبابات بجنودها تابعة للكتيبة.

في وقت العبور، لم تتمكن الدبابة الأولى من العبور بسبب طبيعة الأرض الطينية، وفي الحروب يتم وضع شبك حديد، أو خليط معين من الخشب والمعدن، على تلك الأرض حتى تتشابك مع جنزير الدبابة وتتمكن الدبابة من التحرك فوقها. هذه المشكلة أضاعت الكثير من وقتنا ومجهودنا، وكنت لاأزال في البحيرات المرة خائفا وحزينا لأن ليس بيدي شيء لأفعله.. أذكر أنني اقترحت أن نعبر من جانب المدرعة المعطلة حتى نجتاز العقبة ولكن الكتيبة لم ترضي بهذا الاقتراح والسبب هو وجود خط الألغام -التي أخبرتك عنها- فكان يجب علينا التحرك في طابور. بعد مرور حوالى ساعة زمن، تمكنت الدبابة من العبور ونحن نتحرك وراءها. عبرنا ودخلنا في عمق الضفة الشرقية (حوالى 3-5 كم شرقا) تم قطعها في هيئة مجموعة من الوثبات (أي مراحل: فكنا بعد أن نجتاز مرحلة نتوقف في مكاننا ونعد الصواريخ ونجهزها ثم نعيدها إلى الحقائب بعد انتهاء مدة التوقف، ثم نجتاز أخرى ونتوقف، وهكذا، وكنت أيضا أقوم بتوزيع الطعام على الجنود في الوثبات) ، وكان الطريق أمامنا فارغ تمام ولا يوجد أي أثر للعدو (لكن الإسرائيليين مكارين: فقد أقام عدة نقاط حصينة على خط القناة وكان بين كل نقطة ونقطة مسافة 5-6 كم ، وكذلك في النقاط الخلفية لها نقاط حصينة أخرى بحيث أن لكل نقطين على الخط الدفاعي الأول له نقطة دفاعية في الخط الخلفي مسئول عن حمايتهما مشكلة بذلك نقاط في هيئة مثلث، فمن يجتاز النقطة الأولى تتمكن النقطة الحصينة الثانية –في العمق- من الإيقاع به). انقسمنا إلى مجموعتين: مجموعة تتجه للعمق (كنت معها) ومجموعة صدرت إليها الأوامر بالتوجه إلى كبريت (مجموعة الصاعقة) –لم تكن قد وصلت ممر متلا بعد- للقضاء على جنود العدو المتواجدين هناك والذين كانوا يقومون باستعدادات لشن هجوم مضاد، وخطورة موقع كبريت هو قربها من البر المقابل حيث أن الفارق بينها وبين البر هي جزيرة صغيرة والمسافة بين كبريت والجزيرة 200 متر وبين الجزيرة والبر حوالى 200 متر أخرى. كان العدو ينوي إقامة كباري للعبور للضفة الغربية من كبريت وعندما فشلت هذه الخطة اتجه العدو لتنفيذ محاولة عبور في مكان الثغرة (أحداث الثغرة).

علمت فيما بعد من الزملاء في مجموعة الصاعقة أن قائد الكتيبة محمود شعيب أصيب فور دخول الكتيبة إلى الضفة الشرقية وتم إعادته إلى البر الغربي.

عند وصولنا في العمق كان المساء قد حل، كنت منهكا ولم يكن معي ماء ولا طعام ولا أي شيء ولم أتسحر أو أفطر ولكن ربنا كان حامينا، ليس معي سوى صواريخي وأسلحتي ومركبة ناقلة الجنود (وبها مدفع صغير في أعلاها). فجأة بدأت دبابات العدو تظهر في مرمى البصر متجهة نحونا وكانت تسير على الأرض المسفلتة، وهو الطريق الذي كنا متوقفين عليه. ضربت صاروخ في اتجاه كشافات الدبابات. كان معي فردين من طاقمي.

كان للعدو كشافات زئبق كبيرة تمكنه من رؤية كل ما أمامه من الأفراد وحتى المركبات ونحن كان معنى كشافات ولكن من النوع الصغير الذي يتم تركيبه فوق البندقية، فكنا مكشوفون للعدو. بدأ العدو بالضرب نحوي بعد ضربي الصاروخ مباشرة، وأمرت الاثنين اللذين كانا معي بالاحتماء من الشظايا، وظلوا يضربوننا لمدة ساعة زمن كاملة. كنت أرتدي بدلة الصاعقة وكنت ألقي علي حفنات من الرمال لتحميني من الشظيات المارَة حتى نفذت الرمال القريبة مني (تذكر أني كنت على طريق مسفلت) فخلعت سترتي ولففتها لأن السترة بها تموَهات هي ما تظهر للشخص بوجود فرد ما هنا.

توقف العدو عن الضرب قبل الفجر بقليل، ذهبت لتفقد زملائي الاثنين. استشهد الاثنين ومعهم واحد ثالث أصيب (أحدهم اسمه ممتاز ناصف محمد من المنصورة وقطعت شظية قدميه والثالث اسمه –على ماأذكر- محمد ماجد عبد الحليم من طنطا وأصابته شظية في بطن القدم).

تجمعت مجموعتي مع المجموعة الثانية في كبريت، ونجحت المجموعة الاولى (مجموعة الصاعقة) في احتلال نقطة كبريت. كبريت منطقة كبيرة، أقام العدو أمامها ساتر بارتفاع 30 متر على خط القناة ويمتد هذا المرتفع بهيئة دائرة عريضة، لها ثلاثة طوابق تحت الأرض بها غرف علاجية وأسرَة وثلاجات وذخيرة وماء ومؤن تكفي لأشهر، وكانت هذه الدائرة مبنية من قضبان سكة حديد (التي كانت متواجدة لخط القاهرة-العريش) ثم الرمل ثم الطوب الأبيض ثم الحديد، فكانت محصنة ولا تؤثر فيها المدفعيات ولكن نقطة ضعفها الوحيدة هي الباب فإذا أطلقت صاروخ على الباب يقتل كل من في الدشمة الحصينة. عند وصولي بمجموعتي موقع كبريت قاموا بتوزيعنا إلى أطقم، وصرت حكمدار طاقم، وكانت المسافة بيني طاقمي وطاقم المرحوم إبراهيم عبد التواب حوالى عشرة أمتار. كان عددنا حوالى خمسين جندي وهو عدد قليل لتغطية كل الموقع (موقع كبريت). ظللنا من يوم 7 أكتوبر وحتى يوم 21 أكتوبر محتلين نقطة كبريت مسلحين برشاشات خفيفة وطاقمي هو الوحيد المسلح بالصواريخ وكنا نصد أي هدف معاد بالصواريخ.

كنا أربعة أطقم، والطاقم الوحيد الذي كان يصد الهجوم بالصواريخ هو طاقمي مع أني طلبت من الطاقم الآخر معي أن يقوم بالضرب لتخفيف الحمل من علي ولكنه لم يفعل (الطاقمين الآخرين كانوا في الصفوف الخلفية) ونحن في طريق العودة. ظللنا متمركزين في مواقعنا وكان كل يوم تمر علينا مركبات نقل إسرائيلية وأنا أضربهم بالصواريخ كل يوم وأذكر اننا قمنا بأسر مركبة –بعد ضربها- بكل من فيها، وفي يوم مرت دبابة إسرائيلية وانتظرت حتى اقتربت من مدى الصاروخ وأصبت برجها. الموقع كله محاط بالألغام وليس له سوى منفذ واحد ممهد ومسفلت كانت تمر منه مركبات العدو وتدخل إلى نقطة كبريت وكانت هناك علامات خضراء وحمراء وصفراء: أحدها تشير إلى منطقة ألغام أفراد وأخرى ألغام دبابات وأخرى ممر آمن، وهذا الطريق يمر بجانب باب النقطة وكانت بجوار الحفرة التي كان بها الشهيد إبراهيم عبد التواب. قام الشهيد إبراهيم بزرع ألغام إضافية في أماكن عشوائية في هذا الطريق لإصابة مركبات العدو الآتية من هذا الطريق الممهد. استهلكت كل الصواريخ معي والضابط –كان معي- مصطفى السعدني كان يحضر لي الصواريخ من الأطقم الخلفية.

في يوم 22 أكتوبر 1973 (تقريبا)، هاجمنا الطيران الإسرائيلي وضرب كل موقع كبريت بعنف واستشهد كثيرين خاصة من الأطقم المتمركزين في أسفل النقطة ولكن الأطقم المتمركزة في الرمال أعلى النقطة (طاقمي إحداها) لم يصبها شيء، والضرب كان مركز على النقطة الحصينة بالداخل وأذكر من الشهداء الزميل السرجاني (والده مصوغاتي من القاهرة على ما أذكر) جراء شظية.

كان الحامي هو الله وحده فأنا كنت متمركز في مكاني واحتميت أسفل شبكة حديدية و أصابت هذه النقطة قنبلة هاون مباشرة وأنا أسفلها، ظلت أذناي تطن وغير قادر على السماع بها لمدة خمس ساعات بعدها.

بعد هذا الضرب، احترقت كل المؤونة التي كانت موجودة في النقطة ولم يكن معنا طعام ولا شراب فكنا نأكل ما تطوله أيدينا مما نصطاده من وسط الرمال، ونقطة كبريت هي اسم على مسمى فإذا ضربت المنطقة المائية أمامها ليلا تجدها تضيء في الظلام لوجود مادة الكبريت بها وكانت لا توجد حشرات بالمنطقة بسبب الكبريت. أصبت في هذا الهجوم بشظية ظلت في كتفي مدة 42 سنة حتى نزعتها حيث أن الأطباء في الموقع لم يتمكنوا من فعل شيء لأن الشظية انغلقت وهي ساخنة داخل اللحم. في العام الماضي أصابني ورم شديد في كتفي وذهبت إلى المستشفى الألماني للعلاج، ظن الطبيب أن هذا الورم نتيجة كيس دهني وبدأ يزداد الورم بشكل كبير خلال أسبوعين بعدها حتى أجريت لي عملية جراحية وتم استئصال الشظية (وكنت قد نسيت أمرها تماما).

قام الرائد –وقتها- إبراهيم عبد التواب بإرسال 2-3 ضباط للسويس وأخذوا معهم بعض الجرحى وتحركوا على خط القناة لإبلاغ أقرب نقطة للجيش الثالث بما حدث، ووصل بسلام ثم عادوا ومعهم تعيين وأجهزة اتصال. كان التعيين يأتينا في لنش كل 15 يوم بحيث تكون السماء مظلمة لغياب القمر ويتم الإشارة بتجهيز أفراد لاستقبال اللنش في الظلام ولتحميل أشولة التعيين، وكانت اللنشات تصدر أصواتا لتحركها في المياه –كان وقتها قد بدأت أحداث الثغرة وتطويق الجيش الثالث- فكان العدو يطلق طلقات مضيئة ثم يطلق بالمدفعية، ولكن لم يتم إصابة أي لنش في هذه الهجمات.

ثم يقوم إبراهيم عبد التواب بحصر عدد الأفراد وتوزيع الطعام بحيث يكفي كل فرد إفطار-غذاء-عشاء في اليوم مدة 15 يوم.

كانت وجبتنا قطعة بسكوت واحدة لكل وجبة وبعض الماء، ومن قلة الأكل بطوننا قفلت، وإن دخلها طعام تحس أن بطنك تحترق وكأنك ابتلعت مية نار، وأذكر أن بعد عودتنا أحضروا لنا الكثير من الطعام من أرز ولحم وفراخ ولكن كل الطعام رميته ولم أستطع تناول منه شيء، بعدها بدأت بتناول كوب لبن واحد وبسكوتة واحدة ثم أزيد قطعة بسكوت واحدة كل يوم حتى تنفتح المعدة تدريجيا.

بالنسبة للمياه، كنا نستخدم جراكن الدبابات والمركبات والخراطيم الموجودة في النقطة لتسخين الماء بالخشب (وعندما استهلكت كل الأخشاب استعوضنا عنها بقضبان السكة الحديد) وتكثيفه ثم نقوم بتوزيعها علينا. بقينا على هذه الحالة حتى عودتنا من الحرب.

كان هناك اللواء 25 مدرع اتجه من الجيش الثالث لتنفيذ عمليات غلق الثغرة من الشرق ، تركه العدو حتى وصل إلى الثغرة (65 كم على سطح الأرض محدثة غبار أثناء التحرك). كان العدو في انتظار هذا اللواء في دبابات مخندقة في المنطقة وقام بضرب اللواء من مواقعه، حتى تبقى حوالى 10-12 دبابة من اللواء كله.

عاد بعض المتبقين من هذا اللواء إلى نقطتنا في كبريت (وكان من ضمنهم زميلي –من باكوس- الذي حدثتك عنه وهو من أخبرني بما حدث للواء) يطلبون الطعام والشراب، فكل منا اقتطع من نصيبه جزء لإطعامهم حتى جاء القائد لتوزيع الطعام واعتبرهم مننا ووضع في الحسبان نصيبهم من الطعام وكانوا يشاركوننا في تجميع الماء فكانوا يجمعون اللغم الإسرائيلي (والذي يشبه إناء الطعام) ويقوم بشقه إلى نصفين ويقوم بنزع الطبًة منها (وهو الجزء المسئول عن الانفجار فور استشعار تصادم جسم ما بها).

استشهد النقيب عبد التواب بشظية قبل عودتنا في فبراير 1974 بخمسة أيام في إحدى هجمات العدو على النقطة، وكانت الأرض شكلها يتغير بعد كل ضربة من العدو من جراء فجوات القنابل والهاون في الأرض.

إسرائيل ليست قوية، بل جنودها هي أجبن الجنود على وجه الأرض، ومثال على ذلك أنهم عندما رأونا من دبابتهم ، قفزوا منها وكانوا يزحفون في الأرض زحفا ونحن نشاهدهم في عجب.

بعد الحرب:

لم يتم تسجيل ما قمت به في الكتيبة وهو عند الله واستلمت شهادة تقدير وحيدة من الرئيس محمد حسني مبارك وكان توقيع الرئيس عليها عام 1992، أي بعد الحرب ب 19 عاما.

 

شاهد فيديو استقبال أهل الاسكندرية لابطال كبريت بعد الحرب مباشرة / أضغط للمشاهدة 

 

قام بالتسجيل: أ/ منال المغربي – عضو مجموعة 73 مؤرخين وبحضور الأستاذ حسن الحلو عضو المجموعة– من منزل البطل بكفر عبده بالأسكندرية.

قام بالتفريغ: آلاء عبد اللطيف – عضو مجموعة 73 مؤرخين

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech