Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

العميد أحمد السعيد عبد الباقي / قوات الدفاع الجوي / صواريخ الحية سام 7

بسم الله الرحمن الرحيم 

 

 

من داخل منزل العميد أحمد السعيد عبد الباقي – دفاع جوي دفعة 57 حربية – بما يطلق عليها الدفعة الاستثنائية بحضوري أنا منال المغربي عضو المجموعة 73 مؤرخين وبحضور الزميل زياد عمرو عضو المجموعة وبحضور سيادة العميد أحمد السعيد وزوجته،  بالأسكندرية...

بأرحب مع حضرتك معانا يافندم وأهلا بيك وبنقل لسيادتك تحية المجموعة 73 مؤرخين...

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

أنا بأرحب بيكم وبأبعت تحياتي لأخويا وابننا أحمد زايد لأن هو همزة الوصل وهو كان السباق لدعوتي للتحدث عن أحداث تاريخية أهملها التاريخ. وقبل البدء أحب أصحح اننا لم نكن دفعة استثنائية. الدفعة الاستثنائية هي التي تبدأ بين دفعتين أساسيتين، ولكننا دفعة أساسية تخرجت دون أداء امتحان نهائي لأننا كنا في خضم أحداث حرب الاستنزاف وضرب العمق، وكان تخرجنا الساعة الرابعة والنصف عصرا وطائرات الميج 21 كانت فوقينا، وهي الدفعة الوحيدة التي تخرجت بعد الظهر على غير ما هو معتاد وتم توجيهنا إلى الجبهة مباشرة. ارتدينا البدلة لمدة 48 ساعة واتجهنا جميعا إلى وحداتنا للتدريب فيها وسقط من دفعتنا شهداء فور وصولهم في الجيش الثاني، واستشهد غيرهم في بورسعيد (فور وصولهم أيضا).

 

التعريف بالبطل ومرحلة ما قبل الالتحاق بالحياة العسكرية:

 

أنا اسمي أحمد محمد السعيد عبد الباقي مواليد 1 إبريل 1949 محافظة الدقهلية، متزوج وجد، وحاصل على بكالوريوس علوم عسكرية في آخر يناير 1969 وبعد الحرب حصلت على بكالوريوس التجارة. أنا قائد فصيلة رشاشات 14.5 التابعة لكتيبة 493 في رأس العش

وبعد ذلك قائد فصيلة مدفعية خفيفة 23 ملي ثم قائد فصيلة 37.5 ثم فرقة الضبع الأسود (وكانت تسمى زمان "الحية") السام 7 (الصواريخ الحرارية) التابعة للكتيبة 552 (وهي تشكيلات برية لحماية الجيش الثالث وتأخذ أوامرها من الجيش الثالث)

وبقيت فيها حتى نهاية الحرب ثم تعينت مدرسا في معهد الدفاع الجوي في تخصصي في فرع الضبع الأسود وبقيت مدرسا فيها حتى وصولي لمنصب رئيس فرع الضبع الأسود بمعهد الدفاع الجوي. يقع هذا الفرع في منطقة أبي قير بالأسكندرية.

كلية الدفاع الجوي وقتما أنشئت كانت معنا في نفس مبنى معهد الدفاع الجوي وكان معنا كلية الضباط الاحتياط والتي تم نقلها فيما بعد إلى فايد ودخلت كلية الدفاع الجوي معنا في المراحل الأولى والثانية والثالثة والخامسة حتى الانتهاء من إنشاءات كلية الدفاع الجوي الجديدة.

شغلت منصب رئيس قسم الفرع ونائب رئيس التخطيط وخرجت منها معاش. اشتركت في حرب الاستنزاف واتجهت إلى الأردن في المجموعة الخامسة ولكن هذا كان بعد وقت إطلاق النار في نهاية الحرب بين منظمة التحرير والجيش الأردني وكان هناك في موقع الوحدة الخامسة والتي كان بها رادارات تراقب العمق الإسرائيلي منذ يونيو 1967 وهذه القاعدة هي التي أرسلت الإنذارات بانطلاق الطائرات الإسرائيلية بالضرب في 5 يونيو ولكن للأسف لم يكن هناك اهتمام وحدث ما حدث.

 

بقينا في موقعنا في المجموعة الخامسة حوالي 8 أشهر ثم تم سحب الوحدة بالكامل ، عدت بعدها والتحقت بفرقة الحية (السام 7). حصلت على وسام نجمة سيناء في 9 فبراير 1974 في حفلة تكريم التي أقامها السادات ووسام الخدمة الطويلة (تمنح لمن يستمر في الخدمة لبعد 30 عاما) ونوط الواجب ونوط الجرحى (تمنح للمصابين أثناء العمليات) ووسام 6 أكتوبر ووسام الشجاعة الليبي منحه لنا القذافي في مجلس الأمة.

في حديثي، أريد الربط هنا بين التاريخ وبين أسرة مصرية. أخي الكبير الشهيد رائد طيار حسين محمد السعيد وهو الذي أصر على الالتحاق بالكلية الجوية بعد النكسة مباشرة. عندما كنت طفلا في المنصورة نلعب الكرة في الشارع ونرى ضابط بالزي الحربي يمر كنا نوقف لعب الكرة حتى يمر من الملعب احتراما وحبا له، كل الناس كانت تنظر له وهو يمر .

انا في عام 1968 بعد ما تم قبولي في كلية الهندسة (وكانت أول مرة تتحول إلى كلية بعدما كانت "المعهد الفني الصناعي" والتي أنشأتها ألمانيا في الستينيات وأصبحت "كلية الهندسة" بالمنصورة عام 1968) قدمت أوراقي لطلب الالتحاق بالكلية العسكرية ولم أسحب أوراقي من كلية الهندسة إلا بعد أن تم قبولي بالكلية العسكرية فسحبت أوراقي من مكتب التنسيق والتحقت بالكلية الحربية بعد أسبوع من بداية الدراسة.

أنا وأخي وكل شباب المنطقة عشنا الحرب واتجهنا إلى سندوب لإعادة ترميم مطار شاوا بقدر المستطاع بعد ضربة في أحداث يونيو وكنت لاأزال في الصف الثالث الثانوي وحسين كان قد أتم دراسته وقتها، كانت هذه هي رغبة الشباب الأولى في هذا الوقت وهي الالتحاق بالكليات العسكرية أو المساهمة في الأعمال الحربية، نحن كشباب مرتبطين بالأرض والانتماء عندنا واضح وخاصة بعدما حدثت نكسة 67 وهذا ما كان ليحدث لولا تربيتنا وجذورنا وتنشئتنا السليمة وإلا كنا فقدنا الأمل وأعلنا الاستسلام للعدو وتبرئنا من أي مسئولية، ولكننا صممنا على الاستعداد و خوض حرب التحرير فكنا كشباب هذه الفترة نرى مستقبلنا بوضوح ومدركين تمام الإدراك أن الحرب لن تقوم بدون شباب البلد، وهم من قوموا حرب أكتوبر 1973.

اختلف اتجاهنا أنا وأخي بعد ذلك، فالتحق أخي بالكلية الجوية وكان يديرها العميد محمد حسني مبارك وبعد وصول أخي بالكلية عين عبد الناصر - محمد حسني مبارك رئيسا لاركان حرب القوات الجوية، والتحقت انا بالكلية الحربية ودخلت حياة جديدة.

 

الحياة العسكرية:

 

كانت رغبتي الأولى هو الالتحاق بكلية الطب .. سبحان الله، موقف أحداث 1967 غيرتني 180 درجة دون توجيه من أحد، كانت نزعة داخلية - كان فيه وجع من النكسة لكن مفيش انكسار.. فيه تحدي لأننا في الفترة دي كجيل مكانش يعرف الانكسار.

فور التحاقي كنا نسابق الزمن وكنا في خضم حرب الاستنزاف والتي أنزلت بالعدو خسائر جسيمة ولذلك كان العدو يضرب في العمق كالقناطر و ناحية برَاني وأطراف القاهرة في حلوان وغيرها من مواقع العمق المدنية ، نتيجة لتلك الضربات في العمق بالفانتوم تم تفريغ الكلية الحربية حتى ينتقل جزء إلى السودان والجزء الآخر إلى مرسى مطروح، كنا الدفعة الوحيدة التي بقيت في مكانها بالكلية الأساسي ولكننا نعيش في الخيام والعنابر مفرغة، كنا نتجه للمحاضرات صباحا وللتدريبات ثم نعود للخيام، وذلك للحفاظ على حياة الطلبة لأننا العنصر البشري الذي يحتاجه الجيش، كنا في فترة صعبة كطلبة ومقاتلين في آن واحد. "طالب مقاتل" هذا ما أسسه فينا البطل محمود زكي عبد اللطيف –رحمه الله- في الكلية الحربية، فهو أبونا ومعلمنا وهو من تخرج على يديه كل الأجيال اللي حاربت واللي كانوا رجالة فعلا، ده لازم يتحط له تمثال في الكلية الحربية: هو من علمنا "أنت اسمك طالب مقاتل .. لما أنادي عليك متقوليش طالب بس" . كنا ننام مدة ستة ساعات يوميا و الثمانية عشر ساعة الباقية موزعة بين محاضرات نظرية وتدريبات عملية:

رماية، تمويه، اختراق ضاحية، إلخ. يوم تخرجنا لم يكن هناك زوار و تخرجنا بعد الظهر والميج 21 كانت تحلق فوقنا كمظلة جوية.

بعد هذا الوقت بفترة سافر عبد الناصر إلى روسيا وجلب صواريخ السام 3 والسام 7 وتم اسقاط أول طائرتين سكاي هوك بجبال حلوان بواسطة فصيلة الضابط ماجد أحمد علي وبدأت تتساقط الطائرات الإسرائيلية هنا لعدم معرفتها بماهية هذا الصاروخ.

كانت روسيا مصنعاها في الأساس كصاروخ جو-جو موجهة بالأشعة تحت الحمراء، جربها الروس في الحرب الفيتنامية مع الفيتناميين ليستخدمه الفيتناميون في الغابات ضد الطائرات الهليوكوبتر ولكنه نجح دون كفاءة ولذلك كان مهملا. عندما حصلنا على تلك الصواريخ أضفنا لها تعديلات كثيرة واستخدمناه بشكل سليم ونجح استخدامنا القتالي له بشكل كبير وتدربنا على كيفية الضرب من الصفر (عندما تكون الطائرة فوق الهدف بزاوية صفر يمنع الضرب لعدم انقلاب اتجاه الصاروخ) ونجحنا فيها، وقتها كان يوجد مستشارين يدربون الدفعات الأولى وكنت انا في الدفعة التاسعة، وكنا ندرس الأساسيات ولكن الحرب هي الفارق، هناك فرق كبير بين الدراسة والمعلومات وبين لما تكون أنت والطيارة مع بعض، وأساس الطيران هو سباق ولضرب طائرة معادية يجب إطلاق الصاروخ في مدة لا تتجاوز الخمس ثوان من لحظة مرور الطائرة المعادية فوق الصاروخ ، وهذا كان المتاح وقتها وتم إسقاط طائرات الفانتوم بهذا الصاروخ. أما الآن يوجد صواريخ حديثة جدا. كانت هذه إرادة الانتصار على الطائرة لم تظهر ولم تكن لتظهر إلا عند الاستخدام للقتال. كان الطيران الإسرائيلي وقتها كسلاح تفوق المجال المصري كثيرا وكانت لها السيادة الجوية المطلقة حتى حرب 73 وكان لديهم وسائل الخداع الإلكتروني والتي كنا مبتدئين فيها وقتها، وكانت صواريخنا كلها صواريخ دفاعية ولم يكن بها إمكانيات إسقاط طائرة الفانتوم ومن هنا استخدمنا أسلوب قتالي بحيث ان الطائرة الفانتوم تسقط بصاروخين والصاروخين يزيدان القوة التدميرية داخل الطائرة فتنفجر واللحظة المثلى لضرب الطائرة المعادية هي عندما تكون في وضع زاوية الغطس لضرب الموقع وكان الضرب ما بين ارتفاع لا يقل عن 50 متر ولا يزيد عن 2 كم ، وتمكنا من ابتكار أسلوب قتالي بحيث يمكن الضرب لبعد 20 مترا إضافية من على ارتفاع 50 مترا بعد ضبط الطائرة بزاوية معينة

فعندما أتلقى الإشارة من الجايروسكوب يتم التقاط الحرارة من عادم الطائرة، والصواريخ الحرارية تتبع الهدف مثل العين بالضبط فالصاروخ يلتقط العادم الناتج من الطائرة الهدف في العين (الجايروسكوب) ويجمعها بداخله ثم تقيس الأجهزة المسافة بين اصاروخ والطائرة الهدف عن طريق العادم المجمع لحساب ارتفاع احتمالية إصابة الصاروخ للهدف أم لا.

 

فكل ذلك يعتمد على كفاءة "الرامي" (كل من اجتاز الفرقة من ضابط وعسكري وصف ضابط يسمى "الرامي") والرامي فور عبور الطائرة المعادية يوجه الصاروخ إلى عادم الطائرة في لحظة معينة عند تقابل الطائرة ونقطة النيشان لزم على الرامي إطلاق الصاروخ ولكن على ارتفاع 20 مترا من الأرض أو اكثر لعدم اصطدام الصاروخ بالأرض فلابد أن يكون الرامي ذهنه صافي لأخد الزاوية وقياس قيمة انحراف الجايروسكوب (وهو يتحرك في 360 درجة مثل مروحة السقف) والوضع في الحسبان لحظات القصور التي يفقدها الصاروخ عند الإطلاق.

المشهد الشهير الذي يذاع دوما في احتفالات أكتوبر هو صورة لضرب صواريخ السام 3 والسام 6 الموجهَة بالرادار ولكن ليس الصاروخ الحرارة.

لم أحضر الحياة العسكرية قبل الحرب ليمكنني المقارنة بين الحالة العسكرية قبل النكسة وبعدها، ولكني حضرت كطالب في خضم المعركة ولذلك كان المدرسين يجب أن يختيروا من الجبهة وكل من كانوا –من مدرسين الكلية الحربية- متواجدين بعيدا عن الجبهة تم استبدالهم بغيرهم من المرابطين بالجبهة لعدم وجود وقت كاف لتدريب المبعدون أيضا بجانب الطلبة.

كنا نعمل بشعار عبد الناصر "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" وكنا نردد قسم الثأر (وكنت أفعل ذلك أيضا مع جنودي في الفصيلة في الجبل) كل يوم في طابور الصباح (لا أذكره حرفيا الآن)

"نقسم بالله العظيم أن آخذ بثأر البلد ولن أترك سلاحي حتى أنتصر أو أذوق الموت".

تأثرنا كثيرا بوفاة جمال عبد الناصر، شعور مماثل لشعور لمن فقد كبيره وسنده، لم أعرفه إلا عندما كنت ملازم عندما أسقطت الكتيبة 416 أربع طائرات للعدو وكان وقتها عبد الناصر في روسيا، بعث عبد الناصر بخطاب تهنئة لقائد الكتيبة المقدم عادل حسنيين رحمة الله علية وأقام لنا حفلا يومها في المساء وكنت وقتها قائد فصيلة رشاشات وقرأ لنا خطاب عبد الناصر ولكني لم أقابله شخصيا قط.

 

قابلت الفريق سعد الدين الشاذلي واللواء عبد المنعم واصل –رحمه الله- عندما كنت ملازم أول ، وقابلتهم وقتما حضروا إلى الجبهة لمقابلة الجنود قبل التحضير للمعركة الكبرى وكنا نرى القيادات معنا في الجبهة وكان عندما يصادف حدوث هجمة أثناء زيارتهم لنا كانوا ينزلوا معنا في الخنادق والملاجئ وكنا نطلق من الحفر الفردية ولكننا ابتكرنا فيما بعد أساليب أخرى للضرب من مئذنة جامع ومن أعلى النخل ومن أعلى تبة جريشكو (أعلى تبة) تم إسقاط أول طائرة عدو لي في حرب 6 أكتوبر 73 (تبة جريشكو بالشلَوفة عند نقطة تقوية 49 التي حررها الشهيد محمد زرد – بعد المعدية قبل المثلث بطريق السويس-الإسماعيلية).

 

الاستعدادات لحرب أكتوبر 1973 والأيام الأولى للحرب:

 

قبل اندلاع الحرب بأيام كنت موقن بأن هناك شيء غير عادي ولكني لم أعرف ساعة الصفر إلا في يوم السادس من أكتوبر نفسه بعد الضربة الجوية المصرية ، ولكن بالرغم من البوادر التي ظهرت في تحركات الجيش قبل الحرب لم اكن لأتخيل أن تكون هذه المرة حرب حقيقية لأننا مررنا بنفس تلك البوادر أربعة مرات من قبل ثم يتم تسريح الاحتياطي فيما بعد وآخر هذه الاستعدادات كانت في إبريل 1973 وحضرها الفريق أول بطل الحرب سعد الشاذلي: هو البطل الحقيقي لأن هو اللي علمنا، بطلا حقيقيا وهو العسكري الأول اللي علمنا إزاي ترمي نفسك في رمال الصحاري ولا تخف عليه –من خلال الكتيبات والتدريبات يتعلم كل شيء لدرجة تمكن الجندي من اجتياز الطريق دون بوصلة وكيفية اتصرف دون ماء وكيف يبحث عن الماء ويجده، كان قائدا "ولد ليحارب" وكان من ذكائه العاطفي أنه لا يوجه اللوم بشكل مباشر ومثال على ذلك أننا كنا في الفصيلة نرتدي السترة من الخارج وهو يجب ارتداؤه من الداخل، وكان يعلم من نحن وما دورنا الحساس على الجبهة وكيف ننام وكيف نعمل أنا وجنودي، فكان لا يوجه إلينا اللوم مباشرة بل يلوم جندي آخر على عدم ارتدائه السترة من الداخل دون أن يلتفت إليك ولم يوجهني قط بشكل مباشر "انت مش مدخَل ليه السترة ومش مأفَز؟" على عكس تصرفات معظم القادات الأخرى، كان بيوريني نفسه عشان أتكسف، ذكاء التوجيه الغير مباشر.

 

نحن نستعد للحرب من يوم التحاقنا بالكلية الحربية. عندما تقدمت للكلية الحربية وتقدم أخي للكلية الجوية، توجه حسين بعد ستة أشهر من التحاقه إلى روسيا للتدرب في فرقة السوخوي-7 وسقط بالطائرة في الحرب، وهذه الطائرة كانت أحدث ما لدينا من طائرات رغم عدم مقارنتها بالفانتوم والسكاي هوك. في أثناء تدريبه أصاب طائرته عطل فني وقفز منها وقائد القوات الجوية زاره في المستشفى واقترحوا عليه تغيير طائرته بهليوكوبتر ولكنه رفض وأصر على المتابعة بالسوخوي-7 وأتم فرقة قاذفات وتخرج وكان متأخرا عن دفعته بشهر وهي الدفعة 23 –دفعة عاطف السادات – وهو طلع يوم 6 أكتوبر مع عاطف السادات وشريف عبد الوهاب والعقيد زكريا كمال ، وهو الوحيد الذي عاد واستشهد اثنين وأسر واحد. وقبل الحرب التحق حسين بفرقة المقاتلة اللايتنج في السعودية ولكن لعدم وصول الطائرات لم يتم التدريب.

 

فكل هذه التدريبات كانت استعدادات للمشاركة في الحرب مباشرة، انا –أيضا- فور تخرجي توجهت إلى بورسعيد (رأس العش) دون توجه إلى مدارس مدفعية أو فرق تدريب ودون أداء امتحان نهائي، كانوا بيرمونا في النار واتعاملنا وعرفنا إن احنا نقدر نصد !! أتذكر من زملائي في الدفعة عبد العزيز، سيف، عبد العزيز وصَال (وكان الثامن على المنوفية والتحق بكلية الطب ولكنه سحب أوراقه والتحق بالكلية الحربية – دفاع جوي) أحمد الجندي ... كثيرون ولكني لا أتذكر الأسماء الآن.

 

من المواقف المؤثرة في أثناء الدرس هو مع مدرس – لا أتذكر اسمه - كان يدرس لنا التكتيك وكان محبوبا من الطلبة، وبعد انتهاء فترته عاد إلى وحدته، ضرب العدو هذه الوحدة بعد أسبوع من وصوله واستشهد على اثرها.

يوم 28 سبتمبر 1973 خطب السادات خطبة مختصرة للغاية تضم فحواها تهنئة الشعب بحلول شهر رمضان والترحم على الزعيم جمال عبد الناصر، وكنت معتاد وقت كل خطبة أن أجمع جنودي في الفصيلة "فصيلة صواريخ الحية " (كنت مسئولا عن 40 جندي ومنهم ستة فقط مقاتلين والباقي منهم من يقوم بأعمال الخدمة والحراسة والمراقبة ليعطي إنذار بوجود طائرات حيث لم يوجد لدينا بالفصيلة وسائل ردارية وكنا نعتمد على المراقبة بالنظر فيتم التعرف على شكل الطائرة ونوعها واتجاهها ويقوم المسئول بالحراسة بالإبلاغ سواء هذه الطائرة مصرية أم معادية .. كل ذلك تم اكتسابه بكثرة التدريب والخبرة المكتسبة غثر هذا، لدرجة أنه كان يوجد لدي شباب يعرفون هوية الطائرة إذا كانت مصرية أم معادية من خلال صوت المحرك فقط) ونستمع إليها في المذياع وكنا فرقة صغيرة متواجدين في قرية العمدة (قبل الشلَوفة بقليل) في بيت مهجور لم يكن مسقفا فجهزناه للإقامة. في صباح اليوم التالي – الساعة السابعة صباحا- حضر إليَ مندوب من الكتيبة (والتي كانت مقرها في منطقة عبيَد قبل السويس ب 90 كم وكان بها مقر الجيش الثالث) ويبلغني بأنه "تم رفع الحالة" بمعنى أنه تم رفع حالة الطوارئ عندنا إلى حالة أولى في يوم 29 سبتمبر 1973 . ظننت أنها تدريبات عادية مثل التي قمنا بها من قبل (والتي كان آخرها في شهر إبريل من نفس العام) ولكن الفرق بأن في هذه المرة كانت المرة الأولى يتم إبلاغنا عن طريق إرسال مندوب خلاف ما هو معتاد (وهو بإرسال إشارة)، وأخبرني المندوب بأنه سيزور باقي المواقع وطلب مني تجهيز قائمة كاملة بطلباتي من الوقود والتعيينات وسد خسائر الأفراد والرماة المطلوب تغييرهم لعدم كفاءتهم (إن وجد) والسيارات واستعلم عن عدد خطوط الذخيرة لدي برغم معرفته بأن لدي خط ذخيرة واحد (ستة صناديق، كل صندوق تحوي صاروخين ويمنح صندوقا واحدا لكل رامي)، فهذا الطلب حرك بداخلي الشك بأن هذه المرة ليست ككل مرة ..

 

زوَد لي خط ونصف ذخيرة والأسلحة الشخصية والكمامات ووسائل الوقاية ثم بدأ يعطيني توقيتات وأرسل إلى الجيش بمواقيت اجتماعات ومؤتمرات وبعد ثلاثة أيام جاءتني إشارة من الجيش الثالث بالتحرك إلى أعلى جبل الجفرة –لا أذكر اسمها بدقة- (تقع عند المنطقة الجبلية في مثلث مدخل السويس) بحيث تكون فصيلتي حماية لكتيبة مهندسين التي ستدخل وتتمركز هناك.

كل ذلك برغم شعوري بوجود شيء غير عادي كنت لاأزال أفترض أن كل هذه التحركات جزء من تدريب .. عندما وصلت المنطقة استطلعتها ووزعت الجنود نزلت لمقابلة قائد الكتيبة (كان رائد مهندس) كان يعرف اسمي وبأني ملازم أول فسألني إن كنت أعلم بسبب توجيهنا إلى هذا الموقع فسألته "سيادتك كنت فين؟"

قال "احنا كنا امبارح قالوا لنا يلَا هنعمل مناورة في الفيوم .. فقلنا طب نحضر الهدوم الحاجة .. قالوا لنا لأ ده المشروع أساسا هتعلموه في الفيوم وهنرجع علطول .. فلقينا نفسنا بدل ما نتجه للفيوم جينا عبيَد" وكان ذلك في الأول من أكتوبر وكان أفراد هذه الكتيبة غير مستعدين وليس معهم ما يكفي من غيارات وأمتعة ووجد هذه الرائد يتم توجيهه إلى "منطقة المثلث" ( قبل السويس ب 8 كم).

 

وردت إلى الرائد تعليمات بتجهيز كتيبته بالكامل لاحتمالية القيام بخطة فتح على ممر من ممرات القناة في أي وقت فيجب أن يكن مستعدة ويخبرهم بالوقت الذي يحتاجه ليتم هذا الأمر، في هذا الوقت كان المهندسين العسكريين كانوا يفتحون ويؤمنون الثغرات والمناطق المحيطة بالمزارع لأنها كانت كلها عبارة عن قرى ومزارع وأشجار فواكه ومدقات صغيرة ، فكانوا يقومون بفتح طرق وطريق رئيسي في هذه المنطقة. صدرت إلينا، أنا والرائد المهندس، أوامر للاستطلاع سويا الطرق والمناطق التي كانوا سيتواجد بها المهندسين العسكريين ، وعند وصولها وجدناها كخلية النحل حيث الشرطة العسكرية والجنود تتدرب على كيفية إدخال الناس وغيره وكل ذلك داخل ساترنا الترابي بعيد عن عين العدو ، ولكنهم كانوا يفتحون فتحات معينة باتجاه القناة، كل ذلك ويقيني يزداد بأن هذه المرة هي الحرب ولكن الشك مازال يساورني .. ببساطة ترجمت ما يحدث بأن هذه المرة هناك شيء حقيقي سيحدث قريبا .. على الجانب الآخر لم يكن يوجد طيران استطلاع من الجانب الإسرائيلي إلا في يوم 4 أكتوبر 1973 بعد الظهيرة ، كانت طائرة واحدة مرت فوق منطقتنا ولم نكن قد تحركنا بعد.

 

في مساء يوم 4 أكتوبر 1973 كان الاجتماع الأخير لقيادة الجيش حيث حضر كل رؤساء الشعب والقادة وأصبحت مسئولا في هذه الكتيبة كعنصر دفاع جوي لها، تم إعطاء التنبيهات والتأكيد أن تعيينات وإمدادات الجنود كافيا بحيث أن يكون لكل جندي تعيين قتالي لثلاثة أيام .. وكدة تأكدنا إن فيه حاجة المرة دي لكن إمتي؟ منعرفش !

 

جهزنا والكتيبة معي فاتحة خط للتأكد من صلاحية المركبات ووجود الوقود الكافي و كان معي عربة خزان مياه بعثت لإحضاره من الموقع وزودته بغطاء وقفل وتركته في السويس لأني كنت أتذكر من عام 1967 عندما كان يقل الماء كان الناس تعود لجلب الماء، وابتعت الكثير من الخبز من فرن السويس وقمرتها في شكاير وتركتها في المركبة لوقت الحاجة.

 

في نهار الخامس من أكتوبر 1973 ، اتجهت أنا وقائد الكتيبة إلى المنطقة الواجب علينا احتلالها والتي جهزتها من قبل للإقامة فيها. كانت كتيبة الصواريخ الحية كبيرة للغاية وتمثل نسبة كبيرة من الجيش الثالث وكل فصيلة بها أربعين جندي وكل فصيلة تقوم بحماية نطاق معين بامتداد 6 كم "حماية متبادلة" وفصيلتي كانت متمركزة على الكوبري الذي سوف يتم إقامته أمامنا فكان عليَ توزيع جنودي بحيث نتمكن من ضرب وصد الطيران المعادي قبل أن يقوم طيران العدو بإطلاق القذائف لحماية الكوبري وتجنب تدميره، وكان استطلاعنا أساسا على الأماكن المناسبة للضرب وكيفية الضرب منها ووضع احتمالات لاتجاه طيران العدو بالنسبة للمنطقة ولهذا يوجد طريقين محتملين: إما أن يأتي الطيران من الشرق على ارتفاع منخفض أو الدوران من خلف الخطوط ثم التوجه من داخل مصر بزاوية الغطس لضرب الموقع والعودة مباشرة إلى مواقعها، إذا كان اتجاهي اشرق والغرب الأكبر احتمالا لمصدر الضرب ضد الكوبري (اسمه معبر للدقة لأنه كان عبارة عن براطيم ).

 

أنشأنا مواقعنا بحيث يكون هناك حماية متبادلة بين ثلاث جماعات (كل جماعة يتراوح أفرادها من 15-17 فردا يرأسهم حكمدار ومع كل جماعة اثنين من المقاتلين حيث تتوزع الأدوار بين باقي الأفراد ما بين أعمال الخدمة والحراسة، ورافقت إحدى هذه الجماعات) و لكل مقاتل من الستة في الفصيلة له حفرة ومتراصين جنبا إلى جنب وعلى مسافة بين كل جماعة وأخرى لا تزيد عن 1.5 كم (لكل جماعة جانبين: 1.5 كم للاستطلاع و 1.5 كم للضرب) لضمان فاعلية الصاروخ ، ويقوم الثلاث جماعات بحماية مشتركة بين بعضهم لاحتمالية هجوم أكثر من طائرة واحدة في نفس اللحظة، ويجب على قائد الفصيلة أن يتواجد في مكان يتمكن من خلالها تخصيص المهمة (في ثوان) لأن من الممكن أن كل الصواريخ الستة يتم استهلاكها على طائرة واحدة . ... حتى هذه اللحظة تيقنت أنا وقائد كتيبة المهندسين بوجود شيء كبير مقبل على الحدوث ولكن لا نعلم متى.

 

في مساء الخامس من أكتوبر 1973 جاء قائد عمليات الجيش الثالث ووجهني بالتحرك غدا الساعة التاسعة صباحا وتنتظر هناك (في موقع المعبر) وفي الساعة الثالثة سيصل إليك كتيبة الكباري بحيث يتم البدء في اختراق القناة مع آخر الضوء (قضاء الليل في إنشاء المعابر)، وكانت هذه مهمتي المباشرة وهي احتلال المواقع القتالية لحماية إنشاء معبر رقم 149 على ضفة القناة من أي هجمات معادية، فسألته على افتراض هجوم عدد من الطائرات المعادية في أكثر من جهة، سألني عن عدد الصواريخ التي تملكها الفصيلة، فكانوا 18 صاروخا بعد الزيادة ويمكن استهلاكهم في هجمتين، فقال: "أنا مش عايز كده .. أنا عايز لغاية الكوبري ما يكتمل لأن انت بعد 48 ساعة هيجيلك دعم في المنطقة" وهذا يعني أنه يجب استهلاك الصواريخ فقط على الطائرات التي تهجم على الجنود العاملة على إنشاء المعبر. لقنت فحوى المهمة المباشرة لجنود فصيلتي (هناك دوما تعاون بين الجنود .. المصري وقت الخطر مبيستناش، بيتعامل علطول وتكفي الإشارة لينطلق) .

 

صدرت تعليمات قتالية بالصمت اللاسلكي صباح السادس من أكتوبر 1973 عند تحركي وعند الوصول لمواقع الانتشار يتم التصرف بالتصرفات العادية المعتاد عليها في السابق: الراحة، غسيل ملابس في القناة، إلخ. على الجانب الآخر كانت آخر طائرة استطلاع مرت كان في يوم 4 أكتوبر ورصدت التجهيزات فقط وتمركز الوحدات الهندسية (وقام بتصويرها) لكننا وقتها لم نكن قد تحركنا بعد، ومع ذلك لم يكن هناك رد فعل بعد الاستطلاع فقد فات الأوان، لكنهم يوم5 أكتوبر تأكدواأنه هناك حرب ولكنهم يجهلون ساعتها.

 

في صباح السادس من أكتوبر 1973 لم يكن هناك على الجانب الآخر سوى دبابة واحدة فقط للمراقبة على النقطة القوية رقم 49 (المسئول عنها الشهيد زرد) وكان جنود العدو مستلقين تحت المظلات. كان هناك للعدو ممرات مستوية على خط بارليف بحيث يمكنهم السير بالدبابات طوليا من فوقه وبذلك يمكنه الوصول من الشلَوفة إلى السويس وكان لهم مزاغل خلف كل منطقة بحيث الدبابة تتمكن من الضرب من أعلى وهي بالخارج، لكن النقاط الأساسية تتواجد في المزاغل ومجهزة بشكل كامل.

 

بعد ذلك في حوالي الساعة الحادية عشرة صباحا ، وجدت العسكري الإسرائيلي المتواجد في الدبابة الوحيدة يرتدي خوذته وسترته وتأهب بمسك الرشاش والجرانوف في وضع استعداد قتالي وهنا أدركت أنه قد وصلهم انتباه بوجود شيء مريب في الجانب المصري ، لم يكن يوجد في مرمى البصر مركبة واحدة تحمل براطيم المياه اللازمة للمعبر.

في تمام الساعة 2:05 ظهرا وجدت الطائرات المصرية تعبر للجبهة. "أنا عيطت ... لأن أخويا كان فوق" . المشاة كان عددهم كالنمل، كانوا هم في وادي واحنا في وادي، وكانوا مقيمون في الساتر في قطاعات كبيرة (للدبابات) وفي قطاعات صغيرة من 3 متر وحتى 4 متر وفي أماكن أخرى من 1 متر إلى 2 متر، هم كانوا مقيمون خلفها ويقومون بتجهيز قواربهم المطاطية وكل منهم يعد سلاحه الشخصي وكل منهم يعلم اتجاهه في الممرات التي سيتم فتحها للعبور وكل منهم يعلم دوره في نزول القارب ( أول 8 ، ثاني 8، إلخ) فالمشاة كانوا أول من نزل القناة فور بداية ضرب المدفعية الساعة 2:05 ، وكل هذا نتاج تجهيزات مسبقة ومحددة. توقف ضرب المدفعية بعد خمس دقائق من البدء. بعد ما شهدنا هذه الأحداث لبسنا الخوذ و أدخلنا الصواريخ ورفعنا الاستعداد القتالي مع وجود مراقبين لجهتي الشرق والغرب. في هذا التوقيت كانت توجد نقطة مراقبة دولية (بجوار موقع الشهيد زرد – شمالهم بقليل، وكانت متواجدة بهدف إرهاب المصريين بتواجدهم الدائم وبقوتهم لعدم قيام المصريين بالحرب) وانسحبت في ثاني أيام الحرب.

 

لم يوجد أي خسائر في المعركة الأولى للحرب، وكان المشاة يضربون بالأسلحة الخفيفة النقاط القوية التي كانت مقابلة لهم في نقاط العبور، والدبابة الوحيدة المراقبة تمت إصابتها مباشرة بضربة واحدة وانتهت.

في الساعة الثالثة عصرا بدأ المشاة في الوصول لأعلى الساتر الترابي ورفع العلم المصري هناك (المشهد المشهور) وكانت قوات أخرى تدور حول النقاط القوية وتحاصرها (كنت أشهد كل المعركة لوجود بأعلى تبة في المنطقة وهي تبة جريشكو والتي اختارها وزير الدفاع الروسي جريشكو وأقام بها نقطة مراقبة فكان يتمكن منها من رؤية المنطقة حتى وسط سيناء عند جبل المُر ).

 

في حوالي الساعة الرابعة أو الرابعة والربع عصرا (لأن ساعتها بدأت تلاوة قرآن الإفطار) أول طائرة وصلت عندي في قطاع المثلث والشلَوفة ووصلني إنذار بها كانت طائرة سكاي هوك وهي كذلك الطائرة الأولى التي أسقطتها فصيلتي. أما الطائرة الثانية المتتبعة لها (كانوا يطيرون في نظام ساقية: الأولى تهاجم والثانية للحماية) أصابتي وهربت وكانت الإصابة ناتج عن تفريغ هوائي بعد ارتباك الطائرة نتيجة انفجار الطائرة الأولى أمامها، فانتشرت ومرت على حافة التبة فضغط الهواء الناتج هو سبب إصابة يدي وعيني اليسرى. كان متواجد في كل قطاع عميد استطلاع يقوم بتسجيل النتائج فخفت حد يسرق الطائرة فأبلغت للتأكيد بأن فصيلتي الفصيلة السابعة هي من أسقطت الطائرة، فرد: "أنا عارف .. ألف مبروك !!! فيه إصابات؟ " ، "ايوة أنا اتصبت" "اجبلك إسعاف؟" "لا مفيش حاجة" كانت عيني بدأ يسيل منها الدماء، أخذت السائق وأمرت الفصيلة بالاستمرار وركبت المركبة "أنا هطلع مشوار وجاي" واتجهت إلى مستشفى السويس، وكان ذلك على آخر الضوء قبل أذان المغرب بلحظات (في آخر الضوء وطوال الليل السام 7 لا يعمل ليلا لعدم امكان رؤية الهدف ،او نعمل على ضوء الهليوكوبتر والتي تصدر منها حرارة ضعيفة نتيجة مصدر الضوء بها يمكَن السام-7 من تتبعها بالجايروسكوب).

 

تم إسعافي وربط عيني ويدي وتُركت لاستريح ثم ذهب طاقم المستشفى للإفطار. تركت المستشفى دون إعلام أحد وعدت إلى موقعي سيرا على الأقدام. بلَغت المستشفى الجيش الثالث بهروب ملازم أول (ورصت بياناتي) فظن الجيش أني خفت من الحرب وهربت للبيت.

 

وجدت اللواء عبد المنعم واصل يكلَم قائد الكتيبة العقيد أحمد رفعت ويطلب منه بإرسال ضابط آخر مكان الملازم الأول أحمد السعيد الهارب من المستشفى.

وجدت قائد السرية ومعه ضابط حديث التخرج: الضابط قدري ففوجئ بحضوري "دول مبلغين عنك هروب!!!

" فرديت "هروب إلى الحرب" وكلمت قدري "لو عاوز تفضل معانا أهلا بيك بس انت كده هتعطلني .. انا مقدرش أسيب عساكري"

فكنت مرتبط بجنودي بشكل قوي للغاية وهم كذلك نتيجة تواجدنا معا في ساعات صعبة خلال حرب الاستنزاف والاستعدادات المسبقة للحرب فكانوا يشعرون بالأمان طول ما هذا الملازم أول معنا.

كنت في منتهى الفرحة بعودتي برغم إصابتي ولكن هذه الإصابة لم تكن لتؤثر بشكل كبير لأن استخدامي للقاذف يكون استثنائي إما في حالة إصابة رامي أو في حالة اهتزاز الرامي عصبيا .. وكنت الوحيد المصاب من الفصيلة من جراء هذه الضربة لأني كنت الوحيد الذي خرج من الحفرة فرحا بأول طائرة للعدو أسقطتها الفصيلة وفي تلك اللحظة مر التفريغ الهوائي –المسبب لإصابتي- على حافة التبة.

في النهار –كفصيلة صواريخ حرارية- نتجمع في القواعد القتالية ومع آخر الضوء نعود للتجمع في النقط الخلفية لحصر الخسائر

لم ينم أحد في مساء السادس من أكتوبر، كل المهندسين يعملون على الانتهاء من الكباري حتى تبقى الجزئين المسئولين على ربط الشاطئين ببعض. تم الانتهاء من الجزء في الغرب ولكن في الشرق نظرا لحدة زاوية خط بارليف على الضفة الشرقية لم يتمكن المهندسين من استكماله في نفس اليوم (6 أكتوبر 1973) ولم تتمكن المياه من جرفها في القناة لأن أرض سيناء في هذه النقطة طفلة (مثل الأسمنت) مختلطة بالطين –ليست رمالا فقط- كما أنه في بناؤه استخدم العدو الكامرات الحديد الخاصة بالسكة الحديد، فصعب على المياه جرف هذا الجزء الثقيل حتى يتمكن المهندسون من تثبيت آخر جزء من الكوبري لتتمكن المركبات من العبور تمكنت المياه من جرف ثلثها، والثلث الثاني تم جرفه بالحفر والألغام والقنابل والجرافات لفتح أجزاء تكفي لعبور الدبابات فقط. ظل المهندسين طوال ليلة لأن الأرض غير مستوية وبالفعل نزلت احداهم في القناة لانفلات عجلتين منها.

حتى ثاني يوم صباحا ظل العمل على حل هذه المشكلة، في نفس الوقت دخلت كتيبة سام-6 في النقطة الخلفية عندي كدفاع إضافي لأن معنى عدم استكمال الكوبري للعبور وظهور عناصر المشاة للهجوم على القوات المتقدمة –مع العلم أن القوات المتقدمة معها تعيين يوم قتالي واحد وذخيرة ليوم قتالي واحد، ولو تأخرت عليهم سنفقد الأرض التي اكتسبناها لأنهم سوف يعودون حتما للتزود بالمؤونة والذخيرة- نظرا لعدم وصول إليهم دبابات بعد، كل هذه كانت عوامل مقلقة.

لم يكن هناك وقت لنداء بالتجمع للجبهة، فأبلغ قائد القطاع بأن في الغالب الهجوم الجوي للعدو سيكون شديدا غدا (يقصد يوم 7 أكتوبر) على المنطقة لمنع استكمال الكوبري نهائيا.

وبالفعل بعد شروق الشمس ثاني يوم –وقت بداية الضوء- وجدت طائرتين قادمتين من الشرق وتم صدهم بصواريخ سام-6 (وهذا ما أعلمني بأن لدينا صواريخ سام- 6 وصلت خلفي ،وهي لم تكن قد وصلت إلا وقد بدأنا الحرب بالفعل. تم التزود بثلاث لواءات سام-6 على الجبهة كلها. ( من مميزات سام-6 هو الدفاع على درجة منخفضة وتزودها بوسائل تكنولوجية حديثة لهذا الوقت) حيث تم إطلاق صاروخين وضربت الطائرتين وهم مقتربتين، ولا يزال المهندسين ومعهم العميد أحمد حمدي –رحمه الله- نائب مدير سلاح المهندسين بنفسة يعملون على استكمال بناء الكوبري حتى انتهوا من جزء في الشرق ولكن بسبب التموج -والتثبيت على السطح المائل للجبهة الشرقية – عند عبور أول دبابة وصعودها فوق التبة، عند زاوية معينة وقفت مكانها مما اضطرهم للاستعانة برافعة لسحبها من قناة السويس، ولكنها رغم ذلك انقلبت وانزلقت في مياه القناة.

كان هذا حل مؤقت وبعد ما تأكد فشله في هذه التجربة، كان الحل الوحيد هو الانتظار حتى ينتهي المهندسون من تسوية الميل في الضفة الشرقية للتمكن من استكمال الكوبري. أمضى المهندسون يوم السابع من أكتوبر 1973 كاملا للعمل على هذا الجزء ولم يتم العبور عليه إلا في صباح يوم الثامن من أكتوبر 1973 . زادت المشكلات عندنا في المنطقة، فكل الجنود بدأوا يعودون من مواقعهم للتزود (وهم خط الدفاع الأول بعد إنجاز المهمة المباشرة يوم 6 أكتوبر ، (وكان من المفترض أن يتمسكوا بمواقعهم في انتظار الدبابات) بعد سيطرتهم على الضفة الشرقية حتى عمق 5 كم ، وهذا مسافة كبيرة بحيث تمنع العدومن التزود بالامدادات والدبابات والمدفعيات الثقيلة، وكان من المفترض أن يكون خط الدفاع الأول مساعدا للدبابات لتحقيق الموجة الثانية من التقدم.

 

عبر كل الجيش الثاني إلى الضفة الشرقية يوم 7 أكتوبر بينما الجيش الثالث هو ما كان يعاني من هذه المشكلات.

بعد خط بارليف، لم يكن هناك ألغام إلا حول النقاط الحصينة القوية وليست على طول الخط، والسبب في ذلك هو وجود خط دفاعي ثاني للعدو (بارتفاع أقل ومبني بالطوب الصخري) على بعد 5 كم من النقاط الحصينة في الخط الدفاعي الأول (والذي تم السيطرة عليه في اليوم الأول من الحرب).

عند وصولنا إلى هذا الخط لم يكن مشغولا بل في انتظار الاحتياط لشغله، فكان علينا السيطرة عليها قبل وصولهم، فكنا نخشى عودة المشاة المسيطرين عليها من نقاطهم للتزود بالمؤونة، وفعلا عاد إلى ضابط إشارة (أخبرني أنه كان مع جماعة مشاة ونفذ منهم الذخيرة وقد عادوا للتزود بالمؤونة والذخيرة !!)

في يوم السابع من أكتوبر، أسقطت ثلاث طائرات للعدو، حيث تعاقبت موجات العدو الجوية فقد صدرت لهم أوامر مباشرة بأن هذا المعبر والكوبري يجب ألا يتم استكماله بأي شكل وإيقاف زحف المصريين في المنطقة (وهي منطقة حيوية تعتبر في منتصف الجيش الثالث) حيث إذا تم استكمال هذا المعبر سيتمكن الجيش الثالث من اختراق جبل المر ثم السيطرة على ممر متلا. كانت الأوامر لفصيلتنا عدم ضرب الطائرات إلا التي تهاجم العاملين على بناء المعبر حتى وإن عبرت طائرة أخرى للعدو في مداي (للحفاظ على الذخيرة). أول طائرة ضربتها في يوم 7/10/1973 كانت في الحادية عشرة صباحا كانت قادمة من اتجاه الشرق وقبل الوصول للمعبر قامت بزاوية التفاف حول قناة السويس بحيث تطير بمحاذاة قناة السويس ثم تطلق وهي من فوق القناة وتمكنت الجماعة الثالثة لفصيلتي من إسقاطها وكانت طائرة سكاي هوك وسقطت في سيناء أمام جبل المر. وتم إسقاط طائرتين للعدو داخل سيناء بواسطة صواريخ السام-6. كانت المشاة تتشجع كلما شهدت إسقاطات لطائرات العدو، مما شجعها على العودة للتزود ثم العودة لنقاطهم في خط الدفاع الأول. أسقطت الطائرة الثانية في الساعة الثانية ظهرا والثالثة في الساعة الثالثة عصرا

(كان بين كل طلعة وطلعة للعدو فارق زمني ربع ساعة وتم زيادة هذه المدة بسبب قوة استخدام وتأثير سام-6) و فعالية السام-6 هي ما ساعدتني على إسقاط هاتين الطائرتين فبعد ما أدرك العدو استخدامنا إياها كان يحرص في طلعاته التالية على الطيران على مستوى منخفض تحت مستوى مدى رادار السام-6 وهذا كان مثاليا لي لاصطيادها ولا يتمكن من اصطيادي، لأن الطيار –بسرعة طائرته في المناورة- لايتمكن من رؤية أفراد بل يتمكن من رؤية مساحات أو مجموعة مشاة أو مجموعة دبابات أو كوبري لذلك فهو يقوم ب "الضرب بالغمر" لتحقيق أكبر خسائر في الأفراد (ولكن في الثغرة كانوا يتعمدون قتل الأفراد في سيناء لإرهاب المصريين وإجبارهم على التقهقر للسويس، وهذا لم يحدث).

 

مع نهاية اليوم كنا مجهدين للغاية فجمعت أفراد جماعتي بعد صلاة المغرب وفي طريقنا مررنا بمنزل لفلاح بسيط فدعانا للإقامة في حوش منزله وأحضر لنا الماء للاغتسال وقدم لنا العشاء لبن رايب وفطير فلاحي رغم تأكيدي له بأنه معنا ما يكفينا من طعام، مع العلم أنه قد يكون لا يملك عشاؤه هو ، فهذه المنطقة كانت عبارة عن مزارع وجناين يقطنها فلاحين فقراء للغاية.

أخبرته بأننا سنقيم الليلة فقط وأقمنا الليلة بالنوم في مركبتنا في حوش منزله. بعد بداية الحرب كنت أتواصل مع وحدتي مع تليفون سلكي لضمان عدم تنصت العدو على تحركاتنا وحتى إن نجحوا في التنصت لن يجدوا الوقت الكافي للرد (لأن كما سبق أن قلت أن هناك فارق خمس ثوان بين إصدار قرار الضرب وإطلاق الصاروخ وهي غير كافية للعدو للتفكير في رد فعل).

 

في يوم الثامن من أكتوبر 1973 لم نسقط أي طائرة للعدو حيث أصدر رئيس القوات الجوية للعدو قرارا بمنع الطيران الإسرائيلي من الاقتراب من القناة وحتى 15 كم شرقا. لم يتم تزويدي بصواريخ إلا في مساء الثامن من أكتوبر، حيث أحضرتها سيارات المقاولين العرب القادمة من مطار القاهرة، و حضرت إلي سرية مدافع ذاتية الحركة "شيلكا" (ثنائي ورباعي) للدفاع الجوي

 

في يوم التاسع من أكتوبر استشهد فردا من جماعتي وأصيب اثنين، بالاضافة إلى استشهاد مجندا في سلاح الإشارة (وهو يقوم بإبلاغ إشارات فقط دون أعمال قتالية) كان يمضي وقتا مع جماعتي في وحدة الدفاع الجوي (لشعوره بالاطمئان لوجوده وسط وحدة للدفاع الجوي للحماية مؤقتا حتى يعود معهم إلى وحدته في الصباح) حيث قام العدو بضرب جوي مساحي في المنطقة بعد صلاة المغرب واستشهد هذا المجند فيها (بعد أن تم إتمام بناء المعبر والكوبري، قام العدو بطلعات جنونية عديدة للضرب المساحي في المنطقة ) وقد استشهد العميد أحمد حمدي في إحدى هذه الضربات) .

 

في هذا اليوم صدرت إلي الأوامر بدخول سيناء وأسقطت طائرات هناك وذلك بعد وصول طيران العدو لضرب المنطقة يسار الكوبري من ناحية الإسماعيلية وهذا المكان كان لتجميع لكل المركبات الحاملة للبراطيم وكنت أنا وأفراد جماعتي المسئولين عن دفاع هذه المنطقة من ضمنها نقطة تجميع المركبات هذه وبها شئون إدارية ووحدات تجهيزات طبية، فأتت طائرة فانتوم للعدو من الخلف (من عندنا حيث أتت على حين غرة ولم يرها مراقب ولم يبلغ عنها إشارة) فاستشهد في هذه الضربة حجازي واثنين عساكر وجندي الإشارة.

 

قامت طائرة العدو الأولى بالضرب علينا و الطائرة الأخرى ضربت جماعة أخرى من فصيلتي فأصابت إحدى محركاتها وبقيت الطائرة في الجو حتى قفز الطيار منها بعد وصوله إلى نقطة أمان ورأيناه يهبط بالمظلة خلف جبل المر وتم تسجيل هذين الطائرتين لصالح كتيبة السام-6 بالإضافة إلى طائرة أخرى لسرية "الشيلكا" وهذا ما رأيتع بعيني فقط ولكن من الممكن أنه تم إسقاط طائرات أكثر بواسطة اللواءات سام-6 لأن مداها يمتد حتى 135 كم،

كل ما تم إثباته لي هو أربع طائرات للعدو ، بعد دخولنا سيناء نمنا على الساتر وتحركنا ثاني يوم صباحا حتى وصلنا خط الدفاع الأول الذي تم الاستيلاء عليه في اليوم الأول للحرب وكانت الدبابات وصلت هناك ويوجد بعضا آخر لا يزال يقطع المسافة من قناة السويس إلى منطقة خط الدفاع الأول، أما دبابات الجيش الثاني فقد عبرت كلها في يوم 7/10/1973 وقام بمعاركه كلها ، لم يوجد تعطل إلا في صفوف الجيش الثالث بسبب المشكلات التي وضحتها مسبقا، وبسبب تأخير الدبابات فشل الهجوم المضاد المخطط له للاستياء على شرم الشيخ في بور توفيق وبسبب خطأ في قرار القوات الجوية حيث تم إرسال طائرات الهليوكوبتر -المحملة بجنود الصاعقة- بالنهار إلى عيون موسى وقد تم إسقاط ثلاثة أرباع هذه الطائرات فكان يجب إرسال هذه الطائرات ليلا، وهذا خطأ فادح من عمليات القوات الجوية حيث توهموا أن قوات العدو الجوية في حالة تشتت وعدم انتظام ولن يتمكن من ملاحظة عملية إنزال هذه الجنود ولكن تمكن طيران العدو من ضربها في نقطة قبل عيون موسى (وخلال هذه الأيام كنا صائمين ما عدا في يوم 6 أكتوبر أفطرت عند دخولي المستشفى لإسعافي، وكانت هناك جوامع منتشرة في القرى هناك نعلم منها وقت الإفطار والصلاة والتي أمرت إحدى جنودي من الجماعة الثالثة بالصعود على مئذنة إحداها كنقطة كمين للعدو ولإصابة طائرات العدو إن مرت بهذه المنطقة، ولكن لم يمر بهذه النقطة أي أهداف).

 

الوجه الثاني للحرب (تطوير الهجوم):

 

وصلت إلى منطقة عيون موسى في 13-14 أكتوبر 1973 ، وذلك بعد أن أنهيت تنفيذ أوامر حماية الكوبري ثم التوجه إلى جبل المر بمفردي لحمايته حيث لم يصل بعد المدفعيات وكتائب الرشاشات اللازمة (14.5 و23مل ثنائي وكتيبة جوية) لحمايته ، وكان جبل المر من ضمن الاهداف الحيوية حيث أقام بها الجيش المصري مركز قيادة القطاع الأوسط وكل الإداريات التابعة له، وأقمت ليلة واحدة على جبل المر ثم صدرت الأوامر باللحاق باللواء الثالث مدرع.

 

كنت أتنقل من منطقة لأخرى وكل معداتي عبارة عن ستة صناديق تحوى الصواريخ الحرارية احتياطية في مركبة القائد وهي مركبات يونيمانج ألماني بالإضافة إلى الأسلحة الشخصية للجنود و الطعام ومعدات الوقاية، وكل صندوق –بوزن حوالى 30 كج منها 15.5 كج وزن الصاروخ بمعدات الإطلاق- به صاروخين ومعه معدات الإطلاق، حيث إذا ما كنا في وضع راحة او تنقل عادي بالمركبة وصدر إبلاغ عن طائرة أو أمر بالهجوم يتم التغيير من وضع الراحة إلى الوضع القتالي في 25 ثانية : وتضم القفز من العربية وإعداد الصاروخ للإطلاق والركض مسافة 10 متر للحاق بالطائرة الهدف والتوجيه وحساب الحسابات والتأكد أن الطائرة الهدف تملأ ال "ناشنكاه" و إطلاق الصاروخ (وقد حققنا هذه المدة في التدريب برغم ما هو مكتوب في الكتالوجات السوفياتية بأن أقل مدة لتغيير الوضع هي 50 ثانية، ولكن نجحنا في كسرها إلى 25 ثانية وثبتنا على العمل بها ثم كسرناها إلى 23 ثانية فيما بعد، وهذا تحقق بالتدريب المستمر. وكذلك نحن من وصلنا إلى مدة ال 5 ئوان لضمان إصابة موتور الطائرة الهدف حراريا وتفجيرها بفعل الحرارة العالية، برغم أن الكتالوجات السوفياتية حددت 7 ثوان مدة للضرب وهذا مستحيل لأن الطائرة الهدف تكون قد هربت من مدى الصاروخ).

 

اشتهرت فصيلتي في المنطقة ووصلني جواب شكر من الشاذلي (11 أكتوبر 1973) وجاء ضابط من الجيش الثالث برسالة من قائد الجيش عبد المنعم واصل بالشكر والتشجيع على الاستمرار، ثم صدر أمر باللحاق بالكتيبة 101 وهي المسئولة عن تنفيذ أمر تطوير الهجوم في منطقة عيون موسى بوجود دليل معي بعربة جيب ومعه ضابط وصف ضابط (دليل من القوات المسلحة على خلاف الدليل المدني الذي استعان به الجيش الثالث في الفرقة الرابعة المدرعة

رأيي أننا خسرنا كثيرا بتطوير الهجوم وخسرنا أكثر بالانتظار مدة طويلة –عشرة أيام- بين المعركة الأولى وتطوير الهجوم)، وبالرغم من أن هذا الدليل من القوات المسلحة إلا أنه وجهنا إلى منطقة مكشوفة حيث التف من فوق نقطة عيون موسى (نقطة قوية للعدو) وصعد أعلى جبل عين موسى، رأيت من مكاني بالأعلى سبع دبابات مصرية محروقة فاعترضت على اتجاه الدليل وبعد لحظات اهتز الجبل ونزل علينا وابل من المقذوفات المدفعية أصابت أول مركبة للفصيلة – مركبة الدليل- ودمرتها (كانت مدفعيات العدو يحتل نقاط معينة في الجبل بحيث يتمكن منها من رؤيتنا وإصابتنا دون أن تراه أنت)، تابعت طريقي رغم الفوضى من حولي وعدت في اتجاه بور توفيق ووقفت في منطقة ولايزال الضرب على أشده من خلفي. عندما هدئ الضرب عدت لتفقد السيارة الجيب لكني وجدتها منتهية تماما. عدت للفصيلة ومشينا بمحاذاة الساحل (امتداد خليج السويس من شرم الشيخ) وكانت المنطقة خالية تمام من القوات المصرية حتى وصلت على بعد 30 كم من بور توفيق فتوقفت لإدراكي أن هذه منطقة خطر، حتى وجدت في بحثي قائد كتيبة اسمه جورج ومعه بقايا الكتيبة (التابع للواء الاول ميكانيكي ) في النقطة التي كنت فيها وهذه الكتيبة كانت من ضمن قوات المشاة لتنفيذ أمر تطوير الهجوم وكان معظم أفرادها مصابين، فعرفته بنفسي فأمرني بالتعامل مع قوات العدو في الأسفل (منطقة عيون موسى) لفتح الطريق لكتيبته وأمر جنوده بالتحرك لدرجة أنه رفع الطبنجة على أحد جنوده المصابين ليجبره على التحرك "يلا .. فيه دفاع جوي يحمينا" فأوضحت له بأن طيران العدو هنا في وضع تثبيت للقوات وأن صواريخي لن تتمكن من طيران المظلة للعدو التي كانت تغطي المنطقة على ارتفاع 4 كم لمنع أي تقدم للمصريين ولانتظار القوات المتقدمة من شرم الشيخ، بقيت في مكاني وقرر قائد الكتيبة بتسليم نفسه لنقطة الاستطلاع في المدخل قبل عيون موسى وأسلم نفسي والجنود الباقيين وكانت جملته "القيادة سابتنا لحد ما ضعنا" ..

 

بقيت في مكاني حتى آخر الضوء في انتظار عربة التعيين ولكنها لم تحضر فأيقنت أنها قد أسرت خاصة بعد ما حدث لفصيلتي في منطقة عيون موسى حيث كان الهدف من ضربنا هو إيقاعنا في الأسر، حتى وجدت رجل اسمه موسى –من مرسى مطروح- مرفع شخصا آخر وأخبرني بأن هذا الرجل يقول له بأنه ضابط مصري وكان قائد سرية S-10 المضادة للدبابات والسرية تم تدميرها ولم يتبقى إلا هو، كان عينيه خضراء وشعره أشقر أكرت و لم يكن معه بطاقة إثبات شخصية وحاولت استجوابه من كل الاتجاهات لمعرفة هويته ولكن كان كلامه متضارب فمرة يقول أنه قائد سرية ومرة يقول أنه ضابط احتياط، فقلت لنفسي"لا يمكن يكون ده جندي مصري وبالعبط ده .. لاهو عارف شبرا فين ولا عارف أي شيء" فقلت أنه احتمال أن يكون هذا جاسوس إسرائيلي أو عنصر استطلاع إسرائيلي، ومما أقلقني أكثر أنه لم يكن يتحدث باللكنة المصرية ولكن باللغة العربية فقلت له "انت اتعلمت اللغة العربية دي فين؟ مبتتكلمش زينا ليه؟"، لم يرد، فرفعته وقيدت يديه وسلمناه لنقطة الاستقبال ، كلمه كلمتين بالعبرية وعرف بأنه ضابط استطلاع إسرائيلي وتم أسره وإرساله إلى القاهرة

 

استقبلني جندي لا أعرف ما إذا كان ضابط قوات أم شرطة عسكرية، فعرفته بنفسي وأخبرني أن العميد إسماعيل من الجيش الثالث هو من صدرني لتنفيذ أمر إقامة نقطة الاستقبال فكلمه وفور علم العميد بأمر وصولي للنقطة حول إلى الهاتف وسألني عن مكاني وأفراد فصيلتي فحكيت له ما حدث معي منذ أن انطلق بنا الدليل وحتى وصولي لنقطة الاستقبال وأخبرته أن كل فصيلتي موجودة عدا أفراد عربة الإمدادت المفقودة –والتي تأخرت عنا بسبب تعطلها في الطريق- فأمرني بالتحرك فورا إلى بور توفيق، وهي تبعد عن نقطة الاستقبال بحوالى 14 كم على الطريق الساحلي. كان هذا هو الوجه الثاني للحرب والذي نتج عن قرار تطوير الهجوم دون التنسيق بين القوات.

بقيت في منطقة بور توفيق ثم صدر أمر بسحب قواتي إلى عبيَد يوم 17 أكتوبر 1973 ودعمت أنا اللواء الثاني المدرع والذي بدأ بعملية حصار الثغرة وتطويقها من منطقة السويس وحتى كبريت، وتعاملت فصيلتي مع الثغرة –لم نشتبك خلالها كقوات دفاع جوي- حتى قرار وقف إطلاق النار.

 

بعد الثغرة وانتهاء الحرب:

 

عدت إلى الروبيكي –قبل القاهرة- بعد إخلاء منطقة عوبيد، وتمركزنا بها وأحضروا لنا الكتاب والصحفيين لنقص ما حدث عليهم ولكن ما كان يكتب غير ما كنا نحكيه والمنافي للمنطق (مثل ما نشر عن "اسقاط طائرتين بصاروخ سام-7 واحد" وهذا مستحيل لأن القوة التفجيرية للسام-7 ضعيفة للغاية وهي تعتمد على الضغط الحراري عند اصطدامها بالمحرك لتفجير الطائرة) ،

ووصل اللواء الجزائري وقوات الحرس الجمهوري والواء الثاني المدرع والفرقة الثانية المدرعة وبدأنا بتكوين الخط الدفاعي حول قناة السويس بعد الحرب ، خرجت من الروبيكي وعدت إلى معهد الدفاع الجوي عام 1974.

بالنسبة لي، الحرب انتهت يوم 9 أكتوبر 1973 لأني لم أسقط طائرة بعدها، كل الوقت الذي أمضيته بعد يوم 9 هو التحرك لقوات لم تتمكن من إنجاز مهامها وأنا غير قادر على حمايتها لقصر مدى صواريخي السام-7.

أجمل شعور عندي في الحرب وأنا أشهد طائرة العدو تحترق بعيني الواحدة يوم السادس من أكتوبر والتي أسقطتها جماعتي وأصعب يوم في الحرب كلها كان اليوم الذي قضيته في عيون موسى لأني لم أتمكن من تحقيق شيء كذلك كل من تم توجيههم للقتال في تطوير الهجوم لم يتمكنوا من تحقيق شيء.

 

منذ عام 1974، بقيت أعمل مدرسا في معهد الدفاع الجوي ثم ترقيت إلى رئيس قسم ثم رئيس فرع ونائب رئيس التخطيط وأحلت إلى المعاش في يناير 1995 برتبة عميد.

 

 

كلمة للمجموعة 73 مؤرخين:

أنا منفصل عن 73 من سنين وكنت أرفض من سنين طويلة التحدث عما قمنا به، لما لقيت أحمد بيتصل بيا وعاوز يعرف إلي جوايا وعاوز ينقل الكلام ده للأجيال الجاية –إن شاء الله-أنا قلت مصر بخير .. الأمانة دي كان المفروض اللي حققوها يفضلوا محافظين عليها !!

المجموعة 73 ربنا يخليها وتفضل طول عمرها مضيئة ومنورة 73 لأن 73 مش هتنور إلا للي بيطلَع ويظهر البطولات دي، وأشكر اللي اختار اسم المجموعة وأشكر حضرتك وأشكر ابننا زياد وكل المجموعة وربنا يجعلكم ديما شموع مضيئة .. فهناك بطولات كثيرة يتم التعتيم عليها مثل الشهيد حسين علمت أنه طلع الطلعة الجوية بدلا من زميله المريض ولم يعد منها، فشيء مثل هذا يجب أن نعلمه وننشره للمصريين .. أنا موثق كل شيء عندي في مذكراتي ولكن التوثيق مهمة إدارة البحوث والتاريخ العسكري، يجب ذكر كل ما حدث في الحرب من بطولات وتضحيات –الحلو والمر منها- لأننا لا نحارب عدوا سهلا أبدا.

---------------------------------------------------------------------------------------------------------

نوجه بالشكر للبطل الملازم أول المقاتل أحمد السعيد، وشكرا ...

التاريخ: الجمعة 21-9-2018 الساعة السادسة مساء بالأسكندرية من داخل منزل البطل

قام بالتسجيل: أ/ منال المغربي – عضوالمجموعة 73 مؤرخين بحضور أ/زياد عمرو (عضو المجموعة)، وبحضور البطل وزوجته.

قام بالتفريغ: آلاء عبد اللطيف – عضو مجموعة 73 مؤرخين

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech