Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

الناس والحرب - الحلقه السادسه

افراح وزواج اثناء التدريب

 

     يناير من عام 1968 تاريخ لا انساه او يتناساه بعض القادة والعسكريين ففى هذا الشهر من العام التالى لعام الانكسار العسكرى العنيف على مصر وبعد مرور خمسة اشهر على تكوين الفرقة 18 مشاه تقرر ان نبدأ فى التدريبات على العبور تمهيدا لجولة جديدة مع اعدائنا وكانت البداية فى القوات المسلحة لفرقتنا المتمركزة بالقاهرة والتى استكملت كل المعدات والاسلحة من الاتحاد السوفيتى المتسبب الرئيسى فى الهزيمة قبل القيادات العليا التى كانت تقودنا .. اقلتنا اللوارى العسكرية الجديدة من نوع “جاز66″ وهى من طراز حديث الى محطة سكة حديد الهايكستب وهى محطة عسكرية لوجودها فى هذا الموقع ومخصصه للقوات المسلحة وانهمك الجميع فى تحميل المعدات على عدة قطارات وكان اللواء136 هو باكورة وحدات الفرقة 18 مشاه لهذا النوع الحديث من التكتيكات على قواتنا المسلحة .. الا وهو الهجوم عبر مانع مائى والقصد هنا قناة السويس.

       لم نكن نعرف الجهة التى نقصدها كما هى العادة فى مصر حتى يومنا هذا .. اتركوا تلك الاغنام ترعى وتنفذ التعليمات وما المانع بان يعلم الجنود وصغار الضباط بالمكان الذى سوف نتجه له بدلا من اسئلة الجنود والتى لاتجد اجابة منا .. استمر تحميل المعدات على القطارات المختلفة ست ساعات .. وحدات المشاه لهم  قطارات بضاعة والدبابات لهم قطار آخر والمدفعية لهم قطاران بالاضافة الى قطار مخصص لوحدات قيادة اللواء من وحدات الاستطلاع والسرية الطبية والشئون الادارية والامن والحراسة.

      كما خصص قطارات ركاب لنقل الجنود .. تحرك القطار ثم توقف وتحرك ثم توقف ثم عاد للخلف وسكن ثم تحرك ونحن لانعرف اين نحن ولماذا كل تلك التحركات حتى غفا الجنود فى نومهم بعد ان جاوزت الساعة العاشرة مساء وقبلها وزع عليهم الطعام وكان من النوع الجاف اى جبنه وحلاوة وهكذا .. نشعر ونحن نيام ان القطار يسير الى ان توقف تماما ونظرنا من النافذة فاذا نحن فى مكان لانعرفه ولم نراه قبل ذلك وعلى رصيف محطة قطار قديمة وصغيرة ومكتوب يافطة اسمنتيه من هذا النوع الموجود بالمحطات وتوضح اسم البلد”ابوغـالــب” الكل يستفسر من تكون ابو غالب ولكن احد الجنود الفكهين قال انها محطة مصطنعة وسُميت هكذا تيمنا من الجيش باننا سوف نغلب اليهود وقد اتوا بنا الى هذا المكان حتى نتبارك بها ثم يدفعوا بنا الى المعركة وننتصر ثم يكون ابو غالب قد غلب فعلا وقد اضحك هذا زملائه من ابتكاره تلك الرواية ولكن احد الجنود عندى اخبرنا بان تلك المحطة تتبع الجيزة وانها قريبة من امبابة بحوالى عشرة كيلومترات .. شهق الجميع لكل تلك المسافة البسيطة تستدعى ركوب القطار اكثر من اثنى عشرة ساعة .. اذن نحن فى ضيافة محافظة الجيزة وليس فى سيبريا او فى فيتنام.

   بداء البعض منا فى مغادرة القطار.. والبعض الاخرلازمه اتقاء البرودة والصقيع الذى كان قويا فى هذا الصباح من شهر يناير.. كنت اريد ان اقضى حاجتى واتلمس مكانا بعيداً عن عيون جنودى فيجب ان اكون قدوة حتى فى هذا الامر الهام .. نظرت حولى اتفحص المنطقة .. الرياح البحيرى على يمين السكة الحديد ونحن فى اتجاه البحيرة ثم شريط السكة الحديد وهو مفرد ذا اتجاه واحد ثم منطقة فضاء ليست كبيرة وخلفها عدة منازل لبعض الفلاحين لايتعدى عددهم حوالى اثنى عشر منزلا ريفيا .. شعرت اننى فى مكان آخر غير مصر اوريفها والسبب هو شدة البرودة والضباب المحيط بالمنطقة وارتدائنا للبالطو الميرى الضخم الذى يشبه بالطو الخفر فى الريف المصرى ويطلق عليه اسم “الكبوت” واضع على راسى كلبوش مثل السائقين وهو ميرى ايضا ويدى فى جيوب البالطو وسرت فى اتجاه احد المنازل بطريقة عشوائيه والساعة لم تحن بعد الخامسة صباحا .. دققت على الباب وسمعت صوت سيده من خلفه تسأل عن الطارق”ميين” اجبتها “انا” اجابت”طيب” وفتحت الباب .. كل تلك الكلمات الصغيرة افصحت عن شخصيتى للسيدة التى فتحت الباب فشاهدت هذا المنظر وقالت خير ياخويا كفله الشر انت مالك ملكفت نفسك كده ليه؟ .. هوه فيه حاجه؟ .. يعنى لو فيه قول برضه احنا اهل .. كل هذا وانا اقف على باب منزلها ..اجبتها ممكن اروح الحمام؟.. اجابت بهدؤ .. ايوه مش قصدك”بيت الراحة” اجبتها: ايوه .. افسحت لى المكان وهرعت الى الداخل واحضرت ابريقا من الفخار اسود اللون وهى تناوله لى وتقول ابقى شطف نفسك ياخويا .. هيه .. اروح اصحى الراجل يتحدت معاك لحد ما اعملكم الشاى .. تركتنى وانصرفت .. نفذت وصايا السيدة وخرجت اتنحنح واقول ياساتر مثل ما اشاهد فى الافلام العربى القديمة والسيدة تجيب من بعيد تعالى ياخويا مافيش حد غريب دا انا والمحروستين فاطنه وزينب ما انت عارفهم!!.. اصل انا عندى اتنين صبايا .. الراجل خم نوم ولكع حبتين لكنه حيصحى .. حيروح فين .. تقدمت حزرا فى مكان فسيح نسبيا حيث السيدة مشغولة امام كانون بلدى والنيران ترافق الدخان صعودا منه وتجلس على اقدامها مثنية للامام وتدفع بالحطب الجاف الى فتحة الكانون .. تقول .. ياله يافطنه روحى مع الجدع وديه المنضرة .. شاهدت امامى فتاتين فى سن الزواج وغاية فى الجمال وابتسمت احداهن وهى تقول .. اتفضل من هنا .. سرت اتبعها لاجد نفسى فى حجرة وبها حصيرة فى الارض وكنبتين بلدى وترابيزه.

       اخيراً ظهر وحش الشاشة صاحب المنزل الذى رحب بى بشده وكأنه يعرفنى منذفترة .. متوسط الطول وحليق الشعر ويرتدى جلباب قصير وصديرى بلدى فوقه ومن حين لاخر يهرش فى رأسه بشده مع متابعة ذلك بتثائب بصوت مرتفع .. اتباع ما اشاهده واسمعه وانا اسأل نفسى .. لم يكلف احدا نفسه بالمنزل من سؤالى عن من اكون ولماذا حضرت لمنزلهم وفى هذا التوقيت؟ ” صافحنى الرجل قائلا : حمد الله بالسلامه وازاى الجماعه فى البلد .. اجيبه بخير .. والنبى لكم واحشه .. ثم نظر جهة باب المنضرة مائلا الى الامام زاعقا وهو يقول .. بت يافتحيه”زوجته”بالزمة انا جولتلك ايه اولت امبارح .. اجابته هو انا فكره الاسبوع اللى فات لما حافتكر اولة امبارح!!!.. كدت ان اضحك على هذا الرد الغريب على مسامعى فاوضح لى ان البت فتحيه سماعها تجيل اليومين دول ومش سمعت سؤالاتى!!!!

     حضرت فتحية بكوب لبن ضخم ساخن ورائحة اللبن الطازج ترافق دخانه انبعاثا من هذا الكوب وبجواره طبق كعك وبسكوت العيد وشوية حلويات تقول عنها ان اسمها “فروته” انا والزوج نتبادل الحديث وحضرت فتحية برفقة الاتنين الصبايا وجلسنا جميعا نتناول الكعك والبسكوت ونشرب اللبن فقد كانت ايام عيد الفطر المبارك وارادت القيادات العسكرية ان نقضى فترة العيد سويا مع بعضنا البعض .. فاجأنى الرجل بسؤال لم يكن على بالى .. هيه .. وجاموستكوا ولدت الجمعه الغادى؟.. لم اعرف علاقة الجاموسه باحتياجى للتشرف بزيارة “الكابانيه” اجبته والله انا من مده وانا فى الجيش ومش سافرت البلد من مده .. اجابنى ..  ابوك بعتلى مع محمد ابوشعبان الواد كاتب الجمعيه الزراعيه اللى حدانا فى العزبه وعرفنى بحكايتك .. مازلت اشعر بدوار واقول اكيد ان الراجل ده معتقد بانى شخص آخر لان كل ما يخبرنى به لا اعرفه ولا اعرف ان لنا اقارب فى تلك المنطقة .. قاطعنى .. شوف يابن الناس البت فاطنه انت مش لادد عليها وخلينا حبايب ومعارف من جريب .. ادركت ماهو الخطأ الذى وقع فيه الجميع .. ولكن يا للمفاجأة ان فاطمة ابتسمت وخرجت من الحجرة تتبعها امها ثم عادت الام منشرحة الصدر وتقول خلاص فاطنه موافجه عليك .. اصل اسم الله عليها مكنتش شافتك جبل كده .. لكن هيا موافجه .. تنحنح الرجل يفتل شاربه قائلاً :  طيب انا مش موافج .. تحاول زوجته ان تقنعه بان ابنته راغبة فيه وهو رافض ويقول .. كده بتصغرونى جدام الجدع .. نسمع طرقا على الباب تنهض زينب لتفتح الباب فاشاهد اثنين من قادة السرايا علموا بما افعله من احد الجنود وباحتياجى لاستخدام دورة المياه فحضروا وهنا قام”مسعود” صاحب البيت ليرحب بهم وبادرنى احدهم .. كده برضه تعملها وتيجى لوحدك ولكن مسعود لم يسمع اويفهم وهويجيبه .. والله يابيه لسه حتى ما جرينا الفاتحه .. اصل البت… “تركنا احدهم بعد ان استدل على مكان دورة المياه من زينب” .. يكمل”مسعود” حديثه اصل البت حارنه عليه”اى رافضاه” ومش موافجه انها تتجوزه .. نظر الضابط الاخر الى وانا جالس اكمل طعامى وكوب اللبن .. يكمل”مسعود” والله وحياة سيدى المدبولى لو حُصل لتكونوا اول ناس يشرفونا .. امال هوه حيجينا اعز منكم .. تركتهم خارجا وفتحيه تلاحقنى على فين .. وتنظر لزوجها كده ياراجل زعلت الواد عويضه .. اجابها وانا مغادر باب بيتهم قائلا   : جاه خابط فى نفوخه..     

   اسرعت الى سريتى لاكمل اعمالى فلقد استيقظ الجنود كل يبحث عما يريده وكان هذا هو اول استقبال لنا فى بلدة ابوغالب .. عاد الضباط يستفسرون منى عما شاهدوه وسمعوه وانا اوضح لهم الخطأ الذى وقع فيه الرجل لانه منتظر خطيب ابنته ان يحضر من الجيش ليتفق معه على الاتفاق المبدئى بين مسعود ووالد عويضه ولكنهم لم يصدقوا روايتى خاصة بعد ان تركت المنزل وشاهدوا دموع فاطمة تبكى على ما حدث بين والدها وبينى وهى تقسم ان لم اجوزه ما انا مجوزه نهائيا.

     تواصل التدريب وكانت المنطقة الغربية لتلك العزبة صحراء وهى امتداد لصحراء مدينة (6 اكتوبر) الحالية .. التدريب على اشده  ولكننى كنت اقابل مشكلة اخرى مجرد ذهابى جهة القرية فاذا شاهدنى احد منهم يسرعون بالترحيب بى سائلين .. ليه كده ياعويضه .. برضه تزعل كده بسرعه وتعمل زى” إلـ حمار الجماص”…اى الحمار الذى ياخذ على خاطره ويزعل .

     اخيراً بعد مرور اكثر من شهر علموا اننى لست عويضة وانا ضابط من ضباط الجيش خاصة بعد حضور عويضه الاصلى”ولم اشاهده” ووافقت فاطمة عليه لكن الاسرة اصبحت صديقة لى وانا صديق لهم .. اما الضباط فقد اطلقوا على اسم “عويضه” واذا سأل احد اين الملازم اسامه فيندفع احدهم يخبرهم بان عويضه مشغول فى التدريب لكن للحقيقة لم يخبروا احد بما سمعهوه او شاهدوه ولكن فى لقاءاتنا الثنائية كانوا يتندرون بتلك الواقعة

      الراحة الاسبوعية مغادرة المعسكر ظهر الخميس والعودة مساء الجمعة وكنت ابدل فى زياراتى مابين الزقازيق والمنيل .. بات واضحا بان هناك قصة حب تنسج خيوطها بينى وبين “علا” شقيقة الضابط مدحت .. فكل اجازه اقضيها مع تلك الاسرة كانت علا تجعلنى محور اهتمامها وكنت اشعر بهذا وسعيدا به لكن كان لدى شعور بعدم الامان او الخوف من تلك العلاقة بان تفسر باننى لست امينا على هذا المنزل وبه ايضا”اتنين صبايا” كما قالت فتحية زوجة مسعود .. ماما وداد .. شعرت بانها اصبحت انشط حركة عما شاهدتها اول مرة وقد تحسنت بشرتها وكثيراً ما تضحك وتبتسم .. اما مدحت فقد تحسنت حالة فقد الذاكرة كثيرا خاصة انه تسلم عمله فى ادارة التوجيه المعنوى واصبح نقيبا مُهابا ويرتدى نظارة شمسية لستر العين الصناعية التى ركبت له فى المركز الطبى للقوات المسلحة .. كانت ماما وداد تحدثنى بمشاعرها واحاسيسها وما تشعر به من سعادة وكان يراودها شعور بالخوف من المستقبل ان تزول تلك السعادة وهى تخبرنى بان ابنتيها حولها وابنيها اسامة ومدحت .. انها دائما ما تسبقنى فى البنوة عن مدحت وهذا تكريم منها الى.

     تسلمت علا عملها فى شركة فايزر للادوية ودينا فى السنة الاخيرة من دراستها والتى كانت دائما لاتكل فى المشاكسة معى وقد ضايقنى هذا كثيراً وطلبت منها ان تلاعب علا ولكنها اخبرتنى بانها ليست طفلة لتلعب واخيراً تحدثت الام قائلة يا ابنى هيا شاعره انكم فوق رووس بعض .. ولكننى اخبرتها بان علا هى التى فوق رأسها مباشرة ولكن الام سألتنى عن تاريخ ميلادى وهنا ضحكت وقالت انا كنت حاسه ان علا اكبر منك بسنه وكام شهر علشان كده اتحمل آخر العنقود .. وهكذا مجرد وصولى يبدأ السامر الضاحك فى الفيلا بين (دينا .. ودينا) لاننى لم اكن ايجابيا معها حيث كنت اتلقى المضايقات ولا ارد بمثلها بين ضحك اخواتها ومعاتبة مدحت لها بانها زودتها شوية.

     شعرت فى بعض اللحظات باننى ابن لتلك السيدة وفى احدى المرات فكرت لماذا لم اكن ابنا لتلك الاسرة الثرية العريقة بدلا من حال اسرتنا المتوسط والذى نعيش فيه فى الزقازيق مع والدى الموظف رقيق الحال وامى الاخرى المكبلة باخوة واخوات يبلغ عددهم  ستة غيرى مما جعلها تنؤ بحمل ثقيل وابى هو الاخر بحمل المشاق لسد رمق هذا العدد الكبير من البنين والبنات .. ولكننى طردت هذا الهاجس وتلك الافكار.

     شعرت بتأنيب الضمير لما فكرت فيه من ان اكون ابنا لتك العائلة خاصة بعد تلك الفكرة السيئة وانا ازور اسرتى فى الزقازيق ولأول مرة اشاهد ابى والذى اقترب عمره من الستين عاما وهو يغادر منزلنا كل صباح الى بلد ريفى قريب من المدينة ليقوم بعمله كناظر مدرسة ويعود بعد عصر نفس اليوم مرهقا من العمل والمواصلات السيئة .. ثم امى هى الاخرى التى تدور فى طاحونة المنزل سواء من نظافة اخوتى الصغار ورعايتهم او من اعداد الطعام .

     نواصل التدريب الشاق وهذا هو التدريب الليلى على مستوى فرقة مشاه بكامل اسلحتها .. يتواجد بعض المفتشين من قادة من وحدات اخرى ليسجلوا ملاحظاتهم وقد بدا المشروع منذ غروب الشمس وهانحن بعد حوالى ثمان ساعات والبرد القارس يلفحنا وتاتى سيارة جيب حديثه اربعه باب وينادى من بداخلها على ويستفسر منى عن عدد الوثبات التى قمت بها مع سريتى فاجيبه باننى لا اتذكر فيرغى ويزيد متهمنا باننا مهملون وانه حينما كان قائدا لسرية الهاون فعل وحدث وطاح وماح .. وانا اتالم من البرد والارهاق ويكملها بالمزايدة ..  فصحت فيه انت عندما كنت قائد سرية هاون كنت تضرب دخان بالليل ومضىء بالنهار !!!.صرخ فى باننى موقوف عن العمل واسرع تاركا المكان وعدت لجنودى وهم ضاحكين على ماقلته لهذه الرتبة وانا فى ضيق مما الم بى ..هل نحن هنا للتدريب او لتوجيه الصراخ.

       بعد فترة زمنية قليلة جاءت سيارة جيب قديمة .. هبط شخص من السيارة القديمة قائلا: فين الضابط اللى هنا ييجى بسرعه يكلم سيادة الرئيس .. قذفت بكل شىء معى وبدون خوذه وبلانشيته وادواتى وذهبت لهذا الرجل مستهتراً لان كل فترة مطلوب منى ان اقابل احدا من القادة ويسمعنى الانتقادات والتوجيهات .. وساءلت نفسى من يركب تلك الجيب القديمة ويريدنى .. من هو الرئيس الذى يريدنى؟ .. ان رئيس عملياتى له سيارة احدث من تلك .. اتجهت الى السيارة وانا انظر لمن بداخلها .. وقفت صامتا مشدوها .. انه هو.. اى والله هو الرئيس جمال عبد الناصر وليس رئيس العمليات .. ياه صافحنى الرجل وهويسألنى مدفعية هاون؟ .. لم اجيب فلقد اصابتنى حمى الصمت .. فتح باب السيارة الجيب وشاهدته واقفا امامى ويرتدى “زنط” اى جاكت من الصرفية التى توزع على الجنود لحمايتهم من البرد .. اسير خلفه فينظر الى مشيرا بأن الحق به .. افكر هل اتركه واذهب لارتداء الخوذة .. ثم اعيد فكرى لايجب على ان اترك الرئيس واعدو امامه .. يصل امام الجنود المرهقين والبرد اثر على حالتهم بالاضافة الى الارهاق .. يقف قائلاً : مساء الخير جنودى .. اسمع اصواتهم ترد التحية بنغمات مختلفة ومتتابعة .. وقد اندهشوا مثلى فانتفشوا وجائتهم صحوة وقوة .. والبعض هتف له .. ولكنه اشار لهم بالسكوت ووقف يخاطبهم ونحن فى وسط الموقع واكثر من خمسة واربعون جنديا باسلحتهم ورشاشاتهم وبين المدافع ومازال الظلام يعم المكان .. مما اضطر احد الجنود لاحضار “جركن المياه” الصاج ليجلس عليه وآخر احضر الوسادة التى يضعها على ظهره لتحميه من ثقل قاعدة مدفع الهاون الحديدية ووضعها فوق الجركن واصبحت كرسى مريح .. وقد ارتسم على وجهه الاشراق والسعادة وهو يشاهدهم يتبارون لراحته وتقديره فشكرهم وجلس يخاطبنا جميعا وقد ارتديت الخوذة وادواتى التى استخدمها فى المشروع ولكنه طلب من الجميع الجلوس براحتهم..

  

     قال: جنود مصر الاعزاء وشباب مصر وفخرها .. لقد تباعت كل التدريبات بنفسى حتى اكون على بينة من المستوى الذى وصلتم له ولقد شاهدت عصر امس تدريبات القوات الجوية واسعدنى ما وصلوا اليه من براعة فى التدريب العملى كما شاهت منذ ساعات الدبابت والمدفعية والمهندسين واسلحة اخرى وها انا ذا اتجه لمشاهدة سلاح المشاه .. يسكت قلــيلا ويقول: انتم عارفين انى كنت ضابط مشاه .. يعنى زيكم .. يسعد الجنود وتخرج اصواتهم بالتعبيرات المناسبة لهذا القول .. يكمل: حرب مع اسرائيل مافيش منها خيار .. لازم حرب ومش حرب عادية .. لأ.. حرب الصعايدة!!! يضحك الجنود .. اوضح .. يعنى حرب التار .. حرب الشرف .. لو مليون مصرى استشهدوا فى الحرب الجاية مش حتأخر عن انى اقوم بها .. لازم وانتم ابطالها .. الشباب هما كل شىء فى الوطن .. اوصيكم بالاهتمام بالتدريب والمحافظه على سلاحكم .. وفقكم الله ..

   اشار لهم محييا وسار الى السيارة يتبعه اثنان من حرسه الخاص وانا اسير خلفهم .. واستقل السيارة مصافحا لى .. سارت به مغادرة الموقع ونحن تغمرنا السعادة بان رئيسنا وقائدنا المتواضع جلس بيننا .. انتهى التدريب وعادت القوات الى معسكراتها لنكمل تدريباتنا العادية.

       

     انتقلت وحدتنا الى جبهة القتال كنسق ثانى فى الجيش الثانى الميدانى واحتللنا موقعا فى منطقة ابوسلطان رديئة المناخ فى تلك الاوقات .. احصل على اجازة ميدانية امضى نصفها فى القاهرة مع ماما وداد واخوتى “مدحت وعلا ودينا” فالجميع سعيد بقدومى واصبحت علا اكثر تركيزاً معى وتطلب من امها ان يقلنا السائق الى وسط البلد لمشاهدة المحلات والتنزهه .. كانت الام سعيده بكل ما افعله بادخال البهجة عليهم بضحكاتى بعكس مدحت الذى كان هادئا ومتزنا وقد يكون هذا سببه انه اكبر منى عمراً كما انه كبير اشقائه ولهذا كان يجدنى انا ودينا عيال نلهو ونلعب حولهم .. اما دينا فكانت اكبرمشكلة امامى وكنت ادعو الله ان اجدها مشغولة بامتحاناتها او اى شىء يبعدها عنى نظراً لكثرة مشاغباتها وقد شكرتنى علا حيث اخبرتنى بان حضورى يمنع مشاغبات دينا عنها وتتحول الى .. اما مدحت فكان يعتزم خطبة ابنة خالته “سعاد” وهى مهندسه حديثة التخرج وكانت شابة لطيفة على مستوى عال من الجمال والهدؤ .. ولهذا شعرت الام وداد بان منزلها غمره الفرح والسرور داعية الله بان يكملها بخطبة علا ثم تتبعها دينا وهى ناظرة الى ثم تقول وعقبالك انت كمان لما تلاقى بنت الحلال الى تسعدك .. وهنا تندفع دينا وهى تخبر الجميع .. طيب ياماما ماهو اسامه وعلا بيحبوا بعض .. شعرت ان دمائى الحارة خرجت من جسدى وغطت كل شىء بى كما ان علا هى الاخرى اسرعت الى الطابق الثانى .. وهنا نظر الى مدحت نظرة لم اعهدها منه من قبل .. بينما عادت الام بظهرها على كرسيها وتقول : كلنا بنحب اسامه مش علا بس .. انزل هذا القول سكينه وراحة بال على جسدى ولكننى مازلت غاضبا مما قيل بهذه الطريقة .. فى اليوم التالى وكان يوم عطله همست لى علا فى اذنى ونحن نقترب من ترابيزة السفرة لتناول طعام افطارنا بان اسبقها الى محل جروبى فى وسط البلد مباشرة وستلحق بى.

     جلست فى محل جروبى وتناولت مشروب المانجو المفضل وبعد قليل حضرت علا وهى تتلفت حولها ثم طلبت منى محاسبة الجرسون لنخرج لمكان آخر حيث السائق اوصلها وهى تريد البعد عن هذا المكان حتى لايعلم شقيقها مدحت بما نفعله ويغضب منها ومنى .. غادرنا المكان متجهين لكازينو على النيل امام برج القاهرة وجلسنا وقتا طويلاً ونتدارس ما افصحت عنه “العبيطة” دينا على حد وصف شقيقتها .. شعرت بان ايام السعادة زائلة وان الايام القادمة ستعصف بهذا الحب الاسرى الذى كان يهمنى قبل حب علا لى.

   سالتنى عن رأيى فيما حدث فاشرت عليها بحلين لاثالث لهما .. الاول ان نعترف للجميع بتلك المشاعر النبيلة واتقدم طالبا الموافقة على خطبتنا وخاصة اننى رقيت الى رتبة الملازم اول فى اغسطس الماضى اى من شهر فقط واسعدها هذا الخبر .. ثم سالتنى عن الثانى .. واجبتها بان اترك منزلكم ولن اعود اليه ثانية حتى لا اكون خائنا للمكان الذى اعيش فيه وما لا اقبله على شقيقاتى لا اقبله عليكِ .. سكنت قليلا ولكنها تشجعت وقالت انا ضامنه ماما ولكنى لا اضمن مدحت .. اخبرتها : فلنجرب ونرى ما تأتى به الايام القادمة.

      عدنا تباعا الى الفيلا … فى المساء اخبرتهم بان كلام دينا امس حقيقة وانا اشعر بميل عاطفى جهة علا وارغب فى ان اتقدم لها ولو قرآة فاتحة .. سكنت الام قليلا وهى تنظر الى ابنها ولكن مدحت نطق بما شعرت به علا مسبقا .. قائلا : انا مش موافق .. ساد صمت مطبق علينا نحن الخمسة ثم اعقبها ليس لانك اقل منها ولكنك الان فى ظروف حرب ولانعلم ما تخبئه الايام القادمة ولا ارضى لشقيقتى ان تصبح ارملة .. هنا اسرعت علا تغادر المكان ترافقها شقيقتها وقد وصل الينا صوت بكائها اما الام فقد اغضبها هذا القول قائلة “بشر ولا تنفر” لماذا تلك النظرة المتشائمة للمستقبل .. اجابها بهدؤه المعهود .. ماما بنتك عندك والرأى الاول والاخير لكِ ونهض تاركا المكان الذى تحول مابين ليلة وضحاها الى محزنة حاولت معها الام ان تهدىء من توترى وتخبرنى بأن مدحت مازال يعانى من الام اصابته نفسيا ولكن اوعدك بان علا لك .. نهضت مستأذنا للنوم مبكراً حيث اجازتى ستنتهى ظهر الغد ولابد لى من القيام مبكرا للسفر .. ودعتها .. ودعت الام الطيبة والتى وقفت هامدة لاتستطيع ان تتصرف بعد ان كبرت وكبر ابنائها واصبح لكل شخصيته ورأيه وهى اصبحت ضيف الشرف بدون بطولة ولو ثانوية.

      “جفانى النوم يامسهرنى” على راى الست ام كلثوم .. لم اعرف للنوم طريقا بعد ان كنت اعيش سعادة لاتوصف بان لى حبى هنا وحب آخر فى مصر الجديدة انهى خيوطه متأثرا برأى شادية فى اغنيتها العاطفية” مقدرشى احب اتنين .. علشان مليش قلبين .. وحبيبى جوه فى قلبى .. وده اجبله قلب منيين” .. استيقظت فى الصباح المبكر اى قبل موعدى المعتاد بساعتين وبهدؤ تسحبت خارجا من الفيلا حتى البواب لم يلاحظ مغادرتى حيث كان يغط فى نومه العميق ويمصص اطراف شواربه الطويلة وها انا الان فى ميدان رمسيس وتوجهت لمحل لتناول طعام الافطار واغنية ياصباح الخير ياللى معنا لام كلثوم تنساب من الاذاعة مبشرة بيوم جديد قد يكون سعيداً او رديئا على بعض الناس وكنت انا من النوع الاخير والذى بدأت اياما حزينة بائسة فى حياتى الخاصة والتى كانت مثل الفيلم الخام ولكن اول صورة خرجت باهتة منه..

    مضى شهران على آخر لقاء بينى وبينهم وكنا نحصل على اجازتنا الميدانية كل (26 يوما) ونحصل على اربعة ايام وبالتالى يكتمل الشهر وهكذا فاذا كان يوم نزولى هو الخامس من الشهر فيكون هذا ترتيب اجازتى باستمرار للجميع وليس لى فقط .. انه نظام قيادة الجيش الثانى .. بعد مرور شهرين على غيابى عنهم وهم لايستطيعون الوصول الى وانا منقطع عنهم لم اشعر بطعم السعادة ابدا ..

      استدعانى القائد طالبا منى الاستعداد لأكون قائدا لمقدمة اللواء الى منطقة ابو غالب حيث ستتحرك وحدات الفرقة تباعا الى هناك لاجراء تجارب العبور بفرقة كاملة انا الان متواجد فى منطقة ابوغالب ومعى عشرة من جنودى نستعد لقدوم وحدات اللواء وباقى الاسلحة الاخرى من دبابات ومدفعية واسلحة كيماوية .. اليوم التالى اخبرنى احد الجنود انه قابل عم مسعود وعرف الرجل باننى موجود ومنتظر زيارتى لهم لان ابنته فاطمة سيقام فرحها نهاية الاسبوع اى بعد ثلاثة ايام .. اهملت هذا الامر وفى يوم الفرح اى عصر يوم الخميس شاهدت موكبا من الرجال والاطفال والنساء قادما فى اتجاه الخيمة والموسيقى تضرب فى ارجاء المكان ووقف الرجل امامى مباشرة .. ايه يابيه؟ بعتلك مع الامباشى عثمان اعرفك ان فرح فاطنه النهارده وكنت منتظرك تيجى تحضر الحنه وتحنى ايدك زيى كده ( فتح الرجل يده فاذا هى مغطاة بلون احمر من جراء الحناء) ولكنى شعرت بالضيق من هذا وانا ارى رجلا يفعل مثل النساء ولكنها عادات الناس فى بعض الاماكن والبلاد .. شكرته وهنا طلب منى التوجه لحضور عقد القران والفرح والزفة واكل “البالوظة” شكرته ثانية ولكنه اندفع متوتراً قائلا”عليا الطلاج بالتلاته من مرتى فتحيه ما انى متمم الجوازه الا ان حضرت” وقفت مندهشا امام هذا القسم الغريب” وتذكرت تعليمات القادة لنا بعدم احداث مشاكل مع الفلاحين ” وكيف امنع زواج فتاة بعريسها من اجل بضع دقائق ساحضرها .. اجبته حاضر ياعم مسعود .. عينى لك .. اجاب والدفعه يجيوا معاك يفرفشوا وينبسطوا وياكلوا البالوظه هما كمان .. اجبته حاضر ياعم مسعود وطلبت بقاء اثنين لحراسة السلاح والمعدات واللورى الموجودة معنا .. نتحرك الان ولكنه مازال واقفا .. وقال: شوف يابيه انا جايبلك الركوبه الملوكى دية عشان خاطرك”يشير الى حمار معه وعليه سرج ملون نظيف” اجبته انا جاى معاكم وحنمشى سوا .. اندفع مرة اخرى قائلا : عليا الطلاج من مرتى فتحية ما انا مكمل الجوازه الا ان ركبت الحمار” نظرت اليه وكلى ضيق بهذا الاحمق الذى اذا اراد شيئا اقسم بالطلاق وهنا قفزت فوق الحمار تنفيذا لقسمه واضعا فى اعتبارى بانه بعد عدة خطوات ساترجل من فوق الحمار.. اقترب منى احد الجنود مبتسما بخبث قائلا : انا خايف يافندم يقسم بالطلاق ان مجوزتش العروسه ليعمل كذا وكذا فضحكت وانا اقول له ده بيحلم .. ده آخر طلاق ..

      المنظر كالتالى: ركبت على الحمار بملابسى العسكرية”الافرول” ومسعود ممسكا بحبل برقبة الحمار ويضع طاقية مرتفة القمة فوق رأسه شبيهه ببرج الحمام ويفتل شاربه كل لحظة واخرى ويشير الى الجماهير بيديه التى غطتهم الحنة سعيدا بهذه الالوان .. وبجوارى على الاجناب جنودى الثمانية وخلفى الطبلة والمزمار وحولى العديد من الاطفال والنساء يصفقن ويغنيين والبعض يرقص مع حمل  بعض الكلوبات لتنير الموكب وفجأة تقف سيارة جيب عسكرية وينزل منها رئيس اركان اللواء”العقيد قدرى عثمان بدر” .. نظر الرجل الى بدهشه مشيراً الى بعصا القيادة حاولت ترك ظهر الحمار لكننى لم استطع وشعرت اننى التصقت بالبردعة وهنا تقدم منه مسعود يطلب وده ولكن الرجل لم يكترث به واخيرا استخدم معه سلاح الطلاق فاقسم عليه بالطلاق ان لم يحضر ما تتم جواز بنته وهتفت جموع الفلاحين لهذا .. صمت الرجل قائلاً : الف مبروك .. جاى معاكم الفرح .. لحظتها استطعت ترك ظهر الحمار سائراً خلف قائدى .. وصلنا الى منزل العروس واستقبلنا العريس عويضه”الثانى” والذى غلف يديه بالحنة هو الاخر.

      توجهوا بنا الى داخل المنضرة وفرشوا كليم صوف واحضروا مخدات لجلوس الضباط “انا وقائد اللواء” الذى مال عليا قائلاً علشان ايه ده كله؟ .. اجبته تقريبا حيقدموا شىء حلو ومسكر كعادة اهل الريف .. سألنى انت من اى بلد؟ اجبته انا من الزقازيق هتف قائلاً : احنا بلديات انا من كفرالحمام “قرية بجوار مدينة الزقازيق” .. احضروا صينية عليها اشياء لامعة هلامية ومضاف عليها الوان حمراء وبمغرفة يأخذون من تلك الصينية ويضعون فى اطباق ومعلقة وناولوا قائد اللواء وناولونى انا ايضا .. استفسر القائد منهم .. ماهذا الطعام؟ .. اجابه مسعود بكل سعادة .. دى يابيه بالوظه .. كشكش الرجل من انفه دلالة على القرف وهنا اقسم مسعود بالطلاق فاشار الى قائد اللواء بان نأكل .. اكلنا البالوظه .. والتى اصبحت بعد هذا مضرب الامثال فى مصر بعد انتشارها فى قيادة اللواء ثم باقى الوحدات بان فلاحى ابوغالب اكلوهم البالوظة!!!!

   اقيم المشروع بكل اتقان وبحضور الزعيم جمال عبدالناصر وبعض القادة العرب ومنهم قحطان الشعبى رئيس جمهورية اليمن الجنوبية التى استقلت حديثا عن بريطانيا.

   في احد الأيام وكنت عائدا فى طريقى من قيادة اللواء عصراً ودرجة الحرارة مرتفعة قاطعا خمسة كيلومترات سيراً على الاقدام لتكتمل منظومة السير الى عشرة كيلومترات حتى يسمع منى قائد اللواء حكاية البالوظة ويضحك بعض الوقت.

     اتجهت الى مكان استراحتى حتى اعيد الهدؤ النفسى الى ولكننى شاهدت احدا بالداخل  واخبرنى الجندى المراسله قائلا : جريب حضرتك جوه مستنيك من ساعة .. دخلت الى استراحتى لاشاهد مدحت جالسا فوق سريرى وهو يهلل لى ويقف فى استقبالى قائلا ً : كنت فين؟… انا من ساعه هنا .. احتضن كل منا الاخر واخبرنى انه تناول غذائى حيث كان جوعانا فشعرت باننى الذى تغذيت بدلا منه وارسلت الجندى لاحضار طعام آخر وبعدها تناولنا مشروب الشاى .. ثم سألنى لماذا لم اعد اذهب لزيارتهم؟ .. هل هى مشاغل فى العمل او زعل منا .. اجبته لاهذا ولاذاك .. كل ما فى الموضوع اننى كنت راغب فى مصاهرتكم ولكنك رفضت وليس من الحكمة ان اتواجد فى منزل راغبا فى الاقتران بفتاة تعيش فيه ومرفوض فى نفس الوقت ولهذا فالابتعاد افضل لى من الاقتراب .. ضمنى الى صدره وقال هذا رأى من عدة آراء ولكن الحقيقة ان ماما تعبانه كتير كمان علا ودينا .. احنا كلنا عايزينك .. ارجع تانى وحتلاقى ان رأى تغير عن السابق .. امضينا ليلتنا وغادرنى فى الصباح الى القاهرة.

       منذ هذا اليوم وتغيرت حياتى واحلامى فقد اصبح لى حبيب اناجيه ويناجينى وانتظر اجازتى بفارغ الصبر لملاقاتها وهى الاخرى ترتب كل شىء فى حياتها لمقابلتى .. فى كل وقت فراغى كنت اتذكرها وخاصة ان اهل الفيلا كلهم احبابى حتى البواب وفكيهه .. اناجيها .. انا قادم اليكِ ياعلا .. فى اول يوم اجازة توجهت الى اسرتى بالشرقية واخبرت والدتى بقصة علا وهى تعرف الجزء السابق من “ملحمة الصدفة” لعودة مدحت لاسرته .. كانت امى متابعة لكل تلك الخطوات ثم اخبرتها بأخر مقابلة تمت مع مدحت فى زيارته لى بوحدتى فظهر الفرح على وجهها متمنية من الله ان يسعدنا ويوفق خطانا .. الان اصبح الطريق ممهداً لقراءة الفاتحة مع عائلة علا ولم يعد هناك سر نخفيه عن الاخرين او نخجل من اخفائه .. حب تحت شعار الخطوبة والجواز .. ما المانع فى هذا.

     فى اليوم التالى توجهت الى فيلا “دينا” واستقبلنى الجميع بالترحاب والحفاوة وخاصة ماما وداد التى ادمعت عيونها فرحا وسعادة بعودتى وهي تقول: ابنى عاد ثانية الى منزله ليعيش بين اهله .. اما دينا فقد حضرت قبل عودة علا من عملها وقامت بكل حركات المضايقة والهزار والمشاغبة التى تجيدها وتدور كلها فى قالب الحب والبهجة .. اما حبيبة القلب علا والتى شعرت خلال بُعدى عنها بمدى ما اكنه لها من حب وهيام فحضرت وصافحتنى بحرارة ولم تفارقنى هذا اليوم الا وقت النوم وتفرغت لى طوال ايام اجازتى فقد حصلت على اجازة عندما ابلغتها والدتها بقدومى .. انهم ايام ثلاثة خارج الذاكرة .. فالاحلام لاتحتسب ايامها وساعاتها ودقائقها.

 

 

 موقع بمنطقة الفـــردان

     

     سبتمبر 68 قررقائد الكتيبة الحاقى على معهد المشاه للتدريب على قيادة سرية الهاون بالكتيبة .. وهذا يدخل فى اطار التدريبات والثقافة العسكرية التى صاحبت اعادة بناء القوات المسلحة كما ان رتبتى اكبر من قيادة فصيلة مشاه ولهذا مطلوب اعدادى لتولى سرية معاونة والان اصبحت طالبا فى معهد المشاه ولا اتجه لوحدتى فكل ماهو مطلوب منى التحصيل فى هذا التخصص الجديد على والذى سوف اتولى العمل فيه بعد عودتى من تلك الفرقة التعليمية .. وقع هذا الخبر على ماما وداد وباقى ابنائها بكل سعادة وبهجة .. فسوف اكون متواجدا معهم باستمرار رغم اننى كنت افضل ان اعيش “بميس المشاه” مثل باقى الضباط المغتربين الذين هم من خارج القاهرة .. ولكن السيدة رفضت كل افكارى وخاصة انه لم يمضى على لقائى بابنها مدحت سوى ثلاثة اسابيع حصلت خلالها على اجازة واحدة كانت من اسعد ايامى بعد حرب 67 وتغير موقف مدحت كما سبق ان وعدنى .. وشعرت اننى محور اهتمامهم .. وفسرته فى بادىء الامر بسبب العلاقة النامية والصاعدة فى الافق بينى وبين علا ولكن سرعان ما طرحت هذا الاعتقاد جانبا لانه كان يمكن لى الزيارة فقط مثلى مثل اى شاب يتقدم لاى اسرة كما ان العلاقة بين الابن والام سبقت علاقتى بعلا .. فعلاقتى بعلا بدأت بعد عودة مدحت الى منزله بعدة اسابيع من بداية تأثرهم بما فعلت “او بالاصح بما قدره الله لى بان افعله” فكانت الام راغبة بل مصممة بان اكون ابنا لها واخا لابنها وبناتها وقد اسعدنى هذا التقدير ولكن علا التى رأت ان تكافئنى كما سبقت وان المحت فى اول لقاء معها وهى تقول لى “آه لوحدث ما تقول لن استطيع مكافئتك .. لكننى ساحاول بكل ما املك ان اشعرك بما تستحقه منى“ لم افهم وقتها مغزى هذا ولكنها ارادت ان تحذوا حذو “شعيب” الذى كافأ سيدنا موسى بتزويجه احدى ابنتيه .. هذا اعتقادى فيما علمته وقتها ولكنها لم تفصح عنه ثم تبين لى صدق توقعى فلقد فكرت فى هذا تأثرا بهذا الحدث مؤكدة بان النساء لهن نصيب كبير فى الدين الاسلامى والقرآن الكريم .. فكما يكافىء الله الانسان بالجنة فانه ايضا يكافأه بالمرأة الصالحة بان يجعل زوجة النبى موسى مكافأة لحُسن صنيعه .. ثم تكمل حديثها ولكن المكافاة انقلبت الى حب حيث وجدت من تريد مكافأته انه يستحق قلبها مهملة رأى اهلها حيث سبق وان اتفقت ماما وداد مع شقيقتها على زواج مدحت من سعاد وزواج علا من ابن خالتها عصام الذى يتقلد منصبا فى البنك الاهلى بالقاهرة وهى التى لم تحبه او تكرهه.

       رضخت لرأى الغالبية فاذا شعرت ان قوما يحبونك ويرغبون بك فاقل شىء هو ان تبادلهم هذا الحب وتلك الرغبة وان تكون ابنا فتكون السيدة اما وان تكون اخا فيصبحوا جميعا اخوة لك .. هذا ما تعودت عليه منذ بداية تعارفنا وتقاربنا ولكننى اقمت معهم اكثر من شهرين ونصف الشهر اقامة كاملة مع الرعاية سواء من طعام ونوم وخلافه فهو صعب على النفس خصوصا ابناء الطبقة المتوسطة مثلى الذين لايملكون غير كرامتهم وكبريائهم يقفون بها امام علية القوم من اصحاب المراكز المرموقة او الجيوب المنتفخة .. لذلك فالكرامة والكبرياء كانا سلاحى امامهم وانا واثق انى سأكون فى يوم من الايام عندما اكبر وارتقى فى مناصبى ندا لهم ولكن الى ان يحين هذا فسوف اتمسك بما شربته من ابى الذى كان هذا مبعثه دائما؟

     شعرت باننى الابن المدلل فى هذا المنزل .. وكيف تشعر بهذا؟ عندما تجد نساء المنزل يرعونك ويطلبون ودك .. وهذا ما كان يحدث .. فالام ماما وداد التى لابد ان ترانى قبل نومها مثل ماترى ابنتيها وتقبلهم .. علا فى القلب ومابه من نبضات وآهات .. اما دينا فهى الصديق لى ولكن فى صورة فتاة .. فهى التى تناغشنى وتلاعبنى طوال النهار وتنبهنى الى عيد ميلاد علا او اقترابنا من مناسبة او تخبرنى بانها شاهدت ملابس شيك وتليق بى فى محل كذا .. كانت دائما مشغولة بكل من فى المنزل لانها تعودت على هذا منذ الصغر لانها آخر من كانوا يهتمون به وظلت تلك العلاقة تنمو حتى اصبحت هى محور اهتمام الجميع كما ان مواصفاتها الشخصية والجسمانية ساعدت على ذلك فهى اقل من علا حجما وتشبه امها بشكل كبير فى مفردات وجهها الصغير الحجم.

     عوضت الكبرياء المطلوب اظهاره ببعض الهدايا المعقولة لكل من ماما وداد وعلا ودينا .. فى مناسبة عيد الام او فى عيد ميلاد علا وبالطبع دينا التى تسألنى ماهى المناسبة فاخبرها بانه عيد ميلاد علا فتضحك ان يهادى انسانا لاخر هدية بمناسبة عيد ميلاد شقيقتها.

     انتهت الفرقة التعليمية وعُدت الى وحدتى وبعدها باسبوع عيننى قائد الكتيبة ضابط موقع بسرية الهاون وكان قائد تلك السرية الملازم اول /عدلى حسان : انه الضابط الرقيق المهذب .. واذا اردت ان تضع مواصفات لشاب مصرى به كل الصفات الجميلة فهاهو عدلى حسان .. انه من مواليد عابدين وخريج التربية الرياضية والتحق بالكلية الحربية مع دفعات الجامعيين التى تحتاجهم الكلية سواء اطباء او مهندسين اومحاسبين وكل التخصصات واتذكر فى عام 66 واثناء حفل التخرج  صافحه المشير عبدالحكيم عامر لأن ترتيبه الاول على الجامعيين .. عدلى ممتاز فى كل شىء .. وسيم الشكل .. متدين الى حد قوى وغير متطرف وكنت الاحظه فى التدريبات يخرج سجادة صلاة ويؤدى كل فرض فى وقته بدون احداث جلبة مثل البعض الذين يحدثونها قبل الصلاة ليعرفوا الاخرين بانهم من المتمسكين بالدين .. ولكن الدين عبادة وليس شعاراً .. وكنت اتخيلهم مثل الدجاجة التى قبل ان تبيض تحدث ضجيجا حتى تحضر ربة المنزل وتحصل على البيضة وتكافئها ببعض الحبوب .. عدلى لم يتعدى السادسة والعشرين من عمره وكان مُجيدا فى عمله كقائد سرية هاون .. كنت عائداً من فرقة الاحلام وليست فرقة تعليمية فقد شربت من كؤس الهوى والعشق والاهتمام حتى الثمالة وبالطبع لم اهتم بدراستى العسكرية فنجحت بالكاد مجرد نجاح بدون تقدير وعدلى حسان النشط ملما بكل شىء يعمل بدون ان يحملنى ضغطا فى العمل من الناحية الفنية فكنت اساعده اداريا .. قرر قائد اللواء الاستعانة بعدلى حسان فى عمل آخر بقيادة اللواء فاصبحت قائداً للسرية وبدون مساعد مثل حال عدلى قبل الحاقى على سريته .. ما زلنا نواصل التدريب ثم تحركنا الى منطقة الخطاطبة قبل انتقالنا الى جبهة القتال.

      كان جنود وصف ضباط السرية يبلغ تعدادهم خمسة واربعون منهم ثلاثة متطوعون حديثى العهد بالخدمة واثنين واربعين مجنداً مابين مؤهل عال ومتوسط وعدد قليل بدون شهادات علمية وغالبيتهم من بورسعيد والاسكندرية .. تحركنا الى الجبهة فى منطقة ابوسلطان وتقع جنوب غرب مدينة الاسماعيلية وفى احدى الليالى توجهت الى قيادة الكتيبة بعد المغرب لحضور مؤتمر وبعد وصولى الغى المؤتمر فعدت من حيث اتيت وكانت لحظتها عربة “التعيين” الطعام موجودة بالسرية وجنودى مشغولون بتعيينهم فاتجهت انا فوراً الى سريرى الموجود بعربة لورى لعدم وجود استعدادات هندسية بتلك المنطقة وركنت راسى جالسا افكر فى علا واحوالها وبعد قليل سمعت حديثا بين جنديين من جنود الحراسة بالسرية يتحدثان عنى .. احدهم يوضح بان الضابط الجديد هادىء ومريح وليس شديداً مثل الضابط عدلى ولكن الاخر يجيبه بان هذا الكلام خطأ لان الضابط الجديد لا يعرف شيئا عن سرية الهاون وضعيف فى معلوماته بعكس الضابط عدلى .. بُوغت من محادثتهما عنى خاصة صفة الجهل بالمعلومات وساءلت نفسى احقا ان هؤلاء الجنود مُحقين فيما يقولان ولكنى شعرت بانهما على حق فان معلوماتى رغم حداثتها فقد نسيتها واشاهد الجنود اثناء التدريبات شعلة من النشاط والمعلومات والبعض يستوضحنى عما أدوه مضبوط او خطأ؟ فكنت اشكرهم على حُسن الاداء وربما الاداء خطأ او غير صحيح وانا اقول انها صحيحة .. لقد وقعت فى اهم شىء يُخل بالقيادة ويقلل هيبة القائد وهى ضعف معلوماته وبالتالى عدم قدرته على القياده واهتزازه امام جنوده .. تذكرت ما حدث لى منذ ثلاثة اعوام عندما حضر عقيد وهاجمنى امام جنودى  ويقول كلام غير صحيح عن سعة البندقية الالية ثم ثبت بعدها انه جاهل بهذا النوع لكنه قالها وغادرنى ولكن هؤلاء جنودى اوجههم كل يوم واعنفهم على اخطائهم.

       جلست لفترة لا اعرف كيف اتصرف ومن غير المعقول ان اطلب حضور الجنديين واعاقبهم على ما قالوه وهما يعتقدان اننى غير متواجد فى مكان راحتى وهذا نوع من التلصص والتجسس الذى حرمه الاسلام كما ان الامر سينتشر باننى وقعت عليهم عقوبة بسبب انهما  تحدثا عن ضعف معلوماتى العسكرية .. وكان قرارى الجرىء والحميد كما اعتقد فى هذا التوقيت كأننى لم اسمع شيئا ولأصحح ما انا وقعت فيه ..  فاللوم يقع على شخصيا وليس عليهم .. لابد ان اثبت اننى قائد عليم بكل شىء يدور فى وحدتى وهذا عملى وكيف اقود خمسة واربعون شابا على جبهة القتال بسلاح انا غافل عن كل المعلومات عنه ولم تتأخر القوات المسلحة او تبخل بشىء عنى .. العلم وحصلت عليه والامكانيات متوافرة من المدافع والذخيرة بانواعها والجنود المدربين ومعدات ادارة النيران والطعام والشراب والاجازات والمرتبات .. شعرت ببرودة تسرى فى جسدى رغم الصقيع الذى نواجهه من الطقس شديد البرودة شتاءا فى تلك المنطقة  .. لقد اخطأت ولكنى راجعت نفسى واعتقدت انها خيانة ان اكون هكذا واذا لم استطع ان افيدهم واعلم كل شىء فسوف اذهب الى القائد واخبره باننى ضابط ضعيف ولاحول لى ولا قوة .. وسوف تكون فضيحة بكل المقاييس وقد اكون قد ضخمت الموضوع ولكنى اعتقد بان اى انسان لديه وازع قومى وضمير يقظ لابد ان يشعر بما شعرت به .. آه عليك يا اسامه وانت ُتفند اخطاء القادة والذى يجب على بحكم الاحترام العسكرى الا انتقدهم .. لقد جائنى نذير من انفسنا لينتقدنى ..  انهم جنودى.

   ظللت ساكنا على هذا الوضع الى ان تغيرت الخدمة وتبدل الجنديان بآخران وهنا طلبت منهما عدم الازعاج لاننى مشغول باعداد ماطلبه منى قائد الكتيبة وسوف اعرضه عليه صباح الغد .. احضرت كل مذكراتى وكتاب وزارة الحربية المترجم بمعرفة هيئة البحوث العسكرية عن الروسية الى العربية واعددت نفسى بان اكون او لا اكون .. تفحصت فهرس الكتاب وهى موضوعات كثيرة لكن كل ما كان يجول بخاطرى بانه فى  صباح الغد على ان ارد عمليا على هذا الاتهام بالعمل وليس قولا وكما يقول الشاعر:

          السيف اصدق انباءَ من الكتب……فى حده الحد بين الجد واللعب

     اذن الرد العملى .. تخيرت اصعب شىء فى فهرس الكتاب وهو معايرة المدافع .. اى مطابقة خط المدفع الفوفسورى مع جهازتصويب المدفع وعمود التصويب .. هكذا تذكرت المُعلم فى معهد المشاه وهو يُعيد ويزيد فيه ويوضح انه يفوت على بعض الضباط هذا النوع من التعامل مع المدافع .. قرأته بكل هدؤ وروية وفهم وتأكدت منه وعقدت العزم ان يكون هذا الدرس هو اول مواجهة بينى وبين الجنود ليعلموا من هو قائدهم وان اعرضه بطريقة لاتدل على اننى امتحنهم او اقلل من شأنهم حتى لايكون هناك رد فعل منهم فيما بينهم ولتكن اول خطوة عملية فى اعادة الثقة بيننا.

     فى الصباح اتصلت بزميلى عادل طالبا منه ان يتصل بى بعد عشرة دقائق ويخبر الجندى النوبتجى الموجود على التليفون بان موعد اجتماع قائد الكتيبة الغى لانه مشغول بقيادة اللواء وعادل يستفسرمنى عن عدم علمه بهذا الاجتماع وانا اطلب منه فعل ذلك فقط .. وافقنى وتركت مكانى وانا متأهب للذهاب الى قيادة الكتيبة ومستعد باوراقى التى ساعرضها على القائد .. بعد ان سرت عدة خطوات رن جرس التليفون وتسلم الجندى رسالة عادل حيث اسرع نحوى يخبرنى بان الاجتماع تأجل لأن قائد الكتيبة فى اجتماع .. عُدت ادراجى ثانية وهنا طلبت من رقيب السرية “الرقيب مجند زكى” ان يجمع السرية .. حضرت السرية واصطفت واعطانى تمام بالقوة والخوارج .. بعد ان القيت تحيتى عليهم مع مداعبتهم ببعض الكلمات التى كنت من حين لاخر انفحهم بها .. اخبرتهم باننى متفرغا لهم هذا اليوم واننى اطلب منهم معايرة المدافع .. وسألتهم : هل انتم مستعدون .. فطلب الكلمة احد الحكمدارية قائلا : يافندم دية شغلة الظباط .. استفسرت منه : كيف تكون عمل الضابط .. انه يتولى ادارة النيران وقيادة السرية وانت حكمدار لمدفع ومعك اربعة جنود آخرين .. وكأننى اعطيتهم الفرصة لان يمتحنوننى او يحرجوننى .. قال آخر والله احنا برضه على قدر استطاعتنا ولكننا لم نقم بهذا ابدا وياريت يافندم تعلمنا ازاى نعاير المدافع واحنا بعد كده سنقوم بها .. طلبت احضار مدفع والمعدات اللازمة للمعايرة وقمت بكل خطوات الكتاب لمعايرة المدفع الذى تبين لهم ولى بانه هناك فارقا بين خط المدفع وجهاز التصويب فقمت بضبط الجهاز مستخدما المفك الخاص به .. كنت انظر لهم خلسة وهم يتمايلون بعضهم على بعض بما يعنى “ماهو عارف ” انتهى الدرس الاول ثم طلبت من جميع حكمدارية المدافع احضار مدافعهم ومعايرتها امامى وانا موجود معهم للمساعدة فى اى شىء تحتاجونه ..  تأكدت انهم مهرة فى ضبط المدافع وما تحدثوا به هو نوع من اخفاء المعلومات حتى اكون امامهم عارى المعلومات .. تركتهم يكملوا اعمالهم وتملكنى شعور بالنصر لاول خطوة مصمما على استمرارها.

      توالت الدروس اليومية والتدريبات وحضر الى موقعنا قائد الكتيبة فجأة فشاهد وسمع ما نقوم به من تدريبات بدون وجود تعليمات بذلك فاسعده هذا ونقله الى باقى السرايا موضحا ان سرية الهاون وقائدها اسامه يقومون بتدريبات يومية للياقة البدنية وتدريبات فنية على سلاحهم ويجب عليهم حذو ذلك حتى لايتكاسل الجنود فى مواقعهم خاصة اننا فى الموقع الثانى وبعيدين عن اى اسلحة معادية باستثناء الطيران.

      مضى اكثر من شهر على تلك التدريبات والجنود مستاؤن منها حيث يعتبرون اننا فى موقع ولابد من راحتهم لكثرة الخدمات وقلة الاجازات ولكننى كنت سائراً لهدفى حيث يتدربون وانا اعيد تعليم نفسى واسترجاع معلومات الفرقة التى حصلت عليها بل زدت من جرعة التدريب وهو التدريب تحت القصف الكيمائى مما يستلزم ارتداء جهاز القناع الواقى من ضربات العدو الكيماوية وكل هذا بلغ الى قيادة الكتيبة ومدفعية اللواء مما جعلنا نكون مثلا لوحدات الهاون الاخرى فى اللواء .. شعرت اننى تشبعت من معلوماتى سواء النظرية او التدريب العملى ولم ينقصنا سوى الاشتباكات الفعلية مع العدو.

      علمت فيما بعد المتسبب فى اشاعة تلك المعلومات المغرضة عنى رغم انها صحيحة ورب ضارة نافعة .. انه الرقيب المجند زكى والذى كان على قوة كلية ضباط الاحتياط وُفصل وحُول الى رقيب مجند نظراً لتقرير الامن عنه بانه دائما يوسوس لزملائه باننا كمصريون فاشلون ولن نحارب وبدلا من تلك الدبابات والمدافع نقوم بتحويلها الى مواسير مياه للرى والصرف ونترك سيناء لليهود فهى صحراء وليس من ورائها فائدة .. كلام من هذا يفتت من عضد الشباب خاصة بعد مظاهرات الطلبة فى الجامعات عام 68 على احكام النكسة وما تسبب عنه من نتائج فدفعت بالرئيس جمال عبدالناصر ان يلغى تلك الاحكام واعادة المحاكمة .

       اول يوم وصل فيه زكى الى السرية وصلنى معه تقرير الامن طالبا منى وضعه تحت المراقبة وكتابة تقرير مفصل عنه .. كان الشاب مُرتد وطنيا من اثر الهزيمة كما انه مُفلس فكريا ويريد الحديث .. فقد كان يهوى الخطابة فوجد امامه احسن فرصة وهم الجنود وخاصة انصاف المتعلمين ليصغون اليه وهو الشاب الجامعى الذى كان مجندا ضابطا وعلى حد قوله للجنود انه هو الذى طلب من المسؤلين بان يصبح جنديا ليقف مع باقى الجنود .. كان واضحا نقمته على جميع القيادات وبدا يفرز سمومه والتى اول من اصابت هو قائده المباشر.

    وصل الى السرية النقيب فاروق متولى ليتولى قيادة السرية حيث ان مرتبها اثنين ضباط على ان يكون القائد برتبة نقيب .. كان طيبا وممتازاً فى معلوماته العسكرية لكنه كان كثير التحدث والرغى مع الجنود والاصطدام بهم مما يدفعهم الى الخطأ فيوقع عليهم الجزاءات التى قد تحرمهم من الاجازات .. اصبحت الملاذ لهم طالبين منى الدفاع عنهم امام قائد السرية ولكن اهم شىء يلفت النظرفى هذا القائد الوافد الجديد انه كان كارها للجلوس فى السرية راغبا فى الجلوس مع الرتب الاكبر النقيب والرائد وهكذا عُدت الى المربع الاول وهو عدم الاهتمام بالرتب الصغيرة حتى النقيب وهى الرتبة التالية لى بعد رتبتى الحالية يريد الابتعاد عن وحدته لانه يريد مجالسة من هم على رتبته او ارقى منه

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech