Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

السرب 77 قتال - الفصل الاول

الفصل الاول : الاستدعاء

القاهرة : الرابع عشر من مايو1967 عصرا

 

رغم الهدوء الذي لف شوارع القاهرة جراء موجه الحر الشديد الذي تتعرض له مصر ، ورغم أن جميع الشوارع قد خلت تقريبا من الماره الذين اثروا الاحتماء من قيظ الشمس والراحه في منازلهم  ،  الا ان منزل الحاج أحمد الشاذلي كان كخليه نحل لا تهدأ ، فلم يكن اليوم عاديا للأسرة ، فقد عاد الابن الاصغر ، الملازم اول طيار عمر في أجازته الاولي بعد ان تم نقله الي قاعدة العريش الجويه ، وقد أصرت الحاجه علي أن تعد وليمه كبيرة علي شرف ابنها ((حضرة الضابط)) والذي تفتخر به كل الفخر ، هذه الوليمه كلفت الحاج أحمد قدرا كبيرا من مرتبه المتواضع أربكت حساباته ، لكنه في نفس الوقت وبخبرة الرجل المتزوج أيقن انه لا مجال لمعارضه رأي زوجته في أي شئ يخص(( حضرة الضابط عمر)) وخاصه ان الحاجه تستعد لهذه الوليمه منذ أسبوع تقريبا ، وخلال هذا الاسبوع تحولت الوليمه من مجرد غذاء فاخر لحضرة الضابط الي عزومه كبيره تشمل أختيه أزواجهما وبالطبع لن تثتني ناديه خطيبه عمر من هذه العزومه  ،وتضخمت ميزانيه الوليمه لتبتلع جنيهين كاملين من ميزانيه البيت .

 ومنذ الصباح الباكر تعقد الحاجه وبنتيها مؤتمرا موسعا في المطبخ لتجهيز أصناف المحشي  الوجبه المفضله لعمر كذلك عدد من أزواج الحمام المحشي  وذكر بط محترم ، بجانب اطباق الخضار والسلطه .

وصل عمر صباحا وأستطاع انتزاع نفسه بأعجوبه من أحضان الحاجه لينال قسطا من الراحه هو في امس الحاجه لها بعد رحله متعبه ، وتوافد وصول المدعوين خلال فترة العصر ، فقد عاد الاب وأزواج بناته  أحمد و علي من اعمالهم علي فترات متقاربه .

تلتهم في الوصول ناديه التي أستخرجت نظرات الاعجاب من الرجال باناقتها  البالغه الغير متكلفه وجمالها الشديد الهادئ وفستانها البديع الذي كشف عن سيقانها ، الا أن نظرات الحاجه وبناتها الحاده لرجالهم حملت تهديد  بعقاب شديد لاحق جعل جميع الرجال يغضون أبصارهم عن ناديه .

خرج عمر من غرفته وقد أرتدي قميصا وبنطلونا منزليا أظهرا وسامته الكامله  وتناسق جسدة الرياضي الرائع

ووسط ترحيب الرجال الحار به ومن بين أحضان والدة ، لم تتحرك عينيه من علي ناديه ، هذه الفتاه الفائقه الحسن التي تقف علي بعد خطوات تنتظهر أن ترحب به .

لم يسمع كلمات مما قاله والدة او ازواج شقيقاته ، فقد كانت أذنيه وكل حواسه متسمرة مع ناديه .وعندما حان دورها  في الترحيب به ، وجد أمامه كل عقبات الدنيا تسد عليه وعليها الطريق في ان يحتضنها ويطفئ لهيب شهرين من الفراق ، فتقدم خطوة منها وكادت يدة تعتصر يدها وهي ترحب بها ، لم تفارق عينيه عينيها وهي ترحب به ،

وأشتدت حرارة الجو بينهما من جراء المشاعر المشتعله داخل كل منهم ، وبدأت الابتسامات  ترتسم علي وجوة الرجال بينما هامت زوجاتهم في هذا المشهد الرومانسي الصامت بين عمر وناديه، دام هذا المشهد الصامت ثوان معدودة قطعته الام بصرامه ، تأمر أبنها بان يخرج مع خطيبته الي الشرفه حتي يتم الانتهاء من اعداد الغذاء ، أستدارت ناديه تطلب من الحاجه أن تنضم لمساعدتهم في المطبخ لكن الحاجه ردت ضاحكه ()انتي عايزة حضرة الضابط يزعل مننا النهارده ولا ايه ؟؟ لا .. انت بقالك مدة مشفتيش عمر ، وأكيد في كلام كتير عايزين تقولوة )(

خرج العاشقين الي البلكونه تاركين السيدات يجهزون الغذاء بينما اشتبك الرجال في نقاش قوي حول دوري كرة القدم .

تلاقت عيون العشاق في البلكونه وتحدثت الالسن فترة أختفي فيها الزمن وتبدد الاحساس بالمكان ، ورغم المسافه التي بينهما الا ان اعينهم كانت تحتضن بعضهم البعض ، وأستسلمت عقبات التقاليد والعادات في منع اروحاهم من الاجتماع .

فجأه بدد أحمد زوج  شقيقه عمر الكبرى هذا الجو الرائع عندما صاح من الداخل

(( عمر- ناديه ... الغدا جهز وأحنا ميتين من الجوع ، أبقوا كملوا حب بعد الغدا )) أحمر وجه ناديه خجلا من هذه المداعبه ، لكن يد عمر أمتدت لتمسك بيدها وقتها أحس الاثنين بتيار كهربائي يسري في كل خلايا جسدهم مما زاد من أحمرار وجهها.

زاد أحمد من مداعباته لهم وهو يري وجه ناديه يحمر خجلا في البلكونه

واردف صائحا ((والنبي مش وقته ،أحنا مكلناش من الصبح ))

همس عمر لناديه مبتسما  (( يالا بينا لحسن مش هيسيبونا في حالنا ،أنا عارفهم كويس )) ،تجمعت العائله علي مائدة الغذاء وأحتل كل افرادها أماكنهم ، ووسط التعليقات علي هذه الوليمه الفاخرة التي لم تحدث منذ فترة كبيرة ، ووسط هذا الجو المرح لهذه الاسرة السعيدة ،تحول النقاش تجاة عمر وٌسِئل عن العريش ، فقد كانت العريش مكانا نائيا لا يعرفه الكثير من المصريين ، وبدأ عمر في السرد عنها وعن أهلها من البدو وطبائعهم وعاداتهم الغريبه عليه

وقبل الانتهاء من الغذاء دق جرس التليفون ، وقام الاب للرد عليه ، ومن فوق منضدة معلق فوقها صورة كبيرة للرئيس جمال عبد الناصر ، رفع الاب سماعه التليفون، وصمت قليلا مستمعا للطرف الاخر ، ثم نادي علي عمر ، فقام عمر مسرعا تجاة التليفون والتقط السماعه من يد والدة ، كان الجميع يتحدث علي مائدة الغذاء ما عدا الحاجه التي تسمرت عينيها علي عمر .

وضع عمر السماعه علي أذنه وبعد التعارف مع محدثه أستمع عمر لثوان وردد عبارتين

( تمام يا فندم – علي طول ) أدرك الجميع أن شيئا ما حدث ، فتوقف الحديث وتحول انتباة الجميع الي عمر ، الذي وضع السماعه ببطء ، وكانت الام اول المتسائلين

((خير ياعمر؟؟؟  ))

تبعها الاب متسائلا (( فيه حاجه يا بني ؟؟؟))

رد عمر مبتسما أبتسامه مصطنعه وهو ينظر لناديه (( انا لازم اسافر دلوقت ))

كانت جملته كفيله ببث الفوضي، فبدأ الجميع في التحدث في وقت واحد كل يتساءل عن الداعي للسفر ، وأستشطات الام غضبا وتحولت لهجتها الي الحدة ((يا بني انت لحقت دا انت لسه نازل اجازة  ))

وتبادرت التعليقات من الجميع ، الا ان عيني عمر كانتا مع ناديه التي أكتسي وجهها لثانيه بالحزن سرعان ما مسحتها وتبسمت علي استحياء متقبله موقف يجب ان تتعود عليه بصفتها زوجه مستقبليه لضابط طيار وقته ليس ملكه بل ملك الوطن ويمكن استدعاؤة في اي وقت ، هكذا شرح لها عمر حياته المستقبليه قبل ان يطلب يدها للخطبه تحسبا الا تكون ناديه متقبله مثل هذا الموقف .

رغم علم عمر بان ابتسامتها مصطنعه الا ان مجرد أبتسامتها اراحته ، فأستدار نحو والدته مقبلا رأسها مرددا بسخريه (( ما انتي عارفه يا ست الكل إن أبنك راجل مهم دلوقتي ، والبلد متعرفش تمشي من غيري ))

تبسمت الام مجامله لابنها وسئلت أخته الصغري (( هتسافر أمتي يا عمر ؟))

رد عمر (( المفروض اكون في مطار الماظه بعد ساعه ))

فتدخل الاب (( خلاص غير هدومك انت عقبال ما أجهز انا كمان وانزل أوصلك ))

أندفعت ناديه في الحوار مرددة (( وأنا جايه معاكم )) .

قامت الام مسرعه من كرسيها وقد تذكرت شيئا مهما (( هاحضر لك شنتطك ، ..... بس انا ملحقتش أغسل هدومك .... هتتصرف إزاي ؟؟ ))

رد عمر (( مش مشكله يا حاجه انا هتصرف في العريش ))

دخل عمر لغرفته ليبدأ في تغيير ملابسه ، وأمام مرأة غرفته تمهل لثانيه ونظر لنفسه سارحا

 (( ما هو شعور ناديه الان ، وهي تري  مدى أهميتي ، وكأن ليس بالطيران طيار أخر غيري))

لكنه عاد و طرد هذا الهاجس المتعجرف المغرور من تفكيرة بسرعه ليعود لتغيير ملابسه وهو يفكر في الامر الهام جدا الذي يتطلب أستدعاؤة مرة اخري الي قاعدته ولماذا لم يصرح الضابط المتصل به عن سبب الاستدعاء ...............................

 

بعد  دقائق تجمع أفراد الاسرة مرة اخري في الصاله حيث استعد الاب وناديه لمصاحبه عمر الي المطار ، بينما فرغت الام من أعادة محتويات حقيبه السفر لداخلها مرة اخري ، وملئت حقيبه أخري بأنواع مختلفه من الطعام

خرج عمر من غرفته وقد أرتدي بذلته الزرقاء اللون ، ربما رأته ناديه مرتين او ثلاث بنفس الزي لكن كل مرة يرفرف قلبها طربا من وسامه خطيبها في هذا الزي ، فهذه البدله لم تخلق الا لكي يلبسها عمر ....هكذا حدثت نفسها .

تحرك عمر سريعا مودعا عائلته وحمل الاب حقيبه أبنه مسرعا الي حيث سيارته تنتظر ، وداع سريع لا يعطي فرصه لإنفلات المشاعر هو ما يفضله عمر دائما خاصه مع والدته التي تنهمر دموعها فيضان كلما سافر عمر ، أسرع عمر خارجا من الشقه ممسكا بيد ناديه خلفه ، تاركا والدته تركض نحو الشرفه لتوديع ابنها ومن خلفها شقيقاته وازواجهم، ركب عمر في السيارة بجوار والدة ومن خلفهم ناديه وتحركت السيارة مسرعه تجاة ضاحيه مصر الجديدة حيث مطار الماظه ، مخلفين ورائهم نظرات الحاجه من البلكونه ،و بعد ثوان من الصمت تساءل الاب بجديه

(( هو فيه ايه يا عمر ؟ دي أول مرة يستدعوك بالطريق دي ))

رد عمر (( والله ما انا عارف يا والدي – بس أكيد مفيش حاجه مهمه ، ممكن تفتيش مفاجئ علينا أو فيه زيارة مهمه للمطار علشان كدة طلبوني ))

كان عمر يطمئنهم  لكنه كان يعلم انه يكذب ، فحتي في حاله التفتيش أو الزياره ،فأن الامر لا يستدعي الغاء أجازته ، فقد كان هو نفسه متحير لكنه اراد بس الطمأنينه في نفس ناديه في المقام الاول .

وصلت السيارة بعد دقائق قليله الي بوابه المطار ، حيث فوجئ عمر بعدد غير قليل من السيارات التي تقل الطيارين متوقفه امام بوابه المطار ، فتبارد في ذهنه استنتاج هام بان هنالك أمر مهم جدا ، فمن الواضح ان الاستدعاء يشمل جميع الطيارين الذين في أجازات وهو امر غريب لم يألفه .

فأستدار ضاحكا الي ناديه (( شوفتي يا سيتي ، أهو مش انا بس اللي أستدعوني ))

حاولت ناديه التبسم لكن حزنها لفراق عمر غلب علي ملامح وجهها .

توقفت السيارة وهبط الجميع منها ، استدار الاب مسلما عمر حقائبه ، بينما تعلقت نظرات ناديه بعيني عمر والتي رأت فيهما القلق المختبئ وراء النظرات المطمئنه ، قًَبل الاب ولدة متمنيا له السلامه والتوفيق ، واستدار عمر ، وبدلا من أن يصافح يد ناديه الممدودة له كالعادة  ، تقدم منها وأحتضن رأسها وطبع قبله عميقه علي رأسها ، هذا التصرف من عمر ، حطم دفاعتها وظهرت دموعها المحتجزة علي السطح سريعا

وهي تنظر اليه بلا أي قوة لترديد أي شئ ، مسح بأصابعه دمعه تدحرجت علي خدها محمله ببعض المساحيق ،  ونظر الي عينيها بعمق محاولا طمئنتها

(( ليه الدموع دي ؟ كلها كام يوم وتلاقيني هنا تاني  )) ثم صمت لثوان محدقا في عينيها ،

ثم أستطرد (( لا اله الا الله)) ............ أستكمل الاب وناديه الشهادة ، واستدار عمر متجها لبوابه المطار وسرعان ما اختفي خلف الابواب الحديديه .

ومع دخول عمر اسوار المطار ، أنهارت ناديه وأرتمت في حضن الاب باكيه بشدة ، أحتضن الاب خطيبه ابنه ، وهو يعرف أن قلق الجميع له محل ، فوجوة الطيارين الداخلين للمطار قلقه ، كذلك أسرهم التي تودعهم .

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------

في نفس الوقت تقريبا ... الاسكندريه .... شاطئ المعمورة

 

رغم عدم بدء موسم المصيف بعد ، الا ان شاطئ المعمورة لم يكن خاليا ، فقد شق عدد لا بأس به من الشباب والفتيات طريقهم الي حيث الرمال الساخنه والمياة الساحرة ، حيث لا يهمهم غير شئ واحد الا وهو الاستمتاع بوقتهم لأقصي حد ممكن ، فمن المعروف ان شواطئ المعمورة كانت ولفترة طويله هي المصيف الرسمي الخاص بالطبقه المترفه من الشعب ، هذه الطبقه التي تشق طريقها تجاة البحر فور انتهاء الدراسه، وتلقي بهموم وأحزان عام مضي  في قلب الامواج العاليه لتبتلعها الي الابد أو تدفنها  في رمال الشواطئ ، لتعود بعد ذلك  متجددة النشاط ممتلئه حماس لعام أخر مقبل

ورغم ان هذه الطبقه لم تكن تشكل أي نسبه من شعب مصر المكافح الصبور ، الا ان تأثير هذه الطبقه كان يمتد الي فئات أخري كثيرة ، فئات أصبحت تتمني أن تعيش ولو يوما علي البحر بمثل ما تعيش هذه الطبقه ، تعيش ويكون لها القدرة علي نسيان هموم أحزان عام مضي بل وتقبل علي عام أخر بلا قلق .

لذلك تجد الشباب والفتيات من ابناء هذه الطبقه المترفه يندفعون اندفاعا نحو التمتع بكل ما في المصيف من متع ولهو ولعب وتحرر ، فالفتيات بلباس البحر المثير تلهو علي الشاطئ وفي الماء وسط الشباب بلا أي قيود او عادات قد تمنع ذلك ، ولا مانع من ان تجد شاب وفتاة في عناق حار خلف أحد الاشجار .

  ومن بين هذا الجو الممتع نجد شابا يستند علي احد الاشجار بلباس البحر لابسا نظارة شمس سوداء مستحيل أن تعرف من خلالها أين ينظر هذا الفتي ، أمسك الفتي بمجله يتصفحها بدون اي أكتراث لما يحدث علي الشاطئ من صخب وضحك ولعب ، لفت انتباهه منظر فترك المجله لحظه ، شاب وفتاة يمشيان علي الشاطئ وقد تعلق كل منهما بيد الاخر في حب ، لم يكن بهذا المنظر ما يلفت انتباه أحدا اخرا لكن ظهرت ابتسامه سخريه علي وجهه عندما ميز هذه الفتاة

 أنها لبني صديقته السابقه ، والتي أمضي معها الصيف الماضي وكانا يمشيان علي نفس الشاطئ بنفس الطريقه التي تمشي بها لبني الان مع هذا الشاب ، هكذا هو الصيف في المعمورة ، فكل صيف يجد هو لنفسه فتاة يمضي معها اجازته الصيفيه التي لا تزيد عن أسبوعين ، ثم يعود لعمله وتعود هي لعالمها وتنتهي العلاقه أو الصداقه علي هذا الوضع ، وفي نفس الوقت تقوم الفتيات بمثل ذلك ، فكر الفتي قليلا هل لبني رقم ثمانيه أو تسعه من بنات الصيف ، هكذا أحب أن يسميهم ، ربما تكون التاسعه لكن لابد له من العودة الي مفكرته التي يحتفظ فيها بكل بيانات الفتيات التي عرفهم ، لم تكن لبني متميزة بأي حال من الاحوال عن باقي الفتيات التي عرفهم من قبل ولن تكون أي فتاة متميزة عن اي فتاة أخري طالما ان العلاقه لن تخرج عن حدود الصداقه واللهو والذي لا يتعدي حدود معينه تبقيه حرا طليقا ،اعاد الفتي النظر الي المجله محاولا التركيز في قصه لاجاثا كريستي دأب علي متابعه حلقاتها ،..........

 بعد ثوان ، سمع صوتا من بعيد ينادي عليه ((هاي طارق........طارق )) أنتبه طارق الي صوت تلك الفتاة التي تنادي عليه من داخل المياة ، .....اه انها سوسن ياللمصيبه ماذا تريد هذه الفتاة ....هكذا ردد طارق في ذهنه عندما لمح تلك الفتاة الرائعه الجمال الشقراء الشعر وهي تنادي عليه من داخل المياة تشير اليه بالدخول معها الي الماء ، مر شريط سريع من الذكريات علي مخيله طارق ، فهذه الفتاة الفائقه الجمال بها كل المواصفات التي تجعل من نصف رجال البلد تجري ورائها طالبه منها نظرة أو كلمه ،

فلديها من الجمال والمال ما يجعل لعاب الرجال يسيل ورائها، لقد أمضي طارق معها وقتا مميزا منذ ثلاث سنوات تقريبا وقتها كان قد تخرج من الكليه الجويه ، لكن تفكير الفتاة لم يتماشي معه ، فكل ما يشغل تفكيرها هو النادي والبحر وأصدقائها والسهر الخ الخ ..... لكن لا هدف لها من الحياة الا العيش بالطول والعرض وإنفاق أكبر مبالغ ممكنه في اللهو والمتعه ، وليس لها صديق حقيقي إنما كل من حولها هم من جماعه المنتفعين بثروتها ونفوذ والداها ، فكل ما يريدونه هو الانتفاع منها ، وهي تعلم ذلك  وصارحت طارق به ذات مرة ، وأخبرته بأنها معجبه بكل المنافقين الذين حولها والذين لا يقولون لها الا ما تريد أن تسمعه وأن تصرفاتها دائما هي الصواب ،أما هو  فلديه ما يكفي من الاصدقاء الحقيقين الذين يهتمون به ويهتم هو بهم حقا فأثر الابتعاد عنها ، لكن الاثر الحقيقي الوحيد الذي ظل باقيا منها انها (( بنت جدعه، تجدها وقت الشدة ويمكن الاعتماد عليها )) . ...... لكن ظلت الصداقه بينهما ، وطالما حاولت هي ان تتقرب منه وتخيط حوله خيوطها ، لكنه كان متمسكا بالافلات منها .

 مر هذا الشريط في مخيله طارق سريعا ثم أستجاب لندائها فخلع نظارته ووضعها بحرص فوق المجله وأسرع جاريا الي المياة الدافئه وغطس في الماء وبسرعه ومهاره  كان بجوارها حيث تقف  ........ بادرته صائحه ( إيه يا طارق منزلتش الميه ليه من بدري ، الميه تجنن ) كان صوتها عذبا جدا في أذنه ، لكنه عاد وذكر نفسه بانها سوسن .... وهو يعلم انه قد فرض حظرا مع نفسه علي سوسن فممنوع الاقتراب منها الا لحد معين، ولابد الا يدع صوتها العذب يؤثر في دفاعاته.

رد طارق(( كنت بقرأ قصه لاجاثا كريستى وكنت ناوي أنزل بعد ما أخلصها )) ثم التفت حوله في الماء وتساءل (( إمال فين شلتك ؟))

ردت وهي تطوق بأحد ذراعيها عنقه (( هايوصلوا النهاردة بليل ....... انا بعت لهم عربيه بالسواق علشان يجيب مجموعه منهم والباقي هيوصل بالقطر))،

لاحظ عمر إنها تحاول أن تلصق جسدها بجسدة ، حاول التملص لكنه لم يستطع .

وفجأة وبدون مقدمات هتفت (( أمسكني يا طارق .. انا رجلي فيها شد )) وطوقت بكلتا زراعيها عنق طارق ، أرتبك طارق من ذلك التصرف المفاجئ منها ،

فأمسك كتفيها بذراعيه القويتين محاولا إخراجها من الماء لكنها رفضت الخروج واخبرته بان الشد سيزول سريعا كل ما عليه أن يمسك بها ويقف ساكنا لثوان ، لم يكن طارق طفلا تنطلي عليه هذه الحركات لكنه شك للحظه أن يكون الشد حقيقيا فوقف ممسكا بها في الماء ، وفي لحظه وجد وجهه مواجها لوجهها وشفتيها تقتربان بسرعه من الامساك بشفتيه ، لم يرد طارق أن يكون أحد ضحايا سوسن وفي نفس الوقت بدأت مقاومته في الضعف امام جسدها الملاصق لجسدة وشفتاها المندفعتين نحو شفتاة بتصميم   

أدار وجهه لثانيه متفاديا التصاق شفتيه بشفتيها ، ولوهله  ظن أنه شاهد زينب الشغاله تقف علي الشاطئ ملوحه له ، كانت وقتها سوسن تحاول أن تدير وجهه تجاهها مرة اخري لتقبله ، مسح طارق عدة قطرات من الماء غطت عينيه ، وبيد قويه أبعد سوسن عن وجهه وركز نظرة تجاة الشاطئ متسائلا (( البت زينب نزلت الشط  وبتشاورعليا ليه ؟؟))عاد اليه بصرة الحاد مخترقا الشباب والفتيات علي الشاطئ بصورة فتاة لا تتعدي الاثني عشر عاما ترتدي جلبابا مزركشرا وهي تشير بجديه حيث يقف طارق.

كل ما فكر فيه طارق وقتها ،أن والدته قد حدث لها مكروها ، فأنطلق سابحا تجاة الشاطئ بعد أن رمي سوسن من يدة بحركه لا أراديه ، لم تكن المسافه للشاطئ كبيرة لكنها أعطت طارق وقتا للتفكير ، فقد ترك والدته علي مائدة الافطار بصحه جيدة ، ولم تعاني من أي أزمات صحيه منذ فترة ، وقبل أن يضرب أخر ضربه للوصول للشاطئ كان قد قرر انه حتي لو كان امرا تافها الذي تريدة فيه البنت الشغاله فلابد من مكافأتها علي أنتزاعها له من حصار سوسن التي غطت بدورهانظرات التحدي عينيها عندما رأت طارق يخرج الي الشاطئ .

أسرع طارق الي حيث تقف زينب وبلهفه سألها (( مالك يا بت ؟؟ ماما جرالها حاجه؟؟))

كان يبدو قلقا متوترا فأرتبكت البنت المسكينه وتلعثمت في الكلام ولم تقل شيئا يفهم

فهزها طارق من كتفيها (( قولي لي ايه اللي حصل ؟؟)) كانت البنت ترتبك أكثر كلما نظرت لطارق ، فهي تخافه جدا وكم من مرة ذاقت ضرب مبرح منه جراء أفعال صغيرة ، ولم تكن تدرى هل فعلت شيئا أغضبه فتستحق عليه العقاب مرة اخري فزاد تلعثمها في الكلام لكن كل ما ميزة طارق من تلعثمها هي كلمه (الشغل) فهدأ توترة لثانيه ، وأرتخت أصابعه الممسكه بكتفيها الصغيرين، وظهرت علي شفتيه أبتسامه مصطنعه ومن بين أسنانه سألها مرة أخري ( الشغل ماله يا حلوة .... قولي لي ؟) فأنفرجت أسارير الطفله  عندما رأت أبتسامه طارق وأنطلقت تروي لطارق كقارئ نشرة الاخبار المفصله(( من شويه يا بيه ، التليفون رن ، قامت الست هانم وردت علي التليفون )) وتحولت نظراتها للخوف مرة أخري (( والله يا سيدي انا ماكنتش بأتصنت بس أنا سمعت الست هانم بتقول ان حضرتك علي الشط وهاتنداهلك ....  وبعدين الست حطت السماعه علي الترابيزة وقالت لي أجري يا زينب اندهي سيدك طارق بسرعه )) حاولت الفتاة الاستمرار في سرد ما حدث بعد ذلك ، لكن طارق كان قد أندفع جريا الي الشاليه الذي يطل علي البحر مباشرة ،ثم توقف فجأة وأستدار أمرا زينب بأن تأتي له بنظارته والمجله ،وأستمر راكضا نحو الشاليه الذي لا يبعد أكثر من خمسين مترا ، صعد درجات السلم الخارجي للشاليه في خطوتين والمياه تتساقط من جسدة المبلل ، وجري نحو التليفون والذي كانت والدته تقف بجوارة قلقه ، أمسك سماعه التليفون ، ولم يردد سوي كلمه واحدة (( أفندم )) وسكت بعدها لثوان قليله ، زاد من قلق الام هو تعابير القلق التي ظهرت علي وجه طارق سريعا ........ بعد ثوان تحدث طارق بكلمه واحدة أخري (( حاضر يا فندم)) ووضع السماعه منهيا المكالمه ، وأشتعل رأسه بالتفكير سريعا .

سالته والدته مرتين عما يحدث لكنه لم يسمع كلمه ، فقد كان صوت تفكيرة أعلي من صوت والدته ، وعندما خبي صوت تفكيرة وسمع صوت والدته ، أستدار لها ليخبرها في عبارة غامضه (( لازم ارجع المطار دلوقتي )) وتوالت أسئله الام القلقه سريعا لكنه لم يرد لانه وببساطه لم يكن يملك جوابا عن أسئلتها القلقه المتحيرة ، كل ما أستطاع قوله أن يجب أن يكون في مطار النزهه لكي يسافر في التاسعه مساءا ، أي أنه لديه حوالي أربع ساعات ليعد نفسه ، في ذلك الوقت كانت زينب قد عادت بنظارته والمجله ومدت يدها  له لتناوله حاجياته فأمسك بنظارته من يدها وأنفجر غاضبا (( انتي واقفه هنا بتعملي أيه ، غوري من وشي أعمليلي فنجان قهوة )) أنتفضت البنت المسكينه خوفا من صياحه وجرت نحو المطبخ وقبل أن تدرك المطبخ كانت قد تعثرت في الارض وسقطت علي وجهها ، فأنفجر طارق ضاحكا بينما هرعت الام لنجدة هذه الفتاة الباكيهوهي تلومه علي قسوته،

 كان مشهدا متناقضا هذا الذي يحدثله في عدة دقائق ، فمنذ دقائق قليله جدا كان علي وشك أن يروي شفاة فتاة ظمأنه ، ثم تحول للقلق المشتعل عندما رأي زينب تطلبه علي الشاطئ،

ثم هدأ القلق عندما تأكد من ان والدته بخير ،ليزداد القلق عندما يسمع نبأ أستدعاؤة لقاعدته علي عجل وعلي غير العادة ، ثم يتحول لموقف كوميدي مع أرتطام زينب بالارض هلعا وخوفا منه

بعد دقائق كان طارق ووالدته يجلسان في الشرفه يحتسيان القهوة بعد أن أستحم طارق سريعا  وغير ملابس البحر، وتحت ضغط من والدته طيب من خاطر زينب عندما مدح فنجان القهوة الذي أعدته ، فأنفرجت أسارير الفتاة وظهرت ابتسامه عريضه علي وجهها البرئ .        

تساءلت الام القلقه عما يحدث ، ولان طارق لم يكن يعلم الاجابه فلم يكن يستطع الاجابه بطريقه تبعد القلق عن ذهن والدته

لكن والدته تلك السيدة المثقفه المتعلمه والتي بحكم عمل زوجها  في السلك الدبلوماسي ، كانت تعلم بان الساحه السياسيه لم تكن هادئه بالمرة .

فسألته بهدوء (( تفتكر دة له علاقه بالحشود الاسرائيليه علي حدود سوريا ؟))

وتساءل طارق عن أي حشود فهو لا يعلم شيئا عن ذلك ، فردته عليه ساخرة

((ما انت لو تقرأ الجرايد وتهتم شويه باللي بيجرا حواليك ، وتبطل جري ورا بنات الناس ما كنتش تسألني السؤال دة )) ظهرت علي طارق حمرة خجل من تهكم والدته التي واصلت

(( انت بقي مش ناوي تفرح قلبي وقلب أبوك وتشوفلك عروسه بقي )) ظهرت فجأة علي ملامح طارق نظرات التحدى وكأنه سمع هذا الموضوع عدة مرات فهم واقفا لكي يخرج من الشرفه، لكن والدته وبحدة (( طارق .... انت يا ولد ..... متفتكرش أن البدله والكام نجمه اللي علي كتافك هيخلوك تكبر عليا .............لا ..... انت لازم تحترم والدتك وتعرف أني انا وأبوك خايفين عليك .........))

صمتت الام قليلا وأدركت لثانيه بأن أبنها لم يعد صغيرا لكي يستمع لهذة الطريقه من الجدال ،

فعدلت بسرعه من طريقتها ، وسلكت الدبلوماسيه الهادئه ، فأقتربت منه وعلقت عينيها في عينيه في نظرة توسل (( يا بني . دا انت أبننا الوحيد وعايزين نفرح بيك قبل ما نموت .. عايزين نمسك عيالك ونلاعبهم )) وكما لم تنطلي حيله سوسن معه في البحر ، لم تنطلي دبلوماسيه والدته معه أيضا ، فأبتسم محتضنا والدته

(( اوعدك يا ماما ، لما أنزل اجازة نبقي نتكلم )) غادر طارق الشرفه وعي وجهه أبتسامه نصر بينما أستشاطت الام غضبا ، أسقط في يدها ، فقد حاولت معه كل الوسائل تقريبا لكي تقنعه بالزواج ، لكنه يتملص منها في هدوء وبدون أن يوعدها بشئ يلزمه ......وفي كل مرة تحاول أن تجد مناسبه للحديث في هذا الموضوع تجدة يتملص منه في براعه

مع دقات الساعه الثامنه من هذا المساء ، كان طارق يخرج من غرفته وقد أرتدي بذلته التي أصطحبها معه طبقا للتعليمات ، أقتربت منه الام وببطء تحركت يدها علي بذلته للتأكد من أستقامتها وتساويها ، مرت بنظراتها علي ازرار البذله وتأكدت من لمعانها كذلك لمعان النجوم الاربع التي تزين  كتفيه

وأولت أهتمام خاص بجناح الطيران الذي يبرز فوق صدرة  فضيا لامعا ، كانت قلقه كدأبها كل مرة يغادر فيها فلذه كبدها الي وحدته ، لذلك أطالت هذه المرة في التأكد من أناقته الشديدة ، وأحتضنته داعيه له بالسلامه .

غادر طارق الشاليه متوجها نحو الطريق حيث اقرب تاكسي يقله للمطار ، طوال الطريق الذي أمتد لمئتين مترا تقريبا انتزع طارق قلوب كل الفتيات التي مر بهن ، كان يري ذلك بدون أن يراة ، فكلما مر علي جماعه من الشباب المنتشرين بطول الطريق  يصمت الجميع ليشاهدوا ذلك الشخص الوسيم الذي يمر بينهم ، والذي زادته بدله الطيران سحرا خاصا ، وكم من فتاة تمنت لو يكون هذا الضابط الوسيم زوجا لها يوما ما ، خطوات واثقه لشاب متناسق الجسد مرفوع الرأس تلمع النجوم علي كتفيه ، نظراته للامام بها شموخ وكبرياء رجل ممتلئ فخرا وعزة ، وصل طارق للطريق العام تاركا نظرات الشباب والفتيات تلاحقه في ثبات .

وصل طارق لمطار النزهه قبل الموعد بربع ساعه ، كان المطار مظلما ، فقلما يستخدم للرحلات الداخليه النادرة .

وجد ضابطا للبوليس الحربي تأكد الضابط من شخصيته ثم دله علي بوابه  ، سرعان ما ان دلف منها طارق حتي وجد نفسه في قاعه انتظار بها خمس طيارين تتفاوت رتبهم من ملازم أول كطارق حتي رتبه الرائد، يبدو انهم مجتمعين طبقا للتعليمات التي صدرت اليهم أيضا ، حاول طارق أن يستشف منهم حقيقه الامر ، الا أنهم كانوا علي جهل تام بالوضع مثله تماما ، كل ما عرفه أنهم في انتظار طائرة نقل قادمه من القاهرة لتقلهم لوحداتهم المختلفه ، تشارك الجميع في القلق ، وظهر من الحديث الودي بينهم أن هذه هي المرة الاولي لكل منهم والذي يتم أستدعاؤهم علي عجل بهذه الطريقه العاجله .

و بعد ساعه من القلق والترقب  ، أضيئت أنوارالمطار فجأة ، وبدأ الهدوء يتلاشي مع تعالي أصوات طائرة  ، انها طائرة أنتينوف 12 طائرة نقل عسكريه سوفيتيه الصنع ، من المستحيل علي أي طيار أن يخطئ صوت محركاتها الاربع الكبيرة ، فبدأ الجميع في التحرك بصورة أتوماتيكيه نحوها ، وبعد دقائق كان طارق يخطو داخل هذا الوحش المعدني الكبير ليختار لنفسه مقعدا ،  كان بالطائرة عددا من الطيارين القادمين من القاهرة ،

وقبل أن يجلس رأي عمر صديقه وزميله نائما في كرسيه علي مقربه منه ، فتحرك نحوة وأتخذ المقعد المجاور له ، تمتم طارق تهكما من مجموعه الحبال المتشابكه التي يطلق عليها مقعد في هذه الطائرة ، فهي غير مريحه بالمرة ، هؤلاء السوفيت الحمقي لا يبالون براحه الافراد نهائيا ، هكذا كان تعليق طارق في اول مرة ركب هذه الطائرة منذ عامين ، وكان رد أحد رفاقه وقتها ، أن هذه الطائرة لا تصلح الا لنقل الحيونات وليس البشر .

بعد ثوان أطفئت الانوار الداخليه للطائرة وبدأت في التحرك علي الممر ، بينما عمر ما زال نائما بجوار طارق ، أقلعت الطائرة متخذة طريقها نحو الشرق ، نحو سيناء وبالاخص وكما علم طارق نحو قاعدة المليز الجويه لتوصيل عددا من الطيارين قبل أن تواصل طريقها نحوالعريش ، وكلها من القواعد الجويه الرئيسيه في وسط وشمال سيناء ، وبينما الجميع داخل الطائرة صامتين قلقا وتطلعا لمعرفه ما هيه الامر الذي أستدعي هذا التوتر والاستدعاء ، وبينما صوت محركات الطائرة الممتد الي داخل الطائرة يغلف الجو ، نجد طارق مغتاظا من صديقه وزميله عمر النائم في هدوء بجوارة ، لكز طارق عمر في جنبه فصحا عمر علي الفور ليفاجأ بطارق بجوارة .

(( طارق أنت بتعمل أيه هنا ؟؟؟؟؟ ...... هو احنا فين دلوقت ........؟؟؟؟ )) ضحك طارق  بشدة وعلت ضحكته المميزة علي صوت المحركات لوهله ، فقد أنجز ما يريد من إفزاع عمر والذي بدورة فوجئ بزميله بجوارة ورد طارق ساخرا (( انت يا بني يحطوك في اي حته تنام فيها علي طول . أزاي عارف تنام في الجو ده ؟.. بذمتك تعرف تنام ازاي من صوت المحركات دي ؟؟؟؟))..... رد عمر متثائبا (( بجد يا طارق .. انت مش كنت في الاسكندريه؟ أيه اللي جابك هنا ؟؟؟؟)) ...

طارق (( ما لو انت تبطل نوم ، كنت عرفت ان الطيارة عدت علي أسكندريه وهناك أنا ركبت ، بس طبعا سياتك كنت بتاكل زر مع الملايكه )) عمر بصوت حزين (( والله انا ما لحقت انام ، انا ملحقتش اقعد ست ساعات علي بعض في مصر )) ثم تحول صوته للجديه (( طارق..... هوا فيه ايه ؟؟؟؟؟))

طارق غاضبا (( انت بتسالني أنا ، انا كنت فاكر أنك انت اللي هتقولي )) ... عمر ((انا كل اللي عرفته إننا رفعنا درجه الاستعداد ولغينا الاجازات ....ليه معرفش ))

فكر طارق لثانيه في كلام عمر وتساءل (( تفتكر دة له علاقه بالحشود علي حدود سوريا )) رد عمر (( والله انا ما نا عارف .... بس ياخبر دلوقتي بفلوس ... لما نوصل المطار يكون ببلاش )) .......... سكت الاثنين لثوان ثم تساءل طارق ((هيه أيه حكايه الحشود علي حدود سوريا دى ؟...)) نظر عمر اليه نظرة الصياد الذي وجد فريسته ويستعد للانقضاض عليها فرد متهكما (( ما انت لو بتقرأ جرايد كنت تعرف ايه اللي بيحصل حواليك ، بس كل اللي انت فالح فيه انك تلف ورا بنات الناس )) نظر طارق مندهشا مفاجئا  وتحول وجهه عمر المبتسم  بسخريه امامه الي وجهه والدته التي رددت نفس الجمله من ساعات قليله ماضيه، فنادرا ما يجد عمرالفرصه للسخريه من طارق..........   و ضحك الاثنان بصوت عال ،بعدها بدقائق كان عمر قد أستسلم للنوم مرة أخرى

==================================

في نفس الوقت تقريبا ............ مطار فايد الحربي

 

كان جو المطار متوترا منذ العصر تقريبا حيث جاءت اوامر رفع درجه الاستعداد بالمطار الي الدرجه القصوى  والغاء الاجازات ..وشتان الفارق بين الحال في المطار قبل هذه الاشارة وبعدها.

فقد تحول المطار الي خليه نحل حقيقيه ،  فالكل يعمل  سواء جنود وفنيين وضباط صف وضباط وطيارين لتجهيز المطار لأي عمليات ، وهي أجراءات محفوظه ودقيقه للتعامل مع رفع درجه الاستعداد ، حيث يتم تسليح الطائرات المقاتله بالذخيرة الحيه وملئها بالوقود تحسبا لأي عمليات ، ويقوم ضباط الصف والفنيين بالتأكد من جاهزيه جميع الطائرات ، ويقوم رجال المدفعيه والصواريخ المضادة للطائرات المحيطين بالمطار بتجهيز مدافعهم وصواريخهم للانطلاق في أي لحظه . كم هائل من الاعمال والتفاصيل

 ومجهود كبير مبني علي تدريب شاق ، وفي المساء كان العقيد تحسين زكي  قائدالمطاريعطى تمام الاستعداد لقيادة القوات الجويه .

خرج العقيد تحسين من غرفه قيادته بالمطار  قرب الساعه العاشرة مساءا متجها نحو صاله الطعام ( الميس) ليأكل شيئا، فمنذ العصر لم يتذوق سوي طعم الدخان في فمه من جراء عدد السجائر الكبير الذي حرقها، تحرك الرجل بجسدة النحيف وقامته المشدودة وقد دب الشعر الابيض في شعرة تجاةالميس، دخل الرجل الي الميس فوجد جميع طياري القاعدة منتظرينه ، وسرعان ما وقف الجميع في وضع الانتباة وقاموا بأداء التحيه العسكريه لقائدهم ، وبعد تبادل التحيه أمرهم الرجل بالجلوس ............

كانوا حوالي ثلاثين طيارا كلهم بملابس الطيران ، تفحص الرجل وجوة الرجال ، شباب ممتلئ حماس وأقدام وفخر ، شباب يفتخر أي قائد بأن يكونونه جنودة ، فقد دربهم طويلا ويعرفهم كما يعرف أبنائه تماما ، يحبهم كما يحبونه  يخافعليهمأكثرمنخوفهم علي انفسهم .......... وبعد ثوان كانت أطباق العشاء توضع أمام الرجال ، مرت دقائق تناول فيها الرجال طعام العشاء وبعدها  أخرج العقيد تحسين سيجارة وأشعلها أيذانا بالسماح لباقي الطيارين بالتدخين أيضا كما عودهم

كان الطيارين في شوق لسماع قائدهم فمن المؤكد ان هناك الكثير مما سيقوله لكشف النقاب عما يحدث بالضبط ، أنصت الجميع لقائدهم وصمتت القاعه تماما، أطلق الرجل نفسا من سيجارته فغطي دخانا كثيفا وجهه لثوانومع تلاشي الدخان بدأ في الحديث بهدوء قائلا.(( طبعا انتوا عارفين حاله الاستعداد اللي احنا فيها من العصر ، احنا أكيد كتير مرت علينا حالات استعداد مشابهه ، المرة دي العمليه مش هتفرق كتير عن المرات اللي فاتت ، بس سبب الشد دة ، إن المعلومات اللي وردت للمشير بتقول إن أسرائيل بتحشد الويه مدرعه علي حدود سوريا ، والتزماتنا العربيه والشعبيه وكمان مطالبنا القوميه بتقول أننا لازم نساند سوريا ودة أمر طبيعي ، فكان لازم نبين العين الحمرا لاسرائيل ونخليها تفكر مرتين قبل ضرب سوريا ، المعلومات اللي وردت لي العصر بتقول ان الجيش هيتحرك لسيناء من الصبح ، الهدف المعلن هو ردع اي محاولات اسرائيليه لضرب سوريا وتأكيد مصر علي ثوابتها القوميه والعربيه ، بس الهدف الحقيقي  فيرأييهو التهديد مش أكتر، ومعتقدش أن الموقف ممكن يتطرو لعمليات عسكريه  ))

كان الرجل يتحدث في هدوء وثقه شارحا الموقف السياسي لطياريهورأيهفيالاستعدادات، لكن عينيه كانت ترصد ردود أفعال أعين الطيارين علي كلماته ،

 كان أيمان الرجل بكل كلمه يقولها ينتقل الي رجاله محفزا اياهم وباثا شعور لا نهائي بالثقه ،وأكمل الرجل حديثه (( بس تهديد ولا لأ ..... أنا أديت تمام للقيادة بأننا جاهزين لتنفيذ أي عمليات ، وزي ما انتوا عارفين كويس ... رفع حاله الاستعداد معناة وجود مظله فوق المطار وكمان فوق منطقهالقناه .... انا أديت تعليماتي للاطقم الفنيه بتجهيز كل الطيارات الممكنه ، المظله هتكون من طيارتين سوخوي أوميجوعلي أول الممر  طيارتين  برضه جاهزين  بطيارينهم كطيارات حاله اولي ووراهم أربع طيارات من غير طيارين كطيارات حاله تانيه ، طبعا كلهم جاهزين بصواريخ جو جو ، ومليانه وقود علي الاخر................)) أخذ الرجل نفسا عميقا من سيجارته ثم أستكمل تبليغ التعليمات التي يحفظها الطياريين جيدا .

(( أحنا ممكن نستغل حاله الشد دي ولغايه ما تخلص في التدريب علي القتال الجوي 

يعني ممكن في أي لحظه أضرب جرس الانذار ، ونحسب زمن تنفيذ اقلاع طيارات الحاله الاولي والتانيه وكمان كفاءة المظله ، أهم حاجه هو الاستعداد الدائم من أول ضوء حتي أخر ضوء...........................)) سكت الرجل لثانيه ثم اشار الي طيار يجلس الي يمينه

((الرائدأحمدالسمري مسئول عن جدول الطيران ، وهتلاحقوا الجدول متعلق علي اللوحه

بكره الصبح ))

ثم قام الرجل من مكانه معلنا انتهاء الحديث

 صمتت القاعه لثوان ثم بدأ بعدها الحديث الجانبي بين الطيارين ،وبقرب أحد اركان القاعه وقف ثلاثه طيارين يتحدثون وقد علاهم سحابه كبيرة من جراءدخان السجائر المشتعله في ايديهم  كان أحدهم هو السمري أركان حرب لواء السوخوي بالمطار كانت قامته قصيرة لكن جسدة متناسق ذو بشرة تميل الي الداكنه ، ويقف بجوارة  رائد ذو قامه طويله مقارنه بزملائه ، قوامه ممشوق رياضي ، نظرة عينيه تشع كما هائلا من الثقه والفخر ، لا تفارق شفتيه أبتسامه سحريه،  هو مدحت المليجي أو كما يطلقون عليه في المطار – البرنس-  أما ثالثهم الذي يرتكن علي الحائط يدخن سيجارة وكل حواسه مع الحوار الدائر فقامته أقل من مدحت ، ذو شعر مجعد وبشرة تميل قليلا للسمرة هو النقيب أحمد ، وهو معروف علي مستوي المطار بخفه ظله الشديدة وميله للمرح وحبه للسخريه من أي فرد

 

  النقيب طيار / مدحت المليجي

 

ويشكل الثلاثه مثلثا قويا يعرفه كل من بالمطار ، فهم من أفضل طياري السوخوي والميج بالمطار وبينهم صداقه قويه ، ورغم أن السمري يعتبر اقدمهم يليه مدحت الا ان اختلاف الاقدميه لم تمنع قيام صداقه قويه بينهم .

ويعرف جميع الطيارين مدي الارتباط الذهني القوي بين مدحت واحمد  أثناء الطيران ، ورغم أن أحمد يطير علي الميج 21 وهي طائرة تقارب السوخوي الذي يطير بها المليجي والسمرىالاانه عند القيام بأي تدريبات قتاليه تجد دائما وابدا مدحت وأحمد في المقدمه بأساليبهم الجريئه المبتكرة وسرعه تصرفهم المثاليه ، وقد استفاد العقيد تحسين من ذلك كثيرا في رفع مستويات باقي الطيارين بدمجهم وسط هذا المثلث المتميز ، وقلما تجد احدهم يطير منفردا بدون الاخر وإن كان السمري قد تخلف كثيرا عن مشاركتهم نظرا لاعباءة الاداريه كأركان حرب لواء السوخوي ....

 نعود للحديث الدائر بين اطراف المثلث  فبرغم وجه مدحت الهادئ الا انه كان شخصيه تميل للعصبيه عندما يحس بتخلفه عن شئ ما ،أو في حاله عدم المامه بموضوع ما ، وهو ما حدث في هذا الحديث ، فمدحت يحاول معرفه معلومات أكثر من السمري ربما تزيد قليلا عما قاله العقيد تحسين ، والسمري ينكر معرفته شيئا أكثر مما قيل ، بينما أحمد يقف مبتسما من جراء إنفعال مدحت وتوقعه بسيرالحوار، أختتم الحوار بين الثلاثه بوعد من السمري بأبلاغ مدحت بأي جديد ،

انصرف علي اثرها السمري تاركا مدحت واحمد ليتجهوا نحو سيارة الطيارين التي سوف تقلهم الي مباني المبيت والتي تبعد حوالي عشر دقائق خارج المطار.... سار مدحت صامتا كذلك احمد ، لكن احمد كان متأكدا بان مدحت سيتكلم في أي لحظه ...وفعلا  نظر مدحت لأحمد متسائلا

(( انت شايف انني كنت عنيف مع السمري؟ )) ظهرت ابتسامه خبيثه تطل علي شفتي احمد ، فاستشاط مدحت غضبا وأستطرد(( والنبي انا مش ناقص أستظرافك يا أحمد ......... أنا بس كنت عايز اعرف منه لو في حاجه فعلا تستدعي الشد دة )) فرد احمد بجديه (( انت تفرق معاك ؟؟؟ )) لم ينتظر رد مدحت فأستكمل أحمد

(( أكيد متفرقش لأننا هننفذ التعليمات سواء عرفنا ولا معرفناش ... يبقي ليه النرفزة دي ..... انت ممكن تخسر السمرى بنرفزتك دي )) نظر مدحت الي احمد في دهشه متسائلا

(( تفتكر كدة؟؟؟...........)) وصمت لثانيه ثم هرول عائدا حيث يقف السمري

تبسم احمد واستكمل سيرة نحو سيارة الطيارين ، فهو يعلم أن مدحت لا يحتمل ان يعرف بأن شخصا ما ولو حتي جندي بسيط مستاء من تصرفه بدون أن يطيب خاطرة ويعتذر إن أمكن.

 وكان احمد يعلم تمام العلم بأن السمرى لن يحمل في قلبه أي رواسب لتكرار أنفعال مدحت معه ، فهذه هي الصداقه في نظرهم والتي تعتمد علي مبدأ هام وهو المصارحه التامه بالعيوب المتبادله، بعدها بثوان كان مدحت والسمري يسيران تجاة سيارة الطيارين وقد تبطأ كل منهم ذراع الاخر وهم يضحكان .

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech