Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

العميد حسن حسني - قوات المدرعات المصرية

 

 

عميد "حسن حسني"

(سَريّة الشهداء)

تشرفَت المجموعة 73 مؤرخين بالتسجيل مع البطل عميد "حسن حسني" وما شهده في 1967 إلى حرب العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر 1973.

نرى فيها الهدف والهزيمة والتدريب والدراسة. النصر وأسبابه، مواقف لإعمال العقل ونختمها برائحة طيبة عطرة وشهداء و الشهيد نقيب"عبد العليم محمد أحمد الأحمدي" أنبت الله فوقه شجرة.

وفي داخل الحوار

أول قادة لي في سلاح المدرعات

تعاملي مع المشير طنطاوي، وصفاته

الدبابات فوق القطار نمص قصب

سندخل بالدبابات إلى سيناء لندافع عن البلد

مطر وثلج غير طبيعي على الإسماعيلية في شهر مايو

أحفر مع الجنود لأشجعهم

تضليل الإعلام في 1967، يتبعه انسحاب غير منظم

"عاطف أبو الرجال" جرى على الدبابة وهي تحت القصف وخرج سالما وهي تنفجر.

المعنويات بعد 1967، لا نجد مياه، تدمير الفِرقة الثالثة

إعادة التشكيل وتوزيع إلى الوحدات

ترقيت لرتبة ملازم أول، وقائد سرية

خدمتي مع عمر سليمان

بدأنا التدريب في منطقة جبلية لا تصلح لإعاشة الكلاب.

طرائف الفأر الجبلي وقطعة الخيار.

تدريبات العبور من بعد 1967

يوم وفاة عبد الناصر كنت مع "محمود قابيل" في السينما

صورة كاملة عن العدو: إلى 1973 نتعلم، ندرس، نقرأ، فِرق تدريبية ومشاريع حرب

بوادر الحرب

يوم 6 أكتوبر 1973: ظرف مُغلَق "لا يُفتَح إلَا تمام الساعة 11 ظهرا" بالثانية

أخيرا، جاء وقت النصر على 1967 والعدو والإسرائيلي

الطيران المصري يدوي سيمفونية

تصويب بالدبابة بدون جهاز تنشين، إعمال العقل

كنت سألقى الشهادة أثناء العبور

طرائف بعد العبور، ونقيب "أشرف"

الآن أنا على أرض سيناء

دبابة إسرائيلية تفر، أصابها "عبد العاطي" إصابة مباشرة

وصلت الكتيبة أسندت ظهري على الدبابة نمت ثلاث ساعات كأنها ثلاثة أيام

"احنا عبرنا يافندم؟" لا يصدقون أننا عبرنا بهذه السهولة.

تصويب مرة ثانية بدون جهاز تنشين، لاصطياد مدفع "أبو جاموس"

قوات الدفاع الجوي المصري طالت الطيران الإسرائيلي وتقف له بالمرصاد

"غيّر إلى تشكيل لا يعرفه العدو"

دبابة أصيب سائقها واشتعلت وضغط دواسة السرعةبعد استشهاده فتوجهت الدبابة صوب موقع العدو، مباشرة.

أنا وأحمد ورضوان تحت مدفع دبابة تضرب العدو

بعد شهور من الحرب، مهمة أخرى، لرجالي الأبطال الشهداء.

إعمال العقل مرة ثالثة لأصل لجثمان الشهيد "عبد العليم" بعد شهور من الحرب.

"حسن حسني حسن سيد"

مواليد 18 أغسطس 1946، ولدت في شُبرا ساحل روض الفرج مدينة القاهرة. والدي كان مدير تركيبات شركة إيديال بمدينة نصر وأمي سيدة منزل. لي أخي ضابط قوات جوية (فني ميراج، وقت الحرب كان في فرنسا) وأخ مهندس وأخ كان مسؤول عن معامل كلية العلوم جامعة عين شمس وأختي مُدرسة وصلَت معاش بدرجة مدير عام.

التعليم الإبتدائي في مدرسة شُبرا، ومنها لمدرسة شُبرا الإعدادية ومدرسة روض الفرج الثانوية منها على الثانوية العامة سنة 1946.

والدي كان يريد أن أصبح مهندس وأنا أود أن أصبح ضابط في القوات المسلحة بدافع حبي لبلدي التي وُلِدت وتربيت فيها، لم أنضم للفتوة ولكن كنت في الكشافة فقدمت للكلية العسكرية فوافق والدي رغبتي ولكن قال أود أن تصبح مهندس معي في شِركة إيديال، وقولت أنا أحب أن أدافع عن الوطن.

في عام 1964 في أوج الإعلام الناصري، كنت أحب عبد الناصر والبلد تتغذى وطنية من الإعلام والأغاني.

نجحت في اختبارات القبول، وفي كشف الهيئة اللواء "محمود ذكي عبد اللطيف" مدير الكلية الحربية سألني:

"ماذا يشتغل والدك؟"

"في شركة إيديال"

"والدتك؟"

"ربة منزل"

وسألني عن مجموعي في الثانوية كم بالمئة، وأجبت 58%

"طب اتفضل"

ظهرت النتيجة وقبلت، وأنا لم أصبح عسكري بعد لا أريد إلّا أن أكون ضابط، أي تخصص.

أول يوم في الكلية الحربية، دفعة 49. الدراسة إعدادي ومتوسط ونهائي، يعني ثلاث دفعات في الكلية معنا دفعة 47 و 48.

كنت أحب المدرعات ولكن لم أفكر في تخصص في هذه الأيام.

طالب مدني من شُبرا دخلت الكلية الحربية وتعلمنا كيف نكون مقاتلين

تقبُلي للأوامر والتعنيف رغم أني كنت مشاغب لكن قبلت وأنا أصلا من شبرا.

وفي مرة كنت سأغرق في حمام السباحة وكنت على ربع الحمام الأخير العميق لو مددت يدى أنجو وأمسك في الحائط ورغم هذا أنزل وأطفو لأن المدرب أمرني أن ألقي وأترك نفسي لأحرك يدي ورجلي مثل العجلة فأطفو تلقائيا فوجدت نفسي أطفو وأنزل وأصيح "إلحقوني، إلحقوني" فأنقذني "محمود قابيل" (الفنان محمود قابيل دفعتي، مع حسين أباظة ووجيه أباظة"

وأيضا "أسامة الصادق"... (وله قصص عسكرية والصادق كان مفرزة أمان لتعطيل العدو في وقت الحرب) (( قصص العقيد اسامة الصادق في قسم أدب الحرب في موقعنا لا تفوتها ))

أنقذني "قابيل" مد لي قدمه فمسكته ونجوت وقال الحائط أمامك ألا تقدر أن تمسك الحائط؟ فأجبت أني لا أدري... ولا أنسى هذا في حياتي ، كنت مشاغب قليلا ألقى كثير من الجزاءات

مع تقدم السنوات والدراسة لم يتبلور أمامي اختيار تخصص وكان يدرس لي "طنطاوي" تكتيك وهو برتبة نقيب، نلت أول جزاء في الكلية منه ورغم هذا أحبه لأنه "طنطاوي" معلم منضبط وملتزم وتستفيد منه رغم أنه مشاة وأنا مدرعات.

علِمنا توزيع الأسلحة قبيل التخرج، المدرعات هي نصيبي دون أي طلب وسعدت لأن عدد ضباط المدرعات قليل، نركب ونصلح دبابات ونتعلم ميكانيكا وفي السنة النهائية تحولت إلى طالب مدرعات في أول 1966 (وتخرجت بعد في 20 أغسطس يعني بعد عيد ميلادي بيومين).

تعلمت الدبابة من بدايتها من معلمين ممتازين "فاروق عبد العظيم" و"حسن علي" شكلوا شخصيتي ضابط مدرعات مهتم بعِلم وفنيات الدبابة.

أول دبابة تعلمت عليها هي التي حاربت بها في حرب أكتوبر 1973، دبابة T34، بمدفع 85، الدبابة التي اشتركت في الحرب العالمية منذ 25 عاما، هذا المتوفر في مصر وقتها .

تخرجتُ سنة 1966 إلتحقت بالمدرعات كسلاح مُلحَق على المشاة، وكانت أول خدمتي في كتيبة 221 مدرع، الفرقة الثالثة، دهشور (فرقة مشاة ملحق عليها أربع كتائب مُدَرَّعات، يعني لواء مُدَعَّم من دبابات T34 – حوالي 120 دبابة )

يتخرج الطالب فيتعلم أمور جديدة عديدة

قائد الكتيبة مقدم "أحمد سعد حامد سعد" استقبلنا بترحاب والتحقتُ بمجموعة ضباط من أفضل الكفاءات التي خدمت وتعلمت منها.

"عبد الغني أمين حسن" قائد سريتي و"محمود حمدي" قائد سرية في الكتيبة أما نقيب "سعيد سامي" تولى بعد ذلك قيادة فِرقة مدرعة بعد 1973.

تعلمت منهم الإلتزام والرجولة والاهتمام بالمركبة وأنا قائد فصيلة (ثلاث دبابات) حالتها جيدة وقائد الكتيبة رجل متمكن وشَديد.

دبابة T34 تم تطويرها بعد الحرب العالمية الثانية وأصبح فيها أجهزة اتصالات توفر الاتصال فيما بين الدبابات.

من 1966 إلى رفع الاستعداد في 1967 اشتركت في تدريبات وحصلت على أفضل قائد فصيلة، ورُشِحت للخدمة في العراق، كمدرب، وقامت الحرب ولم أسافر.

1967، عمري الآن 21 سنة

يوم 14 مايو ورفع الاستعداد، كنا في دهشور، جاء قطار حمَلنا عليه الدبابات، تحركَت بنا إلى الإسماعيلية "نفيشة" نعلم أننا نتجه لسيناء، أشعر أني داخل حرب.

وقائد الكتيبة أخ أكبر لنا نتكلم بين أوقات العمل نتساءل إلى أين ذاهبون يافندم فقال بمنتهى الصدق سندخل بالدبابات إلى سيناء لندافع عن البلد.

على مستوى السرية والكتيبة لم ينضم لنا أي ضباط احتياط قبل 1967.

يشاهدنا الشعب وحصل لي موقف في نفيشة ونحن فوق الدبابات على القطار نمص قصب، ومواطنون يكلمون بعضهم "انظر لهؤلاء الضباط تمص قصب" يتعجبون كيف للضباط أن تمص قصب وهم ذاهبون للحرب، فضحكت وقولت نعم ضباط، نفعل ما يفعله أي بني آدم.

للأسف لا أتذكر أسماء طاقم الدبابة في 1967.

وصلنا "الإسماعيلية" أخذنا الدبابات طلعنا بها على الجنزير، الفرقة الثالثة كاملة تتحرك، لا كباري بعد، عبر بنا القطار من "الفِردان" نزلنا بعد "القنطرة" بقليل،

وباقي مسافة حوالي 120 كيلومتر في يوم واحد مشينا على الجنزير. مطر وثلج على الإسماعيلية، لم أر من قبل مطر ثلج كتل كبيرة "بَرَد" هذا غير طبيعي في شهر مايو (الثلث الأخير).

قادة الفصيلة والسرية والكتيبة وصلنا ونحن لا نعرف أي شيء عن سيناء، تحركنا وصلنا منطقة اسمها "مطلة خِرِم" وعسكرنا فيها، جنوب "الكونتيلّا". وجنوب العريش أيضا، بعد "الحَسَنة".

جمعنا قائد الكتيبة، اتخذنا أوضاع دفاعية، كتيبة دبابات تابعة للواء الثالث مُشاة، والتعيينات طعام معلب، ومعي دبابة يمكن أن نخزن بها الطعام، بلوبيف، فول،... معلبات.

قائد فصية معي ثلاث دبابات في كل منها خمسة أفراد (قائد، رامي، معمِّر، سائق، ومساعد للمعمر أو السائق)، يعني معي 14 عسكري وضابط صف.

قائد الفرقة لواء "مصطفى شاهين" (رئيس أركان الجيش الثالث في حرب 1973).

تعاملي في الجنود صارم ومحبوب كما فعل معي "طنطاوي" لا أوذي ولا أظلم، هذه طبيعتي التي رباني عليها والديّ.

تحركَت الدبابة 120 كيلو على الجنزير وصلنا "مطلة خرم"وقمنا بصيانة كاملة للدبابات وتنظيف المحرك ، نراجع كل شيء في الدبابة، قطع الغيار موجودة. معنا العربة الفنية "جازنتي" (تابعة للكتيبة) مزودة بكل معدات الصيانة وطاقم فني، يصلح أي شيء في الدبابة.

وبهذا كفاءة وصلاحية كتيبتي 100%، بقينا في "مطلة خِرِم" أيام، زارنا المشير "عبد الحكيم عامر" قبل يوم 5 يونيو عمل مؤتمر واجتمع مع ضباط الفِرقة الثالثة كلها.

معنا مجموعة ضباط احتياط ، منهم ضابط تم تثبيته من ضابط احتياط إلى ضابط عامل فاشتكى للمشير عامِر وقال "تم تثبيتي من قرار من سيادتك ولم يُفَعَّل إلى الآن" فثار المشير عامر ووجَّه "محمد فوزي" بشِّدة أمامنا حيث لا مجال للتهريج.

كانوا 8 ضباط احتياط أمر بتثبيتهم.

وقال أن نستعد وأننا داخلين حرب لا مجال للتهريج.

وأنا الذي اخترت، فلابد أن اقنتع 100%، عمري 21 سنة، لا أرى شيء غير عادي ومعنا الكبار حالتهم عادية لا نرى فيها شَدّة.

قبل الحرب وتحركنا من "مطلة خِرِم" حوالي مرتين أو ثلاث في نفس المنطقة وكل مرة نحفر حوالي ثلاث أو أربع ساعات، نضع الدبابة ونحميها في حفر ونغطيها.

وأنا أحفر معهم لأشجعهم والدبابة مرتفعة مايزيد عن مترين ونحفر لها متر ونصف تحت الأرض، والرمال هناك طرية سهلة الحفر.

لم يكن هناك رصد أو استطلاع إسرائيلي بداية منذ وصولنا، حتى جاءت الحرب.

على مستوى الكتيبة تعدد التنقل ثلاث أو أربع مرات في يومين قبل 5 يونيو، أحسه غير مُنَظَّم، ليس لدي اتصال بلواء المُشاة لأعرف إن كانوا يتحركوا معنا أو لا ولكن أعرف تحرك مستوى الكتيبة فالقائد يعطينا تعليمات أن نستعد للتحرك، نجهز الدبابات،

التحرك في نطاق 20 أو 50 كيلومتر يمين أو شِمال (موازي للحدود)، مسافة بيننا وبين الحدود حوالي 2 أو 3 كيلومتر يمكن أن نرى أي سابقة للهجوم، بالإضافة أننا لم نتلق أي تقارير من قيادة الفِرقة أو أي شيء.

منذ وصولنا نُرابط في الدبابات ننتظر تعليمات، ليس لدينا تدريب أو روتين يومي، الطاقم كله ينتظر في نفس الموقع.

أول مرة ندخل هذا المكان، ولا نعلم خباياه، كل تحركاتنا أوضاع دفاعية.

يوم 5 يونيو 1967، فوجئنا بالراديو يقول أن قامت الحرب، ورأينا الطيران الإسرائيلي فوقنا والضرب أمامنا على خط الحدود، من أول النهار، مر يوم 5 ونحن في مكاننا لم يقترب منا أحد، كل منا في مكانه، وكان الطيران اليهودي سيد الموقف.

تضليل الراديو في 1967

في راديو نسمع بلاغات وقواتنا تتقدم، وعرفنا بعد ذلك أنه كذب.

انسحاب غير منظم

صدر أمر بالانسحاب، تعليمات من قائد الكتيبة بالانسحاب لممر متلا بيننا وبينه حوالي 80 كيلومتر دخلنا الكتيبة في الدبابات نتحرك أسفل سيطرة جوية معادية وفي النهار، لم نصل للممر.

وأنا قائد فصيلة معي ثلاث دبابات، تحركت الكتيبة كلها مع بعض ثلاثون دبابة كلنا نرجع... ضباط شباب، ننسحب ولم نضرب طلقة، معي قائد كتيبة وقائد سرية وأنا قائد فصيلة، لم نتبادل كلام، وصلنا قبل ممر متلا، علمنا أن الممر مغلق.

ننسحب هذه المسافة إلى الممر ليلا لا أتذكر يوم 5 أو 6، وقبل ممر متلا حصل موقف تشير لنا الطائرات اليهودية أن نتجه خارج الجبل في أماكن مفتوحة.

لو تحركنا بالنهار سيضربونا فقلنا أن نتحرك في الليل،في هذا المكان الذي بيتنا فيه قبل الممر بحوالي 4 أو 5 كيلو أرى الممر أمامي، تناولنا العشاء وتحركنا ليلا.

إلى هذا الوقت لم نتلق خسائر. تركنا الدبابات داخل جرف في الجبل نظنها في أمان لا تظهر، وشعرنا بضرورة أن نتحرك من هنا

حصلت خسائر بعد ذلك، عندما هبط الطيران وبدأ يتصيدنا دبابات وأفراد، فغيَّر الطيران الإسرائيلي اتجاهه للمكان الذي كنا فيه وضرب صواريخ أصابت الدبابات.

الطيران يرمي الدانة في فتحة الدبابة، يهبط يطير منخفضا إلى أن يقترب من حرف الدبابة ويرمي الدانة فتنزل في فتحة المعمر وتنفجر الدبابة.

لو بقينا في هذا المكان لن نكون على قيد الحياة، كنا حوالي 30 أو 35، أطقم 6 أو 7 دبابات ومعنا أفراد مشاة.

وزميل لنا اسمه "عاطف أبو الرجال" ضُرِبَت دباباته وانفجرت وجرى على الدبابة وقال نسيت الطعام بداخلها هل أنت غير عاقل ؟ ، ونادينا عليه، فدخل الدبابة وخرج بالطعام وهي تنفجر.

أفقدت عقلك ؟ فقال وهل سيعطيني أي منكم طعامه؟

كل منا معه زمزمية وبعض طعام.

بعد هذه الليلة بدأت المعنويات تتدمر، ومن قبل الفجر ومن التعب نمنا، ليس لنا قائد الآن.

أين نمشي؟ تفرقنا مجموعة تمشي من هنا وأخرى من هنا... بقى معي في المجموعة حوالي 12 فرد، معنا قائد السرية ونقيب "محمود حمدي" من الإسكندرية، في الصباح أجد نفسي مكان ما بدأت ليلا يعني مشينا في دائرة ورجعنا من نقطة ما بدأنا،

غيرنا رأينا لا نمشي ليلا...

أمشي في جبل لا أرى شيء لا عربات ولا أفراد، مشينا شِمال الممر ولم ندخله، وصلنا طريق خلف القناة نرى تحرك عربات اليهود يمين وشِمال رقدنا في مكاننا، ونفد الماء. وجدت مبنى فيه شيخ (رجل كبير) معه بنتان يحملن جركن مياه، دخلنا إليه "هل لديك مياه يا شيخ؟"

"لا، ما عندي"

حالة نفسية منخفضة، ليس معنا مياه، انسحاب، أهم شيء عندنا المياه لو شرب الرجال يمكن أن ينفذوا أي شيء.

واحد منا قال "توجد عنده مياه يا فندم" كنت الضابط الوحيد فيهم، طلعت الطبنجة وقالوا "اضربه يافندم"

فقال لابنته لتملأ جركن معها وتعطينا باقي الماء.

وقفت أوزع مياه أسقي الجنود، بكعب الزمزمية في البداية أجدها لن تكفي. قللت الكمية لنشرب من غطاء الزمزمية، ونحن 12 وبوجود المياه ظَهر حوالي 50 ، 60 جندي مصري.

شربت من آخر غطاء زمزمية بعد أن شرب الجنود وبدأ الليل يهبط ومن بعيد صوت "يا حضرة الضابط حسن"... سائق اسمه "العقباوي" جاء يجري ووقع عند رجلي، وقعَت زلطة من تحت لسانه كان يضعها لأن ليس معه ماء.

أبحث عن الشيخ الذي معه الماء، اختفى.

مسكت الجركن الصاج عصرته نزلت منه كمية تملأ زمزمية، ماء به صدأ، شربها العقباوي كأنه شرب النيل، مشينا الوثبة الأخيرة وعبرنا الطريق.

وصلنا القناة، كيف نعبُر؟ منا من لا يعرفون العوم وأنا منهم.

لا أعرف أين نحن. وفي الضفة الأخرى ضوء، "مَن يعبر يُحضِر لنا قارب؟"

فقال ولد "أنا أعبر يا فندم" وبعد قليل قال "هل يمكن أن يعبر معي أحد؟"

فسألت "من يعبر معه؟ ووافق أحدهم.

وبعد قليل قال أنه يريد جندي أخر معهم. فقلت ساخرا لنعبر كلنا مرة واحدة ونغرق

قال أحد الجنود "أنا أعبر معه يا فندم" أصبحوا ثلاثة.

"توكلوا على الله، أحضروا قارب"

رقدنا في مكاننا ليلا آخر ضوء وانتظرنا الجنود وقبل أول ضوء مشينا إلى القناة في اتجاه طريق تمشي عليه عربات يهود.

وأنا ماشي وجدت اثنين من الثلاثة ملقون نائمين دفعهم التيار بدلا من أن يعودوا إلينا، وفي الليل لا يرى أحدهم شيء فأوقظتهم وقالوا "يافندم، قواتنا أطلقت عليا نار ظنونا متسللين واستشهد ثالثنا"

في هذه الليلة نزلوا يشربوا من ماء البحر، إلى أن وصلنا الطريق الأسفلت بدأت تطاردنا عربات اليهود يرون أن كنت ترتدي فانلة داخلية بيضاء فهذا ضابط، يأسرونه، وغير ذلك عسكري، يمشي، وأنا كنت في أول المجموعة بعيد وجدت جامع فيه أكثر من زير مياه، حوالي أربعة أو خمسة ولم أكُن شربت من البحر، فتحت أول زير لم أجد ماء، ثاني زير لم أجد ماء، والثالث... فالرابع وجدت فيه قليل من ماء في قاعدته، مسكت غطاء الزمزمية أمد يدي لأصل للماء لفت نظرى حنفيات مياه الناحية الثانية (حنفيات وضوء) فتحتُ الحنفية وضعت تحتها فمي أشرب، سمعت من يناديني "يا حسن يا حُسني... يا حسن يا حسني"

وجاء الجنود للزاوية (المسجد) ليشربوا.

وصل لنش، حمل الأفراد (كان يعبر من بورتوفيق إلى السويس).

عرفت قيمة المياه لم أترك الحنفية مفتوحة وبقيت إلى أن شرب الجنود وملأت الزمزميات وركبوا اللنش.

"يا حسن يا حُسني... يا حسن يا حسني، اللنش سيتحرك"

قفلت الحنفية وجريت إلى اللانش لأجده تحرك من مكانه ودخل إلى المياه.

في هذا الوقت مشيت في المياه والله يعلم، بيني وبين اللنش حوالي خمسة متر، وجدت "محمود حمدي" راكب اللنش ويقول لي "اقفز، اقفز"...

وقفزت إلى اللنش، وكأن المياه صلبة أو أصبحت ثلج، إحدى قدميّ وقفت عليها وقدمي الاخري علي اللنش، أمسكوا بي، بللت المياه إلى ركبتي.

معنا السلاح الشخصي (الطبنجة) خشينا أن نؤسر به فألقيناه في القناة.

الضابط معه سلاح وعسكري المدرعات ليس معه سلاح.

دخلنا من بورتوفيق للسويس وجدنا شرطة عسكرية (معسكرون في السويس) يسألوا عن الكارنيه... فقلت أهذا وقته؟ ثرتُ على أول من قابلني في هذه المنطقة، وقولت أنا هنا أسبوع وسأمشي. أحضَروا لكل منا برتقالة وقطعة جبن ورغيف وماكينة حلاقة.

تركنا المكان لننزل القاهرة فقالوا ليس هنا وسيلة إلّا القطار.

ذهبنا نتفق مع ميكروباص أو بيجو فلم يرض وقال لا يقدر لأنهم يوقفون السائقين على الطريق وينزل العسكريين كلهم.

لم أصل أماكن تجمع الشاردين. ومعي "حمدي" وضابط مدفعية اسمه "حسني".

أسبوع إلى أن عدنا إلى القاهرة، من يوم 7 يونيو والضرب عند ممر، وصلنا للقاهرة يوم 14 يونيو.

أنا وحسني ركبنا القطار ونزلنا من السويس إلى القاهرة وضعت قدمي على مقعد وصعدت نمت فوق أرفف الحقائب.

قالوا أن القطار يقف في الهايكستب وينزل العسكريون ولكن لم يقف ووصلنا سراي القبة ونزلنا أنا وحسني ضابط المدفعية (وانتقل بعد ذلك إلى صندوق تأمين ضباط القوات المسلحة)

وهو من الترعة البولاقية ، أتذكر أخذنا تاكسي أنا وهو نزل في مدرسة رمسيس تقاطع شارع الترعة مع خلوصي، وأكملت أنا بالتاكسي إلى الساحل.

لم أحلق ذقني، أسبوع أمشي في الصحراء، رجعت البلد لا أشعر بشيء، ليس لدي إحساس يغمرني الأسى.

معاملة الناس في السويس والقطار كأنك غلبان مانراه في الأفلام صحيح كالذي حصل في فيلم "أحمد عز" وكسر فيه السنترال، هذا حصل عندنا في المبيضة مع ضابط وقالوا جئت تتشطر علينا؟ اتشطر على اليهود...

وصلت البيت، طلعت طلبت يحاسبوا سائق التاكسي لأنه مجرد أن وقف أمام البيت وجدت الناس يقولون حسن جه، حسن رجع.

نزل عمي حاسب السائق، نحن في بيت عائلة، جدتي وعمي وعمي.

وسألت عن والدتي وكانت في المستشفى من يوم ما تحركتُ من دهشور.

حلقت ذقني واغتسلت وصنعوا لي طعام، وأخت جدتي عصرت لي دورق ليمون كامل، لم تنتظر فأعطته لي من شراعة الحمام.

وتحركت مع ابن عمتي ليلا لأزور أمي في المستشفى فأرسلَت للطبيب أنها تعافت ليكتب لها مغادرة.

عندما رأتني : "الحمد لله عدتَ بالسلامة، أنا الآن تعافيت الحمد لله".

وسبب هذه الكلمة وفرحة الناس عندما رأوني عند بيتنا أن معنا ضابط اسمه "صادق" يسكن على الكورنيش ومعي في نفس اللواء فسأله أبي عني وجده منهار ويبكي وقال لا تسألوني عن أحد.

"طيب وحسن؟"

"لم أره، لا أعرف أين هو"

فظن أبي أنه استشهدت.

وعندما رجعت البيت كان فرح، وكانوا يشعرون.

عدنا من المستشفى وأقول لابن عمتي أريد أن أرى وسط البلد، فوجدته يوقظني في نهاية خط الأتوبيس، المبيضة

"لماذا لم توقظني يامحمود في وسط البلد؟"

"روح نام... أنت جلست على الكرسي نمت من التعب. روح نام، غدا إن شاء الله نذهب وسط البلد".

واليوم التالي ارتديت الزي وسلَّمتُ نفسي في الهايكستب،

انهيار معنويات، دُمِّرَت الفرقة الثالثة، واللواء والكتيبة، انتقلت لمعسكر قريب من مستشفى أحمد جلال، معسكر الشاردين والعائدين، يجمعوا الدبابات مع بعض والمشاة مع بعض... قابلت قائد السرية ومحمود حمدي وقائد الكتيبة، كل يوم ينضم لنا فرد أو اثنان، بقيت في المعسكر لا نفعل شيء، ولا نروح لبيوتنا، أنا من القاهرة أحيانا نزور البيت نغتسل ونأكل ونعود، حوالي أربع أو خمس أشهر وليس معنا دبابات...

 

إلى أن عملوا إعادة التشكيلات مرة ثانية من جديد، بدأ توزيعنا مرة ثانية إلى الوحدات، وتوزعت إلى كتيبة 221 (نفس كتيبتي) ولكن تابعة للواء 134 الفِرقة 18 مشاة وبداية تشكيلها الآن من بعد حرب 1967 في الهايكستب، لا أعلم من أي حصلنا على الدبابات، و دبابات T34 التي شاركنا بها في 1973، ممكن من المخازن السوفيتية او من الجزائر .

 

 

 

انتقلنا للفِرقة 18 في "بير عُبيد" في الجيش الثالث خلف جبال العين السخنة، لواء مشاة ومعه الكتيبة، وبعد ذلك ترقيت ملازم أول وأصبحت قائد سرية وبعدها حصلت على فِرقة قائد سرايا، وفي "بير عبيد" اللواء في أوضاع دفاعية للدفاع عن المنطقة،

وخدمت مع "عُمَر سليمان" وهو قائد كتيبة مشاة في لواء 134 وأنا قائد سرية الدبابات التابعة له، وكان يرسل يوميا لينبهني من اليهود أنهم نزلوا "الزعفرانة".

لواء المشاة ثلاث كتائب، و"عمر سليمان" قائد كتيبة منهم، دائما يسألون قائد الكتيبة من يطلب من السرايا فيقول "أرسلوا لي حسن حسني" لأني مولود في الكتيبة 221، كلهم يعرفوني حتى من حاربت معه في 1973 طلبني وقال "من يحارب معي حسن حسني".

بدأنا التدريب في هذه المنطقة وهي منطقة جبلية ظهري للجبل وأمامي البحر، وتلقت المنطقة تقرير أنها لا تصلح لإعاشة الكلاب، فيها رأيت الفأر يجري خلف قطة، الفأر الجبلي ذيله متر ونصف، كنا نخبيء منها الجوارب لأننا نستيقظ صباحا لا نجدها في الأحذية،

طرائف الفأر الجبلي وقطعة الخيار

ومن الطرائف ونحن في هذه المنطقة قلنا أن معدتنا قد جفت ونريد أن نلينها بخضروات طرية، طماطم وخيار وجبنة بيضاء وجبنة رومي، أرسلنا أفراد للسويس أحضروا لنا الطعام غسلناه وفرشنا بطانية وجلسنا 14 فرد نأكل وجبة طرية وخبز، دخل فأر إلتقط أفضل خيارة من الخضروات وجرى ونحن جالسون لا نحرك ساكنا، وكان عندنا سائق قائد الكتيبة اسمه "محسن" جري خلف الفأر وقولنا له كيف نأكلها وقد مسكها الفأر بأسنانه، فقال "أنا عيني على هذه الخيارة وكنت أنتظر أن تقولوا بسم الله الرحمن الرحيم لنبدأ الطعام وآكلها..."

وبصراحة عيننا كلنا كانت على هذه الخيرة الذي انتقاها الفأر، جرى خلفه وتمكن من إعادة الخيارة وغسلها ووضعها على المائدة بعد أن قطع مكان الفأر...

"بسم الله الرحمن الرحيم" لنبدأ الطعام، دخل حضرة الفأر مرة ثانية، قلت لهم لنتركه وهو يريد أن يطري على قلبه.

نفس الخيارة التي إلتقطها من قبل لم ينتقي أي شيء آخر وقام محسن فقلت له اتركه.

وفي الليل حوالي الساعة الثانية والنصف بعدها بيومين كنت مسؤول على الميز، وجدت النور والبوتاجازات تطهي فتساءلت هذ يصنع الطعام لمن في هذا الوقت ؟

"يا برداويلي... يا بردويلي"

فاتح الآنية أجد مثل أرانب "ما هذا يا برداويلي؟"

"فئران جَبَلي"

"ماذا؟ّ!"

"فئران جَبَلي"

فئران يصطادها، يذبحها، ويسلخها وعمل وليمة في الميز، يطهوها ليأكلوها.

"كل هذا في الآنية التي نأكل فيها؟" عدمت الآنية كلها وصرفته من ميز الضباط، وكلموني لأعيده ولم يكن غيره يعرف أن يطبخ والضباط تحتاج أن تأكل، فأعدته،

وكان يداعبني "عندما تنضج هذه الفئران يافندم وتصبح جاهزة للطعام لتذوق حضرتك منها لوتعرف طعمها"

خدمتُ في "بير عبيد" ما يزيد عن سنة لم يحصل علينا أي غارات أو أحداث غريبة خلال هذه السنة ونصف إلى أن تحركنا من "بير عبيد" إلى "القنطرة" من أول "جزيرة البلّاح" إلى "الكاب والتينة" حياة مختلفة تماما وأيضا كنت بسريتي على خط القناة بدبابات T34.

بقينا خلف "جزيرة البلّاح" بالدبابات في الضفة الغربية، ظَهر الجزيرة وليس فيها عدو ، نتخذ مواقع دفاعية، وحرب الاستنزاف مستمرة.

بدأنا نشتبك مع العدو، وكنت دائما على القناة دائما نرى العدو في الضفة الأخرى أمام نقاطه القوية ومعي لواء "فتحي عبد السلام" رحمه الله قائد كتيبة مشاة في لواء 134.

أبطال دبابات يضربون النقاط القوية جاءوا عندنا مرة وعسكروا بدباباتهم T55 الاحدث من دباباتي فضَربوا نقاط قوية لليهود في القنطرة وغادروا.

على الضفة الثانية يغيظونا يوم السبت يحصلوا على ترفيه وتصعد فتاة أعلى النقطة القوية وتنزل القناة تسبح وبعد قليل تخرج من المياه تصفف شعرها، وفتحي يجلس بجانبي يقول أترى ولاد الـ... وكان وقت وقف إطلاق نار.

أما عن تدريبات العبور

بدأت تدريبات العبور من 1967 نتحرك إلى الخطاطبة نتدرب بالدبابات في رَيّاح الخطاطبة، مشاريع حرب.

تغير قائد الكتيبة بعد 1967 وتولى القيادة رحمه الله "جورج حبيب" قائد الواء 24 مُدرَّع في الحرب وأصيب في 1973.

وهو من أكفأ القادة، تولى قيادة الكتيبة وكانت أفضل فترة تحت قيادته، وتعلمت منه القيادة وبعده تولى قيادة الكتيبة "يحيى أبو الليف" وبعده قاد الكتيبة وحارب بها "مدحت حافظ" رحمه الله.

كنا نتدرب على العبور في الخطاطبة دورنا حسب الخطة أن نعبر الضفة الثانية ونعمل خط دفاع ونحمي المشاة ، هدف الدبابات أن نحمي المشاة.

في 1973 أعرف العدو بصورة واضحة كاملة، دراسة كاملة وقراءة، أعلم تسليحه وتكتيكه... حصلت على فِرق عديدة، مدفعية ورماية وشؤون فنيّة وفِرقة قادة سرايا، وتنظيم وإدارة... حوالي 5 أو 6 فِرَق ( دورات )

وكنت أتعلم باستمرار لأجمع خيوط معلومات رئيسية عن العدو وماذا يفعل... كي ننتصر على ما حدث في 1967، وانضم إلينا مؤهلات، وكان إضافة فارقة.

على مستوى الكتيبة خبير روسي وأرى أنه أسوء شيء في القوات المسلحة، الروسيون لم يعطونا معلومة صحيحة كاملة، وهذا ما أشعر به وكذلك كل الناس، لواء "فؤاد وهبي" أو لواء "أحمد عامر" الذي كان معي في السرية برتبة ملازم ونحن نحضر للحرب، يقول أنهم كانوا أفاقين، كانت سبوبة بالنسبة للروسيين ، ليس لي مواقف معهم. هم دائم على اتصال بقائد الكتيبة لو أرادوا شيء

يوم وفاة عبد الناصر كنت في سينما كايرو أشاهد فيلم "آلان ديلون" و"شنيدر" اسمه "حمام السباحة" وكان معي "محمود قابيل" في السينما وفجأة قُطِع الفيلم وأضاءت القاعة وقالوا أن الرئيس توفى.

"ماذا سنفعل الآن يا حسن؟"

"نعود نرتدي الزي العسكري ونتحرك إلى وحداتنا"...

لا أعرف السادات بعد أو من سيوقع عليه الاختيار لقيادة مصر، لكن هذا ثأر ونحن صعايدة.

السادات رجل سبق زمنه، وأنا آخر من رأيته يوم استشهاده، كنت أركان حرب إدارة التسليح (مكانها أمام الوزارة) تلقيت تعليمات ألّا تقف ذبابة على باب الوزارة أو هيئة التسليح (وهي أمام الوزارة مباشرة) في كوبري القبة بين كلية الفنية العسكرية والمعهد الفني، فكان كل رجالي في المبنى ووقفت أنا في الخارج، وخرج السادات من الوزارة وتحرك في أول U - Turn (ملف) وراجع نظر لي وضحك فأدّيت له تحية وأدّى سيادته لى تحية.

بالأمانة، وأنا آخر من رأيته قبل أن يصل المنصة، وجهه مضيء مع أنه أسمر لكن وجهه أرى فيه ضوء. ودخلت المبنى قولت لرجالي هذا وجه موت، وحصل الضرب...

وقلت سيقولوا من أين عرفت لأنه وقت أن مر بي وأدى التحية واخذ طريق المنصة قولت ها أنا فعلت المطلوب مني ووصل سيادته، فأخذت عربتي وروحت منزلي، وكان عندي عربة 24 سبيشيال... أمام التلفاز أشاهد وجدت الضرب، فارتديت وتحركت للهيئة.

 

 

أما في 1973، قبل يوم 6 أكتوبر وأن في الجيش من سبع سنوات ولي خبرة الآن، متى بدأت أن أشعر ببوادر حرب؟

كنت برتبة رائد، أحضر فرقة في مدرسة المدرعات، وترقيت قبل الحرب في شهر يوليو 1973 وكنت قائد سرية وحضرت فرقة وفي يوم 28 و 29 سبتمبر ألغوا الفرقة وكان قائد الكتيبة صديقى "مدحت حافظ" فأرسلت له لأنزل أجازتي وأرجع ،

فأرسل يقول "تعالى فورا ياحسن يا حسني" في رسالة مع فرد من القنطرة للقاهرة.

فأرسلت أن آخذ الأجازة وأرجع،

فأرسل يقول "تعالى، أننا نجهز حرب..." وطبعا حصل هذا قبل ذلك 5 أو 6 مرات. فتحركت يوم 1 أو 2 أكتوبر دخلت إليه مباشرة "لماذا طلبتني لأحضر؟" وهو كان برتبة مقدم،

"يا حسن يا حسني لا تسأل، لا توجع قلبي، ولا دماغي... اذهب جهز سَريتك وإلحق"

"هل تتكلم بجد؟"

"أنا لا أهزر..." وتابع مؤكدا "روح جهّز سَريتك للحرب. منذ أكثر من ثلاثة أشهر لا تعرف شيء عن السَّريّة"

"رجالي اعتبرهم كلهم حسن حسني"

"وهو كذلك، تحرك إلى سريتك"

صدقت كلامه، فيه جدية يعلم أننا نجهز للحرب لكن لا يعلم التوقيت.

وكان سريتي في الأمام مع مقدم اسمه سعد يونس (تولي بعد ذلك مسؤولية إدارة التجنيد)

تحركت إلى السرية وبدأت أجهز الدبابات ، معي ثلاثة ضباط، نقيب رحمه الله استشهد في حرب 1973 اسمه "عبد العليم محمد أحمد"... وأؤكد على هذا البطل "عبد العليم محمد أحمد الأحمدي" من الأزهر وكان يشعر أنه سيستشهد، رحمه الله، وأود أن أحكي عليه قصة تبكي الأشداء.

وكان معي ملازم "أحمد عامر" (استمر في الخدمة إلى أن حصل على رتبة لواء)، وكان معه ملازم أول احتياط اسمه "سيد" من شبرا.

هؤلاء الضباط الثلاثة معي، قادة الفصائل. وعشر دبابات ومعي باشاويش "محمد إبراهيم الدسوقي" من المنصورة (من عائلة "زينب الوكيل" وهو في الأساس عسكري مؤهلات) وأصبح بعد ذلك عضو مجلس شعب ولا زلنا على تواصل حتى اليوم. وكل من معي في الجيش والحرب لا زلنا على تواصل ربما ما يزيد عن 50 سنة.

جمعت الأبطال والدبابات، كل شيء تمام وصيانة الدبابات وكل شيء.

كنا أقمنا المصاطب أمام الساتر الترابي، أسلحة الرمي المباشر. وأنا كضابط مدرعات رميت من عليها رمي غير مباشر وسأقول كيف.

جاءني رئيس عمليات الكتيبة "طَلعت الألفي" سلمني ظرف وقال "لا يُفتَح هذا الظرف إلّا الساعة 11 بالثانية"

"حاضر"

واستلمت منه الظرف وضعته في جيبي (موجود معي إلى الآن في البيت في المهندسين حيث كنت أعيش 45 سنة)

وكانت الساعة حوالي التاسعة والنصف، وجدت "عبد العليم" رحمه الله جلس بجانبي يقول "ما تفتح الظرف يافندم نرى ما مكتوب فيه"

"كيف يا عبد العليم أفتح الظرف؟ عندي تعليمات ألّا يُفتَح الظرف إلّا الساعة 11... لو فتحت الظرف وقرأت ما فيه ومر القائد ثانية وقال هات الظرف، يجده مفتوح؟ أأكون غير أمين؟"

قال "نفتح يافندم نقرأ، ونقفله مرة ثانية"

"لن يُفتَح الظرف إلَا الساعة 11 "

وهو كان قلقان، يشعر أنه سيشتهد، لأنه قال لي "أرجو يافندم لو طلب منك أحد من القادة فصائل منفصلة رشح لهم "أحمد عامر" أو "سيد" وأبقى أنا معك،

حرصا منه أن يكون معي...

"يا عبد العليم أنت رقم 2 بعدي، أنا رائد وأنت نقيب، أرشح لهم ملازم جديد أو ملازم أول احتياط؟ كيف؟"

الساعة 11 فتحت الظرف لأجد مكتوب فيه "تحددت ساعة س ساعة 1400" يعني الثانية ظهرا

"وتلغي ساعة س إذا قام العدو بأي بادرة قبل الساعة 2"

"تُبَلَّغ الوحدات اعتبارا من الساعة 11     " لماذا؟

الحمد لله نأخذ بثأرنا ونهزم ما حصل في 1967 والآن معنا بعون الله أسباب النصر هذه المرة، دربت رجالي جيدا،

معي عشر دبابات تم توزيعها كالآتي:

فصيلة في "القنطرة"،

فصيلة في "الحِرش"،

فصيلة في "الكاب والتينة"

تغطي أكثر من عشرين كيلومتر، كيف سأسيطر عليها؟ أخذت عربة قائد كتيبة المشاة وتحركت لأوزع التعليمات والأوامر على فصيلة القنطرة فيها "عبد العليم" وفصيلة الكاب والتينة فيها "أحمد عامر"

كتيبة المشاة ليست على امتداد 20 كيلو لكن سلموا لي مسؤولية "الكاب والتينة" لأن أمامها سبخة (أرض طينية) لا تمشي فيها معدات ولا يأتي لها عدو، وهي تبدأ من أول الحِرش وأتذكر أني غرست في الحِرش بالدبابات.

والسرية فصيلتين أنا ومعي سيد،

وجمعت الرجال والساعة الواحدة والنصف وقفوا تحت شبكة دبابتي لأعلمهم مهامهم (والورقة التي فيها العملية في جيب الجاكيت في منزلي إلى الآن).

الرجال نفسيا جاهزون، مخطط لنا في الحرب أننا نحمي كتيبة مشاة وهي تقوم بوثبات تصل لمسافة 4 و 5 كيلومتر من القناة، نجمع السرية ونعبُر بدءا من آخر ضوء، اعتبارا من الساعة 12 بعد عبور السرية الثانية مدرعات، وأنا كنت قائد السرية الأولى.

بينما ألقنهم التعليمات مر الطيران المصري من فوق رؤوسنا، نظرنا "لا إله إلّا الله" والعساكر أمامي قاموا تلقائيا بقول "الله أكبر".

وبعدما عبرنا لم نخسر فرد والعساكر تسألني "هو احنا عبرنا يا فندم؟" لا يصدقوا أننا عبرنا القناة بتلك السهولة.

من ساعة س إلى ساعة العبور، عشر ساعات، أول مهمة لنا أن نطلع على المصاطب بالدبابات، طلعت دباباتي على النقاط القوية (مصاطب الدبابات) نفس ما قامت به باقي الفصائل،

وعساكر المشاة لازالت في المياه تعبر بينما أشاهد المشاة أمامي تعبر، وفجأة... النظارة لا ترى مشاة،

أربع دبابات تتقدم من ناحية اليهود، أوامر للرامي "نشن يا حسن".

فقال "لا أرى شيء" والمسافة أكثر من 4 كيلو، فماذا أفعل، أنا قائد السرية والرامي لا يرى الهدف، طلبت السائق أن يصعد بالجزير على جنب المصطبة ليعلو بالدبابة،

"لف يا حسن بالبرج"

ووجهت الدبابة التي بجانبي (بتبليغات لاسلكية) أن تفعل نفس الشيء، ترفع الدبابة وتلف المدفع

"حاضر يافندم"

أرى غبار الدبابات، والمشاة مشى 2 كيلو أمامي وتوقف فجأة لأنه رقد كي لا تلحظه الدبابات. لو تركتهم ستأكلهم الدبابات.

"اضرب ياحسن"

وقال أنه يرى ولكن ليس بوضوح، وهذا بسبب المدى،

"ارفع المدفع قليلا واضرب" بالتخمين من غير أن نرى الهدف.

والدانة وقعت بين المشاة وغبار الدبابات، لم تصب بعد.

"ارفع يا حسن"... "ارفع يا حسن... اضرب"

إلى أن أصابت الدانة في وسط الدبابات، الآن أصبت المدى، وليس لدي في الدبابة جهاز تنشين... انما التنشين بالعقل والعين والخبرة

"يمين يا حسن"

أصاب

"شِمال يا حسن"

أصاب،

وطلبت من الدبابة الأخرى أن تفعل مثله. دبابتان فقط، المصطبة فيها مكانين فقط لدبابتين.

طمأني أني وجدت الدبابات الإسرائيلية دارت ولاذت بالفرار.

الحمد لله، الله أكبر

مباشرة وجدت المشاة قاموا، تقدموا وثبة أخرى. الآن هم خارج المدى، لا أراهم.

فطرت بعدما تأكدت أنها حرب فعلا، ولم أرد أن أفطر قبل هذا لأني كنت غير متأكد بخبر الحرب.

فطرت قبل المغرب بحوالي ساعتين، قالوا لابد أن نستعمل رخصة الإفطار في رمضان،ويمكن أن نعبر الآن فمتى سنفطر. فطرت أنا ومن معي.

بعدما ضربت الدبابات من فوق المصطبة أشاهد من فوق المشهد وكأنة تختة رمل، أرى المشاة زاحف إلى هدف لا يعترضه عدو، ونقاط العدو (التي كانوا يقولون عنها حصينة) هي الآن بمشيئة الله ومنذ أن قررنا القتال لا حول لها ولا قوة.

لم أر الطيران المصري وهو عائد بعدما ضرب نقاط العدو.

أمامي في القنطرة أربع نقاط قوية.

الفتحات في الساتر الترابي (عمل المهندسين العسكريين) أمامي، وضرب مدفعية ومدفع أبو جاموس وكان مؤثر.

 

 

 

كنت سألقى الشهادة أثناء العبور،

المعدية التي نعبر عليها (لم تنصب كباري لنعبر عليها بعد) تَسَع دبابتين، أقف على المعدية التي عليها قبقابين يركب عليهم جنزير الدبابة ليطلع إلى المعدية، أول دبابة في الأمام والثانية خلفها،

أمشي أعبر بهما وأنزل وأعود مرة ثانية لأعبر بدبابتين،

السائق "فوزي" من الزقازيق، بلبيس، قلت له يعبر، وهو ماشي وجدت المعدية جرت بي في المياه إما تنزل الدبابة وتغرق (وحصل هذا فعلا مع عربة زِل) السائق فوزي أحس بهذا وأن المعدية جرت من تحته فزاد السرعة وأصبح الجنزير يلم القباقيب على المعدية إلى أن ضم إلى المعدية وصعد فوقها... كان ضغط آخر الأكسيلاتير، الدبابة دخلت إلى المعدية وأنا أقف وسط المعدية لو انتظرت ثانية لكان قسمني نصفين والدبابة بهذه السرعة العالية، قفزت بعيد عن الدبابة وستر الله أنه توقف وشد الاثنين ستيرنج مرة واحدة، وجدت المعدية مثل الراقصة البلدي ترقص بي في المياه وجاءني نقيب مهندس يقول "نعود يافندم بالمعدية نحضر الدبابة الأخرى" فرددت غاضبا أنه كان سيتسبب في موتي وغرق دبابة وموت السائق أن يربط المعدية جيدا... اذهب بي أولا وارجع أحضر دبابتين.

"حاضر يافندم"

وكان ليلا.

عبَر بي وأحضر باقي السرية.

ومن الطرائف كان معنا نقيب "أشرف" (خدم بالحرس الجمهوري بعد الحرب) وهو في السرية الثانية عبرت قبلنا أول ما عبر كان يقول "الو مدحت هالو مدحت أنا أشرف أنا الآن على أرض سيناء الحبيبة" مدحت هو قائد الكتيبة... وفي الآخر قلت له "يا أشرف اسكت لا تتكلم إلّا بعد أن نعبر كلنا" وكان معنا قائد السرية الثانية قال "اسكت يا أشرف اسمع كلام حسن حسني"

فسكت،

"الو أشرف"

لا يرد

كان في دبابته وهو ينادي باللاسكلي ، وكان مدفع أبو جاموس يضرب علية وفتح فتحات البرج (فتحة الرمي وفتحة المعمر) وجاءته دانة 175 مللي من أبو جاموس، في غطاء معمر الدبابة نزلت على الغطاء انفجرت ولأنه مفتوح طارت بالغطاء كاملا.

واذ هو يطلع من الدبابة ينظر لم يجد الغطاء، أصيب من المفاجأة آثر الهدوء والسكوت، وبعد هذا كنا نضحك "يابني لماذا سكت؟ فقال ما حصل.

الآن أنا على أرض سيناء. أشعر أن روحي ردت فيَّ، لماذا؟ لأني عبرت إلى سيناء برجالي ودباباتي سليمة، عشر دبابات، والسرية الثانية قبلي، ليس فيها أي نوع من الخسائر، والسرية الثالية بعدي، يميني قليلا.

كان معنا نقيب أسمر اسمه "نصر" لو رأيته ليلا يصيبك الرعب. بينما أنا جالس في الدبابة فاتجهت ببصري من داخل الدبابة لأعلى أنظر إلى السماء لأجد هذا الوجه فوق رأسي...

"ماذا تريد يا نصر؟"

"سعد يونس يقول لسيادتك ادخل بالدبابات" وسعد يونس هو قائد كتيبة المشاة،

"كيف أدخل في هذه الأرض... سأغرس في التربة"

وأنا أرى بعيني لإن جسر الحِرش شِمالي وعليه لواء "فتحي عبد السلام" الذي سأعبر من عنده لاحقا ساعة التطوير.

وأمامي الأرض سبخة من جسر الحرش إلى القنطرة (طريق القنطرة العريش)

وقولت له "يانصر لو دخلت بالدبابات سأغرس"

"توكل على الله يافندم إن شاء الله لن يحصل شيء"

"يابني اسمع الكلام"

"يافندم توكل على الله"

لم يتواصل معي قائد كتيبة المشاة باللاسلكي لإن ليس بيني وبينه اتصال، لم أصل إليه بعد لأَحمي اللواء، هو الآن يتقدم حوالي ثلاثة كيلومتر، يوجهني أضم إلى الكتيبة وأصبح على نفس خط دفاعة لأحميه.

 

شِمالي السرية الثانية وأنا أتحرك إلى "سعد يونس" قائد الكتيبة 532.

دخلت في أول ضوء أول دبابة هي دبابتي مشيت، لم نكمل 60 ، 70 متر بدأ جنزير الدبابة يلف حول نفسه، والدبابة لا تتحرك، وهكذا دبابة خلفي، فوقفت.

غرست الدبابتين، حاولت أن أنشلهم من الأرض الطينية، اقتربت بدبابة ثالثة إلى أقرب دبابة غارسة وفي كل دبابة حبلين جر، كل منها حوالي 3 لـ 4 متر، شبكت أربعة حبال وضعتهم في الدبابة الثالثة لتجر الدبابة الأقرب للأرض الممهدة...

وبينم نحن نجر إذ دبابة يهودي هاربة من "الكاب" رأتنا ضربت علينا بالرشاشات الفيكرز... أصوات طلقات متتالية فرقدنا ، هربت الدبابة بجانبنا وركب طريق القنطرة العريش منسحبة .

لم تغرس الدبابة اليهودي لأنه يمشي على الطريق.

يضرب الأفراد بالفيكرز وهو يجري، لم يقف ليضرب بالمدفع (هدفه الفرار) والدبابات المصرية غارسة في الرمال وهدف مثالي بالفعل فكان يصوب نحو الأفراد.

فبدون أوامر وبينما نحن مشغولون في الدبابتين، لدي رامي اسمه "عبد العاطي" ما ان مشيت الدبابة الإسرائيلي بطريق القنطرة العريش حوالي 50 متر فصوب إليه "عبد العاطي" وأصابه بطلقة، إصابة مباشرة، 85 مللي دمرت الدبابة الإسرائيلي، لم يظهر منها أحد، وغطاءها مقفول.

طلعنا بالدبابتين من الغرس ودخلت عكسي إلى جسر الحرش، مريت بـ "فتحي عبد السلام" ومشيت بعرض رأس الجسر إلى "سعد يونس" من الأمام رأونا أبطال المشاة وصاحوا "المدرعات وصلت..."

في هذه اللحظة وقفت بالدبابة نزلت لأجلس بجانب إحدى عجلاتها وأسندت ظهري لم أشعر بنفسي إلّا بعد ثلاث ساعات على صوت العساكر:

"اصحى يافندم عشان ندخل الدبابة المربض"

حفروا حفرة ويريدون أن أستيقظ من لتدخل الدبابة إلى بيتها (حفرتها).

كأني نمت ثلاثة أيام استيقظت بكامل طاقتي، معنى هذا أنه ليس هناك هجوم أو ضرب علينا طوال تلك الفترة ، عبرت القناة ودخلت أربعة كليومتر لم نر إلّا دبابة واحدة فقط، ضربت دبابة ولم يحصل لي شيء في سريتي، عشر دبابات ومعي أبطال المشاة.

أما المعنويات في هذا الوقت كانوا يسألوني "احنا عبرنا يافندم؟" لا يصدقون أننا دخلنا الحرب وعبرنا القناة وصلنا بُعد أربعة كيلومتر من القناة ولم يحصل شيء.

لأن كان يُقال أن القوات المصرية كي تعبر القناة ستُباد بنسبة 70 إلى 80 %.

أتذكر يوم 7 أكتوبر الفجر مر بنا "فؤاد عزيز غالي" قائد الفرقة 18 مشاة بنفسة ، قبل أن أغرس: "حمد لله ع السلامة يابطل، ها، ما الأخبار..." حوار قصير بجوار عربته ذات أربعة أبواب ومشي.

هذه الزيارة تدل أنه قائد فِرقة يمر على قواته ولا يجلس على مكتبه، وهذا فجر يوم السابع من أكتوبر، وهو أمامي الآن بعربته معني هذا أنه عبر الليلة التي قبلها.

الآن دخلت من جسر الحِرش أضم إلى "سعد يونس" قائد الكتيبة: "حمد لله ع السلامة"

ودخلت سرية الدبابات إلى مرابضها (حفر تسكن فيها الدبابات)

أما قائد اللواء اسمه "حسام الهلالي" رحمه الله.

وسألني سعد يونس "وراك شيء يا ابو علي؟"

"لا"

"تعالى نمر على ولاد الـ... هؤلاء"

يوم 8 أكتوبر طلب "فتحي عبد السلام" فصيلة أخرى وأتخذ مكاني على طريق "القنطرة العريش" مع سرية من الكتيبة 219 (كتيبة دبابات الفِرقة، كل الدبابات T34) كي نقطع طريق القنطرة العريش وبدأنا نضرب ونواجه ضرب من المدفعية الاسرائيلية بعيدة المدي "أبو جاموس".

أمرت أن نقيب "عبد العليم" رحمه الله يتحرك بفصيلته وينضم إلى المقدم "فتحي عبد السلام" قائد المشاة على جِسر الحِرش ، وأنا توجهت إلى طريق القنطرة العريش.

وفصيلة من الفصائل دخلت في جُب أمامنا، وقائد هذه الفصيلة "شعبان عبد المعطي خميس" وكان صعب جدا أن يخرج بفصيلته من هذا الجُب تحت هجوم مدفع أبو جاموس وضرب متواصل من يوم 7 أكتوبر، وصلت أنا يوم 8 أكتوبر بدأ يضرب فطلَعت لمربض دبابتي وأحضرت قطع خشب حوالي 15 سنتيمتر، عندما يضرب مدفع أبو جاموس يصدر نور وتصفر الدانة من فوهته إلى السماء وتنزل محدثة دوي الانفجار.

وكلما يضرب مدفع أبو جاموس طلقة أضع خشب، ثلاث مرات، حددت اتجاهه.

وفي اليوم التالي اصحو الفَجر أرى الاتجاه، أنظر بالنظارة المكبرة أمامي، لا أرى شيء،

بعيد جدا وجدت بضع كودي حشيش ولا تراها واضحة، ولكني أحدد نقطة وموقع وهدف.

أطلقت عشر دبابات إلى المصاطب، وفصيلة زيادة من كتيبة 219 مكان "عبد العليم"

"انظروا أين سأضرب"... "ارفع ياحسن"

"لا أرى شيء يافندم"

فأكدت عليه "ارفع"

فرفع...

"كم ياحسن؟"

"خمسة كيلو و200 متر"

"ارفع زيادة"

ويقول أن يرفع بدون تحديد وجهة أو قياس

"ماشي يا حسن" وتابعت "اضرب"

ضرب طلقة، والثانية، والثالثة والرابعة إلى أن أصابت منطقة كودهي الحشائش،

جميع محطات حسن، اضربوا كما أضرب، وانظروا أين أصوب... وفي نفس المكان ارفع المدفع وبقدر استطاعتك لا تستعمل التليسكوب، بدون مسافة،

الاتجاه معروف ارفع المدفع كي يصل إلى المنطقة التي أضربها.

إبدأ بطلقتين لتضبط اتجاهك، كله تمام، حسن 1، تمام. حسن 2، تمام، حسن 3، تمام، حسن 4... حسن 10،

"جميع محطات حسن، اجهز"

عمَّروا العشر طلقات "جميع محطات حسن... اضرب"

دوي منفجر، عشر دبابات ضربت في وقت واحد، لا يقل عن 150 طلقة، كل دبابة حوالي 15 طلقة.

وأخيرا سكت مدفع أبو جاموس في هذا الوقت وهو أول ضوء يوم 8 أكتوبر 1973. لم أر علامات ولكن ما أكد لي تدمر أو حتي أصيب أنه سكت طوال النهار إلى الساعة 4 أو 5.

بعدها أغار الطيران الإسرائيلي، وحوالي الساعة 4 عرفوا مكاننا، وبدأ أبو جاموس يضرب طلقاته تجاهنا، وبالطبع يضرب من مكان غير مكانه الذي ضربناه فية منذ قليل

ورجال المشاة مازحون يوجهون اللوم لي لأني ضربت موقع المدفع وعرف الطيران موقعنا.

أنا في دبابتي وأحيانا تقع بجانبها دانة تتأثر لها الدبابة أما أبطال المشاة في حُفَر برميلية، وكنت أقول لهم من تصله دانة في حفرته فهي بإسمه...ومن رد الفِعل الإسرائيلي الشديد هي علامة أني حققت شيء مؤثر.

بدءوا يهاجموا ويدخلوا مرة ثانية على النقاط بينما نتصدى لهم بالدبابات كلما يهجم الإسرائيليون يفروا مرة ثانية.

يحاول الإسرائيلي أن يضربك قبل أن نصل مداه، وكنا نتلافي هذا بأن نضرب عليه بالـ "ش ف" ( ذخيرة شديدة الانفجار ) عندما يجد دانة يمينه وشِماله فيتوقع أن تصيبه الثالثة.

وهو لا يعلم أني أضربه تخويف، لكن بمجرد أن يقترب سأصيبه وأقتله.

مريت أنا و"سعد يونس" يوم 7 أكتوبر على النقاط القوية والدبابة التي ضُرِبَت لليهود ، رأيت يهودي لو رأيته بالنهار يغمى عليَّ، وجدت بطانية تغطي ميت أمامنا، من ناحية قدميه يظهر حذاؤه ومن ناحية بعيدة شعر رأسه ظاهر، فقال لي سعد يونس "اكشف لنرى شكل أبوهم الله يخرب بيت أبوهم" فكشفت البطانية من ناحية الحذاء أظن أنهم اثنان،

وظهر أنه جندي إسرائيلي واحد فقط مثل باب طوله 2 وربع متر.

سعد يونس متعجبا: "ده واحد ياحسن"

قلت له ضاحكا: "لو طلع لي هذا بالنهار سيغمى عليَّ"

سعد يونس: "غطي غطي، شكل أبوهم المعفن ده"

بقينا على هذا المنوال في القتال ، ضرب و رد، ضرب و رَد...

قوات الدفاع الجوي المصري، الآن طالت الطيران الإسرائيلي وتقف له بالمرصاد، فلا يعرف الطيران الإسرائيلي سبيل لأن يقترب، وهذا تم دراسته جيدا من الجانب المصري.

ضرب و رد.

إلى يوم 13 أكتوبر 1973 قالوا تأخد السرية تهاجم النقطة القوية أمام جِسر الحِرش تحمي الجنب الشِمال للواء 15 مُدَرَّع.

وهي نقطة قوية على بُعد من 8 لـ 10 كيلو من القناة، وتبعد 4 كيلو من مكاننا الآن في موقعنا الذي جهزناه هندسيا ونحتمي فيه الآن،

عرفت تنظيم تعاون أن صباح يوم 14 اكتوبر المدفعية تضرب لي من الساعة 6 إلى 6 ونصف، وفي هذه النصف ساعة اتحرك الأربعة كيلو، المدفعية ترفع الضرب بعدما أكون وصلت النقطة، وفي نفس الوقت أحمي الجانب الشِمال للواء الـ 15 المستقل (واللواء 15 كان سيتحرك من موقعنا إلى "رمانة وبلوظة")

ويوم 13 أكتوبر وصلت بالسرية عدا فصيلة وضميت إلى "فتحي عبد السلام"

فرح "عبد العليم لهذا وهلل أول ما وصلت وقال في سعادة بالغة "ابق معنا" وفي هذ الليلة بيّت معهم بعد أن أخذت عربة قائد الكتيبة وصلت إلى لقائد اللواء لأعلمه أن لدي دبابة عطلانة حيث تحركت للواء "حسام الهلالي" ورئيس استطلاعه في هذا الوقت اسمه "شكري عبد العزيز" دُفعتي قال له "حسن حسني جاء يبلغ عن دبابته عطلانة ويريد مساعدة من رجال الإصلاح، فليذهب أحدهم لمعالجة الدبابة وإصلاحها المدفع ، فقال أن اتركها وأتحرك بدبابة أخرى إلى أن يتم إصلاح دبابتي وتحصلنا.

قبل أن أهاجم كان معي من يساعدني في الاستطلاع. أنا سرية دبابات معي سرية مُشاة من لواء 90 ومعي ثلاثة أطقم صورايخ "فهد" (وهو السلاح الحاسم في حرب أكتوبر 1973) واتفقت مع المشاة أن يركب الدبابات حتى مسافة كيلو أو 800 متر من النقطة ينزل ونهاجم النقطة.

رتبت تنظيم التعاون هذا الساعة الثانية فجرا، والهجوم مع أول ضوء، المدفعية تضرب   الساعة 6 صباحا، وقررت أن من 6 إلى 6 ونصف أكون وصلت النقطة.

بيّتُ على حُفرة على شكل علامة استفهام، المقعدة في حفرة ورأسي في ناحية وقدمي في ناحية وبطانية تغطيني، وهذا لمدة ساعتين من 2 ونصف إلى 4 ونصف صحيت استعدت تركيزي وجمعت دباباتي ولقنتهم التعليمات الآتية:

"لا تضع نفسك في التشكيل الأمثل، غيّر إلى تشكيل لا يعرفه العدو" لأن اليهود درسوا تنظيمنا ويعلموا أن السرية عشر دبابات، فصيلة، فصيلة، فصيلة، وقائد السرية في المنتصف في الخلف، فيضربك أول واحد، يليه من في منتصف الفصيلة، ويتوالي الضرب في المنتصف، وبهذا ضرب التشكيل، ويتركك، بعد أن أصاب قائد السرية وقادة الفصائل... لن تعرف أن تفعل شيء.

فكنت أقول غيّر التشكيل، ولقائد الفصيلة لا يكون في المنتصف، ولكن يمين أو شِمال،

أما أول دبابة سائقها اسمه "جمال عبد السيد" رحمه الله وكان مسيحي، هذه الدبابة بعد الحرب لم أجدها. أتعلم كيف وجدتها؟... أكمل الحديث أولا ثم أتكلم عن هذه الدبابة.

قولت له "تضبط نفسك إلى جِسر الحِرش" تبقى على جِسر الحِرش، وأكدت أننا سنضبط دباباتنا عليه فلو ذهب يمين أو شِمال سيضرب لنا وجهتنا. ها هو الجسر إلزم طريقه.

أول دبابة ضربها اليهود هذه الدبابة، وهذا الولد رحمه الله بعد أن أصيب داست قدمه على دواسة زيادة السرعة فأصبحت الدبابة مشتعلة وتمشي والمدفع في تجاه اليهود وتمشي تقترب من اليهود، قالوا ما هذا دبابة مشتعلة وداخلة إلينا، سلاح جديد هذا؟ ركزوا عليها

ورامي هذه الدبابة اسمه "موريس جورج بركليز" هذا الولد كان يصنع لي الطعام، هو من المعادي وطباخ درجة أولى. هذا الطاقم كله خرج سليم، ما عدا السائق.

بعد كل هذا الضرب، بعد الحرب جاءني بطل بعد الحرب بسنة، لم أعرفه، كنت رأيت نيران تصيب دبابته التي كل فتحاتها مغلقة فعرفت أن طاقم الدبابة استشهد،

أما في دبابتي السائق خرح سليم ومساعده اسمه "فتحي" من كوم امبو متزوج حديثا وزوجته حامل.

عندما استلمت دبابة بدل دبابتي التي تعطلت قال "يا فندم أنا اطلع معاك مساعد سائق"

"انتظر يافتحي في دبابتي سيتم إصلاحها"

"أود أن أكون مع سعادتك"

فتحي هذا رحمه الله، أدعو الله أن أقابله في الجنة، قولت له "يافتحي حضر لي الرشاش" لأني بيني وبين النقطة التي أهاجمها حوالي 100 ، 150 متر.

المدفعية ضربت حوالي ربع ساعة، وأنا اتواصل على "فؤاد عزيز غالي" لأن المدفعية وقفت، لا أحد يرد.

تركوني في هذا الطل مني للنقطة بعد أن علمت منهم أن أمامي فصيلة دبابات وطاقمين صواريخ. فجأة طلعت عليّ وابل نيران من هذه النقطة لا أعلم من أين لدرجة أني نزلت المشاة من على الدبابات على بُعد حوالي كيلو من النقطة أنظر خلفي أجده راقدا، أنظر يميني أرى لواء 15 مدرع مشتعل دباباته وحولي دبابة من اليمين مشتعلة، ومن الشِمال دبابة مشتعلة...

بقي من دباباتي التسعة دبابة واحدة وهي التي عدنا بها.

أما دبابتي وقفت بها تحت تبة حيث لا يروني اليهود، فوجئت يميني بـ "عبد العليم" توجه إليه النيران. وقع أمام عيني من على الدبابة إلى الأرض، فقولت للسائق "اطلع يافوزي" وما ان انطلق تجاهه صاروخ أصاب أسفل المدفع (27 سنتيمتر) شعرت بشيء مثل صوت ليزر وأضاءت الدنيا أحمر في أسود، وشيء يخبط في الداخل وأنا أقول الشهادة وأشعر بأن أقع من مرتفع عالي و"حسن الشيخ أمامي".

وما نفعني أن غطاء الدبابة مفتوح ولا أجلس على الكرسي ولا بقدمي، وهو يريد أن يطلع إما أن يرميني والدبابة مشتعلة أو أطلع قبله.

سمعته صوته وهو يصرخ لأن الصاروخ أصاب الدبابة وأصابه، وضغط عليَّ من الألم، وهو الحمد لله على قيد الحياة.

كيف خرجت من الدبابة؟ الله وحده يعلم.

وقعت من فوق الدبابة على الأرض،

بقيت دبابة حكمدارها اسمه "محمد أحمدين" من المنصورة، اسمعه يقول لسائق دبابته الباقية فيها اثني "عبد المنعم" من الإسكندرية، صاروا يضربوا على هذه النقطة بالـ "ش ف" وأنا و"حسن الشيخ رامي دبابتي، تحت مدفعهم.

لماذا؟

لأن معي مُعَمِّر اسمه "أحمد" من أجا، جاء خلف الدبابة ودهسته، وستر الله أنه كان بين الجنزيرين، زحفت وكنا لا أرى ولكي أرى أغرس أصابعي في وجهي الذي ورم من اللهب وأغلقت عيني، بالإضافة إلى شظايا في جسمي من الصاروخ،

زحفت إلى أحمد رضوان وقال محمد أحمدين "أحمل سيادتك على الدبابة؟" فقولت "لا" وأن يحمل "حسن الشيخ أولا (الرامي).

أنا وأحمد ورضوان تحت مدفع الدبابة وهي تضرب العدو بالـ "ش ف" على النقطة والمدفع فوق رؤوسنا مباشرة متر ونصف، يطلقون النيران وضرب متواصل وينشدوا أغاني حماسية الله أكبر داخل الدبابة لا يرونا، قولت لأحمد رضوان "تقدر أن تطلع على الدبابة؟

"أيوة يافندم" وطلع على الدبابة.

كان المعمر وفي هذا الوقت لم يمكن أن أراة ، ولكن أسمع محمد أحمدين يقول للسائق "بباوي يا بباوي، اقف يا بباوي، الرئد حسن ملقى في الأرض مصاب"

وضعت يدي في عيني أنظر فرأيته واقف، جاء يحملني قولت "لا، احمل حسن الشيخ، أنا أقدر اتحرك"

حمل "حسن الشيخ" وضعه على الدبابة، لأجده يلف وينظر لي فوقع وقد أصابته طلقة.

استشهد من وقف ليحملني."بباوي إبراهيم مسيحة"

ومعنا اثنان في الدبابة يصوبوا مدفعها للنقطة ويضربوا العدو.

دخلت مربض دبابة لليهود والمربض من الأمام عالي والدبابة لا تقدر أن تتخطاه فتنزل مرة ثانية، أربع أو خمس مرات يعود بظهره و في الآخر صعد ولف بالجنزير أعطى ظهره للنقطة وأنا يمين الدبابة،

أسمع صوت إطلاق الفيكرز (صوته يشبه الليزر) والعدو يرانا على الدبابة، فرأيت أحد من فوقي (اتجاه النقطة) فأمسكت به "من"؟ قال أنه قائد سرية المشاة، سألته إلى إين؟ قال "للجنب اليمين، إنهم يضربون علينا بالفيكرز يافندم" فقولت طالما تحرك هو يمين أتحرك أنا شِمال،

فزحفت على جنب الدبابة وخبطت للبباوي وهو لا يعرف وجهي الذي أصيب من حرارة النيران، فرأى وجه كبير وأسود لا يعرفه فكان سيضربني... قال "لم أعرفك لولا الجاكيت والرشاش"

"إلى أين يا بباوي؟" (هذا البطل من بَبَة، أتذكر بعد 84 سنة، الحمد لله)

"أوصِل سيادتك للسرية الطبية"

مشي بنا، خبطت له مرة ثانية "إلى أين يا بباوي؟"

"إلى السرية الطبية يافندم"

المسافة 4 كيلو فقط وهو يمشي منذ نصف ساعة، قولت أنه تاه في الجبل وسوف يصل بنا للأسر.

ثلاث مرات أخبط أسأله فيقول للسرية الطبية فقولت أن اسكت،

أخيرا وقف قال "اتفضل يافندم نحملك للسرية الطبية" مصاب ولا أرى شيء ومنها إلى مستشفى الزقازيق ومنها إلى المستشفى العام.

واعٍ لكل هذه التحركات لكن لا أرى شيء، وفي المستشفى العام كشفوا على عيني وقاع العين والإبصار، وقالوا احمد الله أنه لم يحدث لك شيء.

"الحمد لله"

والرائد قائد سرية المشاة - هذا النصيب والعُمر - عندما انتقل للناحية اليمين لاقى طلقتين في العمود الفِقري وكتفه، الحمد لله لم يمت.

في مستشفى الزقازيق معاملة أبطال يشعرون أننا عملنا شيء، كنت في المستشفى أنا و"مجدي مرسي جميل عزيز" و"نور درويش" ونقيب من الكتيبة 219

أود أن احكي عن هذا النقيب، ولكن...

انتهت الحرب، تحركت للمدرعات، قال لي "عاطف الرافعي" أن السلاح في المدرسة، فطلبت جواب أن اتحرك إلى كتيبتي، وأنا مصاب عمليات لكن اخترت أن أعود للكتيبة.

طلب أن أذهب للراحة فكررت طلبي الذهاب للكتيبة

وأخيرا طلب من إبراهيم زايد أن يكتب لي جواب أنقل للكتيبة، وهناك قابلت "مدحت حافظ"... بعد الحرب بحوالي 5 أو 6 أشهر طوال هذه الفترة في المستشفى.

إلى الآن في جسدي شظيتان من باقي الشظايا التي أصبت بها، مع تكلس كامل في العمود الفِقَري نتيجة سقوط من البرج إلى الأرض على ظهري من ارتفاع 3 متر.

وطلبوا أن أخرج من الخدمة بسبب هذه الإصابة، لم أوافق.

في البيت علموا بالإصابة يوم أن وصلت المستشفى العام، أول يوم زارتني والدتي، علموا أن الرائد حسن في المستشفى، فكانت تحسس على جسمي مكان الشظايا وتقول "فيه إيه هنا؟"

اطمأنت علي وقالت الحمد لله أنك تتكلم، وقولت الحمد لله.

عدت للكتيبة 221 وكان تمركزها في نفس المكان، شرق القناة،

كل السرية لم يبق فيها إلّا دبابة ، طلبت من قائد الكتيبة "مدحت حافظ" رحمه الله طلب غريب

وكان ما طلبته هو عربة، و2 كوريك، و2 ازميل، وفأس...

كي أحضر شهدائي (هذا بعد الحرب بتسعة أشهر)

قال "نعم ياخويا؟"

فكررت طلبي بحدة، فوافق وقال لـ"طلعت الألفي" رئيس وفر له عربة، ووفر له ما يطلب، لأنه لن يسكت إلا أن يذهب ليحضر شهداءه.

 

جمعت الشهداء بالكامل، دبابة دبابة، وفرد فرد، منهم من وجدت قطعة عضم، ألفها كاتبا عليها اسمه،

وهذا ما فعلته مع أبطال الصاعقة فجر يوم 7 أكتوبر. لأن اليهود دهسوهم بدبابات بعدما نفاد الذخيرة، أجدهم استشهدوا في الأرض كنت أمسك البطاقة الحديد التي فيها الإسم والبيانات، وأعمل له شاهد وأدفنه، و هذا ما فعلته مع رجالي ولكن بعد تسعة أشهر من الحرب.

دخلت مكان الدبابات أحضرتهم واحد واحد.

أما الدبابة التي كانت على جِسرالحِرش لم أجدها،

الدبابة T34 تبدو مثل مستطيل، لا أجدها، ثم وجدتها بسوى الأرض ليس فيها برج، مقسومة نصفين كأنه بمنشار، مفتوحان متساويا بالأرض، والبرج على بُعد حوالي 20 لـ 25 متر من الدبابة وبدون مدفع (ومن قوة الانفجار طار المدفع)

فما بالك بكمية النيران التي ضُرِبَت على هذه الدبابة بالذات، لأنها دخلت عليهم وهي مشتعلة في اتجاه موقع اليهود ، ركزوا عليها كمية نيران رهيبة من الخوف ، وكنت أبحث عن جسم الدبابة.

أما النقيب "عبد العليم" رحمه الله، رأيت دبابته واقفة كما هي موجودة، أبحث عنه لا أجده،

لا حول ولا قوة إلّا بالله، أنا رأيته يقع من البرج في هذا الموقع،

عدت إلى دبابتي وقفت، تخيلت الموقف مرة ثانية، أفكر كيف وقع هذا الرجل، وذهبت مرة ثانية إلى دبابته وجدت كودية عالية عليها زرع، من أين جاء هذا الزرع؟

لماذا توجد كودية هنا؟

"احفر يابني هنا"

حفر، إلى أن... ظهر حذاؤه.

سبحان الله، دفنه الله، حرك إليه رمل من هنا ومن هنا، إلى أن صنع له قبر وأنبت عليه زرع.

وأشهد أن الرجال حملوه كأنه ميت الآن... سليما.

ذهبت إلى أهله...

وعرفتهم أن ابنهم مدفون في هذا المكان ، وطلبت منهم عدة أمور بالترتيب، فعملوا الإجراءات وحصلوا على تصديق من القوات المسلحة وسلمتهم الجثمان ليدفنوه عندهم، وكانوا يدعوا الله لي.

سبحان الله.

كان اليهود انسحبوا من النقطة الحصينة بعد إصابة الدبابة، وبعد عودتي لإحضار الشهداء لم أدخل لأرى.

هدفي كان أن أجمع شهدائي وعددهم كبير، في معركة واحدة، يوم 14 أكتوبر.

وقبل هذا كنت في كتيبة 221 إلى سنة 1976 (تغيرت دبابة T34 إلى T54) مباشرة قبل أن أتولى رماية وسواقة الفِرقة 18 سنة 1975،

وفي 1976 انتقلت إلى المركبات، ومنها توليت مسؤولية مركز 6 سائقين (كان مكان دار الدفاع الجوي)، وترقيت مقدم وتوليت إدارة التدريب المهني، للمدارس الفنية العسكرية للقوات المسلحة، وكنت أنشأت هذه المدارس الفنية في 1979. وترقيت عقيد في يناير 1984، وعميد في 1989، وطلبت إنهاء الخدمة.

البطل، العميد "حسن حسني"

تم التسجيل في منزله في مدينة 6 أكتوبر

حضر التسجيل: أحمد زايد

قام بالتفريغ: علي سعيد.

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech